الصفحة السابقة الصفحة التالية

المعيار والموازنة

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 101

والمحلين عند أحدوثة اقتدى فقهاؤكم (1) وبالعلم والصبر على الحرب بمحض اليقين هو البائن عن الخلق. والعفو عند القدرة هو المذكور به عند علماء السيرة والدعاء بالرفق في كلامه مشهور. والبلاغة في القول ما ينكره من عرف كتبه ورسائله. وسأذكر من فضل رأيه في الحرب، وحسن سيرته، وقوة تدبيره، ووضوح حجته ما لا يمتنع من قبوله قلب من ألقى السمع وهو شهيد.

(هامش)

(1) كذا. (*)

ص 102

[ذكر قبسات من حججه البالغة وكتبه المنيرة وسيرته الميمونة ورأيه الصائب وتدبيره الباهر].

 ذكروا أن رجلا قام إليه يقال له: أبو بردة - وكان ممن تخلف عنه يوم الجمل - فقال: يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة وطلحة والزبير؟ بم قتلوا؟ قال: بمن قتلوا من شيعي وعمالي، وقتلهم أخا ربيعة العبدي رحمة الله عليه في عصابة من المسلمين قالوا: لا ننكث كما نكثتم، ولا نغدر كما غدرتم. فقتلوهم، فسألتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني منهم، أقتلهم بهم، ثم كتاب الله بيني وبينهم حكم، فأبوا وقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي، ودماء قريب من ألف إنسان من المسلمين من شيعتي، فقاتلتهم بهم، أوفي شك أنت من ذلك؟ فقال: قد كنت في شك، فأما الآن فقد عرفت واستبان لي خطأ القوم، وأنك المهتدي المصيب. فشهد معه [وقعة] صفين. وذكر [وا] أنه كتب إلى معاوية [بن أبي سفيان] (1): من [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب إلى معاوية، أما بعد، فإن الله أنزل [علينا] كتابه فلم يدعنا في شبهة، ولا عذر لمن ركب ذنبا بجهالة، والتوبة مبسوطة، ولا تزر

(هامش)

(1) وهذا الكتاب مع الكتاب التالي رويناه مسندا في المختار: (94 - 95) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4 ص 254 ط 1. (*)

ص 103

وازرة وزر أخرى، وأنت أول من شرع الخلاف، متماديا في غره الأمل، مختلف العانية والسريرة، رغبة في العاجل، وتكذيبا بعد في الآجل، وكأنك قد تذكرت ما مضى منك، فهم تجد إلى الرجوع سبيلا. وكتب أيضا إلى عمرو بن العاص: من [عبد الله أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب إلى عمرو بن العاصي (1) أما بعد، فإن الذي أعجبك مما تلويت (2) من الدنيا، ووثقت به منها منفلت (3) منك، فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة، ولو اعتبرت بما مضى حذرت ما بقي، وانتفعت منها بما وعظت به، ولكن أتبعت هواك وآثرته، ولولا ذلك لم تؤثر على ما دعوناك إليه لأنا أعظم الرجاء (4) وأولى بالحجة والسلام. ثم كتب [عليه السلام] إلى أمراء الجنود وأمراء الخراج (5): بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى [أصحاب] المسالح / 31 / أما بعد فإنه حق على الوالي أ [ن] لا يغيره عن رعيته (6) فضل ناله، ولا فضل مرتبة خص بها (7) وأن يزيده ما قسم الله له دنوا من عباده وعطفا عليهم (8).

(هامش)

(1) وكان في الأصل كتب فوق حرفي: صي حرف ص . (2) هذا هو الظاهر الموافق لما رويناه في المختار: (95) من نهج السعادة، وفي الأصل المخطوط: فإن الذي لم أعجبك مما ناديت من الدنيا.. . (3) كذا في ظاهر رسم الخط، ويحتمل أيضا بعيدا أن يقرأ: منقلب منك . (4) كذا في الأصل، وفي المختار: (95) من نهج السعادة لأنا أعظم رجاءا.. . (5) هذا هو الظاهر الموافق لما ذكرناه في المختار: (84) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4 ص 228 ط 1. وفي المختار: (50) من الباب الثاني من نهج البلاغة: إلى أمرائه على الجيوش.. . وفي الأصل: ثم كتب إلى أمرء الخول وأمراء الخراج غير أن لفظتي: أمر الخول كتبتا في هامش الأصل. (6) هذا هو الصواب، وفي الأصل: إلى المشايخ أما بعد فإنه حق على الوالي أن لا يغيره عن رغبته فضل ناله.. . (7) وفي المختار: (84) من باب الكتب من نهج السعادة: أما بعد فإن حق الوالي ألا يغيره على رعيته أمر ناله ولا أمر خص به.. . (8) وفي المختار: (50) من باب الكتب من نهج البلاغة: فإن حقا على الوالي أن ألا يغيره على رعيته فضل ناله ولا طول خص به، وأن يزيده ما قسم الله من نعمه دنوا من عباده وعطفا على إخوانه... . (*)

ص 104

ألا وإن لكم عندي أ [ن] لا أحتجز دونكم سرا إلا سرا في حرب، ولا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم، ولا أؤخر النعمة بكم عن محله (1) وأن تكونوا عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة و[لي عليكم] الطاعة، وأن لا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق فإن أنتم لم تسمعوا لي على ذلك، لم يكن أحد أهون علي ممن فعل ذلك منكم، ثم أعظم فيه عقوبته، ولا يجدي عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من أمرائكم وأعطوا من أنفسكم هذا يصلح الله لكم أمركم والسلام.

(هامش)

(1) كذا في الأصل، وفي نهج البلاغة: ولا أخر لكم حقا عن محله ولا أقف به دون مقطعه . وهو الظاهر وما وضعناه في التالي بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة. (*)

ص 105

[خطبة أمير المؤمنين عليه السلام لما بلغه أن المعرضين عن الحق تخلفوا عنه، ثم دعوته إياهم وتكلمه معهم وعتابه لهم بمرأى ومسمع من الناس، والمهاجرين والأنصار].

وذكروا أنه لما بلغه تخلف ابن عمر عن بيعته، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة، قام رضي الله عنه خطيبا في الناس، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أهل بيته ثم قال: أيها الناس إنكم بايعتموني على ما كان بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار للناس قبل البيعة، فإذا بايعوا فلا خيار لهم. ألا وإن على الإمام الاستقامة، وعلى الرعية التسليم، وهذه بيعة عامة، من ردها رغب عن دين المسلمين، واتبع غير سبيلهم (1). ألا وإنه لم تكن بيعتكم إياي فلتة، ولا عليها لبس [ظ] [ليس] أمري وأمركم واحدا، إنما أريد كم لله وأنتم تريدوني لأنفسكم. وأيم الله لأنصحن الخصم، ولأنصفن المظلوم (2) وقد بلغني عن ابن عمر وسعد

(هامش)

(1) وفي المختار: (55) من نهج السعادة: ج 1، ص 196، ط 1: وهذه بيعة عامة من رغب عنها [رغب] عن دين الإسلام واتبع غير سبيل أهله.. . (2) وفي المختار: (137) من نهج البلاغة: أيها الناس أعينوني على أنفسكم وأيم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه ولأقودن الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق وإن كان كارها . (*)

ص 106

ابن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة، أمور كرهتها، والحق بيني وبينهم في ذلك (1). ثم نزل [عن المنبر] رضي الله عنه، وبعث إليهم فأتوه، وجمع الناس ثم قال لهم: بلغني عنكم أمور كرهتها، ألا وإني لست أكرهكم على القتال بعد بيعتي، فأخبروني ما الذي بطأ بكم عما دخل فيه المسلمون؟ وما الذي تكرهون من القتال معي؟ أليس قد بايعتم أبا بكر وعمر وعثمان؟ قالوا: بلى. قال: فأخبروني لو أن ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص قاتلا أحدا من الخلفاء، أكنتم تقاتلونهما معهم؟ قالوا: نعم. قال: فلم تكرهون القتال معي وقد تشاورتم (2) في بيعتي ثلاثة أيام ولياليهن، وقد علمتم أني لست دون خلفائكم، فأخبروني عنكم هل تخرجون (3) من بيعتي؟ قالوا: لا والله ولكنا نكره معك قتال أهل الصلاة! قال علي رحمه الله: فإن أبا بكر قد استحل قتال أهل الصلاة، وقد رأى عمر مثل ذلك. فقال مالك بن الحارث الأشتر: يا أمير المؤمنين إنا وإن لم يكن لنا من القدم ما لهم، فإنهم ليسوا بأولى مما شاركناهم فيه منا، وهذه بيعة عامة، الخارج منها طاعن، والمنثني عنها مستعتب، فلا يتبعن الناس أهواءهم، فإن أدبهم اليوم باللسان وغدا بالسيف وليس من يتثاقل عنك كمن خف معك. وذكروا أن عبد الله بن عمر قال: [يا] أبا الحسن أنشدك الله والرحم أن تدخلني فيما لا أعرف، إنما أنا حمل رداح لا غدو له ولا رواح (4).

(هامش)

(1) وفي نهج السعادة: وقد بلغني عن سعد وابن مسلمة، وأسامة وعبد الله وحسان بن ثابت أمور كرهتها والحق بيني وبينهم.. . (2) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: وقد تشاوري.. . (3) هذا هو الظاهر، والكلمة كانت في الأصل مكتوبة بحائين مهملتين. (4) والرداح من الأشجار: الكبيرة منها. ومن الكباش: الضخم الإلية. (*)

ص 107

[استئذان عمار بن ياسر من أمير المؤمنين عليه السلام في أن يتكلم مع ابن عمر ومحمد بن مسلمة. ثم كلام أمير المؤمنين عليه السلام في المتخلفين عنه].

 ثم انصرف القوم. فذ كروا أن عمار بن ياسر رحمة الله، قال: يا أمير المؤمنين إئذن لي في كلام ابن عمر. فأذن له. فقال له عمار: يا ابن عمر إنه قد بايع عليا من المهاجرين والأنصار من إن فضلناه عليك لم يغضبك، وإن فضلناك عليه لم يرضك وقد أنكرت السيف في قتال أهل الصلاة، وقد علمنا وتعلم أن القاتل عليه القتل، والمحصن عليه الرجم، فهذا يقتل بالسيف، وهذا يرجم بالحجارة، ألا وإن عليا لم يقاتل أحدا من أهل الصلاة حتى يلزمه من حكم القتال ما يلزم هؤلاء. قال: فضحك ابن عمر وقال: يا أبا اليقظان، إن عمر جمع أهل الشورى من قريش، وهم الذين قبض رسول الله وهو عنهم راض، فكان أحقهم في نفس ابن عمر / 32 / علي بن أبي طالب، وهو اليوم على ما كان عليه أمس، وهذه البيعة كبيعة عثمان، غير أنه جاء أمر فيه السيف فضعفت عنه، ولكن الله يا أبا اليقظان، ما أحب أن الدنيا وما فيها لي، وإني أظهرت عداوة علي بن أبي طالب يوما، أو أضمرت بغضه ساعة. قال: فضحك عمار وقال: يعلمون ولا يعملون، ويقولون ما لا يفعلون. فرجع [عمار] إلى علي رحمة الله عليه، ثم استأذنه في أمر محمد بن مسلمة

ص 108

[فأذن له] فلما لقيه عمار قال له محمد: مرحبا يا أبا اليقظان على فرقة بيني وبينك، إنه والله لولا ما في يدي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لبايعت [عليا على القتال] ولو أن الناس استمالوا المسلمين (1) ومال علي جانبا لكنت معه، ولكن سقط إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الرأي. فقال له عمار: حسبك يا ابن مسلمة، أخبرني كيف قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ [أقال لك] إذا رأيت أهل الصلاة يقتتلون؟ أو إذا رأيت المسلمين يقتتلان؟ فوالله لا ترى مسلمين يقتتلان أبدا، وإن كان قال [لك: إذا رأيت] أهل الصلاة [يقتتلون] فمن سمع هذا معك؟ فإنما أنت أحد الشاهدين، وعندنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قول بعد قولك [قاله في] يوم حجة الوداع، أنه قال: دماؤكم عليكم حرام إلا بحدث. [وهل كان] فيقول: يا محمد لا تقاتل المحدثين؟ ألا ومن كذب على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] متعمدا فليتبؤا مقعده من النار. فقال محمد: حسبك يا أبا اليقظان يرحمك الله. وذكروا أن عليا قال لعمار بن ياسر: دع عنك هؤلاء الرهط الثلاثة، أما ابن عمر فضعيف في دينه، وأما سعد بن أبي وقاص فحسود، وأما محمد بن مسلمة فذنبي إليه أني قتلت قاتل أخيه مرحبا يوم خيبر.

(هامش)

(1) كذا. (*)

ص 109

[خطبة أمير المؤمنين عليه السلام لما أخبره أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن طلحة والزبير التقيا ببني أمية ممن كان منهم بمدينة، فأجمع رأيهم على نقض ببعتك].

وذكروا أن عليا رضي الله عنه لما قسم بينهم بالسوية، وأعطى الأسود والأحمر (1) عطية واحدة، أنكر ذلك من فعله قوم ووجدوا من ذلك، ومشى بعضهم إلى بعض بالعتب والطعن. فبلغ ذلك أصحابه من المهاجرين والأنصار، فاجتمع أبو الهيثم بن التيهان وخزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين، وعمار بن ياسر، ورفاعة بن رافع، وأبو حية وخالد بن زيد وسهل بن حنيف، فتشاوروا، فاجتمع رأيهم على أن يركبوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويخبروه أن طلحة والزبير ومن كان من بني أمية بالحجاز قد اجتمع رأيهم واشتملت (2) عداوتهم، وهم مصرون على أمر لا نأمنهم عليه. فركبوا إلى علي بن أبي طالب، فقالوا: يا أمير المؤمنين انظر في أمرك، وعاتب قومك هذا الحي من قريش، فإنهم قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك، وقد دعونا في السر إلى رفضك، هداك الله لرشدك، وذلك لأنهم فقدوا الأثرة، وكرهوا الأسوة، فلما استتب (3) بينهم وبين الأعاجم، أنكروا، واستشاروا عدوك، فاجتمع رأيهم

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: الأسود والأخضر . (2) هذا هو الظاهر، وذكره في الأصل بالسين المهملة. (3) كذا. (*)

ص 110

على أن يطلبوا بدم عثمان، فرقة للجماعة، وائتلافا لأهل الجهالة!. فرأيك. فأقبل علي راكبا بغلة رسول الله الشهباء، فدخل المسجد، فركب المنبر مغضبا [و] عليه عمامة خز سوداء، مرتديا بطاق، متزرا ببرد قطري، متوشحا سيفا، متوكئا على قوس، فقال: أما بعد أيها الناس، فإنا نحمد الله ربنا وإلهنا وولي النعمة علينا، الذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة، بغير حول منا ولا قوة إلا امتنانا علينا، وفضلا ليبلونا أنشكر أم نكفر، فمن شكر زاده ومن كفر عذبه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحدا صمدا. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه رحمة للعباد والبلاد والبهائم والأنعام، نعمة أنعم به علينا ومنا وفضلا صلى الله عليه وسلم. فأفضل الناس - أيها الناس - عند الله منزلة، وأعظمهم شرفا، وأقربهم من رسول الله قربا، وأعظمهم عند الله خطرا أطوعهم لأمر الله، وأعلمهم بطاعة الله، أعملهم وأتبعهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحياهم لكتاب الله، فليس / 33 / لأحد ممن خلق الله عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنة نبيه عليه السلام. هذا كتاب الله بين أظهركم، وعهد نبي الله وسيرته فينا لا يجهلها إلا جاهل معاند عن الحق، يقول الله في كتابه: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم (1) فمن أتقى فهو الشريف المكرم المحب. وكذلك أهل طاعة الله وطاعة رسوله، لقول الله في كتابه: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الآية: [31 / آل عمران: 3].

(هامش)

(1) وذكرها في الأصل إلى قوله: لتعارفوا ثم قال: إلى [قوله] عند الله أتقاكم.. . (*)

ص 111

ويقول [الله]: [و] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإن الله لا يحب الكافرين (1). ثم صاح بأعلى صوته: يا معشر المهاجرين، يا معشر الأنصار، يا معشر المسلمين أتمنون على الله ورسوله بإسلامكم؟ ولله ولرسوله المن عليكم إن كنتم صادقين. ثم نادى: ألا إنه من استقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أجرينا عليه أحكام القرآن، وأقسام الإسلام ليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله وطاعته، جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأوليائه وأحبابه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ثم قال: ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تطلبونها، وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم، ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له، ولا الذي دعيتم إليه. ألا وإنها ليست بباقية لكم، ولا تبقون عليها، ولا تغرنكم فقد حذرتموها، ووصفت لكم وجربتموها، فأصبحتم لا تحمدون عواقبها. فسابقوا إلى منازلكم التي أمرتم أن تعمروها، فهي العامرة التي لا تخرب أبدا [و] الباقية التي لا تنفد، وهي التي رغبكم الله فيها، ودعاكم إليها، وجعل لكم الثواب فيها. فانظروا يا معشر المهاجرين والأنصار وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول الله (2) وجاهدتم عليه فبم فضلتم؟ أبحسب أو نسب؟ أو بعمل وطاعة؟ فاستتموا نعم الله عليكم يرحمكم الله بالصبر لأنفسكم على طاعة الله، والذل لحكم الله، والمسارعة في رضوان الله، والمحافظة على ما استحفظكم الله من كتابه

(هامش)

(1) وذكرها في الأصل هكذا: أطيعوا الله - إلى [قوله:] لا يحب الكافرين . (2) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (57) من نهج السعادة: ج 1، ص 203 ط 1. وفي الأصل: ونذلتم به عن رسول الله... . (*)

ص 112

ألا وإنه لا يضركم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. ألا و[إنه] لا ينفعكم شيء حافظتم عليه من دنياكم بعد تضييع ما أمرتم به من التقوى. عليكم عباد الله بتقوى الله، والتسليم لأمره، والرضا بقضائه والصبر على بلائه. فأما هذا الفئ، فليس لأحد على أحد فيه أثره قد فرغ الله من قسمه، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون. وهذا كتاب الله به أقررنا، وعليه شهدنا وله أسلمنا، وعهد نبينا عليه السلام بين أظهرنا. فسلموا رحمكم الله لأمر الله، فمن لم يرض بهذا فليتبوأ حيث شاء وكيف شاء، فإن العامل بطاعة الله، والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه، أولئك حزب الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأولئك هم المفلحون. نسأل الله ربنا وإلهنا أن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته، وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم (1). ثم نزل عن المنبر وصلى ركعتين، وبعث بعمار إلى طلحة والزبير وهما في ناحية من المسجد، فقاما فجلسا إليه، فقال لهما (2): أنشد كما الله، هل جئتماني تبايعاني طائعين، ودعوتماني إليها وأنا كاره؟ قالا:

(هامش)

(1) إلى هنا رويناه في المختار: (57) من نهج السعادة: ج 1 ص 200 ط 1، نقلا عن كتاب تحف العقول ص 125، وغيره. (2) وفي الأصل: فقال علي بن أبي طالب.. . (*)

ص 113

اللهم نعم. قال: غير مجبورين ولا مقسورين فأسلمتما لي بيعتكما، وأعطيتماني عهد كما؟ قالا: اللهم نعم. فقال علي: الحمد لله رب العالمين على ذلك. ثم قال لهما: فما عدا مما بدا (1)؟ قالا: أعطيناك بيعتنا على أن لا تقطع الأمر دوننا وأن تستشيرنا / 34 / في الأمور، ولا تستبد بها عنا، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت! فأنت تقسم القسوم، وتقطع الأمور، وتمضي الأحكام بغير مشاورتنا، ولا رأينا ولا علمنا. فقال علي رحمه الله: لقد نقمتما يسيرا، وأرجئتما كثيرا، استغفر الله لي ولكم. ثم قال [لهما]: ألا تخبراني أفي شيء لكما فيه حق دفعتكما عنه؟ أم في قسم استأثر [ت] به عليكما؟ قالا: معاذ الله. قال: ففي حق رفعه إلي أحد من المسلمين ضعفت عنه أو جهلته، أو حكم أخطأت فيه (2)؟ قالا: اللهم لا. قال: ففي أمر دعوتماني إليه من أمر عامة عامة المسلمين فقصرت عنه وخالفتكما فيه؟ قالا: اللهم لا. قال: فما الذي كرهتما من أمري، ونقمتما من تأميري، ورأيتما من خلافي؟ قالا: خلافك عمر بن الخطاب وأئمتنا وحقنا في الفئ (3) جعلت حقنا في الإسلام كحق غيرنا، وسويت بيننا وبين من أفاء الله به علينا بسيوفنا ورماحنا وأوجفنا عليه بخيلنا وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسرا [ممن] لم يأتوا الإسلام إلا كرها. فقال علي - رحمة الله عليه - الله أكبر الله أكبر اللهم إني أشهدك عليهما، وأشهد من حضر مجلسي هذا اليوم عليهما.

(هامش)

(1) وكان في الأصل كتب أولا هكذا: فما عدا كما مما بعد . ثم شطب على لفظي: كما وبعد . (2) كذا في الأصل، وفي المختار: (203) من نهج البلاغة: ألا تخبراني أي شيء لكما فيه حق دفعتكما عنه؟ وأي قسم استأثرت عليكما به؟ أم أي حق رفعه إلي أحد من المسلمين ضعفت عنه أو جهلته؟ أم أخطأت بابه . وهو أظهر. (3) كذا. (*)

ص 114

ثم قال: أما ما احتججتما به علي من أمر الاستشارة فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة، ولا لي فيها محبة (1) ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، وأنا كاره فخفت أن تختلفوا وأن أردكم عن جماعتكم. فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمر بالحكم فيه (2) وما قسم واستن النبي عليه السلام فأمضيته وابتعته، فلم أحتج إلى رأيكما ولا دخولكما معي، ولا غيركما، ولم يقع حق جهلته فأثق برأيكما فيه وأستشيركما وإخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما إذا كان أمر ليس في كتاب الله بيانه وبرهانه، ولم يكن فيه سنة من نبينا عليه السلام ولم يمض فيه أحكام من إخواننا ممن يقتدى برأيه ويرضى بحكمه. وأما ما ذكرتما من الأسوة. فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه ولم أقسمه، قد وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما قد فرغ الله من قسمته (3) وأمضى فيه حكمه. وأما قولكم جعلت لهم فيئنا وما أفاءت رماحنا وسيوفنا فقدما ما سبق إلى الإسلام قوم لم يضرهم في شيء من الأحكام إذا استؤثر عليهم، ولم يضرهم حين استجابوا لربهم والله موفيهم يوم القيامة أعمالهم. ألا وإنا مجرون عليهم أقسامهم فليس لكما والله عندي ولا لغير كما في هذا عتبا (4). أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق وألهمنا وإياكم الصبر. ثم قال: رحم الله رجلا رأى حقا فأعان عليه، أو رأى جورا فرده، وكان عونا للحق على صاحبه.

(هامش)

(1) كذا في الأصل، وفي المختار السالف الذكر من نهج البلاغة: والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة.. وهو أظهر.. (2) وفي النهج: نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته، وما استسن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاقتديته.. . (3) كذا في الأصل، وفي نهج البلاغة: بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد فرغ منه فلم أحتج إليكما فيما فرغ الله من قسمه وأمضى فيه حكمه... (4) كذا في النسخة فإن صحت فمعنى الكلام: ليس لكما ولا لغير كما في عملي هذا معاتبة وموجدة وملامة أي لا ينبغي لكما ولا لغير كما أن تعاتباني.. وفي نهج البلاغة: عتبي بالمقصورة. (*)

ص 115

[بعث أمير المؤمنين ابنه الحسن وعمار بن ياسر - صلوات الله عليهما - إلى الكوفة ليستنفرا أهلها لما أراد أن يذهب إلى البصرة لإخماد فتنة طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة].

 ثم إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعث بالحسن وعمار بن ياسر حين خف للمسير إلى أهل الكوفة يستنفرهم، وكان أبو موسى قد حول الناس عن علي. فقام عمار بن ياسر خطيبا في أهل الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس هذا أخو نبيكم وابن عمه يستنصركم ويستنفركم لنصر دين الله. وقد ابتليتم بحق أمكم (1) وحق ربكم أوجب عليكم، وحرمته أعظم. ثم أقبل على أبي موسى فقال: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنها ستكون فتنة بعدي الماشي فيها خير من الساعي، والقاعد فيها خير من الماشي؟!! قال أبو موسى: هذه يدي بما قلت. فقال له عمار: إن كنت صادقا إنك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك فإنما عناك بذلك وحدك وأنت كذلك، واتخذ بذلك عليك الحجة فإن كنت صادقا فالزم بيتك ولا تدخل في شيء من هذه الأمور.

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر، وأراد من قوله: أمكم أم المؤمنين عائشة. وزاد كاتب الأصل بعد الألف بين السطرين حرف ما وكتب بعده حرف ظ هكذا: ( أمكم ومقصوده أن الظاهر من السياق هو: إمامكم لا أمكم . (*)

ص 116

فافهموا هذه الأقاويل ممن خالف أمير المؤمنين كيف يضعف ويتناقض عند كلام المحقين! لأن الذي أتى به أبو موسى / 35 / إن كان المراد فيه ما ذهب إليه فلم يأت ببيان ولا حجة ولا رأي يعتمد عليه و[لا سيما أنه] سكت [بعدما قرعه عمار بالحجة] فقد صار [من أجل] سكوته [عن جواب عمار] حائرا وفي أشر الطائفتين رأيا. (*)

ص 117

[خطبة الصحابي الكبير عمار بن ياسر رفع الله مقامه في أهل الكوفة.

 وحثه إياهم على اللحوق بأمير المؤمنين عليه السلام]. ثم أقبل عمار بوجهه فقال: أيها الناس إنا إنما خشينا على هذا الدين أن يتعرى أديمه، وأن يهن من جوانبه، وقد نظرنا لأنفسنا، ورضينا بعلي بن أبي طالب لنا خليفة وإماما ودليلا ومؤدبا، فنعم الخليفة ونعم الدليل، مؤدبا لا يؤدب، وفقيها لا يعلم، وصاحب بأس لا ينكل، وسابقة في الإسلام ليست لأحد، فانهضوا إليه رحمكم الله فإن عصابة من الناس حالفوا عليه فتوجهوا إلى البصرة عاصين له باغين عليه، حاسدين له، ولو قد حضرتموهم تبين لكم أنهم ظالمون. وهذا ابن بنت نبيكم قد أتاكم يستنفركم. أيها الناس إنكم بين منظر ومسمع من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والله ما درست المصاحف ولا عفا الأثر ولا قدم العهد ولا بالسنن والأحداث التي حدثت من خفاء فيجهل جاهل أو يقول قائل: وقد سمعتم ما قال صاحبكم والذي نهاكم عنه من الشخوص إلى هذين الجمعين، ولعمري ما صدق فيما قال، ولا رضي الله من عباده بالذي ذكره لقد أنزل الله علينا قرآنا بين فيه طاعته من معصيته، وحكم فيها أحكامه ولم يدع ملة من الملل إلا وقد حكم فيها بالجهاد حتى يفيئوا إلى أمر الله، فحكم على المشركين أن يقاتلوا حتى يدخلوا في

ص 118

الإسلام فقال: واقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [66 / التوبة: 9] (1). وقال: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم [14 / التوبة]. وقال في ملة أهل الكتاب: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله (2) ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون [28 / التوبة: 9]. فجعل غاية أمرهم أن يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أو يقتلوا أو تسبى ذراريهم ويؤخذ أموالهم. وقال في أهل القبلة: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما (3) فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله [فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين] . وقال في الآية الأخرى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله الله [39 / الأنفال: 8]. فلم يرض الله من أهل طاعته من عباده أن يجلسوا في بيوتهم، وأن يخلوا بين الناس يسفك بعضهم دماء بعض، فسيروا بنا رحمكم الله إلى هذين الجمعين فاستمعوا من حججهم، ثم انظروا من أولى بالعهد والنصر فيما افترض الله عليكم فإن أصلح

(هامش)

(1) وقال في الآية: (191) من سورة البقرة ب‍: فاقتلوهم حيث ثقفتموهم . وقال في الآية: (89 و91) من سورة النساء: فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم . وقال: فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم . وقال في الآية: (193) من سورة البقرة: وقاتلوهم حتى لا يكون فتنة ويكون الدين لله . وقال في الآية 29 من سورة الأنفال: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله . (2) إلى هنا ذكرها في الأصل ثم قال: إلى [قوله تعالى] وهم صاغرون . (3) إلى هنا ذكرها في الأصل ثم قال: إلى [قوله:] تفئ إلى أمر الله . والآية هي الآية: (12) من سورة الحجرات: (49). وإنما وضعنا ذيل الآية الكريمة بين المعقوفين للإشارة على أنه زائد عما رواه المصنف، وإنما ذكرناه إتماما للفائدة. (*)

ص 119

الله أمرهم رجعتم مأجورين وقد قضيتم حق الله عليكم، وإن بغى بعضهم على بعض نظرتم في الفئة الباغية وعرفتموها كما أمركم الله وافترض عليكم. فلما سمع الناس قول عمار بن ياسر عرجوا عن أبي موسى وقالوا: يا أبا اليقظان إنك كنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي تعلم فنسألك بحق الله وحق رسوله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر هذه الفتنة؟ فقال عمار: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بقتال الناكثين والقاسطين، وأمرنا بقتال المارقين من أهل النهروان بالطرقات (1) وسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مع الحق والحق مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض يوم القيامة (2). فقبل الناس قول عمار بن ياسر واستجابوا له. فانظروا رحمكم الله في أمر من خالف عليا وحاربه كيف كشف ضعفه وبغيه؟! و[كيف] يظهر الانتشار في قوله وفعله. ويقر على نفسه قبل قيام الحجة عليه. هذا أبو موسى يبايع لعلي بن أبي طالب في أول الأمر، فلما بلغه أن عليا ناقم عليه وأن رأيه أن يبعث بغيره [مكانه] غير كلامه وخذل الناس عنه. قالوا: ثم قام [ظ] الحسن بن علي فتكلم وحرض الناس على الجهاد.

(هامش)

(1) قد ذكرنا في تعليق ص 36 أن الحديث من أعلام النبوة ومتواترات الأخبار وأنه رواه جم غفير من علماء المسلمين فراجع. (2) وقد تقدم في تعليق ص 31، الإشارة إلى مصادر الحديث. (*)

ص 120

[خطبة زيد بن صوحان العبدي رفع الله مقامه في أهل الكوفة، وتقريضه عليا عليه السلام. ثم حثه أهل الكوفة باللحوق به وائتمارهم بأمره].

 ثم قام زيد بن صوحان فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس ما في الله ولا في نبيه من شك ولا بالحق / 36 / والباطل من خفاء (1) وإنكم على أمر جدد وصراط قيم، إن بيعة علي بيعة مرضية لا تقبض عنها يد موقن ولا يبسط إليها مخطئ كفه. [أيها الناس] هل تعلمون لأمير المؤمنين علي من خلف؟ هل تنقمون له سابقة؟ أو تذمون له لاحقة؟ أو ترون به أودا؟ أو تخافون منه جهلا؟ أليس هو صاحب المواطن التي من فضلها لا تعدلون به؟ فمن عمود هذا الأمر ونظامه إلا هو؟ [و] قد جاءنا أمر الله، وسمعناه قبل مجيئه ولا بد له من أن يتم كأني أنظر إليه. ثم رفع صوته ينادي: عباد الله إني لكم ناصح، وعليكم مشفق، أحب أن ترشدوا ولا تغووا، وإنه لا بد لهذا الدين من وال ينصف الضعيف من الشديد، ويأخذ للمظلوم بحقه من الظالم، ويقيم كتاب الله، ويحيي سنة محمد صلى الله عليه وسلم (2). ألا وإنه ليس أحد أفقه في دين الله، ولا أعلم بكتاب الله، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فانفروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وسيروا على اسم الله فإنا سائرون ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون [1 / العنكبوت: 29].

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: من سقا . (2) وكتب هنا في الهامش لفظي: عليه السلام بلا نصب علامة. (*)

ص 121

[كلام حجر بن عدي رفع الله مقامه في تقريض الإمام الحسن وحث الناس على اللحوق بأمير المؤمنين عليه السلام والجهاد معه]

. [ثم] قام حجر بن عدي (1) فقال: أيها الناس هذا الحسن بن علي أحد أبويه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخر من ليس له عديل من أمة محمد ولا شبيه، هذا سيد شباب أهل الجنة، سيد شباب العرب والعجم في الدنيا والآخرة، وهو رسول أبيه إليكم يدعوكم إلى الحق والنصر لدين الله، فالسعيد من وازره، والشقي من تخلف عنه، فانفروا رحمكم الله خفافا وثقالا وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم لعلكم تفلحون. فتهيأ الناس للمسير وأجابوا مسارعين والحمد لله رب العالمين.

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: وقام حجر بن عدي . (*)

ص 122

[كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أصحاب الخراج].

 وذكروا أيضا أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتب إلى أصحاب الخراج: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أصحاب الخراج سلام عليكم (1). أما بعد فإنه من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدم لنفسه ما يحررها ومن اتبع هواه وانقاد له وآثر ذلك على ما يعرف أهلك نفسه وعما قليل ليصبحن نادمين. ألا وإن أسعد الناس في الدنيا من عدل عما يعرف ضره، وإن أشقاهم من اتبع هواه. فاعتبروا واعلموا أن لكم ما قدمتم من خير وما كان مما سوى ذلك، وددتم لو أن بينكم وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد. واعلموا أن عليكم وبال ما فرطتم فيه، وأن الذي كلفتم ليسير، وأن ثوابه لكبير. ولو لم يكن فيما نهى الله عنه من البغي والعدوان عقاب يخاف، كان ثوابه ما لا

(هامش)

(1) وهذا هو المختار: (85) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4 ص 232، والمختار: (51) من الباب الثاني من نهج البلاغة. (*)

ص 123

عذر لأحد بترك طلبه، فارحموا ترحموا، ولا تعذبوا خلق الله، ولا تكلفوهم فوق طاقتهم، وأنصفوا الناس من أنفسكم، واصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية. ولا تتخذوا حجابا، ولا تحبسوا أحدا عن حاجته، ولا تأخذوا أحدا بأحد إلا كفيلا عمن كفل عنه (1) واصبروا أنفسكم على ما فيه اغتباطكم. وإياكم وتأخير العمل بالتواني والعلل، ودفع الخير بالكسل، فإن في ذلك حرمان الأبد. وخذوا على أيدي سفهائكم، واحترسوا أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد علينا وعليكم دعاؤنا، ولذلك قال [الله]: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم [77 / الفرقان: 25] وإن الله إذا مقت قوما أهلكهم، فلا تدخروا أنفسكم خيرا، ولا الجند حسن سيرة، ولا الرعية معونة، ولا دين الله قوة، وأبلوا قوتكم في سبيله ما استوجب عليكم فإن الله قد اصطنع عندنا وعندكم فيحب أن نشكره جهدنا وأن ننصره ما بلغت قوتنا (2) ولا قوة إلا بالله.

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (85) من باب الكتب من نهج السعادة، وفي الأصل ولا تأخذوا أحدا بأحد إلا كفيل من كفل عنه . (2) كذا في أصلي، وفي المختار: (51) من الباب الثاني من نهج البلاغة: وأبلوا في سبيله ما استوجب عليكم فإن الله سبحانه قد اصطنع عندنا وعندكم أن نشكره بجهدنا وأن ننصره بما بلغت قوتنا.. . (*)

ص 124

[كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عماله لما عزم على المسير إلى الفئة الباغية وإخوة الناكثين والمارقين معاوية وأتباعه القاسطين].

 فلما أراد [أمير المؤمنين] المسير كتب إلى عماله نسخة واحدة: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإن جهاد من صدف عن الحق رغبة عنه، ودب في نفس العمى والضلال (1) اختيارا له، فريضة على / 37 / العارفين بأمره. إن الله تبارك وتعالى يرضى عمن أرضاه ويسخط على من عصاه، وإنا قد هممنا بالمسير إلى هؤلاء القوم الذين عملوا في عباد الله بغير ما أمر الله، واستأثروا بالفئ، وعطلوا الحدود، وأماتوا الحق، وأظهروا الفساد في الأرض، واتخذوا الفاسقين وليجة دون المؤمنين، فإذا ظالم تابعهم على ظلمهم أحبوه وأدنوه وآثروه، وإذا ولي الله أعظم أحداثهم أبغضوه وأقصوه وحرموه، فقد أصروا على الظلم، وأجمعوا على الخلاف، وقعدوا عن الحق، وتعاونوا على الإثم وكانوا ظالمين. فإذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف على عملك أفضل أصحابك في نفسك وأقبل إلينا لعلك تلقى معنا هذا العدو المحل فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجامع المحق وتباين المبطل فإنه لا غنى بنا وبك عن أجر الجهاد، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والسلام. وبعث بها إلى عماله، وبعث بها إلى عبد الله بن عباس بالبصرة، فاستخلف عبد الله على البصرة أبا الأسود الدئلي وقدم على علي.

(هامش)

(1) كذا في الأصل، وفي المختار: (81) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4 ص 223: وهب في نعاس العمى والضلال.. (*)

ص 125

[قيام أمير المؤمنين عليه السلام في الناس ومشاورته إياهم للمسير إلى حرب معاوية، ثم حثه إياهم على قتال أهل الشام لما وافاه أصحابه. ومن كتب إليه بالقدوم عليه من عماله]

فلما توافي أصحابه قام في الناس يحرضهم على قتال أهل الشام، فقال: أيها الناس سيروا إلى أعداء الإسلام، سيروا إلى [من] حارب محمدا قديما وجماع طغام (1) سيروا إلى المؤلفة قلوبهم كيما تكفوا عن المسلمين بأسهم فطال والله ما صدوا عن سبيل الله وبغوا الإسلام عوجا، وتحالفوا وتحاربوا على رسول الله عليه السلام والمسلمين، وجعلوا لهم المراصد، ووضعوا لهم المسالح، ورموهم بالمناسر والكتائب، وصدوا رسول الله عليه السلام والمسلمين عن المسجد الحرام، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وجدوا في إطفاء نور الله حتى أظهره الله وهم له كارهون. وأيم الله ما زلنا لهم على الإسلام متهمين ولأحداثهم فيه خائفين، حتى نجمت منهم هذه الأمور التي ترون. فأشيروا علي فإنكم ميامين الرأي راجحي العقل مقاويل بالحق، مباركي الفعل والأمر (2). فقام إليه الأشتر فقال: إن جميع من ترى من الناس شيعتك وليسوا يرغبون بأنفسهم

(هامش)

(1) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: سيروا إلى حرب محمد قديما وحماع طغام . وانظروا المختار: (176) من نهج السعادة: ج 2 ص 95 ط 1، وكتاب صفين ص 94. (2) وقريبا منه رويناه في المختار: (175) من نهج السعادة: ج 2 ص 91 ط 1. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

المعيار والموازنة

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب