بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الثاني/ القسم الاول: اولوا الامر، عصمة اولی الامر، نقد نظریة عصمة اجتماع اهل الحل و العقد، لقب ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الرجوع إلی المجلد الأول

 

 بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علی محمّد و ءاله‌ الطَّاهرين‌

و لعنة‌ اللَه‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العليّ العظيم‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 يَـ ' ´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ فَإِن‌ تَنَـ'زَعْتُمْ فِي‌ شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلی‌ اللَهِ و الرَّسُولِ إِن‌ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَإلیوْمِ الاْخِرِ ذَ ' لِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. [1]

 خاطب‌ الله‌ تعإلی‌ المؤمنين‌ في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌، و أوجب‌ عليهم‌ إطاعة‌ الله‌ و رسوله‌ و اُولي‌ الامر علی نحو مطلق‌. و لمّا كان‌ اُولوالامر هم‌ أصحاب‌ الامر و الحائزين‌ علی هذا المنصب‌، فقد فرض‌ طاعتهم‌ بدون‌ أيّ قيد و شرط‌؛ و جعلها في‌ مستوي‌ طاعة‌ رسوله‌ الكريم‌.

 فينبغي‌ أن‌ نري‌ الآن‌، من‌ هم‌ اُولوالامر؟ و لبيان‌ ذلك‌ ما علينا إلاّ تفسير هذه‌ الآية‌ المباركة‌ من‌ أجل‌ توضيح‌ القصد والحصول‌ علی المطلوب‌.

 الرجوع الي الفهرس

 تفسير ءاية‌ اُوليِ الامر

 لقد أوجبت‌ في‌ هذه‌ الآية‌ اطاعة‌ الله‌ و رسوله‌ و اُولي‌الامر. فما هو القصد من‌ هذه‌ ا لإطاعة‌؟ و ما هي‌ المجالات‌ و المصاديق‌ التي‌ يجب‌ اطاعتهم‌ من‌ خلالها؟

 ألا تعني‌ إطاعة‌ الله‌ هي‌ نفسها إطاعة‌ رسوله‌ الكريم‌؟ و هل‌ أمرَنا الله‌ و نهانا و أوجَب‌ علينا الإستماع‌ إلی‌ أوامره‌ و نواهيه‌ بواسطة‌ اُخري‌ غير رسوله‌؟ فمن‌ المسلّم‌ أنّ طاعة‌ الله‌ هي‌ نفسها طاعة‌ رسول‌ الله‌، و أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءَاله‌ هو الطريق‌ إلی‌ تعريف‌ أحكام‌ الله‌ و قوانينه‌. فلماذا ـ إذن‌ ـ فُرضت‌ طاعتان‌: إحداهما لِلّه‌، و الاُخري‌ لرسوله‌ العظيم‌؟

 إنّ القصد من‌ إطاعة‌ الله‌ هو اتّباع‌ الاحكام‌ التي‌ نزلت‌ علی قلب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءَاله‌ بوصفها و حيًا، و التي‌ يشمل‌ حكمها وخطابها عامّة‌ المؤمنين‌. و القرءان‌ الكريم‌ كلامُ حضرة‌ الاحدية‌ و وحيهُ إلی‌ الناس‌ كافّة‌. فإطاعة‌ الله‌ ـ إذن‌ ـ تعني‌ إطاعة‌ كلامه‌ الذي‌ يمثّله‌ القرءان‌ الكريم‌.

 الرجوع الي الفهرس

القسمان‌ من‌ إطاعة‌ رسول‌ الله‌

 و أمّا إطاعة‌ رسول‌ الله‌ فهي‌ تنقسم‌ إلی‌ قسمين‌:

 الاوّل‌: إطاعته‌ فيما أوحي‌ الله‌ إلیه‌ من‌ تشريع‌ الاحكام‌ و تفصيلها، ممّا لا نجده‌ في‌القرءان‌. إذ من‌ الواضح‌ أنّ الاحكام‌ التي‌ بيّنها كتاب‌ الله‌ هي‌ اُصول‌ الاحكام‌ و المواضيع‌ الشرعية‌. فنري‌ أنّ كلام‌ الله‌ لا يخرج‌ عن‌ نطاق‌ ا لإجمال‌ فيما يخصّ الصَلَوة‌، والصوم‌، والحج‌، والجهاد، والزكوة‌، والنكاح‌، والمعاملات‌، و سائر العبادات‌ و الاحكام‌. و أمّا كيفية‌ الصَلَوة‌، والصوم‌، والحج‌، وسائر الموضوعات‌، فينبغي‌ أن‌ نتعلمها من‌ رسول‌ الله‌، كما صرّح‌ هو قائلاً: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُموُنِي‌ اُصَلّي‌.[2] و قد أوجب‌ الله‌ الصَلوة‌، لكن‌ انظروني‌ كيف‌ اُصلّي‌، ثمّ صلّوا مثل‌ صلاتي‌ من‌ حيث‌ الشروط‌، والمقدّمات‌، والافعال‌، والاقوال‌ الواجبة‌ في‌ الصَلَوة‌. فخصوصيّات‌ هذه‌ المواضيع‌ لم‌ ترد في‌ القرءان‌ الكريم‌ بنحو تام‌؛ و ما ورد فقط‌ هو اُصول‌ العبادات‌ و المعاملات‌ و الاحكام‌. فما علينا إلاّ الرجوع‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ لاخذ التفاصيل‌ و تعلّمها.

 نفس‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ مثل‌ المِجهر الدقيق‌ للغاية‌، حيث‌ تقوم‌ بتكبير و تبيين‌ و توضيح‌ الاحكام‌ المجملة‌ التي‌ أوحاها الله‌ في‌ كتابه‌. و قد كشف‌ عن‌ شروط‌ كلّ عبادة‌ و أجزائها بكيفيّة‌ مخصوصة‌. و أنّ ءايات‌ القرءان‌ نزلت‌ عليه‌ مجملة‌، و انعكست‌ في‌ نفسه‌ الشريفة‌؛ بيد أنّ تلك‌ النفس‌ القدسية‌ المقدّسة‌ بيّنت‌ حدودها، و ثغورها، و تأويلها، وتفسيرها، و شأن‌ نزولها، و سائر الخصوصيّات‌ المتعلّقة‌ بالكتاب‌ العزيز معلنة‌ ذلك‌ للملا بشكل‌ مفصّل‌: وَ أَنْزَلْنَآ إلیكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلیهِمْ [3] فأنت‌ تفصّل‌ الاحكام‌، و أنت‌ تبيّن‌ المراد من‌ الآيات‌.

 و بكلمة‌ بديلة‌، يمكن‌ القول‌ بأنّ بيان‌ خصوصيّات‌ المسائل‌ والاحكام‌ هو من‌ الوحي‌ أيضًا؛ إذ نزل‌ به‌ جبرئِيل‌ خارجًا عن‌ نطاق‌ القرءان‌. و من‌ الواضح‌ أنّ لبيان‌ الرسول‌ الكريم‌ في‌ هذه‌ الخصوصيّات‌ والتفاصيل‌ بعدًا تشريعيًا. [4]

 الثّاني‌: إطاعته‌ في‌ الآراء الشخصية‌، و الاوامر النفسيّة‌ العائدة‌ إلی‌ مجتمع‌ المسلمين‌؛ تلك‌ الاوامر التي‌ هي‌ من‌ مهمّة‌ الوإلی‌ و الحاكم‌  لإقرار النظم‌ الاجتماعي‌ للاُمّة‌؛ و هي‌ لا تدخل‌ في‌ دائرة‌ تشريع‌ الاحكام‌. مثل‌ الحكومة‌، و بيان‌ الواجبات‌ الشخصيّة‌ للمسلمين‌، نصب‌ الولاة‌ و الحكّام‌ علی الولايات‌، و تسيير الجيوش‌ للجهاد، و تعيين‌ القضاة‌ و أئمّة‌ الجماعة‌ للنظر في‌ الشئون‌ الاجتماعيّة‌، و رفع‌ المرافعات‌، و الشئون‌ الدينيّة‌ للمؤمنين‌. قال‌ الله‌ تعإلی‌: «إِنَّآ أَنزَلْنَا إلیكَ الْكِتَـ'بَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَريـ'ک اللَهُ».[5] و من‌ الطبيعي‌ فإنّ هذا الحكم‌ في‌ الشئون‌ الشخصيّة‌ هو حسب‌ قوانين‌ القضاء. و علی المسلمين‌ كافّة‌ أن‌ ينقادوا لرسول‌ الله‌ بلا قيد و شرط‌ في‌ قراراته‌ التي‌ يصدرها بشأن‌ الامور المهمّة‌؛ نحو تجهيز الجيوش‌، و تعيين‌ اُمراء الجيش‌، و إرسالهم‌ إلی‌ النقاط‌ النائية‌ من‌ أجل‌ الجهاد، و عقد المعاهدات‌ مع‌ غير المسلمين‌ وفقاً للمصالح‌ التي‌ يحدّدها. هذا بالرغم‌ من‌ أنّ الله‌ أمره‌ بمشاورة‌ المؤمنين‌ في‌ الامور الهامّة‌؛ «وَ شَاوِرْهُمْ فِي‌ الاْمْر» [6]، بيد أنّه‌ عقّب‌ عليه‌ بقوله‌: «فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ علی اللَهِ». [7] فكان‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ يشاور المسلمين‌ في‌ عزائم‌ الامور؛ لكنّه‌ في‌ النتيجة‌ كان‌ يجب‌ أن‌ يتصّرف‌ حسب‌ إرادته‌ و قراره‌ الذي‌ يتّخذه‌ بنفسه‌، و ماعلی المسلمين‌ جميعهم‌ إلاّ الطاعة‌ و ا لإذعان‌.

 يظهر ممّا ذكرناه‌ أنّه‌ بالرغم‌ من‌ أنّ إطاعة‌ رسول‌ الله‌ هي‌ في‌ الحقيقة‌ إطاعة‌ الله‌، حيث‌ أنّ الله‌ هو الذي‌ فرض‌ تلك‌ ا لإطاعة‌ بقوله‌: وَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن‌ رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَهِ [8]، بيد أنّ إطاعة‌ الله‌ لها معني‌، و إطاعة‌ رسوله‌ لها معني‌ ءاخر. و يجب‌ علی الناس‌ أن‌ يطيعوا الله‌ فيما يتعلّق‌ بتعإلیم‌ القرءان‌ المجيد، و يطيعوا رسوله‌ في‌ خصوصيّات‌ الاحكام‌ التي‌ يبيّنها، ولها صفة‌ تشريعية‌؛ و كذلك‌ أن‌ يطيعوه‌ فيما يعود إلی‌ مصالح‌ المسلمين‌ من‌ خلال‌ ءارآئه‌ الشخصيّة‌ و أوامره‌ ممّا ليس‌ لها صفة‌ تشريعيّة‌. و لعلّ هذا السبب‌ هو السرّ من‌ وراء تكرار كلمة‌ «أطيعوا» مرّتين‌، حيث‌ أمرالله‌ المؤمنين‌ با لإتّباع‌، و فصل‌ طاعته‌ عن‌ طاعة‌ رسوله‌؛ لا كما ذهب‌ إلیه‌ بعض‌ المفسّرين‌ من‌ أنّ التكرار يفيد التأكيد؛ لانّ الكلمة‌ لو لم‌ تتكرّر هنا، لافادت‌ التأكيد بشكل‌ أفضل‌، بلحاظ‌ الاقتران‌ القآئم‌ بين‌ طاعة‌ الله‌ و رسوله‌، حيث‌ يفيد وحدة‌ الطاعة‌ في‌ المقامين‌.

 الرجوع الي الفهرس

 حدود صلاحيّات‌ اُولي‌ الامر

 أمّا اُولو الامر فليس‌ لهم‌ منصب‌ التشريع‌ قطعًا [9]، و لا يفصّلون‌ الاحكام‌ ا لإجمإلیة‌ في‌ القرءان‌؛ و لا يشرّعون‌ شيئاً منها كرسول‌ الله‌. فهم‌ يبيّنون‌ الاحكام‌، و يبلّغون‌ الآيات‌ بين‌ المسلمين‌، وفقاً لتشريع‌ رسول‌ الله‌؛ و لهم‌ النظر في‌ شئون‌ المسلمين‌ المختلفة‌. و علی الناس‌ أن‌ يتّبعوهم‌ في‌ القضاء، و المرافعات‌، و سائر الشئون‌ ا لإجتماعية‌ التي‌ تحتاج‌ إلی‌ رأي‌ الرئيس‌ لتنظيم‌ الامور، و الوقوف‌ بوجه‌ المشاكل‌، و الاخطار الداهمة‌، وتحقيق‌ المصالح‌ العامّة‌. لذلك‌ فإنّ طاعتهم‌ جاءت‌ متقارنه‌ مع‌ طاعة‌ رسول‌ الله‌ في‌ خطّ واحد من‌ خلال‌ كلمة‌ واحدة‌ هي‌: «أَطِيعُوا» حيث‌ قال‌ عزّ شأنه‌: «... و أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ». و في‌ ضَوء ذلك‌، فإنّ طاعتهم‌ فقط‌ في‌ هذا الحقل‌، علی عكس‌ طاعة‌ رسول‌ الله‌ حيث‌ إنّها تشمل‌ هذا الحقل‌، و حقل‌ تشريع‌ الاحكام‌ الجزئية‌، و بيان‌ تفاصيل‌ المسائل‌. و دليلنا علی هذا الكلام‌ هو مايذكره‌ القرءان‌ بعد تلك‌ الآية‌ مباشرة‌، إذ يقول‌: فَإِن‌ تَنَـ'زَعْتُمْ فِي‌ شَي‌ءٍ فَرُدُّوهُ إلی‌ اللهِ وَالرَّسُولِ إِن‌ كُنتُمْ تُؤمِنُونَ بِاللَهِ وَإلیومِ الاخِرِ.

 فينبغي‌ عليهم‌ الرجوع‌ إلی‌ كتاب‌ الله‌ و سنّة‌ رسوله‌ في‌ المنازعات‌ والمشاجرات‌ التي‌ تقع‌ بينهم‌، و ينهوا مشاجراتهم‌ استلهامًا من‌ ذينك‌ المصدرين‌. و لو كان‌ لاولي‌ الامر منصب‌ التشريع‌، لوجب‌ إرجاع‌ المؤمنين‌ إلیهم‌ عند المرافعة‌ بوصفهم‌ مشرّعين‌، في‌ حين‌ لا نجد من‌ ذلك‌ شيئاً.

 و نقول‌ في‌ توضيح‌ هذا المعني‌: إنّ المخاطَبين‌ في‌ هذه‌ الآية‌ هم‌ المؤمنون‌، كما جاء في‌ صدرِها قولُه‌: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا. فالمقطوع‌ به‌ أنّ نزاعهم‌ مع‌ غير اُولِي‌ الامر؛ لانّه‌ لامعني‌ لنزاعهم‌ معهم‌ بعد فرض‌ وجوب‌ طاعتهم‌، و لا معني‌ ل لإرجاع‌ إلی‌ الله‌ و رسوله‌ من‌ أجل‌ رفع‌ النزاع‌. [10] و هذا النزاع‌ أيضًا ليس‌ في‌ الاُمور التي‌ تتعلّق‌ بالآراء و الاوامر الشخصيّة‌، بل‌ هو يتعلّق‌ بحكم‌ الله‌ في‌ القضيّة‌ المتنازع‌ حولها، بدليل‌ الآيات‌ التي‌ تليها حيث‌ تذمّ الاشخاص‌ الذين‌ يتّخذون‌ الطاغوت‌ مرجعًا لهم‌، و يرضون‌ بحكمه‌، تاركين‌ حكم‌ الله‌ و رسوله‌ وراء ظهورهم‌. فالمراد هو نزاع‌ المسلمين‌ بعضهم‌ مع‌ البعض‌ الآخر في‌ الشئون‌ الشخصيّة‌، و ما عليهم‌ في‌ هذه‌ المسائل‌ إلاّ الرجوع‌ إلی‌ كتاب‌ الله‌ و سنّة‌ رسوله‌ لحسم‌ النزاع‌ و تسوية‌ الخلاف‌؛ علمًا بأنّ الكتاب‌ و السنّة‌ حجّتان‌ قاطعتان‌ لتسوية‌ الخلاف‌ و حسم‌ النزاع‌ عند من‌ له‌ علم‌ بهما؛ و كذلك‌ قول‌ اُولي‌ الامر فإنّه‌ دليل‌ و حجّة‌ في‌ فهم‌ الكتاب‌ والسنّة‌. و لمّا أوجبت‌ الآية‌ الشريفة‌ طاعة‌ اُولي‌ الامر بلا قيد و شرط‌، وفسّر هؤلآء الكتاب‌ و السنّة‌ دون‌ أن‌ يحملوا عنوان‌ التشريع‌، فينبغي‌ اتّباعهم‌ وطاعتهم‌. و في‌ ضَوء ذلك‌ نكتشف‌ «إنّاً» [11] حيث‌ إنّ قولهم‌ مطابق‌ للواقع‌ وخالٍ من‌ الزلل‌ و الخطاء.

 الرجوع الي الفهرس

 لزوم‌ العصمة‌ عند اُولي‌ الامر

انطباق‌ أُولي‌ الامر علی الائمّة‌

 و محصّل‌ الكلام‌ أنّ اُولي‌ الامر رجال‌ من‌ الاُمّة‌ يجب‌ اطاعتهم‌ بشكل‌ مطلق‌ و بلاقيد و شرط‌؛ و ذلك‌ في‌ جميع‌ الحقول‌ إلاّ حقل‌ التشريع‌؛ و أنّ إطاعتهم‌ في‌ حكم‌ إطاعة‌ رسول‌ الله‌. و كما أنّ أمر الرسول‌ و نهيه‌ لا يخالفان‌ أمرالله‌ و نهيه‌، و إلاّ يستدعي‌ التناقض‌ بين‌ أمر الله‌ و أمر الرسول‌ ونهي‌ الله‌ ونهي‌ الرسول‌، و هذا معني‌ لا يتمّ إلاّ بالتزام‌ عصمة‌ الرسول‌، فكذلك‌ أمر اُولي‌ الامر و نهيهم‌ لا يخالفان‌ أمرالله‌ و رسول‌ و نهي‌ الله‌ ورسوله‌. و إلاّ يفضي‌ إلی‌ التناقض‌، و الامر بالضدّين‌ أو النهي‌ عن‌ المتناقضين‌؛ و هذا معني‌ لايتمّ أيضاً إلاّ بالتزام‌ عصمة‌ اُولي‌ الامر، وبالنتيجة‌، فإنّ ما يُلزِم‌ إطاعتهم‌ المطلقة‌ بلا قيد و شرط‌ هو عصمتهم‌. و من‌ جهة‌، لمّا كنّا نعلم‌ بأنّ أيّـًا من‌ المذاهب‌ ا لإسلامية‌ لم‌ يدّع‌ العصمة‌ لائمته‌ إلاّ المذهب‌ الامامي‌، إذ يري‌ الشيعة‌ عصمة‌ أئمّتهم‌ الاثني‌ عشر، لذلك‌ فانّ مفهوم‌ الآية‌ سوف‌ ينطبق‌ طبعاً علی الائمّة‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ و صلواته‌ عليهم‌ أجمعين‌.

 هذا من‌ ناحية‌ دلالة‌ الآية‌ الكريمة‌، و الدليل‌ علی ذلك‌ هو الروايات‌ الجمّة‌ التي‌ تفوق‌ ا لإحصاء، منها الروايات‌ الواردة‌ في‌ تفسير هذه‌ الآية‌.

 الرجوع الي الفهرس

 تفسير اُولي‌ الامر في‌ الروايات‌

 يروي‌ صاحب‌ «تفسير البرهان‌» و مؤلّف‌ «غاية‌ المرام‌» عن‌ محمّد ابن‌ يعقوب‌ الكليني‌ بأسناده‌ المتّصل‌ عن‌ أبي‌ بصير أنّه‌ قال‌: «سَألتُ أَبا عَبدِاللَه‌ عليه‌ السلام‌، عَن‌ قَوْلِ اللَه‌ عَزّوَجَلَّ: «أَطِيعُوا اللهَ و أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‌ الامْرِ مِنكُمْ» فقالَ: نَزَلَتْ فِي‌ عَلِيِّ بن‌ أَبِي‌ طالِبٍ وَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهم‌السلامُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: فَمَالَهُ لَمْ يُسَمِّ عَلِيًّا وَ أَهْلَ بَيْتِهِ فِي‌ كِتَابِ اللَهِ عَزَّوَجَلَّ؟ قَالَ: فَقُولُوا لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءَاله‌ و سلّم‌ نَزَلَت‌ عَلَيْهِ الصَّلَوةُ لَمْ يُسَمِّ اللَهُ لَهُمْ ثَلاَثًا وَ لاَ أَرْبَعًا حَتَّي‌ كَانَ رَسُولُ اللَهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ هُوَ الَّذِي‌ فَسَّرَ ذَلِكَ لَهُم‌؛ وَ نَزَلَت‌ عَلَيهِ الزَّكَوةُ وَ لَمْ يُسَمِّ لَهُمْ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهُمًا حَتَّي‌ كَانَ رَسُولُ اللَهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ هُوَ الَّذِي‌ فَسَّرَ ذَلِكَ لَهُمْ؛ وَ نَزَلَ الحَجُّ فَلَم‌ يَقُل‌ لَهُمْ: طُوفُوا اُسْبُوعًا حَتَّي‌ كَانَ رَسُولُ اللَهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وءاله‌ و سلّم‌ هُوَ الَّذِي‌ فَسَرَّ ذَلِكَ لَهُم‌؛ وَ نَزَلَتْ: «أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولِي‌ الامْرِ مِنكُمْ». و نَزَلَت‌ فِي‌ عَلِيٍّ، و الْحَسَنِ، والحُسَيْنِ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌: ألا مَنْ كُنتَ مولاَهُ فَعَلِيٌّ مؤلاَهُ، وَ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِكِتَابِ اللَهِ وَ أهْلِ بِيْتِي‌، فَآءنِّي‌ سَأَلْتُ اللَهُ عَزَّوَجَلَّ أنْ لاَيُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا حَتَّي‌ يُوردَهُما عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَأعْطَانِي‌ ذَلِكَ. وَ قَالَ ] صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءَاله‌ و سلّم‌ [: لاَ تُعَلِمُوهُم‌ فَهُمْ أَعْلَمْ مِنْكُمْ. وَ قَالَ: إِنَّهُمْ لَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بَابِ هُدًي‌، وَ لَنْ يُدْخِلُوكُمْ فِي‌ بَابِ ضَلاَلَةٍ. فَلَوْ سَكَتَ رَسُولُ اللَهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءَاله‌ و سلّم‌ فَلَمْ يُبَيِّنْ مَن‌ أَهْلُ بيتِهِ لاَدّعاهَا ءَالُ فُلاَنٍ وَ ءَالُ فُلاَنٍ، وَلكِنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ أَنْزَلَ فِي‌ كِتَابِهِ تَصدِيقاً لِنَبِيّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَ يُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرًا»[12] فَكَانَ عَلِيُّ وَالْحَسَنُ، والْحُسَيْنُ، وَ فَاطِمَةُ عليهم‌ السلام‌ فَأدْخَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ تَحْتَ الْكِسَآءِ فِي‌ بَيْتِ أُمّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: اللَهُّم‌! إِنَّ لِكُلِّ نَبِيّ أهْلاً وَ ثَقَلاً، وَ هُؤَلاَءِ أَهْلَي‌ وَثَقَلِي‌، فَقَالَت‌ أمُّ سَلَمَةَ: أَلَسَتُ مِنْ أَهْلَكَ؟ فَقَالَ لَهَا: إِنَّكِ إلی‌ خَيْرٍ، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ أَهْلِي‌ وَ ثَقَلِي‌»[13]؛ إلی‌ ءاخر الحديث‌ الذيّ يُبيّن‌ بعضًا ءاخر من‌ فضائل‌ أهل‌ البيت‌.

 و روي‌ في‌ تفسير «البرهان‌» و «غاية‌ المرام‌» عن‌ ابن‌ شهر ءاشوب‌ عن‌ «تفسير مجاهد» ما نصّه‌:

 «إنَّهَا نَزَلَت‌ فِي‌ أَمِيرِالمؤمنينَ عليه‌ السلام‌ حِينَ خَلَّفَهُ رَسُولُ اللهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءَاله‌ و سلّم‌ بِالْمَدينةِ. فَقَالَ، يَا رَسُولَ اللهِ! أَتُخَلِّفُنُي‌ علی النِّسَآءِ وَالصِّبيانِ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَالمؤمِنِينَ! أَمَّا تَرضَي‌ أن‌ تَكُونَ مِنَّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَـ'رون‌ مِن‌ مُوسَي‌ حِينَ قَالَ لَهُ: «اُخْلُفْنِي‌ فِي‌ قَومِي‌ وَ أصْلِحْ»؟ فَقَالَ اللهُ: «وَ اُولِي‌ الامْرِ مِنكُمْ». قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ عليه‌ السّلام‌ وَلاَّهُ اللهُ أَمْرَ الاُمَّةِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ، وَ حِينَ خَلَّفَهُ رَسُولُ اللهِ بِالْمَدِينَةِ، فَأمْرَ اللهُ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِ وَ تَرْكِ خِلاَفِهِ».[14]

 و في‌ تفسير «البرهان‌» و «غاية‌ المرام‌» أيضاً يروي‌ عن‌ ابن‌ شهرءاشوب‌ عن‌ إبانة‌ الفلكي‌ أنّ الآية‌: أَطِيعُوااللهَ و أَطِيعُواالرَّسُولَ و اُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُم‌، إنَّها نَزَلَتْ حين‌ شكي‌ أبُو بُرَيْدَةَ من‌ عليٍّ عليه‌ السلام‌؛ [15] و روي‌ ابن‌ شهرءاشوب‌ هذا الخبر المرويّ عن‌ مجاهد في‌ شأن‌النزول‌.

 و روي‌ في‌ تفسير «البرهان‌» عن‌ الصدوق‌ ـ رضي‌ الله‌ عنه‌ ـ بإسناده‌ المتّصل‌ عن‌ أبي‌ بصير، عن‌ الإمام الباقر عليه‌ السلام‌ مانصّه‌.

 «فِي‌ قَوْلِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: «يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنوُا أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‌ الاَمْرِ مِنكُمْ» قَالَ: الاْئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهمَا إلی‌ أَن‌ تَقُومَ السَّاعَةُ» [16]

 و في‌ تفسير «الميزان‌» عن‌ «عبقات‌ الانوار» عن‌ كتاب‌ «ينابيع‌ المودّة‌»، عن‌ «مناقب‌» ابن‌ شهرءاشوب‌، عن‌ سُليم‌ بن‌ قيس‌ الهِلإلی، عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ضمن‌ حديث‌ قوله‌:

 «قَالَ: وَ أَمّا أَدْنَي‌ مَا يَكُونُ بِهِ الْعَبْدُ ضَآلاًّ أَن‌ لاَ يَعْرِفَ حُجَّةَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعإلی‌ وَ شَاهِدَهُ علی عِبادِهِ، الَّذِي‌ أمَرَ اللهُ عِبَادَهُ بِطَاعَتِهِ وَ فَرَضَ وَلاَيَتَهُ. قَالَ سُلَيمٌ: قُلْتُ يَا أَمِيرَالمؤمِنِينَ!، صِفهُم‌ لي‌، قَالَ: الَّذِينَ قَرَنَهُمْ اللهُ بِنَفْسِهِ وَ نَبِيِّهِ، فَقَالَ: «يَـ ' ´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ» فَقُلْتُ لَهُ: جَعَلَنِي‌ اللهُ فِداكَ!، أَوضِحْ لِي‌، فَقَالَ: الَّذِينَ قَالَ رَسُولُ اللهَ صلّي‌ الله‌ عَليه‌ و ءَاله‌ وَ سلّم‌ فِي‌ مَوَاضِعَ، وَ فِي‌ ءَاخِرِ خُطبَتِهِ يَومَ قَبَضَهُ اللهُ عَزَّوَجَلَّ إلیهِ: إِنِّي‌ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمرَينِ لَن‌ تَضِلُّوا بَعْدِي‌ إِن‌ تَمَسَّكُتُمْ بِهِمِا: كِتَابَ اللهَ عَزَّوَجَلَّ، وَ عِتَرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌؛ فَإِنَّ اللَطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إلی أَنَّهُمَا لَنْ يَفتَرقَا حَتَّي‌ يَردَا عَلَيَّ الْحَوضَ كَهَاتَين‌ ـ وَ جَمَعَ بَيْنَ مُسَبِّحَتَيَهِ ـ وَ لاَ أَقُولُ كَهَاتَينِ ـ وَ جَمَعَ مُسَبِّحَتِهِ وَالْوُسْطَي[17]‌ ـ فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا وَلاَتَقَدَّمُوهُما فَتَضِلُّوا». [18]

 و جاء ذلك‌ أيضاً في‌ تفسير «البرهان‌» في‌ ذيل‌ ءاية‌: «أَطِيعُوااللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولِي‌ الاْمْرِ مِنْكُمْ»؛ و في‌ «غاية‌ المرام‌». و يروي‌ صاحب‌ الميزان‌ نقلاً عن‌ البرهان‌، حديث‌ جابر بن‌ عبدالله‌ الانصاري‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ إذ يذكر فيه‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وءَاله‌ أسماء الائمّة‌ ا لإثني‌ عشر واحدًا بعد الآخر مع‌ سبب‌ غيبة‌ الإمام المهدي‌ قائم‌ ءال‌ محمّد عليه‌ السلام‌.[19] و يشتمل‌ هذا الحديث‌ علی نقاط‌ مشرقة‌ ومواضيع‌ نفيسة‌.

 أجل‌، فإنّ انطباق‌ اُولي‌ الامر علی الائمّة‌ الطاهرين‌ عليهم‌ السلام‌ بلغ‌ درجة‌ نجد فيها صادق‌ أهل‌ البيت‌ عليه‌ و عليهم‌ السلام‌ يوصي‌ بالمباهلة‌  لإثباته‌. كما جاءَ ذلك‌ في‌ تفسير «البرهان‌»، و «غاية‌ المرام‌»، و تفسير «الميزان‌». إذ يروي‌ أصحابها عن‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكليني‌ في‌ «الكافي‌» عن‌ أبي‌ مسروق‌، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ عليه‌ السلام‌ مانصّه‌:

 «قَالَ: قُلتُ لَهُ: إِنَّا نُكَلِّمُ أَهْلَ الْكَلامِ فَنَحتَجُّ عَلَيْهِم‌ بِقَولِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: «أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُواالرَّسُولَ وَ أُولِي‌ الامْرِ مِنكُمْ» فَيَقُولُونَ: نَزَلَتْ فِي‌ المؤمنينَ، وَ نَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِقَولِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: «قُل‌ لاَ أَسْئَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي‌ الْقُرْبَي‌»، فَيَقُولُونَ: نَزَلَتْ فِي‌ قُربَي‌ الْمُسلِمِينَ. قَالَ: فَلَمْ أَدَعْ شَيْئًا مِمَّا حَضَرَني‌ ذِكْرُهُ مِنْ هَذاَ وَ شِبهِهِ إلاَّ ذَكَرْتُهُ. فَقَالَ لِي‌: إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَادْعُهُمْ إلی‌ الْمُبَاهَلَةِ قِلْتُ: وَ كَيْفِ أَصْنَع‌؟ فَقَالَ: أَصْلِحْ نَفْسَكَ ثَلاَثًا وَأَظُنُّهُ، قَالَ: وَ صُمْ وَاغْتَسِلْ وَابْرُز أَنْتَ وَ هُوَ إلی‌ الْجِبَالِ فَتَشبَّكْ أَصَابِعَكَ مِنْ يَدِكَ إلیمنَي‌ فِي‌ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ أَنصِفْهُ وَ أَبدأ بِنَفْسِكَ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَواتِ السَّبْعِ وَ رَبَّ الاَرَضَينَ السَّبْعِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمِ! إِن‌ كَانَ أَبُو مَسْرُوقٍ جَحَدَ حَقَّاً وَادَّعَي‌ بَاطِلاً، فَأَنْزِلْ عَلَيْهِ حُسْبَانًا مِنَ السَّمَآءِ وَ عَذَابًا إلیمًا؛ ثُمَّ رُدَّ الدَّعْوَةَ عَلَيْهِ، فَقُل‌: وَإِن‌ جَحَدَ حَقّاً وَادَّعَيَ بَاطِلاً، فَأَنْزِلْ عَلَيهِ حُسْبَانًا مِنَ السَّمَآءِ وَ عَذَابًا إلیمًا؛ ثُمَّ قَإلی‌ لِي‌: فَإِنَّكَ لاَ تَلْبَثُ أَن‌ تَرَيَ ذَلِكَ فِيهِ، فَوَاللهِ! مَا وَجَدْتُ خَلْقاً يُجْيبُني‌ إلیهِ».

 و روي‌ صاحب‌ «الكافي‌» بإسناده‌ عن‌ الإمام الباقر عليه‌ السلام‌ أنّه‌ قَالَ: «السَّاعَةُ التَّي‌ تُبَاهَلُ فِيهَا مَابَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلی‌ طُلُوعِ الشَّمْسِ». [20]

 و روي‌ الحاكم‌ الحسكاني‌ بسلسلة‌ سنده‌ عن‌ أبان‌ بن‌ أبي‌ عيّاش‌:

 «قَالَ: حَدَّثَنِي‌ سُلَيْم‌ بنُ قَيس‌ الهِلإلی‌ عَن‌ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءَاله‌ و سلّم‌ شُرَكآئِيَ الَّذِينَ قَرَنَهُم‌ اللهُ بِنَفْسِهِ وَ بي‌، وَ أَنْزَلَ فِيهِمْ «يَـ ' ´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ الآية‌ فَإِن‌ خِفْتُمْ تَنَازُعًا فِي‌ أَمْرٍ فَارجِعُوهُ إلی‌ اللهِ والرَّسُولِ وَ اُولِي‌ الامْرِ. قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! مَن‌ هُمْ؟ قَالَ: أَنْتَ أَوَّلُهُمْ». [21]

 و في‌ تفسير «الميزان‌»، عن‌ تفسير «العيّاشي‌»، عن‌ عمربن‌ سعيد، عن‌ أبي‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌ في‌ الآية‌ «أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولِي‌ الاْمْرِ مِنْكُمْ» قَالَ: عَلِيُّ بن‌ أَبي‌ طَالِبٍ وَالاْوصِيَآءُ من‌ بَعْدِهِ. [22]

 و ثمَّةَ رواية‌ عن‌ ابن‌ شهرءاشوب‌ يقول‌ فيها: سَأَلَ الْحَسَنُ بنُ صَالحٍ عَنِ الصَّادِقِ عليه‌ السلام‌، عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: الاَئِمَّةُ مِنْ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءَاله‌ و سلّم‌. [23]

 أجل‌، فقد اتّضح‌ من‌ البحث‌ الاستدلإلی‌ التفسيري‌ الذي‌ ذكرناه‌ حول‌ ءاية‌ اُولي‌ الامر، و سلسلة‌ الروايات‌ الواردة‌ التي‌ تحصر اُولي‌ الامر بالائمّة‌ الطاهرين‌، و نحن‌ ذكرنا هنا شيئاً منها (و من‌ رام‌ الاستقصاء فليلاحظ‌ تفسير «البرهان‌» في‌ ذيل‌ ءَاية‌ أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولِي‌ الاَمْرِ مِنكُم‌، و«غاية‌ المرام‌» حيث‌ أورد صاحبه‌ أربعة‌ أحاديث‌ من‌ العامّة‌ و أربعة‌ عشر حديثاً من‌ الخاصّة‌، و «ينابيع‌ المودّة‌») أنّ المراد من‌ اُولي‌ الامر هم‌ الائمّة‌ المعصومون‌ من‌ الذنب‌ و الخطأ بلا ريب‌ يعتري‌ النفوس‌.

 الرجوع الي الفهرس

 نقد نظريّة‌ «عصمة‌ إجتماع‌ أهل‌ الحلّ و العقد»

 و من‌ العجيب‌ ـ كما سنأتي‌ عليه‌ مفصّلا ـ أنّ الإمام الفخر الرازي‌ يقرّ بلزوم‌ العصمة‌ عند اُولي‌ الامر في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌، بيد أنّه‌ يقول‌ بأنّ العصمة‌ من‌ الخطأ تتحقّق‌ بواسطة‌ اجتماع‌ أهل‌ الحلّ و العقد الذين‌ يختارهم‌ ولّيُّ الامر، و بكلمة‌ أخري‌، فإنّ كلّ فرد من‌ أفراد أهل‌ الحلّ و العقد ليس‌ معصومًا و مصونًا من‌ الذنب‌ و الزلل‌ بذاته‌ ولكن‌ تتحقّق‌ هذه‌ المصونيّة‌ والعصمة‌ من‌ خلال‌ تبادل‌ أفكارهم‌ و اجتماعهم‌، و بالنتيجة‌، فالعصمة‌ وليدة‌ اجتماع‌ أهل‌ الحلّ و العقد.

 و سنقوم‌ ـ إن‌ شاءالله‌ ـ برّد هذا الكلام‌ العاري‌ من‌ الحقيقة‌ مفصّلاً، بيد أنّا نكتفي‌ هنا بذكر نقطة‌ واحدة‌، و هي‌ انّه‌ لو كان‌ اجتماع‌ أهل‌ الحلّ و العقد مفضيًا إلی‌ العصمة‌، فلماذا ارتكب‌ عثمان‌ جميع‌ تلك‌ الاخطاء؛ و هو الذي‌ نصبه‌ أهل‌ الحلّ و العقد حسب‌ وصيّة‌ عمر؟ و لماذا كلّ تلك‌ الزلاّت‌ والهفوات‌ ا لإجتماعية‌، و مصادرة‌ حقوق‌ الضعفاء، و حرمان‌ الاُمّة‌ ا لإسلامية‌ من‌ حقوقها المشروعة‌، و غيرها من‌ ا لإنتهاكات‌ التي‌ بلغت‌ حدًّا جعلت‌ فيه‌ كبار المؤرّخين‌ يعترفون‌ بها و يسجّلونها في‌كتبهم‌.

 أحرق‌ عثمان‌ القرءان‌، و بقر بطن‌ عمّار بن‌ ياسر، ور كله‌ ركلاً حتي‌ اُغمي‌ عليه‌، و اُصيب‌ بالفتق‌، و هو الصحابيّ الجليل‌ الذي‌ كانت‌ منزلته‌ أوضح‌ من‌ الشمس‌ في‌ رائعة‌ النهار؛ و قال‌ فيه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وءاله‌ و سلّم‌ قولاً يعرفه‌ الصغير و الكبير، و نصّه‌: عَمَّارٌ مَعَ الحَقِّ وَ الحَقُّ مَعَ عَمّارٍ حَيثُ كَانَ، عَمَّارُ جَلْدَةُ بَيْنَ عَينِي‌ وَ أنْفي‌. [24] و كذلك‌ قام‌ عثمان‌ بضرب‌ عبدالله‌ بن‌ مسعود لامتناعه‌ عن‌ تسليم‌ القرءان‌ الذي‌ جمعه‌ بنفسه‌. وأبعد الصحابي‌ الكريم‌ العظيم‌ أباذرّ الغفاري‌ الذي‌ قال‌ في‌ حقّه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌: «مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرآءُ وَ لاَ أَقَلَّتِ الغَبرآءُ علی ذِي‌ لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي‌ذَرٍّ» [25]، لا لذنب‌ إلاّ لصراحة‌ لهجته‌ و أمره‌ بالمعروف‌ و نهيه‌ عن‌ المنكر، أبعده‌ من‌ المدينة‌ إلی‌ الشام‌، ثمّ بعد ذلك‌ إلی‌ الرَبَذَة‌ علی جمل‌ جمّازة‌ بلا غطاء و لا وطاء، فعاش‌ وحيدًا غريبًا، و تضوّر جوعًا في‌ تلك‌ الفيافي‌ الكأداء إلی‌ أن‌ وافته‌ المنيّة‌ هناك‌.

 و قسمّ عثمان‌ بيت‌ مال‌ المسلمين‌ علی بني‌ عمومته‌ من‌ ءال‌ اُميّة‌، وعلی ولاته‌ الذين‌ كانوا جميعهم‌ من‌ أقاربه‌ و أرحامه‌ حتّي‌ تعالت‌ صيحات‌ الاستغاثة‌ من‌ حناجر المسلمين‌. و وهب‌ خالد بن‌ الوليد فدكًا، و هي‌ إرث‌ فاطمة‌ الزهراء بضعة‌ رسول‌ الله‌، التي‌ ينبغي‌ أن‌ تصل‌ إلی‌ ذرّيتها، ملّكها ذلك‌ الرجل‌ الفظّ المتهوّر. و دعا الحَكَمَ طريد رسول‌ الله‌ إلی‌ المدينة‌، ووهبه‌ جميع‌ خرج‌ أفريقيا في‌ مجلس‌ من‌ المجالس‌.

 و قد وعظه‌ و نصحه‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قائلاً:

 وَ إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِندَ اللهَ، إمَامٌ جَآئِرٌ ضَلَّ وَ ضُلَّ بِهِ، فَأمَاتَ سُنَّةً مَأخُوذَةً، وَ أَحيَي‌ بِدْعَةً مَتْرُوكَةً. وَ إِنِّي‌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّي‌ اللهُ عليهُ وَ ءَاله‌ يَقُولُ: يُؤتَي‌ يَوْمَ القِ'يمَةَ بِ الإمام الْجَائِرِ وَ لَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَ لاَ عاذِرٌ، فيُلْقَي‌ فِي‌ جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيها كَمَا تَدُورُ الرَّحَي‌ ثُمَّ يُرْتَبَطُ فِي‌ قَعْرِهَا». [26]

 الرجوع الي الفهرس

 جانب‌ من‌الإنتهاک و الظلم‌ الذي‌ نزل‌ بساحة‌ أميرالمؤمنين‌

 تذمّر أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ كثير من‌ خطبه‌ و رسائله‌ و أقواله‌ من‌الإنتهاک و الظلم‌ الذي‌ حلّ به‌ فيما يخصّ ولايته‌. و تأوّه‌ و تحسّر علی منع‌ القوم‌ أن‌ يدور الامر حول‌ محوره‌، و يُسلَّم‌ إلی‌ صاحبه‌ و وليّه‌. و بكي‌ علی هذه‌ الامّة‌ السيّئة‌ الحظّ، المعرِضَةَ عن‌ كتاب‌ الله‌ و سنّة‌ رسول‌ الله‌. وتطرّق‌ إلی‌ هذا الموضوع‌ في‌ مواطنَ جمّة‌ من‌ «نهج‌ البلاغة‌» فقال‌ في‌ أحدها:

 «حَتَّي‌ إِذَا قَبَضَ اللهُ رَسُولَهُ صلّي‌ اللهُ عليه‌ و ءَاله‌ رَجَعَ قَومٌ علی الاْعْقَابِ وَ غَالَتْهُمُ السُبُلُ، وَ أَتَّكَلُوا علی الوَلاَئِج‌، وَ وَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ، وَ هَجَرُوا السَبَّبَ الَّذِي‌ اُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ، وَ نَقَلُوا الْبَنَآءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ، فَبَنَوْهُ فِي‌ غَيْرَ مَوْضِعِهِ، مَعادِنُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَ أَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ فِي‌ غَمْرَةٍ، قَد مَارُوا فِي‌ الْحَيرَةِ وَ ذَهُلُوا فِي‌ السَّكْرَةِ علی سُنَّةٍ مِن‌ ءَالِ فِرْعَونَ مِن‌ مُنْقَطِعٍ إلی‌ الدُّنيا راكِنٍ أَو مُفارِقٍ لِلدِّينِ مُبَايِنٍ». [27]

 و يقول‌ في‌ رسالته‌ إلی‌ مالك‌ الاشتر و أهل‌ مصر:

 «فَلَّمَا مَضَيَ عليه‌ السّلام‌ ] يعني‌ محمّدًا [ تَنَازَعَ المُسلِمُونَ الاَمْرَ مِن‌ بَعْدِهِ، فَوَاللَهِ! مَا كَانَ يُلْقَي‌ فِي‌ رَوعي‌ وَ لاَ يَخْطُرُ بِبَإلی‌ أَنَّ الْعَرَبَ تُزعِجُ هَذَا الاَمْرَ مِنْ بَعدِهِ صَلَّي‌ اللهُ عَليه‌ و ءَاله‌ عَنْ أَهلْ بَيتِهِ، وَ لاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي‌ مِن‌ بَعْدِهِ. فَمَا رَاعَنِي‌ إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسُ علی فُلاَنٍ يُبَايُعونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدي‌ حَتَّي‌ رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ ا لإسلاَمِ، يَدْعُونَ إلی‌ مَحْقٍ دِينِ مُحَمَّدٍ صلّي‌ اللهُ عليه‌ و ءَاله‌ فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ ا لإسلامَ وَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَي‌ فِيهِ ثُلْمًا أَو هَدْماً تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِن‌ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي‌ إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلاَئِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ أَوكَمَا يَتَقَشَعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ فِي‌ تِلْكَ الاَحْدَاثِ حَتَّي‌ زَاحَ الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ، وَاطْمَأنَّ الدِّينُ وَ تَنَهْنَهَ». [28]

 الرجوع الي الفهرس

 

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علی محمّد و آله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَهِ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ باللَهِ العليّ العظيم‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 يَـ ' ´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ فَإِن‌ تَنَـ'زَعْتُمْ فِي‌ شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلی‌ اللَهِ و الرَّسُولِ إِن‌ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَإلیوْمِ الاْخِرِ ذَ ' لِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. [29]

 ذكرنا سابقاً أنّ أُولي‌ الامر المقصودون‌ في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ هم‌ المعصومون‌ عليهم‌ السلام‌ ذلك‌ أنّ الآية‌ أوجبت‌ إطاعتهم‌ بشكل‌ مطلق‌ وجعلتها في‌ مستوي‌ طاعة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌؛ و هذا معني‌ لايمكن‌ تحقّقه‌ بدون‌ عصمتهم‌. و لو فرضنا أنّهم‌ غير معصومين‌ وأنّهم‌ خالفوا أوامر النبيّ قولاً أو عملاً، فهذا يلزم‌ اجتماع‌ الامر و النهي‌ من‌ الله‌ الذي‌ أوجب‌ طاعتهم‌. لانّهم‌ ـ من‌ جانب‌ ـ يأمرون‌ وفقاً لامرالله‌ ورسوله‌، و ـ من‌ جانب‌ آخر ـ ينهون‌ قولاً أو عملاً، و هذا محال‌.

 فأُولي‌ الامر أشخاص‌ لا تلاحظ‌ في‌ قولهم‌ أو فعلهم‌ مخالفة‌ للكتاب‌ والسنّة‌ أبداً، و أنّ لقولهم‌ و فعلهم‌ حجيّة‌ علی الاُمّة‌ بنحو مطلق‌؛ و هذا الامر
 ملازم‌ لعصمتهم‌. و لمّا كان‌ المسلمون‌ كافّة‌، شيعة‌ و غير شيعة‌، لا يرون‌ عصمة‌ أحد غير الائمّة‌ المعصومين‌، لذلك‌ فإنّ المقصودين‌ بهذه‌ الآية‌، التي‌ تأمر الاُمّة‌ بوجوب‌ طاعة‌ المعصوم‌ بشكل‌ مطلق‌، هم‌ الائمّة‌ الطاهرون‌ عليهم‌ السلام‌.

 و يري‌ بعض‌ أهل‌ السنّة‌ [30] أنّ الآية‌ لاتفيد عصمة‌ رسول‌ الله‌، ولاعصمة‌ أُولي‌ الامر. أمّا عصمة‌ رسول‌ الله‌، فلو ثبتت‌ فبأدلة‌ أُخري‌. وأمّا عصمة‌ أُولي‌ الامر فإنـّها تستفاد عندما لاتحافظ‌ الآية‌ علی استقلالها ومفهومها الصحيح‌ بدون‌ هذا المعني‌، لكنّنا نجد أنّنا لولم‌ نعتبر أُولي‌ الامر معصومين‌، فإنّ الآية‌ تظلُّ علی ماهي‌ عليه‌، و لا يلزم‌ اجتماع‌ الامر و النهي‌ و لا يستلزم‌ أمر المحال‌. فبيان‌ هذا الموضوع‌ هو أنّ هذه‌ الآية‌ أوجبت‌ طاعة‌ أُولي‌ الامر من‌ أجل‌ المحافظة‌ علی اجتماع‌ المسلمين‌، و عدم‌ تشتّتهم‌ و تفرّقهم‌ فقط‌، مثل‌ الولاية‌ المعهودة‌ التي‌ يتقلّدها رؤساء سائر الاُمم‌ والمجتمعات‌. فتلك‌ الاُمم‌ و المجتمعات‌ تعيّن‌ لها رئيساً. و تفوّض‌ إلیه‌ أُمورها، و تقيّد الناس‌ بوجوب‌ طاعته‌. بَيدَ أنّه‌ لوطغي‌ ذلك‌ الرئيس‌ متعمّداً أحياناً، و تصرّف‌ خلاف‌ قانون‌ ذلك‌ المجتمع‌ فلا يطيعونه‌. لانـّهم‌ انتخبوه‌ حافظاً و حارساً للقانون‌ لا مشرّعاً له‌، فلو أخطأ، لا يجب‌ اتّباعه‌ أيضاً، وينبغي‌ أن‌ يُشعِروهُ بخطئه‌. ولكن‌ عندما يكون‌ خطؤه‌ غير مؤكّد، بل‌ احتملوا فقط‌ ذلك‌ الخطأ في‌ أوامره‌، فإنّ حكمه‌ هنا نافذ المفعول‌؛ و ذلك‌ للمحافظة‌ علی مصلحة‌ المجتمع‌، لانّ مصلحة‌ المجتمع‌ و بقاء سيادته‌ ووحدته‌ و عظمته‌ أمر مهم‌، يُرجَّحُ علی المفسدة‌ المترتّبة‌ علی أوامرهم‌ المحتملة‌ الخطأ.

 و مجمل‌ الكلام‌، فإنّ أُولي‌ الامر في‌ هذه‌ الآية‌ الشريفة‌ هم‌ الرؤساء والحكّام‌ الذين‌ يقومون‌ بأعباء الرئاسة‌ و الحكومة‌ في‌ الوسط‌ الاجتماعيّ. و لو اتّخذوا قراراً معارضاً لقول‌ الله‌ و رسوله‌ علی نحو إلیقين‌، فلا ينبغي‌ اتّباعهم‌ في‌ خصوص‌ ذلك‌ القرار؛ و ذلك‌ لوجود بعض‌ المقيّدات‌ نحو «إِنَّ اللَهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ»،[31] و قول‌ رسول‌ الله‌ الذي‌ يتّفق‌ الشيعة‌ و السنّة‌ علی نقله‌ و روايته‌، و هو: لاَ طَاعَةَ لِمَخْلَوقٍ فِي‌ مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ:[32] و كذلك‌ قوله‌: لاَ طَاعَةَ إلاَّ فِي‌ الْمَعْرُوفِ[33] و أمثالها التي‌ تسقط‌ حجّيّة‌ أقوالهم‌ عند المعصية‌. و لو أخطؤوا في‌ قرار ما، فينبغي‌ تنبيههم‌ و إرجاعهم‌ إلی‌ الكتاب‌ والسنّة‌.

 هذا فيما إذا أُحرز خطؤهم‌. أمّا إذا كان‌ هناك‌ احتمال‌ في‌ خَطئهم‌ فأوامرهم‌ حُجّة‌، و لا مانع‌ من‌ حجّيّة‌ أوامرهم‌ في‌ مثل‌ هذه‌ المواضع‌؛ حتّي‌ لو يتّفق‌ أن‌ يكون‌ عملهم‌ مخالفاً للمواقع‌. لانّ حفظ‌ مصلحة‌ نظام‌ المسلمين‌ باتّباعهم‌ أهمّ من‌ المفسدة‌ المترتّبة‌ علی هذه‌ الاُمور.

 ولكن‌ بالتأمّل‌ الدقيق‌ في‌ ظهور الآية‌ الشريفة‌ و سياقها، تنتفي‌ هذه‌ الشبهة‌ تماماً لانـّه‌ حتّي‌ لو كان‌ جعل‌ الحجّيّة‌ علی أقوال‌ غير المعصوم‌ وأفعاله‌ ليس‌ محالاً في‌ حدّ ذاته‌، و عند صدور الخطأ بنحو جازم‌ أو المعصية‌، فإنّ الدليل‌ المخصّص‌ يحدّد لزوم‌ إطاعتهم‌ و حجّيّة‌ أوامرهم‌ وعند صدور الخطأ المحتمل‌، فإنّ المصلحة‌ السلوكيّة‌ المتمثّلة‌ بحفظ‌ المجتمع‌ و إقرار النظم‌ تسدُّ النقص‌ الناشي‌ عن‌ المفسدة‌ المخالفة‌ للواقع‌ ويمكن‌ أن‌ نجد مثل‌ هذا الحجّيّة‌ عند أُمراء السرايا الذين‌ كان‌ يرسلهم‌ رسول‌ الله‌ إلی‌ الجهاد، و عند الولاة‌ الذين‌ كان‌ يعيّنهم‌ هو أو أميرالمؤمنين‌ وكذلك‌ حُجّيّة‌ قول‌ المجتهد بالنسبة‌ إلی‌ المقلِّد، و حجّيّة‌ الروايات‌ و خبر الواحد، غير أنّ إمكان‌ جعل‌ الحجّيّة‌ في‌ أوامر أُولي‌ الامر علی هذه‌ الكيفيّة‌ مسألة‌، و ظهور الآية‌ الشريفة‌ في‌ إطلاق‌ وجوب‌ متابعتهم‌ مسألة‌ أُخري‌ ولاصلة‌ بين‌ الاثنين‌ بتاتاً. و نحن‌ لا ننكر إمكان‌ حجّيّة‌ الحكّام‌ و الرؤساء، و بصورة‌ عامّة‌، كلّ شخص‌ غير معصوم‌، من‌ باب‌ تلافي‌ المفسدة‌ الواقعة‌ بالمصلحة‌ السلوكيّة‌، غير أنّا نقول‌ بأنّ ظهور الآية‌ الشريفة‌ خارج‌ عن‌ هذا المجري‌.

 الرجوع الي الفهرس

 لزوم‌ إطاعة‌ أُولي‌ الامر بشكل‌ مطلق‌

 إنّ للآية‌ الكريمة‌ ـ علی نحو مطلق‌ ـ ظهور بل‌ نصّ في‌ لزوم‌ اتّباع‌ أُولي‌ الامر. و هذا المعني‌ يستلزم‌ المحال‌ بدون‌ عصمتهم‌، لانّ أُسلوب‌ الآية‌ و سياقها غير قابل‌ للتخصيص‌. فالآية‌ أوجبت‌ إطاعة‌ أُولي‌ الامر و جعلتها في‌ حكم‌ إطاعة‌ رسول‌ الله‌ و مقارنة‌ و ملازمة‌ لها، و كذلك‌ في‌ حكم‌ إطاعة‌الله‌. فكما أنّ التخصيص‌ لا معني‌ له‌ في‌ إطاعة‌ الله‌ و رسوله‌ فكذلك‌ هو في‌ إطاعة‌ أُولي‌ الامر التي‌ سُبكت‌ مع‌ إطاعة‌ الله‌ و رسوله‌ في‌ قالب‌ واحد، و ثمّ بيانها في‌ عبارة‌ واحدة‌. و في‌ هذا المجال‌، لو كان‌ هناك‌ مخصّص‌ أحياناً، فينبغي‌ إمّا أن‌ يكون‌ متّصلاً بهذه‌ الجملة‌، و يحدّد مجالات‌ لزوم‌ ا لإطاعة‌، و مجالات‌ عدم‌ لزومها، أو أنّ آية‌ أُخري‌ علی الاقلّ تصرّح‌ بالتخصيص‌ في‌ هذا المجال‌، كأن‌ تقول‌ مثلاً: لاَ تُطِيعُوا أَمْرَهُمْ فِي‌ مُخَالَفَةِ اللَهِ.

 و أمّا الآية‌ «إِنَّ اللَهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ»[34]و أمثالها، فليس‌ فيها نظر إلی‌ تخصيص‌ هذه‌ الآية‌ أبداً. و كذلك‌ كلام‌ رسول‌ الله‌ في‌ حرمة‌ متابعة‌ المخلوق‌ عند معصيته‌، فإنّه‌ لا يرفع‌ ظهور الآية‌ الشريفة‌ في‌ أُولي‌ الامر. و بصورة‌ عامّة‌ وفقاً للقواعد الاُصوليّة‌، فإنَّ الحكم‌ يكون‌ قابلاً للتخصيص‌ عندما يزيل‌ المخصّص‌ ظهوره‌ في‌ العموم‌؛ و أمّا إذا لم‌ يُزل‌ ظهوره‌، و ظلّ علی عمومه‌، فإنّنا نكتشف‌ أنّ المراد من‌ المخصّص‌ قائم‌ في‌ موضع‌ آخر، وليس‌ له‌ قابليّة‌ تخصيص‌ ذلك‌ العموم‌. مضافاً إلی‌ ذلك‌ فنحن‌ نري‌ أنّ الله‌ أوجب‌ ا لإحسان‌ أو المتابعة‌ لغير أُولي‌ الامر في‌ مواضع‌ قليلة‌ الاهميّة‌ جدًّا، وقد خصّص‌ ذلك‌ مباشرة‌ و جعل‌ إطاعتهم‌ محصورة‌ في‌ غير معاصي‌ الله‌. فهو يقول‌ بشأن‌ ا لإحسان‌ و اتّباع‌ الابوين‌: «وَ وَصَّيْنَا ا لإنْسَـ'نَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَ إِن‌ جَـ'هَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي‌ مَإلیسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا».[35] هنا يصرّح‌ بلزوم‌ إطاعة‌ الوالدين‌، و يقيّد ذلك‌ مباشرة‌ في‌ مجالات‌ غير عصيان‌ الله‌. فهل‌ هذا الموضوع‌ أهمّ أو الولاية‌ العامّة‌ لشؤون‌ المسلمين‌؟

 فلو كان‌ في‌ آية‌ أُولي‌ الامر قيد، لوجب‌ عليه‌ أن‌ يذكر له‌ مخصّصاً متّصلاً بلا ريب‌؛ ولما قصّر في‌ تأخيره‌ علی أساس‌ أهميّة‌ الموضوع‌. ومجمل‌القول‌، أنّ نتيجة‌ البحث‌ هي‌ أنّ إطاعة‌ أُولي‌ الامر بنحو مطلق‌ واجبة‌، وسياق‌ الجملة‌ يأبي‌ التخصيص‌. الآية‌ التي‌ تنهي‌ عن‌ الفحشاء وكلام‌ رسول‌ الله‌ في‌ عدم‌ جواز إطاعة‌ المخلوق‌ عند معصية‌ خالقه‌ لايخصّصان‌ لزوم‌ اتّباع‌ أوامر أُولي‌ الامر أبداً. و في‌ ضوء ذلك‌، فإنّ ظهور الآية‌ بل‌ نصّها دالّ علی عصمتهم‌ مع‌ المقدّمة‌ القائلة‌ باستحالة‌ اجتماع‌ الامر النهي‌.

 و هَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ وَ الحمدللَّه‌.

 الرجوع الي الفهرس

 في‌ رحاب‌ لقب‌ «أمير المؤمنين‌» الذي‌ هو أفضل‌ ألقاب‌ عليّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌

 أُولو الامر جمع‌ يعني‌ أصحاب‌ الامر. و القصد من‌ أصحاب‌ الامر هم‌ المؤمنون‌ لقوله‌ تعإلی‌ «وَأُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ». و هذا أوّل‌ لقب‌ منحه‌ رسول‌ الله‌ لعليّ بن‌ أبي‌ طالب‌ بأمر الله‌، لانّ مفرد «أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ» يعني‌ «ذوالامر» من‌ المؤمنين‌، و هو ماينطبق‌ لفظاً و معنيً علی أميرالمؤمنين‌ الذي‌ يعني‌ أيضاً صاحب‌ الامر من‌ المؤمنين‌. و هذا اللقب‌ هو من‌ أهمّ ألقاب‌ ا لإمام‌ وأعلاها درجة‌ و شأناً؛ و يتقدّم‌ علی سائر ألقابه‌ التي‌ منها: «سيّدالمسلمين‌»، و «يَعْسوب‌ الدين‌»، و «قائد الغُرِّ المُحَجَّلين‌»، و «إمام‌ البَررَة‌»، و «قاتل‌ الفَجَرَة‌»، و «خليفة‌ رسول‌ الله‌»، و «وصيّه‌» و«وزيره‌» و أمثالها. و لذلك‌ أمر رسول‌ الله‌ الناس‌ أن‌ يسلّموا عليه‌ ويحيّوه‌ بهذا اللقب‌. و هذا اللقب‌ ليس‌ عنواناً اعتباريّاً، بل‌ هو بيان‌ حقيقةٍ وكشف‌ سرّ كان‌ موجوداً عنده‌، لانّ الامير و الرئيس‌، لايّ شي‌ءٍ يضافان‌، فإنّهما يعبّران‌ عن‌ معني‌ ذلك‌ الشي‌ٌ و حقيقته‌. فأمير الجيش‌ هو ذلك‌ الشخص‌ المقدّم‌ علی الجيش‌ جميعه‌ من‌ حيث‌ فنّ القتال‌. و أميرالامراء يعني‌ الشخص‌ المتفوّق‌ علی سائر الامراء من‌ حيث‌ ا لإمارة‌.

 و أمير المؤمنين‌ يعني‌ رئيس‌ المؤمنين‌ و قائدهم‌ من‌ حيث‌ ا لإيمان‌؛ ولذلك‌ يقول‌ ابن‌ عبّاس‌:

 قَالَ رَسُولُ اللَهِ: مَا أَنْزَلَ اللَهُ آيةً فيها «يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» إِلاَّ وَ عَلِيٌّ رَأسُها وَ أَمِيرُها. [36] و ينقل‌ ابن‌شهرآشوب‌ أيضاً عن‌ طريق‌ العامّة‌ ما
 نصّه‌: قال‌ مُجَاهِدٌ فِي‌ تفسِيرِهِ: ما كَانَ فِي‌ القُرآن‌ «يَـ'´أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» فَإِنَّ لِعلی عَلَيهِ السَّلاَمُ سَابِقَةَ ذَلِكَ؛ لاِنَّهُ سَبَقَهُم‌ إلی‌ ا لإسلاَمِ، فَسَمَّاهُ اللهُ فِي‌ تِسعٍ وَ ثَمانِينَ مَوضِعاً «أمِيرَالمُؤْمِنِينَ وَ سَيِّدَ المُخَاطَبِينَ إلی‌ يَوْمِ الدِّينِ». [37]

 في‌ ضوء ما تقدّم‌، فحيثما جاء في‌ القرآن‌ «يَـ ' ´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا». أو كان‌ الخطاب‌ موجّهاً للمؤمنين‌ بدون‌ هذا اللفظ‌، أو ورد مدح‌ و تمجيد للمؤمنين‌، أو ذكرت‌ لهم‌ صفة‌ محمودة‌، فإنّ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يأتي‌ في‌ طليعة‌ ذلك‌ كلّه‌.

 الرجوع الي الفهرس

 أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ النموذج‌ الاكمل‌ لجميع‌ الفضائل‌

 و يمكن‌ أن‌ نفهم‌ من‌ هذا اللقب‌ بأنّه‌ كما كان‌ عليه‌ السلام‌ أفضل‌
 الجميع‌ و أكملهم‌ علی صعيد كافّة‌ جهات‌ و أبعاد الفضائل‌ النفسيّة‌ و مكارم‌ الاخلاق‌ و الملكات‌ و العقائد و درجات‌ التوحيد، فلابدّ أن‌ يكون‌ أكثرهم‌ زهداً، و الزهد من‌ صفات‌ المؤمنين‌؛ و إلاّ فلا ينطبق‌ عليه‌ عنوان‌ ا لإمارة‌ في‌ هذا المجال‌. و لو فرض‌ وجود أحد في‌ جميع‌ الاُمّة‌ ـ مثلاً ـ زهده‌ أكثر من‌ زهد أمير المؤمنين‌ أو في‌ درجته‌، فلا يعدّ ا لإمام‌ أميراً له‌ من‌ هذا المنظور. وكذلك‌ أمير المؤمنين‌ في‌ سائر المحامد و الصفات‌ الحسنة‌ كالجود والسخاء وا لإيثار، والعفو، والصفح‌، والعلم‌، والحلم‌، والكرم‌، والصلوة‌ والصوم‌ وا لإنفاق‌، والجهاد، والقضاء، والحكم‌، ورقّة‌ القلب‌، و صفاء الضمير والمعارف‌ ا لإلهيّة‌، و الاطّلاع‌ علی الاسرار، و الاتّصاف‌ بصفات‌ الله‌ وأسمائه‌ الحسني‌، و بلوغ‌ درجات‌ المقرّبين‌ و الصدّيقين‌ و الشهداء وتجلّي‌ الذات‌ الاحديّة‌ المقدّسة‌، و مراتب‌ الفناء و البقاء. فقد كان‌ أمير المؤمنين‌ في‌ هذه‌ الفضائل‌ كلّها متميّزاً متفوقاً، لذلك‌ نال‌ عنوان‌ القيادة‌ و ا لإمارة‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الا´ية‌ 59، من‌ السورة‌ 4: النّسآء

[2] ـ «صحيح‌ البخاري‌» ج‌ 1، ص‌ 124 و 125 نقلاً عن‌ هامش‌ «جواهر الكلام‌» ج‌ 9، ص‌ 339

[3] ـ الا´ية‌ 44، من‌ السورة‌ 16: النَّحل‌

[4] ـ ثمّة‌ رواية‌ تشهد علي‌ هذا المعني‌ في‌ «شواهد التنزيل‌» ج‌ 1، ص‌ 149 بسلسلة‌ سنده‌ المتّصل‌ عن‌ مجاهد، حيث‌ روي‌ المؤلّف‌ قآئلاً:

 عن‌ مجاهد في‌ قوله‌ تعالي‌: (يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا) يعني‌ الذين‌ صدّقوا بالتوحيد، (أَطِيعُوااللهَ) يعني‌ في‌ فرآئضه‌، و (أَطِيعُوا الرَّسُولَ) يعني‌ في‌ سنّته‌، (وَ أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُم‌) قال‌: نزلت‌ في‌ أميرالمؤمنين‌ حين‌ خلّفه‌ رسول‌ الله‌ بالمدينة‌. الحديث‌.

[5] ـ الا´ية‌ 105، من‌ السورة‌ 4: النّسآء

[6] ـ الا´ية‌ 159، من‌ السورة‌ 3: ءال‌ عمران‌

[7] الا´ية‌ 159، من‌ السورة‌ 3: ءال‌ عمران‌

[8] ـ الا´ية‌ 64، من‌ السورة‌ 4: النّسآء

[9] ـ ينقل‌ صاحب‌ تفسير «الميزان‌» رواية‌ في‌الجزء الرابع‌، ص‌ 437 تشهد علي‌ هذا الادّعآء، فيقول‌:

 و في‌ «تفسير العيّاشي‌» عن‌ عبدالله‌ بن‌ عجلان‌ عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ في‌ قوله‌: «أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُم‌» قال‌: هي‌ في‌ عليّ و في‌ الائمّة‌، جعلهم‌ الله‌ مواضع‌ الانبياء، غير أنّهم‌ لا يحلّون‌ شيئاً و لا يحرّمونه‌.

[10] ـ يقول‌ صاحب‌ تفسير «الميزان‌» في‌ الجزء الرابع‌، ص‌ 437.

 و في‌ «الكافي‌» بإسناده‌ عن‌ بريد بن‌ معاوية‌ قال‌: تَلاَ أبوجَعفَر عليه‌ السلام‌ «أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُم‌» فَإن‌ خِفْتُمْ تَنَازُعًا فِي‌ الاْمْرِ، فَارْجِعُوهُ إِلَي‌ اللَهِ وَ إلَي‌ الرَّسُولِ وَ إِلَي‌ اُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ. قالَ: كَيفَ يَأمُرُ بِطَاعَتِهِمْ وَ يُرَخِّصُ فِي‌ مُنَازَعَتِهِم‌؟ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ للمأمورينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: «أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ» و في‌ «تفسير العيّاشي‌» عن‌ بريد بن‌ معاوية‌ عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ (و هو رواية‌ الكافي‌ السابقة‌) و في‌ الحديث‌: ثمّ قَالَ لِلنَّاسِ: يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَجَمَعَ الْمُؤمِنِينَ إِلَي‌ يَوْمٍ القِيَمَة‌ «أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ» إِيَّانَا عَنِي‌ خَآصَّةً «فَإِنَّ خِفْتُمْ تَنَازُعًا فِي‌ الاْمْرِ، فَارْجعُوا إِلَي‌ اللَهِ وَ إِلَي‌ الرَّسُولِ وَ إِلَي‌ اُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ» هَكَذَا نَزَلَتْ. وَ كَيْفَ يَأمُرُهُم‌ بِطَاعَةِ اُولِي‌ الاْمْرِ وَيُرَخِّصَ لَهُمْ فِي‌ مُنَازَعَتِهِمْ؟ إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ للمأمورين‌ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ «أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُم‌».

[11] ـ و هو يعني‌ اصطلاحًا إدراك‌ العلّة‌ و المؤثّر عن‌ طريق‌ المعلول‌ و الاثر (البرهان‌ الاِنّي‌). (م‌)

[12] ـ الا´ية‌ 33، من‌ السورة‌ 33: الأحزاب

[13] ـ تفسير «البرهان‌» ج‌ 1؛ ص‌ 235؛ وَ «غاية‌ المرام‌»: 265 و ص‌ 266 الحديث‌ الثالث‌ من‌ الباب‌ التاسع‌ و الخمسين‌. و كذلك‌ نقل‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ هذا الحديث‌ عن‌ تفسير «العيّاشي‌» في‌ الجزء الرابع‌: ص‌ 438 من‌ تفسير «الميزان‌». و روي‌ في‌ «شواهد التنزيل‌» ج‌ 1، ص‌ 149 إلي‌ قول‌ رسول‌ الله‌: فأعطاني‌ ذلك‌.

[14] ـ تفسير «البرهان‌» ج‌ 1، ص‌ 238؛ وَ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 263 و 264 الحديث‌ الاوّل‌ من‌ الباب‌ 58؛ و نقل‌ صاحب‌ «الميزان‌» ذلك‌ عن‌ تفسير «البرهان‌» في‌ الجزء الرابع‌، ص‌ 439 من‌ «الميزان‌»، و ذكر هذه‌ الرواية‌ أيضًا في‌ «شواهد التنزيل‌» ج‌ 1، ص‌ 149

[15] ـ تفسير«البرهان‌» ج‌ 1، ص‌ 238؛ و «غاية‌ المرام‌» ص‌ 264 الحديث‌ الثاني‌ من‌ الباب‌ 58. و نقل‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ ذلك‌ في‌ «الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 439 نقلاً عن‌ تفسير «البرهان‌».

[16] ـ تفسير «البرهان‌» ص‌ 236؛ و كذلك‌ في‌ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 267 الحديث‌ الثامن‌ من‌ الباب‌ 59.

[17] ـ كناية‌ عن‌ ان‌ كتاب‌ الله‌ و أهل‌ بيتي‌ شي‌ءٌ واحد و لا امتياز لاحدهما علي‌ الا´خر.

[18] ـ تفسير «الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 439

[19] ـ ذكر هذا الحديث‌ كلّ من‌ تفسير «البرهان‌» ج‌ 1، ص‌ 234 و 235؛ و «غاية‌ المرام‌» ص‌ 267 نقلاً عن‌ المرحوم‌ الصدوق‌. و العلاّمة‌ الطباطبائي‌ في‌ تفسير «الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 435 و 436 نقلاً عن‌ تفسير «البرهان‌». و نحن‌ ذكرنا نصّ هذا الحديث‌ في‌ أوائل‌ الجزء الثالث‌ من‌ كتابنا هذا.

[20] ـ تفسير «البرهان‌» ج‌ 1؛ ص‌ 235، و «غاية‌ المرام‌» ص‌ 267 الحديث‌ الحادي‌ عشر من‌ الباب‌ 59. و نقل‌ العلاّمة‌ في‌ «الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 436، ص‌ 437 إلي‌ ءاخر الرواية‌ الاُولي‌: «خلقاً يُجيبني‌ إليه‌».

[21] ـ «شواهد التنزيل‌» ج‌ 1، ص‌ 148

[22] ـ تفسير «الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 436

[23] ـ نفس المصدر السابق‌

[24] ـ «منتهي‌ الا´مال‌» ج‌ 1، ص‌ 92

[25] ـ «بحار الانوار» ج‌ 15، ص‌ 9 0 1، طبعة‌ ءاخوندي‌

[26] ـ «نهج‌ البلاغة‌»، باب‌ الخطب‌، ص‌ 304 من‌ طبعة‌ عبدة‌ في‌ مصر

[27] ـ «نهج‌ البلاغة‌»، باب‌ الخطب‌، ص‌ 271 و ص‌ 272 من‌ طبعة‌ عبده‌ في‌ مصر

[28] ـ «نهج‌ البلاغة‌»، باب‌ الكتب‌، الرسالة‌ 62، ص‌ 118 و 119 من‌ طبعة‌ عبده‌ ـ مصر

[29] ـ الا´ية‌ 59، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[30] ـ تفسير «الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 415.

[31] ـ الا´ية‌ 28، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[32] ـ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 2، ص‌ 177 و أيضاً روي‌ عن‌ عمران‌ بن‌ الحصين‌ قال‌: سمعت‌ رسول‌ الله‌ يقول‌: لا طاعةَ في‌ معصية‌ الله‌؛ و «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 11، ص‌ 422.

[33] ـ «صحيح‌ البخاريّ» ج‌ 9، ص‌ 79 (كتاب‌ الاحكام‌ باب‌ 4 ـ ج‌ 4 ) قال‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: إنّما الطاعة‌ في‌ المعروف‌

[34] ـ الا´ية‌ 28، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[35] ـ الا´ية‌ 8، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[36] ـ «مطالب‌ السؤول‌» ص‌ 21؛ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 64. و يقول‌ صاحب‌ «ينابيع‌ المودّة‌» في‌ ص‌ 212 من‌ كتابه‌: عن‌ ابن‌ عبّاس‌: لَيسَ مِن‌ آيةٍ في‌ القرآن‌ «يَـ'´أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا»إلاَّ عَلِيُّ رَأسُهَا وَ أَمِيرُهَا وَ شَريفُهَا. وَ لَقَدْ عَاتَبَ اللَهُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي‌ القُرآنِ وَ مَا ذُكِرَ عَلِيّاً إِلاَّ بِخَيْرٍ.

[37] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 21.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

التعريف و الدليل

كلية الحقوق، محفوظة و متعلقة بموسسة ترجمة و نشر دورة علوم و معارف الاسلام
info@maarefislam.org