بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام/ المجلد الثالث/ القسم السادس : أهل الحق، الشیعة هم أهل سنة رسول الله، سیرة الشیخین لیست مقیاساً للعمل، ب...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الدرس‌ الثامن‌ و الثلاثون‌ و التاسع‌ و الثلاثون‌:
 
تفسير الآية‌: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَهَ

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علی‌ محمّد و آله‌ الطَّاهرين‌

و لعنة‌ اللَه‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلی العظيم‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَهَ [1].

 تبيّن‌ هذه‌ الآية‌ أنّ من‌ يطيع‌ رسول‌ الله‌ فانّما يطيع‌ الله‌، إذ إنّ رسول‌الله‌ هو المبعوث‌ من‌ الله‌، و الواسطة‌ بين‌ الناس‌ و خالقهم‌. و إنّما تتحقّق‌ إطاعة‌ الموكِّل‌ بإطاعة‌ الوكيل‌. و إطاعة‌ المنوب‌ عنه‌ بإطاعة‌ النائب‌، وإطاعة‌ السلطان‌ بإطاعة‌ من‌ يقوم‌ مقامه‌. و هكذا فإنّ إطاعة‌ الله‌ تتحقّق‌ بإطاعة‌ رسوله‌ و نبيّه‌.

 و نجد الشيعة‌ فقط‌ من‌ بين‌ الفرق‌ الإسلاميّة‌ المتنوّعة‌ جميعها تتشرّف‌ بإطاعة‌ الله‌ من‌ خلال‌ إطاعة‌ رسوله‌ الكريم‌، بينما نري‌ أنّ سائر الفرق‌ قد تصرّفت‌ في‌ الكتاب‌ و السنّة‌ كيفما شاءت‌، و بالتالي‌ فإنّ اعتقاداتها وممارساتها لم‌ توافق‌ كلام‌ الله‌ و رسوله‌، بل‌ إنّ آراءها الشخصيّة‌ قد اقحمت‌ في‌ تلك‌ الاعتقادات‌ و الممارسات‌.

 و بعد رحلة‌ الرسول‌ الاعظم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌ إلي‌ ربّه‌ سار الشيعة‌ وراء أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ و بقيّة‌ الائمّة‌ من‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ عملاً بوصيّة‌ نبيّهم‌، و رفضوا الاباطيل‌ و الافكار الطائشة‌ السقيمة‌ التي‌ تجرف‌ أغلبيّة‌ الناس‌ بتيّارها، و أطرحوها بعيداً منضميّن‌ إلي‌ أُمّة‌ الحقّ و أهل‌ اليقين‌، ممّا تمخّض‌ عن‌ ظهور فريقين‌ متميّزين‌ يقابل‌ أحدهما الآخر: الشيعة‌، أتباع‌ أهل‌ البيت‌ ؛ و العامّة‌، أتباع‌ الشيخين‌ و من‌ تلاهما من‌ الحكّام‌ و السلاطين‌ واحداً بعد الآخر.

 يقول‌ الشيعة‌: لم‌ يرد في‌ الكتاب‌ و السنّة‌ شي‌ء يدعو إلي‌ اتّباع‌ الشيخين‌، أمّا اتّباع‌ العترة‌ الطاهرة‌ من‌ أهل‌ البيت‌ فقد وردت‌ بشأنه‌ نصوص‌ صريحة‌ متواترة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ في‌ مناسبات‌ متنوّعة‌، و عند تفسير الآيات‌ القرآنيّة‌ ذات‌ العلاقة‌، والتصريح‌ بشأن‌ نزولها. و يرون‌ أنّ اتّباع‌ أهل‌ البيت‌ هو السنّة‌ النبويّة‌ ذاتها. والقصد من‌ الجماعة‌ التي‌ أمر النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ المسلمين‌ أن‌ يكونوا فيها و لا يعرضوا عنها هي‌ جماعة‌ الحقِّ لا الباطل‌. في‌ ضوء ذلك‌ فإنّ الشيعة‌ هم‌ أهل‌ السنّة‌ و الجماعة‌ بالمعني‌ الحقيقيّ، و هم‌ أهل‌ الرفض‌ و نبذ الافكار الباطلة‌ و البدع‌ المستحدثة‌ أيضاً.

 يقول‌ العامّة‌: نحن‌ أهل‌ السنّة‌ و أهل‌ الجماعة‌. أمّا أهل‌ السنة‌ فلانـّنا اقتدينا بالصحابة‌ و كرّمناهم‌ و احترمناهم‌ و آمنّا بحُجّيّة‌ أحكامهم‌. و أمّا أهل‌ الجماعة‌ فلانـّنا نمثّل‌ أغلبيّة‌ المسلمين‌ الذين‌ لم‌ يتّبعوا أهل‌ البيت‌ بعد النبي‌ّ و ساروا علی‌ ما سنّه‌ الصحابة‌ لهم‌. و يطلقون‌ علی‌ الشيعة‌ لقب‌ الرافضة‌ قاصدين‌ من‌ ذلك‌ أنّ الشيعة‌ نبذوا سنّة‌ النبي‌ّ وراء ظهورهم‌، و لم‌ يتّبعوا صحابته‌ و أوجدوا الصدع‌ في‌ كيان‌ المسلمين‌، و أصبح‌ لهم‌ دين‌ مستقل‌. [2]

 يقول‌ الشيعة‌: الله‌ حقّ، و رسوله‌ حقّ، و كتابه‌ حقّ، و خلق‌ السماوات‌ و الارض‌ حقّ. قال‌ تعالي‌: وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا بَـ'طِلاً ذَ ' لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ. [3]

 الرجوع الي الفهرس

المراد من‌ الجماعة‌ أهل‌ الحقّ و إن‌ قلّوا

 فقصد الرسول‌ الاعظم‌ من‌ الالتحاق‌ بالجماعة‌ هو الالتحاق‌ بجماعة‌ الحقّ لا الباطل‌. و الدين‌ الذي‌ جاء علی‌ أساس‌ العدل‌ و الحقّ و شيّد جميع‌ مبادئه‌ الإجماليّة‌ و التفصيليّة‌ علی‌ هذا الاساس‌، كيف‌ يعتبر الالتحاق‌ بجماعة‌ الباطل‌ حقّاً ! فالقصد من‌ جماعة‌ الحقّ هو علی‌ّ وصي‌ّ رسول‌ الله‌ وأهل‌ بيته‌، والشيعة‌ الحقيقيّون‌ الذين‌ تجرّعوا الغصص‌ الممضّة‌ إلي‌ أقصي‌ حدّ، و لم‌ يذهبوا وراء بريق‌ الباطل‌ عند المحن‌ و الخطوب‌، و لم‌ ينفصلوا عن‌ الحقّ و أهله‌، علی‌ الرغم‌ من‌ امكانيّاتهم‌ الضعيفة‌.

 إنّ إبراهيم‌ الخليل‌ كان‌ إنساناً واحداً، بَيدَ أنّ الله‌ ذكره‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ بلفظ‌: الاُمّة‌، و ذلك‌ لما كان‌ يتّسم‌ به‌ من‌ عظمة‌ روحيّة‌ و إيمانيّة‌. فقد قال‌ جلّ من‌ قائل‌: إِنَّ إِبْرَ ' هِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَهِ حَنِيفًا وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. [4]

 إذاً، فالجماعة‌ هم‌ أهل‌ الحقّ و إن‌ قلّوا، كما قال‌ المرحوم‌ الصدوق‌: أهْلُ الْجَمَاعَةِ أَهْلُ الْحَقِّ وَ إن‌ قَلُّوا ؛ وَ قَدْ رُوِي‌َ عَنِ النَّبِيِّ صَلّي‌ اللَهُ علیهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: الْمُؤمِنُ حُجَّةٌ، وَالْمُؤمِنُ وَحْدَهُ جَماعَةٌ. [5]

 في‌ ضوء ما تقدّم‌، يتبيّن‌ لنا أنّ الجماعة‌ التي‌ أوصي‌ رسول‌ الله‌ بالاتّصال‌ بها هم‌ جماعة‌ الحقّ. و قد راعي‌ الشيعة‌ فقط‌ هذا الامر بينما تخلّف‌ عنه‌ العامّة‌. و بالتالي‌ فإنّ الشيعة‌ كانوا أهل‌ الجماعة‌، والعامّة‌ تخلّفوا عن‌ أهل‌ الجماعة‌.

 الرجوع الي الفهرس

الشيعة‌ أهل‌ سنّة‌ رسول‌ الله‌ و رافضي‌ الباطل‌

 و يقول‌ الشيعة‌ أيضاً: السنّة‌ تعني‌ العمل‌ بكلام‌ رسول‌ الله‌ و اتّباع‌ فعله‌ و نهجه‌. إذَن‌ فأهل‌ السنّة‌ هم‌ الذين‌ يعملون‌ بتعاليم‌ النبي‌ّ لا الذين‌ يتخلّفون‌ عنها. و ما هم‌ إلاّ الشيعة‌، أطاعوا تعاليم‌ نبيّهم‌ و اتّبعوا أهل‌ بيته‌ عملاً بتذكيراته‌ و وصاياه‌ المتواترة‌ فيهم‌. أمّا العامّة‌ فقد تركوا السنّة‌ و خالفوا تعاليم‌ ذلك‌ الرسول‌ العظيم‌. فالشيعة‌ هم‌ من‌ أهل‌ السنّة‌، والعامّة‌ من‌ تاركي‌ السنّة‌.

 و أمّا الرفض‌ الذي‌ نسبوه‌ إلي‌ الشيعة‌،فله‌ معني‌ صحيح‌ و حقيقيّ، وإن‌ أرادوا خلافه‌. إنّهم‌ يقولون‌: تبرّأ الشيعة‌ بعد رسول‌ الله‌ من‌ صحابته‌ الذين‌ تربّوا علی‌ يده‌، و نبذوا سنّة‌ رسول‌ الله‌ وراء ظهورهم‌. و يقول‌ الشيعة‌: نحن‌ كنّا و لا نزال‌ نحترم‌ الصحابة‌، ولكن‌ ليس‌ جميع‌ الصحابة‌، لانّ الصحابة‌ ـمن‌ منظور قرآنيّ ـ غير متساوين‌، فكان‌ بينهم‌ عدد من‌ المنافقين‌. مضافاً إلي‌ ذلك‌ فانّ احترام‌ الصحابة‌ يتوقّف‌ علی‌ اتّباعهم‌ تعاليم‌ الرسول‌ الاكرم‌. أمّا لو خالفوا، و أبدعوا في‌ الدين‌، و أضاعوا جهود نبيّهم‌، فهل‌ يا تري‌ نحترمهم‌ ونطيعهم‌ ؟ يقول‌ الشيعة‌: نحن‌ رفضنا سنّة‌ الباطل‌ و البدعة‌، وابتعدنا عن‌ جماعة‌ الباطل‌ و أعوانه‌ الهالكين‌، و التحقنا بجماعة‌ الحقّ، فالرفض‌ ـ إذَن‌ ـ شرفنا، و عنوان‌ الرافضة‌ فخرنا. إنـّكم‌ أخذتم‌ بعين‌ الاعتبار المعني‌ الباطل‌ من‌ هذا العنوان‌ و نسبتموه‌ إلينا. فذنبكم‌ هو فهمكم‌ القاصر وإدراككم‌ العاثر.

 نقل‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ خالد البرقيّ في‌ كتاب‌ «المحاسن‌» عن‌ عتيبة‌ بيّاع‌ القصب‌ عن‌ إمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أنـّه‌ قال‌: وَاللهِ لِنَعْمَ الاسْمُ الَّذِي‌ مَنَحَكُمُ اللهُ ما دُمْتُمْ تأخُذُونَ بِقَولِنَا وَ لاَ تَكْذِبُونَ علینا. [6]

 و في‌ «المحاسن‌» أيضاً عن‌ إمام‌ محمّد الباقر علیه‌ السلام‌ انـّه‌ قال‌: أَنَا مِنَ الرَّافِضَة‌ وَ هِي‌َ مِنِّي‌، قالَها ثَلاثاً. [7]

 و فيه‌ أيضاً عن‌ أبي‌ بصير أنـّه‌ قال‌: قُلْتُ لاِبِي‌ جَعفرٍ علیهِ السَّلامُ جُعِلْتُ فِداكَ اسمٌ سُمِّينا بِهِ اسْتَحَلَّتْ بِهِ الوُلاةُ دِماءَنا وَ أَموالَنا وَ عَذَابَنا قَالَ: وَ مَا هُوَ ؟ قَالَ: الرّافِضَةُ: فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ علیهِ السَّلامُ: إنَّ سَبْعِينَ رَجُلاً مِن‌ عَسْكَرِ فِرعَونَ رَفَضُوا فِرعَونَ فَأَتَوا مُوسَي‌ علیهِ السَّلامُ فَلَمْ يَكُنْ فِي‌ قَومِ مُوسَي‌ أَحَدٌ أَشَدَّ اجْتِهَاداً وَ أَشَدَّ حُبّاً لِهارُونَ مِنْهُمْ، فَسَمّاهُمْ قَوْمُ مُوسَي‌: الرّافِضَةَ، فَأَوحَي‌ اللهُ تَعالي‌ إلي‌ مُوسَي‌ علیهِ السَّلامُ: أَن‌ أثبِتْ لَهُم‌ هَذَا الاسمَ فِي‌ التَّوراةِ فَإنِّي‌ نَحَلْتُهُمْ، وَ ذَلِكَ اسمٌ قَد نَحَلَكُمُوهُ اللَهُ. [8]

 و جاء في‌ «الكافي‌» أيضاً مثل‌ هذه‌ الرواية‌ عن‌ أبي‌ بصير بشكل‌ مفصّل‌. [9]

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ عمّار الدهنيّ عند ابن‌ أبي‌ ليلي‌ في‌ شأن‌ الرفض‌

 و ورد في‌ التفسير المنسوب‌ إلي‌ إمام‌ الحسن‌ العسكريّ علیه‌ السلام‌ أنـّه‌ «قيل‌ للصادق‌ علیه‌ السلام‌: إنّ عمّاراً الدهنيّ شهد اليوم‌ عند ابن‌ أبي‌ ليلي‌ قاضي‌ الكوفة‌ بشهادة‌. فقال‌ له‌ القاضي‌: قم‌ يا عمّار فقد عرفناك‌، لا تقبل‌ شهادتك‌ لانـّك‌ رافضيّ. فقام‌ عمّار و قد ارتعدت‌ فرائصه‌، و استفرغه‌ البكاء. فقال‌ له‌ ابن‌ أبي‌ ليلي‌: أنت‌ رجل‌ من‌ أهل‌ العلم‌ و الحديث‌، إن‌ كان‌ يسؤك‌ أن‌ يقال‌ لك‌ «رافضيّ» فتبرّأ من‌ الرفض‌، فأنت‌ من‌ إخواننا، فقال‌ له‌ عمّار: يا هذا ما ذهبتُ والله‌ حيثُ ذهبتَ، ولكنّي‌ بكيتُ علیك‌ و علی‌ّ: أمّا بكائي‌ علی‌ نفسي‌ فإنـّك‌ نسبتني‌ إلي‌ رتبةٍ شريفة‌ لستُ من‌ أهلها، زعمتَ أنـّي‌ رافضيّ. ويحك‌ لقد حدّثني‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أنّ أوّل‌ من‌ سميّ الرافضة‌: السحرة‌ الذين‌ لمّا شاهدوا آية‌ موسي‌ في‌ عصاه‌، آمنوا به‌ واتّبعوه‌، و رفضوا أمر فرعون‌، و استسلموا لكلّ ما نزل‌ بهم‌ فسمّاهم‌ فرعون‌: الرافضة‌ لمّا رفضوا دينه‌. فالرافضي‌ من‌ رفض‌ كلّ ما كرهه‌ الله‌، تعالي‌، و فعل‌ كلّ ما أمره‌ الله‌، فأين‌ في‌ الزمان‌ مثل‌ هذا ؟ فإنـّما بكيتُ علی‌ نفسي‌ خشية‌ أن‌ يطّلع‌ الله‌ تعالي‌ علی‌ قلبي‌، و قد تقبّلت‌ هذا الاسم‌ الشريف‌ علی‌ نفسي‌، فيعاتبني‌ ربّي‌ عزّ و جلّ و يقول‌: يا عمّار، أكنتَ رافضاً للاباطيل‌، عاملاً للطّاعات‌ كما قال‌ لك‌ ؟ فيكون‌ ذلك‌ تقصيراً بي‌ في‌ الدرجات‌ إن‌ سامحني‌، و موجباً لشديد العتاب‌ علی‌ّ إن‌ ناقشني‌، إلاّ أن‌ يتداركني‌ موالي‌َّ بشفاعتهم‌.

 و أمّا بكائي‌ علیك‌، فلعظم‌ كذبك‌ في‌ تسميتي‌ بغير اسمي‌، و شفقتي‌ الشديدة‌ علیك‌ من‌ عذاب‌ الله‌ تعالي‌ أن‌ صرفتَ أشرف‌ الاسماء إلي‌ أن‌ جعلته‌ من‌ أرذلها، كيف‌ يصبر بدنك‌ علی‌ عذاب‌ الله‌، و عذاب‌ كلمتك‌ هذه‌؟!

 فقال‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌: لو أنّ علی‌ عمّار من‌ الذنوب‌ ما هو أعظم‌ من‌ السماوات‌ و الارضين‌، لمحيت‌ عنه‌ بهذه‌ الكلمات‌. و إنـّها لتزيد في‌ حسناته‌ عند ربّه‌ عزّ و جلّ حتّي‌ يجعل‌ كلّ خردلة‌ منها أعظم‌ من‌ الدنيا ألف‌ مرّة‌. [10]

 يستنتج‌ ممّا تقدّم‌ أنّ الرافضة‌ عنوان‌ صحيح‌ للشيعة‌، بَيدَ أنّ العامّة‌ قصدت‌ منه‌ معني‌ سيّئـاً، كما أنّ كلمة‌ الشيعة‌ جاءت‌ من‌ الفعل‌ شاعَ يشيعُ بمعني‌ المطاوعة‌، و المشايعة‌ بمعني‌ المتابعة‌.

 يقول‌ ابن‌ الاثير في‌ كتابه‌ اللغويّ «النهاية‌» في‌ مادّة‌ شيع‌: و أصل‌ الشيعة‌ الفرقة‌ من‌ الناس‌، و تقع‌ علی‌ الواحد، و الاثنين‌، والجمع‌، والمذكّر والمؤنث‌ بلفظ‌ واحد، و معني‌ واحد. و قد غلب‌ هذا الاسم‌ علی‌ كلّ من‌ يزعم‌ أنـّه‌ يتولّي‌ علیاً رضي‌ الله‌ عنه‌ و أهل‌ بيته‌، حتّي‌ صار لهم‌ اسماً خاصّاً. فاذا قيل‌: فلانٌ من‌ الشيعة‌، عُرِفَ أنـّه‌ منهم‌، و في‌ مذهب‌ الشيعة‌ كذا: أي‌ عندهم‌. و تجمع‌ الشيعة‌ علی‌ شِيَع‌. و أصلها من‌ المشايعة‌. و هي‌ المتابعة‌ و المطاوعة‌ ـ انتهي‌ كلام‌ ابن‌ الاثير.

 الرجوع الي الفهرس

 اختلاف‌ الشيعة‌ مع‌ العامّة‌ في‌ الاُصول‌ و الفروع‌

 يختلف‌ الشيعة‌ مع‌ العامّة‌ في‌ الاُصول‌ و الفروع‌ معاً. فالعامّة‌ يرون‌ سيرة‌ الشيخين‌ حجّة‌ علیهم‌، و يعتقدون‌ بوجوب‌ اتّباعها. و علی‌ الرغم‌ من‌ إيمانهم‌ الظاهريّ بحجّيّة‌ الكتاب‌ و السنّة‌ وحدهما، بَيدَ أنـّهم‌ يلحقون‌ بهما سيرة‌ الشيخين‌ في‌ جميع‌ المسائل‌ و الشؤون‌ بلا استثناء. و لذلك‌ نجد عبدالرحمن‌ بن‌ عوف‌ يخاطب‌ علیاً في‌ الشوري‌ التي‌ شكّلها عمر: أُبايعك‌ علی‌ أن‌ تعمل‌ بكتاب‌ الله‌ و سنّة‌ نبيّه‌ و سيرة‌ الشيخين‌. فقال‌: أعمل‌ بكتاب‌ الله‌ و سنّة‌ نبيّه‌ و رأيي‌. فلم‌ يبايعه‌ عبدالرحمن‌ و التفت‌ إلي‌ عثمان‌ فقال‌ له‌ مثل‌ ما قال‌ للإمام‌، فقبل‌ عثمان‌ ذلك‌، فبايعه‌ خليفةً علی‌ الناس‌.

 يعتقد الشيعة‌ بعدم‌ عصمة‌ الصحابة‌، و لذلك‌ لا يجوّزون‌ اتّباعهم‌. وعندما توقّع‌ أبوبكر أن‌ يعتبره‌ النبي‌ّ في‌ عداد أهل‌ الجنّة‌، و رفض‌ رسول‌الله‌ ذلك‌ بصراحة‌ قائلاً له‌: لا أدري‌ ما تحدثون‌ بعدي‌. فكيف‌ نعتقد بعصمة‌ هذا الرجل‌ و نجعل‌ عمله‌ حجّة‌ علینا ؟!

 جاء في‌ باب‌ الجهاد عن‌ موطّأ مالك‌ قوله‌: عَنْ مَالكٍ، عَن‌ أبي‌ النضرِ مَولَي‌ عُمَرَ بنِ عُبَيْدِاللَهِ إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ ] وآلِهِ [ وَسَلَّمَ قَالَ لِشُهَداءِ أُحُدٍ: هَؤلاءِ أَشْهَدُ علیهِمْ. فَقَالَ أَبُوبَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أَلَسْنَا يَا رَسُولَ اللهِ إِخْوَانَهُمْ ؟ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا، وَ جَاهَدْنَا كَمْا جَاهَدُوا. [11] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: بَلَي‌ وَلَكِن‌ لاَأَدْرِي‌ مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي‌. فَبَكَي‌ أَبُوبَكرٍ، ثُمَّ بَكَي‌، ثُمَّ قَالَ: أَئِنَّا لَكائِنُونَ بَعْدَكَ ؟ [12]

 الرجوع الي الفهرس

 سيرة‌ الشيخين‌ ليست‌ مقياساً للعمل‌

و كان‌ عمر أيضاًيري‌ نفسه‌ مجتهداً، و يعمل‌ برأيه‌، و قد حرّم‌ كثيراً من‌ الاشياء التي‌ كان‌ رسول‌ الله‌ قد حلّلها، و أجري‌ بعض‌ التغييرات‌ علی‌ سنّة‌ النبيّ، ففي‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌، كيف‌ يمكن‌ اتّباعه‌ ؟ و قد روي‌ الشيعة‌ والسنّة‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌ أنـّه‌ قال‌: أَيُهَا النّاسُ وَاللَهِ مَا مِنْ شِي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَ يُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ، إِلاَّ وَ قَد أَمَرتُكُمْ بِهِ. وَ مَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَ يُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إلاَّ وَ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ. [13]

 و قال‌ أيضاً: حَلالُ مُحَمَّدٍ حَلالٌ إِليَ يَومِ القِيَامَةِ وَحَرامُ مُحَمَّدٍ حَرامٌ إلَي‌ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

 يقول‌ العلاّمة‌ الامينيّ، [14]و العلاّمة‌ الطباطبائيّ [15]:أَخْرَجَ الطَّبَرِّيُّ فِي‌ الْمُسْتَبِينِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ثَلاَثٌ كُنَّ علی‌ عَهْدِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ ] وآلِهِ [ وَسَلَّمَ أنَا مُحَرِّمُهُنَّ وَ مُعَاقِبٌ علیهِنَّ: مُتْعَةُ الْحَجِّ، وَ مُتْعَةُ النِّساءِ، وَحَيَّ علی‌ خَيْرِ الْعَمَلِ فِي‌ الاَذَانِ.

 الرجوع الي الفهرس

البدع‌ الّتي‌ أتي‌ بها عمر

 و يروي‌ الطبريّ أيضاً في‌ تاريخه‌ بسلسلة‌ سنده‌ المتّصل‌ عن‌ عمران‌ ابن‌ سواء قال‌: «صلّيتُ الصبح‌ مع‌ عمر فقرأ سُبحانَ[16] و سورة‌ معها، ثمّ انصرف‌ و قمت‌ معه‌، فقال‌: أحاجةٌ ؟ قلتُ: حاجة‌. قال‌: فالحق‌، قال‌: فلحقت‌، فلمّا دخل‌، أذن‌ لي‌، فاذا هو علی‌ سرير ليس‌ فوقه‌ شي‌ء، فقلت‌: نصيحة‌، فقال‌: مرحباً بالناصح‌ غدوّاً و عشيّاً. قلت‌: عابت‌ أُمّتك‌ أربعاً. قال‌: فوضع‌ رأس‌ درَّته‌ في‌ ذقنه‌، و وضع‌ أسفلها علی‌ فخذه‌، ثمّ قال‌: هات‌.

 قلت‌: ذكروا أنـّك‌ حرّمت‌ العمرة‌ في‌ أشهر الحجّ، و لم‌ يفعل‌ ذلك‌ رسول‌ الله‌، ولا أبوبكر رضي‌ الله‌ عنه‌ و هي‌ حلال‌. قال‌: هي‌ حلال‌ وَ لَو أَنَّهُمْ اعْتَمَرُوا فِي‌ أشْهُرِ الْحَجَّ رَأَوها مُجْزِيَةً مِن‌ حَجِّهمْ فَكَانَت‌ قَائِبَةَ قَوبِ عِامِهَا فَقُرعَ حَجُّهُمْ وَ هُوَ بَهاءٌ مِن‌ بَهاءِ اللهِ، وَ قَدْ أَصَبْتُ. [17]

 قلتُ: و ذكروا أنـّك‌ حرّمت‌ متعة‌ النساء و قد كانت‌ رخصة‌ من‌ الله‌ نستمتع‌ بقبضة‌ و نفارق‌ عن‌ ثلاث‌. [18]قال‌: إنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] وآله‌ [ و سلّم‌ أحلّها في‌ زمان‌ ضرورة‌، ثمّ رجع‌ الناس‌ إلي‌ السَّعة‌، ثمّ لم‌ أعلم‌ أحداً من‌ المسلمين‌ عمل‌ بها و لا عاد إليها. فالآن‌ من‌ شاء، نكح‌ بقبضة‌ وفارق‌ عن‌ ثالث‌ بطلاق‌، و قد أصبتُ.

 قلتُ: واعتقتَ الاَمَة‌ إن‌ وضعت‌ ذا بطنها بغير عتاقة‌ سيّدها. قال‌: أَلْحَقْتُ حُرمَةً بِحُرمَةٍ وَ ما أَرَدتُ إلاّ الْخَيْرَ وَأَسْتَغْفِرُاللهَ. [19]

 قلتُ: و تشكو منك‌ نهر الرعيّة‌ و عنف‌ السياق‌. قال‌: فشرع‌ الدرَّة‌ ثمّ مسحها حتّي‌ أتي‌ علی‌ آخرها، ثمّ قال‌: أَنَا زَميلُ مُحَمَّدٍ ـ وَ كانَ زامِلَهُ فِي‌ غَزوَةِ قَرقَرَةِ الْكُدرِ ـ فَوَاللهِ إِنِّي‌ لاَرتِعُ [20] فَأُشْبِعُ، وَ أسْقي‌ فَأَرْوي‌، وَأنْهَزُ الَّلفُوتَ، وَأَزْجُرُ الْعَرُوضَ، وَ أَذُبُّ قَدْري‌، وَ أَسُوقُ خَطْوِي‌، وَ أضُمُّ الْعَنُودَ، وَأُلْحِقُ الْقَطُوفَ، وَ أُكْثِرُ الزَّجْرَ، وَ أُقِلُّ الْضَّرْبَ، وَ أَشْهَرُ الْعَصَا، وَأَدْفَعُ بِالْيَدِ، لَولاَ ذَلِكَ لاَعْذَرتُ.[21]

 قال‌: فبلغ‌ ذلك‌ معاوية‌ فقال‌: كان‌ والله‌ عالماً برعيتهم‌.

 يلاحظ‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ أنّ عمر يبدي‌ رأيه‌ علناً فيمايلي‌:

 أوّلاً يستصوب‌ أحكاماً ابتدعها من‌ نفسه‌ و طبّقها خلافاً لاحكام‌ رسول‌ الله‌، و يقول‌: قد أصبتُ.

 ثانياً: يعتبر نفسه‌ زميل‌ النبي‌ّ أي‌ رديفه‌ و في‌ درجته‌، و يقول‌: أنا لي‌ رأيي‌ كما أنّ للنبيّ رأيه‌ و اجتهاده‌.

 الرجوع الي الفهرس

بعض‌ الاختلافات‌ الموجودة‌ بين‌ الشيعة‌ و السنّة‌ في‌ الاُصول‌ و الفروع‌

 يقول‌ الشيعة‌: ليس‌ هناك‌ أي‌ شي‌ معصوم‌ و يجب‌ تطبيقه‌ ماعدا القرآن‌ و السنّة‌ النبويّة‌. و أمّا أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ فإنّهم‌ معصومون‌. أوّلاً: بسبب‌ الكرامات‌ الصادرة‌ عنهم‌، و عدم‌ وقوعهم‌ في‌ الخبط‌ و الخطأ. ثانياً بسبب‌ النصوص‌ المتواترة‌ المأثورة‌ عن‌ صاحب‌ الشريعة‌ المعصوم‌، إذ اعتبر طاعتهم‌ واجبة‌. أي‌: أنـّهم‌ معصومون‌، و لا ينبغي‌ النظر إلي‌ أحد علی‌ أنـّه‌ مطاع‌، و يجب‌ اتّباعه‌ ما لم‌ يقم‌ الدليل‌ علی‌ ذلك‌.

 كان‌ عمر يعتقد بأنـّه‌ مجتهد، ولكن‌ ما هو الدليل‌ علی‌ وجوب‌ العمل‌ بأوامره‌ ؟ و ما هو السبب‌ الذي‌ يحتّم‌ علی‌ المسلمين‌ اتّباعه‌ في‌ تحريمه‌ متعة‌ الحجّ و متعة‌ النساء ؟ في‌ أيّ آية‌ و في‌ أيّ كلمة‌ من‌ كلمات‌ رسول‌ الله‌، أُوتي‌ مثل‌ هذا الحقّ فينسخ‌ حكم‌ الله‌ ورسوله‌، و يبقي‌ حكمه‌ واجب‌ التطبيق‌ بين‌ المسلمين‌ حتّي‌ يوم‌ القيامة‌ ؟ و الحكم‌ الواجب‌ التطبيق‌ هو الحكم‌ المصون‌ من‌ الخطأ. و بناءً علی‌ لزوم‌ اتّباع‌ الشيخين‌، فلابدّ أن‌ يكونا معصومين‌.

 و العجيب‌ أنّ العامّة‌ لايقرّون‌ بعصمة‌ الائمّة‌. و بعضهم‌ لايقرّ بعصمة‌ النبيّ أيضاً، و بعضهم‌ يقرّ بعصمته‌ في‌ تلقّي‌ القرآن‌ و تبليغه‌ فقط‌ و لا يقرّ بعصمته‌ في‌ سائر أعماله‌. و الروايات‌ الواردة‌ عنهم‌ التي‌ تنسب‌ الخطأ والسهو و النسيان‌ إلي‌ رسول‌ الله‌ كثيرة‌ للغاية‌. حتّي‌ أنّ بعضها يصرّح‌ بأنـّه‌ عند نزول‌ بعض‌ الآيات‌ القرآنيّة‌، يضع‌ الشيطان‌ علی‌ لسانه‌ آية‌ تدعو إلي‌ الصنم‌ تمجيد الاصنام‌، و هو يقرأها علی‌ الناس‌، فينزل‌ علیه‌ جبرئيل‌ وينبّهه‌ علی‌ خطأه‌ ! ولكن‌ مع‌ ذلك‌ فإنّهم‌ عملياً يعتبرون‌ الشيخين‌ معصومين‌ أي‌: أنّ سيرتهم‌ واجبة‌ الاتّباع‌، و هي‌ ناسخة‌ لسيرة‌ النبيّ.

 يقول‌ الشيعة‌: الشيخان‌ غير معصومين‌، بل‌ هما كبقيّة‌ الناس‌ يصدر عنهم‌ الخطأ، و اتّباع‌ سيرتهما اتّباعٌ للخطأ، و نحن‌ نلاحظ‌ أنّ كثيراً من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ قد نزلت‌ في‌ ذمّ بعض‌ الصحابة‌ و توبيخهم‌ و عتابهم‌ ومؤاخذتهم‌. و نقل‌ كبار أهل‌ السنّة‌ روايات‌ تدلّ علی‌ انحراف‌ بعض‌ الصحابة‌، و براءة‌ النبي‌ّ عنهم‌، و عدم‌ قبول‌ شفاعته‌ فيهم‌. بينما نجد أنّ أحداً إذا حمل‌ عنوان‌ «الصحابي‌ّ» فإنـّه‌ يصبح‌ طاهراً مطهّراً، و مبرّاً من‌ كلّ عيب‌ كما ولدته‌ أُمّه‌ ! ألم‌ نر أنّ الاختلافات‌ و المشاجرات‌ و المنازعات‌ جميعها قد وقعت‌ بين‌ الصحابة‌ في‌ عصر النبيّ و ما بعده‌ ؟ فكيف‌ نعتبر الصحابة‌ صالحين‌ و نقبل‌ كلامهم‌ بلانقاش‌ و بدون‌ وعي‌ ؟ الدين‌ الإسلامي‌ّ هو دين‌ العلم‌ و الرؤية‌ الواقعيّة‌، فكيف‌ يمكن‌ أن‌ يأمر باتّباع‌ الباطل‌ و الاخذ بكلام‌ أشخاص‌ مجهولين‌ بلا تحرّ ولا تروّ في‌ غثّه‌ و سمينه‌ ؟

 ألم‌ يصرّح‌ القرآن‌ بقوله‌: وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ [22]و قوله‌: إِنَّ الظَّنَ لاَيُغْنِي‌ مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.[23]

 و جاء في‌ الحديث‌ الصحيح‌ عن‌ العامّة‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ قال‌: إذا كان‌ يوم‌ القيامة‌ بَينَا أنا قَائِمٌ إذَا زُمرَةٌ حَتَّي‌ إذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِن‌ بَيني‌ وَ بَيْنَهُم‌، فَقَالَ: هَلُمَّ. فَقُلتُ: أَيْنَ ؟ قَالَ: إِلَي‌ النّارِ وَاللهِ، قُلْتُ وَ مَاشَأنُهُمْ ؟ قَالَ: ارْتَدُّوا علی‌ أَدْبَارِهِمُ الْقَهقَري‌، ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتّي‌ إذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِن‌ بَيني‌ وَ بَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، قُلْتُ: أَيْنَ ؟ قَالَ: إِلَي‌ النّارِ وَاللهِ. قُلْتُ: ما شَأنُهُمْ ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا علی‌ أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَري‌، فَلا أَراهُ يَخْلُصُ إلاّ مِثْلُ هَمَلِ الْنَّعَمِ [24]

 يقول‌ العلاّمة‌ الامينيّ: قال‌ القسطلانيّ في‌ «شرح‌ صحيح‌ البخاريّ» ج‌9، ص‌ 325: هَمَل‌: ضوالّ الإبل‌، أو الإبل‌ بلا راع‌... يعني‌: أنّ الناجي‌ منهم‌ قليل‌ في‌ قلّة‌ النعم‌ الضالّة‌.[25]

 و يقول‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ في‌ تفسيره‌: وَ فِي‌ الصحيحَينِ عَنْ أَبي‌هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ ] وآلِهِ [ وَسَلَّمَ قَالَ: يَرِدُ علی‌َّ يَوْمَ الْقِيامَةِ رَهْطٌ مِن‌ أصْحابي‌ (أو قَالَ: مِنْ أُمَّتِي‌) فَيُحَلَّئونَ عَنِ الْحَوضِ فَأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابي‌، فَيَقُولُ: لاعِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، ارْتَدُّوا علی‌ أَعْقَابِهِمُ الْقَهْقَري‌ فَيُحَلَّئُونَ.[26]

 ينقل‌ العلاّمة‌ الامينيّ في‌ المجلّد الثالث‌ من‌ «الغدير»[27] أحاديث‌ كثيرة‌ عن‌ صحاح‌ العامّة‌ في‌ هذا الموضوع‌. و ينقل‌ العلاّمة‌ المجلسيّ في‌ المجلّد الثامن‌ من‌ «بحار الانوار» أخبار كثيرة‌ عن‌ البخاريّ و مسلم‌ وآخرين‌ غيرهم‌ بشأن‌ انحراف‌ الصحابة‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌.[28]و يروي‌ الكلينيّ في‌ «روضة‌ الكافي‌» بإسناده‌ المتّصل‌ عن‌ زرارة‌، عن‌ إمام‌ الباقر أو إمام‌ الصادق‌ علیهما السلام‌ أنـّه‌ قال‌: أَصبَحَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَئيباً حَزيناً، فَقَالَ لَهُ علی علیهِ السَّلامُ: مَالي‌ أراكَ يَا رَسُولَاللهِ كَئيباً حَزيناً ؟ فَقَالَ: وَ كَيْفَ لاأكون‌ كَذَلِكَ وَ لَقَدْ رَأَيتُ فِي‌ لَيْلَتي‌ هَذِهِ أَنَّ بَني‌ تَيمٍ وَ بَني‌ عَديٍّ وَ بَني‌ أُمَيَّةَ يَصْعَدُونَ مِنْبَري‌ هَذَا يَرُدُّونَ النَّاسَ عَنِ الإسلامِ الْقَهْقَرَي‌، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ فِي‌ حَيَاتِي‌ أَو بَعْدَ مَوتِي‌ ؟ فَقَالَ: بَعْدَ مَوْتِكَ. [29]

 لَولاَ أكْرَهُ أَن‌ يُقَالَ: إنَّ مُحَمَّداً اسْتَعَانَ بِقَوْمٍ حَتَّي‌ إذَا ظَفَرُوا بِعَدُوِّهِ قَتَلَهُمْ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَ قَومٍ كَثيرٍ. [30]

 الرجوع الي الفهرس

إنحراف‌ بعض‌ الصحابة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌

 فهذه‌ الاحاديث‌ التي‌ ذكرناها بوصفها نماذج‌ علی‌ ما نقول‌ تدلّ علی‌ أنّ بعض‌ الصحابة‌ لم‌ يؤمنوا و لم‌ يسلّموا تسليماً حقيقيّاً، و كان‌ بينهم‌ متمرّدون‌ و مخالفون‌ كثيرون‌. و لمّا حصر القرآن‌ الكريم‌ و السنّة‌ النبويّة‌ شرط‌ العمل‌ بكلام‌ أحد بالعلم‌ بصحّته‌ و موضوعيّته‌ و حقيقته‌، لذلك‌ ينبغي‌ التروّي‌ و التأمّل‌ في‌ عمل‌ الصحابة‌ و نهجهم‌. فمن‌ كان‌ منهم‌ من‌ أهل‌ التقوي‌ و العمل‌ الصالح‌ و التسليم‌ لله‌ و رسوله‌، يؤخذ بما يرويه‌ عن‌ رسول‌الله‌، ويقبل‌ كلامه‌ المطابق‌ للكتاب‌ و السنّة‌. و أمّا الذين‌ لم‌ يسلّموا لله‌ ورسوله‌، وصدر منهم‌ ما خالف‌ النبيّ في‌ حياته‌ و بعد مماته‌. فلا يؤخذ بحديثهم‌ و لا يقبل‌ كلامهم‌، و إلاّ فالامر يتحوّل‌ إلي‌ اتّباع‌ الباطل‌، و هو ما منع‌ منه‌ القرآن‌ بصريح‌ آياته‌.

 فهذا هو اختلاف‌ الشيعة‌ مع‌ العامّة‌ في‌ الاُصول‌.

 الرجوع الي الفهرس

 اختلاف‌ الشيعة‌ مع‌ العامّة‌ في‌ الفروع‌

 و أمّا سبب‌ اختلاف‌ الشيعة‌ مع‌ العامّة‌ في‌ الفروع‌ فهو أنّ العامّة‌ يقولون‌ بوجوب‌ اتّباع‌ أحد رؤوساء المذاهب‌ الاربعة‌ في‌ العمل‌ بالاحكام‌، أمّا اتّباع‌ أبي‌ حنيفة‌، أو الشافعيّ، أو مالك‌، أو أحمد بن‌ حنبل‌. و لا تجزي‌ آراء غيرهم‌.

 امّا الشيعة‌ فيقولون‌: نزل‌ القرآن‌ لجميع‌ الناس‌، و لهم‌ جميعاً حقّ الإفادة‌ منه‌، و نبيّنا الاكرم‌ هو واسطة‌ الوحي‌ من‌ أجل‌ إفادة‌ الناس‌. قال‌تعالي‌: وَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. [31]

 الرجوع الي الفهرس

الشيعة‌ فتحوا باب‌ الاجتهاد و أهل‌ السنّة‌ أقفلوه‌

 كلام‌ الرسول‌ و السنّة‌ النبوّية‌ الشريفة‌ أيضاً حجّة‌ علی‌ كلّ إنسان‌ عاقل‌. فما هو السبب‌ الذي‌ يجعل‌ المسلمين‌ غير قادرين‌ علی‌ الرجوع‌ إلي‌ الكتاب‌ و السنّة‌ و الإفادة‌ منهما في‌ الحكم‌ الشرعي‌ّ، و من‌ ثمّ يظلّ باب‌ الاجتهاد موصداً ؟ أليس‌ الدين‌ الإسلاميّ هو دين‌ العلم‌ ؟ هل‌ وجب‌ التقليد علی‌ جميع‌ الناس‌ إلاّ علی‌ هؤلاء الاربعة‌ ؟ أليس‌ من‌ الممكن‌ أن‌ يرتقي‌ أحد المسلمين‌ في‌ مدارج‌ العلم‌ أكثر من‌ كلّ واحد من‌ هؤلاء الاربعة‌، و ذلك‌ من‌ خلال‌ السعي‌ الجادّ في‌ طلب‌ العلم‌ و التنقيب‌ في‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ و السيرة‌ النبويّة‌ للظفر بالمطلوب‌ ! ما هو المجوّز العقليّ الذي‌ يدعو هذا الإنسان‌ إلي‌ تقليد هؤلاء فقط‌، و يحرم‌ من‌ حقّ الإفتاء خلاف‌ فتاواهم‌، و يطوّق‌ نفسه‌ والآخرين‌ بفتاواهم‌ دون‌ غيرهم‌ ؟ هذا المنطق‌ هو خلاف‌ منطق‌ الفطرة‌ وحكم‌ العقل‌ حكم‌ مستقلّ.

 إنّ الاقتصار علی‌ هذه‌ المذاهب‌ الاربعة‌ فقط‌ يعني‌ أنّ علی‌ كلّ مسلم‌ أن‌ يسأل‌ أي‌ّ واحد منهم‌ عن‌ معني‌ قوله‌ تعالي‌: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا و أن‌ يجعل‌ كلام‌ كلّ واحد منهم‌ معياراً في‌ العمل‌ بكلّ آية‌ من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ وكلّ كلمة‌ من‌ كلمات‌ الرسول‌ الاعظم‌، فهل‌ هؤلاء الاربعة‌ معصومون‌، ولاخطأ في‌ كلامهم‌ ؟ و لو كان‌ الامر كذلك‌، فلماذا صارت‌ المذاهب‌ أربعة‌ وتفرّقت‌ الكلمة‌ الواحدة‌ إلي‌ أربع‌ ؟ الدين‌ دين‌ واحد، و هذا الاختلاف‌ خير دليل‌ علی‌ عدم‌ عصمتهم‌. مضافاً إلي‌ ذلك‌ فبالعلم‌ الإجماليّ القطعيّ يتّضح‌ أنّ هذه‌ الآراء و الفتاوي‌ إمّا باطلة‌ جميعها أو بعضها، و وجوب‌ اتّباع‌ أحدها يعني‌ اتّباع‌ أمر محتمل‌ الخطأ، و هذا حكم‌ معارض‌ لحكم‌ العقل‌. وكلّ شخص‌ يمكنه‌ اتّباع‌ كتاب‌ الله‌ و سنّة‌ رسوله‌ بعقله‌ و علمه‌ علی‌ نحو مستقلّ. و أنّ عدم‌ جواز الاجتهاد بشكل‌ مطلق‌ و حصره‌ في‌ نطاق‌ أحد المذاهب‌ الاربعة‌ يعني‌ الحكم‌ بوجوب‌ اتّباع‌ الخطأ. و لمّا كانوا هؤلاء الاربعة‌ غير معصومين‌ من‌ الخطأ، و لم‌ يقل‌ أحد بعصمتهم‌، لذلك‌ فإنّ باب‌ الاجتهاد المطلق‌ ـ بدون‌ أن‌ يكون‌ محدوداً بآراء هؤلاء الاربعة‌ و فتاواهم‌ ـ مفتوح‌ للمسلمين‌ كافّة‌ حتّي‌ يوم‌ القيامة‌. و هذا هو الكلام‌ الصريح‌ الذي‌ قاله‌ الشيعة‌، و ليس‌ فيه‌ أيّ مجال‌ للإشكال‌ و الإبهام‌، و ليس‌ بمقدور أحد من‌ العامّة‌ دحضه‌ و تفنيده‌.

 الرجوع الي الفهرس

نصّ الفتوي‌ التي‌ أصدرها الشيخ‌ شلتوت‌ في‌ جواز التعبّد بمذهب‌ الشيعة‌

 إنّ الكتاب‌ المعروف‌ الذي‌ ألّفه‌ علاّمة‌ العصر السيّد عبدالحسين‌ شرف‌ الدين‌ تحت‌ عنوان‌: «النَّصّ والاجتهاد» [32]من‌ الكتب‌ النفيسة‌ و القيّمة‌ جدّاً. و لعلّ مطالعة‌ هذا الكتاب‌ مقرونة‌ بجهود المرحوم‌ آية‌ الله‌ البروجرديّ، هي‌ التي‌ دفعت‌ المفتي‌ الاعظم‌ في‌ مصر و رئيس‌ جامعة‌ الازهر الشيخ‌ محمود شلتوت‌ أن‌ يصدر فتواه‌ العالميّة‌ الشهيرة‌ بجواز التعبّد بفقه‌ الشيعة‌ إماميّة‌، و فيما يليّ نصّ الفتوي‌:

بسم‌ الله‌ الرَّحمن‌ الرَّحيم‌

متن‌ الفتوي‌

التي‌ أصدرها السيِّد صاحب‌ الفضيلة‌ الاُستاذ الاكبر

الشيخ‌ محمود شلتوت‌ شيخ‌ الجامع‌ الازهر

في‌ شأن‌ جواز التعبّد بمذهب‌ الشيعة‌ إماميّة‌

 قيل‌ لفضيلته‌: إنّ بعض‌ الناس‌ يري‌ أنـّه‌ يجب‌ علی‌ المسلم‌ لكي‌ تقع‌ عباداته‌ و معاملاته‌ علی‌ وجه‌ صحيح‌ أن‌ يقلّد أحد المذاهب‌ الاربعة‌ المعروفة‌ و ليس‌ من‌ بينها مذهب‌ الشيعة‌ إماميّة‌ و لا الشيعة‌ الزيديّة‌، فهل‌ توافقون‌ فضيلتكم‌ علی‌ هذا الرأي‌ علی‌ إطلاقه‌ فتمنعون‌ تقليد الشيعة‌ إماميّة‌ الاثني‌ عشريّة‌ مثلاً.

 فأجاب‌ فضيلته‌:

 1 ـ إنّ الإسلام‌ لا يوجب‌ علی‌ أحد من‌ أتباعه‌ اتّباع‌ مذهب‌ معيّن‌. بل‌ نقول‌: إنّ لكلّ مسلمٍ الحقَّ في‌ أن‌ يقلّد بادي‌ ذي‌ بدءٍ أي‌َّ مذهب‌ من‌ المذاهب‌ المنقولة‌ نقلاً صحيحاً و المدوّنة‌ أحكامها في‌ كتبها الخاصّة‌، ولمن‌ قلّد مذهباً من‌ هذه‌ المذاهب‌ أن‌ ينتقل‌ إلي‌ غيره‌ أي‌ّ مذهب‌ كان‌ و لا حرج‌ علیه‌ في‌ شي‌ءٍ من‌ ذلك‌.

 2 ـ إنّ مذهب‌ الجعفريّة‌ المعروف‌ بمذهب‌ الشيعة‌ إماميّة‌ الاثني‌ عشريّة‌ مذهب‌ يجوز التعبّد به‌ شرعاً كسائر مذاهب‌ أهل‌ السنّة‌.

 فينبغي‌ للمسلمين‌ أن‌ يعرفوا ذلك‌ و أن‌ يتخلَّصوا من‌ العصبيّة‌ بغير الحقّ لمذاهب‌ معيّنة‌. فما كان‌ دين‌ الله‌ و ما كانت‌ شريعته‌ بتابعة‌ لمذهب‌ أو مقصورة‌ علی‌ مذهب‌. فالكلّ مجتهدون‌ مقبولون‌ عند الله‌ تعالي‌، يجوز لمن‌ ليس‌ أهلاً للنظر و الاجتهاد تقليدهم‌ و العمل‌ بما يقرّرونه‌ في‌ فقههم‌ ولا فرق‌ في‌ ذلك‌ بين‌ العبادات‌ و المعاملات‌.

 محمود شلتوت‌

 

 السيّد صاحب‌ السماحة‌ العلاّمة‌ الجليل‌ الاُستاذ محمّد تقي‌ القمّي‌ّ السّكرتير العامّ لجماعة‌ التقريب‌ بين‌ المذاهب‌ الإسلاميّة‌ ! سلام‌ الله‌ علیكم‌ و رحمته‌.

 أمّا بعد فيسرّني‌ أن‌ أبعث‌ إلي‌ سماحتكم‌ بصورة‌ موقّع‌ علیها إمضائي‌ من‌ الفتوي‌ التي‌ أصدرتها في‌ شأن‌ جواز التَّعبُّد بمذهب‌ الشيعة‌ إماميّة‌ راجياً أن‌ تحفظوها في‌ سجلاّت‌ دار التقريب‌ بين‌ المذاهب‌ الإسلاميّة‌ التي‌ أسهَمنا معكم‌ في‌ تأسيسها و وفّقنا الله‌ لتحقيق‌ رسالتها، و السلام‌ علیكم‌ ورحمة‌ الله‌.

 شيخ‌ الجامع‌ الازهر

 محمود شلتوت‌  

 هذه‌ صورة‌ الفتوي‌ وأُذيعت‌ من‌ دار التقريب‌ بالقاهرة‌ في‌ 17 ربيع‌ الاوّل‌ 1378 ه. [33]

 أي‌ّ عاقل‌ يمكن‌ أن‌ يظلّ مصرّاً علی‌ اتّباع‌ أحد المذاهب‌ الاربعة‌ فقط‌! مع‌ أنّ فتاوي‌ هؤلاء الائمّة‌ الاربعة‌ المعروفين‌ [34]و بعضها قد بلغ‌ في‌ عدم‌ القبول‌ درجة‌ لايمكن‌ أن‌ يقرّ به‌ كلّ إنسان‌ له‌ ذوق‌ سليم‌. فعندما يجيز مالك‌ وط‌ء الغلام‌، و يبيح‌ الشافعيّ الشطرنج‌، و يجيز الزواج‌ من‌ البنت‌ المخلوقة‌ من‌ ماء الزنا، و يجيز أبو حنيفة‌ شرب‌ النبيذ. و لا يوجب‌ إقامة‌ الحدّ علی‌ اللواط‌، و كذلك‌ لايوجب‌ حدّ الزنا علی‌ مَن‌ جامع‌ أُمّه‌، أو بنته‌ التي‌ عقد علیها، و كان‌ عقده‌ باطلاً. وعندما لا يري‌ أحمد بن‌ حنبل‌ مانعاً من‌ استعمال‌ الحشيش‌ و غيره‌ من‌ المخدِّرات‌، فعلی‌ الإسلام‌ السلام‌ !

 الرجوع الي الفهرس

لم‌ ينقل‌ البخاريّ رواية‌ واحدة‌ عن‌ إمام‌ جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌

 العجيب‌ أنّ العامّة‌ يقولون‌: لايمكن‌ أن‌ نتجاوز فتاوي‌ هؤلاء الاربعة‌ و حقيقة‌ هذا الكلام‌ هي‌ القول‌ بعصمتهم‌. بَيدَ أنـّهم‌ لايقولون‌ بعصمة‌ الائمّة‌ الطاهرين‌ و هم‌ معدن‌ العلم‌ و أهل‌ بيت‌ الوحي‌. يقول‌ البخاريّ: كنت‌ أُصلي‌ ركعتين‌ قبل‌ أن‌ أدوّن‌ كلّ رواية‌ في‌ صحيحي‌. بَيدَ أنـّه‌ لم‌ ينقل‌ في‌ صحيحه‌ المفصّل‌ و الضخم‌ رواية‌ واحدة‌ عن‌ إمام‌ جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌. ويقول‌ في‌ هذا المجال‌: لم‌ أنقل‌ رواية‌ عن‌ جعفربن‌ محمّد لانّ في‌ النفس‌ شيئاً منه‌. أي‌: يخامرني‌ شكّ فيه‌.

 الرجوع الي الفهرس

تشيّع‌ السلطان‌ محمّد خدابنده‌ علی‌ يد العلاّمة‌ الحلّيّ

 هذا الاُسلوب‌ قد لفت‌ أنظار الناس‌ شيئاً فشيئاً إلي‌ حقيقة‌ معيّنة‌، وزاد العامّة‌ نفوراً من‌ المذهب‌ غير الصحيح‌، و قرّبهم‌ إلي‌ مذهب‌ أهل‌ البيت‌ أكثر فأكثر. و نأمل‌ أن‌ يسمح‌ ذوو العلاقة‌ بدخول‌ كتب‌ الشيعة‌ إلي‌ المناطق‌ السنّية‌، فيعود الجميع‌ إلي‌ دين‌ الحقّ، و يقرّوا بهذا المذهب‌ الطاهر. و لو انكشف‌ الحقّ فإنّ النزيهين‌ الباحثين‌ عن‌ الحقيقة‌ سوف‌ يقرّون‌ به‌ بكلّ رغبة‌ و رحب‌، كما أقرّ السلطان‌ محمّد خدابنده‌ بمذهب‌ الشيعة‌ بعد أن‌ كان‌ حنفيّاً و ذلك‌ علی‌ أثر مناظرات‌ العلاّمة‌ الحلّيّ مع‌ نظام‌ الدين‌ عبدالملك‌ الشافعي‌. فعرف‌ الحقّ و استبصر مذهب‌ أهل‌ البيت‌ في‌ تلك‌ الجلسات‌ التي‌ جرت‌ فيها المناظرات‌.

 و خلاصة‌ هذه‌ القصّة‌ هي‌ بالشكل‌ التالي‌: كان‌ غازان‌ خان‌ بن‌ أرغون‌ خان‌ بن‌ آباقاخان‌ بن‌ هولاكوخان‌ بن‌ تولي‌ خان‌ بن‌ جنگيزخان‌ المعروف‌ ببغداد سند 702 ه. فاتّفق‌ أنّ سيّداً علوّياً صلّي‌ الجمعة‌ في‌ يوم‌ الجمعة‌ في‌ الجامع‌ ببغداد مع‌ أهل‌ السنّة‌، ثمّ قام‌ و صلّي‌ الظهر منفرداً، فتفطّنوا أنـّه‌ شيعيّ فقتلوه‌. فشكا أقاربه‌ إلي‌ السلطان‌، فانكسر خاطره‌ و أظهر الملالة‌ من‌ أنـّه‌ لمجرّد إعادة‌ الصلاة‌ يُقتل‌ رجل‌ من‌ أولاد الرسول‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌. ولم‌ يكن‌ له‌ علم‌ بالمذاهب‌ الإسلاميّة‌ فقام‌ يتفحّص‌ عنها.

 و كان‌ في‌ أُمرائه‌ جماعة‌ متشيّعون‌ منهم‌ أمير طرمطاربن‌ مانجوبخشي‌، و كان‌ في‌ خدمة‌ السلطان‌ من‌ صغره‌، و كان‌ له‌ وجه‌ عنده‌. وكان‌ يستنصر مذهب‌ التشيّع‌. و لمّا رآه‌ مغضباً علی‌ أهل‌ السنّة‌، انتهز الفرصة‌ و رغّبه‌ في‌ مذهب‌ التشيّع‌، فمال‌ إليه‌، و قام‌ في‌ تربية‌ السادة‌، وعمارة‌ مشاهد الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ إلي‌ أن‌ توفّي‌. و قام‌ بالسلطنة‌ أخوه‌ السلطان‌ محمّد المعروف‌ بشاه‌ خدابنده‌، و كان‌ اسمه‌ في‌ السابق‌ الجايتو. وصار مائلاً إلي‌ الحنفيّة‌ بإغواء جمع‌ من‌ علمائهم‌، فكان‌ يكرّمهم‌ ويوقّرهم‌. فكانوا يتعصّبون‌ لمذهبهم‌ و كان‌ وزيره‌ خواجه‌ رشيد الدين‌ الشافعي‌ّ ملولاً من‌ ذلك‌، ولكن‌ لم‌ يكن‌ قادراً علی‌ التكلّم‌ بشي‌ء مقابل‌ السلطان‌.

 إلي‌ أن‌ جاء قاضي‌ نظام‌ الدين‌ عبدالملك‌ من‌ مراغة‌ إلي‌ خدمة‌ السلطان‌. و كان‌ ماهراً في‌ المعقول‌ و المنقول‌. فجعله‌ قاضي‌ القضاة‌ لتمام‌ ممالكه‌. فجعل‌ يناظر علماء الحنفيّة‌ في‌ محضر السلطان‌ في‌ مجالس‌ عديدة‌، فيُعجزهم‌. فمال‌ السلطان‌ إلي‌ مذهب‌ الشافعيّة‌. و نقل‌ الحكاية‌ المشهورة‌ لقتل‌ السيّد العلويّ لإعادته‌ الصلاة‌ لمحضر السلطان‌ في‌ الصلاة‌. فسأل‌ السلطان‌ العلاّمة‌ قطب‌ الدين‌ الشيرازيّ ـ و هو أحد علماء الشافعيّة‌ ـ إن‌ أراد الحنفي‌ّ أن‌ يصير شافعيّاً فما له‌ أن‌ يفعل‌ ؟ فقال‌: هذا سهل‌، يقول‌: لاَ اِلَهَ إلاّ اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ.

 و في‌ سنة‌ 709 أتي‌ ابن‌ صدر جهان‌ الحنفيّ من‌ بخاري‌ إلي‌ خدمة‌ السلطان‌ و هو من‌ العلماء المشهورين‌ فشكا إليه‌ حنفيّةُ بغداد من‌ القاضي‌ نظام‌ الدين‌ و أنـّه‌ أذلّنا عند السلطان‌ وأُمرائه‌. فألطف‌ بهم‌ و وعدهم‌ إن‌ كان‌ في‌ يوم‌ الجمعة‌ في‌ محضر السلطان‌، سأل‌ القاضي‌ مستهزئاً عن‌ جواز نكاح‌ البنت‌ المخلوقة‌ من‌ ماء الزنا علی‌ مذهب‌ الشافعيّ. فعند مجي‌ء يوم‌ الجمعة‌ سأله‌ عن‌ تلك‌ المسألة‌. فقال‌ القاضي‌ بلا مهل‌ أنـّه‌ معارض‌ بمسألة‌ نكاح‌ الاُخت‌ و الاُمّ في‌ مذهب‌ الحنفيّة‌. فطال‌ بحثهما و آل‌ إلي‌ الافتضاح‌. و أنكر ابن‌ صدر الحنفيّ ذلك‌، فقرأ القاضي‌ من‌ منظومة‌ أبي‌ حنيفة‌:

 وَ لَيْسَ فِي‌ لِواطِهِ مِن‌ حَدِّ                                  وَ لاَ بِوَط‌ءِ الاُختِ بَعْدَ الْعَقدِ

 فأُفحموا و سكتوا، و ملّ السلطان‌ و أُمراؤه‌ و ندموا علی‌ أخذهم‌ دين‌ الإسلام‌ و قام‌ السلطان‌ مغضباً. و كان‌ الاُمراء يقول‌ بعضهم‌ لبعض‌. ما فعلنا بأنفسنا ؟ تركنا مذهب‌ آبائنا و أخذنا دين‌ العرب‌ المنشعب‌ إلي‌ مذاهب‌ وفيها نكاح‌ الاُمّ و الاُخت‌ و البنت‌، فكان‌ لنا أن‌ نرجع‌ إلي‌ دين‌ أسلافنا.

 وانتشر الخبر في‌ ممالك‌ السلطان‌، كان‌ الناس‌ إذا رأوا عالماً أو مشتغلاً يسخرون‌ منه‌ و يستهزؤن‌ به‌ ويسألونه‌ عن‌ هذه‌ المسائل‌. فلمّا رأي‌ أميرطرمطار تحيّر السلطان‌ في‌ أمره‌، قال‌ له‌: إنّ السّلطان‌ غازان‌ خان‌ كان‌ أعقل‌ الناس‌ و أكملهم‌، و لمّا وقف‌ علی‌ قبائح‌ أهل‌ السنّة‌، مال‌ إلي‌ مذهب‌ التشيّع‌ و لابدّ أن‌ يختاره‌ السلطان‌. فقال‌: ما مذهب‌ الشيعة‌ ! قال‌ أمير طرمطار: المذهب‌ المشهور بالرفض‌. فصاح‌ علیه‌ السلطان‌: يا شقي‌ّ، تريد أن‌ تجعلني‌ رافضيّاً ؟ فأقبل‌ الامير يزيّن‌ مذهب‌ الشيعة‌ و يذكر محاسنه‌ له‌ إلي‌ أن‌ مال‌ السلطان‌ إلي‌ التشيّع‌ بعد ثلاثة‌ أشهر من‌ التشتّت‌ و الاضطراب‌ وسافر إلي‌ النجف‌ الاشرف‌. و تفقّد وضع‌ السادة‌ و العلماء هناك‌ ممّا زاد في‌ محبّته‌. و كتب‌ إلي‌ وزيره‌ رشيد الدين‌ من‌ هناك‌ يطلب‌ منه‌ إحضار أئمّة‌ الشيعة‌. فأحضر رشيد الدين‌ العلاّمة‌ الحلّيّ جمال‌ الدين‌ الحسن‌ بن‌ يوسف‌ بن‌ علی‌ّ بن‌ المطهّر، و ولده‌ فخر المحقّقين‌ إلي‌ بغداد و كان‌ مع‌ العلاّمة‌ من‌ تأليفاته‌ كتاب‌ «نهج‌ الحقّ و كشف‌ الصدق‌» و كتاب‌ «منهاج‌ الكرامة‌» فأهداهما إلي‌ السلطان‌، و صار مورداً للالطاف‌ و المراحم‌، فأمر السلطان‌ قاضي‌ القضاة‌ نظام‌ الدين‌ عبدالملك‌، و هو أفضل‌ علماء زمانهم‌، أن‌ يناظر آية‌ الله‌ العلاّمة‌. و هيّأ مجلساً عظيماً مشحوناً بالعلماء و الفضلاء فأثبت‌ العلاّمة‌ بالبراهين‌ القاطعة‌ و الدلائل‌ الساطعة‌ خلافة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌السلام‌ بعد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ بلافصل‌، وأبطل‌ خلافة‌ الخلفاء الثلاثة‌ بحيث‌ لم‌ يبق‌ للقاضي‌ مجال‌ مدافعة‌ و إنكار، بل‌ شرع‌ في‌ مدح‌ العلاّمة‌ و استحسن‌ أدلّته‌ و قال‌ في‌ آخر الكلام‌: غير أنـّه‌ لمّا سلك‌ السّلف‌ سبيلاً، فاللازم‌ علی‌ الخلف‌ أن‌ يسلكوا سبيلهم‌ لإلجام‌ العوامّ و دفع‌ تفرّق‌ كلمة‌ الإسلام‌، و يستر زلاّتهم‌ (الصحابة‌) و يسكت‌ في‌ الظاهر من‌ الطعن‌ علیهم‌. و علی‌ أثر هذه‌ المناظرة‌ و وهن‌ دلائل‌ السنّة‌ و قوّة‌ أدلّة‌ العلاّمة‌ لإثبات‌ مذهب‌ الحقّ دخل‌ السلطانُ و أكثر أُمرائه‌ في‌ ذلك‌ المجلس‌ في‌ مذهب‌ إماميّة‌ بلا مهل‌، و تابوا من‌ البدع‌ التي‌ كانوا علیها. و أمر السلطان‌ في‌ تمام‌ ممالكه‌ بتغيير الخطبة‌ و إسقاط‌ أسامي‌ الخلفاء الثلاثة‌ عنها، و بذكر أسامي‌ أميرالمومنين‌ و سائر الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ علی‌ المنابر وبذكر حَي‌َّ علی‌ خَيْرِ الْعَمَلِ في‌ الاذان‌، و بتغيير السكّة‌ و نقش‌ الاسامي‌ المباركة‌ علیها.

 و لمّا انقضي‌ مجلس‌ المناظرة‌، خطب‌ العلاّمة‌ خطبة‌ بليغة‌ شافية‌ وحمد الله‌ تعالي‌ و أثني‌ علیه‌، و صلّي‌ علی‌ النبي‌ّ المصطفي‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ و علی‌ علی‌ّ المرتضي‌ و أولاده‌ المعصومين‌ من‌ آل‌ النبيّ. فقال‌ السيّد ركن‌ الدين‌ الموصلي‌ّ الذي‌ كان‌ ينتظر عثرة‌ منه‌، و لم‌ يعثر علیها: ما الدليل‌ علی‌ جواز الصلاة‌ علی‌ غير الانبياء، فقرأ العلاّمة‌ قوله‌ تعالي‌: الَّذِينَ إِذَآ أَصَـ'بَتْهُم‌ مُّصِيبَةٌ قَالُو´ا إِنَّا لِلَهِ وَ إِنَّآ إِلَيْهِ رَ ' جِعُونَ أُولَـ'´نءِكَ علیهِمْ صَلَوَ ' تٌ مِّنْ رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولَـ'´نءِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ. [35]فقال‌ السيّد الموصلي‌ّ: ما الذي‌ أصاب‌ علیاً و أولاده‌ من‌ المصيبة‌ حتّي‌ استوجبوا الصلاة‌ علیهم‌. فعدّ العلاّمة‌ بعض‌ مصائبهم‌، ثمّ قال‌: أي‌ّ مصيبة‌ أعظم‌ علیهم‌ من‌ أن‌ يكون‌ مثلك‌ تدّعي‌ أنـّك‌ من‌ أولادهم‌، ثمّ تسلك‌ سبيل‌ مخالفيهم‌ و تفضّل‌ بعض‌ المنافقين‌ علیهم‌، و تزعم‌ الكمال‌ في‌ شرذمة‌ من‌ الجهّال‌. فاستحسنه‌ الحاضرون‌ وضحكوا علی‌ السيّد الموصليّ. فأنشد بعضُ من‌ حضر:

إِذَا الْعَلَويُّ تابَعَ ناصِبيّاً                             لِمَذهَبِهِ فَما هُوَ مِن‌ أبيهِ

وَ كانَ الْكَلْبُ خَيْراً مِنْهُ طَبْعاً                                 لاِنَّ الْكَلْبَ طَبْعُ أبيهِ فيهِ[36]

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الا´ية‌ 80، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[2] ـ يبدو أنـّه‌ ليس‌ لهذه‌ المصطلحات‌ تاريخ‌ محدّد، ولكنّ مصطلح‌ الجماعة‌ شاع‌ بعد الصلح‌ مع‌ معاوية‌، و مصطلح‌ أهل‌ السنّة‌ عرف‌ في‌ عصر الاشعريّ. و بإمعان‌ أكثر، يمكن‌ القول‌ بأنّ مصطلح‌ أهل‌ السنّة‌ وضع‌ في‌ البداية‌ مقابل‌ المعتزلة‌ الذين‌ يذهبون‌ إلی‌ حجّيّة‌ ï ïالعقل‌، علي‌ عكس‌ الجماعة‌ و الجمهور الذين‌ كانوا من‌ أهل‌ التعبّد البحت‌. و شاع‌ هذا المصطلح‌ منذ القرن‌ الثاني‌، أو منذ أواخر القرن‌ الاوّل‌ علي‌ نحو الاحتمال‌. و ما شاع‌ منذ عصر الاشعريّ هو مصطلح‌ الاشاعرة‌ الذي‌ أُطلق‌ علي‌ أهل‌ السنّة‌ و الجماعة‌. أمّا مصطلح‌ السنّة‌ في‌ مقابل‌ الشيعة‌ فقد كان‌ بعد أُفول‌ نجم‌ المعتزلة‌ في‌ القرن‌ الثالث‌ و بقاء الشيعة‌ فقط‌ من‌ أصحاب‌ العدل‌ و العقل‌. و يبدو أنّ مصطلح‌ الجماعة‌ قد ظهر منذ ذلك‌ الوقت‌ الذي‌ ظهر فيه‌ مصطلح‌ السنّة‌ أيضاً. و لم‌ ترد علي‌ لسان‌ الائمّة‌ الاطهار عليهم‌ السلام‌ كلمة‌ «السُّنَة‌» في‌ مقابل‌ «الشيعة‌».

[3] ـ الا´ية‌ 27، من‌ السورة‌ 38: ص‌.

[4] ـ الا´ية‌ 120، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[5] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 2.

[6] ـ «بحار الانوار» ج‌ 15، كتاب‌ الإيمان‌، ص‌ 127.

[7] 2 ـ نفس‌ المصدرالسابق‌.

[8] 3 ـ نفس‌ المصدر السابق‌.

[9] ـ «بحار الانوار» جلد 15، كتاب‌ الإيمان‌ ص‌ 115. و جاء في‌ كتاب‌ «الصواعق‌ المحرقة‌» ص‌ 79: و من‌ كلام‌ الشافعيّ رضي‌ الله‌ عنه‌:

 قَالُوا تَرَفَّضْتَ قُلتُ كَلاّ وَ مَا الرَّفضُ دِيني‌ وَ لا اعْتِقَادي‌

 لَكِن‌ تَوَلّيتُ غَيرَ شَكٍّ خَيرَ إمَامٍ وَ خَيْرَ هَادي‌ ï ïإن‌ كَانَ حُبُّ الْوَلِي‌ِّ رَفْضاً فَإنَّني‌ أَرفَضُ الْعِبَادِ

 و قال‌ أيضاً رضي‌ الله‌ عنه‌:

 يَا رَاكِباً قِفْ بِالْمُحَصَّبِ مِن‌ مِني‌ وَاهْتِف‌ بِسَاكِنِ خَيْفِهَا وَالنَّاهِض‌

 سَحَراً إذَا فَاضَ الْحَجيجُ إلی‌ مِني‌ فَيْضاً كَمُلتَطِمِ الْفُراتِ الْفَائِض‌

 إن‌ كَانَ رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ فَلْيَشهَدِ الثَّقَلانِ أنـِّي‌ رَافِضي‌

[10] ـ التفسير المنسوب‌ إلی‌ إمام‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌، ص‌ 310.

[11] ـ أي‌ إنـّنا هؤلاء من‌ أهل‌ الجنّةِ يقيناً.

[12] ـ «الموطّأ» ج‌ 2، ص‌ 20 ـ 21، كتاب‌ الجهاد، طبع‌ مصر، دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌ صحيح‌ و تعليق‌ محمّد فؤاد عبدالباقيّ. و كذلك‌ نقل‌ صاحب‌ «تنوير الحوالك‌» الذي‌ يضمّ في‌ متنه‌ موطّأ مالك‌، هذا الحديث‌ في‌ المتن‌ في‌ ص‌ 18، من‌ الجزء الثاني‌ من‌ الكتاب‌.

[13] ـ «بحار الانوار» ج‌ 1، كتاب‌ الاخلاق‌، ص‌ 18. عن‌ «أُصول‌ الكافي‌» الكلينيّ رضوان‌الله‌ عليه‌.

[14] ـ «الغدير» ج‌ 6 ص‌ 213.

[15] ـ «الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 316.

[16] ـ يعني‌ الا´ية‌: «سُبْحَانَ الَّذِي‌ أَسْرَي‌' بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ...» حتّي‌ آخر الا´ية‌، و قرأ سورة‌ كاملة‌ بعد سورة‌ الحمد.

[17] ـ القوب‌ بمعني‌ الفرخ‌، و القائب‌ هو ذوالقوب‌، فالبيضة‌ التي‌ فيها فرخ‌ تسمّي‌ قائباً والمقوب‌ هو البيضة‌ التي‌ خرج‌ منها الفرخ‌. و لمّا كان‌ عمريري‌ أنّ الحجّ يكون‌ بالإحرام‌ من‌ الميقات‌، و لا يعتبر الإحرام‌ من‌ مكّة‌ بعد عمرة‌ التمتّع‌ كافياً. و كذلك‌ فإنـّه‌ اعترض‌ علي‌ رسول‌ الله‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌ بعد تبديل‌ حجّ الإفراد بعمرة‌ التمتّع‌ و الحجّ الذي‌ يلزمه‌ الإحرام‌ من‌ مكّة‌، إذ إنـّه‌ بعد دخول‌ مكّة‌ و التمتّع‌ يظلّ الحجّاج‌ معرّسين‌ بأزواجهم‌ تحت‌ شجر الاراك‌ و رؤوسهم‌ تقطر ماءً من‌ غسل‌ الجنابة‌. فقال‌ النبيّ: هذا أمر الله‌ و ليس‌ مِنّي‌. لذلك‌ فإنّ عمر كان‌ يري‌ الحجّ فقط‌ بالإحرام‌ من‌ الميقات‌. و الإحرام‌ من‌ مكّة‌ بعد عمرة‌ التمتّع‌ غير صحيح‌ عنده‌. و كان‌ يقول‌: إنّ الحجّ لايكون‌ بعد التمتّع‌ بالنساء بعد العمرة‌، فهذا حجّ ناقص‌. و الحجّهو أن‌ يتوجّه‌ الحجيج‌ إلی‌ عرفات‌ شعثاً غبراً، أو أنـّهم‌ إذا جاءوا إلی‌ مكّة‌ فلايتمتّعوا و يصبروا علي‌ الإحرام‌ حتّي‌ يحين‌ موسم‌ الحجّ. لذلك‌ فإنّ من‌ جاء بعمرة‌ التمتّع‌ فإنّ مثل‌ عمرته‌ كمثل‌ البيضة‌ التي‌ يخرج‌ منها الفرخ‌ فتبقي‌ بدونه‌. و لو جاء أحد بعمرة‌ التمتّع‌ فما له‌ في‌ هذه‌ السنة‌ إلاّ تلك‌ العمرة‌ و حجّه‌ غير صحيح‌. و لمّا كان‌ الحجّ بهاء من‌ بهاء الله‌، لذلك‌ يجب‌ الإحرام‌ للحجّ من‌ الميقات‌. و في‌ هذه‌ الحالة‌ فقد اعتبر عمرة‌ التمتّع‌ حراماً. و جعل‌ الحجّ منحصراً بحجّ الإفراد. فالذين‌ يحجّون‌ حجّ الإفراد يخرجون‌ من‌ مكّة‌ بعد إتمامه‌، و يحرمون‌ من‌ مسجد التنعيم‌ أو الجعرانة‌، و يأتون‌ إلی‌ مكّة‌، و يقومون‌ بالعمرة‌ المفردة‌، كما أنّ عائشة‌ عندما كانت‌ في‌ حيضها وأرادت‌ أداء الحجّ أمرها النبيّ أن‌ تذهب‌ إلی‌ مسجد التنعيم‌ لاداء العمرة‌ وتحرم‌ من‌ هناك‌ ثمّ تأتي‌ إلی‌ مكّة‌ للقيام‌ بالعمرة‌ المفردة‌. هذا هو المعني‌ المفهوم‌ من‌ كلام‌ عمر إذ صرّح‌ علناً بأنّ عمرة‌ التمتّع‌ حرام‌ لانـّها تخلّ بالحجّ، و الحجّ بهاء من‌ الله‌. لكنّ ابن‌ الاثير في‌ كتابه‌ اللغويّ، يفسّر كلام‌ عمر بشكل‌ آخر. قال‌ في‌ «النهاية‌» في‌ مادّة‌ قوب‌: و في‌ حديث‌ عمر: «إن‌ اعتمرتم‌ في‌ أشهر الحجّ رأيتموها مجزئةً عن‌ حجّكم‌ فكانت‌ قائبة‌ قوب‌ عامها». ضرب‌ هذا مثلاً لخلوّ مكّة‌ من‌ المعتمرين‌ في‌ باقي‌ السنة‌، يقال‌: قيبت‌ البيضة‌ فهي‌ مقوبة‌ إذا خرج‌ فرخها منها، فالقائبة‌ البيضة‌، و القوب‌ الفرخ‌، و المعني‌ أنّ الفرخ‌ إذا فارق‌ بيضته‌ لم‌ يعد إلیها و كذا إذا اعتمروا في‌ أشهر الحجّ لم‌ يعودوا إلی‌ مكّة‌. و ذكر صاحب‌ «لسان‌ العرب‌» هذا الكلام‌ نفسه‌، و لايخفي‌ فإنّ عمر لا يقصد هذا المعني‌ المذكور. و هؤلاء أرادوا أن‌ يبرّروا كلامه‌ بتفسيرهم‌. فهو يصرّح‌ بأنّ الحجّ يُقرَعُ و هو ï ïبهاءالله‌. و العمرة‌ قائبة‌ القوب‌، أي‌: البيضة‌ مع‌ فرخها لتلك‌ السنة‌، و عندما يخرج‌ الفرخ‌، تخلو البيضة‌، فلم‌ يعد هناك‌ حجّ في‌ تلك‌ السنة‌، و هذا خلاف‌ النصّ النبوي‌ّ و لا يقبل‌ التبرير و ذلك‌ لانّ الاشخاص‌ الذين‌ كانوا يحجّون‌ في‌ عصر النبيّ، لهم‌ أن‌ يحرموا من‌ مسجد التنعيم‌ بلافصل‌، وشرط‌ حجّ الإفراد هو أن‌ لايعتمروا بعده‌، بل‌ يعتمروا في‌ أيّام‌ السنة‌ الاُخري‌ كي‌ لاتخلو مكّة‌ من‌ المعتمرين‌.

[18] ـ لعلّ معني‌ «و نفارق‌ عن‌ ثلاث‌ بطلاق‌» هو أن‌ نتركها بعد ثلاثة‌ أيّام‌ من‌ الاستمتاع‌.

[19] ـ جاء في‌ روايات‌ أهل‌ البيت‌ أنّ سنّة‌ النبيّ تقول‌ بأنّ الاَمَة‌ إذا ولدت‌ من‌ سيّدها وصارت‌ أُمّ ولد تعتق‌ بعد موت‌ سيّدها من‌ إرث‌ ولدها. أي‌: أنّ الإرث‌ يصل‌ إلی‌ ولدها لامحالة‌. و لمّا كان‌ الولد لا يستطيع‌ أن‌ يكون‌ مالك‌ أُمّه‌، فإنّها تعتق‌ لا محالة‌. أمّا في‌ حياة‌ سيّدها، فلاتُعتق‌ ما لم‌ يُعتقها سيّدها طوعاً. ولكنّ عمر يقول‌: ألحقتُ حرمة‌ بحرمة‌ و ما أردت‌ إلاّ الخير حتّي‌ لو كان‌ ذلك‌ مخالفاً لرسول‌ الله‌.

[20] ـ أرتع‌ من‌ باب‌ الإفعال‌. لذلك‌ فإنّ معني‌ أُرتع‌ فأُشبع‌ أنّي‌ أرعي‌ القطيع‌ و أُشبعه‌ كناية‌ عن‌ أنـّني‌ راع‌ صالح‌ لرعيّتي‌ (أرْتَعَ الدابَّةَ: جَعَلَهَا تَرتَعُ).

[21] ـ ذكر الطبريّ في‌ تاريخه‌ هذه‌ الرواية‌ عن‌ عمر في‌ ج‌ 3، ص‌ 29. و رواها صاحب‌ «الغدير» في‌ ج‌ 6، ص‌ 212 عن‌ الطبريّ، و عن‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرحه‌ ج‌ 3، ص‌ 28. نقلاً عن‌ الطبريّ و ابن‌ قتيبة‌. و ذكرها صاحب‌ تفسير «الميزان‌» في‌ ج‌ 4، ص‌ 316. عن‌ الطبريّ، وعن‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرحه‌ نقلاً عن‌ ابن‌ قتيبة‌.

[22] ـ الا´ية‌ 36، من‌ السورة‌ 17: الإسراء.

[23] ـ الا´ية‌ 28، من‌ السورة‌ 53: النجم‌.

[24] ـ «الغدير» ج‌ 3 ص‌ 297. لا يخلو هذا الحديث‌ من‌ خبط‌ لفظيّ: أوّلاً: ينبغي‌ أن‌ تكون‌ الكلمة‌ هَلُمُّوا بدل‌ هلمَّ. ثانياً و ينبغي‌ أن‌ تكون‌ جملة‌ فلا أراه‌ يخلص‌، فلا أراها تخلص‌. إلاّ أن‌ يقال‌ بأنّ إفراد «هلمّ» باعتبار إفراد كلمة‌ «زمرة‌». و أمّا تذكير الضمير فباعتبار رجوعه‌ إلی‌ شي‌ء و من‌ و أمثالها من‌ الالفاظ‌ المبهمة‌.

[25] ـ «الغدير» ج‌ 73 ص‌ 297.

[26] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 3، ص‌ 20.

[27] ـ «الغدير» ج‌ 3، ص‌ 296 و 297.

[28] ـ «بحار الانوار» ج‌ 78 ص‌ 7 و ص‌ 8.

[29] ـ «روضة‌ الكافي‌» طبع‌ آخوندي‌، ص‌ 345.

[30] ـ نفس‌ المصدر السابق‌.

[31] ـ الا´ية‌ 44، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[32] ـ إنّ موضوع‌ هذا الكتاب‌ الكريم‌ هو أنـّنا معشر الشيعة‌ نلتزم‌ بالنصوص‌ النبويّة‌، بَيدَ أنّ العامّة‌ يجتهدون‌ و يطرحون‌ آراءهم‌ في‌ مقابل‌ تلك‌ النصوص‌، كما مرّ بنا في‌ هذا ï ïالكتاب‌. و قد تمّ في‌ ذلك‌ الكتاب‌ النفيس‌ استقصاء جميع‌ تلك‌ النماذج‌، و نماذج‌ أُخري‌ كثيرة‌ غيرها.

[33] ـ نقلاً عن‌ مجلّة‌ «تاريخ‌ الإسلام‌».

[34] ـ ينبغي‌ مراجعة‌ الكتب‌ المعتبرة‌ لاهل‌ السنّة‌ للوقوف‌ علي‌ مستمسك‌ ذي‌ بال‌ لهذه‌ الفتاوي‌، إذ نستبعد أنـّهم‌ أفتوا بهذه‌ المسائل‌ بصراحة‌. كما أنـّه‌ يبدو بعد التدقيق‌ في‌ أصلها إجمالاً أنّ الناقدين‌ قد اخذوهم‌ علي‌ هذه‌ الفتاوي‌ مستندين‌ إلی‌ لوازم‌ بعض‌ الفتاوي‌ الاُخري‌ كعموم‌ إحدي‌ الفتاوي‌ أو إطلاقها. و الحال‌ أنّ صاحب‌ الفتوي‌ لم‌ يتقيّد بذلك‌ العموم‌ أو الإطلاق‌. و في‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌ فإنّ الإشكال‌ علي‌ عموم‌ الفتوي‌ أو إطلاقها التي‌ تشمل‌ مثل‌ هذه‌ المواضيع‌.

[35] ـ الا´يتان‌ 156 و 157، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[36] ـ ذكر المرحوم‌ النوريّ هذه‌ القصة‌ في‌ خاتمة‌ كتابه‌ «مستدرك‌ الوسائل‌» في‌ الفائدة‌ الثالثة‌ ص‌ 460، و قد نقلنا هنا ملخّصها. و يبدو أنّ النّوريّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ نقلها عن‌ «مجمع‌ التواريخ‌» لحافظ‌ أبرو، كما نقلها الدكتور خانبا بابياني‌ عن‌ حافظ‌ أبرو في‌ «مجمع‌ التواريخ‌» (نسخة‌ السيّد ملك‌، الجزء الثالث‌، الورقة‌ 237 ) في‌ التعليقة‌ المذكورة‌ علي‌ الصفحات‌ 101 ï ïحتّي‌ 104 عن‌ ذيل‌ «جامع‌ التواريخ‌» لرشيدي‌. و هذا الكتاب‌ أيضاً من‌ تإلیف‌ حافظ‌ أبرو.

 و أمّا في‌ ذيل‌ «جامع‌ التواريخ‌» نفسه‌، فقد ذكر حافظ‌ أبرو السبب‌ الذي‌ دفع‌ الجاتيو إلی‌ قبول‌ مذهب‌ الشيعة‌ في‌ غاية‌ الإيجاز، و ذلك‌ علي‌ الصفحات‌ 100 ـ إلی‌ ـ 103 من‌ كتابه‌ يقول‌: و في‌ أيّام‌ نفوذ الخواجه‌ سعد الدين‌ آوجي‌، كان‌ للسيّد تاج‌ الدين‌ آوجي‌ المنحدر من‌ آوه‌ و المولود في‌ كونه‌ و المترعرع‌ عند مشهد أميرالمؤمنين‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌. نفوذ تامّ عند السلطان‌ و كان‌ يحثّ السلطان‌ علي‌ اعتناق‌ المذهب‌ الشيعيّ؛ و قد قبل‌ السلطان‌ هذا المذهب‌ طوعاً له‌؛ و قد بلغ‌ به‌ درجة‌ ترك‌ فيها ذكر الشيخين‌ و عثمان‌ في‌ الخطبة‌ مدّة‌ مديدة‌ مقتصراً علي‌ ذكر علي‌ّ عليه‌ السلام‌ دون‌ غيره‌ من‌ الخلفاء.

 و جاء في‌ تاريخ‌ «حَبيبُ السير» في‌ الجزء الثالث‌ ص‌ 191، طباعة‌ خيّام‌ سنة‌ 1374 الهجريّة‌، لمؤلّفه‌ غياث‌ الدين‌ بن‌ همام‌ الدين‌ الحسينيّ المعروف‌ ب (خواند أمير) قوله‌: ] هذا الكتاب‌ التاريخيّ باللغة‌ الفارسيّة‌ [.

 تربّع‌ السلطان‌ محمّد بن‌ أرغون‌ خان‌ المعروف‌ بـ «أُولجايتوخان‌» علي‌ العرش‌ و عمره‌ ثلاث‌ و عشرون‌ سنة‌. و قد بذل‌ جهوده‌ في‌ تشييد قواعد الإسلام‌ و تمهيد الاُسس‌ لاُمّة‌ خير الانام‌ عليه‌ الصلاة‌ و السلام‌ موصداً أبواب‌ الظلم‌ و الاجحاف‌. و فوّض‌ منصب‌ الوزراة‌ للخواجة‌ رشيد الدين‌ فضل‌ الله‌، و الخواجة‌ سعد الدين‌ محمّد بأمر أخيه‌ (غازان‌ خان‌). وزيّن‌ القلوب‌ بزينة‌ العترة‌ الطاهرة‌ لرسول‌ الله‌ عليه‌ السلام‌ و التحيّة‌؛ و سكّ النقود بأسماء الائمّة‌ المعصومين‌. و هو أوّل‌ ملك‌ من‌ آل‌ جنيگيز خان‌ حظي‌ بسعادة‌ اعتناق‌ المذهب‌ إماميّ الساميّ، و أمر بذكر أسماء الائمّة‌ الاثني‌ عشر عليهم‌ السلام‌ في‌ الخطبة‌ و النقود.

 و يقول‌ في‌ ص‌ 197: كان‌ الشيخ‌ جمال‌ الدين‌ المطّهر الحلّيّ معاصراً للسلطان‌ محمّد خدابنده‌. واعتنق‌ هذا السلطان‌ مذهب‌ إماميّة‌ بتوجيهه‌ و إرشاده‌.

 و للشيخ‌ جمال‌ الدين‌ المطهّر فضائل‌ و كمالات‌ و مناقب‌ و صفات‌ كريمة‌ جمّة‌. و له‌ تصنيفات‌ و إفادات‌ لاتحصي‌ في‌ العلوم‌ الدينيّة‌ و الفنون‌ النقليّة‌ منها كتابه‌ «نهج‌ الحقّ» المشتمل‌ علي‌ الادلّة‌ التي‌ تثبت‌ صحّة‌ المذهب‌ الاثني‌ عشريّ، و منها «القواعد» و «شرح‌ التجريد». رحمة‌ الله‌ عليه‌ رحمة‌ واسعة‌. انتهي‌.

 و نقل‌ المرحوم‌ محمّد بن‌ تقيّ المجلسي‌ّ مناظرات‌ العلاّمة‌ الحلّيّ مع‌ علماء المذاهب‌ الاربعة‌، و استبصار السلطان‌ محمّد خدابنده‌ مذهب‌ إماميّة‌ في‌ كتاب‌ «روضة‌ المتّقين‌» ï ïالذي‌ ألّفه‌ في‌ شرح‌ «من‌ لايحضره‌ الفقيه‌»، في‌ الجزء التاسع‌ منه‌، نشر (بنياد فرهنگ‌ إسلامي‌ كوشانپور)، في‌ كتاب‌ الطلاق‌ ضمن‌ ذكر الادلّة‌ علي‌ بطلان‌ الطلقات‌ الثلاث‌ في‌ مجلس‌ واحد، من‌ ص‌ 30 إلی‌ ص‌ 33. و فيمايلي‌ كلامه‌ في‌ هذا المجال‌:

... كما أنـّه‌ (بطلان‌ طلقات‌ الثلاث‌ في‌ مجلس‌ واحد) كان‌ سبب‌ إيمان‌ سلطان‌ محمّد جايلتو رحمه‌ الله‌ أنـّه‌ غضب‌ علي‌ امرأته‌، و قال‌ لها: أنتِ طالق‌ ثلاثاً.

 ثمّ ندم‌ و جمع‌ العلماء. فقالوا: لابدّ من‌ المحلّل‌ !

 فقال‌: عندكم‌ في‌ كلّ مسألة‌ أقاويل‌ مختلفة‌. أفليس‌ لكم‌ هنا اختلاف‌ ! فقالوا: لا.

 و قال‌ أحد وزرائه‌: إنّ عالماً بالحلّة‌ و هو يقول‌ ببطلان‌ هذا الطلاق‌.

 فبعث‌ كتابه‌ إلی‌ العلاّمة‌ و أحضره‌.

 و لمّا بعث‌ إلیه‌، قال‌ علماء العامّة‌: إنّ له‌ مذهباً باطلاً و لا عقل‌ للروافض‌. و لا يليق‌ بالملك‌ أن‌ يبعث‌ إلی‌ طلب‌ رجل‌ خفيف‌ العقل‌.

 قال‌ الملك‌: حتّي‌ يحضر.

 فلمّا حضر العلاّمة‌، بعث‌ الملك‌ إلی‌ جميع‌ علماء المذاهب‌ الاربعة‌ و جمعهم‌. فلمّا دخل‌ العلاّمة‌، أخذ نعليه‌ بيده‌، ودخل‌ المجلس‌، وقال‌: السلام‌ عليكم‌. وجلس‌ عند الملك‌.

 فقالوا للملك‌: ألم‌ نقل‌ لك‌ إنـّهم‌ ضعفاء العقول‌ ؟

 فقال‌ الملك‌: اسألوه‌ عن‌ كلّ ما فعل‌ !

 فقالوا له‌: لم‌ ما سجدت‌ للملك‌، و تركتَ الا´داب‌ ؟

 فقال‌: إنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ كان‌ ملكاً، و كان‌ يُسلّم‌ عليه‌ فقط‌. وقال‌ الله‌ تعإلی‌ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَی‌'´ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِنْدِ اللَهِ مُبَـ'رَكَةً (الا´ية‌ 61، من‌ السورة‌ 24: النور)، ولاخلاف‌ بيننا و بينكم‌ أنـّه‌ لايجوز السجود لغير الله‌ !

 قالوا له‌: لِمَ جلستَ عند الملك‌ ؟

 قال‌: لم‌ يكن‌ مكان‌ غيره‌. و كلّ ما يقوله‌ العلاّمة‌ بالعربيّ كان‌ يترجم‌ المترجم‌ للملك‌.

 قالوا له‌: لايّ شي‌ء أخذت‌ نعلك‌ معك‌؛ و هذا ممّا لايليق‌ بعاقل‌، بل‌ بإنسان‌ ؟

 قال‌: خفتُ أن‌ يسرقه‌ الحنفيّة‌ كما سرق‌ أبو حنيفة‌ نعل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌.

 فصاحت‌ الحنفيّة‌: حاشا و كلاّ، متي‌ كان‌ أبو حنيفة‌ في‌ زمن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ ï ïعليه‌ ] و آله‌ [ و سلّم‌ ؟ بل‌ كان‌ تولّده‌ بعد المائة‌ من‌ وفاة‌ رسول‌ الله‌.

 فقال‌: نسيت‌، لعلّه‌ كان‌ السارق‌ الشافعيّ.

 فصاحت‌ الشافعيّة‌، و قالوا: كان‌ تولّد الشافعيّ في‌ يوم‌ وفاة‌ أبي‌ حنيفة‌، و كان‌ أربع‌ سنين‌ في‌ بطن‌ أُمّه‌ و لم‌ يخرج‌ رعاية‌ لحرمة‌ أبي‌ حنيفة‌ ! فلمّا مات‌، خرج‌. و كان‌ نشؤه‌ في‌ المائتين‌ من‌ وفاة‌ رسول‌ الله‌.

 فقال‌ العلاّمة‌: لعلّه‌ كان‌ مالكاً.

 فقالت‌ المالكيّة‌ بمثل‌ ما قالته‌ الحنفيّة‌.

 فتوجّه‌ العلاّمة‌ إلی‌ الملك‌، فقال‌: أيّها الملك‌، علمتَ أنّ رؤساء المذاهب‌ الاربعة‌ لم‌ يكن‌ أحدهم‌ في‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ و لا في‌ زمان‌ الصحابة‌. فهذا أحد بدعهم‌، أنـّهم‌ اختاروا من‌ مجتهديهم‌ هؤلاء الاربعة‌. و لو كان‌ منهم‌ من‌ كان‌ أفضل‌ منهم‌ بمرّات‌، لا يجوّزون‌ أن‌ يجتهد بخلاف‌ ما أفتاه‌ واحد منهم‌.

 فقال‌ الملك‌: ما كان‌ واحد منهم‌ في‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ والصحابة‌؟

 فقال‌ الجميع‌: لا.

 فقال‌ العلاّمة‌: و نحن‌ معاشر الشيعة‌ تابعون‌ لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ نفس‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ و أخيه‌ و ابن‌ عمّه‌، و وصيّه‌.

 و علي‌ أي‌ّ حال‌، فالطلاق‌ الذي‌ أوقعه‌ الملك‌ باطل‌، لانـّه‌ لم‌ يتحقّق‌ شروطه‌، و منها: العدلان‌. فهل‌ قال‌ الملك‌ بمحضرهما ؟ قال‌: لا. و شرع‌ في‌ البحث‌ مع‌ علماء العامّة‌ حتّي‌ ألزمهم‌ جميعاً.

 فتشيّع‌ الملك‌، و بعث‌ إلی‌ البلاد و الاقإلیم‌ حتّي‌ يخطبوا للائمّة‌ الاثني‌ عشر في‌ الخطبة‌، و يكتبوا أساميهم‌ في‌ المساجد و المعابد.

 والذي‌ في‌ أصبهان‌ موجود الا´ن‌ في‌ الجامع‌ القديم‌ الذي‌ كتب‌ في‌ زمانه‌ في‌ ثلاثة‌ مواضع‌؛ وعلي‌ منارة‌ دار السيادة‌ التي‌ تمّمها سلطان‌ محمّد بعدما أحدثها أخوه‌ غازان‌ أيضاً موجود. وفي‌ محاسن‌ أصفهان‌ موجود، إنّ ابتداء الخطبة‌ كان‌ بسعي‌ بعض‌ السادات‌، اسمه‌ (ميرزا قلندر).

 و من‌ المعابد التي‌ رأيتُ، معبد (پير بكران‌) الذي‌ في‌ لنجان‌، و بني‌ في‌ زمانه‌ و أسماء الائمّة‌ الاثني‌ عشر موجودة‌ الا´ن‌. و كذا في‌ معبد قطب‌ العارفين‌ نور الدين‌ عبدالصمد ï ïالنطنزي‌ الذي‌ لي‌ نسبة‌ إلیه‌ من‌ جانب‌ الاُمّ، موجود الا´ن‌.

 و الحمد لله‌ ربّ العالمين‌ علي‌ هذه‌ النعمة‌ أنّ أصبهان‌ بعدما كانت‌ أبعد البلاد من‌ التشيّع‌، صارت‌ بحيث‌ لايوجد في‌ البلد و لا في‌ قراه‌ (والمشهور أنـّه‌ ألف‌ قرية‌ و ذكر أكثرها الفيروز آباديّ في‌ قاموسه‌) من‌ خلاف‌ المذهب‌ الحقّ أحد، حتّي‌ أنـّه‌ لايتّهم‌ بالتسنن‌ إلاّ واحد، و هو محض‌ الاتّهام‌.

 و قلّما توجد بلدة‌ أن‌ تكون‌ هكذا من‌ البلاد التي‌ كانت‌ علي‌ التشيّع‌ في‌ زمن‌ الائمّة‌ عليه‌السلام‌ إلی‌ الا´ن‌، كبلاد جبل‌ عامل‌، و تون‌، و أسترآباد، و سبزوار، و طوس‌، و تبريز و قم‌، و الكوفة‌، و مازنداران‌، و كاشان‌، و كشمير، و التبت‌، و حيدرآباد، و آبه‌، و تستر، والبحرين‌، و الحويزة‌، و نصف‌ الشام‌، و غيرها ممّا ذكره‌ الفاضل‌ السيّد نورالله‌ الشوشتريّ في‌ «مجالس‌ المؤمنين‌» فإنـّه‌ يوجد في‌ أكثرها أو في‌ قراها من‌ هو علي‌ خلاف‌ المذهب‌ الحقّ.

 والحمدالله‌ ربّ العالمين‌ علي‌ شيوع‌ التشيّع‌ في‌ جميع‌ البلاد سيّما فيّ بلاد ايران‌ قاطبة‌؛ و حتّي‌ في‌ الحرمين‌ الشريفين‌: مكّة‌ المعظّمة‌، و المدينة‌ المنوّرة‌، و قزوين‌، وجيلان‌، وهمدان‌، و بلاد فارس‌، و يزد، و نواحيها، و حتّي‌ البصرة‌.

 و نرجو من‌ الله‌ تعإلی‌ أن‌ يعجّل‌ ظهور قائم‌ آل‌ محمّد صلوات‌ الله‌ عليهم‌ حتّي‌ يصير العالم‌ علي‌ الطريقة‌ الحقّة‌ البيضاء، و هي‌ حكومة‌ الحقّ، و ولاية‌ آل‌ محمّد، كما وعد الله‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌ إذ قال‌: «وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي‌ الاْرْضِ كَما استَخْلَفَ الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي‌ ارْتَضَي‌ لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي‌ لاَيُشْرِكُونَ بِي‌ شَيْئًا. (الا´ية‌ 55، من‌ السورة‌ 24: النور.).

 و نقل‌ المرحوم‌ محمّد علي‌ مدرّس‌ في‌ كتابه‌ «ريحانة‌ الادب‌» ] فارسيّ [ تشيّع‌ السلطان‌ محمّد خدابنده‌، الجايتو كما بيّناه‌ هنا مع‌ إضافات‌ أُخري‌، و ذلك‌ ضمن‌ شرحه‌ أحوال‌ العلاّمة‌ الحلّيّ (من‌ ص‌ 167 إلی‌ ص‌ 179 من‌ الجزء الرابع‌، الطبعة‌ الثانية‌، مطبعة‌ شفق‌ تبريز) إذ فصّل‌ في‌ أحوال‌ هذا العالم‌ العظيم‌، نقلاً عن‌ شرح‌ كتاب‌ «من‌ لايحضره‌ الفقيه‌» للمجلسيّ الاوّل‌ ] والد العلاّمة‌ محمّد باقر المجلسيّ [ بالواسطة‌، ولكنّه‌ لمّا كان‌ مشتملاً علي‌ إضافات‌ غير موجودة‌ في‌ متن‌ الشرح‌، لذلك‌ نقلنا هنا عبارات‌ المجلسيّ الاوّل‌ بالنصّ مراعاة‌للامانة‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

التعريف و الدليل

كلية الحقوق، محفوظة و متعلقة بموسسة ترجمة و نشر دورة علوم و معارف الاسلام
info@maarefislam.org