بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الرابع عشر / القسم الخامس: اعتقاد بعض اهل السنة بالتحریف، عدم تحريف القرآن

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

كلام‌ السيّد محمّد التيجاني‌ّ في‌ تبرئة‌ الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌

ويحسن‌ بنا ـ ونحن‌ نروم‌ ختم‌ موضوعنا هذا ـ أن‌ ننقل‌ شيئاً ممّا جاء في‌ الكتاب‌ القيِّم‌: « لاكون‌ مع‌ الصادقين‌ » للصديق‌ الكريم‌ والشابّ الرشيد، المهتدي‌ بنور الولاية‌، الرافض‌ مراتب‌ البِدَع‌ والانحراف‌ الدكتور السيّد محمّد التيجانيّ شكراً لمساعيه‌ الجميلة‌ وبياناً لمظلوميّة‌ الشيعة‌ في‌ هذا المقام‌ وسائر المقامات‌ التي‌ يحاول‌ فيها بعض‌ الكتّاب‌ السُّنّة‌ المغرضين‌ أن‌ يثيروا نار الفتنة‌ والفساد، معرضين‌ عن‌ السلام‌ والصلح‌ وبيان‌ الحقائق‌. فهم‌ يتّهمون‌ الشيعة‌ أ نّهم‌ يعتقدون‌ بتحريف‌ كتاب‌ الله‌، مع‌ أ نّا رأينا وعرفنا أنّ ساحتهم‌ بريئة‌ من‌ هذه‌ التهمة‌. ولقد عرض‌ التيجانيّ بحثاً مفيداً رائعاً في‌ كتابه‌، وأوضح‌ فيه‌ أنّ هذه‌ المسألة‌ لا ترتبط‌ بالشيعة‌ أبداً. وأنّ العامّة‌ والخاصّة‌ فيها سواء من‌ حيث‌ الروايات‌ وغيرها. ونذكر فيما يأتي‌ كلامه‌ نصّاً:

 القول‌ بتحريف‌ القرآن‌

 هذا القول‌ في‌ حدّ ذاته‌ شنيع‌ لا يتحمّله‌ مسلم‌ آمن‌ برسالة‌ محمّد صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، سواء كان‌ شيعيّاً أم‌ سنّيّاً، لانّ القرآن‌ الكريم‌ تكفّل‌ ربّ العزّة‌ والجلالة‌ بحفظه‌، فقال‌ عزّ من‌ قائل‌:

 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ و لَحَـ'فِظُونَ. [1] فلا يمكن‌ لاحد أن‌ ينقص‌ منه‌ أو يزيد فيه‌ حرفاً واحداً، وهو معجزة‌ نبيّنا صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ الخالدة‌ والذي‌ لاَ يَأْتِيهِ الْبَـ'طِلُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. [2]

 والواقع‌ العمليّ للمسلمين‌ يرفض‌ تحريف‌ القرآن‌، لانّ كثيراً من‌ الصحابة‌ كانوا يحفظونه‌ عن‌ ظهر قلب‌. وكانوا يتسابقون‌ في‌ حفظه‌ وتحفيظه‌ أولادهم‌ علی مرّ الازمنة‌ حتّي‌ يومنا الحاضر. فلا يمكن‌ لإنسانٍ ولالجماعةٍ ولا لدولةٍ أن‌ يحرّفوه‌ أو يبدّلوه‌.

 ولو جُبنا بلاد المسلمين‌ شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وفي‌ كلّ بقاع‌ الدنيا، فسوف‌ نجد نفس‌ القرآن‌ بدون‌ زيادة‌ ولا نقصان‌، وإن‌ اختلف‌ المسلمون‌ إلی مذاهب‌ وفرق‌ وملل‌ ونِحل‌. فالقرآن‌ هو الحافز الوحيد الذي‌ يجمعهم‌ ولايختلف‌ فيه‌ من‌ الاُمّة‌ اثنان‌، إلاّ ما كان‌ من‌ التفسير أو التأويل‌، فَكُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.

 وما ينسب‌ إلی الشيعة‌ من‌ القول‌ بالتحريف‌ هو مجرّد تشنيع‌ وتهويل‌، وليس‌ له‌ في‌ معتقدات‌ الشيعة‌ وجود. وإذا ما قرأنا عقيدة‌ الشيعة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌، فسوف‌ نجد إجماعهم‌ علی تنزيه‌ كتاب‌ الله‌ من‌ كلّ تحريف‌.

 يقول‌ صاحب‌ كتاب‌ « عقائد الإماميّة‌ »[3] الشيخ‌ المظفّر: نعتقد أنّ القرآن‌ هو الوحي‌ الإلهيّ المنزَل‌ من‌ الله‌ تعالي‌ علی لسان‌ نبيّه‌ الاكرم‌، فيه‌ تبيان‌ كلّ شي‌ء. وهو معجزته‌ الخالدة‌ التي‌ أعجزت‌ البشر عن‌ مجاراتها في‌ البلاغة‌ والفصاحة‌ وفيما احتوي‌ من‌ حقائق‌ ومعارف‌ عالية‌، لايعتريه‌ التبديل‌ والتغيير والتحريف‌. وهذا الذي‌ بين‌ أيدينا نتلوه‌ هو نفس‌ القرآن‌ المنزَل‌ علی النبيّ. ومن‌ ادّعي‌ فيه‌ غير ذلك‌، فهو مخترق‌ أو مغالط‌ أو مشتبه‌. وكلّهم‌ علی غير هدي‌، فإنّه‌ كلام‌ الله‌ الذي‌ لاَ يَأْتِيهِ الْبَـ'طِلُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ـ انتهي‌ كلامه‌.

 وبعد هذا فكلّ بلاد الشيعة‌ معروفة‌ وأحكامهم‌ في‌ الفقه‌ معلومة‌ لدي‌ الجميع‌، فلو كان‌ عندهم‌ قرآن‌ غير الذي‌ عندنا لعلمه‌ الناس‌. وأتذكّر أ نّي‌ عندما زرتُ بلاد الشيعة‌ للمرّة‌ الاُولي‌ كان‌ في‌ ذهني‌ بعض‌ هذه‌ الإشاعات‌. فكنتُ كلّما رأيتُ مجلّداً ضخماً تناولته‌ علّني‌ أعثر علی هذا القرآن‌ المزعوم‌، ولكن‌ سرعان‌ ما تبخّر هذا الوهم‌، وعرفتُ فيما بعد أنّها إحدي‌ التشنيعات‌ المكذوبة‌ لينفّروا الناس‌ من‌ الشيعة‌. [4]

 ولكن‌ يبقي‌ هناك‌ دائماً من‌ يشنّع‌ ويحتجّ علی الشيعة‌ بكتاب‌ اسمه‌ «فصل‌ الخطاب‌ في‌ إثبات‌ تحريف‌ كتاب‌ ربّ الارباب‌» ومؤلّفه‌ محمّد تقي‌ النوريّ الطبرسي‌ّ [5] المتوفّي‌ سنة‌ 1320 ه وهو شيعيّ. ويريد هؤلاء المتحاملون‌ أن‌ يحمّلوا الشيعة‌ مسؤوليّة‌ هذا الكتاب‌! وهذا مخالف‌ للإنصاف‌.

 فكم‌ من‌ كتب‌ كُتبت‌ وهي‌ لا تعبّر في‌ الحقيقة‌ إلاّ عن‌ رأي‌ كاتبها ومؤلّفها، ويكون‌ فيها الغثّ والسمين‌، وفيها الحقّ والباطل‌، وتحمل‌ في‌ طيّها الخطأ والصواب‌، ونجد ذلك‌ عند كلّ الفرق‌ الإسلاميّة‌، ولايختصّ بالشيعة‌ دون‌ سواها. أفيجوز لنا أن‌ نحمّل‌ أهل‌ السُّنّة‌ والجماعة‌ مسؤوليّة‌ ما كتبه‌ وزير الثقافة‌ المصريّ وعميد الادب‌ العربيّ الدكتور طه‌ حسين‌ بخصوص‌ القرآن‌ والشعر الجاهليّ؟! أو ما رواه‌ البخاريّ ـ وهو صحيح‌ عندهم‌ـ من‌ نقص‌ في‌ القرآن‌ وزيادة‌، وكذلك‌ « صحيح‌ مسلم‌ »، وغيره‌؟! [6]

 ولكن‌ لنضرب‌ عن‌ ذلك‌ صفحاً ونقابل‌ السيِّئة‌ بالحسنة‌، ولَنِعْمَ ما قاله‌ في‌ هذا الموضوع‌ الاُستاذ محمّد المدني‌ّ عميد كلّيّة‌ الشريعة‌ بالجامعة‌ الازهريّة‌، إذ كتب‌ يقول‌:

 الرجوع الي الفهرس

بين‌ السنّة‌ مَن‌ یروی روایات التحريف‌

 وأمّا أنّ الإماميّة‌ يعتقدون‌ نقص‌ القرآن‌ فمعاذ الله‌، وإنّما هي‌ روايات‌ رُويت‌ في‌ كتبهم‌، كما رُوي‌ مثلها في‌ كتبنا. وأهل‌ التحقيق‌ من‌ الفريقين‌ قد زيّفوها وبيّنوا بطلانها.[7] وليس‌ في‌ الشيعة‌ الإماميّة‌ أو الزيديّة‌ مَن‌ يعتقدذلك‌، كما أ نّه‌ ليس‌ في‌ السُّنّة‌ من‌ يعتقده‌.

 ويستطيع‌ من‌ شاء أن‌ يرجع‌ إلی مثل‌ كتاب‌ « الإتقان‌ » للسيوطيّ ليري‌ فيه‌ أمثال‌ هذه‌ الروايات‌ التي‌ نضرب‌ عنها صفحاً.

 وقد أ لّف‌ أحد المصريّين‌ في‌ سنة‌ 1948 م‌ كتاباً اسمه‌ « الفرقان‌ » حشّاه‌ بكثيرٍ من‌ أمثال‌ هذه‌ الروايات‌ السقيمة‌ المدخولة‌ المرفوضة‌، ناقلاً لها عن‌ الكتب‌ والمصادر عند أهل‌ السُّنّة‌. وقد طلب‌ الازهر من‌ الحكومة‌ مصادرة‌ هذا الكتاب‌ بعد أن‌ بيّن‌ بالدليل‌ والبحث‌ العلميّ أوجه‌ البطلان‌ والفساد فيه‌. فاستجابت‌ الحكومة‌ لهذا الطلب‌ وصادرت‌ الكتاب‌، فرفع‌ صاحبه‌ دعوي‌ يطلب‌ فيها تعويضاً، فحكم‌ القضاء الإداريّ في‌ مجلس‌ الدولة‌ برفضها.

 أفيقال‌: إنّ أهل‌ السُّنّة‌ ينكرون‌ قداسة‌ القرآن‌؟! أو يعتقدون‌ نقص‌ القرآن‌ لرواية‌ رواها فلان‌، أو لكتاب‌ أ لّفه‌ فلان‌؟!

 فكذلك‌ الشيعة‌ الإماميّة‌. إنّما هي‌ روايات‌ في‌ بعض‌ كتبهم‌ كالروايات‌ التي‌ في‌ بعض‌ كتبنا. وفي‌ ذلك‌ يقول‌ الإمام‌ العلاّمة‌ السعيد أبوالفضل‌بن‌ الحسن‌ [8] الطبرسيّ من‌ كبار علماء الإماميّة‌ في‌ القرن‌ السادس‌ الهجريّ في‌ كتاب‌ « مجمع‌ البيان‌ في‌ تفسير القرآن‌ »:

 فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِيهِ، فَمُجْمَعٌ عَلَی بُطْلاَنِهَا. وَأَمَّا النُّقْصَانُ مِنْهُ، فَقَدْ رَوَي‌ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَوْمٌ مِنْ حَشْوِيّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ فِي‌ القُرْآنِ تَغْييراً وَنُقْصَاناً.

 وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا خِلاَفُهُ. وَهُوَ الَّذِي‌ نَصَرَهُ المُرْتَضَي‌ قُدِّسَ سِرُّهُ وَاسْتَوْفَي‌ الكَلاَمَ فِيهِ غَايَةَ الاسْتِيفَاءِ فِي‌ جَوَابِ «المَسَائِلَ الطَّرَابُلْسِيَّاتِ» وَذَكَرَ فِي‌ مَوَاضِعَ: أَنَّ العِلْمَ بِصِحَّةِ نَقْلِ القُرْآنِ كَالعِلْمِ بِالبُلْدَانِ، وَالحَوَادِثِ الكِبَارِ وَالوَقَائِعِ العِظَامِ وَالكُتُبِ المَشْهُورَةِ وَأَشْعَارِ العَرَبِ.

 فَإنَّ العِنَايَةَ اشْتَدَّتْ وَالدَّوَاعِي‌ تَوَفَّرَتْ عَلَی نَقْلِهِ وَحَرَاسَتِهِ، وَبَلَغَتْ إلَی حَدٍّ لَمْ تَبْلُغْهُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، لاَنَّ القُرْآنَ مُعْجِزَةُ النُّبُوَّةِ وَمَأْخَذُ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالاَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ.

 وَعُلَمَاءُ المُسْلِمِينَ قَدْ بَلَغُوا فِي‌ حِفْظِهِ وَحِمَايَتِهِ الغَايَةَ حَتَّي‌ عَرَفُوا كُلَّ شَي‌ْءٍ اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ إعْرَابِهِ، وقِرَاءَاتِهِ، وَحُرُوفِهِ، وَآيَاتِهِ. فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُغَيَّراً أَوْ مَنْقُوصاً مَعَ العِنَايَةِ الصَّادِقَةِ وَالضَّبْطِ الشَّدِيدِ؟ [9]

 وحتّي‌ يتبيّن‌ لك‌ أيّها القاري‌ أنّ هذه‌ التُّهمة‌ ـ نقص‌ القرآن‌ والزيادة‌ فيه‌ـ هي‌ أقرب‌ لاهل‌ السُّنّة‌ منها إلی الشيعة‌ ـ وذلك‌ من‌ الدواعي‌ التي‌ دعتني‌ إلی أن‌ أُراجع‌ كلّ معتقداتي‌، لا نّي‌ كلّما حاولتُ انتقاد الشيعة‌ في‌ شي‌ء والاستنكار عليهم‌ أثبتوا براءتهم‌ منه‌ وإلصاقه‌ بي‌، وعرفتُ أ نّهم‌ يقولون‌ صدقاً، وعلي‌ مرّ الايّام‌ ومن‌ خلال‌ البحث‌ اقتنعتُ وَالحَمْدُ لِلَّهِ ـ فها أنا مقدّم‌ لك‌ ما يثبت‌ ذلك‌ في‌ هذا الموضوع‌:

 أخرج‌ الطبرانيّ، والبيهقيّ أنّ مِن‌ القرآن‌ سورتين‌، إحداهما هي‌: بِسمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ. إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ. وَنُثْنِي‌ عَلَيْكَ الخَيْرَ كُلَّهُ وَلاَ نَكْفُرُكَ. وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ.

 والسورة‌ الثانية‌، هي‌:

 بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اللَهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي‌ وَنَسْجُدُ. وَإلَيْكَ نَسْعَي‌ وَنَحفِدُ. نَرْجُو رَحْمَتِكَ وَنَخْشَي‌ عَذَابَكَ الجِدَّ. إنَّ عَذَابَكَ بِالكَافِرِينَ مُلْحَقٌ.

 وهاتان‌ السورتان‌ سمّاهما الراغب‌ في‌ « المحاضرات‌ » سورتي‌ « القنوت‌ ». وهما ممّا كان‌ يقنت‌ بهما سيّدنا عمر بن‌ الخطّاب‌، وهما موجودتان‌ في‌ مصحف‌ ابن‌ عبّاس‌، ومصحف‌ زيد بن‌ ثابت‌. [10]

 أخرج‌ الإمام‌ أحمد بن‌ حنبل‌ في‌ مسنده‌ عن‌ أُبيّ بن‌ كعب‌ قال‌: كم‌ تقرأون‌ سورة‌ الاحزاب‌؟ قال‌: بعضاً وسبعين‌ آية‌. قال‌: لقد قرأتها مع‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ مثل‌ البقرة‌ أو أكثر منها، وإنّ فيها آية‌ الرجم‌.

 وأنت‌ تري‌ أيّها القاري‌ اللبيب‌ أنّ السورتين‌ ـ المذكورتين‌ في‌ كتابي‌ « الإتقان‌ »، و « الدرّ المنثور » للسيوطيّ، واللتين‌ أخرجهما الطبرانيّ والبيهقي‌ّ، واللتين‌ تسمّيان‌ بسورتي‌ القنوت‌ ـ لا وجود لهما في‌ كتاب‌الله‌ تعالي‌.

 وهذا يعني‌ أنّ القرآن‌ الذي‌ بين‌ أيدينا ينقص‌ هاتين‌ السورتين‌ الثابتتين‌ في‌ مصحف‌ ابن‌ عبّاس‌، ومصحف‌ زيد بن‌ ثابت‌، كما يدلّ أيضاً بأنّ هناك‌ مصاحف‌ أُخري‌ غير التي‌ عندنا، وهو يذكّرني‌ أيضاً بالتشنيع‌ علی أنّ للشيعة‌ مصحف‌ فاطمة‌، فافهم‌! ( كم‌ هي‌ تهمة‌ باطلة‌ لا داعي‌ لها، لانّ مصحف‌ فاطمة‌ كان‌ كسائر المصاحف‌ أيضاً!).

 وأنّ أهل‌ السُّنّة‌ والجماعة‌ يقرأون‌ هاتين‌ السورتين‌ في‌ دعاء القنوت‌ كلّ صباح‌. وكنتُ شخصيّاً أحفظهما وأقرأ بهما في‌ قنوت‌ الفجر. [11]

 أمّا الرواية‌ الثانية‌ التي‌ أخرجها الإمام‌ أحمد في‌ مسنده‌ فهي‌ تقول‌ بأنّ سورة‌ الاحزاب‌ ناقصة‌ ثلاثة‌ أرباع‌، لانّ سورة‌ البقرة‌ فيها 286 آية‌، بينما لاتتعدّي‌ سورة‌ الاحزاب‌ 73 آية‌. وإذا اعتبرنا عدّ القرآن‌ بالحزب‌، فإنّ سورة‌ البقرة‌ فيها أكثر من‌ خمسة‌ أحزاب‌، بينما لا تعدّ سورة‌ الاحزاب‌ إلاّ حزباً واحداً.

 وقول‌ أُبيّ بن‌ كعب‌: كُنتُ أَقْرَأُهَا مَعَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ البَقَرَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وهو من‌ أشهر القرّاء الذين‌ كانوا يحفظون‌ القرآن‌ علی عهد النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، وهو الذي‌ اختاره‌ عمر ليصلّي‌ بالناس‌ صلاة‌ التراويح‌. [12]

 فهو يبعث‌ الشكّ والحيرة‌ كما لايخفي‌.

 وأخرج‌ الإمام‌ أحمد بن‌ حنبل‌ في‌ مسنده‌ عن‌ أُبيّ بن‌ كعب‌ قال‌: إنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: إنّ الله‌ تبارك‌ وتعالي‌ أمرني‌ أن‌ أقرأ عليك‌ القرآن‌، فقال‌: فقرأ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ أَهْلِ الْكِتَـ'بِ. فقرأ فيها:

 وَلَو أَنَّ ابْنَ آدَمَ سَـأَلَ وَادِياً مِنْ مَالٍ فَأُعْطِـيَهُ لَسَـأَلَ ثَانِياً. فَلَوْ سَأَلَ ثَانِياً فَأُعْطِيَهُ لَسَأَلَ ثَالِثاً. وَلاَ يَمْلاَ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَهُ عَلَی مَنْ تَابَ. وَإنَّ ذَلِـكَ الدِّينَ القَيِّـمَ عِنْدَ اللَهِ الحَنَفِيَّةُ غَيْرُ المُشْـرِكَةِ. وَلاَ اليَهُودِيَّةُ. وَلاَ النَّصْرَانِيَّةُ. وَمَنْ يَفْعَلْ خَيْراً فَلَنْ يُكْفَرَهُ. [13]

 وأخرج‌ الحافظ‌ ابن‌ عساكر في‌ ترجمة‌ أُبيّ بن‌ كعب‌ أنّ أبا الدرداء ركب‌ إلی المدينة‌ في‌ نفر من‌ أهل‌ دمشق‌. فقرأ فيها علی عمر بن‌ الخطّاب‌ هذه‌ الآية‌:

 إنْ (إذْ ـ ص‌) جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي‌ قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةَ وَلَوْ حَمِيتُم‌ كَمَا حَمُوا لَفَسَدَ المَسْجِدُ الَحَرَامُ. [14]

 فقال‌ عمر بن‌ الخطّاب‌: من‌ أقرأكم‌ هذه‌ القراءة‌؟! فقالوا: أُبي‌ّبن‌ كعب‌. فدعاه‌، فقال‌ لهم‌ عمر: اقرأوا، فقرأوا: وَلَوْ حَمِيتُم‌ كَمَا حَمُوا لَفَسَدَ المَسْجِدُ الحَرَامُ.

 فقال‌ أُبيّ بن‌ كعب‌ لعمر بن‌ الخطّاب‌: نعم‌، أنا أقرأتهم‌. فقال‌ عمر لزيد بن‌ ثابت‌: اقرأ يا زيد، فقرأ زيد قراءة‌ العامّة‌.

 فقال‌ عمر: اللَهُمَّ لاَ أَعْرِفُ إلاَّ هَذَا!

 فقال‌ أُبيّ بن‌ كعب‌: وَاللَهِ يَا عُمَرُ! إنَّكَ لَتَعْلَمُ أَ نِّي‌ كُنْتُ أَحْضُرُ وَيَغِيبُونَ. وَأَدْنُو وَيُحْجَبُونَ، وَوَاللَهِ لَئِنْ أَحْبَبْتَ لاَلْزَمَنَّ بَيْتِي‌ فَلاَأُحْدِّثُ أَحَداً وَلاَ أُقْرِي‌ُ أَحَداً حَتَّي‌ أَمُوتَ. فَقَالَ عُمَرُ: اللَهُمَّ غُفْراً! إنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ اللَهَ قَدْ جَعَلَ عِنْدَكَ عِلْماً، فَعَلِّمِ النَّاسَ مَا عَلِمْتَ!

 قال‌: ومرّ عمر بغلام‌، وهو يقرأ في‌ المصحف‌:

 النَّبِي‌ُّ أَوْلَي‌' بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَ ' جُهُ و´ أُمَّهَـ'تُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ. [15]

 فقال‌: يا غلام‌ حُكَّها! فقال‌: هذا مصحف‌ أُبيّ بن‌ كعب‌، فذهب‌ إليه‌ فسأله‌، فقال‌ له‌: إنَّهُ كَانَ يُلْهِيني‌ القُرْآنُ، وَيُلْهِيكَ الصَّفْقُ بِالاَسْوَاقِ. [16]

 وروي‌ مثل‌ هذا ابن‌ الاثير في‌ « جامع‌ الاُصول‌ »، وأبو داود في‌ سننه‌، والحاكم‌ في‌ مستدركه‌. وأترك‌ لك‌ أخي‌ القاري‌ أن‌ تُعلّق‌ في‌ هذه‌ المرّة‌ بنفسك‌ علی أمثال‌ هذه‌ الروايات‌ التي‌ ملات‌ كتب‌ أهل‌ السُّنّة‌ والجماعة‌، وهم‌ غافلون‌ عنها ويشنّعون‌ علی الشيعة‌ الذين‌ لايوجد عندهم‌ عُشر هذا.

 ولكن‌ لعلّ بعض‌ المعاندين‌ من‌ أهل‌ السُّنّة‌ والجماعة‌ ينفُر من‌ هذه‌ الروايات‌. فيرفضها كعادته‌، وينكر علی الإمام‌ أحمد تخريجه‌ مثل‌ هذه‌ الخرافات‌، فيضعّف‌ أسانيدها، ويعتبر أنّ « مسند الإمام‌ أحمد » و « سنن‌ أبي‌داود » ليسا عند أهل‌ السُّنّة‌ بمستوي‌ صحيحي‌ البخاريّ، ومسلم‌.

 ولكن‌ مثل‌ هذه‌ الروايات‌ موجودة‌ في‌ « صحيح‌ البخاريّ »،و«صحيح‌ مسلم‌ » أيضاً، فقد أخرج‌ الإمام‌ البخاريّ في‌ صحيحه‌[17]، في‌ باب‌ مناقب‌ عمّار وحذيفة‌ رضي‌ الله‌ عنهما عن‌ علقمة‌ قال‌: قدمتُ الشام‌ فصلّيت‌ ركعتين‌، ثمّ قلتُ: اللهمّ يسّر لي‌ جليساً صالحاً، فأتيتُ قوماً، فجلستُ إليهم‌، فإذا شيخ‌ قد جاء حتّي‌ جلس‌ إلی جنبي‌، قلتُ: من‌ هذا؟! قالوا: أبو الدرداء.

 قلتُ: إنّي‌ دعوتُ الله‌ أن‌ ييسّر لي‌ جليساً صالحاً، فيسّرك‌ لي‌. قال‌: ممّن‌ أنت‌؟ فقلتُ: من‌ أهل‌ الكوفة‌. قال‌: أوَ ليس‌ عندكم‌ ابن‌ أُمّ عبدٍ صاحب‌ النعلين‌ والوساد والمطهرة‌؟ وفيكم‌ الذي‌ أجاره‌ الله‌ من‌ الشيطان‌ علی لسان‌ نبيّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌؟ أوَ ليس‌ فيكم‌ صاحب‌ سرّ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ الذي‌ لايعلم‌ أحد غيره‌؟ ثمّ قال‌: كيف‌ يقرأ عبدالله‌: وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَي‌؟ فقرأتُ عليه‌: وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَي‌' * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّي‌'* وَالذَّكَرِ وَالاْنثَي‌'. قال‌: والله‌ لقد أقرأنيها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ فيه‌ إلی في‌َّ.

 ثمّ زاد في‌ رواية‌ أُخري‌ قال‌: ما زال‌ بي‌ هؤلاء حتّي‌ كادوا يستنزلوني‌ عن‌ شي‌ءٍ سمعته‌ من‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌. [18]

 وفي‌ رواية‌ قال‌: وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَي‌' * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّي‌' * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالاْنثَي‌'. قال‌: أقرأنيها النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ فاه‌ إلی في‌َّ، فما زال‌ هؤلاء حتّي‌ كادوا يردّوني‌. [19]

 فهذه‌ الروايات‌ كلّها تفيد بأنّ القرآن‌ الذي‌ عندنا زيد فيه‌ كلمة‌ وَمَا خَلَقَ.

 وأخرج‌ البخاريّ في‌ صحيحه‌ بسنده‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌ أنّ عمر بن‌ الخطّاب‌ قال‌: إنّ الله‌ بعث‌ محمّداً صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بالحقّ وأنزل‌ عليه‌ الكتاب‌. فكان‌ ممّا أنزل‌ الله‌ آية‌ الرجم‌، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ ورجمنا بعده‌، فأخشي‌ إن‌ طال‌ بالناس‌ زمان‌ أن‌ يقول‌ قائل‌: والله‌ ما نجد آية‌ الرجم‌ في‌ كتاب‌ الله‌، فيضلّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَهُ، والرجم‌ في‌ كتاب‌ الله‌ حقّ علی من‌ زني‌ إذا أُحصن‌ من‌ الرجال‌ والنساء إذا قامت‌ البيّنة‌ أو كان‌ الحَبَلُ والاعتراف‌.

 ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من‌ كتاب‌ الله‌:

 أَنْ لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آَبَائِكُمْ ـأَوْـ إنَّ كُفْراً بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ. [20]

 وأخرج‌ الإمام‌ مسلم‌ في‌ صحيحه‌ في‌ باب‌ لو أنّ لابن‌ آدم‌ واديين‌ لابتغي‌ ثالثاً، [21] قال‌: بعث‌ أبو موسي‌ الاشعريّ إلی قرّاء أهل‌ البصرة‌، فدخل‌ عليه‌ ثلاثمائة‌ رجل‌ قد قرأوا القرآن‌. فقال‌: أنتم‌ خيار أهل‌ البصرة‌ وقرّاءهم‌، فاتلوه‌ ولا يطولنّ عليكم‌ الامد فتقسوا قلوبكم‌ كما قست‌ قلوب‌ من‌ كان‌ قبلكم‌، وإنّا كنّا نقرأ سورة‌ كنّا نشبّهها في‌ الطول‌ والشدّة‌ ببراءة‌ فأُنسيتها، غير أ نّي‌ قد حفظتُ منها:

 لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَي‌ وَادِياً ثَالِثاً، وَلاَ يَمْلاَ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ.

 وكنّا نقرأ سورة‌ كنّا نشبّهها بإحدي‌ المسبّحات‌ [22] فأُنسيتها غير أ نّي‌ حفظتُ منها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. فَتُكْتَبُ شَهَادَةٌ فِي‌ أَعْنَاقِكُمْ فَتُسَأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ! [23]

 وهاتان‌ السورتان‌ المزعومتان‌ اللتان‌ نسيهما أبو موسي‌ الاشعري‌ّ: إحداهما تشبه‌ براءة‌ يعني‌ 129 آية‌، والثانية‌ تشبه‌ إحدي‌ المسبّحات‌، يعني‌ 20 آية‌ لا وجود لهما إلاّ في‌ خيال‌ أبي‌ موسي‌، فاقرأ واعجب‌، فإنّي‌ أترك‌ لك‌ الخيار أيّها الباحث‌ المنصف‌!

 فإذا كانت‌ كتب‌ أهل‌ السُّنّة‌ والجماعة‌ ومسانيدهم‌ وصحاحهم‌ مشحونة‌ بمثل‌ هذه‌ الروايات‌ التي‌ تدّعي‌ بأنّ القرآن‌ ناقص‌ مرّة‌، وزائد أُخري‌، فلماذا هذا التشنيع‌ علی الشيعة‌ الذين‌ أجمعوا علی بطلان‌ هذا الادّعاء؟!

 وإذا كان‌ الشيعيّ صاحب‌ كتاب‌ « فصل‌ الخطاب‌ في‌ إثبات‌ تحريف‌ كتاب‌ ربّ الارباب‌ » الذي‌ كتب‌ كتابه‌ سنة‌ 1320 ه، [24] أي‌ منذ ما يقرب‌ من‌ مائة‌ عام‌، فقد تبعه‌ السنّيّ في‌ مصر صاحب‌ « الفرقان‌ » كما أشار إلی ذلك‌ الشيخ‌ محمّد المدنيّ عميد كلّيّة‌ الشريعة‌ بالازهر. [25]

 والمهمّ في‌ كلّ هذا أنّ علماء السُّنّة‌ وعلماء الشيعة‌ من‌ المحقّقين‌ قد أبطلوا مثل‌ هذه‌ الروايات‌ واعتبروها شاذّة‌، وأثبتوا بالادلّة‌ المقنعة‌ بأنّ القرآن‌ الذي‌ بين‌ أيدينا هو نفس‌ القرآن‌ الذي‌ أُنزل‌ علی نبيّنا محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، وليس‌ فيه‌ زيادة‌ ولا نقصان‌ ولا تبديل‌ ولاتغيير.

 فكيف‌ يشنّع‌ أهل‌ السُّنّة‌ علی الشيعة‌ من‌ أجل‌ روايات‌ ساقطة‌ عندهم‌، ويبرّئون‌ أنفسهم‌، بينما صحاحهم‌ تثبت‌ صحّة‌ تلك‌ الروايات‌؟!

 وإنّي‌ إذ أذكر مثل‌ هذه‌ الروايات‌ بمرارة‌ كبيرة‌ وأسف‌ شديد، فما أغنانا اليوم‌ عن‌ السكوت‌ عنها وطيّها في‌ سلّة‌ المهملات‌، لولا الحملة‌ الشعواء التي‌ شنّها بعض‌ الكتّاب‌ والمؤلّفين‌ ممّن‌ يدّعون‌ التمسّك‌ بالسُّنّة‌ النبويّة‌، ومن‌ ورائهم‌ دوائر معروفة‌ تموّلهم‌ وتشجّعهم‌ علی الطعن‌ وتكفير الشيعة‌، خصوصاً بعد انتصار الثورة‌ الإسلاميّة‌ في‌ إيران‌.

 فإلي‌ هؤلاء أقول‌: اتَّقُوا اللَهَ فِي‌ إخْوَانِكُمْ، وَاْعَتصِمُوا بِحَبْلِ اللَهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنَعْمَتِهِ إخْوَاناً. [26]

 الرجوع الي الفهرس

بحث‌ علمي‌ّ مفصّل‌ للعلاّمة‌ البلاغي‌ّ حول‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌

 لقد تحدّث‌ الفقيه‌ العليم‌ والعالم‌ العيلم‌ العلاّم‌ في‌ عصرنا الاخير، فخر الشيعة‌ والمجتمع‌ الإنسانيّ آية‌ الله‌ المعظّم‌ الشيخ‌ محمّد جواد البلاغيّ النجفيّ حديثاً شاملاً واسعاً نفيساً جدّاً حول‌ تحريف‌ القرآن‌. ولمّا كان‌ بحثنا يحوم‌ حول‌ هذا الموضوع‌، فإنّي‌ آسي‌ أن‌ لا تتزيّن‌ هذه‌ الصفحات‌ بذكر كلامه‌ الذهبيّ النفيس‌ ـ الذي‌ ما زال‌ يتأ لّق‌ في‌ سماء العلم‌ والمعرفة‌ كأشعّة‌ الشمس‌ الساطعة‌، بعد سنين‌ تصرّمت‌ ـ وأن‌ لا تتعطّر الروح‌ بالرائحة‌ الذكيّة‌ لهذا الرحيق‌ الملائكيّ بطعمه‌ الخاصّ وذوقه‌ المخصوص‌ فنختم‌ به‌ حديثنا من‌ وحي‌ قوله‌ تعالي‌: « وختامه‌ مِسك‌ ». لقد تحدّث‌ هذا العالم‌ في‌ تفسيره‌ الثمين‌: « آلاء الرحمن‌ في‌ تفسير القرآن‌ » عن‌ اضطراب‌ الروايات‌ في‌ جمع‌ القرآن‌، فقال‌ بعد بيان‌ الامر الاوّل‌ الذي‌ يدور حول‌ بعض‌ ما أُلصق‌ بكرامة‌ القرآن‌ الكريم‌: الثاني‌: في‌ الجزء الخامس‌ من‌ « مسند أحمد » عن‌ أُبي‌ّبن‌ كعب‌ قال‌: إنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: إنَّ اللَهَ أَمَرَنِي‌ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ!

 قَالَ: فَقَرأَ: «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ أَهْلِ الْكِتَـ'بِ» فَقَرَأَ فِيهَا: «لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ سَأَلَ وَادِياً مِن‌ مَالٍ فَأُعْطِيهُ لَسَأَلَ ثَانِياً، فَلَوْ سَأَلَ ثَانِياً فَأُعْطِيَهُ لَسَأَلَ ثَالِثاً، وَلاَ يَمْلاُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَهَ عَلَی مَنْ تَابَ، وَإنَّ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمِ عِنْدَاللَهِ الحَنَفِيَّةُ (الحَنِيفِيَّةُ ـ ص‌) غَيْرُ المُشْرِكَةِ وَلاَ اليَهُودِيَّةُ وَلاَ النَّصْرَانِيَّةُ، وَمَنْ يَعْمَلْ خَيْراً فَلَنْ يُكْفَرَهُ.

 وفي‌ رواية‌ الحاكم‌ في‌ « المستدرك‌ » ورواية‌ غيره‌ أيضاً: إنَّ ذَاتَ الدِّينِ عِنْدَ اللَهِ الحَنَفِيَّةُ (الحَنِيفِيَّةُ ـ ص‌) لاَ المُشْرِكَةُ. وفي‌ رواية‌: غَيْرُ المُشْرِكَةِ، إلی آخره‌.

 وعن‌ « جامع‌ الاُصول‌ » لابن‌ الاثير الجزريّ: إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَهِ الحَنِيفِيَّةُ المُسْلِمَةُ لاَ اليَهُودِيَّةُ وَلاَ النَّصْرَانِيَّةُ وَلاَ المَجُوسِيَّةُ.

 وذكر في‌ « المسند » أيضاً بعد هذه‌ الرواية‌ عن‌ أُبيّ قال‌: قال‌ لي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: إنَّ اللَهَ أَمَرَنِي‌ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ فَقَرَأَ عَلَي‌َّ: «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَـ'بِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّي‌' تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِنَ اللَهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـ'بَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ. إنَّ الدِّينَ عِنْدَاللَهِ الحَنَفِيَّةُ (الحَنِيفِيَّةَ ـ ص‌) لاَ المُشْرِكَةُ وَلاَ اليَهُودِيَّةُ وَلاَ النَّصْرَانِيَّةُ وَمَنْ يَفْعَل‌ خَيْراً فَلَنْ يُكْفَرَهُ».

 قال‌ شعبة‌: ثمّ قرأ آيات‌ بعدها. ثمّ قرأ: لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ لَسَأَلَ وَادِياً ثَالِثاً، وَلاَ يَمْلاَ جَوْفَ ابنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ. قال‌: ثمّ ختمها بما بقي‌ منهاـ انتهي‌.

 وهذه‌ الروايات‌ رواها أيضاً أبو داود الطيالسيّ، وسعيد بن‌ منصور في‌ سننه‌، والحاكم‌ في‌ مستدركه‌، كما في‌ « كنز العمّال‌ ».

 وذكر في‌ « المسند » أيضاً عن‌ أبي‌ واقد الليثيّ قال‌: كنّا نأتي‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ إذا أُنزل‌ عليه‌، فيحدّثنا. فقال‌ لنا ذات‌ يوم‌: إنّ الله‌ عزّ وجلّ قال‌:

 إِنَّا أَنزَلْنَا المَالَ لإقَامِ الصَّلاَةِ وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادٍ لاَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لاَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا ثَالِثاً، (ثَالِثٌ ـ ص‌) وَلاَ يَمْلاَ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَهُ عَلَی مَن‌ تَابَ ـ انتهي‌.

 هَبْ أنّ المعرفة‌ والصدق‌ لا يطالبان‌ المحدّثين‌ ( ولا نقول‌: القُصّاص‌) ولايسألانهم‌ عن‌ هذا الاضطراب‌ الفاحش‌ فيما يزعمون‌ أ نّه‌ من‌ القرآن‌ ولايسألانهم‌ عن‌ التمييز بين‌ بلاغة‌ القرآن‌ وعلوّ شأنه‌ فيها وبين‌ انحطاط‌ هذه‌ الفقرات‌. ولكن‌ أليس‌ للمعرفة‌ أن‌ تسألهم‌ عن‌ الغلط‌ في‌ قولهم‌ لاَ المُشْرِكَةُ؟ فهل‌ يوصف‌ الدين‌ بأ نّه‌ مُشركة‌؟ وفي‌ قولهم‌: الحَنَفِيَّةُ (الحَنِيفِيَّةُ ـ ص‌) المُسْلِمَةُ وهل‌ يوصف‌ الدين‌ أو الحنيفيّة‌ بأ نَّهُ مُسْلِمَة‌؟

 وقولهم‌: إنَّ ذَاتَ الدِّينِ، وفي‌ قولهم‌: إنَّا أَنْزَلْنَا المَالَ لاِقَامِ الصَّلاَةِ، ما معني‌ إنزال‌ المال‌؟! وما معني‌ كونه‌ لإقام‌ الصلاة‌؟!

 هذا واستمع‌ لما يأتي‌، ففي‌ الجزء السادس‌ من‌ « مسند أحمد » مسنداً عن‌ مسروق‌ قال‌: قلت‌ لعائشة‌: هل‌ كان‌ رسول‌ الله‌ يقول‌ شيئاً إذا دخل‌ البيت‌؟ قالت‌: كان‌ إذا دخل‌ البيت‌ تمثّل‌: لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَـي‌ وَادِياً ثَالِثاً، وَلاَ يَمْـلاَ فَمَهُ إلاَّ التُّرَابُ، وَمَا جَعَـلْنَا المَالَ إلاَّ لإقَامِ الصَّلاَةِ وَإيتاءِ الزَّكَاةِ، وَيَتُوبُ اللَهُ عَلَی مَنْ تَابَ.

 وفي‌ الجـزء السـادس‌ فـي‌ إسـناده‌ عـن‌ جابـر قال‌: قال‌ رسـول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌: لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِياً مِن‌ مَالٍ لَتَمَنَّي‌ وَادِيَيْنِ، وَلَوْ أَنَّ لَهُ وَادِيَيْنِ لَتَمَنَّي‌ ثَالِثاً، وَلاَ يَمْلاَ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ.

 وبإسناده‌ أيضاً قال‌: سُئل‌ جابر: هَلْ قَالَ رَسُولُ اللَهِ: لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادٍ مَنْ نَخْلٍ تَمَنَّي‌ مِثْلَهُ حَتَّي‌ يَتَمَنَّي‌ أَوْدِيَةً، وَلاَ يَمْلاَ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ؟ انتهي‌.

 وهل‌ تجد من‌ الغريب‌ أو الممتنع‌ في‌ العادة‌ أن‌ يكون‌ لابن‌ آدم‌ وادٍ من‌ مال‌ أوَ من‌ نخلٍ؟! أو ليس‌ في‌ بني‌ آدم‌ في‌ كلّ زمان‌ من‌ ملك‌ وادياً من‌ ذلك‌ بل‌ أودية‌. إذن‌ فكيف‌ يصحّ في‌ الكلام‌ المستقيم‌ أن‌ يقال‌: لَوْ كَانَ لاِبنِ آدَمَ. لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ؟ أوَ ليست‌ ( لو ) للامتناع‌؟ يا للعجب‌ مَن‌ الرواة‌ لهذه‌ الروايات‌! ألم‌ يكونوا عرباً أو لهم‌ إلمام‌ باللغة‌ العربيّة‌؟ نعم‌، يرتفع‌ هذا الاعتراض‌ بما رواه‌ أحمد في‌ مسنده‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌: لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ، وكذا ما يأتي‌ من‌ رواية‌ الترمذيّ عن‌ أنس‌.

 وأيضاً إن‌ تمنّي‌ الوادي‌ والواديين‌ والثلاث‌ ليس‌ بذنبٍ يحتاج‌ إلی التوبة‌. إذن‌، فما هو وجه‌ المناسبة‌ بتعقيب‌ ذلك‌ بجملة‌ وَيَتُوبُ اللَهُ عَلَی مَنْ تَابَ؟ وإن‌ شئت‌ أن‌ تستزيد ممّا في‌ هذه‌ الرواية‌ من‌ التدافع‌ والاضطراب‌، فاستمع‌ إلی ما رواه‌ الحاكم‌ في‌ « المستدرك‌ » أنّ أبا موسي‌ الاشعريّ قال‌: كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً تُشْبِهُهَا بِالطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةٍ فَأُنسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّي‌ حَفِظْتُ مِنْهَا: لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَي‌ ثَالِثاً، وَلاَ يَمْلاَ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ.

 وذكر في‌ « الدرّ المنثور » أ نّه‌ أخرجه‌ جماعة‌ عن‌ أبي‌ موسي‌. وأضف‌ إلی ذلك‌ في‌ التدافع‌ والتناقض‌ ما أسنده‌ في‌ « الإتقان‌ » عن‌ أبي‌ موسي‌ أيضاً قال‌: نَزَلَتْ سُورَةٌ نَحْوَ بَرَاءَةٍ ثُمَّ رُفِعَتْ وَحُفِظَ مِنْهَا أَنَّ اللَهَ سَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينِ بِأَقْوَامٍ لاَ خَلاقَ لَهُمْ، وَلَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ لَتَمَنَّي‌ ـ إلی آخره‌.

 وأسند الترمذي‌ّ عن‌ أنس‌ بن‌ مالك‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌: لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ ذَهَبٍ لاَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَانٍ، وَلاَيَمْلاَ فَاهُ إلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَهُ عَلَی مَن‌ تَابَ. وها أنت‌ تري‌ روايات‌ عائشة‌، وجابر، وأنس‌، وابن‌ عبّاس‌ تجعل‌ حديث‌ الوادي‌ والواديين‌ من‌ قول‌ رسول‌الله‌ وتمثّله‌. فهي‌ بسوقها تنفي‌ كونه‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌. ومع‌ ذلك‌ فقد نسبت‌ إلی كلام‌ الرسول‌ ما يأتي‌ فيه‌ بعض‌ من‌ الاعتراضات‌ المتقدّمة‌ ممّا يجب‌ أن‌ ينزّه‌ عنه‌. ودع‌ عنك‌ الاضطراب‌ الذي‌ يدع‌ الرواية‌ مهزلة‌.

 الامر الثالث‌: وممّا ألصقوه‌ بكرامة‌ القرآن‌ المجيد قولهم‌ في‌ الرواية‌ عن‌ زيدبن‌ ثابت‌: كنّا نقرأ آية‌ الرجم‌: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا البَتَّةَ. وفي‌ الرواية‌ عن‌ أبي‌ ذرّ أنّ سورة‌ الاحزاب‌ كانت‌ تضاهي‌ سورة‌ البقرة‌ أو هي‌ أطول‌ منها. وأنّ فيها أو في‌ أواخرها آية‌ الرجم‌ وهي‌: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا البَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللَهِ وَاللَهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وفي‌ رواية‌ السيّاري‌ّ من‌ الشيعة‌ عن‌ أبي‌ عبد الله‌ بزيادة‌ قوله‌: بِمَا قَضَيَا مِن‌ الشَّهْوَةِ.

 وفي‌ رواية‌ « الموطّأ »، و « المستدرك‌ »، ومسدّد، وابن‌ سعد عن‌ عمر كما سيأتي‌: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا البَتَّةَ.

 وفي‌ رواية‌ أبي‌ أمامة‌ بن‌ سهل‌ أنّ خالته‌ قالت‌: لقد أقرأنا رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ آية‌ الرجم‌: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا البَتَّةَ بِمَا قَضَيَا مِنَ اللَّذَّةِ. ونحو ذلك‌ رواية‌ سعد بن‌ عبد الله‌، وسليمان‌ بن‌ خالد من‌ الشيعة‌ عن‌ أبي‌عبدالله‌ عليه‌ السلام‌.

 ويَا لِلْعَجَبِ! كيف‌ رضي‌ هؤلاء المحدّثون‌ لمجد القرآن‌ وكرامته‌ أن‌ يلقي‌ هذا الحكم‌ الشديد علی الشيخ‌ والشيخة‌ بدون‌ أن‌ يذكر السبب‌، وهو زناهما أقلاّ، فضلاً عن‌ شرط‌ الإحصان‌؟! وإنّ قضاء الشهوة‌ أعمّ من‌ الجماع‌، والجماع‌ أعمّ من‌ الزنا، والزنا يكون‌ كثيراً مع‌ عدم‌ الإحصان‌. سامحنا مَن‌ يزعم‌ أنّ قضاء الشهوة‌ كناية‌ عن‌ الزنا، بل‌ زد عليه‌ كونه‌ مع‌ الإحصان‌، ولكنّا نقول‌: ما وجه‌ دخول‌ الفاء في‌ قوله‌: «فَارْجُمُوهُمَا». وليس‌ هناك‌ ما يصحّح‌ دخولها من‌ شرط‌ أو نحوه‌ لا ظاهر ولا علی وجهٍ يصحّ تقديره‌. وإنّما دخلت‌ الفاء علی الخبر في‌ قوله‌ تعالي‌ في‌ سورة‌ النور. وَالزَّانِيَةُ وَالزَّانِي‌ فَاجْلِدُوا، لانّ كلمة‌ اجْلِدُوا بمنزلة‌ الجزاء لصفة‌ الزنا في‌ المبتدأ، والزنا بمنزلة‌ الشرط‌. وليس‌ الرجم‌ جزاءً للشيخوخة‌ ولاالشيخوخة‌ سبباً له‌. نعم‌، الوجه‌ في‌ دخول‌ الفاء هو الدلالة‌ علی كذب‌ الرواية‌. ولعلّ في‌ رواية‌ سليمان‌ بن‌ خالد سقطاً بأن‌ تكون‌ صورة‌ سؤاله‌: هَلْ يَقُولُونَ فِي‌ القُرْآنِ رَجْمٌ؟!

 وكيف‌ يرضي‌ لمجده‌ وكرامته‌ في‌ هذا الحكم‌ الشديد أن‌ يقيّد الامر بالشيخ‌ والشيخة‌ مع‌ إجماع‌ الاُمّة‌ علی عمومه‌ لكلّ زانٍ محصن‌ بالغ‌ الرشد من‌ ذَكَرٍ أو أُنثي‌؟! وكيف‌ يطلق‌ الحكم‌ بالرجم‌ مع‌ إجماع‌ الاُمّة‌ علی اشتراط‌ الإحصان‌ فيه‌؟! وفوق‌ ذلك‌ يؤكّد الإطلاق‌ ويجعله‌ كالنصّ علی العموم‌ بواسطة‌ التعليل‌ بقضاء اللذّة‌ والشهوة‌، الذي‌ يشترك‌ فيه‌ المحصن‌ وغير المحصن‌. فتبصّر بما سمعته‌ من‌ التدافع‌ والتهافت‌ والخلل‌ في‌ رواية‌ هذه‌ المهزلة‌.

 وأضف‌ إلی ذلك‌ ما رواه‌ في‌ « الموطّأ »، و « المستدرك‌ »، ومسدّد، وابن‌ سعد من‌ أنّ عمر قال‌ قبل‌ موته‌ بأقلّ من‌ عشرين‌ يوماً فيما يزعمون‌ من‌ آية‌ الرجم‌: لَوْلاَ أَن‌ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي‌ كِتَابِ اللَهِ، لَكَتَبْتُهَا: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا البَتَّةِ.

 وأخرج‌ الحاكم‌، وابن‌ جرير وصحّحه‌ أيضاً أنّ عمر قال‌: لمّا نزلت‌، أتيتُ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ فقلتُ: أكْتُبُهَا؟ وفي‌ نسخة‌ « كنز العمّال‌ »: أُكْتُبْنِيهَا! فكَأ نّه‌ كره‌ ذلك‌. وقال‌ عمر: ألا تري‌ أنّ الشيخ‌ إذا زني‌ ولم‌يحصن‌، جُلِدَ. وأنّ الشابّ إذا زني‌ وقد أحصن‌، رُجِمَ؟! فالمحدّثون‌ يروون‌ أنّ عمر يذكر أنّ رسول‌ الله‌ كره‌ أن‌ تكتب‌ آية‌ منزلة‌، وعمر يذكر وجوه‌ الخلل‌ فيها. فياللعجب‌ منهم‌.

 وفي‌ « الإتقان‌ » أخرج‌ النسائيّ أنّ مروان‌ قال‌ لزيد بن‌ ثابت‌: أَلاَ تَكْتُبُهَا فِي‌ المُصْحَفِ؟!

 قَالَ: أَلاَ تَرَي‌ أَنَّ الشَّابَّيْنِ الثَّيْبَيْنِ يُرْجَمَانِ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ: أَنَا أَكْفِيكُمْ! فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَهِ! اكْتُبْ لِي‌ آيَةَ الرَّجْمِ! قَالَ: لاَ تَسْتَطِيعُ! انتهي‌.

 فزيد بن‌ ثابت‌ يعترض‌ عليها. ولمّا رأوا التدافع‌ بين‌ قول‌ عمر: اكْتُبهَا لِي‌! وبين‌ قول‌ النبي‌ّ: لاَ تَسْتَطِيعُ، قالوا: أراد عمر بقوله‌ ذلك‌ إئْذَن‌ لِي‌ بِكِتَابَتَهَا، وكأ نّهم‌ لا يعلمون‌ أنّ عمر عربيّ لا يعبّر عن‌ قوله‌: إئذن‌ لي‌ بكتابها، بقوله‌: اكتبها لي‌، ومع‌ ذلك‌ لم‌ يستطيعوا أن‌ يذكروا وجهاً مقبولاً لقوله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: لاَ تَسْتَطِيعُ.

 وفي‌ رواية‌ في‌ « كنز العمّال‌ » عن‌ ابن‌ الضريس‌، عن‌ عمر، قلت‌ لرسول‌ الله‌: أَكْتُبُهَا يَا رَسُولَ اللَهِ؟ قَالَ: لاَ تَسْتَطِيعُ!

 وأخرج‌ ابن‌ الضريس‌ عن‌ زيد بن‌ أسلم‌ أنّ عمر خطب‌ الناس‌ فَقَالَ: لاَ تَشُكُّوا فِي‌ الرَّجْمِ! فَإنَّهُ حَقٌّ. وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَهُ فِي‌ المُصْحَفِ، فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَتَيْتَنِي‌ وَأَنَا أَسْتَقْرِئُهَا رَسُولَ اللَهِ. فَدَفَعْتَ فِي‌ صَدْرِي‌، وَقُلْتَ: كَيْفَ تُسْتَقْرِئُهُ آيَةَ الرَّجْمِ وَهُمْ يَتَسَافَدُونَ تَسَافُدَ الحُمُرِ ـ انتهي‌.

 فهذه‌ الرواية‌ تقول‌: إنّ عمر لم‌ يرض‌ بانزال‌ شي‌ء في‌ الرجم‌. وليت‌ المحدّثين‌ يفسّرون‌ حاصل‌ الجواب‌ من‌ أُبيّ لعمر، وحاصل‌ منع‌ عمر لاُبيّ عن‌ استقرائها.

 وأخرج‌ الترمذيّ عن‌ سعد بن‌ المسيِّب‌، عن‌ عمر قال‌: رَجَمَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَرَجَمَ أَبُو بَكْرٍ، وَرَجَمْتُ. وَلَوْلاَ أَنِّي‌ أَكْرَهُ أَنْ أَزِيدَ فِي‌ كِتَابِ اللَهِ لَكَتَبْتُهُ فِي‌ المُصْحَفِ.

 فعمر يقول‌: إنّ كتابة‌ الرجم‌ في‌ المصحف‌ زيادة‌ في‌ كتاب‌ الله‌، وهو يكرهها. فقابل‌ هذه‌ الروايات‌ الاربع‌ إحداهنّ بالاُخري‌، واعرف‌ ما جناه‌ المولعون‌ بكثرة‌ الرواية‌ من‌ المحدّثين‌. وإذا نظرتَ إلی الجزء الثالث‌ من‌ « كنز العمّال‌ » ص‌ 90 و91، فإنّك‌ تزداد بصيرة‌ في‌ الاضطراب‌ والخلل‌!

 هذا وممّا يصادم‌ هذه‌ الروايات‌ ويكافحها ما روي‌ من‌ أنّ عليّاً عليه‌ السلام‌ لمّا جلد شَرَاحَةَ الهَمْدَانِيَّة‌ يوم‌ الخميس‌ ورجمها يوم‌ الجمعة‌ قال‌: اجْلِدُهَا بِكِتَابِ اللَهِ وَأَرْجُمُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِهِ. كما رواه‌ أحمد، والبخاريّ، والنسائي‌ّ، وعبد الرزّاق‌ في‌ « الجامع‌ »، والطحاويّ، والحاكم‌ في‌ مستدركه‌، وغيرهم‌. ورواه‌ الشيعة‌ عن‌ علی عليه‌ السلام‌ مرسلاً. فعلي‌ّ عليه‌ السلام‌ يشهد بأنّ الرجم‌ من‌ السنّة‌، لا من‌ الكتاب‌.

 الامر الرابع‌: ممّا ألصقوه‌ بكرامة‌ القرآن‌ المجيد ما رواه‌ في‌ « الإتقان‌»، و « الدرّ المنثور » أ نّه‌ أخرج‌ الطبرانيّ، والبيهقيّ، وابن‌ الضريس‌ أنّ من‌ القرآن‌ سورتين‌. وقد سمّاهما الراغب‌ في‌ « المحاضرات‌ » سورتي‌ القنوت‌. ونسبوهما إلی تعليم‌ علی عليه‌ السلام‌، وقنوت‌ عمر، ومصحفي‌ ابن‌ عبّاس‌، وزيد بن‌ ثابت‌، وقراءة‌ أُبيّ، وأبي‌ موسي‌.

 والاُولي‌ منهما: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اللَهُمَّ إنَّا نَسْتِعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي‌ عَلَيْكَ الخَيْرَ وَلاَ نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ ـ انتهي‌.

 لا نقول‌ لهذا الراوي‌: إنّ هذا الكلام‌ لا يشبه‌ بلاغة‌ القرآن‌ ولاسوقه‌، فإنّا نسامحه‌ في‌ معرفة‌ ذلك‌، ولكنّا نقول‌ له‌: كيف‌ يصحّ قوله‌: يَفْجُرُكَ؟! وكيف‌ تتعدّي‌ كلمة‌ يَفْجُرُ؟!

 وأيضاً إنّ الخلع‌ يناسب‌ الاوثان‌، إذن‌ فماذا يكون‌ المعني‌؟! وبماذا يرتفع‌ الغلط‌؟!

 والثانية‌ منهما: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اللَهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي‌ وَنَسْجُدُ. وَإلَيْكَ نَسْعَي‌ وَنَحْفِدُ. نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَي‌ عَذَابَكَ الجِدَّ، إنَّ عَذَابَكَ بِالكَافِرِينَ مُلْحَقٌ ـ انتهي‌.

 ولنسامح‌ الرواي‌ أيضاً فيما سامحناه‌ فيه‌ في‌ الرواية‌ الاُولي‌؛ ولكنّا نقول‌ له‌: ما معني‌ الجدّ هنا؟! أهو العظمة‌ أو الغني‌ أو ضدّ الهزل‌ أو هو حاجة‌ السجع‌؟!

 نعم‌، في‌ رواية‌ عبيد نَخْشي‌ نِقْمَتَكَ. وفي‌ رواية‌ عبد الله‌ نَخْشَي‌ عَذَابَكَ. وما هي‌ النكتة‌ في‌ التعبير بقوله‌: مُلْحَقٌ؟! وما هو وجه‌ المناسبة‌ وصحّة‌ التعليل‌ لخوف‌ المؤمن‌ من‌ عذاب‌ الله‌ بأنّ عذاب‌ الله‌ بالكافرين‌ ملحق‌؟ بل‌ إنّ هذه‌ العبارة‌ تناسب‌ التعليل‌، لان‌ لا يخاف‌ المؤمن‌ من‌ عذاب‌ الله‌، لانّ عذابه‌ بالكافرين‌ ملحق‌.

 الامر الخامس‌: وممّا ألصقوه‌ بالقرآن‌ المجيد ما نقله‌ في‌ « فصل‌ الخطاب‌ » عن‌ كتاب‌ « دبستان‌ المذاهب‌ » أ نّه‌ نسب‌ إلی الشيعة‌ أ نّهم‌ يقولون‌: إنّ إحراق‌ المصاحف‌ سبب‌ إتلاف‌ سور من‌ القرآن‌ نزلت‌ في‌ فضل‌ علی عليه‌ السلام‌ وأهل‌ بيته‌ عليهم‌ السلام‌. منها: هذه‌ السورة‌ وذكر كلاماً يضاهي‌ خمساً وعشرين‌ آية‌ في‌ الفواصل‌ قد لفّق‌ من‌ فقرات‌ القرآن‌ الكريم‌ علی أُسلوب‌ آياته‌. فاسمع‌ ما في‌ ذلك‌ من‌ الغلط‌ فضلاً عن‌ ركاكة‌ أُسلوبه‌ الملفّق‌!

 فمن‌ الغلط‌: وَاصْطَفَي‌ مَنِ المَلاَئِكَةِ وَجَعَلَ مِنَ المُؤْمِنِينَ أُولَئِكَ فِي‌ خَلْقِهِ. ماذا اصطفي‌ من‌ الملائكة‌؟! وماذا جعل‌ من‌ المؤمنين‌؟! وما معني‌ أُولئك‌ في‌ خلقه‌؟!

 ومنه‌: مَثَلُ الَّذِينَ يُوفُونَ بَعَهدِكَ إنِّي‌ جَزَيْتُهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ. ليت‌ شعري‌، ما هو مثلهم‌؟! ومنه‌: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَي‌ وَهَارُونَ بِمَا اسْتُخْلِفَ فَبَغَوا هَارُونَ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ.

 ما معني‌ هذه‌ الدمدمة‌؟! وما معني‌: بما استخلف‌؟! وما معني‌: فبغوا هارون‌؟! ولمن‌ يعود الضمير في‌ بغوا؟! ولمن‌ الامر بالصبر الجميل‌؟!

 ومن‌ ذلك‌: وَلَقَدْ آتَيْنَا بِكَ الحُكْمِ كَالَّذِي‌ مِن‌ قَبْلِكَ مِنَ المُرْسَلِينَ وَجَعَلْنَا لَكَ مِنْهُمْ وَصِيَّاً لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.

 ما معني‌: آتينا بك‌ الحكم‌؟! ولمن‌ يرجع‌ الضمير الذي‌ في‌ مِنْهُمْ وَلَعَلَّهُمْ؟! هل‌ المرجع‌ للضمير هو في‌ قلب‌ الشاعر؟! وما هو وجه‌ المناسبة‌ في‌ لعلّهم‌ يرجعون‌؟!

 ومن‌ ذلك‌: وَإنَّ عَلِيَّاً قَانِتٌ فِي‌ اللَّيْلِ سَاجِدٌ يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو ثَوابَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي‌ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَهُمْ بِعَذَابِي‌ يَعْلَمُونَ.

 قل‌: ما محلّ قوله‌: هل‌ يستوي‌ الذين‌ ظلموا؟! وما هي‌ المناسبة‌ له‌ في‌ قوله‌: وهم‌ بعذابي‌ يعلمون‌؟! ولعلّ هذا الملفِّق‌ تختلِج‌ في‌ ذهنه‌ الآيتان‌ الحادية‌ عشرة‌ والثانية‌ عشرة‌ من‌ سورة‌ الزمر. وفي‌ آخرها: هَلْ يَسْتَوِي‌ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ. فأراد الملفِّق‌ أن‌ يلفّق‌ منهما شيئاً بعدم‌ معرفته‌، فقال‌ في‌ آخر ما لفّق‌: هل‌ يستوي‌ الذين‌ ظلموا؟! ولم‌ يفهم‌ أ نّه‌ جي‌ء بالاستفهام‌ الإنكاريّ في‌ الآيتين‌، لا نّه‌ ذكر فيهما: الَّذِي‌ جَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، و: القَانِتُ آَنَاءَ اللَّيْلِ يَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ، فهما لايستويان‌، و لاَ يَسْتَوِي‌ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ. هذا بعض‌ الكلام‌ في‌ هذه‌ المهزلة‌.

 وإنّ صاحب‌ « فصل‌ الخطاب‌ » من‌ المحدّثين‌ المكثرين‌ المجدِّين‌ في‌ التتبّع‌ للشواذّ. وإنّه‌ ليعدّ أمثال‌ هذا المنقول‌ في‌ « دبستان‌ المذاهب‌ » ضالّته‌ المنشودة‌. ومع‌ ذلك‌ قال‌: إنّه‌ لم‌ يجد لهذا المنقول‌ أثراً في‌كتب‌ الشيعة‌. فياللعجب‌ من‌ صاحب‌ « دبستان‌ المذاهب‌ » من‌ أين‌ جاء بنسبة‌ هذه‌ الدعوي‌ إلی الشيعة‌؟! وفي‌ أيّ كتاب‌ لهم‌ وجدها؟! أفهكذا يكون‌ النقل‌ في‌ الكتب‌، ولكن‌ لاعجب‌ (شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمِ) [27] فكم‌ نقلوا عن‌ الشيعة‌ مثل‌ هذا النقل‌ الكاذب‌ كما في‌ كتاب‌ « الملل‌ والنِّحل‌ » للشهرستانيّ، ومقدّمة‌ ابن‌ خلدون‌، وغير ذلك‌ ممّا كتبه‌ بعض‌ الناس‌ في‌ هذه‌ السنين‌. وَاللَهُ المُسْتَعَانُ.

 ثمّ بدأ المرحوم‌ آية‌ الله‌ البلاغيّ موضوعاً تحت‌ عنوان‌: قَول‌ الإماميّة‌ بِعَدَمِ النَّقِيصَةَ فِي‌ القُرْآنِ. وبعد أن‌ نقل‌ كلمات‌ عدد من‌ أعلام‌ الشيعة‌ كالشيخ‌ الصدوق‌ في‌ « الاعتقادات‌ »، والشيخ‌ المفيد في‌ « أوائل‌ المقالات‌ »، والسيّد المرتضي‌، والشيخ‌ الطوسيّ، والشيخ‌ الطبرسيّ، والشيخ‌ كاشف‌ الغطاء، قال‌: وعن‌ السيّد القاضي‌ نور الله‌ في‌ كتابه‌ « مصائب‌ النواصب‌ »: ما نُسب‌ إلی الشيعة‌ الإماميّة‌ من‌ وقوع‌ التغيير في‌ القرآن‌ ليس‌ ممّا قال‌ به‌ جمهور الإماميّة‌ إنّما قَالَ بِهِ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ لاَ اعْتِدَادَ بِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ.

 وعن‌ الشيخ‌ البهائيّ: وأيضاً اختلفوا في‌ وقوع‌ الزيادة‌ والنقصان‌ فيه‌. والصحيح‌ أنّ القرآن‌ العظيم‌ محفوظ‌ عن‌ ذلك‌ زيادة‌ كان‌ أو نقصاناً. ويدلّ عليه‌ قوله‌ تعالي‌: وَإِنَّا لَهُ و لَحَـ'فِظُونَ.

 وما اشتهر بين‌ الناس‌ من‌ إسقاط‌ اسم‌ أمير المومنين‌ عليه‌ السلام‌ منه‌ في‌ بعض‌ المواضع‌ مثل‌ قوله‌ تعالي‌: يَـ'´أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ فِي‌ علی، وغير ذلك‌ فهو غير معتبر عند العلماء. وعن‌ المقدّس‌ البغداديّ في‌ « شرح‌ الوافية‌ »: وإنّما الكلام‌ في‌ النقيصة‌. والمعروف‌ بين‌ أصحابنا حتّي‌ حكي‌ عليه‌ الإجماع‌ عدم‌ النقيصة‌ أيضاً.

 وعنه‌ أيضاً، عن‌ الشـيخ‌ علی بن‌ عبد العالي‌ أ نّه‌ صنّف‌ في‌ نفي‌ النقيصة‌ رسالة‌ مستقلّة‌، وذكر كلام‌ الصدوق‌ المتقدّم‌. ثمّ اعترض‌ بما يدلّ علی النقيصة‌ من‌ الاحاديث‌. وأجاب‌ بأنّ الحديث‌ إذا جاء علی خلاف‌ الدليل‌ من‌ الكتاب‌ والسُّنّة‌ المتواترة‌ أو الإجماع‌. ولم‌ يمكن‌ تأويله‌ ولاحمله‌ علی بعض‌ الوجوه‌ وجب‌ طرحه‌.

 هذا وأنّ المحدِّث‌ المعاصر جهد في‌ كتاب‌ « فصل‌ الخطاب‌ » في‌ جمع‌ الروايات‌ التي‌ استدلّ بها علی النقيصة‌؛ وكثر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل‌ عن‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ في‌ الكتب‌ كمراسيل‌ العيّاشيّ، وفرات‌، وغيرها. مع‌ أنّ المتتبّع‌ المحقّق‌ يجزم‌ بأنّ هذه‌ المراسيل‌ مأخوذة‌ من‌ تلك‌ المسانيد.

 وفي‌ جملة‌ ما أورده‌ من‌ الروايات‌ ما لا يتيسّر احتمال‌ صدقها. ومنها ما هو مختلف‌ باختلاف‌ يؤول‌ به‌ إلی التنافي‌ والتعارض‌. وهذا المختصر لايسع‌ بيان‌ النحوين‌ الاخيرين‌. هذا مع‌ أنّ القسم‌ الوافر من‌ الروايات‌ ترجع‌ أسانيده‌ إلی بضعة‌ أنفار. وقد وصف‌ علماء الرجال‌ كلاّ منهم‌ إمّا بأ نّه‌ ضعيف‌ الحديث‌ فاسد المذهب‌ مجفوّ الرواية‌. وإمّا بأ نّه‌ مضطرب‌ الحديث‌ والمذهب‌ يعرف‌ حديثه‌ وينكر ويروي‌ عن‌ الضعفاء، وإمّا بأ نّه‌ كذّاب‌ متّهم‌ لاأستحلّ أن‌ أروي‌ من‌ تفسيره‌ حديثاً واحداً، وأ نّه‌ معروف‌ بالوقف‌ وأشدّ الناس‌ عداوة‌ للرضا عليه‌ السلام‌. وإمّا بأ نّه‌ كان‌ غالياً كذّاباً، وإمّا بأ نّه‌ ضعيف‌ لايلتفت‌ إليه‌ ولا يعوّل‌ عليه‌ ومن‌ الكذّابين‌، وإمّا بأ نّه‌ فاسد الرواية‌ يُرمَي‌ بالغلوّ. ومن‌ الواضح‌ أنّ أمثال‌ هؤلاء لا تجدي‌ كثرتهم‌ شيئاً.

 ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتهم‌ في‌ مثل‌ هذا المقام‌ الكبير، لوجب‌ من‌ دلالة‌ الروايات‌ المتعدّدة‌ أن‌ ننزلها علی أنّ مضامينها تفسير للآيات‌ أو تأويل‌ أو بيان‌ لما يعلم‌ يقيناً شمول‌ عموماتها له‌، لا نّه‌ أظهر الافراد وأحقّها بحكم‌ العامّ. أو ما كان‌ مراداً بخصوصه‌ وبالنصّ عليه‌ في‌ ضمن‌ العموم‌ عند التنزيل‌. أو ما كان‌ هو المورد للنزول‌. أو ما كان‌ هو المراد من‌ اللفظ‌ المبهم‌.

 وعلي‌ أحد الوجوه‌ الثلاثة‌ الاخيرة‌ يحمل‌ ما ورد فيها أ نّه‌ تنزيل‌ وأ نّه‌ نزل‌ به‌ جبريل‌ كما يشهد به‌ نفس‌ الجمع‌ بين‌ الروايات‌. كما يحمل‌ التحريف‌ فيها علی تحريف‌ المعني‌.

 ويشهد لذلك‌ مكاتبة‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ لسعد الخير كما في‌ روضة‌ الكافي‌. ففيها: وَكَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الكِتَابَ أَنْ أَقَامُوا حُرُوفَهُ وَحَرَّفُوا حُدُودَهُ. وكما يحمل‌ ما فيها من‌ أ نّه‌ كان‌ في‌ مصحف‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أو ابن‌ مسعود. وينزل‌ علی أ نّه‌ كان‌ فيه‌ بعنوان‌ التفسير والتأويل‌.

 وممّا يشهد لذلك‌ قول‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ للزنديق‌، كما في‌ « نهج‌ البلاغة‌ » وغيره‌: وَلَقَدْ جِئْتُهُمْ بِالكِتَابِ كُمَّلاً مُشْتَمِلاً عَلَی التَنْزِيلِ وَالتَّأوِْيلِ.[28]

 وممّا أشرنا إليه‌ من‌ الروايات‌ أنّ المحدِّث‌ المعاصر أورد في‌ روايات‌ سورة‌ المعارج‌ أربع‌ روايات‌ ذكرت‌ أنّ كلمة‌ (بِوَلاَيَةِ عَلِي‌ٍّ) مثبتة‌ في‌ مصحف‌ فاطمة‌ عليها السلام‌. وهكذا هي‌ في‌ مصحف‌ فاطمة‌ عليها السلام‌. ولايخفي‌ أنّ مصحفها عليها السلام‌ إنّما هو كتاب‌ تحديث‌ بأسرار العلم‌. كما يعرف‌ ذلك‌ من‌ عدّة‌ روايات‌ في‌ « أُصول‌ الكافي‌ » في‌ باب‌ الصحيفة‌ والمصحف‌ والجامعة‌. وفيها قول‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌: مَا فِيهِ مِن‌ قُرْآنِكُم‌ حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَمَا أَزْعَمُ أَنَّ فِيهِ قُرْآناً، كما في‌ الصحيح‌ والحَسَن‌ ( الروايات‌ الصحيحة‌ والحسنة‌ ).

 ومنها ما في‌ « الكافي‌ » في‌ باب‌ أنّ الائمّة‌ عليهم‌ السـلام‌ شـهداء علی الناس‌ في‌ صحيـحة‌ بُريـد عـن‌ أبـي‌ جعـفر علـيه‌ السـلام‌، وروايـته‌ عـن‌ أبي‌عبدالله‌ عليه‌ السـلام‌ مـن‌ قولـهما علـيهمـا السـلام‌ في‌ قـوله‌ تعـالي‌: ] وَكَذَلِكَ [ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً: نحن‌ الاُمّة‌ الوسطي‌.

 إذن‌، فما روي‌ مرسلاً في‌ تفسيري‌ النعمان‌ وسعد من‌ أنّ الآية‌ أئِمَّةً وَسَطاً لابدّ من‌ حمله‌ علی التفسير، وأنّ التحريف‌ إنّما هو للمعني‌.

 ومنها: كما رواه‌ في‌ « الكافي‌ » في‌ باب‌ أنّ الائمّة‌ هم‌ الهداة‌، عن‌ الفضيل‌: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عن‌ قول‌ الله‌ تعالي‌: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ. فقال‌: كُلُّ إمَامٍ هُوَ هَادٍ لِلْقَرْنِ الَّذِي‌ هُوَ فِيهِم‌.

 ورواية‌ بُريد عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ في‌ قوله‌ تعالي‌: إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٍ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ. فقال‌: رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ المُنْذِرُ، وَلِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إلَی مَاجَاءَ بِهِ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. وَالهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ الاَوْصِيَاءُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ.

 ونحوها رواية‌ أبي‌ بصير عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌، ورواية‌ عبدالرحيم‌ القصير عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌: إنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ المُنْذِرُ وَعَلَي‌ٌّ الهَادِي‌.

 وبمضمونها جاءت‌ روايات‌ الجمهور مسندة‌ عن‌ طريق‌ أبي‌هريرة‌، وأبي‌برزة‌، وابن‌ عبّاس‌، وطريق‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. وصحّحه‌ الحاكم‌ في‌ مستدركه‌.

 وإذا أحطتَ خبراً بهذا، فهل‌ يروق‌ لك‌ التجاء « فصل‌ الخطاب‌ » في‌ تلفيقه‌ وتكثيره‌ إلی النقل‌ عن‌ بعض‌ التفاسير المتأخّرة‌، وعن‌ الداماد في‌ حاشية‌ « القبسات‌ » من‌ قوله‌: إنّ الاحاديث‌ من‌ طرقنا وطرقهم‌ متضافرة‌ بأ نّه‌ كان‌ التنزيل‌: إنَّمَا أَنْتَ مِنْذِرُ العِبَادِ وَعَلِيٌّ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ؟! ـ انتهي‌.

 هذا الشعر الذي‌ ينشده‌ المدّاحون‌ ولا يرضي‌ العارف‌ باللّغة‌ العربيّة‌ أن‌ ينسب‌ إليه‌ نظمه‌ ولا أظنّك‌ تجد من‌ طرقنا وطرق‌ أهل‌ السُّنَّة‌ غير ما سمعته‌ أوّلاً وهو غير ما نقله‌ فاعتبر.

 ومنها: رواية‌ « الكافي‌ » عن‌ أبي‌ حمزة‌، عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ قال‌: قوله‌ عزّ وجلّ: رَبَّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ. يَعْنُونَ بِوَلاَيَةِ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ. وهذا صريح‌ في‌ كونه‌ تفسيراً. فهي‌ حاكمة‌ ببيانها علی ضعيفتَي‌ أبي‌ بصير في‌ ظهورهما بأنّ لفظ‌ «بِوَلاَيَةِ علی » محذوف‌ من‌ الآية‌. ويسري‌ البيان‌ من‌ رواية‌ أبي‌ حمزة‌ إلی أمثال‌ ذلك‌.

 ومنها: رواية‌ عمر بن‌ حنظلة‌ عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌ في‌ قوله‌ تعالي‌ في‌ سورة‌ البقرة‌: مَتَاعاً إلی الحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ «مُخْرَجَاتٍ». ولاأظنّ إلاّ أ نّك‌ تقول‌: إنّ إلحاق‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ لكلمة‌ مخرجات‌ إنّما هو تفسير للمراد من‌ كلمة‌ إخْراج‌، لا بيان‌ للنقيصة‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌، ولكنّ « فصل‌ الخطاب‌ » أورده‌ بعنوان‌ البيان‌ للنقيصة‌. فاعتبر!

 ومنها: صحيحة‌ محمّد بن‌ مسلم‌ عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌ كما في‌ « الكافي‌ » في‌ أوّل‌ باب‌ منع‌ الزكاة‌. وفيها: ثمّ قال‌ عليه‌ السلام‌: هو قول‌ الله‌ عزّ وجلّ: «سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ»، يَعْنِي‌ مَا بَخِلُوا بِهِ مِنَ الزَّكَاةِ.

 فالرواية‌ كالصريحة‌ بأنّ لفظ‌ مِنَ الزَّكَاةِ. إنّما هو تفسير من‌ الإمام‌، لامن‌ القرآن‌. فهي‌ حاكمة‌ ببيانها علی مرسلة‌ ابن‌ أبي‌ عمير عمّن‌ ذكره‌، عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌ في‌ قول‌ الله‌ عزّ وجلّ: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ مِنَ الزَّكَو'ةَ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ، وصارفة‌ لها عن‌ كونها بياناً للنقيصة‌.

 ومنها: صحيحة‌ أبي‌ بصير عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌ كما في‌ « الكافي‌ » في‌ باب‌ نصّ الله‌ ورسوله‌ علی الائمّة‌ واحداً بعد واحدٍ. وفيها: فقلتُ له‌: إنّ الناس‌ يقولون‌: فما له‌ لم‌ يُسمّ عليّاً عليه‌ السلام‌ وأهل‌ بيته‌ في‌ كتاب‌ الله‌؟! قال‌: فقولوا لهم‌: إنّ رسول‌ الله‌ نزلت‌ عليه‌ الصلاة‌ ولم‌ يسمّ الله‌ لهم‌ ثلاثاً ولا أربعاً حتّي‌ كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ هو الذي‌ فَسَّر لهم‌ ذلك‌. وكذا قال‌ عليه‌ السلام‌ في‌ الزكاة‌ والحجّ. ومقتضي‌ الرواية‌ تصديق‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ لقول‌ الناس‌: إنّ الله‌ لم‌ يسمّ عليّاً في‌ القرآن‌، وإنّ التسمية‌ كانت‌ من‌ تفسير رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ حديث‌ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ، وحديث‌ الثَّقَلَينِ.

 ويشهد لك‌ ما رواه‌ في‌ « الكافي‌ » أيضاً في‌ هذا الباب‌ بعد ذلك‌ بيسير في‌ صحيحة‌ الفضلاء عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌، ورواية‌ أبي‌ الجارود عنه‌ عليه‌ السلام‌ أيضاً، ورواية‌ أبي‌ الديلم‌ عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌ أ نّهما تلوا في‌ مقام‌ الاحتجاج‌ وعدم‌ التقيّة‌ قوله‌ تعالي‌: يَـ'´أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن‌ رَّبِّكَ وَإِن‌ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رَسَالَتَهُ، ولم‌ يذكرا في‌ تلاوة‌ الآية‌ كلمة‌ فِي‌ علی. وهذا يدلّ علی أنّ ما روي‌ في‌ ذكر اسم‌ علی عليه‌ السلام‌ في‌ هذا المقام‌، بل‌ وفي‌ غيره‌ إنّما هو تفسير وبيان‌ للمراد في‌ وحي‌ القرآن‌ بكون‌ التفسير والبيان‌ جاء به‌ جبرائيل‌ من‌ عند الله‌ بعنوان‌ الوحي‌ المطلق‌ لاالقرآن‌، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي‌'´ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌّ يُوحَي‌.

 ومنها: رواية‌ الفضيل‌ عن‌ أبي‌ الحسن‌ الماضي‌ عليه‌ السلام‌ في‌ باب‌ «النُّكَتُ [29] مِنَ التَّنْزِيلِ فِي‌ الوَلاَيَةِ» من‌ « الكافي‌ » قال‌: قلتُ: هَذَا الَّذِي‌ كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ؟! قال‌: يعني‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. قلتُ: تنزيلٌ؟! قال‌ عليه‌ السلام‌: نعم‌! فإنّه‌ عليه‌ السلام‌ ذكر أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بقوله‌: «يعني‌» بعنوان‌ التفسير وبيان‌ المراد والمشار إليه‌ في‌ قوله‌ تعالي‌: هَذَا. فقوله‌ في‌ الجواب‌: نعم‌، دليل‌ علی أنّ ما كان‌ مراداً بعينه‌ في‌ وحي‌ القرآن‌ يسمّونه‌ عليهم‌ السلام‌: تنزيلاً.

 فتكون‌ هذه‌ الرواية‌ وأمثالها قاطعة‌ لتشبّثات‌ « فصل‌ الخطاب‌ » بما حشّده‌ من‌ الروايات‌ التي‌ عرفت‌ حالها إجمالاً. وإلي‌ ما ذكرناه‌ وغيره‌ يشير ما نقلناه‌ من‌ كلمات‌ العلماء الاعلام‌ قُدّست‌ أسرارهم‌.

 فإن‌ قيل‌: إنّ هذه‌ الرواية‌ ضعيفة‌. وكذا جملة‌ من‌ الروايات‌ المتقدّمة‌! قلنا: إنّ جُلَّ ما حشّده‌ « فصل‌ الخطاب‌ » من‌ الروايات‌ هو مثل‌ هذه‌ الرواية‌ وأشدّ منها ضعفاً كما أشرنا إليه‌ في‌ وصف‌ رواتها. علی أنّ ما ذكرناه‌ من‌ الصحاح‌ فيه‌ كفاية‌ لاُولي‌ الالباب‌. [30]

 كان‌ ما تقدّم‌ نصّ كلام‌ هذا العالم‌ المتتبّع‌ المحقّق‌ الخبير حول‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌. وقد لوحظ‌ كم‌ ألمّ رحمه‌ الله‌ بأطراف‌ الموضوع‌ بنحو شامل‌ وكامل‌، ودحض‌ الشبهات‌ المارّة‌ حوله‌ بفكر راسخ‌ قويم‌! يضاف‌ إلی ذلك‌ أ نّه‌ لم‌ يقطع‌ شوطاً في‌ حماية‌ معقل‌ التشيّع‌ بالاعتقاد بصيانة‌ الكتاب‌ الإلهي‌ّ. علی أتمّ نحو وأكمله‌ فحسب‌، بل‌ إنّه‌ ـ بذكره‌ الروايات‌ المأثورة‌ في‌ المصادر المهمّة‌ لاهل‌ السّنة‌ والجماعة‌ ـ بدأ حملته‌ عليهم‌ وأبطل‌ تلك‌ الروايات‌ بوصفها ملصقة‌ بكرامة‌ كلام‌ الله‌ المجيد، وذلك‌ بأُسلوب‌ رائق‌. وليت‌ للشـيعة‌ في‌ كلّ عصر رجلاً واحداً ـ في‌ الاقلّ ـ كذا العالم‌ المجتهد الفقيه‌ البصير الحميم‌ الشفيق‌ المتحرّر من‌ سلطان‌ هواه‌، فتعالج‌ المشاكل‌ جميعها بفضل‌ قوّة‌ إيمانه‌ وعلمه‌ ودرايته‌!

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[2] ـ الآية‌ 42، من‌ السورة‌ 41: حم‌ السجدة‌.

[3] ـ «عقائد الإماميّة‌» الشيخ‌ محمّد رضا المظفّر، ص‌ 59 و 60، منشورات‌ مكتبة‌ الامين‌ في‌ النجف‌، سنة‌ 1388، تحت‌ الرقم‌ 21 ـ عقيدتنا في‌ القرآن‌ الكريم‌.

[4] ـ نقل‌ الشيخ‌ محمّد جواد مغنية‌ في‌ كتاب‌ «مع‌ الشيعة‌ الإماميّة‌» المطبوع‌ مع‌ كتابين‌ آخرين‌ في‌ مجموعة‌ بعنوان‌ «الشيعة‌ في‌ الميزان‌» ص‌ 299، عن‌ الاُستاذ خالد محمّد خالد في‌ كتاب‌ «الديمقراطيّة‌» ص‌ 148 أ نّه‌ قال‌: الشيعة‌ لا يعترفون‌ بغير القرآن‌، بل‌ إنّ لبعض‌ طوائفهم‌ قرآناً غير قرآننا، وهم‌ لا يعترفون‌ بالسُّنّة‌ وأحاديث‌ الرسول‌ التي‌ يرويها وينقلها أئمّة‌ أهل‌ السُّنّة‌. فأجابه‌ الشيخ‌ قائلاً: لا أدري‌ إذا كان‌ أحد من‌ الشيعة‌ يعرف‌ هذه‌ الطائفة‌ التي‌ لها قرآن‌ غير قرآننا. أمّا أنا فلا أعرف‌ عنها شيئاً، ولم‌ أسمع‌ بها من‌ قبل‌، ولا أريد أن‌ أتعرّف‌ إليها أبداً، إن‌ كان‌ لها وجود، لا نّي‌ أعتقد أنا ويعتقد كلّ شيعيّ معي‌ أنّ من‌ لا يؤمن‌ بهذا القرآن‌ الذي‌ بين‌ أيدينا، فهو كافر ليس‌ من‌ الإسلام‌ في‌ شي‌ء، لا هو مسلم‌ سنّيّ، ولا مسلم‌ شيعي‌ّ. كما أ نّي‌ لاأعرف‌ أحداً من‌ الشيعة‌ يعترف‌ بالقرآن‌ دون‌ السُّنّة‌ وأحاديث‌ الرسول‌. إنّ الشيعة‌ يعتقدون‌ بأنّ القرآن‌ والسُّنّة‌ شي‌ء واحد من‌ حيث‌ وجوب‌ العمل‌ والاتّباع‌، وأنّ من‌ أنكر سنّة‌ الرسول‌ فقد أنكر القرآن‌ نفسه‌ لقوله‌ تعالي‌: مَآ ءَاتَب'كُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَب'كُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا. وهذه‌ كتبهم‌ في‌ الفقه‌ وأُصوله‌، والحديث‌ ورجاله‌. وهي‌ تعدّ بالمئات‌ تعلن‌ بصراحة‌ أنّ أدلّة‌ الشريعة‌ الإسلاميّة‌، ومصادر أحكامها أربعة‌: الكتاب‌، والسُّنّة‌، والاءجماع‌، والعقل‌.

[5] ـ اسم‌ مؤلّف‌ الكتاب‌: الحاجّ الميرزا حسين‌، واسم‌ أبيه‌: محمّد تقي‌.

[6] ـ إذ إنّ كتاب‌ «فصل‌ الخطاب‌» لا يُعَدّ شيئاً عند الشيعة‌، بينما روايات‌ نقص‌ القرآن‌ والزيادة‌ فيه‌ أخرجها صحاح‌ أهل‌ السُّنّة‌ والجماعة‌ أمثال‌ البخاريّ، ومسلم‌، و«مسند أحمد».

[7] ـ نجد مثل‌ بحث‌ السيّد التيجاني‌ّ في‌ عدم‌ وجود فرق‌ في‌ نسبة‌ تحريف‌ القرآن‌ وعدم‌ تحريفه‌ إلی الشيعة‌ والسُّنّة‌، في‌ بحث‌ آخر للشيخ‌ محمّد جواد مغنية‌ في‌ كتاب‌ «الشيعة‌ والتشيّع‌» ص‌ 59 إلی 61، وهو يدور حول‌ عدم‌ تحريف‌ القرآن‌، واتّفاق‌ الشيعة‌ والسُّنّة‌ علی ذلك‌. قال‌: نُسب‌ إلی الإماميّة‌ القول‌ بأنّ عند فاطمة‌ بنت‌ الرسول‌ مصحفاً، فيه‌ زيادات‌ عن‌ هذا القرآن‌ الكريم‌. وقبل‌ أن‌ نبيّن‌ حقيقة‌ هذه‌ النسبة‌، نشير إلی عقيدة‌ المسلمين‌ في‌ صيانة‌ الكتاب‌ العزيز: اتّفق‌ المسلمون‌ بكلمة‌ واحدة‌ علی أ نّه‌ لا زيادة‌ في‌ القرآن‌، ما عدا فرقة‌ صغيرة‌ شاذّة‌ من‌ فرق‌ الخوارج‌، فإنّها أنكرت‌ أن‌ تكون‌ سورة‌ يوسف‌ من‌ القرآن‌، لا نّها قصّة‌ غرام‌ يتنزّه‌ عن‌ مثلها كلام‌ الله‌ سبحانه‌. ونسب‌ إلی بعض‌ المعتزلة‌ إنكار سورة‌ أبي‌ لهب‌، لا نّها سبّ وطعن‌ لايتمشّي‌ مع‌ منطق‌ الحكمة‌ والتسامح‌. ونحن‌ لا نتردّد، ولانتوقّف‌ في‌ تكفير من‌ أنكر كلمة‌ واحدة‌ من‌ القرآن‌، وأنّ جحود البعض‌ تماماً كجحود الكلّ، لا نّه‌ طعن‌ صريح‌ فيما ثبت‌ عن‌ النبي‌ّ بضرورة‌ الدين‌، واتّفاق‌ المسلمين‌. أمّا النقصان‌ بمعني‌ أنّ هذا القرآن‌ لايحتوي‌ علی جميع‌ الآيات‌ التي‌ نزلت‌ علی محمّد، فقد قال‌ به‌ أفراد من‌ السُّنّة‌ والشيعة‌ في‌ العصر البائد. وأنكر عليهم‌ يومذاك‌ المحقّقون‌ وشيوخ‌ الإسلام‌ من‌ الفريقين‌، وجزموا بكلمة‌ قاطعة‌ أنّ ما بين‌ الدفّتين‌ هو القرآن‌ المنزل‌ دون‌ زيادة‌ أو نقصان‌ للآية‌ 9، من‌ سورة‌ الحجر: إنّا نحن‌ نزّلنا الذكر وإنّا له‌ لحافظون‌، والآية‌ 41، من‌ سورة‌ فصّلت‌: لايأتيه‌ الباطلُ من‌ بين‌ يديه‌ ولامن‌ خلفه‌ تنزيل‌ من‌ حكيمٍ حميد.

 واليوم‌ أصبح‌ هذا القول‌ ضرورة‌ من‌ ضرورات‌ الدين‌، وعقيدة‌ لجميع‌ المسلمين‌، إذ لاقائل‌ بالنقيصة‌، لا من‌ السُّنّة‌، ولا من‌ الشيعة‌. فإثارة‌ هذا الموضوع‌، والتعرّض‌ له‌ ـفي‌ هذا العصرـ لغو وعبث‌، أو دسّ وطعن‌ علی الإسلام‌ والمسلمين‌. وإذا عذرنا محبّالدين‌ الخطيب‌، والحفناويّ، والجبهان‌، وأضرابهم‌ من‌ المأجورين‌، فإنّا لا نعذر أبداً الشيخ‌ أبازهرة‌، لا نّه‌ في‌ نظرنا أجلّ، وأسمي‌ علماً وخلقاً من‌ ألف‌ خطيب‌ وخطيب‌ من‌ أمثال‌ محبّالدين‌. لذا وقفنا حائرين‌ متساءلين‌: ماذا أراد فضيلته‌ من‌ إثارة‌ هذا الموضوع‌ في‌ كتاب‌ «الإمام‌ الصادق‌» مع‌ علمه‌ ويقينه‌ أ نّه‌ أصبح‌ في‌ خبر كان‌، وأ نّه‌ لا قائل‌ به‌ اليوم‌ من‌ الشيعة‌ ولامن‌ السُّنّة‌؟ ماذا أراد الشيخ‌ أبو زهرة‌ من‌ حملته‌ الشعواء علی الشيخ‌ الكليني‌ّ صاحب‌ «الكافي‌» الذي‌ مضي‌ علی وفاته‌ أكثر من‌ ألف‌ سنة‌؟ هل‌ يريد الشيخ‌ أن‌ يُدخلنا في‌ جدل‌ عقيم‌، ونحن‌ نطلب‌ الوفاق‌ والوئام‌ معه‌ ومع‌ غيره‌؟ وحيثما أَجَلْتُ الفكر في‌ سبب‌ هذه‌ الحملة‌ لم‌أجد لها تفسيراً إلاّ التأثّر بالبيئة‌ والوراثة‌. وهل‌ من‌ شي‌ء أدلّ علی ذلك‌ من‌ قوله‌ في‌ ص‌ 36: لانستطيع‌ قبول‌ روايات‌ الكلينيّ، لا نّه‌ الذي‌ أدّعي‌ أنّ الإمام‌ جعفر الصادق‌ قد قال‌: إنّ في‌ القرآن‌ نقصاً وزيادة‌. وقد كذبه‌ ـكذاـ كبار العلماء من‌ الاثني‌ عشريّة‌، كالمرتضي‌، والطوسي‌ّ، وغيرهما، ورووا عن‌ أبي‌ عبد الله‌ الصادق‌ نقيض‌ ما ادّعاه‌ الكليني‌ّ. وكرّر هذه‌ العبارة‌ وما إليها في‌ صفحات‌ الكتاب‌ مرّات‌ ومرّات‌. إنّ أبا زهرة‌ يصوّر الكلينيّ، وكأ نّه‌ قد تفرّد بهذا القول‌ دون‌ غيره‌، وتصويره‌ هذا بالتضليل‌ أشبه‌، كما يتّضح‌ ممّا يأتي‌: ولستُ أدري‌ كيف‌ ذهل‌ الشيخ‌ عن‌ وجه‌ الشبه‌ فيما نقله‌ الكلينيّ في‌ «الكافي‌»، وما نقله‌ كلّ من‌ البخاري‌ّ ومسلم‌ في‌ صحيحيهما؟ قال‌ البخاريّ في‌ ج‌ 8، ص‌ 209، طبعة‌ سنة‌ 1377 ه: جلس‌ عمر علی المنبر. فلمّا سكت‌ المؤذّن‌، قام‌، فأثني‌ علی الله‌ بما هو أهله‌، ثمّ قال‌: أمّا بعد، فإنّي‌ قائل‌ لكم‌ مقالة‌ قد قدّر لي‌ أن‌ أقولها، لا أدري‌ لعلّها بين‌ يدي‌ أجلي‌. فمن‌ عقلها ووعاها فليحدّث‌ بها، حيث‌ انتهت‌ به‌ راحلته‌. ومن‌ خشي‌ أن‌ لا يعقلها، فلا أُحلّ لاحدٍ أن‌ يكذب‌ علَي‌َّ. إنّ الله‌ بعث‌ محمّداً بالحقّ، وأنزل‌ عليه‌ الكتاب‌، فكان‌ ممّا أُنزل‌ آية‌ الرجم‌، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم‌ رسول‌ الله‌ ورجمنا بعده‌، فأخشي‌ إن‌ طال‌ بالناس‌ زمان‌ أن‌ يقول‌ قائل‌: والله‌ ما نجد آية‌ الرجم‌ في‌ كتاب‌ الله‌، فيضلّوا بترك‌ فريضة‌ أنزلها الله‌. والرجم‌ في‌ كتاب‌ الله‌ حقّ علی من‌ زني‌ إذا أحصن‌ من‌ الرجال‌ والنساء، إذا قامت‌ البيّنة‌ أو كان‌ الحبل‌، أو الاعتراف‌. ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من‌ كتاب‌ الله‌: أن‌ لا ترغبوا عن‌ آبائكم‌ فإنّه‌ كفر بكم‌ أن‌ ترغبوا عن‌ آبائكم‌. ونقل‌ البخاريّ أيضاً في‌ ص‌ 86، ج‌ 9، باب‌ الشهادة‌ تكون‌ عند الحاكم‌ في‌ ولايته‌ القضاء، عن‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ أ نّه‌ قال‌: لولا أن‌ يقول‌ الناس‌ زاد عمر في‌ كتاب‌الله‌ لكتبتُ آية‌ الرجم‌ بيدي‌. هذا ما جاء علی لسان‌ الخليفة‌ الثاني‌ في‌ «صحيح‌ البخاري‌ّ». وروي‌ هذا الحديث‌ مسلم‌ في‌ صحيحه‌، ص‌ 107، القسم‌ الاوّل‌ من‌ الجزء الثاني‌ طبعة‌ سنة‌ 1348 ه، ولم‌يذكر فيه‌: أن‌ لاترغبوا عن‌ آبائكم‌... إلی آخره‌، مع‌ العلم‌ بأنّ ليس‌ في‌ القرآن‌ مايُشعر بوجوب‌ الرجم‌ والرغبة‌ عن‌ الآباء.

 وقال‌ السيوطي‌ّ في‌ «الاءتقان‌» ج‌ 1، ص‌ 60، مطبعة‌ حجازيّ بالقاهرة‌: أوّل‌ من‌ جمع‌ القرآن‌ أبو بكر، وكتبه‌ زيد. وكان‌ الناس‌ يأتون‌ زيد بن‌ ثابت‌. فكان‌ لا يكتب‌ آية‌ إلاّ بشاهدَي‌ عدل‌. وإنّ آخر سورة‌ براءة‌ لم‌ توجد إلاّ مع‌ خزيمة‌ بن‌ ثابت‌، فقال‌ ـ أي‌: أبو بكر ـ اكتبوها، فإنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ جعل‌ شهادته‌ بشهادة‌ رجلين‌، فكتب‌. وإنّ عمر أتي‌ بآية‌ الرجم‌، فلم‌ يكتبها، لا نّه‌ كان‌ وحده‌.

 وإذا كان‌ أبو زهرة‌ لا يقبل‌ أحاديث‌ الكلينيّ، لا نّه‌ روي‌ حديث‌ التحريف‌ ـكما قال‌ـ فعليه‌ أن‌ لا يقبل‌ أحاديث‌ البخاريّ جملة‌ وتفصيلاً لمكان‌ هذا الحديث‌ الصريح‌ الواضح‌ بالتحريف‌ بشهادة‌ عمر بن‌ الخطّاب‌. إنّ ما ذكره‌ الكلينيّ في‌ هذا الباب‌ لا يختلف‌ في‌ النتيجة‌ عمّا ذكره‌ البخاريّ ومسلم‌. فلماذا تحامل‌ الشيخ‌ علی الكلينيّ، وسكت‌ عنهما؟ بل‌ قال‌ أبو زهرة‌ في‌ كتاب‌ «الإمام‌ زيد» ص‌ 245: والبخاريّ ذاته‌، وهو أصحّ كتب‌ السُّنّة‌ إسناداً قد أخذتُ عليه‌ أحاديث‌. وما كان‌ ذلك‌ مسوّغاً لتكذيب‌ البخاريّ ولا مسوّغاً لنقض‌ الصحيح‌ الذي‌ رواه‌، وعدم‌ الاخذ به‌.

 وأيضاً روي‌ البخاريّ في‌ الجزء الرابع‌ باب‌ طفَّة‌ إبليس‌ وجنوده‌، عن‌ عائشة‌ أ نّها قالت‌: سُحِر النبي‌ّ، حتّي‌ كان‌ يخيّل‌ إليه‌ أ نّه‌ يفعل‌ الشي‌ء، وما يفعله‌. وقد كذّبه‌ في‌ ذلك‌ الجصّاص‌ أحد أئمّة‌ الحنفيّة‌، قال‌ ما نصّه‌ بالحرف‌: وقد أجازوا مِن‌ فعل‌ الساحر ما هو أطمّ وأفظع‌، ذلك‌ أ نّهم‌ زعموا أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ سُحِرَ، وأنّ السِّحر عمل‌ فيه‌، حتّي‌ قال‌: إنّه‌ يخيّل‌ إلی أ نّي‌ أقول‌ الشي‌ء، ولا أقوله‌، وأفعله‌، ولم‌ أفعله‌، إلی أن‌ قال‌ الجصّاص‌: ومثل‌ هذه‌ الاخبار من‌ وضع‌ الملحدين‌. («أحكام‌ القرآن‌» للجصّاص‌، ج‌ 1، ص‌ 55، طبعة‌ سنة‌ 1347 ه).

[8] ـ الصحيح‌ هو الفضل‌ بن‌ الحسن‌.

[9] ـ مقال‌ الاُستاذ محمّد المدنيّ عميد كلّيّة‌ الشريعة‌ في‌ الجامع‌ الازهر. مجلّة‌ «رسالة‌ الإسلام‌» العدد 4، السنة‌ الحادية‌ عشرة‌، ص‌ 382 و 383.

[10] ـ «مسند أحمد» ج‌ 5، ص‌ 132.

[11] ـ قال‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ في‌ كتاب‌ «أضواء علی السُّنّة‌ المحمّديّة‌» ص‌ 254، الطبعة‌ الثالثة‌، ضمن‌ بيان‌ ثلاث‌ مشاكل‌: وممّا يشاكل‌ ما نُقِل‌ عن‌ ابن‌ مسعود، (في‌ حذف‌ المعوّذتين‌ من‌ مصحفه‌) ما نُقل‌ عن‌ أُبي‌ّ بن‌ كعب‌ أ نّه‌ كتب‌ في‌ مصحفه‌ سورتين‌ تسمّيان‌ سورتي‌ الخلع‌، والحفد كان‌ يقنت‌ بهما. (وقال‌ أبو ريّة‌ بعد نقل‌ السورتين‌:) وقد تعرّض‌ القاضي‌ لذكر ذلك‌ في‌ «الانتصار» فقال‌: إنّ كلام‌ القنوت‌ المروي‌ أنّ أُبي‌ّ بن‌ كعب‌ أثبته‌ في‌ مصحفه‌ لم‌ تقم‌ الحجّة‌ بأنّه‌ قرآن‌ منزل‌ بل‌ هو ضرب‌ من‌ الدعاء، وإنّه‌ لو كان‌ قرآناً لنُقل‌ نقل‌ القرآن‌ وحصل‌ العلم‌ بصحّته‌، وإنّه‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ منه‌ كلام‌ كان‌ قرآناً منزلاً، ثمّ نُسخ‌ وأُبيح‌ الدعاء به‌ وخُلط‌ بكلام‌ ليس‌ بقرآن‌ ـ ولم‌ يصحّ ذلك‌ عنه‌ ـ وإنّما روي‌ عنه‌ أ نّه‌ أثبته‌ في‌ مصحفه‌، وقد أثبت‌ في‌ مصحفه‌ ما ليس‌ بقرآن‌ من‌ دعاء وتأويل‌.

 أقول‌: مرّ بنا قريباً في‌ البحث‌ القيّم‌ لسماحة‌ الاُستاذ العلاّمة‌ قدّس‌ سرّه‌ أنّ احتمال‌ نسخ‌ تلاوة‌ القرآن‌ وبقاء أصله‌ غير معقول‌.

[12] ـ «صحيح‌ البخاريّ» ج‌ 2، ص‌ 252.

[13] ـ «مسند الإمام‌ أحمد بن‌ حنبل‌» ج‌ 5، ص‌ 131. الحنيفيّة‌ هو الصحيح‌.

[14] ـ الآية‌ 26، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌، بالنحو الآتي‌: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي‌ قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَـ'هِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَهُ سَكِينَتَهُ و عَلَي‌' رَسُولِهِ وَعَلَي‌ الْمُؤْمِنِينَ ـ الآية‌.

[15] ـ الآية‌ 6، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌. علماً أ نّه‌ ليس‌ فيها لفظ‌: وَهُو أَبٌ لهم‌.

[16] ـ «تاريخ‌ دمشق‌»، للحافظ‌ ابن‌ عساكر، ج‌ 2، ص‌ 228.

[17] ـ «صحيح‌ البخاريّ» ج‌ 4، ص‌ 215.

[18] ـ «صحيح‌ البخاريّ» ج‌ 4، ص‌ 216.

[19] ـ «صحيح‌ البخاريّ» ج‌ 4، ص‌ 218، باب‌ مناقب‌ عبد الله‌ بن‌ مسعود.

[20] ـ «صحيح‌ البخاريّ» ج‌ 8، ص‌ 26، باب‌ رجم‌ الحبلي‌ من‌ الزنا إذا أحصنت‌.

[21] ـ «صحيح‌ مسلم‌» ج‌ 3، ص‌ 100.

[22] ـ المسبّحات‌ خمس‌ سور من‌ القرآن‌ تبدأ بالتسبيح‌، وهي‌: الحديد، والحشر، والجمعة‌، والصفّ، والتغابن‌.

[23] ـ تحدّث‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ في‌ كتاب‌ «أضواء علی السُّنّة‌ المحمّديّة‌» ص‌ 256 و 257، الطبعة‌ الثالثة‌، وهو يستعرض‌ مفتريات‌ الرواية‌، فقال‌ بعد شرح‌ مفصّل‌: ولم‌ يقف‌ فعل‌ الرواية‌ عند ذلك‌ بل‌ تمادت‌ إلی ما هو أخطر من‌ ذلك‌ حتّي‌ زعمت‌ أنّ في‌ القرآن‌ نقصاً ولحناً وغير ذلك‌ ممّا أورد في‌كتب‌ السُّنّة‌. ولو شئنا أن‌ نأتي‌ به‌ كلّه‌ هنا لطال‌ الكلام‌، ولكنّا نكتفي‌ بمثالين‌ ممّا قالوه‌ في‌ نقص‌ القرآن‌، ولم‌ نأت‌ بهما من‌ كتب‌ السُّنّة‌ العامّة‌، بل‌ ممّا حمله‌ الصحيحان‌، ورواه‌ الشيخان‌ البخاريّ ومسلم‌. أخرج‌ البخاري‌ّ وغيره‌ عن‌ عمربن‌ الخطّاب‌ أ نّه‌ قال‌ وهو علی المنبر: إنّ الله‌ بعث‌ محمّداً (ويسرد أبو ريّة‌ هنا الرواية‌ كلّها ثمّ يقول‌:) وأخرج‌ مسلم‌ عن‌ أبي‌ الاسود، عن‌ أبيه‌ قال‌: بعث‌ أبو موسي‌ الاشعريّ إلی قرّاء أهل‌ البصرة‌ (ويورد أبو ريّة‌ هنا الرواية‌ برمّتها، ثمّ يقول‌:) نجتزي‌ بما أوردنا وهو كافٍ هنا لبيان‌ كيف‌ تفعل‌ الرواية‌ حتّي‌ في‌ الكتاب‌ الاوّل‌ للمسلمين‌ وهو القرآن‌ الكريم‌! ولا ندري‌ كيف‌ تذهب‌ هذه‌ الروايات‌ التي‌ تُفصح‌ بأنّ القرآن‌ فيه‌ نقص‌ وتحمل‌ مثل‌ هذه‌ المطاعن‌ مع‌ قول‌الله‌ سبحانه‌: إنّا نحن‌ نزّلنا الذِّكر وإنّا له‌ لحافظون‌؟ وأيّهما نصدّق‌؟! اللهمّ إنّ هذا أمر عجيب‌ يجب‌ أن‌ يتدبّره‌ أُولو الالباب‌.

[24] ـ سنة‌ 1320 ه هي‌ سنة‌ وفاة‌ المرحوم‌ النوري‌ّ، وليست‌ سنة‌ تأليف‌ «فصل‌ الخطاب‌».

[25] ـ «رسالة‌ الإسلام‌» العدد 4، السنة‌ الحادية‌ عشرة‌، ص‌ 382 و 383.

[26] ـ «لاكون‌ مع‌ الصادقين‌» للدكتور محمّد التيجاني‌ّ السماوي‌ّ، ص‌ 259 إلی 271، طبعة‌ منقّحة‌ سنة‌ 1993 م‌. الجملة‌ الاخيرة‌ في‌ كلامه‌ من‌ قوله‌: واعتصموا بحبل‌ الله‌ جميعاً ولا تفرّقوا ـ إلی آخره‌ جزء من‌ الآية‌ 103، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[27] ـ قال‌ الميدانيّ في‌ «مجمع‌ الامثال‌» ج‌ 1، ص‌ 361، رقم‌ 1933، طبعة‌ سنة‌ 1374 ه: قال‌ ابن‌ الكلبيّ: إنّ الشعر لابي‌ أخزم‌ الطائيّ وهو جدّ أبي‌ حاتم‌ أو جدّ جدّه‌. وكان‌ له‌ ابن‌ يقال‌ له‌: أخزم‌. وقيل‌: كان‌ عاقّاً فمات‌ وترك‌ بنين‌ فوثبوا يوماً علی جدّهم‌ أبي‌ أخزم‌ فأدموه‌ فقال‌:

 إنّ بـنــي‌ّ ضَـرَّجــونــي‌ بالـدم‌                                شـنـشـنة‌ أعـرفـهـا مـن‌ أخـزم‌

 ويروي‌: زَمَّلُوني‌. وهو مثل‌ ضَرّجوني‌ في‌ المعني‌. أي‌: لَطَّخُونِي‌. بمعني‌ أنّ هؤلاء أشبهوا أباهم‌ في‌ العقوق‌. والشنشنة‌: الطبيعة‌ والعادة‌. قال‌ شمر: وهو مثل‌ قولهم‌: العَصَا مِنَ العُصَيَّة‌.

[28] ـ هذا الكلام‌ غير موجود في‌ «نهج‌ البلاغة‌».

[29] ـ الصحيح‌: نُكَتٌ.

[30] ـ «آلاء الرحمن‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 1، ص‌ 19 إلی 29، طبعة‌ مطبعة‌ العرفان‌ بصيدا، سنة‌ 1351 ه.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

التعريف و الدليل

كلية الحقوق، محفوظة و متعلقة بموسسة ترجمة و نشر دورة علوم و معارف الاسلام
info@maarefislam.org