الحكم القائم، بل لتناحرت وتقاتلت مذاهب متعدّدة الأهداف والأغراض، ويضيع بذلك الكيان الإسلامي في اللحظة الحرجة التي يجب أن يلّتف المسلمون حول قيادة موحّدة، ويركّزوا قواهم لصدّ ما كان يترقّب أن تتمخّض عنه الظروف الدقيقة من فتن وثورات(1).
ومن هنا كان على الامام عليّ أن يختار الطريق الوسط ليحقّق أكبر قدر ممكن من الأهداف الرسالية التي جعله الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وصيّاً عليها.
ومن هنا نعرف أن الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) كان قد أعدّ للامام عليّ ((عليه السلام)) خطّتين أو خطّة واحدة ذات مرحلتين، فالمرحلة الاولى هي نصبه إماماً شرعياً وخليفةً له بشكل رسمي بعد الإعلان الصريح وأخذ البيعة له من المسلمين وإتمام الحجّة على جميع من حضر وغاب عن مشهد يوم الغدير.
وحين كان الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) ذلك القائد السياسي المحنّك الذي أثبت للتأريخ ولمن عاصره جميعاً نفاذ بصيرته وبُعد نظره وشفقته على اُمّته وارتباطه المستمر بعالم الغيب والعلم الإلهي الذي شاء للشريعة الاسلامية أن تكون خاتمة الشرائع وعلى أساسها ينبغي أن تتحقّق أهداف الرسالات الإلهية جميعاً.. فمن هنا ومن حيث علمه ((عليه السلام)) بمدى وعي الاُمّة للرسالة الاسلامية في عصره ومدى اندماجها وذوبانها في قيم الرسالة، وطبيعة المجتمع الذي أسلم أو استسلم لدولة الرسول بما كان يشتمل عليه من عصبيات وقيم جاهلية يصعب اجتثاثها بسرعة وبخطوات تربوية قصيرة... لكلّ هذا وغيره ممّا يمكن أن يدركه المتأمّل في الظروف المحيطة بالرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وبدولته، يشعر المتأمّل بضرورة وجود تخطيط بعيد المدى
(1) فدك في التاريخ، الشهيد الصدر: 102 ـ 105.