بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد العاشر/ القسم الرابع عشر: رد الروایات الواردة فی الصلاة علی ابن ابی، الاسلام هو الإقرار بالشهادتین

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

ردّ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ الروايات‌ الواردة‌ في‌ الصلاة‌ علی‌ ابن‌ أُبي‌ّ

 وَأَمَّا أُسْتَاذُنَا العَلاَّمَة‌ الطَّبَاطَبَائِي‌ّ  قدّس‌ الله‌ سرّه‌، فقد تعرّض‌ لهذا الموضوع‌ في‌ موضعين‌:

 الاوّل‌: في‌ ذيل‌ الآية‌ الكريمة‌:  اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن‌ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن‌ يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ. التردّد بين‌ الامر والنهي‌ كناية‌ عن‌ تساوي‌ الفعل‌ والترك‌؛ أي‌: أنّ فعل‌ الاستغفار لغو ، ولافائدة‌ فيه‌ كقوله‌ تعإلی‌:  قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَن‌ يُتَقَبَّلْ مِنكُمْ[1] .

 فالمعني‌: أنّ هؤلاء المنافقين‌ لا تنالهم‌ مغفرة‌ من‌ الله‌ ويستوي‌ فيهم‌ طلب‌ المغفرة‌ وعدمها ، لانّ طلبها لهم‌ لغو لا أثر له‌.

 وقول‌ الله‌ تعإلی‌:  إِن‌ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن‌ يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ  تأكيد لما ذكر قبله‌ من‌ لغويّة‌ الاستغفار لهم‌؛ وبيان‌ أ  نّه‌ طبيعة‌ المغفرة‌ لاتنالهم‌ البتة‌ سواء سئلت‌ المغفرة‌ في‌ حقّهم‌ أم‌ لم‌ تسأل‌ ، وسواء كان‌ الاستغفار مرّة‌ أم‌ مرّات‌ قليلاً أم‌ كثيراً. فذكر السبعين‌ كناية‌ عن‌ كثرة‌ الاستغفار، من‌ غيرأن‌ تكون‌ هناك‌ خصوصيّة‌ للعدد حتّي‌ يكون‌ الواحد والاثنان‌ من‌ الاستغفار، حتّي‌ يبلغ‌ السبعين‌ غير مؤثر في‌ حقّهم‌. فإذا جاوز السبعين‌ أثّر أثره‌. ولذلك‌ علّله‌ بقوله‌:  ذَ ' لِكَ بِأَ  نَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَهِ وَرَسُولِهِ.  أي‌: أنّ المانع‌ من‌ شمول‌ المغفرة‌ هو كفرهم‌ بالله‌ ورسوله‌ ، ولايختلف‌ هذا المانع‌ بعدم‌ الاستغفار، ولاوجوده‌ واحداً أو كثيراً ، فهم‌ علی‌ كفرهم‌. واستعمال‌ السبعين‌ في‌ الكثرة‌ المجرّدة‌ عن‌ الخصوصيّة‌ كاستعمال‌ المائة‌ والالف‌ فيها كثير في‌ اللغة‌ [2].

 وقال‌ في‌ البحث‌ الروائي‌ّ: وفي‌  « الدرّ المنثور »  أخرج‌ ابن‌ جرير وابن‌ أبي‌ حاتم‌ عن‌ عروة‌ أنّ  عَبْدَ اللَهِ بْن‌ أُبَي‌ّ  قال‌ لاصحابه‌: لولا أ  نّكم‌ تنفقون‌ علی‌ محمّد وأصحابه‌ ، لانفضّوا من‌ حوله‌ ، و هو القائل‌:  لَيُخْرِجَنَّ الاَعَزُّ مِنْهَا الاَذَلَّ  [3].

 يريد من‌ الاعزّ نفسه‌ ، والاذل‌ رسول‌ الله‌  ] والعياذ بالله‌ [. فأنزل‌الله‌ ( هذه‌ الآية‌ ):  اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن‌ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن‌يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ [4].

 قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: لازيدنّ علی‌ السبعين‌، فأنزل‌ الله‌:  سَـوَآءٌ علیهِمْ أَسْـتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْتَسْـتَغْفِرْ لَهُمْ لَن‌يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ[5] .

 وقال‌ بعد ذكر روايتين‌ أُخريين‌ بهذا المضمون‌ بسندين‌ آخرين‌ عن‌ « الدرّ المنثور »: ممّا لا ريب‌ فيه‌ أنّ هذه‌ الآيات‌ ممّا نزلت‌ في‌ أواخر عهد النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌؛ وقد سبقتها في‌ النزول‌ السور المكّيّة‌ عامّة‌ وأكثر السور والآيات‌ المدنيّة‌ قطعاً. وممّا لا ريب‌ فيه‌ لمن‌ يتدبّر كتاب‌الله‌ لارجاء في‌ نجاة‌ الكفّار والمنافقين‌ ، وهم‌ أشدّ منهم‌ إذا ماتوا علی‌ كفرهم‌ ونفاقهم‌؛ ولامطمع‌ في‌ شمول‌ المغفرة‌ الإلهيّة‌ لهم‌، فهناك‌ آيات‌ كثيرة‌ مكّيّة‌ ومدنيّة‌ صريحة‌ قاطعة‌ في‌ ذلك‌.

 والنبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أجلّ من‌ أن‌ يخفي‌ علیه‌ ماأنزل‌ الله‌ إلیه‌؛ أو أن‌ لايثق‌ بما وعدهم‌ الله‌ من‌ العذاب‌ المخلّد وعداً حتميّ، فيطمع‌ في‌ نقض‌ القضاء المحتوم‌ بالإصرار علیه‌ تعإلی‌ والإلحاح‌ في‌ طلب‌ الغفران‌ لهم‌.

 أو أن‌ يخفي‌ علیه‌ أنّ التردّد في‌ الآية‌ لبيان‌ اللغويّة‌؛ وأن‌ لاخصوصيّة‌ لعدد السبعين‌ حتّي‌ يطمع‌ في‌ مغفرتهم‌ لو زاد علی‌ السبعين‌.

 وليت‌ شعري‌: ماذا يزيد قوله‌ تعإلی‌ في‌ سورة‌ المنافقون‌:  « سواء أستغفرت‌ لهم‌ أم‌ لم‌ تستغفر لهم‌ لن‌ يغفر الله‌ لهم‌ إنّ الله‌ لايهدي‌ القوم‌ الفاسقين‌ »  علی‌ قوله‌ تعإلی‌ في‌ سورة‌ التوبة‌:  « استغفر لهم‌ أو لاتستغفر لهم‌ إن‌ تستغفر لهم‌ سبعين‌ مرّة‌ فلن‌ يغفر الله‌ لهم‌ ذلك‌ بأ  نّهم‌ كفروا بالله‌ ورسوله‌، والله‌ لايهدي‌ القوم‌ الفاسقين‌ »  ؟!  وقد علّل‌ الله‌ سبحانه‌ نفي‌ المغفرة‌ نفياً مؤبدّاً فيهما بأ  نّهم‌ فاسقون‌ ، والله‌ لايهدي‌ القوم‌ الفاسقين‌.

 فقد تلخّص‌ أنّ هذه‌ الروايات‌ وما في‌ معناها موضوعة‌ يجب‌ طرحها[6] .

 وقال‌ بعد ذلك‌: قوله‌ في‌ الروايات‌ التي‌ لم‌ تذكر عدم‌ الاستغفار في‌ سورة‌  ( المنافقون‌ )  وذكرته‌ في‌ سورة‌ التوبة‌ ، كالرواية‌ الواردة‌ في‌  « الدرّ المنثور »  إذ قال‌ رسول‌ الله‌ لعمر بعد هذه‌ القضيّة‌:  أَخِّرْ عَنِّي‌ يَا عُمَرُ إِنِّي‌ قَدْ خُيِّرْتُ؛ قَدْ قِيلَ لِي‌: «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن‌ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً»، فَلَوْ أَعْلَمُ أَ  نِّي‌ زِدْتُ علی‌ السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ، زِدْتُ علیهَا ، صريح‌ في‌ أ  نّه‌ كان‌ آئساً من‌ شمول‌ المغفرة‌ له‌ ، وهو يشهد بأنّ المراد من‌ قوله‌:  « إنّي‌ قد خيّرت‌ قد قيل‌ لي‌: استغفر لهم‌ أو لا تستغفر لهم‌ »  أنّ الله‌ قد ردّد الامر؛ ولم‌ينهه‌ عن‌ الاستغفار؛ لا أ  نّه‌ خيّره‌ بين‌ الاستغفار وعدمه‌ تخييراً حقيقيّاً حتّي‌ ينتج‌ تأثير الاستغفار في‌ حصول‌ المغفرة‌ أو رجاء ذلك‌.

 ومن‌ ذلك‌ يُعْلَمْ أنّ استغفاره‌ لعبدالله‌ بن‌ أُبي‌ّ ، وصلاته‌ علیه‌، وقيامه‌ علی‌ قبره‌ إن‌ ثبت‌ شي‌ء من‌ ذلك‌ ، لم‌ يكن‌ شي‌ء من‌ ذلك‌ لطلب‌ المغفرة‌ والدعاء له‌ جدّاً كما جاء في‌ رواية‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ القمّي‌ّ  [7].

 الثاني‌ في‌ ذيل‌ الآية‌ الكريمة‌:  وَلاَ تُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُم‌ مَّاتَ أَبَدًا وَلاَتَقُمْ علی‌' قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَـ'سِقُونَ [8].

 نهي‌  ( الله‌ النبي‌ّ )  عن‌ الصلاة‌ لمن‌ مات‌ من‌ المنافقين‌ ، والقيام‌ علی‌ قبره‌. وقد علّل‌ النهي‌ بأ  نّهم‌ كفروا وفسقوا وماتوا علی‌ فسقهم‌.

 وقد علّل‌ لغويّة‌ الاستغفار لهم‌ في‌ قوله‌ تعإلی‌ السابق‌  ( في‌ الآية‌80، من‌ السورة‌9: التوبة‌ ) « استغفر لهم‌ أو لا تستغفر لهم‌ ». وكذا في‌ قوله‌  ( في‌ الآية‌6، من‌ السورة‌63: المنافقون‌ ) « سواء علیهم‌ أستغفرت‌ لهم‌ أم‌ لم‌تستغفر لهم‌ لن‌يغفر الله‌ لهم‌ إنّ الله‌ لا يهدي‌ القوم‌ الفاسقين‌ ».

 ويتحصّل‌ من‌ الجميع‌ أنّ من‌ فقد الإيمان‌ بالله‌ باستيلاء الكفر علی‌ قلبه‌ وإحاطته‌ به‌ ، فلا سبيل‌ له‌ إلی‌ النجاة‌ يهتدي‌ به‌؛ وأنّ الآيات‌ الثلاث‌ جميعاً تكشف‌ عن‌ لغويّة‌ الاستغفار للمنافقين‌ ، والصلاة‌ علی‌ موتاهم‌، والقيام‌ علی‌ قبورهم‌ للدعاء لهم‌ [9].

 وذكر في‌ البحث‌ الروائي‌ّ روايات‌ عن‌  « الدرّ المنثور »  بتخريج‌ البخاري‌ّ، ومسلم‌، وابن‌ أبي‌ حاتم‌ ، وابن‌ أبي‌ منذر ، وأبي‌ الشيخ‌، وابن‌ مردويه‌، والبيهقي‌ّ في‌  « دلائل‌ النبوّة‌ »  ، وكذلك‌ بتخريج‌ البخاري‌ّ، وأحمد، والترمذي‌ّ، والنسائي‌ّ، وابن‌ أبي‌ حاتم‌ ، والنحّاس‌ ، وابن‌ حَبّان‌، وابن‌ مردويه‌، وأبي‌ نُعَيم‌ في‌  « حلية‌ الاولياء »  ، ذكر هؤلاء أنّ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ لمّا مات‌، دُعي‌ رسول‌الله‌ للصلاة‌ علیه‌ ، فأخذ عمر بن‌ الخطّاب‌ بثوب‌ رسول‌الله‌ فقال‌: ألم‌ ينهك‌ الله‌ عن‌ الصلاة‌ علی‌ المنافقين‌ ؟

 قال‌ رسول‌ الله‌: إنّي‌ خُيِّرتُ... وأنا أستغفر له‌ أكثر من‌ سبعين‌ مرّةً!

 قال‌ عمر: إنّه‌ منافق‌. وصلّي‌ علیه‌ رسول‌ الله‌ ونزلت‌ الآية‌  وَلاَتُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ، فترك‌ رسول‌ الله‌ الصلاة‌ علی‌ المنافقين‌. وقال‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ بعد ذكر عدد من‌ الروايات‌ الاُخري‌ القريبة‌ من‌ هذا المضمون‌: وقد ورد استغفار رسول‌الله‌ لعبدالله‌ بن‌ أُبي‌ّ وصلاته‌ علیه‌ في‌ بعض‌ المراسيل‌ من‌ روايات‌ الشيعة‌ أوردها العيّاشي‌ّ والقمّي‌ّ في‌ تفسيريهما.

 « وهذه‌ الروايات‌ علی‌ ما فيها من‌ بعض‌ التناقض‌ والتدافع‌ واشتمالها علی‌ التعارض‌ فيما بينه، تدفعها الآيات‌ الكريمة‌ دفعاً بيّناً لامرية‌ فيه‌.

 أمّا أوّلاً فلظهور قوله‌ تعإلی‌:  اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن‌ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن‌ يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ  ظهوراً بيّناً في‌ أنّ المراد بالآية‌ بيان‌ لغويّة‌ الاستغفار للمنافقين‌ دون‌ التخيير ، وأنّ العدد  ( سبعين‌ )  جي‌ء به‌ لمبالغة‌ الكثرة‌ لالخصوصيّة‌ في‌ السبعين‌ بحيث‌ ترجي‌ المغفرة‌ مع‌ الزائد علی‌ السبعين‌. والنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أجلّ من‌ أن‌ يجهل‌ هذه‌ الدلالة‌ فيحمل‌ الآية‌ علی‌ التخيير ثمّ يقول‌ سأزيد علی‌ سبعين‌ ثمّ يذكّره‌ غيره‌ بمعني‌ الآية‌ فيصرّ علی‌ جهله‌ حتّي‌ ينهاه‌ الله‌ عن‌ الصلاة‌ وغيرها بآية‌ أُخري‌ ينزّلها علیه‌.

 علی‌ أنّ جميع‌ هذه‌ الآيات‌ المتعرّضة‌ للاستغفار للمنافقين‌ والصلاة‌ علیهم‌ كقوله‌:  استَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، وقوله‌:  لاَتُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُمْ  تعلّل‌ النهي‌ واللغوّية‌ بكفرهم‌ وفسقهم‌ ، حتّي‌ قوله‌ تعإلی‌:  مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن‌ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُو´ا أُولِي‌ قُرْبَي‌' مِن‌ بَعْدِمَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَ  نَّهُمْ أَصْحَـ'بُ الْجَحِيمِ[10] ينهي‌ عن‌ الاستغفار معلّلاً ذلك‌ بالكفر وخلود النار. وكيف‌ يتصوَّر مع‌ ذلك‌ جواز الاستغفار لهم‌ والصلاة‌ علیهم‌ ؟

 وثانياً: أنّ سياق‌ الآيات‌ التي‌ منها قوله‌  وَلاَ تُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُم‌ مَّاتَ أَبَدًا  صريح‌ في‌ أنّ هذه‌ الآية‌ إنّما نزلت‌ والنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ سفره‌ إلی‌ تبوك‌ ولمّا يرجع‌ إلی‌ المدينة‌ ، وذاك‌ في‌ سنة‌ ثمان‌  ( من‌ الهجرة‌ )؛ وقد وقع‌ موت‌ عبد الله‌ بن‌ أُبي‌ّ بالمدينة‌ سنة‌ تسع‌ من‌ الهجرة‌. كلّ ذلك‌ مسلّم‌ من‌ طريق‌ النقل‌.

 فما معني‌ قوله‌ في‌ هذه‌ الروايات‌: أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ صلّي‌ علی‌ عبدالله‌ ( بن‌ أُبي‌ّ )  وقام‌ علی‌ قبره‌ ، ثمّ أنزل‌ الله‌ علیه‌:  وَلاَتُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُم‌ مَّاتَ أَبَداً  ؟!

 وأعجب‌ منه‌ ما وقع‌ في‌ بعض‌ الروايات‌ السابقة‌ أنّ عمر قال‌ للنبي‌ّ: أتصلّي‌ علی‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ وقد نهاك‌  ( الله‌ )  عن‌ الصلاة‌ للمنافقين‌ ؟  فقال‌ ( رسول‌ الله‌ )  إنّ ربّي‌ خيّرني‌؛ ثمّ أنزل‌ الله‌:  وَلاَ تُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُم‌.

 وأعجب‌ منه‌ ما في‌ الرواية‌ الاخيرة‌ من‌ نزول‌ قوله‌:  سَوَآءٌ علیهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن‌ يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ  والآية‌ من‌ سورة‌ ( المنافقون‌ ) ( وقد نزلت‌ بعد الآية‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ التوبة‌  استَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ. والجميع‌ يعلم‌ أ  نّها )  نزلت‌ بعد غزوة‌ بني‌ المصطلق‌، وكانت‌ في‌ سنة‌ خمس‌، وعبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ حي‌ّ عندئذٍ. وقد حكي‌ في‌ السورة‌ قوله‌: لَئِن‌ رَّجَعْنَآ إلی‌ الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاْعَزُّ مِنْهَا الاْذَلَّ.

 وقد اشتمل‌ بعض‌ هذه‌ الروايات‌ وتعلّق‌ به‌ بعض‌ من‌ انتصر لها علی‌ أنّ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ إنّما استغفر وصلّي‌ علی‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ ليستميل‌ قلوب‌ رجال‌ منافقين‌ من‌ الخزرج‌ إلی‌ الإسلام‌. وكيف‌ يستقيم‌ ذلك‌ ؟  وكيف‌ يصحّ أن‌ يخالف‌ النبي‌ّ النصّ الصريح‌ من‌ الآيات‌ استمالة‌ لقلوب‌ المنافقين‌ ومداهنة‌ معهم‌ ؟  وقد هدّده‌ الله‌ علی‌ ذلك‌ بأبلغ‌ التهديد في‌ مثل‌ قوله‌:  إِذًا لاَّذَقْنَـ'كَ ضِعْفَ الْحَيَو'ةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ[11] . فالوجه‌ أنّ هذه‌ الروايات‌ موضوعة‌ يجب‌ طرحها بمخالفة‌ الكتاب‌  [12].

 وأقول‌: لا ريب‌ في‌ التناقض‌ الوارد في‌ معني‌ ومضمون‌ الروايات‌ الواردة‌ في‌ هذه‌ القصّة‌ كما قال‌ أُستاذنا الكريم‌ أفاض‌ الله‌ علینا من‌ بركات‌ تربته‌. بَيدَ أنّ أصل‌ استغفار النبي‌ّ لعبدالله‌ بن‌ أُبي‌ّ، وصلاته‌ علیه‌، واعتراض‌ عمر علیه‌ من‌ القضايا الثابتة‌ في‌ التأريخ‌ تقريباً. ولايمكن‌ تجاهل‌ هذه‌ القضيّة‌ مع‌ غضّ النظر عمّا علق‌ بها من‌ حواشٍ وزوائد. ونقول‌ لتوضيح‌ هذه‌ الحقيقة‌:

 من‌ الضروريّات‌ المستفادة‌ من‌ القرآن‌ والسنّة‌ أنّ الكافرين‌ الذين‌ يموتون‌ علی‌ كفرهم‌ وشركهم‌ لا منجي‌ لهم‌. ولاينفعهم‌ الاستغفار بعد الموت‌، بل‌ لامسوّغ‌ له‌ شرعاً ، وورد النهي‌ عنه‌. ولاينبغي‌ للمسلمين‌ أن‌ يستغفروا للمشركين‌، أو يصلّوا علیهم‌ ، أو يقيموا علی‌ قبورهم‌ للاسترحام‌. وبالعكس‌، ينبغي‌ أن‌ يستغفروا للمسلمين‌ ويصلّوا علیهم‌، ويتعاملوا معهم‌ في‌ كلّ أمر من‌ أُمور الزواج‌ ، والمعاملات‌ ، ومراسم‌ التكفين‌ والدفن‌ وغيرها وفقاً للتعإلیم‌ الإسلاميّة‌ سواء كانوا مؤمنين‌ في‌ باطنهم‌، أم‌ منافقين‌ لم‌يؤمن‌ باطنهم‌، لكنّهم‌ لم‌ تجر علی‌ ألسنتهم‌ كلمة‌ الارتداد والكفر، ولم‌يثبت‌ حكم‌ الحاكم‌ الإسلامي‌ّ بكفرهم‌.

 لذلك‌ يتأ  لّف‌ الصفّ الإسلامي‌ّ الطويل‌ من‌ المؤمنين‌ الحقيقيّين‌ والمنافقين‌ الذين‌ أضمروا النفاق‌ في‌ قلوبهم‌ في‌ مقابل‌ المشركين‌. وينبغي‌ التعامل‌ مع‌ هذا الصفّ الطويل‌ بحكم‌ المسلمين‌ في‌ جميع‌ الشؤون‌ المتعلّقة‌ بالعبادات‌ والمعاملات‌ والسياسات‌ والاحكام‌ كما ينظر إلی‌ أفراده‌ علی‌ أ  نّهم‌ مسلمون‌. وإن‌ بدت‌ علیهم‌ آثار النفاق‌ ، بَيدَ أ  نّها لم‌تثبت‌.

 الرجوع الي الفهرس

الإسلام‌ هوالاءقرار بالشهادتين‌ والمقرّ بهما مسلم‌ مالم‌ يثبت‌ كفره‌

 إنّ كلّ من‌ شهد الشهادتين‌ فهو مسلم‌ ، ويحرم‌ دمه‌ وماله‌ وعرضه‌. وعلی‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ أن‌ تحترمه‌ ، وتتعامل‌ معه‌ في‌ جميع‌ الاُمور كإنسان‌ مسلم‌.

 إنّ الآية‌  مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن‌ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُو´ا أُولِي‌ قُرْبَي‌' مِن‌ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَ  نَّهُمْ أَصْحَـ'بُ الْجَحِيمِ [13]  تخصّ المشركين‌ لا  المنافقين‌ الذين‌ لم‌ يثبت‌ كفرهم‌ وشركهم‌ عند الحاكم‌ الإسلامي‌ّ. فهذه‌ الشريحة‌ من‌ المنافقين‌ مسلمون‌.

 ورأينا أخيراً أنّ  أُسَيْدَبْنَ حُضَيْرٍ  عندما طلب‌ من‌ النبي‌ّ قتل‌ منافقي‌ العقبة‌ الذين‌ أرادوا الفتك‌ به‌ ، قال‌ له‌ رسول‌ الله‌: ألم‌ يقرّوا بالتوحيد ويشهدوا بنبوّتي‌ ؟!  قال‌: نعم‌!  قال‌: نهاني‌ الله‌ عن‌ قتل‌ هؤلاء.

 وكان‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يتعامل‌ مع‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ وسائر المنافقين‌ كمسلمين‌ وإن‌ كانوا من‌ أخبث‌ الاشخاص‌. فكان‌ يأخذ الزكاة‌ من‌ أغنيائهم‌؛ ويدفع‌ الزكاة‌ لفقرائهم‌. ويطبّق‌ علیهم‌ كافّة‌ الاحكام‌ الإسلاميّة‌ الحربيّة‌ والسلميّة‌ كالمسائل‌ المتعلّقة‌ بالحرب‌ وتقسيم‌ الغنائم‌.

 واستمرّ هذا العمل‌ حتّي‌ غزوة‌ بني‌ المصطلق‌ ، إذ خرج‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ مع‌ رسول‌الله‌ من‌ المدينة‌ في‌ السنة‌ الخامسة‌ من‌ الهجرة‌، وقال‌ لاصحابه‌ ما قال‌ سرّاً من‌ غير أن‌ يحضر أحد من‌ أصحاب‌ رسول‌الله‌، وأساء الادب‌ إلی‌ رسول‌الله‌ بكلماته‌ البذيئة‌ المشينة‌ المذكورة‌ في‌ سورة‌  ( المنافقون‌ ). ولم‌يُخبر رسول‌الله‌ بخبره‌ إلاّ زيد بن‌ أرقم‌ الذي‌ كان‌ صغيراً بين‌ الخزرج‌ الذين‌ كان‌ عبدالله‌ من‌ وجهائهم‌ وأشرافهم‌. وأنكر عبدالله‌ ذلك‌ بتمام‌ معني‌ الكلمة‌، وحلف‌ إنّه‌ لم‌ يقل‌ ، وإنّ زيداً يكذب‌ ، حتّي‌ نزلت‌ تلك‌ الآيات‌ المذكورة‌ في‌ سورة‌  ( المنافقون‌ ). ومنها قوله‌:  سَوَآءٌ علیهِمْ أَسْتَغْفِرتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن‌ يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ إِنَّ اللَهَ لاَيَهْدِي‌ الْقَوْمَ الْفَـ'سِقِينَ.  أي‌: ياأيّها النبي‌ّ لاتشقّ علی‌ نفسك‌ كثيراً من‌ أجل‌ المنافقين‌، ولاتطلب‌ لهم‌ الخير ولاتستغفر لهم‌!  إنّهم‌ كذا وكذا ، وتذهب‌ أتعابك‌، ومعاناتك‌ من‌ أجلهم‌، وعشقك‌ الفيّاض‌ لهدايتهم‌ أدراج‌ الرياح‌. فقد ران‌ الشقاء علی‌ قلوبهم‌، وليس‌ فيها نافذة‌ أمل‌ ، وقد أوصدوا طريق‌ الهداية‌ بوجوههم‌ نتيجة‌ لسوء اختيارهم‌، ولا تشملهم‌ مغفرة‌ الله‌.

 ولا نقرأ أيضاً في‌ سورة‌  ( المنافقون‌ )  حكماً بكفر عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ. فالعبارات‌ الواردة‌ هي‌ من‌ قبيل‌:

 إِنَّ الْمُنَـ'فِقِينَ لَكَاذِبُونَ ، إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَهُمْ لاَيَفْقَهُونَ، قَاتَلَهُمُ اللَهُ أَ  نَّي‌' يُؤْفَكُونَ، وَهُم‌ مُسْتَكْبِرُونَ، إِنَّ اللَهَ لاَيَهْدِي‌ الْقَوْمَ الْفَـ'سِقِينَ، وَلَـ'كِنَّ الْمُنَـ'فِقِينَ لاَيَفْقَهُونَ، وَلَـ'كِنَّ الْمُنَـ'فِقِينَ لاَيَعْلَمُونَ.

 فالله‌ يذكر هؤلاء. ومن‌ المعلوم‌ أ  نّه‌ لايُحْكَمُ بكفر أحد من‌ خلال‌ هذه‌ العبارات‌ ، فيجعل‌ في‌ زمرة‌ المشركين‌ ويخلّد في‌ النار من‌ حيث‌ الحكم‌ الظاهر للإسلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

الآيات‌ الواردة‌ في‌ تحديد مهمّة‌ النبي‌ّ بالتبليغ‌

 وأمّا الآية‌:  سَوَآءٌ علیهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن‌يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ ، فهي‌ لاتنهي‌ عن‌ الاستغفار، بل‌ تفيد أنّ الاستغفار لافائدة‌ فيه‌ لهؤلاء. ولاتتعب‌ نفسك‌ ولاتشقّ علیها من‌ أجلهم‌. ولاتترك‌ راحتك‌ واستراحتك‌ ونومك‌ وطعامك‌ لهدايتهم‌!  كما تفيد الآية‌ السادسة‌ من‌ السورة‌ الثانية‌: البقرة‌:  سَوَآءٌ علیهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْتُنْذِرْهُمْ لاَيُؤْمِنُونَ. والآية‌ العاشرة‌ من‌ السورة‌ 36: يس‌:  وَسَوَآءٌ علیهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْتُنذِرْهُمْ لاَيُؤْمِنُونَ. ومن‌ الطبيعي‌ّ أنّ أمثال‌ هذه‌ الآيات‌ لاتفيد أنّ هداية‌ الكفّار حرام‌ علیك‌ أيّها النبي‌ّ، وأنّ الله‌ نهاك‌ عن‌ ذلك‌ ، بل‌ تفيد أنّ عمل‌ هؤلاء قد تجاوز حدّه‌، وأنّ إنذارك‌ لهم‌ لا يثمر ، فلماذا تزعج‌ نفسك‌ بهذا الحجم‌ ؟  ولماذا تعاني‌ وتقاسي‌ إلی‌ هذا الحدّ ؟  ولماذا تسخّر وجودك‌ كلّه‌ لإرشادهم‌ ؟

 إنّا أرسلناك‌ للإبلاغ‌. وما علیك‌ إلاّ البلاغ‌. ولست‌ مسؤولاً عن‌ ذنوب‌ أُولئك‌ وشركهم‌!

 فَهَلْ علی‌ الرُّسِلِ إِلاَّ الْبَلَـ'غُ الْمُبِينُ  [14].

 فَإِن‌ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا علیكَ الْبَلَـ'غُ الْمُبِينُ[15] .

 وَمَا علی‌ الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلَـ'غُ الْمُبِينُ [16].  فيبلغ‌ ما يُوحَي‌ إلیه‌.

 طه‌ * مَآ أَنزَلْنَا علیكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَي‌'´ إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن‌ يَخْشَي‌ [17].

 فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن‌ يَخَافُ وَعِيدِ[18] .

 وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَي‌' تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ  [19].

 فَذَكِّرْ إِن‌ نَّفَعَتِ الذِّكْرَي‌'[20] .

 فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ علیهِمْ بِمُصَيْطِرٍ[21] .

 فهذه‌ الآيات‌ كلّها تفيد أنّ مهمّتك‌ -أيّها النبي‌ّ- التذكير. قم‌ بعملك‌، ولاشغل‌ لك‌ بإيمانهم‌ وكفرهم‌ الحقيقيّين‌!  فذلك‌ ليس‌ بيدك‌، بل‌ بِيَدِالله‌. ولاتعذّب‌ نفسك‌ في‌ تبليغ‌ أحكامه‌؛ ولا تزهقها!  ولاتأسَ علی‌ شركهم‌ وكفرهم‌؛ ولاتشفق‌ علیهم‌!

 وأكثر هذه‌ الآيات‌ وضوحاً وصراحة‌ هي‌ الآية‌ السادسة‌، من‌ السورة‌18: الكهف‌:  فَلَعَلَّكَ بَـ'خِعٌ نَّفْسَكَ علی‌'´ ءَاثـ'رِهِمْ إِن‌ لَّمْيُؤْمِنُوا بِهَـ'ذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا.

 ومثلها الآية‌ الثالثة‌ ، من‌ السورة‌ 26: الشعراء:

 لَعَلَّكَ بَـ'خِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.

 وكان‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يتعامل‌ مع‌ المنافقين‌ بنفس‌ الحكم‌ الإسلامي‌ّ العامّ الذي‌ يتعامل‌ به‌ مع‌ المسلمين‌ ، إلی‌ أن‌ مات‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ، ثمّ نزلت‌ الآيات‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ التوبة‌ بعد أن‌ صلّي‌ علی‌ جنازته‌ واستغفر له‌، وأمرته‌ تلك‌ الآيات‌ أن‌ لا يصلّي‌ علی‌ أحد منهم‌، ولايقيم‌ علی‌ قبره‌، لا  نّهم‌ كفروا بالله‌ ورسوله‌ ، وماتوا وهم‌ فاسقون‌: وَلاَتُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُمْ مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ علی‌' قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَـ'سِقُونَ. ونلحظ‌ هنا حكماً بكفر عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ ونظائره‌، ونهياً للنبي‌ّ عن‌ الصلاة‌ علیهم‌!  وكذلك‌ حكمت‌ الآية‌ الكريمة‌ الآتية‌ بكفر المنافقين‌:  اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن‌ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن‌ يَغْفِرَ الَلهُ لَهُمْ ذَ ' لِكَ بِأَ  نَّهُمْ كَفَرُوا بالَلهِ وَرَسُولِهِ وَالَلهُ لاَيَهْدِي‌ الْقَوْمَ الفَـ'سِقِينَ. وقد نزلت‌ هذه‌ الآية‌ فيما بعد ، وفي‌ ضوئها لم‌يعد الاستغفار لهم‌ مفيد، بل‌ أصبح‌ محظوراً.

 الرجوع الي الفهرس

نزلت‌ سورة‌ التوبة‌ في‌ السنة‌ التاسعة‌ من‌ الهجرة‌

 هاتان‌ الآيتان‌ كلتاهما في‌ سورة‌ التوبة‌  ( الاُولي‌ هي‌ الآية‌ 84، والثانية‌ هي‌ الآية‌ 80 )  ونزلت‌ هذه‌ السورة‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌ في‌ السنة‌ التاسعة‌ من‌ الهجرة‌. واستغرقت‌ ثلاثة‌ أشهر من‌ السنة‌ المذكورة‌ اعتباراً من‌ رجب‌ إلی‌ شهر رمضان‌؛ وتوفّي‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ في‌ ذي‌ العقدة‌ من‌ السنة‌ المشار إلیها. ومن‌ الثابت‌ أنّ القرائن‌ والشواهد المتحصّلة‌ تفيد أنّ هاتين‌ الآيتين‌ نزلتا بعد موت‌ ابن‌ أُبي‌ّ.

 ومعني‌ قولهم‌: إنّ سورة‌ التوبة‌ نزلت‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌ ، هو أ  نّها نزلت‌ في‌ تلك‌ الايّام‌ والشهور التي‌ سبقتها وتلتها ، لا  أنّ آياتها كلّها نزلت‌ في‌ تلك‌ السفرة‌؛ إذ إنّ من‌ الواضح‌ أنّ الآيات‌ التي‌ تعبّي‌ الناس‌ وتحثّهم‌ علی‌ السفر ، لابدّ أن‌ تنزل‌ قبل‌ السفر ، كالآية‌ الكريمة‌:  يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ اثَّاقَلْتُمْ إلی‌ الاَرْضِ ( الآية‌38 3 ) ، والآية‌ الكريمة‌:  إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا إلیمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ( الآية‌39 ) ، والآية‌ الكريمة‌:  انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَـ'هِدُوا بِأَمْوَ ' لِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ ( الآية‌41 ).

 ومن‌ الواضح‌ أيضاً أنّ الآيات‌ الواقعة‌ في‌ أوائل‌ السورة‌ كانت‌ بعد سفر تبوك‌. كالآيات‌ الكريمة‌ الآتية‌:  بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَهِ وَرَسُولِهِ إلی‌ الَّذِينَ عَـ'هَدْتُّم‌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ* فَسِيحُوا فِي‌ الاْرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاَعْلَمُو´ا أَ  نَّكُمْ غَيْرُمُعْجِزِي‌ اللَهِ وَأَنَّ اللَهَ مُخْزِي‌ الْكَـ'فِرِينَ * وَأَذَ ' نٌ مِّنَ اللَهِ وَرَسُولِهِ إلی‌ النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الاْكْبَرِ أَنَّ اللَهَ بَرِي‌´ءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ  إلی‌ الآية‌37: إِنَّمَا النَّسِي‌´ءُ زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا.

 إنّ جميع‌ هذه‌ الآيات‌ النازلة‌ في‌ سياق‌ واحد ، نزلت‌ في‌ ذي‌القعدة‌ من‌ هذه‌ السنة‌، وهي‌ تخاطب‌ المشركين‌ في‌ مكّة‌ ومناطقها. وقد بعث‌ رسول‌الله‌ في‌ باديٌ الامر أبا بكر لقراءتها علی‌ المشركين‌ في‌ موسم‌ الحجّ بمكّة‌. ثمّ عزله‌ بأمر الله‌ واختار أمير المؤمنين‌ علیه‌ أفضل‌ صلوات‌ المصلّين‌ للقيام‌ بهذه‌ المهمّة‌. فأخذها الإمام‌ علیه‌ السلام‌ من‌ أبي‌بكر وتوجّه‌ إلی‌ مكّة‌ وقرأها علی‌ المشركين‌ في‌ موسم‌ الحجّ بمني‌.

 أجل‌ ، يتحصّل‌ ممّا ذكرنا ما يأتي‌: أوّلاً: كان‌ استغفار رسول‌الله‌ وصلاته‌ آنذاك‌ قبل‌ نزول‌ هاتين‌ الآيتين‌ اللتين‌ حكمتا بكفر المنافقين‌. وكان‌ علی‌ رسول‌الله‌ يومئذٍ أن‌ يصلّي‌ علی‌ كلّ مسلم‌ ظاهر الإسلام‌ ويستغفر له‌، وفقاً للحكم‌ العامّ.

 ثانياً: كان‌ عمله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ غير مخالف‌ للقرآن‌، ذلك‌ أنّ النهي‌ عن‌ الصلاة‌ ، والوقوف‌ علی‌ القبر ، ولغويّة‌ الاستغفار لكفرهم‌، كلّ أُولئك‌ كان‌ بعد وفاة‌ ابن‌ أُبي‌ّ ، وصلاة‌ رسول‌ الله‌ علیه‌ ، وقيامه‌ علی‌ قبره‌، واستغفاره‌ له‌.

 ثالثاً: كان‌ اعتراض‌ عمر علی‌ النبي‌ّ ومنعه‌ من‌ الصلاة‌ خطأً محضاً وخبطاً صرفاً؛ إذ لم‌ ينزل‌ حكم‌ بعدم‌ الصلاة‌ بعدُ. وأنّ ما نراه‌ في‌ بعض‌ روايات‌ العامّة‌ أنّ عمر قال‌ للنبي‌ّ: ألم‌ ينهك‌ الله‌ عن‌ الصلاة‌ علی‌ المنافقين‌ ؟ كلام‌ موضوع‌ ، مضافاً إلی‌ أ  نّه‌ يغاير ما ورد في‌ بعض‌ الروايات‌ التي‌ نقلوه، ومنها هذه‌ الرواية‌ التي‌ تذكر أنّ رسول‌الله‌ لم‌ يبتعد كثيراً عن‌ المدينة‌ بعدُ، حتّي‌ نزلت‌ هذه‌ الآية‌:  وَلاَ تُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُم‌ مَّاتَ أَبَدًا.

 بأي‌ّ إذن‌ شرعي‌ّ أو مسوّغ‌ عقلي‌ّ يقف‌ عمر بوجه‌ رسول‌الله‌ ويحول‌ دون‌ تحقيق‌ ما يريد ؟  وكيف‌ يتجرّأ فيجرّ ثوب‌ رسول‌ الله‌ ويمنعه‌ علی‌ مرأي‌ ومسمع‌ آلاف‌ المجتمعين‌ من‌ كبار الانصار من‌ طائفة‌  الاوس‌ والخزرج‌  في‌ وقت‌ قد تقدّم‌ فيه‌ رسول‌ الله‌ ووقف‌ علی‌ الجنازة‌ من‌ أجل‌ الصلاة‌ ؟  وبعد أن‌ قال‌ له‌ رسول‌ الله‌:  أَخِّرْ عَنِّي‌ يَا عُمَرُ!  لم‌يعتنِ، وقال‌: فعل‌ ابن‌ أبي‌ّ في‌ إلیوم‌ الفلاني‌ّ كذا وكذا ، فلاتُصلّ علیه‌!

 ولو أراد رسول‌ الله‌ العمل‌ بهذه‌ الاقوال‌ ، فإنّ أوّل‌ من‌ يستحقّ المحاكمة‌ هو عمر لما صدر منه‌ أمام‌ الملا المجتمعين‌ ، إذ تقدّم‌ أمام‌ رسول‌الله‌، ومنعه‌ من‌ الصلاة‌.

 هل‌ أنت‌ نبي‌ّ يا عمر  ؟  أو أنت‌ جبرائيل‌  ؟  هل‌ أنت‌ الآمر ياعمر، ورسول‌الله‌ المأمور ؟!

 يضاف‌ إلی‌ ذلك‌ كلّه‌ ، هل‌ حُمّلت‌ يا عمر إصر عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ، وتخاف‌ أن‌ لو غُفر له‌ ، فإنّ آصاره‌ تقع‌ علیك‌ ؟  وهل‌ يخطأ رسول‌الله‌ وهو صاحب‌ المقامات‌ والدرجات‌ العظيمة‌ ، وأنت‌ لا تخطأ ، وتزعم‌ أ  نّك‌ تفهم‌ ؟ وهل‌ كان‌ أمره‌ خلطاً وخبطاً ، وأمرك‌ صحيحاً صائباً مستقيماً ؟  فلهذا نري‌ في‌ بعض‌ روايات‌ العامّة‌ أ  نّه‌ يعترف‌ بتقصيره‌ ، ويعدّ عمله‌ هذا  هفوة‌. ونقرأ في‌ بعضها الآخر أ  نّه‌ يعجب‌ من‌ جرأته‌ علی‌ رسول‌ الله‌ ، وكأ  نّه‌ يقول‌: كيف‌ تجرّأْتُ ووقفتُ أمام‌ رسول‌ الله‌ ، ومنعته‌ ، وجذبت‌ ثوبه‌ ؟!

 وهنا تسجّل‌ مدرسة‌ الشيعة‌ مؤاخذتها علی‌ هذه‌ الاعمال‌ بجدّ وصراحة‌. وتري‌ أنّ هذا الشخص‌ المنتهك‌ غير خليق‌ بالخلافة‌. وتعتقد أ  نّه‌ عادٍ، متجاوز، غاصب‌، وذلك‌ لانتهاكاته‌ الكثيرة‌ ، كهذا الانتهاك‌، وانتهاكه‌ الآخر وهو أشدّ وأنكي‌ إذ تفوّه‌ بكلمته‌ الشهيرة‌ ، ورسول‌الله‌ يحتضر، فقال‌:  « إنّ الرجل‌ ليهجر!»  وانتهاكه‌ الثالث‌ بعد وفاة‌ النبي‌ّ الاعظم‌، إذ أخذ أميرالمؤمنين‌ إلی‌ المسجد ، وهو شاهر سيفه‌ ليرغمه‌ علی‌ البيعة‌ والتسليم‌ لافكاره‌ وآرائه‌، وأفكار أعوانه‌ وآرائهم‌. وتذهب‌ المدرسة‌ المذكورة‌ إلی‌ أنّ الخلافة‌ والإمامة‌ حقّ الإمام‌ المعصوم‌ والنائب‌ الحقيقي‌ّ لرسول‌الله‌.

 الرجوع الي الفهرس

 كان‌ عبد الله‌ بن‌ أُبي‌ّ خندقاً عظيماً في‌ قبال‌ الإسلام‌

أجل‌ ، إنّنا نتصوّر أنّ جميع‌ المهاجرين‌ والانصار كانوا عباداً مطيعين‌ لامر رسول‌الله‌، وكانوا ينتظرون‌ صدور الامر منه‌ فحسب‌، فيسرعوا إلی‌ تنفيذه‌ بأنفسهم‌ وقلوبهم‌. لا ، ليس‌ كذلك‌. فقد كان‌ كثير منهم‌ عتاة‌ متمرّدين‌ ذوي‌ توجّهات‌ عدوانيّة‌ منتهكة‌ ، ولم‌يشكروا الله‌ ورسوله‌ علی‌ إسلامهم‌، إذ هاجر رسول‌الله‌ من‌ مكّة‌ إلی‌ المدينة‌، وواجه‌ المصاعب‌ والشدائد من‌ أجل‌ إرشادهم‌ وإغاثتهم‌ وهدايتهم‌ ، بل‌ كانوا يمنّون‌ علی‌ رسول‌الله‌ أ  نّهم‌ أسلمو، وأنّ الانصار آووا المهاجرين‌، وأ  نّهم‌ الذين‌ فعلوا كذا وكذا من‌ الاعمال‌. ولولا ذلك‌ الخلق‌ المحمّدي‌ّ الرفيع‌ الذي‌ نطق‌ به‌ القرآن‌ الكريم‌، إذ قال‌: وَإِنَّكَ لَعلی‌' خُلُقٍ عَظِيمٍ [22]  لتفرّقوا عنه‌ بأجمعهم‌، ولم‌يتمسّك‌ أحد منهم‌ بالإسلام‌. وكان‌ نبيّنا العظيم‌ بحراً من‌ الرحمة‌، وإن‌ كان‌ تشبيهه‌ بالبحر قاصراً حقّاً. فهو الذي‌ طوّع‌ أُولئك‌ الاعراب‌ الجفاة‌ المتعنّتين‌ المستكبرين‌ وذلّلهم‌. وكان‌ علی‌ ما كان‌ علیه‌ من‌ العفو والإغماض‌ والإيثار والرحمة‌ الواسعة‌ كالبحر العميق‌ المتلاطم‌ الذي‌ لم‌يلوّثه‌ فم‌ الكلب‌. ولم‌ يتغيّر ولم‌ يأسن‌ ولم‌ يصبح‌ مضافاً بفعل‌ ما تدخله‌ من‌ مكدّرات‌ الحوادث‌ والطعون‌ المشينة‌.

 وكان‌  عبد الله‌ بن‌ أُبي‌ّ  رجلاً ذا نفوذ وقدرة‌ ، ومال‌ عظيم‌ وثروة‌، وبيت‌ مفتوح‌ للقادمين‌، إذ كان‌ يساعد المعوزين‌ من‌ الخزرج‌، ويري‌ نفسه‌ رئيسهم‌ ومقدّمهم‌. وله‌ قصب‌ السبق‌ علی‌ الاوس‌. وكان‌ ينظر إلی‌ النبي‌ّ نظرة‌ ازدراء واستصغار واحتقار؛ وينظر إلی‌ المؤمنين‌ الفقراء نظرة‌ امتهان‌ وخفّة‌. ولم‌يستطيع‌ أن‌ يدرك‌ تلك‌ الروح‌ العظيمة‌ التي‌ كان‌ يتحلّي‌ بها رسول‌الله‌، وتلك‌ الدرجة‌ الرفيعة‌ ، وجمال‌ الخلوص‌، ولطافة‌ الخلوة‌، وظرافة‌ المماشاة‌ والمداراة‌ وعمله‌ مع‌ الله‌ وخلقه‌. ونجد في‌ كلّ زمان‌ ومكان‌ أنّ سواد الناس‌ والعامّة‌ من‌ الهمج‌ الرعاع‌ كانوا تابعين‌ لامثال‌ هؤلاء الاشخاص‌ الذين‌ يعتبرون‌ رؤساء القوم‌ ووجهاءهم‌ وأعيان‌ المحلّة‌ والمدينة‌. ولولا ما كان‌ علیه‌ رسول‌ الله‌ من‌ رحابة‌ الصدر ، وعمق‌ الإدراك‌، وعظم‌ التحمّل‌ والصبر الذي‌ يزعزع‌ الطود ، لما ترك‌ هؤلاء الاشخاص‌ أحداً يقترب‌ من‌ الإسلام‌.

 كان‌ رسول‌ الله‌ يواجه‌ أمثال‌ هذه‌ الشخصيّات‌ المستكبرة‌، فما عساه‌ أن‌ يفعل‌ ؟  وهل‌ كان‌ بمقدوره‌ أن‌ يصدر حكم‌ الإعدام‌ بحقّ هؤلاء ؟  أبداً أبداً . فهم‌ الذين‌ كانوا يقلبون‌ المدينة‌ علی‌ النبي‌ّ ، كما فعلوا ذلك‌ سرّاً وتعاونوا مع‌ إلیهود والمشركين‌ وحرّضوهم‌ علی‌ حرب‌ رسول‌ الله‌ والمؤمنين‌.

 الرجوع الي الفهرس

لم‌ يستطع‌ رسول‌ الله‌ إقامة‌ حدّ القذف‌ علی‌ عبد الله‌ بن‌ أُبي‌ّ

 لم‌ يتمكّن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أن‌ يجري‌ علی‌ ابن‌ أُبي‌ّ حدّ القذف‌، وهو الذي‌ اتّهم‌ عائشة‌ بالزنا. ووردت‌ هذه‌ القصّة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌. وعلی‌ الرغم‌ من‌ أنّ حكم‌ حدّ من‌ قذف‌ مؤمناً أو مؤمنة‌ بالزنا قد نزل‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ ، وكان‌ يعمل‌ به‌ ، بَيدَ أنّ رسول‌الله‌ لم‌يستطع‌ أن‌ يجري‌ علیه‌ الحدّ ، وهو الذي‌ قذف‌ زوجة‌ رسول‌الله‌ بالزن، وعلم‌ الجميع‌ أ  نّه‌ كذب‌ وافتراء. أي‌: لم‌ تكن‌ القدرة‌ المركزيّة‌ لرسول‌الله‌ من‌ حيث‌ أصحابه‌ إلی‌ درجة‌ أ  نّهم‌ يستطيعون‌ إحضاره‌ وإجراء الحدّ علیه‌؛ لانّ حدّه‌ يعني‌ حدّ المنافقين‌ كافّة‌ ، بل‌ حدّ معظم‌ أعوانه‌ ومن‌ دار في‌ فلكه‌؛ وكان‌ إجراء حدّ واحد يعادل‌ إجراء ألف‌ حدّ ، إذ كان‌ عبدالله‌ يتمتّع‌ بمكانة‌ اجتماعيّة‌ وقوميّة‌ بين‌ العرب‌ تفوق‌ مكانة‌ ألف‌ رجل‌ منهم‌. وحينئذٍ لو كان‌ قد أُجري‌ علیه‌ الحدّ ، فلا يقرّ قرار أعوانه‌ وأنصاره‌ ، بل‌ لاتّخذ كلّ منهم‌ موضعه‌ علی‌ سجيّة‌ رئيسهم‌، وانبروا للدفاع‌ والقتال‌ والمخاصمة‌، وأقسموا أيماناً مؤكّدة‌ علی‌ قذف‌ عائشة‌ بالزنا؛ ولتعطّل‌ الحدّ، بل‌ ويبقي‌ هذا العار لاصقاً بعائشة‌ علی‌ امتداد التأريخ‌ ، مع‌ أ  نّها كانت‌ بريئة‌ من‌ ذلك‌.

 وتحدّث‌  المُلاَّ صَالِحُ المَازِنْدَرَانِي‌َّ  في‌ شرح‌  « أُصول‌ الكافي‌ »  عن‌ سبب‌ سكوت‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وعدم‌ قيامه‌ بالسيف‌ بعد رسول‌الله‌ لاسترجاع‌ حقّه‌ وإعادة‌ منصبه‌ في‌ الخلافة‌ والإمامة‌. وذكر سبعة‌ وجوه‌، جعل‌ الوجه‌ الخامس‌ منها عدم‌تمكّن‌ الإمام‌، كما أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لم‌ يتمكّن‌ من‌ إجراء الحدّ علی‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ الذي‌ افتري‌ علی‌ عائشة‌.

 وأجاب‌ عن‌ كلام‌ بعض‌ العامّة‌ الذين‌ قالوا: لو كان‌ الحقّ مع‌  علی‌ّ ، فلماذا لم‌يقم‌ بالسيف‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ ، مع‌ أنّ أخذ الحقّ واجب‌ ؟  وإذا كان‌ رسول‌الله‌ قد عيّنه‌ وصيّاً وخليفة‌ وإماماً للمسلمين‌ بعده‌، فإنّ واجبه‌ الشرعي‌ّ والعقلي‌ّ يتطلّب‌ منه‌ القيام‌ وأخذ حقّه‌. وإن‌ لم‌ يفعل‌، فهو آثم‌. ولمّا كان‌ علی‌ّ لايذنب‌، فإنّ القيام‌ بالسيف‌ لم‌ يجب‌ علیه‌؛ أي‌: أنّ الخلافة‌ لم‌تكن‌ حقّه‌ الإلهي‌ّ. وقال‌ الملاّ صالح‌ ما نصّه‌: وأمّا خامس، فلانّ العياض‌ شارح‌  « صحيح‌ مسلم‌ »  نقل‌ في‌ حديث‌ الإفك‌ عن‌ بعض‌ علمائكم‌  ( علماء السنّة‌ )  أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ إنّما لم‌ يحدّ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ رأس‌ المنافقين‌ بالافتراء علی‌ زوجته‌ عائشة‌ ، لا  نّه‌ كانت‌ له‌ منعة‌ منه‌ ويخشي‌ من‌ إقامته‌ افتراق‌ الكلمة‌، وظهور الفتنة‌. فإذا جاز للنبي‌ّ ترك‌ الحدّ لخوف‌ الفتنة‌ مع‌ كثرة‌ أعوانه‌ وأنصاره‌، فقد جاز لعلی‌ّ علیه‌ السلام‌ ترك‌ المحاربة‌ والمقاتلة‌ مع‌ عدم‌المعاون‌ لمثل‌ ذلك‌[23] .

 وأمّا الآيات‌ المباركة‌:  وَإِن‌ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي‌´ أَوْحَيْنَآ إلیكَ لِتَفْتَرِيَ علینَا غَيْرَهُ و  وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً* وَلَوْلآ أَن‌ ثَبَّتْنَـ'كَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلیهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً* إِذًا لاَّذَقْنَـ'كَ ضِعْفَ الْحَيَو'ةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لاَتَجِدُ لَكَ علینَا نَصِيرًا[24] . فإنّها تتحدّث‌ عن‌ كيدهم‌ لتقريب‌ النبي‌ّ إلی‌ المشركين‌ وركونه‌ إلیهم‌ في‌ أُصول‌ المعارف‌ والتوحيد ، أي‌: في‌ ما أنزل‌ الله‌، لافي‌ عدم‌التمكّن‌ من‌ إجراء الإحكام‌ بسبب‌ عدم‌ القدرة‌ والقوّة‌ في‌ الخارج‌. كما رأينا في‌ باب‌ غدير خمّ أنّ الله‌ تعإلی‌ كان‌ يأمر نبيّه‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ بتبليغ‌ إمامة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ ووصايته‌ وخلافته‌ بواسطة‌ جبرائيل‌ علیه‌ السلام‌ ، بَيدَ أنّ النبي‌ّ كان‌ يخشي‌ الفتنة‌ والفوضي‌، فلهذا كان‌ ينتهز الفرصة‌ المناسبة‌ حتّي‌ نزلت‌ علیه‌ الآية‌:  وَإِن‌ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و[25] .

 فأوقف‌ النبي‌ّ الاكرم‌ القافلة‌ في‌ غدير خمّ ، وخطب‌ خطبته‌ الغرّاء المعروفة‌.  صَلَّي‌اللَهُ علیكَ يَا رَسُولَ اللَهِ!

 الرجوع الي الفهرس

 بطلان‌ القول‌ بخلافة‌ غير أمير المؤمنين‌ علی‌ المدينة‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌

أجل‌ ، تحدّثنا عن‌ خصوصيّات‌ غزوة‌ تبوك‌ مفصّلاً ليستبين‌ وضع‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ وأمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ يومذاك‌ في‌ مواجهة‌ المنافقين‌ الذين‌ كان‌ لهم‌ حزب‌ وتكتلّ ، ومجالس‌ سمر شيطانيّة‌ خفيّة‌. وليُعْلَم‌ السبب‌ الذي‌ دفع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ إلی‌ استخلاف‌ أميرالمؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ المدينة‌، وعدم‌أخذه‌ معه‌ في‌ تلك‌ السفرة‌ وهو الذي‌ كان‌ معه‌ في‌ جميع‌ غزواته‌، وهو الطليعي‌ّ الوحيد، وحامل‌ لوائه‌ ، وحاميه‌ وناصره‌ ومعينه‌، وهو المخلص‌ المتحمّس‌ المشفق‌ الفدائي‌ّ لرسول‌ الله‌. فلم‌ يصطحبه‌ وتركه‌ في‌ المدينة‌ لئلاّتضطرب‌ أوضاعها بخطط‌ المنافقين‌ ، ولتقطع‌ صولته‌ وأُبّهته‌ يد المتآمرين‌، وليدحض‌ خططهم‌ وبرامجهم‌. ولكي‌ لاتسقط‌ المدينة‌ بزحف‌ الكفّار والمشركين‌ ومؤازرة‌ المنافقين‌ وهي‌ بيضة‌ الإسلام‌ ومحور ومقرّ بلاد المسلمين‌، وحينئذٍ تذهب‌ أتعاب‌ رسول‌ الله‌ ومعاناته‌ خلال‌ اثنتين‌ وعشرين‌ سنة‌ هدراً.

 وهنا قال‌ له‌ رسول‌ الله‌:  يَا علی‌ُّ! إِنَّ المَدِينَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ بِي‌ أوْ بِكَ! أَمَا تَرْضَي‌ أنْ تَكُونَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إِلاَّ أَ  نَّهُ لاَنَبِي‌َّ بَعْدِي‌! وإلاَّ لَكُنتَ نَبِيَّاً يَا علی‌ُّ.

 صَلَّي‌ اللَهُ علیكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ!

 ويتّضح‌ ممّا بيّناه‌ أنّ ما قاله‌ الطبري‌ّ في‌ تاريخه‌  [26] ، وابن‌ الاثير في‌ تاريخه‌[27] أنّ رسول‌ الله‌ خلف‌ علی‌ المدينة‌ سِبَاع‌ بن‌ عُرْفُطَة‌ الغِفَارِي‌ّ؛ وكذلك‌ ما قاله‌ ابن‌ كثير[28]  ، والواقدي‌ّ [29] ، وابن‌ هشام‌[30] إنّه‌ خلفه‌، أو خلف‌ مُحمّدبن‌ مَسْلَمة‌ الانصاري‌ّ [31]  علی‌ المدينة‌ ، وخلف‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ أهله‌ ، كلّ ذلك‌ كلام‌ باطل‌ ومخالف‌ للشواهد والقرائن‌ القطعيّة‌ في‌ التأريخ‌، وذلك‌ للاسباب‌ الآتية‌:

 أوّلاً: ذكر صاحب‌  « السيرة‌ الحلبيّة‌ »  هذين‌ الشخصين‌ مضافاً إلی‌ أ  نّه‌ قال‌: وقيل‌: خلف‌ علی‌ أهل‌ المدينة‌  ابْنَ أُمّ مَكْتُوم‌ . وقيل‌:  علی‌َّبْنَ أَبِي‌ طَالِبٍ [32]. والتردّد بين‌ هؤلاء الاشخاص‌ دليل‌ علی‌ أنّ استخلاف‌  ذينك‌ الشخصين‌ احتمال‌ محض‌ لا يقوم‌ علی‌ حجّة‌. بل‌ إنّ التردّد بين‌ الشخصين‌ المذكورين‌ ينسف‌ القاطعيّة‌ والعلم‌ ، وينزل‌ بالحتميّة‌ وإلیقين‌ إلی‌ الشكّ والاحتمال‌.

 ثانياً: قال‌  مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ البِرِّ  في‌  « الاستيعاب‌ »: إنّ استخلاف‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ علی‌ المدينة‌ وعلی‌ عيالات‌ رسول‌ الله‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌  مِنْ أَثْبَتِ الآثَارِ وَأَصَحِّهَا.

 وقال‌ ابن‌ عبد البرّ في‌ هذا الكتاب‌ ضمن‌ ترجمة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌: دفع‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ الراية‌ يوم‌ بدر إلی‌ علی‌ّ، وهو ابن‌ عشرين‌ سنة‌. ذكره‌  السَّرَّاج‌  في‌ تاريخه‌. ولم‌ يتخلّف‌ عن‌ مَشْهَدٍ شهده‌ رسول‌الله‌ مذ قدم‌ المدينة‌ إلاّ تبوك‌ ، فإنّه‌ خلّفه‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ علی‌ المدينة‌ وعلی‌ عِيَاله‌ بعده‌ في‌ هذه‌ الغزوة‌. واستخلاف‌ علی‌ّ علی‌  المدينة‌  من‌ أثبت‌ الآثار وأصحّها. وقال‌ له‌:  أنْتَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إِلاَّ أَ  نَّهُ لاَ نَبِي‌َّ بَعْدِي‌.  وحديث‌ المنزلة‌ من‌ أثبت‌ الاخبار وأصحّها. رواه‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌  سَعْدُبْنُ أَبِي‌ وَقَّاصٍ.  وطرق‌ حديث‌ سعد فيه‌ كثيرة‌ جدّاً قد ذكرها  ابْنُ أَبِي‌ خَيْثَمة‌  وغيره‌. ورواه‌ ابن‌ عبّاس‌ ، وأبو سعيد الخُدْري‌ّ ، وأُمّ سَلَمَة‌، وأسماء بنت‌ عُمَيْس‌، وجابربن‌ عبدالله‌، وجماعة‌ يطول‌ ذكرهم‌[33] .

 وقال‌ علی‌ّ بن‌ برهان‌ الدين‌ الحَلَبي‌ّ الشافعي‌ّ صاحب‌  « السيرة‌ »  بعد ذكر مُحَمَّدبن‌ مَسْلَمَة‌ ، وَسِبَاع‌ بن‌ عُرْفُطَة‌ ، وَابْن‌ أُمّ مَكْتُوم‌:  قال‌  ابْنُ عَبْدِالبِرِّ: خلف‌  علی‌َّبْن‌ أبي‌ طالب‌  علی‌ المدينة‌ ، وهو الاثبت‌ والاتقن‌ [34].

 وقال‌ الشيخ‌ المفيد: ولمّا أراد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ الخروج‌ من‌ المدينة‌ ،  استَخْلَفَ أَميرَ المُؤْمِنِينَ علیهِ السَّلاَمُ فِي‌ أَهْلِهِ وَوُلْدِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَمَهَاجِرِهِ؛ وَقَالَ لَهُ: يَا علی‌ُّ! إِنَّ المَدِينَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ بِي‌ أَوْ بِكَ! ( أي‌: أنّ الامر ينتهي‌ إلی‌ الفساد عند عدم‌ وجودي‌ ووجودك‌ ).

 وذلك‌ أ  نّه‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ علم‌ من‌ خبث‌ نيّات‌ الاعراب‌، وكثير من‌ أهل‌ مكّة‌ ومن‌ حولها ممّن‌ غزاهم‌ ، وسفك‌ دماءهم‌. فأشفق‌ أن‌ يطلبوا المدينة‌ عند نَأْيِهِ عنها وحصوله‌ ببلاد الروم‌ أو نحوها. فمتي‌ لم‌يكن‌ فيها من‌ يقوم‌ مقامه‌ ، لم‌ يؤمن‌ من‌ معرّهم‌ ، وإيقاع‌ الفساد في‌ دار هجرته‌، والتخطّي‌ إلی‌ ما يشين‌ أهله‌ ومخلّفيه‌. وعلی‌ أ  نّه‌ لايقوم‌ مقامه‌ في‌ إرهاب‌ العدوّ وحراسة‌ دار الهجرة‌ ، وحياطة‌ من‌ فيها إلاّ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌. فلهذا استخلفه‌ استخلافاً ظاهراً ، ونصّ علیه‌ بالإمامة‌ من‌ بعده‌ نصّاً جليّاً.

 وذلك‌ فيما تظاهرت‌ به‌ الرواية‌ أنّ أهل‌ النفاق‌ لمّا علموا باستخلاف‌ رسول‌  الله‌ علیاً علی‌ المدينة‌ ، حسدوه‌ لذلك‌ ، وعظم‌ علیهم‌  مقام‌  أمير  المؤمنين‌ فيها بعد خروجه‌؛ وعلموا أ  نّها تتحرّس‌ به‌ ، ولايكون‌ فيها للعدوّ مطمع‌.

 فساء المنافقين‌ ذلك‌ ، وكانوا يؤثرون‌ خروجه‌ معه‌ لما يرجونه‌ من‌ وقوع‌ الفساد والاختلاط‌ عند نأي‌ رسول‌ الله‌ عن‌ المدينة‌؛ وخلوّها من‌ مرهوب‌ مخوف‌ يحرسها؛ وغبطوه‌ علی‌ الرفاهية‌ والدعة‌ بمقامه‌ في‌ أهله‌؛ وتكلّف‌ من‌ خرج‌ منهم‌ المشاقّ بالسفر بالخطر ، فأرجفوا به‌ وقالوا: لم‌يستخلفه‌ رسول‌الله‌ إكراماً له‌ وإجلالاً ومودّة‌ ، وإنّما خلّفه‌ استثقالاً له‌ فبهتوا بهذا الإرجاف‌ كبهت‌ قريش‌ لرسول‌ الله‌ بالجنون‌ تارة‌، وبالشعر أُخري‌، وبالسحر مرّة‌ ، وبالكهانة‌ أُخري‌ ، وهم‌ يعلمون‌ في‌ رسول‌الله‌ ضدّ ذلك‌ ونقيضه‌، كما علم‌ المنافقون‌ ضدّ ما أرجفوا به‌ علی‌ أميرالمؤمنين‌ وخلافه‌، وأنّ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ كان‌ أخصّ الناس‌ بأميرالمؤمنين‌، وكان‌ هو أحبّ الناس‌ إلیه‌ وأسعدهم‌ عنده‌ وأحظاهم‌ عنده‌، وأفضلهم‌ لديه‌.

 فلمّا بلغ‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ إرجاف‌ المنافقين‌ به‌، أراد تكذيبهم‌ وإظهار فضـيحتهم‌، فلحق‌ بالنبي‌ّ صلّـي‌ الله‌ علیه‌ وآلـه‌ وسـلّم‌، فقال‌:  يَارَسُولَاللَهِ!  إنّ المنافقين‌ يزعمون‌ أ  نّك‌ خلّفتني‌ استثقالاً ومقتاً!

 فَقَالَ لَهُ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْ يَاأَخِي‌ إلی‌ مَكَانِكَ! فَإِنَّ المَدِينَةَ لاَتَصْلُحُ إلاَّ بِي‌ أَوْ بِكَ! فَأَنْتَ خَلِيفَتِي‌ فِي‌ أَهلِ بَيْتِي‌ وَدَارِ هِجْرَتِي‌ وَقَوْمِي‌! أَمَا تَرْضَي‌ أَنْ تَكُونَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إِلاَّ أَ  نَّهُ لاَنَبِي‌َّ بَعْدِي‌ [35]!

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] - الآية‌ 53 من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[2] - تفسير «الميزان‌» ج‌ 9: ص‌ 368 و 369.

[3] - الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 63: المنافقون‌.

[4] - الآية‌ 80، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[5] - الآية‌ 6 من‌ السورة‌ 63: المنافقون‌.

[6] - «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 371 و 372.

[7] - «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 372 و 373، ونحن‌ ذكرنا الرواية‌ الواردة‌ في‌ تفسير علي‌ّبن‌ إبراهيم‌ القمّي‌ّ في‌ هذا الكتاب‌ عن‌ «تفسير القمّي‌ّ»، و«تفسير الصافي‌» وتفسير «الميزان‌».

[8] - الآية‌ 84، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[9] - «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 378.

[10] - الآية‌ 113، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[11] - الآية‌ 75، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[12] - تفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 383 إلي‌ 386.

[13] - الآية‌ 113، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[14] - الآية‌ 35، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[15] - الآية‌ 82، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[16] - الآية‌ 54، من‌ السورة‌ 24: النور؛ والآية‌ 18، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[17] - الآيات‌ 1 إلي‌ 3، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[18] - الآية‌ 45، من‌ السورة‌ 50: ق‌.

[19] - الآية‌ 55 من‌ السورة‌ 51: الذاريات‌.

[20] - الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 87: الاعلي‌.

[21] - الآيتان‌ 21 و 22، من‌ السورة‌ 88: الغاشية‌.

[22] - الآية‌ 4، من‌ السورة‌ 68: القلم‌.

[23] - «شرح‌ روضة‌ الكافي‌» للملاّ صالح‌، ج‌ 11، ص‌ 281.

[24] - الآيات‌ 73 إلي‌ 75، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[25] - الآية‌ 67، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[26] - «تاريخ‌ الاُمم‌ والملوك‌» ج‌ 2، ص‌ 368، طبعة‌ مطبعة‌ الاستقامة‌، القاهرة‌.

[27] - «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 2، ص‌ 278، طبعة‌ بيروت‌، سنة‌ 1385.

[28] - «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 7.

[29] - «المغازي‌» ج‌ 3، ص‌ 995.

[30] - «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌ 4، ص‌ 946.

[31] - وفي‌ ضوء هذه‌ المصادر التأريخيّة‌، قال‌ محمّد حسنين‌ هيكل‌ في‌ كتاب‌ «حياة‌ محمّد»: وقد استخلف‌ علي‌ المدينة‌ محمّد بن‌ مسلمة‌، وخلّف‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علي‌ أهله‌ وأمره‌ بالاءقامة‌ فيهم‌ *. ولم‌ يشر هيكل‌ في‌ هذا الكتاب‌ إلي‌ حديث‌ المنزلة‌ قطّ، ولم‌يذكر أباذرّ الغفاري‌ّ في‌ غزوة‌ تبوك‌، مع‌ أ نّه‌ ذكر أبي‌ خيثمة‌، وكعب‌ بن‌ مالك‌ ورفقاءه‌ المتخلّفين‌. ومن‌ هنا يجد سوء ظنّنا بهيكل‌ وأمثاله‌ شواهد وقرائن‌ تتمثّل‌ في‌ أنّ هؤلاء الاشخاص‌ الذين‌ يزعمون‌ أ نّهم‌ رجال‌ العلم‌ والتأريخ‌ والمجتمع‌ كيف‌ يروق‌ لهم‌ أن‌ يحجبوا الحقائق‌ ويتجاهلوا المسلّمات‌ الثابتات‌ من‌ وحي‌ تعصّباتهم‌ الجاهليّة‌.

 * - «حياة‌ محمّد» ص‌ 428.

[32] - «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 149.

[33] - «الاستيعاب‌» ج‌ 3، ص‌ 1097.

[34] - «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 149.

[35] - «الاءرشاد» للمفيد، ص‌ 83 و 84 الطبعة‌ الحجريّة‌؛ و«أعيان‌ الشيعة‌» ج‌ 2، ص‌ 197 و 198، الطبعة‌ الرابعة‌، عن‌ الشيخ‌ المفيد.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

التعريف و الدليل

كلية الحقوق، محفوظة و متعلقة بموسسة ترجمة و نشر دورة علوم و معارف الاسلام
info@maarefislam.org