بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد السابع / القسم السادس :روایة من کنت مولاه فعلی مو لاه، کتب فی موضوع الغدیر، رواة الغدیر من الصحابة

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

ينبغي‌ أن‌ تكون‌ آية‌ التبليغ‌ قد نزلت‌ بعد انتشارالإسلام

 وهنا يأمر الله‌ نبيّه‌ بالتبليغ‌ الفوري‌ّ، ويبيّن‌ له‌ خطورة‌ الحكم‌، ويعده‌ بالعصمة‌، ويؤمّله‌ ويطمئنه‌ أن‌ يردّ كيد الاعداء في‌ نحورهم‌، ويضيّق‌ عليهم‌ الخناق‌ فلايظفروا بأهدافهم‌ المشؤومة‌، ولا يطلق‌ لهم‌ العنان‌ فيتلاعبوا بأمر النبوّة‌؛ ويضيّعوا الدعوة‌ النبويّة‌ سديً.

 وخوف‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ قيامهم‌ بهذا العمل‌ كان‌ في‌ عصر ذيوع‌ صيت‌ الإسلام‌، وطبعاً لابدّ أن‌ يكون‌ في‌ المدينة‌، وبعد سنين‌ من‌ الهجرة‌، لانـّه‌ لم‌ يكن‌ هذا الخوف‌ من‌ كفّار مكّة‌ قبل‌ الهجرة‌.

 وقد عرض‌ القرآن‌ الكريم‌ كلام‌ المشركين‌ وطبيعة‌ مناوءتهم‌، كقوله‌: مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ. [1] وقوله‌: إِن‌ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا. [2] وقوله‌: أَسَـ'طِيرُ الاْوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلَي‌' عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. [3] وقوله‌: أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا علی'´ ءَالِهَتِكُمْ إِنَّ هَـ'ذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ. [4]

 وهذه‌ وأمثالها ليست‌ بشي‌ء حتّي‌ تؤدّي‌ إلی‌ تضعضع‌ أركان‌ الدين‌ ونسفها. بل‌ هي‌ تدلّ علی أنّ قوم‌ النبي‌ّ ( كفّار قريش‌ ) كانوا مضطربين‌ في‌ أمرهم‌ غير مستقيمين‌ في‌ سيرتهم‌.

 يضاف‌ إلی‌ ذلك‌ كلّه‌، أنّ هذه‌ التهم‌ والافتراءات‌، وهذه‌ العراقيل‌ والعقبات‌ لم‌تكن‌ بدعاً من‌ الامر في‌ عهد نبيّنا الكريم‌ فيقلق‌ من‌ جرّائها، ويتهيّب‌ من‌ وقوعها عندما يتفرّس‌ في‌ وجوه‌ أصحابها. فسائر الانبياء كانوا شركاء لنبيّنا في‌ الابتلاء بالمصاعب‌ وتحمّل‌ مشاقّ الدعوة‌. وقد آذتهم‌ أُممهم‌ بشتّي‌ صنوف‌ الإيذاء. كما نجد ذلك‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ إذ تحدّث‌ بالتفصيل‌ عمّا لاقاه‌ نوح‌ والانبياء الذين‌ جاؤوا بعده‌.

 وأمّا بعد الهجرة‌ واستقرار الدين‌ في‌ المجتمع‌ الإسلامي‌ّ، فإنّ تصوّر هذا الامر بسيط‌ جدّاً؛ ذلك‌ لانـّنا نجد بين‌ المسلمين‌، في‌ تلك‌ البرهة‌ الزمنيّة‌، مختلف‌ الاشخاص‌ من‌ مؤمنين‌، ومنافقين‌، ورموز كانت‌ تتجسّس‌ في‌ الخفاء لمصلحة‌ الكفّار، وأشخاص‌ في‌ قلوبهم‌ مرض‌.

 الرجوع الي الفهرس

خوف‌ رسول‌ الله‌ من‌ اتّهامه‌ بالتفكير في‌ المصلحة‌ الخاصّة‌

 ومع‌ أنّ هؤلاء قد آمنوا بالنبي‌ّ الاكرم‌، إلاّ أنـّهم‌ كانوا يتعاملون‌ معه‌ كملك‌ من‌ الملوك‌، وينظرون‌ إلیه‌ كحاكم‌ سياسي‌ّ لا يختلف‌ عن‌ غيره‌ من‌ الحكّام‌ الدنيويّين‌. ويتعاملون‌ مع‌ القرآن‌ الكريم‌، وهو وحي‌ سماوي‌ّ، كما يتعاملون‌ مع‌ القوانين‌ الوضعيّة‌ الظاهريّة‌ البشريّة‌.

 وهذا التفكير الذي‌ يسود عامّة‌ الناس‌ كان‌ يمهّد الارضيّة‌ لهؤلاء أن‌ يتآمروا ضدّ الشريعة‌ فيما إذا أتي‌ رسول‌ الله‌ بحكم‌ تشوبه‌ المصلحة‌ الشخصيّة‌. ويقولوا: هذه‌ هي‌ الملكيّة‌ الاستبداديّة‌ التي‌ تقمّصت‌ النبوّة‌ فظهرت‌ للناس‌ بثوب‌ الرسالة‌.

 وهذه‌ الشبهة‌ لو تحقّقت‌ عمليّاً، وأفلح‌ الحزب‌ المناوي‌ في‌ ترسيخها، وتمكّن‌ من‌ بثّها، فإنّ ثغرة‌ كبيرة‌ ستحدث‌ في‌ الدين‌ ويتعذّر رتقها، ويعجز كلّ مصلح‌ عن‌ إصلاحها. ومن‌ الطبيعي‌ّ أنّ النبي‌ّ الكريم‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ كانت‌ له‌ بعض‌ المزايا والاُمور التي‌ اختصّ بها، والتي‌ قد يُتوهّم‌ منها المصلحة‌ الشخصيّة‌. إلاّ أنـّها لم‌ تكن‌ علی درجة‌ من‌ الاهمّيّة‌ بحيث‌ تتّخذ ذريعة‌ لإثارة‌ الضوضاء والشغب‌. كما نجد ذلك‌ في‌ قضيّة‌ زَيدبن‌ حَارِثَة‌ وطلاقه‌ زوجته‌ زينب‌ ابنة‌ عمّة‌ النبي‌ّ، وزواج‌ النبي‌ّ منها وهي‌ زوجة‌ ابنه‌ بالتبنّي‌. ونجد ذلك‌ في‌ استئثاره‌ بخمس‌ الغنائم‌، وتعدّد الزوجات‌، وأمثال‌ هذه‌ الاُمور.

 ذلك‌ لانّ جواز الزواج‌ من‌ زوجة‌ المتبنّي‌ المطلّقة‌ لم‌ يخصّ رسول‌ الله‌. وقد طبّق‌ هذا الحكم‌ علی نفسه‌ لاوّل‌ مرّة‌ ليهيّي‌ الارضيّة‌ لتطبيقه‌ بين‌ المسلمين‌ جميعهم‌.

 ولو كان‌ زواجه‌ بأكثر من‌ أربع‌ نابعاً من‌ هوي‌ النفس‌، وليس‌ فيه‌ إذْنٌ إلهي‌ّ، لما ضنّ به‌ علی المسلمين‌؛ ذلك‌ أنّ سيرته‌ في‌ إيثار المسلمين‌ وتقديم‌ مصالحهم‌ علی مصلحته‌ الخاصّة‌ فيما كان‌ للّه‌ وله‌ من‌ الاموال‌ وغيرها لم‌تُبقِ أي‌ّ شكّ وشبهة‌ في‌ أنّ ذلك‌ الزواج‌ كان‌ بأمرالله‌ بعيداً عن‌ المصلحة‌ الخاصّة‌.

 ويستبين‌ من‌ هذا جيّداً أنّ آية‌ التبليغ‌ تدلّ علی أنّ الحكم‌ النازل‌ حكم‌ قد يُتوهّم‌ فيه‌ المصلحة‌ الخاصّة‌ لرسول‌ الله‌، واستئثاره‌ ببعض‌ المكاسب‌ والامتيازات‌ الحيويّة‌ التي‌ يطمح‌ إلیها غيره‌؛ وتبليغه‌ يؤدّي‌ إلی‌ حرمان‌ سائر الناس‌. وكان‌ يتهيّب‌ من‌ إبلاغه‌، فأمره‌ الله‌ بذلك‌، ووعده‌ بعصمته‌ من‌ المعارضين‌، وأخبره‌ بعدم‌ ظفرهم‌ في‌ كيدهم‌.

 إنّ ما استعرضناه‌ من‌ بحث‌ بشي‌ء من‌ التفصيل‌، كلّه‌ يدعم‌ النصوص‌ المستفيضة‌ المأثورة‌ عن‌ طرق‌ الشيعة‌ والسنّة‌ الدالّة‌ علی أنّ الآية‌ نزلت‌ في‌ وَلاَيَةَ علیبْنِ أَبي‌ طَالِبٍ عليه‌ السلام‌؛ والله‌ تبارك‌ وتعإلی‌ أمر بتبليغها؛ ورسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ كان‌ يتهيّب‌ من‌ أن‌ يتّهم‌ في‌ ابن‌ عمّه‌؛ ولهذا كان‌ يرجي‌ الإعلان‌ عنها ريثما تحين‌ الفرصة‌ المناسبة‌. حتّي‌ إذا آن‌ أوان‌ غدير خُمّ، أصحر[5] بالامر، آخذاً بِيَدِ علی تحت‌ السَّمُرات‌ في‌ تلك‌ الفَيفاة‌ القريبة‌ من‌ الجحفة‌، وهما علی أحداج‌ الإبل‌، والحجّاج‌ الذين‌ عادوا معه‌ من‌ مكّة‌ يشهدون‌ ذلك‌؛ وبعد أن‌ ألقي‌ خطبته‌ البليغة‌، أري‌ الناس‌ كلَّهم‌ عليّاً، وهو يقول‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ. ولايخفي‌ فإنّ ولاية‌ الاُمّة‌ ليست‌ من‌ الاُمور التي‌ تكتم‌ وتستتر؛ ويرتاب‌ أحد في‌ لزومها وضرورتها.

 ونحن‌ نري‌ من‌ وحي‌ العقل‌ والفطرة‌ أنّ كلّ صاحب‌ مسؤوليّة‌ إذا أراد أن‌ يغيب‌، فإنّه‌ لايترك‌ أُموره‌ وشؤونه‌ عبثاً، بل‌ يفوّضها إلی‌ من‌ كان‌ أميناً كفوءاً ليضطلع‌ بها نيابة‌ عنه‌. والعالِم‌ الذي‌ يدنو أجله‌ يخوّل‌ معلّماً أميناً للقيام‌ بتربية‌ طلاّبه‌. والطبيب‌ الذي‌ يفارق‌ الدنيا يوصي‌ طبيباً أميناً بعيادته‌. والتاجر، والكاسب‌، والزارع‌، وحتّي‌ الحمّامي‌ّ، فإنّهم‌ إذا شارفوا الموت‌ أو غابوا لفترة‌ قصيرة‌، لسفر مثلاً، ينيطون‌ شؤونهم‌ بشخص‌ آخر للقيام‌ بها. وحتّي‌ بائع‌ البنجر الذي‌ يضع‌ بنجره‌ المطبوخ‌ في‌ طست‌ ويقف‌ في‌ رأس‌ الزقاق‌ منادياً بأعلی صوته‌: بَنْجَر بَنْجَر! فإنّه‌ إذا أراد الذهاب‌ لقضاء حاجته‌ أو للصلاة‌، يكلّف‌ كاسباً قريباً منه‌ أن‌ يحرس‌ طسته‌ وميزانه‌ وبنجره‌ وكلّ ما يتعلّق‌ به‌، وهذا كلّه‌ لا يساوي‌ في‌ القيمة‌ شروي‌ نقير. وإن‌ لم‌ يفعل‌ هؤلاء ما من‌ شأنه‌ القيام‌ بأُمورهم‌، فإنّهم‌ يُلاَمُونَ ويذمّون‌. ويقول‌ الناس‌: ما خطب‌ الحمّامي‌ّ؟ هل‌ أصابه‌ مسّ من‌ جنون‌ حتّي‌ يترك‌ حمّامه‌ مفتوحاً دون‌ أن‌ يكلّف‌ أحداً بحراسته‌؟ وما بال‌ التاجر؟ هل‌ مُني‌ بخطب‌ وعاهة‌ إذ يترك‌ محلّه‌ ويسافر بدون‌ أن‌ يخوّل‌ أحداً حراسته‌؟

 وهذا الامر من‌ البداهة‌ بحيث‌ إنّه‌ لايحتاج‌ إلی‌ استدلال‌ وبرهان‌، وهو كما يقول‌ أهل‌ الادب‌: مِنَ الْقَضَايَا الَّتي‌ قِيَاسَاتُهَا مَعَهَا. والوصيّة‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الاُمور من‌ المسلّمات‌ المقطوع‌ بها.

 فإذا علمنا هذا كلّه‌، فكيف‌ يجيز أحد لنفسه‌ أن‌ يخال‌ بأنّ ديناً كالإسلام‌ لايحتاج‌ إلی‌ ولي‌ّ أمر يقوم‌ بشؤونه‌، وهو الدين‌ العالمي‌ّ الذي‌ جاء لجميع‌ الناس‌ حتّي‌ يوم‌ القيامة‌، وفيه‌ كلّ ما يحتاج‌ إلیه‌ البشر، من‌ أحكام‌ الطهارة‌ الاوّليّة‌ حتّي‌ أعقد المسائل‌ الغامضة‌ في‌ التوحيد والمعارف‌ الإلهيّة‌، والمبادي‌ الاخلاقيّة‌ والاحكام‌ الفقهيّة‌ الفرعيّة‌ العامّة‌ لجميع‌ حركات‌ الإنسان‌ علی الصعيدين‌ الفردي‌ّ والاجتماعي‌ّ. وكيف‌ يسمح‌ أحد لنفسه‌ أن‌ يظنّ بأنّ نبيّاً كمحمَّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وهو العقل‌ الكلّي‌ّ، أن‌ يرحل‌ عن‌ هذه‌ الدنيا دون‌ أن‌ يوصي‌ لاحد بالقيام‌ بشؤون‌ الاُمّة‌؟ ويترك‌ أُمّته‌ كقطيع‌ الاغنام‌ بلا راعٍ يسوسها، فتكون‌ عرضة‌ لهجمات‌ الذئاب‌، والمحن‌ المهلكة‌ المدمّرة‌، إذ لا رئيس‌ ولا إمام‌ ولا مشرف‌ ولامدبّر ولامدير يرعاها ويأخذ بيدها نحو الصلاح‌؟

 وهل‌ الإسلام‌ علی عكس‌ سائر الموازين‌ والمقرّرات‌ العامّة‌ والقوانين‌ فلايحتاج‌ إلی‌ راع‌ وحارس‌؟ وهل‌ المجتمع‌ الإسلامي‌ّ والاُمّة‌ الإسلاميّة‌ مستثناة‌ من‌ سائر الاُمم‌ والمجتمعات‌، فلا يحتاج‌ إلی‌ والٍ ينظّم‌ شؤونها؟ وهل‌ هي‌ مستغنية‌ عن‌ ولي‌ّ أمر يجري‌ أُمورها، ويدير لها عجلة‌ حياتها؟ والعالِم‌ المتبحّر الذي‌ يطالع‌ السيرة‌ النبويّة‌، ويقرأ فيها يجد أنّ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ كان‌ إذا ذهب‌ في‌ غزوة‌، فإنّه‌ يوصي‌ لاحد بأن‌ يضطلع‌ بأعباء المسؤوليّة‌ خلال‌ غيابه‌ فلا يقف‌ دولاب‌ الحركة‌ عن‌ حركته‌، فكيف‌ وبأي‌ّ تبرير يمكن‌ إقناعه‌ بأنّ النبي‌ّ قد رحل‌ عن‌ الدنيا ولم‌يوص‌ بالخلافة‌ لاحد؟

 وكلّنا نعلم‌ أنـّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ عندما ذهب‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌، استخلف‌ علی الاُمّة‌ علی بْنَ أَبي‌ طالِبٍ؛ وعندما قال‌ له‌ علی عليه‌ السلام‌: يَارَسُولَ اللَهِ! أَتَخْلُفُنِي‌ علی النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟! أجابه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قائلاً:

 أَمَّا تَرْضَي‌ أَنْ تُكُونَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إلاَّ أَنـَّهُ لاَنَبِي‌َّ بَعْدِي‌؟! [6]

 وكان‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يرسل‌ الولاة‌ إلی‌ الامصار التي‌ كانت‌ في‌ قبضة‌ المسلمين‌ كمكّة‌، والطائف‌، وإلیمن‌؛ وكان‌ يعيّن‌ الاُمراء علی الجيوش‌ والسرايا التي‌ كان‌ يُشخصها إلی‌ مختلف‌ النقاط‌. فما الفرق‌ بين‌ حياته‌ وموته‌؟ ألم‌ تكن‌ حاجة‌ الناس‌ إلی‌ والٍ وقيّم‌ أكثر عند الموت‌؟!

 نعم‌ هي‌ أكثر، وفي‌ ضوء هذا النهج‌، كان‌ يعيّن‌ الولاة‌ ويخوّل‌ لهم‌ شؤون‌ الاُمّة‌. وفي‌ تلك‌ الارض‌ القاحلة‌ الكأداء، وتحت‌ الاشجار الصحراويّة‌ الخمس‌، أعلن‌ للملا أنّ عليّاً وصيّه‌ وخليفته‌، وهو أولي‌ بكلّ مؤمن‌ ومؤمنة‌ كأولويّته‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

 الرجوع الي الفهرس

أقوال‌ العامّة‌ المختلفة‌ في‌ شأن‌ نزول‌ آية‌ التبليغ‌

 هذا بحثنا ما وسع‌ المقام‌ في‌ شأن‌ نزول‌ ومفاد آية‌ التبليغ‌. وقد علمنا أنّ كبار العلماء من‌ العامّة‌ قد ذكروها في‌ كتب‌ الحديث‌ والتفسير كالطبري‌ّ، و ابن‌ أبي‌ حاتم‌، و أبي‌ نعيم‌ الإصفهاني‌ّ، و أبي‌ إسحاق‌ الثعلبي‌ّ، و الواحدي‌ّ، و السجستاني‌ّ، و النطنزي‌ّ، و الرسعني‌ّ، و ابن‌ مردويه‌، و ابن‌ عساكر، و الحسكاني‌ّ، وغيرهم‌ بأسانيد متنوّعة‌ عن‌ كبار الصحابة‌ وغيرهم‌ كالبراءبن‌ عازب‌، و جابر بن‌ عبد الله‌ الانصاري‌ّ، و عمّار بن‌ ياسر، و أبي‌ ذرّ الغفاري‌ّ، و سلمان‌ الفارسي‌ّ، و حذيفة‌ إلیماني‌ّ، و ابن‌ عبّاس‌، و أبي‌ سعيد الخَدري‌ّ، و زيد بن‌ أرقم‌، و أبي‌ هريرة‌، و ابن‌ مسعود، و عامربن‌ ليلي‌بن‌ ضمرة‌. و الإمام محمّد بن‌ علی الباقر عليه‌ السلام‌. وروي‌ الترمذي‌ّ، و النسائي‌ّ، و ابن‌ ماجة‌، و أحمد بن‌ حنبل‌ وهم‌ أئمّة‌ السنّة‌ الستّة‌ في‌ كتبهم‌ أنّ الآية‌ نزلت‌ في‌ الولاية‌.

 وما جاء في‌ بعض‌ الكتب‌ حول‌ شأن‌ نزول‌ الآية‌، إذ أراد مؤلّفوها أن‌ يحرفوا مصبّ الآية‌ عن‌ الولاية‌، وجوه‌ ضعيفة‌، وروايات‌ مرسلة‌ ومقطوعة‌، وغير موثوقة‌؛ وكما قال‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ: « هي‌ لاتعدو أن‌ تكون‌ تفسيراً بالرأي‌؛ أو استحساناً من‌ غير حجّة‌؛ أو تكثيراً للُغد أمام‌ حديث‌ الولاية‌، فتّاً في‌ عضدها، وتخذيلاً عن‌ تصديقها، وَيَأْبَي‌ اللَهُ إلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورُهُ». [7]

 وذكر الفخر الرازي‌ّ، الذي‌ تبدو ملامح‌ التعصّب‌ والامتعاض‌ علی عباراته‌، عشرة‌ وجوه‌ في‌ شأن‌ نزول‌ الآية‌:

 1 ـ نزلت‌ هذه‌ الآية‌ في‌ قصّة‌ الرَّجْم‌ والقصاص‌ ردّاً علی مذهب‌ إلیهود.

 2 ـ نزلت‌ في‌ عيب‌ إلیهود واستهزائهم‌ بالدين‌.

 3 ـ لمّا نزلت‌ آية‌ التخيير، وهي‌ قوله‌: يَـ'´أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل‌ لاِزْوَ ' جِكَ ] إِن‌ كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَو'ةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَإلینَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً* وَإِن‌ كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَهَ وَرَسُولَهُ و وَالدَّارَ الاْخِرَةَ فَإِنَّ اللَهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـ'تِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا[ [8]. فلم‌ يعرضها عليهنّ خوفاً من‌ اختيارهنّ الدنيا.

 4 ـ نزلت‌ في‌ أمر زيد ] بن‌ حارثة‌ وزوجته‌ [ زينب‌ بنت‌ جحش‌ ] ابنة‌ عمّ رسول‌ الله‌ [.

 5 ـ نزلت‌ في‌ الجهاد، فإنّ المنافقين‌ كانوا يكرهونه‌ فكان‌ يمسك‌ أحياناً عن‌ حثّهم‌ علی الجهاد.

 6 ـ لمّا نزل‌ قوله‌ تعإلی‌: « ولا تسبّوا الذين‌ يدعون‌ من‌ دون‌ الله‌ فيسبوالله‌ عدواً بغير علم‌ »، سكت‌ الرسول‌ عن‌ عيب‌ آلهتهم‌ أي‌ ] آلهة‌ الثنويّين‌ [، نزلت‌ هذه‌ الآية‌.

 7 ـ لمّا قال‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌ بعد بيان‌ المناسك‌ والشرائع‌: هَلْ بَلَّغْتُ؟ قالوا: نَعَمْ. قال‌: اللَهُمَّ اشْهَدْ، نزلت‌ الآية‌.

 8 ـ نزلت‌ في‌ أعرابي‌ّ أراد قتله‌، وهو نائم‌ تحت‌ شجرة‌.

 9 ـ كان‌ يهاب‌ قريش‌ وإلیهود، فأزال‌ الله‌ عن‌ قلبه‌ تلك‌ الهيبة‌ بالآية‌.

 10 ـ نزلت‌ في‌ قصّة‌ غدير خمّ. [9]

 ذكر الفخر الرازي‌ّ هذه‌ الوجوه‌، واعتبر قصّة‌ الغدير الوجه‌ العاشر منها، أي‌: آخر الوجوه‌؛ وقد رجّح‌ الوجه‌ التاسع‌ منها بلا تعمّق‌ متجاوزاً الموضوع‌ بشكل‌ خاطف‌. هذا وهو من‌ العلماء، وكان‌ مطّلعاً جيّداً علی طرق‌ الحديث‌ الخاصّ بالغدير واستفاضته‌، وكان‌ علی علم‌ بضعف‌ الوجوه‌ الاُخري‌ وإرسالها؛ فلهذا نري‌ نظام‌ الدين‌ النيسابوري‌ّ، وهو من‌ مفسّري‌ العامّة‌ أيضاً، قد عدّ قصّة‌ الغدير أوّل‌ الوجوه‌، وأسنده‌ إلی‌ ابن‌ عبّاس‌، والبراءبن‌ عازب‌، وأبي‌ سعيد الخُدري‌ّ، والإمام الباقر عليه‌ السلام‌. وعزا بقيّة‌ الوجوه‌ إلی‌ « القِيل‌ » الدالّ علی ضعفها. [10]

 والطبري‌ّ الذي‌ هو أقدم‌ من‌ هؤلاء لم‌ يذكر تلك‌ الوجوه‌ في‌ تأريخه‌، ولافي‌ تفسيره‌؛ لكنّه‌ ألّف‌ كتاباً مستقلاّ في‌ الولاية‌ أخرج‌ فيه‌ حديث‌ الولاية‌ (مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ) بنيّف‌ وسبعين‌ طريقاً. وروي‌ في‌ هذا الكتاب‌ نزول‌ آية‌ التبليغ‌ في‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ بإسناده‌ عن‌ زيد بن‌ أرقم‌.

 وما تمسّك‌ به‌ الفخر الرازي‌ّ وأتباعه‌ هو أنّ آية‌ التبليغ‌ جاءت‌ في‌ سورة‌ المائدة‌ بين‌ الآيات‌ المتعلّقة‌ بأهل‌ الكتاب‌؛ فمن‌ المناسب‌ أنـّها نزلت‌ في‌ أهل‌ الكتاب‌ أيضاً.

 هذا مع‌ أنّ الذي‌ يمتلك‌ أدني‌ وعي‌ للقصص‌ القرآني‌ّ يعلم‌ أنّ ترتيب‌ الآيات‌ في‌ النزول‌ غير ترتيبها في‌ الذكر غالباً. وترتيب‌ السور النازلة‌ غيرهذا الترتيب‌ القائم‌ في‌ السور القرآنيّة‌؛ فالسور الاُولي‌ هي‌: الْعَلَق‌، والمُدَّثِّرْ، وَالْمُزَّمِّل‌، وَالْقَلَم‌، وسائر السور القصار، وهي‌ مكّيّة‌. وآخر سورة‌ هي‌ سورة‌ المائدة‌، وسورة‌ النصر: إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَهِ وَالْفَتْحُ. وكثير من‌ الآيات‌ نزلت‌ في‌ مكّة‌ وموضعها في‌ السور المدنيّة‌ وبالعكس‌.

 قال‌ السيوطي‌ّ في‌ « الإتقان‌ »: الإجماع والنصوص‌ المترادفة‌ علی أنّ ترتيب‌ الآيات‌ توقيفي‌ّ لاشبهة‌ في‌ ذلك‌؛ ] و علينا أن‌ نقرأ القرآن‌ كما كتب‌ [. أمّا الإجماع فنقله‌ غير واحد منهم‌ الزركشي‌ّ في‌ «البرهان‌» وأبوجعفربن‌ الزبير في‌ « المناسبات‌ ». وعبارة‌ أبي‌ جعفر: « ترتيب‌ الآيات‌ في‌ السور واقع‌ بتوقيف‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، وأمره‌ من‌ غيرخلاف‌ في‌ هذا بين‌ المسلمين‌ ». ثمّ ذكر نصوصاً علی أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ كان‌ يلقّن‌ أصحابه‌؛ ويعلّمهم‌ ما نزل‌ عليه‌ من‌ القرآن‌ علی الترتيب‌ الذي‌ هو الآن‌ في‌ مصاحفنا، بتوقيف‌ جبرئيل‌ إيّاه‌ علی ذلك‌، وإعلامه‌ عند نزول‌ كلّ آية‌: أنّ هذه‌ الآية‌ تكتب‌ عقب‌ آية‌ كذا في‌ سورة‌ كذا.[11]

 وقد بيّنا مفصّلاً أنّ تهيّب‌ رسول‌ الله‌ من‌ إلیهود والنصاري‌ إمّا أن‌ يكون‌ في‌ أوّل‌ البعثة‌؛ أو بعد الهجرة‌ بيسير، ولا يكون‌ في‌ آخر الهجرة‌ حيث‌ بلغ‌ الإسلام‌ ذروته‌ في‌ الشوكة‌ والقوّة‌؛ وخُذل‌ إلیهود والنصاري‌ واندحروا. وفرض‌ الإسلام‌ سطوته‌ فهابته‌ الاُمم‌ آنذاك‌. وراسل‌ نبيّنا الكريم‌ أُمراء العالم‌ وسلاطينه‌، ودعاهم‌ إلی‌ الإسلام‌.

 وفي‌ هذه‌ الحالة‌، فلا معني‌ أن‌ تكون‌ آية‌ التبليغ‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ المائدة‌ ( آخر سورة‌ نزلت‌ علی النبي‌ّ الاكرم‌ ) قد نزلت‌ في‌ إلیهود والنصاري‌. قال‌ القرطبي‌ّ في‌ تفسيره‌: هي‌ ] سورة‌ المائدة‌ [ مدنيّة‌ بإجماع‌. ثمّ نقل‌ عن‌ النقّاش‌ نزولها في‌ السنة‌ السادسة‌ ( عام‌ الحُدَيبيّة‌ )[12]، وأتبع‌ ذلك‌ بالنقل‌ عن‌ ابن‌ عربي‌ّ ] بأنّ [ هذا حديث‌ موضوع‌ لايحلّ لمسلم‌ اعتقاده‌. [13] وفي‌ ضوء ذلك‌، فإنّ مجرّد ورود الآية‌ بين‌ الآيات‌ المتعلّقة‌ بأهل‌ الكتاب‌ لن‌يكون‌ له‌ أثر في‌ التمسّك‌ من‌ حيث‌ البرهان‌ والدليل‌ العلمي‌ّ.

 ويستبين‌ ممّا ذكرنا أيضاً أنّ ما أخرجه‌ القرطبي‌ّ واهٍ لا أساس‌ له‌. وقد قال‌: جاء عن‌ ابن‌ عبّاس‌ أنّ أبا طالب‌ كان‌ يرسل‌ كلّ يوم‌ مع‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ رجالاً من‌ بني‌ هاشم‌ يحرسونه‌، حتّي‌ نزلت‌ ] هذه‌ الآية‌ [: وَاللَهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. ] فأراد أن‌ يرسل‌ معه‌ من‌ يحرسه‌ [ فقال‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌: يَا عَمَّاهُ! إنَّ اللَهَ عَصَمَنِي‌ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ! وقال‌ القرطبي‌ّ: صحّة‌ هذا الحديث‌ تستدعي‌ أن‌ تكون‌ الآية‌ مكّيّة‌؛ وهذه‌ الآية‌ مدنيّة‌. [14]

 وهذا الحديث‌ أضعف‌ من‌ أن‌ يقاوم‌ الاحاديث‌ المتقدّمة‌ والإجماع ونصوص‌ المفسّرين‌. يضاف‌ إلی‌ ذلك‌، أنـّنا نري‌ بالبداهة‌ كم‌ لاقي‌ رسول‌الله‌ من‌ المصائب‌ وصنوف‌ الاذي‌ والاضطهاد من‌ أمثال‌ هؤلاء.

 الرجوع الي الفهرس

الدرس‌ الثامن‌ والتسعون‌ إلی‌ الحادي‌ بعد المائة‌:

في‌ سند: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ

 

 بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللهُ علی محمّد وآله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلی العظيم‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 إلیوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِ إلیوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‌ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإْسْلَـ'مَ دِينًا. [15]

 نزلت‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ علی النبيّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يوم‌ غدير خمّ بُعَيْدَ إلقائه‌ خطبته‌ الغرّاء التي‌ نصب‌ فيها أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ مقام‌ الولاية‌ الإلهيّة‌ الكلّيّة‌ المطلقة‌، وقدّمه‌ إلی‌ الناس‌ خليفة‌ وأميراً ووليّاً.

 وقد ذكرنا في‌ بحوثنا الاخيرة‌ أنّ خطبة‌ الغدير كانت‌ بعد نزول‌ الآية‌ الكريمة‌: يَـ'´أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلیكَ مِن‌ رَّبِّكَ وَإن‌ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رَسَالَتَهُ و وَاللَهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَهَ لاَيَهْدِي‌ الْقَوْمَ الْكَـ'فِرِينَ. [16] إذ خطب‌ رسول‌ الله‌ تلك‌ الخطبة‌ التي‌ جاء فيها: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ.

 وتعرف‌ الآية‌ المفتتحة‌ بقوله‌: يَـ'´أَيُّهَا الرَّسُولُ بآية‌ التبليغ‌، ويعرف‌ الحديث‌ المتقدّم‌ آنفاً بحديث‌ الولاية‌؛ والبحث‌ فيهما مستقلّ ولاصلة‌ بينهما؛ أعني‌: أنّ البعض‌ قد يرتاب‌ في‌ شأن‌ نزول‌ آية‌ التبليغ‌ أو في‌ دلالتها ـ كما نجد ذلك‌ عند بعض‌ العامّة‌ـ بَيدَ أنـّه‌ لايرتاب‌ في‌ حديث‌ الولاية‌ سنداً أو دلالةً. علماً أنـّنا قد فرّقنا بين‌ البحثين‌ والحمدللّه‌ وله‌ المنّ. وتحدّثنا حديثاً وافياً عن‌ آية‌ التبليغ‌ من‌ حيث‌ شأن‌ نزولها في‌ سيّد الموحّدين‌ علیبنِ أبي‌ طَالِبٍ عليه‌ السلام‌ ومن‌ حيث‌ مفادها ومحتواها التفسيري‌ّ؛ وأرجأنا البحث‌ في‌ حديث‌ الولاية‌ إلی‌ مجال‌ آخر.

 وقد آن‌ أوانه‌ الآن‌ بعد أن‌ فرغنا من‌ البحث‌ في‌ آية‌ التبليغ‌ بتوفيق‌ الله‌ ولطفه‌؛ ونأمل‌ أن‌ ندرس‌ هذا الموضوع‌ بمقدار جهدنا الضئيل‌ إن‌ شاء الله‌ تعإلی‌: ثمّ نعرّج‌ علی البحث‌ في‌ مفاد الآية‌ المذكورة‌ في‌ مستهلّ درسنا، والتي‌ نزلت‌ يوم‌ الغدير:

 الرجوع الي الفهرس

قصيدة‌ إمام‌ الزيديّة‌ إلیمني‌ّ المنصور بالله‌

 وَهُوَ الوَلِي‌ُّ أَيُّهَذَا السَّامِعُ                         مُؤْتِي‌ الزَّكَاةِ المَرْءَ وَهْوَ رَاكِعُ

 وَالشَّاهِدُ [17] التَّإلی‌ فَأَيْنَ الجَامِعُ              لِلقَوْمِ؟ هَلْ ثَمَّ دَلِيلٌ قَاطِعُ

 وَهوَ وَلِي‌ُّ الحَلِّ وَالإبْرَامِ             والاَمْرِ وَالنَّهْي‌ِ علی الاَنَامِ

 بِحُكْمِ ذِي‌الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ                       ومَا قَضَاهُ فِي‌ أُولْيِ الاَرْحَامِ [18]

 وَقَالَ فِيهِ المُصْطَفَي‌: أَنْتَ الوَلِي‌                        ومِثْلُهُ: أَنْتَ الوَزِيرُ وَالوَصِي‌

 وكَمْ وكَمْ قَالَ لَه‌: أنْتَ أَخِي                    ‌ فَأَيُّهُمْ قَالَ لَهُ مِثْلَ علی

 وهَلْ سَمِعْتَ بِحَدِيثِ مَوْلَي‌                    يَوْمَ «الْغَدِيرِ» وَالصَّحيحُ أَولَي‌ [19]

 أَلَمْ يَقُلْ فِيهِ الرَّسُولُ قَوْلاَ                       لَمْ يُبْقِ لِلمُخَالِفِينَ حَوْلاَ

 وهَلْ سَمِعْتَ بِحَدِيثِ المَنْزِلَه                  ‌ يَجْعَلُ هَارُونَ النَّبِي‌َّ مِثْلَه‌

 وثَبَّتَ الطُهْرَ لَهُ مَا كَانَ لَه‌                        مِنْ صِنْوِهِ مُوسَي‌ فَصَارَ مَدْخَلَه‌

 مِنْ حَيْثُ لَوْ لَمْ يَذْكُرِ النُّبَوَّه                      ‌ كَانَتْ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ مَرْجُوَّه‌

 فَاسْتُثْنِيَتْ ونَالَ ذُو الفُتُوَّة‌                       عُمُومَ مَا لِلمُصْطَفَي‌ مِنْ قُوَّه‌ [20]

 يدور بحثنا عن‌ حديث‌ الغدير، وهو حديث‌ الولاية‌، حول‌ سنده‌ أوّلاً، ودلالته‌ ثانياً، وسنتطرّق‌ إلی‌ هذين‌ القسمين‌ بشكل‌ وافٍ إن‌ شاء الله‌ تعالی‌.

 الرجوع الي الفهرس

ثبوت‌ أحقّيّة‌ أمير المؤمنين‌ علی مرّ التأريخ‌

 أمّا البحث‌ من‌ حيث‌ السند؛ أي‌: من‌ حيث‌ وقوع‌ حادثة‌ الغدير في‌ إلیوم‌ الثامن‌ عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌ الحرام‌ عبر الخطبة‌ التي‌ ألقاها رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ فهي‌ من‌ الاُمور المقطوع‌ بها في‌ التأريخ‌ الإسلام ي‌ّ، بل‌ وفي‌ تأريخ‌ البشريّة‌. وتعتبر هذه‌ الواقعة‌ من‌ الضروريّات‌. ولايمكن‌ أن‌ نعدّها متواترة‌ فحسب‌، بل‌ هي‌ فوق‌ التواتر. أي‌: أنّ درجة‌ الإخبار عن‌ هذه‌ الحادثة‌ بلغت‌ مبلغاً لو قدّر ـ مثلاًـ أن‌ يصل‌ إلینا نصف‌ الاخبار، أو خُمسها أو عُشرها. لافاد ذلك‌ كلّه‌ إلیقين‌ علی حسب‌ ملاك‌ التواتر. ولو أ لّف‌ الشيعة‌ في‌ هذا المجال‌ كتاباً، ونقّبوا في‌ هذه‌ الواقعة‌ ونقلوها بأسنادهم‌ المتّصلة‌، عن‌ أعلام‌ الدين‌ وأئمّته‌، فلا عجب‌ في‌ ذلك‌. لانـّها سندهم‌ الناطق‌ المعبّر، والاساس‌ الرصين‌ لمذهبهم‌ ومنهاجهم‌، وهي‌ مفترق‌ الطرق‌ وموضع‌ بروز الزاوية‌ بينهم‌ وبين‌ خصومهم‌.

 بَيدَ أَنّ العجب‌ هو أنّ المناوئين‌ قد نقلوا الروايات‌ والاحاديث‌ الجمّة‌ التي‌ بلغت‌ من‌ الكثرة‌ حدّاً بحيث‌ جعلتهم‌ يقرّون‌ بصحّة‌ الاسناد، ووقوع‌ هذه‌ الحادثة‌ علی النحو المؤكّد. وكم‌ أ لّفوا من‌ الكتب‌ المستقلّة‌ في‌ هذا الموضوع‌ بحيث‌ إنّا لا نعثر علی حدث‌ من‌ الاحداث‌ في‌ التأريخ‌ الإسلام ي‌ّ قد نال‌ كلّ هذا الاهتمام‌ علی صعيد تإلیف‌ الكتب‌، وطرح‌ البحوث‌ الطويلة‌ المتواصلة‌.

 هذا مع‌ أنّ الملحوظ‌ منذ عصر صدر الإسلام وحتّي‌ يومنا الحاضر هو أنـّهم‌ بذلوا قصاري‌ جهودهم‌ لكتم‌ الحقائق‌ والتغطية‌ علی قضيّة‌ الولاية‌؛ والاهتمام‌ في‌ عدم‌ ذكر خبرها، وتحريفه‌، وتحريف‌ كتب‌ الماضين‌، والتلاعب‌ في‌ طبعها ونشرها إلی‌ درجة‌ أنّ كلّ بصير وخبير بالكتب‌ والروايات‌ والتواريخ‌ والسنن‌ يذهل‌ لما يراه‌.

 ونري‌ التحريف‌ واضحاً جليّاً في‌ كتب‌ العامّة‌؛ وهم‌ أنفسهم‌ يجهرون‌ في‌ أقوالهم‌ وكتاباتهم‌ قائلين‌ بأنـّهم‌ ينبغي‌ أن‌ يطمسوا الحقائق‌ كي‌ لاتكون‌ ذريعة‌ بأيدي‌ العوامّ. [21] وهذا البحث‌ ملازم‌ للبحث‌ في‌ استصواب‌ ممارسات‌ الصحابة‌؛ وهو بحث‌ مفصّل‌ نرجئه‌ إلی‌ وقته‌ المناسب‌ إن‌ شاء الله‌.

 مع‌ هذا فإنّ أحقّيّة‌ أمير المؤمنين‌ وسيّد الموحّدين‌، وتأ لّق‌ نور الولاية‌ علی درجة‌ بحيث‌ إنّنا إذا راجعنا أي‌ّ كتاب‌ كان‌، فإنّنا نلاحظ‌ أحاديث‌ الولاية‌، ومناقب‌ إمام‌ الابرار وفضائله‌، وتتجلّي‌ للعيان‌ الاحاديث‌ المتعلّقة‌ بغدير خمّ، أي‌: علی الرغم‌ من‌ أنّ أعداءه‌ جهدوا في‌ طمس‌ آثاره‌ حقداً وحسداً، وأنّ محبّيه‌ امتنعوا عن‌ بيانها خوفاً وتقيّة‌؛ إلاّ أنـّنا نجد أنّ الكتب‌ التي‌ تمّ تإلیفها حول‌ حديث‌ الغدير في‌ شرق‌ الارض‌ وغربها، أو التي‌ ذكرت‌ الروايات‌ الخاصّة‌ بالغدير مستمسك‌ حي‌ّ وخالد يدلّ علی بزوغ‌ نور ولاية‌ علی في‌ تضاعيف‌ الكتب‌، وفي‌ صدور الكتّاب‌، وقلوب‌ المشتاقين‌ والمحبّين‌ والوالهين‌، وهي‌ ماثلة‌ أمام‌ عيون‌ الاصدقاء والاعداء طوعاً أو كَرْهاً.

 به‌ هر طرف‌ كه‌ نگه‌ مي‌كنم‌ تو در نظري‌                    چرا كه‌ بهر تو جز ديده‌ جايگاهي‌ نيست‌ [22]

 الرجوع الي الفهرس

علماء العامّة‌ الذين‌ أ لّفوا في‌ حديث‌ الغدير

 يقول‌ جمال‌ السَّالِكين‌ وسَيِّد أهل‌ المراقَبَة‌ علیبنُ طَاوُوس‌ رحمة‌الله‌ عليه‌ في‌ « إقبال‌ الاعمال‌ »: فَصْلٌ في‌ مختصر الوصف‌ ممّا رواه‌ علماء المخالفين‌ عن‌ يوم‌ الغدير من‌ الكشف‌. اعلم‌ أنّ نصّ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ علی إمامة‌ علی بْن‌ أبي‌ طَالِب‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ يوم‌ الغدير ما لا يحتاج‌ إلی‌ كشف‌ وبيان‌ لاهل‌ العلم‌ والامانة‌ والدراية‌؛ وإنّما نذكر تنبيهاً علی بعض‌ مَن‌ رواه‌ ليقصد مَن‌ شاء ويقف‌ علی معناه‌. فمِن‌ ذلك‌ ما صنّفه‌ أبُو سَعْدٍ مَسْعُودُ بْنُ نَاصِرِ السِّجْسِتَانِي‌ّ المخالف‌ لاهل‌ البيت‌ في‌ عقيدته‌ المتّفق‌ عند أهل‌ المعرفة‌ به‌ علی صحّة‌ ما يرويه‌ لاهل‌ البيت‌ وأمانته‌.

 صنّف‌ كتاباً سمّاه‌: «كِتَابُ الدِّرَايَةِ فِي‌ حَدِيثِ الوَلاَيَةِ» وهو سبعة‌ عشر جزءاً. روي‌ فيه‌ حديث‌ نصّ النبيّ المكرّم‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ بتلك‌ المناقب‌ والمراتب‌ علی مولانا علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ مائة‌ وعشرين‌ نفساً من‌ الصحابة‌.

 ومن‌ ذلك‌ ما رواه‌ مُحَمَّدُّ بْنُ جَرِيرِ الطَّبَرِي‌ّ صاحب‌ « التاريخ‌ الكبير » صنفّه‌ وسمّاه‌ «كِتَاب‌ الرَّدِّ علی الحُرْقُوصِيَّة‌». [23] روي‌ فيه‌ حديث‌ يوم‌ الغدير وما نصّ رسول‌ الله‌ علی علی صلوات‌ الله‌ عليهما بالولاية‌؛ والمقام‌ الرفيع‌ والكبير. وروي‌ ذلك‌ من‌ خمس‌ وسبعين‌ طريقاً.

 ومن‌ ذلك‌ ما رواه‌ أَبُو القَاسِم‌ عُبَيْدُ اللَهِ بْنُ عَبْدِ اللَهِ الحَسْكَانِي‌ّ في‌ كتاب‌ سمّاه‌: «كِتَاب‌ دُعَاةِ الهُدَاةِ إلی‌ أَدَاءِ حَقِّ المُوَالاَةِ».

 ومن‌ ذلك‌ الذي‌ لم‌ يكن‌ مثله‌ في‌ زمانه‌ أبوالْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بنُ عُقْدَة‌ الحافظ‌ الذي‌ زكّاة‌ وشهد بعلمه‌ الخطيب‌ مصنّف‌ « تأريخ‌ بغداد » فإنّه‌ صنّف‌ كتاباً سمّاه‌ «حَدِيث‌ الوَلاَية‌».

 وجدت‌ هذا الكتاب‌ بنسخة‌ قد كتبت‌ في‌ زمان‌ العبّاس‌بن‌ عُقْدَة‌ مصنّفه‌، تأريخها سنة‌ ثلاثمائة‌ وثلاثين‌؛ صحيح‌ النقل‌ عليه‌ خطّ الشيخ‌ الطوسي‌ّ، وجماعة‌ من‌ شيوخ‌ الإسلام؛ لا يخفي‌ صحّة‌ ما تضمّنه‌ علی أهل‌ الافهام‌. وقد روي‌ فيه‌ نصّ الرسول‌ الاكرم‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ علی مولانا علی عليه‌ السلام‌ بالولاية‌ من‌ مائة‌ وخمس‌ طرق‌.

 وإن‌ عددت‌ أسماء المصنّفين‌ من‌ المسلمين‌ في‌ هذا الباب‌، طال‌ ذلك‌ علی من‌ يقف‌ علی هذا الكتاب‌. وجميع‌ هذه‌ التصانيف‌ عندنا الآن‌ إلاّ كتاب‌ الطبري‌ّ. [24]

 ويقول‌ في‌ «الإقبال» أيضاً: فَصْلٌ؛ وأمّا ما رواه‌ مسعودبن‌ ناصر السجِسْتانِي‌ّ في‌ صفة‌ نصّ النبي‌ّ علی مولانا علی عليه‌ السلام‌ بالولاية‌، فإنّه‌ مجلّد أكثر من‌ عشرين‌ كرّاساً. وأمّا الذي‌ ذكره‌ محمّد بن‌ جرير صاحب‌ التأريخ‌ في‌ ذلك‌ فإنّه‌ مجلّد واحد أيضاً؛ وما ذكره‌ أبوالعبّاس‌بن‌ عقدة‌ وغيره‌ من‌ العلماء وأهل‌ الروايات‌، فإنّها عدّة‌ مجلّدات‌.[25]

 يقول‌ ابن‌ شهرآشوب‌: العلماء مطبقون‌ علی قبول‌ هذا الخبر ] أي‌ حديث‌ الولاية‌ [ وإنّما وقع‌ الخلاف‌ في‌ تأويله‌؛ ذكره‌ محمّد بن‌ إسحاق‌، و أحمد البلاذري‌ّ، و مُسلم‌ بن‌ الحَجَّاج‌، و أبو نُعَيْم‌ الإصفهاني‌ّ، و أبوالحسن‌ الدارقُطني‌ّ، و أبوبكر بن‌ مردويه‌، و ابن‌ شاهين‌، و أبوبكر البَاقْلاني‌ّ، و أبوالمَعَإلی‌ الجُوَيني‌ّ، و أبو إسحاق‌ الثَّعْلبي‌ّ، و أبو سَعيد الخركوشي‌ّ، و أبوالمظَفَّر السَّمْعاني‌ّ، و أبو بكر بن‌ شَيْبة‌، و علی بن‌ الجعد، و شُعبة‌، والاعَمش‌، و ابن‌ عبّاس‌، و ابن‌ الثَّلاَّج‌، و الشَّعْبي‌ّ، و الزُّهْرِي‌ّ، و الاقلِيشي‌ّ، و ابن‌ ماجَة‌، و ابن‌ البَيِّع‌، و ابن‌ عَبْد رَبِّة‌، و الكاني‌ّ، و أبُويَعلی الموصلي‌ّ من‌ عدّة‌ طرق‌. و أحمد بن‌ حَنبل‌ من‌ أربعين‌ طريقاً، و ابن‌ بَطَّة‌ من‌ ثلاث‌ وعشرين‌ طريقاً، و ابن‌ جرير الطَّبَري‌ّ من‌ نيّف‌ وسبعين‌ طريقاً في‌ كتاب‌ « الوَلاَية‌ » و أبُو العبّاس‌ بن‌ عُقْدَة‌ من‌ مائة‌ وخمس‌ طرق‌، و أبو بَكر الجِعَاني‌ّ من‌ مائة‌ وخمس‌ وعشرين‌ طريقاً.

 الرجوع الي الفهرس

أصحاب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ الذين‌ رووا حديث‌ الغدير

 وقد صنّف‌ علی بن‌ هِلال‌ المَهلَّبِي‌ّ كتاب‌ « الغدير »؛ وأحمدبن‌ محمّدبن‌ سَعْد كتاب‌ « مَنْ رَوَي‌ غَدير خُمّ »؛ و مَسْعُود الشَّجَري‌ّ كتاباً فيه‌ رواة‌ هذا الخبر وطرقه‌؛ واستخرج‌ مَنْصُور اللاّني‌ّ الرازي‌ّ في‌ كتابه‌ أسماء رواته‌ علی حروف‌ المعجم‌؛ وذكر عن‌ صاحب‌ « الكافي‌ » أنـّه‌ قال‌: روي‌ لنا قصّة‌ غدير خُمّ القَاضِي‌ّ أبوبَكر الجِعَابي‌ّ عن‌ أبي‌ بكر، وعمر، وعُثمان‌، وعلی، وَطَلْحَة‌، والزُّبير، والحَسَن‌، والحُسَين‌، وعبدالله‌بن‌ جَعْفَر، وعبّاس‌بن‌ عبدالمُطَّلِب‌، وعبدالله‌ بن‌ عبّاس‌، وأبو ذرّ، وسَلْمَان‌، وعبدالرّحمن‌، وأبو قتادة‌، وزَيد بن‌ أرقَم‌، وجَرير بن‌ حَمِيد، وعَدِي‌ِّبن‌ حاتم‌، وعبدالله‌ بن‌ أنيس‌، والبَراء بن‌ عَازِب‌، وأبو أيُّوب‌، وأبُو بَرْزَة‌ الاسْلمي‌ّ، وسَهْل‌ بن‌ حُنيف‌، وسَمُرَة‌ بن‌ جُنْدَب‌، وأبُو الهَيثم‌، وعبدالله‌بن‌ ثابت‌ الانصاري‌ّ، وَسَلَمَة‌ بن‌ الاكْوَع‌، والخُدري‌ّ، وعَقَبَة‌بن‌ عَامِر، وأبُو رافِع‌، وكَعْب‌ بن‌ عُجْرَة‌، وحُذَيفة‌ بن‌ إلیمَان‌، وأبُو مَسْعُود البَدْري‌ّ، وحُذَيفة‌بن‌ أُسيد، وزيد بن‌ ثَابِت‌، وسَعد بن‌ عُبَادَةَ، وخُزَيمَة‌بن‌ ثابت‌، وخَبَّاب‌بن‌ عُتْبَة‌، وجُنْدُب‌ بن‌ سُفْيان‌، وعُمَر بن‌ أبي‌ سَلَمَة‌، وقَيْس‌بن‌ سَعْد، وعُبادة‌ بن‌ الصامت‌، وأبو زَينب‌، وأبو لَيْلي‌، وعبدالله‌بن‌ رَبيعَة‌، وأُسامَة‌بن‌ زيد، وسَعْد بن‌ جُنَادة‌، وَخبَّاب‌ بن‌ سَمُرة‌، ويَعلیبن‌ مُرَّة‌، وابن‌ قُدَامَة‌ الانصاري‌ّ، ونَاجِيَة‌ بن‌ عُمَيْرة‌، وأبو كاهل‌، وخالد بن‌ الوَليد، وحَسَّان‌بن‌ ثابت‌، والنعمان‌ بن‌ عَجلان‌، وأبو رِفَاعة‌، وعَمروبن‌ الحَمِق‌، وعبدالله‌بن‌ يَعْمُر، ومالك‌ بن‌ الحُوَيْرِث‌، وأبو الحَمْراء، وضَمْرة‌بن‌ حَبيب‌، ووحشي‌ّ بن‌ حَرْب‌، وعُرْوة‌ بن‌ أبي‌ الجَعْد، وعَامرِبن‌ النميري‌ّ، [26] وبَشيربن‌ عبدالمُنذِر، ورِفاعَة‌ بن‌ عبدالمُنْذِر، وثابت‌بن‌ وَديعَة‌، وعَمْرُبن‌ حُرَيث‌، وقَيس‌ بن‌ عَاصِم‌، وعبد الاعلیبن‌ عَدِي‌ّ، وعُثمان‌بن‌ حُنَيف‌، وأُبَي‌ّ بن‌ كَعْب‌، ومن‌ النساء: فاطمة‌ الزَّهراء عليها السلام‌، وعائشة‌، وأُمّ سَلَمَة‌، وأُمُّ هاني‌، وفاطمة‌ بنت‌ حمزة‌بن‌ عبدالمطّلب‌. [27]

 يقول‌ العالم‌ الجليل‌ مير حامد حسين‌ الهندي‌ّ النيسابوري‌ّ في‌ كتابه‌ الشريف‌: « عبقات‌ الانوار في‌ إثبات‌ إمامة‌ الائمّة‌ الاطهار » الجزء الذي‌ صنّفه‌ في‌ الغدير خاصّة‌، وبعد ذكره‌ ما نقلناه‌ آنفاً عن‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ حول‌ تصنيف‌ ابن‌ عقدة‌ كتاباً في‌ الغدير يقع‌ في‌ عدد من‌ الاجزاء، وتبلغ‌ طرقه‌ فيه‌ مائة‌ وخمسة‌ طرق‌: كان‌ هذا الكتاب‌ موجوداً عند ابن‌ طاووس‌، وذكره‌ في‌ كتابه‌: « الطرائف‌ في‌ مَعْرفة‌ مَذَاهِبِ الطَّوائف‌ »؛ وأورد فيه‌ أسماء الصحابة‌ الذين‌ نقل‌ عنهم‌ ابن‌ عُقْدَة‌ حديث‌ الغدير، ثمّ يذكر أسماء الصحابة‌ الذين‌ أسند ابن‌ عُقدد الحديث‌ إلیهم‌. وهؤلاء الصحابة‌ ـ مضافاً إلی‌ العدد الذي‌ ذكرناه‌ منهم‌ عن‌ «مناقب‌ » ابن‌ شـهرآشـوب‌ آنفاًـ هم‌:

 سعيد بن‌ مَالِك‌، عبدالله‌ بن‌ مَسعود، عَمَّار بن‌ يَاسِر، أسعدبن‌ زُرارة‌ الانصاري‌ّ، خالِد بن‌ زَيد الانصاري‌ّ، عبد الله‌ بن‌ عُمَربن‌ الخَطَّاب‌، رِفاعَة‌بن‌ رَافِع‌ الانصاري‌ّ، سهلُ بن‌ سَعد الانصاري‌ّ، هاشم‌بن‌ عُتبَة‌بن‌ أبي‌ وقّاص‌، المِقداد بن‌ عَمرو الكندي‌ّ، عبدالله‌ بن‌ أُسَيْد المَخزُومي‌ّ، عِمران‌بن‌ الحُصَين‌ الخُزاعي‌ّ، بُرَيدَة‌ بن‌ جَبَلَة‌ بن‌ عَمرو الانصاري‌ّ، أنَس‌بن‌ مَالِك‌، سعيد بن‌ سَعد بن‌ عُبَادَة‌، أبُو سَرِيحة‌ الغِفاري‌ّ، زَيْدّبن‌ حارثَة‌، جَابربن‌ سَمُرَة‌ السُّوائي‌ّ، حُبْشي‌ّ بن‌ جُنَادَه‌ السَّلُولِي‌ّ، ضُمَيرة‌ الاسَدي‌ّ، عُبَيدبن‌ عَازِب‌ الانصاري‌ّ، عبد الله‌ بن‌ أبي‌ أَوفَي‌ الاسْلَمي‌ّ، زيدبن‌ شَرَاحِيل‌ الانصاري‌ّ، عبد الله‌ بن‌ بِشر المَازِني‌ّ، عبد الله‌بن‌ نعيم‌ الدَيْلَمي‌ّ، أبُو فُضَالة‌ الانصاري‌ّ، عَطِيَّة‌ بن‌ بِشر المَازِنِي‌ّ، عَامِربن‌ لَيْلي‌ الغِفاري‌ّ، أبُو طُفيل‌ عَامِرِ بن‌ واثِلَة‌ الكِنانِي‌ّ، عبد الرحمن‌ عَبْدرَبِّ الانصاري‌ّ، عبدالله‌بن‌ يَامِيل‌، حَبَّة‌ بن‌ جُوَين‌ العُرَني‌ّ، أُبُو ذُؤَيب‌ الشاعر، أُبو شُرَيح‌ الخُزَاعي‌ّ، أُبُو جُحَيفَة‌ وَهَب‌ بن‌ عبد الله‌ السُّوائي‌ّ، أُبو أُمامة‌ صُدَي‌ّبن‌ عَجْلان‌ الباهِلي‌ّ، عَامِر بن‌ لَيْل‌ بن‌ ضَمْره‌، قَيس‌ بن‌ ثَابِت‌ شَمّاس‌ الانصاري‌ّ، عبدالرَّحمن‌بن‌ مُدْلَج‌، حبيب‌ بن‌ بُدَيْل‌ بن‌ وَرْقاء الخُزاعي‌ّ. ومن‌ النساء ـ إضافة‌ إلی‌ ما ذكرناـ: أسماء بنت‌ عُمَيْس‌ الخُثْعَمِيَّة‌.

 ثمّ يقول‌ صاحب‌ « العبقات‌ »: يبدو من‌ هذه‌ العبارة‌ أنّ ابن‌ عقدة‌ روي‌ حديث‌ الغدير عن‌ هؤلاء الصحابة‌ المذكورين‌ وهم‌ نُهاد مائة‌ شخص‌.

 وكذلك‌ فإنّ رواية‌ ثمانية‌ وعشرين‌ صحابيّاً آخر غير المذكورين‌ تقوّي‌ هذا الحديث‌ الشريف‌. [28]

 ويقول‌ أيضاً: روي‌ أبوالحسن‌ علی بن‌ محمّد بن‌ الخطيب‌ الجُلاّبي‌ّ المعروف‌ بابن‌ المَغَازِلِي‌ّ في‌ كتاب‌ « المناقب‌ » بناءً علی ما نقله‌ الشيخ‌ أبوالحسن‌ يحيي‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ الحسين‌ بن‌ علی الاسدي‌ّ الحلّي‌ّ الربعي‌ّ المعروف‌ بابن‌ بطريق‌،[29] في‌ كتاب‌ « العُمْدة‌ في‌ عيون‌ صحاح‌ الاخبار في‌ مناقب‌ إمام‌ الابرار أمير المؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ وصي‌ّ المختار »، قال‌: حدّثني‌ أبو القاسم‌ الفضل‌ بن‌ محمّد بن‌ عبدالله‌ الإصفهاني‌ّ أنـّه‌ لمّا دخل‌ علينا في‌ واسط‌، وكان‌ يقرأ من‌ كتابه‌ ويملي‌ في‌ العشرين‌ من‌ شهر رمضان‌ سنة‌ 434ه قال‌: حدّثني‌ محمّد بن‌ علی بن‌ عُمَر بن‌ المهدي‌ّ، قال‌: حدّثني‌ سليمان‌بن‌ أحمدبن‌ أيُّوب‌ الطَبَراني‌ّ؛ قال‌: حدّثني‌ أحمد بن‌ إبراهيم‌بن‌ كيسان‌ الثقفي‌ّ الإصفهاني‌ّ: قال‌: حدّثني‌ إسماعيل‌ بن‌ عُمر البَجَلي‌ّ؛ قال‌: حدّثني‌ مِسْعَربن‌ كِدام‌، عن‌ طلحة‌ بن‌ معروف‌، عن‌ عُمَر بن‌ سَعْد ] أنـّه‌ [ قال‌: شهدتُ عليّاً المنبر ناشد أصحاب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أنّ من‌ سمع‌ عن‌ النبي‌ّ في‌ يوم‌ غدير خمّ يقول‌ ما قال‌، فليشهد! فقام‌ اثنا عشر رجلاً منهم‌ فشهدوا. ومنهم‌: أُبو سعيد الخُدري‌ّ، و أبو هُرَيرة‌، و أنَس‌بن‌ مَالِك‌، شهدوا أنّ هؤلاء جميعهم‌ سمعوا من‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أنـّه‌ قال‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ، اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ.

 ثمّ قال‌ ابن‌ بطريق‌: قال‌ ] راوي‌ّ هذا الحديث‌ [: أبوالقاسم‌ الفضل‌بن‌ محمّد: هذا حديث‌ صحيح‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌. وقد روي‌ حديث‌ غدير خمّ عن‌ رسول‌ الله‌ نحو مائة‌ نفس‌ منهم‌ العشرة‌ ] المُبَشَّرَة‌ [ وهو حديث‌ ثابت‌ لا أعرف‌ له‌ علّة‌، تفرّد علی رضي‌ الله‌ عنه‌ بهذه‌ الفضيلة‌ لم‌يشركه‌ أحد ـ انتهي‌. [30]

 ثمّ يقول‌: الظاهر من‌ العبارة‌ أنّ حديث‌ غدير خُمّ حديث‌ صحيح‌ عن‌ صاحب‌ الرسالة‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌؛ وروي‌ هذا الحديث‌ الشريف‌ مائة‌ من‌ الصحابة‌ بينهم‌ العشرة‌؛ أي‌: العشرة‌ الذين‌ نقل‌ في‌ حقّهم‌ حديث‌ البشارة‌ بالجنّة‌. ولم‌ يكتف‌ الفضل‌ بن‌ محمّد بهذا الكلام‌، بل‌ قال‌ لمزيد التأكيد وتشييد أُسس‌ صحّة‌ هذا الحديث‌ وثبوته‌: هذا الحديث‌ ثابت‌؛ ولا أعلم‌ له‌ علّة‌ ( نقصاً وعيباً ). وقال‌ أيضاً: تفرّد علی عليه‌ السلام‌ بهذه‌ الفضيلة‌، ولم‌يشركه‌ فيها أحد. وهذا الكلام‌ ـبغضّ النظر عن‌ دلالته‌ علی كمال‌ صحّة‌ حديث‌ الغدير وثبوته‌ وتواتره‌ واستفاضته‌ـ دالّ علی أنّ هذا الحديث‌ يدلّ علی إمامة‌ الإمام‌ أو فضيلته‌ المستلزمة‌ للإمامة‌. لانّ عدم‌ مشاركة‌ شخص‌ آخر لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ هذه‌ الفضيلة‌ دليل‌ صريح‌ علی استئثاره‌ بهذه‌ الفضيلة‌؛ فإذا كانت‌ الفضيلة‌ هي‌ الإمامة‌ نفسها، فذاك‌ المطلوب‌؛ وإذا كانت‌ غيرالإمامة‌، فلا خَلاق‌ للآخرين‌ منها أيضاً، فأميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أفضل‌ الجميع‌. [31]

 الرجوع الي الفهرس

الكتب‌ المستقلّة‌ التي‌ أ لّفت‌ في‌ الغدير

 وبعد ذلك‌ عرض‌ شرحاً مفصّلاً ذكر فيه‌ أنّ علماء السنّة‌ الكبار نصّوا علی كتاب‌ ابن‌ عقدة‌، وخطبة‌ غدير خمّ فيه‌ بطرق‌ عديدة‌. ومن‌ هؤلاء: الشيخ‌ تقي‌ّ الدين‌ ابو العبّاس‌ أحمد بن‌ عبد الحليم‌ بن‌ عبدالسلام‌بن‌ تيميّة‌ الحَرَّاني‌ّ الحنبلي‌ّ ـالذي‌ أثني‌ عليه‌ الفاضل‌ المعاصر في‌ «مُنتَهَي‌ الكَلاَم‌» [32] وسمّاه‌: شيخ‌ الإسلام، وتشبّث‌ بإفاداته‌ في‌ مقابلة‌ أهل‌ الحقّـ في‌ كتابه‌: «مِنْهاج‌ السُّنَّة‌ النَّبويَّة‌ في‌ رَدِّ كَلاَمِ الشِّيعَة‌ والقَدَريَّة‌» الذي‌ ردّ عليه‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ أحَلَّه‌ اللَهُ مَظَانَّ الكَرَامَةِ وَبَوّأهُ دَارَ السَّلاَمَةِ في‌ كتابه‌ «مِنْهَاجِ الكَرامَةِ». فإنّه‌ قال‌ فيه‌: وَقَدْ صَنَّفَ أبُو العَبَّاسِ ابْنُ عُقْدَة‌ مُصَنَّفاً في‌ جَمْعِ طُرُقِهِ.[33]

 ومنهم‌: الشيخ‌ محمّد بن‌ محمّد بن‌ علی أبو الفضل‌ الكناني‌ّ العَسْقلاني‌ّ المصري‌ّ الشافعي‌ّ المعروف‌ بابن‌ حَجَر الذي‌ لا شكّ في‌ جلالته‌ وفضائله‌ عند مترجمي‌ أهل‌ السنّة‌ كالمقريزي‌ّ، وشمس‌ بن‌ ناصر الدين‌ الدمشقي‌ّ في‌ « تَوضيح‌ المُشْتَبه‌ »، وبدر الدين‌ محمّد بن‌ إبراهيم‌ البستنكي‌ّ القاهري‌ّ في‌ « طبقات‌ الشُّعَراء » وغير هؤلاء،... ويعتزّ الفاضل‌ المعاصر في‌ « مُنتَهَي‌ الكلام‌ » بتحقيقاته‌، ويري‌ أنّ تبحّره‌ في‌ علم‌ الحديث‌ الشريف‌ مُسَلَّم‌ الثبوت‌. يقول‌ ابن‌ حجر في‌ «فتح‌ الباري‌» وهو شرح‌ لصحيح‌ البخاري‌ّ، وقد أصبح‌ حكمه‌ كحكم‌ المتن‌ المشروح‌، أعني‌ّ، « صحيح‌ البخاري‌ّ » حسب‌ إفادة‌ المخاطب‌ في‌ « بستان‌ المحدّثين‌ » ولشهرته‌ وكثرة‌ النقل‌ عنه‌ والرجوع‌ إلیه‌. يقول‌ في‌ مناقب‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌:

 وَأَمَّا حَدِيثُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ» فقد أخرجه‌ الترمذي‌ّ، والنسائي‌ّ؛ وهو حديث‌ طرقه‌ كثيرة‌ جدّاً. وقد جمعها ابن‌ عقدة‌ في‌ كتاب‌ مستقلّ. وكثير من‌ أسناد تلك‌ الطرق‌ صحيحة‌ وحسنة‌ـ انتهي‌. [34]

 وبعد ذلك‌ تحدّث‌ العلاّمة‌ ميرحامد حسين‌ بالتفصيل‌ عن‌ ابن‌ عقدة‌ والكبار والاعاظم‌ الذين‌ نقلوا عنه‌، وذكر كتب‌ التراجم‌ والرجال‌، التي‌ أثنت‌ علی أُولئك‌ الاعاظم‌، ثمّ قال‌:

 « وقد ذكر مُحمّد بن‌ جَرير الطبري‌ّ صاحب‌ التاريخ‌، خبرَ يوم‌ الغدير وطرقه‌ في‌ خمسة‌ وسبعين‌ طريقاً. وأفرد له‌ كتاباً سمّاه‌ « كتاب‌ الوَلاَية‌ ». كما أنّ صاحب‌ « العُمْدَة‌ » طاب‌ ثراه‌ ذكر هذا الموضوع‌ بنفس‌ العبارات‌ التي‌ نقلناها. ويقول‌ بعد نقل‌ ما أوردناه‌ عن‌ كتاب‌ «الإقبال» للسيّد ابن‌ طاووس‌ حول‌ كتاب‌ الطبري‌ّ: وقال‌ في‌ « الطرائف‌ »: وقد روي‌ حديث‌ يوم‌ الغدير محمّدبن‌ جرير الطبري‌ّ صاحب‌ التاريخ‌ من‌ خمس‌ وسبعين‌ طريقاً، وأفرد له‌ كتاباً سمّاه‌: « كتاب‌ الولاية‌ »؛ ورأيت‌ في‌ بعض‌ ما صنّفه‌ الطبري‌ّ في‌ صحّة‌ خبر يوم‌ الغدير أنّ اسم‌ الكتاب‌ « الردّ علی الحُرْقُوصِيَّة‌ » يعني‌: الحنبليّة‌، لانّ أحمد بن‌ حنبل‌ من‌ ولد حُرقُوص‌ بن‌ زُهَير الخارجي‌ّ. وقيل‌: إنّما سمّاه‌ الطبري‌ّ بهذا الاسم‌ لانّ البربهاري‌ّ الحنبلي‌ّ تعرّض‌ للطعن‌ في‌ شي‌ء ممّا يتعلّق‌ بخبر الغدير.

 واعترف‌ العلاّمة‌ شمس‌ الدين‌ أبو عبدالله‌ محمّدبن‌ أحمدبن‌ عثمان‌بن‌ قايماز التركماني‌ّ الدمشقي‌ّ الذهبي‌ّ بتإلیف‌ الطبري‌ّ كتاباً مستقلاّ في‌ طرق‌ حديث‌ الغدير. وقد قصم‌ ظهر المنكرين‌ النُّصَّاب‌ بوقوفه‌ علی ذلك‌ الكتاب‌ ودهشته‌ لكثرة‌ طرق‌ الحديث‌؛ كما قال‌ محمّدبن‌ إسماعيل‌ في‌ « الروضة‌ النَّدِيّة‌ » وهي‌ شرح‌ علی «التُّحْفَة‌ العَلَويّة‌»: قال‌ الحافظ‌ الذهبي‌ّ في‌ « تذكرة‌ الحُفَّاظ‌ » في‌ ترجمة‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ: أَ لّف‌ محمّدبن‌ جرير الطبري‌ّ في‌ هذا الموضوع‌ كتاباً، وقفتُ عليه‌ فاندهشت‌ لكثرة‌ طرقه‌.

 وقال‌ إسماعيل‌ بن‌ عمر بن‌ كثير بن‌ ضو بن‌ كثير الشافعي‌ّ الذي‌ ستسمع‌ نبذه‌ من‌ فضائله‌ ومحامده‌ ومناقبه‌ ومفاخره‌ فيما بعد إن‌ شاء الله‌ تعإلی‌ قال‌ في‌ تأريخه‌ عند ذكر محمّد بن‌ جَرير الطبري‌ّ ـعلی ما نُقِل‌ـ: وقد رأيت‌ كتاباً جمع‌ فيه‌ ] الطبري‌ّ [ أحاديث‌ غدير خمّ في‌ مجلّدين‌ ضخمين‌، وكتاباً جمع‌ فيه‌ طرق‌ حديث‌ الطير. [35]

 وبعد ذكره‌ شرحاً مفصّلاً عن‌ الطبري‌ّ وشهرته‌ وإلمامه‌ وأسماء الذين‌ عظّموه‌ وأثنوا عليه‌، قال‌:

 وصنّف‌ المحدّث‌ الشهير: أبو القاسم‌ عبيد الله‌ بن‌ عبد الله‌ الحَسْكاني‌ّ كتاباً أثبت‌ فيه‌ حديث‌ الغدير وجمع‌ طرقه‌، وقال‌ بعد نقل‌ ما أوردناه‌ عن‌ «الإقبال» للسيّد ابن‌ طاووس‌:

 وقال‌ في‌ « الطرائف‌ في‌ معرفة‌ مذاهب‌ الطَّوائف‌ »: وصنّف‌ الحاكم‌ عُبَيدالله‌بن‌ عَبدالله‌ الحَسكاني‌ّ كتاباً في‌ حديث‌ يوم‌ الغدير سمّاه‌: « كتاب‌ دعاة‌ الهُداة‌ إلی‌ أداء حقِّ الموالاة‌ » وهو اثنا عشر مجلّداً.

 ولا يخفي‌ أنّ أبا القاسم‌ الحَسْكَاني‌ّ من‌ أجلّه‌ العلماء المتقنين‌، وعمدة‌ الكاملين‌ المحدّثين‌ وأثبات‌ النحارير الممدوحين‌ وثقات‌ الجهابذة‌ المعتمدين‌؛ يقول‌ جلال‌ الدين‌ السيوطي‌ّ في‌ « طبقات‌ الحفّاظ‌ »:

 الحَسْكَانِي‌ّ القاضِي‌ المُحَدّثُ عُبيد الله‌ بن‌ عبدالله‌بن‌ أحمدبن‌ محمّدبن‌ حَسكان‌ القرشي‌ّ العامري‌ّ النيسابوري‌ّ، ويعرف‌ بابن‌ الحَذّاءِ، شيخٌ مُتْقِنٌ ذُو عِنَايَةٍ تَامَّةٍ بِعِلْمِ الحَدِيث‌، عُمِّرَ وَعَلاَ إسْنَادُهُ؛ وَصَنَّفَ فِي‌ الاَبْوَابِ وَجَمَعَ؛ حَدَّثَ عَنْ جَدِّهِ: الحَاكِمِ وَأَبِي‌ طَاهِرِبن‌محمش‌؛ وَتَفَقَّه‌ بالقاضي‌ أبي‌ العُلاَ صَاعِدٍ؛ أمْلَي‌ مَجْلِساً صَحَّحَ فِيهِ رَدَّ الشَّمْسِ لِعلی، وَهُوَ يَدُلُّ خُبْرَتِهِ بِالحَدِيثِ، وَتَشَيَّعَ، مَاتَ بَعْدَ أَرْبَعْمِائةٍ وَسَبْعِينَ.

 نلاحظ‌ أنّ هذا الكلام‌ يشعّ بالمآثر الجميلة‌ للحسكاني‌ّ، إذ إنّ الواضح‌ فيه‌ هو أنّ الحَسْكَاني‌ّ كان‌ شيخاً متقناً، وله‌ عناية‌ تامّة‌ بعلم‌ الحديث‌. عمّر طويلاً، وإسناده‌ رفيع‌. عكف‌ علی التصنيف‌ في‌ أبواب‌ الحديث‌ المتنوّعة‌ وجمع‌ الروايات‌. حدّث‌ عن‌ جدّه‌ الحاكم‌ النيسابوري‌ّ، وأبي‌ طاهربن‌ محمش‌. تفقّه‌ علی القاضي‌ّ أبي‌ العلا صاعد، وأملي‌ مجلساً صحّح‌ فيه‌ ردّ الشمس‌ للإمام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، وذلك‌ يدلّ علی خبرته‌ في‌ الحديث‌.

 ويستبين‌ لنا من‌ هذا الكلام‌ جلالة‌ الحَسْكاني‌ّ ونُبله‌ ومهارته‌ ونباهته‌ وغاية‌ فضله‌ وكماله‌ وحذاقته‌. وأمّا دلالة‌ تصحيحه‌ حديث‌ ردّ الشمس‌ علی تشيّعه‌، فلاضير في‌ ذلك‌، ذلك‌ أنـّك‌ علمت‌ آنفاً أنّ التشيّع‌، حسب‌ تصريح‌ العلاّمة‌ ابن‌ حَجَر العَسْقلاني‌ّ، هو: حبّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وتقديمه‌ علی الصحابة‌ وتِلكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا. [36]

 وبعد أن‌ خصّص‌ فصلاً للثناء علی الحاكم‌ الحَسْكاني‌ّ، ينتقل‌ إلی‌ السِّجِستاني‌ّ فيقول‌ عنه‌:

 وصنّف‌ أبو سعيد مسعود بن‌ ناصر السَّنجَري‌ّ السِّجِستاني‌ّ كتاباً مفرداً في‌ طرق‌ حديث‌ الغدير سمّاه‌: «كِتابِ دِرَايَةِ حدِيثِ الوَلاَية‌» في‌ سبعة‌ عشر جزءاً وعدد أسانيده‌ ألف‌ وثلاثمائة‌ سند.

 وقال‌ بعد نقل‌ ما ذكرناه‌ عن‌ «الإقبال» للسيّد ابن‌ طاووس‌ حول‌ كتابه‌: يتبيّن‌ من‌ هذا أنّ السجستاني‌ّ صنّف‌ كتاباً خاصّاً في‌ ضبط‌ طرق‌ حديث‌ الغدير، وهو سبعة‌ عشر جزءاً، سمّاه‌: « دِرَايَة‌ حَديثِ الوَلاَية‌ ». روي‌ فيه‌ هذا الحديث‌ الشريف‌ عن‌ مائة‌ وعشرين‌ صحابيّاً. وقال‌ في‌ « الطرائف‌ في‌ معرفة‌ مذاهب‌الطوائف»: قد وقفت‌ علی كتاب‌ صنّفه‌ أبو سعيد مسعودبن‌ ناصر السجستاني‌ّ؛ سمّاه‌ كتاب‌ « دراية‌ حديث‌ الولاية‌ ». وهو سبعة‌ عشر جزءاً. ما وقفت‌ علی مثله‌؛ وهذا مسعود بن‌ ناصر من‌ أوثق‌ رجال‌ المذاهب‌ الاربعة‌. وقد كشف‌ عن‌ حديث‌ يوم‌ الغدير ونصّ رسول‌ الله‌ علی علیبن‌ أبي‌ طالب‌ بالخلافة‌ بعده‌. رواه‌ عن‌ مائة‌ وعشرين‌ من‌ الصحابة‌، بينهم‌ ستّ نساء، ومن‌ عرف‌ ما تضمّنه‌ كتاب‌ « دِراية‌ حَديثِ الوَلاَية‌ »، ما يشكّ في‌ أنّ الذين‌ تقدّموا علی علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عاندوا ومالوا إلی‌ طلب‌ الرئاسة‌، وعدد أسانيد كتاب‌ «دِراية‌ الوَلاَية‌» ألف‌ وثلاثمائة‌ سند.

 وتدلّ هذه‌ العبارة‌ علی أنّ السجستاني‌ّ صنّف‌ كتاباً في‌ جمع‌ طرق‌ حديث‌ الغدير، رواه‌ عن‌ مائة‌ وعشرين‌ صحابيّاً، وعدد أسانيده‌ ألف‌ وثلاثمائة‌ سند. ولا يخفي‌ أنّ مسعود السجستاني‌ّ هو من‌ أجلّة‌ الحفّاظ‌، وأعاظم‌ المحدّثين‌، وأكابر المعتمدين‌ والمشايخ‌ المعتبرين‌ وسُبّاق‌ الموثّقين‌، والحُفَّاظ‌ المتقنين‌ لاهل‌ السنّة‌.

 وقال‌ عبد الكريم‌ السَّمْعاني‌ّ في‌ « الانساب‌ »: أبو سعيد مسعودبن‌ ناصربن‌ أبي‌ زيد السَّنْجري‌ّ الرِّكاب‌، كان‌ حافظاً متقناً فاضلاً. رحل‌ إلی‌ خراسان‌ والجبال‌ والعراقين‌ والحجاز، وأكثر من‌ الحديث‌ وجمع‌ الجمع‌، روي‌ لنا عنه‌ جماعة‌ كثيرة‌ بمرو ونيسابور وإصبهان‌، وتوفّي‌ سنة‌ سبعة‌ وسبعين‌ وأربعمائة‌. [37]

 وقال‌ بعد ترجمته‌ للسجستاني‌ّ:

 شمس‌ الدين‌ ابن‌ أبي‌ عبد الله‌ محمّد بن‌ أحمد الذهبي‌ّ الذي‌ زيّن‌ مشايخ‌ المحقّقين‌ والعلماء المعتمدين‌ كتبهم‌ بفضائله‌ الجليلة‌ ووشّوها بها. صنّف‌ أيضاً كتاباً مفرداً في‌ طرق‌ حديث‌ الغدير، وصرّح‌ بأنّ له‌ طرقاً جيّدة‌.

 وجاء في‌ كتاب‌ «مِفْتاح‌ كَنْز دِرَايَةِ رِوَايَةِ المَجْمُوع‌ مِنْ دُرَرِ المُجَلَّدِ المَسْمُوع‌» ما نصّه‌: قال‌ الخطيب‌ البغدادي‌ّ: « كان‌ الحاكم‌ ثقة‌ وكان‌ يميل‌ إلی‌ التشيّع‌. جمع‌ أحاديث‌ وزعم‌ أنـّها صحاح‌ علی شرط‌ البخاري‌ّ، ومسلم‌، منها: حديث‌ الطير، وحديث‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ، فأنكره‌ عليه‌ أصحاب‌ الحديث‌ ولم‌ يلتفتوا إلی‌ قوله‌ ».

 قال‌ الحافظ‌ الذهبي‌ّ: « ولا ريب‌ أنّ في‌ « المستدرك‌ » أحاديث‌ كثيرة‌ ليست‌علی شرط‌ الصحّة‌، بل‌ فيه‌ أحاديث‌ موضوعة‌، يليق‌ بـ « المستدرك‌ » إخراجها منه‌. وأمّا حديث‌ الطير فله‌ طرق‌ كثيرة‌ جدّاً، قد أفردتها بمصنّف‌ بمجموعها يوجب‌ أنّ الحديث‌ له‌ أصل‌. وأمّا حديث‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ فله‌ طرق‌ جيّدة‌، وقد أفردت‌ ذلك‌ أيضاً ».

 إلی‌ أن‌ قال‌: « ذكر الخطيب‌ البغدادي‌ّ عن‌ الحاكم‌ أنـّه‌ كان‌ ثقة‌، وكان‌ يميل‌ إلی‌ التشيّع‌. وقال‌ بعض‌ العلماء بالنسبة‌ إلی‌ تشيّعه‌ إنّه‌ كان‌ يقول‌ بتفضيل‌ علی علی عثمان‌، وهو مذهب‌ جماعة‌ من‌ الاسلاف‌، والله‌ أعلم‌ ».

 وقال‌: « والاهمّ من‌ ذلك‌ كلّه‌ أنّ بعض‌ العلماء صنّف‌ في‌ جمع‌ طرق‌ حديث‌ الغدير ثمانية‌ وعشرين‌ مجلّداً أو أكثر ».

 وقال‌ محمّد بن‌ علی بن‌ شَهْرآشوب‌ المازندراني‌ّ الذي‌ أثني‌ عليه‌ صلاح‌ الدين‌ خليل‌ بن‌ بيك‌ الصفدي‌ّ في‌ «الوافي‌ بالوفيّات‌»، والشيخ‌ مجدالدين‌ أبو طاهر محمّد بن‌ يعقوب‌ الفيروزآبادي‌ّ في‌ كتاب‌ «البُلْغَة‌ في‌ تَرَاجِمِ أَئِمَّةِ النَّحْوِ وَاللُّغَه‌»، وجلال‌ الدين‌ عبدالرّحمن‌بن‌ أبي‌ بكر السيوطي‌ّ في‌ «بُغْيَةُ الوَعَاةِ فِي‌ طَبَقاتِ النُّحاة‌» ومجّده‌ هؤلاء بالمدائح‌ العظيمة‌ والمناقب‌ الفخيمة‌ والمحاسن‌ الجليلة‌ والاوصاف‌ الجميلة‌، وصرّح‌ الصفدي‌ّ أنـّه‌ كان‌ صدوق‌ اللَّهْجَة‌. قال‌ في‌ كتاب‌ « المناقب‌ » بناءً علی نقل‌ حسين‌بن‌ خير في‌ كتاب‌ «نُخَب‌ المَناقِبِ لآلِ أبي‌ طَالِبٍ» [38]: قال‌ جدّي‌ شهرآشوب‌: « سمعت‌ أباالمعإلی‌ الجويني‌ّ يتعجّب‌ ويقول‌: شاهدت‌ مجلّداً ببغداد في‌ يد صحّاف‌ فيه‌ روايات‌ خبر الغدير مكتوباً عليه‌: المجلّد الثامن‌ والعشرون‌ من‌ طرق‌ قول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ ويتلوه‌ المجلّد التاسع‌ والعشرون‌ ».

 ونقل‌ ابن‌ كثير الشامي‌ّ عن‌ أبي‌ المعإلی‌ الجويني‌ّ في‌ تأريخه‌، قال‌: «إنَّهُ كَانَ يَتَعَجَّبُ وَيَقُولُ: شَاهَدْتُ مُجَلَّداً بِبَغْدَادَ فِي‌ يَدِ صَحَّافٍ فِيهِ رِوَايَاتُ هَذَا الخَبَرِ مَكْتُوباً عَلَيْهِ المُجَلَّدَةُ الثَّانِيَةُ وَالعِشْرُونَ مِنْ طُرُقِ «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ»؛ وَيَتْلُوهُ المُجَلَّدُ التَّاسِعُ وَالعِشْرُونَ. [39]

 ماذا تعني‌ هذه‌ الزيادة‌ في‌ التواتر والاستفاضة‌، إذ صُنِّف‌ ثمانية‌ وعشرون‌ مجلّداً أو أكثر في‌ نقل‌ طرق‌ هذا الحديث‌؟ وأي‌ّ حديث‌ عند أهل‌ الإسلام أكثر تواتراً من‌ هذا الحديث‌ الذي‌ رواه‌ ما يربو علی مائة‌ صحابي‌، وأكثر أسانيده‌ صِحَاح‌ وحِسَان‌، وصنّف‌ الاعلام‌ من‌ أهل‌ السنّة‌ كتباً في‌ جمع‌ طرقه‌، حتّي‌ أنّ بعضهم‌ كتب‌ في‌ طرقه‌ ثمانية‌ وعشرين‌ مجلّداً أو أكثر؟ [40]

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ صاحب‌ «عبقات‌ الانوار» في‌ تواتر حديث‌ الغدير عند العامّة‌

 ومن‌ علماء الإماميّة‌ الذين‌ ألّفوا في‌ الغدير: ميرحامد حسين‌ رضوان‌الله‌ عليه‌، وهو من‌ مفاخر علماء الإسلام، ومن‌ حماة‌ حريم‌ التشيّع‌ [41] وحرّاسه‌ المرموقين‌. فإنّه‌ فصّل‌ كثيراً في‌ ذكر الكتب‌ المصنّفة‌ في‌ موضوع‌ حديث‌ الغدير. وانبري‌ إلی‌ ذكر أسماء كثير من‌ العلماء الذين‌ اعترفوا بتواتر الحديث‌، وترجم‌ لهم‌ مسهباً. رضوان‌ الله‌ عليه‌ وأسكنه‌ بُحبوحَة‌ جنَّته‌ مع‌ أوليائه‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ حول‌ مصادر حديث‌ الغدير

 وقد أتي‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ علی حديث‌ الغدير من‌ جميع‌ جوانبه‌ ووفّاه‌ حقّه‌. وذلك‌ في‌ كتابه‌ الفذّ البديع‌ الذي‌ لامثيل‌ له‌: « الغدير » الذي‌ يعدّ فريداً في‌ موضوعه‌ حقّاً، وصاحبه‌ من‌ مفاخر علمائنا. ذكر العلاّمة‌ الاميني‌ّ سند الغدير بالتفصيل‌ عن‌ مائة‌ وعشرة‌ صحابي‌ّ مرتّبة‌ أسماؤهم‌ علی حسب‌ حروف‌ الهجاء مع‌ ترجمة‌ وافية‌ لهم‌. وكذلك‌ أورد أسماء أربعة‌ وثمانين‌ تابعيّاً وفقاً للترتيب‌ الهجائي‌ّ. [42] ونقل‌ في‌ موسوعته‌ أسماء الرواة‌ الذين‌ رووا هذا الحديث‌، اعتباراً من‌ القرن‌ الثاني‌ حتّي‌ القرن‌ الرابع‌ الهجري‌ّ، ومجموعهم‌ ثلاثمائة‌ وستّون‌ راوياً مع‌ ترجمة‌ لحياتهم‌. وكذلك‌ ثبّت‌ فيه‌ أسماء المؤ لّفين‌ الذين‌ صنّفوا في‌ حديث‌ الغدير، وعددهم‌ ستّة‌ وعشرون‌ شخصاً. وقال‌ في‌ آخر هذا البحث‌ تحت‌ عنوان‌: تكملة‌: قال‌ ابن‌ كثير في‌ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 208: « وقد اعتني‌ بأمر هذا الحديث‌ أبو جعفر محمّد بن‌ جرير الطبري‌ّ صاحب‌ التفسير والتأريخ‌، فجمع‌ فيه‌ مجلّدين‌ أورد فيهما طرقه‌ وألفاظه‌. وكذلك‌ الحافظ‌ الكبير أبوالقاسم‌بن‌ عساكر أورد أحاديث‌ كثيرة‌ في‌ هذه‌ الخطبة‌، نحن‌ نورد عيون‌ ما روي‌ في‌ ذلك‌ ».

 وبعد نقل‌ حكاية‌ الجويني‌ّ في‌ بغداد ومشاهدته‌ المجلّد الثامن‌ والعشرين‌ الخاصّ بالغدير عند الصحّاف‌، قال‌ نقلاً عن‌ « ينابيع‌ المودّة‌ »: « وقال‌ العلوي‌ّ الهدّار الحدّاد في‌ كتاب‌ « القول‌ الفصل‌ » ج‌ 1، ص‌445: كان‌ الحافظ‌ أبو العلاء العطّار الهمداني‌ّ يقول‌: أروي‌ هذا الحديث‌ بمائتي‌ وخمسين‌ طريقاً. وهناك‌ تإلیف‌ أُخري‌ تخصّ هذا الموضوع‌ يأتي‌ ذكرها في‌ صلاة‌ الغدير، إن‌ شاء الله‌ ».[43]

 وجمع‌ صاحب‌ « الغدير » في‌ هذه‌ الموسوعة‌ القيّمة‌ القصائد التي‌ أُنشدت‌ في‌ الغدير بدءاً بعصر صدر الإسلام حيث‌ شعر حسّان‌بن‌ ثابت‌، والكميت‌ وأمثالهما، وانتهاءً بالقرن‌ الرابع‌ عشر. جمع‌ القصائد التي‌ قيلت‌ في‌ الغدير، ورتّبها حسب‌ عصورها. وجاء ببحث‌ بليغ‌ حول‌ ترجمة‌ شعرائها ومنهجهم‌ في‌ الحياة‌، وتضلّعهم‌ في‌ العلوم‌، وقرض‌ الشعر، والجدل‌، وإخلاصهم‌ لاهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌. ويمثّل‌ كتاب‌ « الغدير » موسوعة‌ ضخمة‌ ترتكز علی أساس‌ مدرسة‌ التشيّع‌. وفيها كلّ ما لذّ وطاب‌ من‌ الشعر، والادب‌، والتأريخ‌، والفنّ، والاخلاق‌، والعلم‌، والدين‌. رحم‌الله‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ وجزاه‌ عن‌ العلم‌ والدين‌ والإسلام والإیمان أحسَنَ الجَزَاء، وأَسْكَنَه‌ في‌ بُحْبوحة‌ جِنَانه‌ مع‌ أوليائه‌ أئمّة‌ المسلمين‌ مِن‌ آلِ خير المرسَلين‌.

 وقد تحدّث‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ مقدّمة‌ الكتاب‌ عن‌ ضرورة‌ وجود تأريخ‌ صحيح‌؛ واعتبر ذلك‌ باعثاً علی تنامي‌ المجتمع‌ ورقيّه‌. أي‌: أنّ كلّ سعادة‌ ينالها شعب‌ من‌ الشعوب‌ منبثقة‌ عن‌ البحث‌ والنقد والتدوين‌ والتعديل‌ والترجيح‌ في‌ التأريخ‌ الصحيح‌. وذلك‌ ما يقتاد الشعبَ نحو الواقع‌، ويهديه‌ إلی‌ واقع‌ الامر والحقيقة‌. وإذا انحرف‌ التأريخ‌ عن‌ مجراه‌ الصحيح‌ أحياناً، وصوّر المؤرّخون‌، والخطباء، والبلغاء، والمحدّثون‌، والكتّاب‌، الحقائق‌ بشكل‌ آخر، وفُتح‌ للناس‌ طريق‌ الخيالات‌ والاوهام‌، بحيث‌ لايتسنّي‌ لهم‌ أن‌ يميّزوا الحقّ من‌ الباطل‌، فعندئذٍ يسير المجتمع‌ نحو الضياع‌ والفناء، ذلك‌ أنـّه‌ أسّس‌ بنيان‌ تأريخه‌ علی شفا جُرف‌ هارٍ، فلامنتدح‌ له‌ من‌ الانهيار.

 إنّ الاهمّيّة‌ التي‌ تحظي‌ بها واقعة‌ الغدير في‌ تأريخ‌ الإسلام، بل‌ في‌ تأريخ‌ البشريّة‌ جمعاء لا غبار عليها ولا تدع‌ للريب‌ مجالاً: ذلك‌ لايستريب‌ أي‌ّ ذي‌ مسكة‌ من‌ أنّ شرف‌ الشي‌ء بشرف‌ غايته‌، فعليه‌ أنّ أوّل‌ ما تكسبه‌ الغايات‌ أهمّيّة‌ كبري‌ من‌ مواضيع‌ التأريخ‌ هو ما أُسّس‌ عليه‌ دين‌، أو جرت‌ به‌ نحلة‌، واعتلت‌ عليه‌ دعائم‌ مذهب‌، فدامت‌ به‌ أُمم‌، وقامت‌ به‌ دُول‌، وجري‌ به‌ ذكرٌ مع‌ الابد.

 ولذلك‌ نجد أئمّة‌ التأريخ‌ يتهالكون‌ في‌ ضبط‌ مبادي‌ الاديان‌ وتعإلیمها، وتقييد ما يتبعها من‌ دعايات‌، وحروب‌، وحكومات‌، وولايات‌، التي‌ عليها نسلت‌ الحقب‌ والاعوام‌، ومضت‌ القرون‌ الخإلیة‌ ] ويعرّض‌ أُولئك‌ المؤرّخون‌ أنفسهم‌ للخطر من‌ وراء ذلك‌ [.

 وإذا أهمل‌ مؤرّخ‌ شيئاً من‌ ذلك‌، ] ولم‌ يسبر غورها كما ينبغي‌ [، فقد أوجد في‌ صحيفته‌ فراغاً لا تسدّه‌ أيّة‌ مهمّة‌، وجاء فيها بأمر خداج‌، بتر أوّله‌، ولايُعلم‌ مبدؤه‌. وعسي‌ أن‌ يوجب‌ ذلك‌ جهلاً للقاري‌ في‌ مصير الامر ومنتهاه‌.

 إنّ واقعة‌ « غدير خمّ » هي‌ من‌ أهمّ تلك‌ القضايا ] التي‌ وقعت‌ في‌ التأريخ‌ [ لما ابنتي‌ عليها وعلی كثير من‌ الحججّ الدامغة‌، مذهب‌ المقتصّين‌ إثر آل‌ الرسول‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ وعليهم‌، وهم‌ معدودون‌ بالملايين‌، وفيهم‌ العلم‌ والسؤدد، والحكماء والعلماء والاماثل‌ ونوابغ‌ في‌ علوم‌ الاوائل‌ والاواخر، والملوك‌، والساسة‌، والاُمراء، والقادة‌، والادب‌ الجمّ، والفضل‌ الكثار، ] وعندهم‌ [ كتب‌ قيّمة‌ في‌ كلّ فنّ ] من‌ الفنون‌ [.

 ] لذلك‌ [، فإن‌ يكن‌ المؤرخ‌ منهم‌ فمن‌ واجبه‌ أن‌ يفيض‌ علی أُمّته‌ نبأ بدء دعوته‌. وإن‌ يكن‌ من‌ غيرهم‌، فلا يعدوه‌ أن‌ يذكرها بسيطة‌ عندما يسرد تأريخ‌ أُمّة‌ كبيرة‌ كهذه‌، أو يشفعها بما يرتأيه‌ حول‌ القضيّة‌ من‌ غميزة‌ في‌ الدلالة‌، إن‌ كان‌ مزيج‌ نفسه‌ النزول‌ علی حكم‌ العاطفة‌، وما هنالك‌ من‌ نعرات‌ طائفيّة‌ ] التي‌ لا يقوي‌ علی التخلّص‌ منها [ علی حين‌ أنـّه‌ لايتسنّي‌ له‌ غمز في‌ سندها، فإنّ ما ناء به‌ النبي‌ّ يوم‌ الغدير من‌ الدعوة‌ إلی‌ مفاد حديثه‌ لم‌يختلف‌ فيه‌ اثنان‌، وإن‌ اختلفوا في‌ مؤدّاه‌ لاغراض‌ وشوائب‌ غيرخافية‌ علی النابه‌ البصير.

 الرجوع الي الفهرس

المؤرّخون‌ الذين‌ نقلوا واقعة‌ غدير خمّ

 ومن‌ أئمّة‌ التأريخ‌ الذين‌ ذكروا حديث‌ الغدير:

 1 ـ البلاذري‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 279 في‌ « أنساب‌ الاشراف‌ ».

 2 ـ ابن‌ قُتَيْبَة‌ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 276 في‌ « المعارف‌ »، و « الإمامة‌ والسياسة‌ ».

 3 ـ الطبري‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 310 في‌ كتاب‌ مفرد.

 4 ـ ابن‌ زولاق‌ الليثي‌ّ المصري‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 287 في‌ تإلیفه‌.

 5 ـ الخطيب‌ البغدادي‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 463 في‌ تأريخه‌.

 6 ـ ابن‌ عبدالبرّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 463 في‌ « الاستيعاب‌ ».

 7 ـ الشهرستاني‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 548 في‌ « المِلَل‌ والنحل‌ ».

 8 ـ ابن‌ عَسَاكر المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 571 في‌ « تأريخ‌ دمشق‌ ».

 9 ـ ياقوت‌ الحَمَوي‌ّ في‌ « معجم‌ الاُدباء » ج‌ 18 ص‌ 84 من‌ الطبعة‌ الاخيرة‌.

 10 ـ ابن‌ الاثير المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 630 في‌ « أُسد الغابة‌ ».

 11 ـ ابن‌ أبي‌ الحديد المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 656 في‌ « شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ ».

 12 ـ ابن‌ خَلَّكان‌ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 681 في‌ تأريخه‌.

 13 ـ إلیافعي‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 768 في‌ « مرآة‌ الجنان‌ ».

 14 ـ ابن‌ الشيخ‌ البلوي‌ّ في‌ « ألف‌ باء ».

 15 ـ ابن‌ كثير الشامي‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 774 في‌ « البداية‌ والنهاية‌ ».

 16 ـ ابن‌ خَلْدُون‌ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 808 في‌ مقدّمة‌ تأريخه‌.

 17 ـ شمس‌ الدين‌ الذهَبي‌ّ في‌ « تذكرة‌ الحفّاظ‌ ».

 18 ـ النُّوَيري‌ّ المتوفّي‌ حدود 833 في‌ « نهاية‌ الإرب‌ ».

 19 ـ ابن‌ حجر العَسْقَلاني‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 852 في‌ « الإصابة‌ » و « تهذيب‌ التهذيب‌ ».

 20 ـ ابن‌ صَبَّاغ‌ المالكي‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 855 في‌ « الفصول‌ المهمّة‌».

 21 ـ المِقْريزي‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 845 في‌ « الخِطَط‌ ».

 22 ـ جلال‌ الدين‌ السيوطي‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 910 في‌ كتب‌ كثيرة‌ له‌.

 23 ـ القِرماني‌ّ الدمشقي‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 1019 في‌ « أخبار الدُّوَل‌ ».

 24 ـ نور الدين‌ الحَلَبي‌ّ المتوفّي‌ ] سنة‌ [ 1044 في‌ « السيرة‌ الحلبيّة‌ ». وغيرهم‌ ] من‌ المؤرّخين‌ الآخرين‌ [.

 وهذا الشأن‌ في‌ علم‌ التأريخ‌ لا يقلّ عنه‌ الشأن‌ في‌ فنّ الحديث‌. فإنّ المحدّث‌ إلی‌ أي‌ شطر ولّي‌ وجهه‌ من‌ فضاء فنّه‌ الواسع‌ ] في‌ علم‌ الحديث‌ [، يجد عنده‌ صحاحاً ومسانيد تثبت‌ هذه‌ المأثرة‌ لولي‌ّ أمر الدين‌ عليه‌ السلام‌؛ ولم‌يزل‌ الخلف‌ يتلقّاه‌ من‌ سلفه‌ حتّي‌ ينتهي‌ الدور إلی‌ جيل‌ الصحابة‌ الوعاة‌ للخبر؛ ويجد لها مع‌ تعاقب‌ الطبقات‌ بَلَجاً ونوراً يذهب‌ بالابصار.

 فإن‌ أغفل‌ محدّث‌ عن‌ ما هذا شأنه‌ ] وأهمّيّته‌ [، فقد بخس‌ الاُمّة‌ حقّاً، وحرمها عن‌ الكثير الطيّب‌ ممّا أسدي‌ إلیها نبيّها نبي‌ّ الرحمة‌ من‌ برّه‌ الواسع‌، وهدايته‌ لها إلی‌ الطريقة‌ المثلي‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الا´ية‌ 14، من‌ السورة‌ 44: الدخان‌.

[2] ـ الا´ية‌ 47، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[3] ـ الا´ية‌ 5، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[4] ـ الا´ية‌ 6، من‌ السورة‌ 38: ص‌.

[5] ـ خرج إلی الصحراء.

[6] ـ هذا الحديث‌ من‌ الاحاديث‌ النبويّة‌ المتواترة‌ الذي‌ تضافر علي‌ نقله‌ الفريقان‌، ومضافاً إلي‌ أنـّه‌ ورد في‌ كتب‌ الشيعة‌، فقد جاء في‌ كتب‌ العامّة‌ المعتبرة‌ بما لا يحصي‌ حتّي‌ أنّ شاه‌ ولي‌ّ الله‌ الدِهْلَوِي‌ّ ذكره‌ في‌ كتاب‌ «إزالة‌ الخفاء عن‌ خلافة‌ الخلفاء» ص‌ 260 و 261 من‌ ج‌ 2، في‌ فصل‌ خصّصه‌ لترجمة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. وهذه‌ الترجمة‌ قمينة‌ بالدقّة‌ والتمعّن‌. وأورد فيها قصّة‌ غدير خُمّ في‌ ج‌ 2، ص‌ 259. وأقرّ في‌ ص‌ 261 بحديث‌ الولاية‌ بما نصّه‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَإنَّ مَوْلاَهُ عَلِي‌ٌّ. وذكر قصّة‌ الغدير كما يلي‌: لمّا رجع‌ من‌ حِجَّة‌ الوداع‌، خطب‌ في‌ غدير خُمّ خطبة‌ تتضمّن‌ إظهار فضائل‌ المرتضي‌ رضي‌ الله‌ عنه‌، فقد أخرج‌ الحاكم‌، وأبو عمرو، وغيرهما ـوهذا لفظ‌ الحاكم‌ـ عن‌ زيد بن‌ أرقم‌: لَمَّا رَجَعَ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ من‌ حجَّة‌ الوداع‌ ونزل‌ غدير خمّ أمر بدوحات‌ فَقُمِمْنَ؛ قال‌: كأنـّي‌ قد دُعيتُ فأُجبت‌. إنّي‌ قد تركت‌ فيكم‌ الثَّقلين‌: أحدهما أكبر من‌ الا´خر: كتاب‌ الله‌ تعالي‌ وعترتي‌، فانظروا كيف‌ تخلفوني‌ فيها فإنّهما لن‌ يتفرّقا حتّي‌ يردا علي‌ّ الحوض‌. ثمّ قال‌: إنّ الله‌ عزّ وجلّ مولاي‌ وأنا ولي‌ّ كلّ مؤمن‌. ثمّ أخذ بِيَدِ علي‌ّ رضي‌ الله‌ عنه‌ فقال‌: مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَهَذا وَلِيُّهُ؛ اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ.

[7] ـ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 226. الطبعة‌ الثانية‌، مطبعة‌ الحيدري‌ّ بطهران‌.

[8] ـ الا´ية‌ 28، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[9] ـ تفسير «مفاتيح‌ الغيب‌» ج‌ 3، ص‌ 635 و 636.

[10] ـ «تفسير غرائب‌ القرآن‌» ج‌ 6، ص‌ 129 و 130. الطبعة‌ الاُولي‌ 1381 ه.

[11] ـ «الإتقان‌» الطبعة‌ الاُولي‌، مصر، في‌ سنة‌ 1278 ه، ج‌ 1 ص‌ 75.

[12] ـ يسمّي‌ العام‌ السادس‌ من‌ الهجرة‌ بعام‌ الحُدَيْبِيَّة‌ لوقوع‌ صلح‌ الحديبيّة‌ فيه‌.

[13] ـ «تفسير القرطبي‌ّ» ج‌ 6، ص‌ 30. طبعة‌ دار الكاتب‌ العربي‌ّ 1387 ه.

[14] ـ «تفسير القرطبي‌ّ» ج‌ 6، ص‌ 244.

[15] ـ وسط‌ الا´ية‌ الثالثة‌ من‌ السورة‌ المائدة‌، وهي‌ السورة‌ الخامسة‌ من‌ سور القرآن‌ الكريم‌.

[16] ـ الا´ية‌ 67، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[17] ـ إشارة‌ إلي‌ الا´ية‌ 17، من‌ السورة‌ 11: هود: أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِّن‌ رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ و شَاهِدٌ وَمِن‌ قَبْلِهِ كِتَـ'بُ مُوسَي‌'´ إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَـ'´ءِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ. والمقصود من‌ كلمة‌ «يَتْلُوهُ شاهِدٌ منه‌» بدون‌ شكّ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌.

[18] ـ وفقاً للحكم‌ النازل‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ في‌ الا´ية‌: «وَأُولُوا الاْرْحَـ'مِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي‌' بِبَعْضٍ فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ.

[19] ـ المقصود حديث‌ مَن‌ كُنْتُ مَؤْلاَهُ فَعَلَي‌ٌّ مَوْلاَهُ، الذي‌ قاله‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يوم‌ الغدير.

[20] ـ هذه‌ الابيات‌ لابي‌ محمّد المنصور بالله‌ المولود سنة‌ 596 ه والمتوفّي‌ سنة‌ 670 ه. وكان‌ أحد أئمّة‌ الزيديّة‌ في‌ بلاد اليمن‌، ومن‌ أولاد يحيي‌ الهادي‌ إلي‌ الحقّ اليمني‌ّ؛ وكان‌ أحد أئمّة‌ الادب‌ والعربيّة‌ والحديث‌ والشعر والمناظرة‌ والاحتجاج‌، وله‌ اليد الطولي‌ في‌ هذه‌ العلوم‌. وجاءت‌ ترجمته‌ وغديريّته‌ في‌ كتاب‌ «الغدير» ج‌ 5، ص‌ 418 إلي‌ 424. وقال‌ صاحب‌ «الغدير»: تشتمل‌ علي‌ 708 بيتاً، وقصيدته‌ كلّها علي‌ شكل‌ البيتين‌. واختار منها مؤلّف‌ «الغدير» 62 قسماً وذكرها في‌ كتابه‌ وذكرنا هنا اثني‌ عشر بيتاً منها مراعاة‌ للمقام‌ والاءيجاز.

[21] ـ علي‌ سبيل‌ المثال‌ نري‌ أنّ ابن‌ حَجَرالهَيْتَمِي‌ّ، الذي‌ أ لّف‌ كتاب‌ «تطهير اللسان‌» في‌فضيلة‌ معاوية‌ وتقديسه‌، وطبعه‌ في‌ حاشية‌ «الصواعق‌»، لم‌ يجوّز قدح‌ الصحابة‌ والطعن‌ فيهم‌ لئلاّ يُمَسَّ الخلفاء بشي‌ء. بعذ ذلك‌ يبثّ شكواه‌ فيقول‌ في‌ ص‌ 94 من‌ الكتاب‌: وقد علمت‌ ممّا قدّمتُه‌ في‌ معني‌ الاءمساك‌ من‌ ذلك‌ أنّ عدم‌ الاءمساك‌ إمّا يكون‌ واجباً لاسيّما مع‌ ولوع‌ العوامّ به‌؛ ومع‌ تآليف‌ صدرت‌ من‌ بعض‌ المحدّثين‌ كابن‌ قُتيبة‌ مع‌ جلالته‌ القاضية‌ بأنـّه‌ كان‌ ينبغي‌ أن‌ لا يذكر تلك‌ الظواهر؛ فإن‌ أبي‌ إلاّ ذكرها فَلْيُبَيِّن‌ جريانها علي‌ قواعد أهل‌ السُّنَّة‌ حتّي‌ لايتمسّك‌ مبتدع‌ أو جاهل‌ بها.

 ومثلاً يقول‌ الطبري‌ّ في‌ تأريخه‌ ج‌ 3، ص‌ 361 طبعة‌ مطبعة‌ الاستقامة‌ بالقاهرة‌، بعد نقله‌ عدداً من‌ الروايات‌ ضمن‌ محاصرة‌ عثمان‌: وأمّا الواقدي‌ّ فإنّه‌ ذكر في‌ سبب‌ مسير المصريّين‌ إلي‌ عثمان‌ ونزولهم‌ ذا خشب‌ أُموراً كثيرة‌، منها ما تقدّم‌ ذكره‌، ومنها ما أعرضت‌ عن‌ ذكره‌ كراهة‌ منّي‌ لبشاعته‌.

 ويقول‌ في‌ ص‌ 557 من‌ الجزء المذكور: نقل‌ هشام‌ عن‌ أبي‌ مخنف‌ قال‌وحدّثني‌يزيد ابن‌ضبيان‌الهمداني‌ّ أنّ محمّد بن‌ أبي‌ بكر كتب‌ إلي‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ لمّا ولّي‌ فذكر مكاتبات‌ جرت‌ بينهما كرهتُ ذكرها لما فيه‌ ممّا لا يحتمل‌ سماعها العامّة‌.

[22] ـ يقول‌: «أينما أنظر، فأنت‌ وحدك‌ تملا عيني‌، إذ لا مقرّ لك‌ غيرها».

[23] ـ الحُرقوصيّة‌ هم‌ الحنبليّة‌ لانّ أحمد بن‌ حنبل‌ من‌ أولاد حُرقوص‌بن‌ زهير الخارجي‌ّ. وقيل‌: إنّما سمّاهم‌ الطبري‌ّ بهذا الاسم‌ لانّ البربهاري‌ّ الحنبلي‌ّ تعرّض‌ للطعن‌ في‌ شي‌ء ممّا يتعلّق‌ بخبر يوم‌ غدير خمّ («عبقات‌ الانوار» كتاب‌ الغدير، آخر ص‌ 33).

[24] ـ «إقبال‌ الاعمال‌» ص‌ 453. الطبعة‌ الحجريّة‌.

[25] ـ «إقبال‌ الاعمال‌» ص‌ 457.

[26] ـ جاء في‌ «المناقب‌»: النميري‌ّ؛ وفي‌ «العبقات‌» ج‌ الغدير، ص 9: عامر بن‌ عمير العميري‌ّ؛ وفي‌ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 46: عامر بن‌ عمير النميري‌ّ.

[27] ـ «المناقب‌» ج‌ 1، ص‌ 528 و 529. الطبعة‌ الحجريّة‌.

[28] ـ «عبقات‌ الانوار» الجزء الخاصّ بالغدير، الطبعة‌ الثانية‌ ص‌ 9. صنّف‌ ميرحامد حسين‌ هذا الكتاب‌ ـ كما يذكر نفسه‌ في‌ بدايته ‌ـ ردّاً علي‌ «التحفة‌ العزيزيّة‌» مستضيئاً بإفادات‌ والده‌ الماجد العلاّمة‌ المولي‌ مُحمّد قُلي‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌. وصنّف‌ مولانا السيّد محمّدقُلي‌، وهو من‌ أعاظم‌ العلماء وحماة‌ مدرسة‌ التشيّع‌، كتاب‌ «تَشييد المَطَاعِن‌ وكَشف‌ الضَّغائن‌» في‌ ردّ «التحفة‌ الاثنا عشريّة‌». ولد عام‌ 1188 ه وتوفّي‌ سنة‌ 1268 ه في‌ مدينة‌ لِكَهْنو. وهذا الكتاب‌، أي‌ «التحفة‌ الاثنا عشريّة‌» صنّفه‌ شاه‌ ولي‌ّ الله‌ صاحب‌ الهندي‌ّ؛ وقلّده‌ الخواجة‌ عبدالله‌ الكابُلي‌ّ في‌ كتاب‌ «الصواعق‌» مؤيّداً له‌.

[29] ـ ابن‌ المغازلي‌ّ الشافعي‌ّ من‌ أجلاّء علماء العامّة‌ وأكابرهم‌، توفّي‌ سنة‌ 483 ه. وقرأ ابن‌ بطريق‌ ـ كما ينقل‌ ابن‌ حجر العسقلاني ‌ّـ في‌ «لسان‌ الميزان‌» علي‌ الحمّصي‌ّ الرمزي‌ّ علم‌ الفقه‌ والكلام‌ علي‌ مذهب‌ الإماميّة‌؛ وكان‌ يقيم‌ في‌ بغداد مدّة‌ ثمّ انتقل‌ إلي‌ واسط‌ وكان‌ مشغولاً فيها بالعبادة‌. توفّي‌ في‌ شعبان‌ سنة‌ 600 ه وله‌ من‌ العمر 77 سنة‌.

[30] ـ «العبقات‌» جزء الغدير، ص‌ 6 و 7. ونقل‌ ابن‌ المغازلي‌ّ في‌ مناقبه‌، ص‌ 27 هذا الحديث‌. بخصوصه‌ عن‌ أبي‌ القاسم‌ الفضل‌ بن‌ محمّد، تحت‌ رقم‌ 39.

[31] ـ «العبقات‌» ج‌ الغدير ص‌ 6 و 7.

[32] ـ كتاب‌ «مُنتهي‌ الكلام‌» صنّفه‌ مولوي‌ّ حيدر بن‌ شيخ‌ محمّد حسن‌ فيض‌آبادي‌، وكان‌ تصنيفه‌ بعد تصنيف‌ «التحفة‌ الاثنا عشريّة‌».

[33] ـ «العبقات‌» جزء الغدير، ص‌ 10، 11.

[34] ـ «العبقات‌» جزء الغدير، ص‌ 10 و 11.

[35] ـ «العبقات‌» جزء الغدير، ص‌ 34 و 35.

[36] ـ «العبقات‌»، جزء الغدير، ص‌ 37.

 الشَّكاة‌ موضع‌ العيب‌ والذمّ؛ أي‌ أنـّه‌ ليس‌ بعارٍ بل‌ هو ما يُفتخر به‌.(م‌)

[37] ـ «العبقات‌» جزء الغدير، ص‌ 41.

[38] ـ جاء في‌ «الذريعة‌»: حسين‌ بن‌ جبير.

[39] ـ هذه‌ الحكاية‌ نقلها الشيخ‌ سليمان‌ الحنفي‌ّ القندوزي‌ّ في‌ «ينابيع‌ المودّة‌» ص‌ 36 عن‌ الجويني‌ّ؛ ونقلها العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ ج‌ 1 من‌ «الغدير» ص‌ 158 عن‌ القندوزي‌ّ في‌ ينابيعه‌؛ وجاءت‌ في‌ «غاية‌ المرام‌» ج‌ 1، ص‌ 103 نقلاً عن‌ ابن‌ شهرآشوب‌، عن‌ جدّه‌ شهرآشوب‌، عن‌ الجويني‌ّ.

[40] ـ «العبقات‌» جزء الغدير، ص‌ 42 و 43.

[41] ـ عدة‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ من‌ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 156 و 157 المصنّف‌ الحادي‌ والعشرين‌ من‌ الذين‌ أ لّفوا في‌ حديث‌ الغدير. وقال‌ في‌ ترجمته‌: «السيّد ميرحامد حسين‌بن‌ السيّد محمّد قلي‌ الموسوي‌ّ الهندي‌ّ اللكهنوي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 1306 ه عن‌ 60 سنة‌. ذكر حديث‌ الغدير وطرقه‌ وتواتره‌ ومفاده‌ في‌ مجلّدين‌ ضخمين‌ في‌ ألف‌ وثمان‌ صحائف‌. وهما من‌ مجلّدات‌ كتابه‌ الكبير «العبقات‌». وهذا السيّد الطاهر العظيم‌ كوالده‌ المقدّس‌ سيف‌ من‌ سيوف‌ الله‌ المشهورة‌ علي‌ أعدائه‌؛ وراية‌ ظفر الحقّ والدين‌، وآية‌ كبري‌ من‌ آيات‌ الله‌ سبحانه‌. قد أتمّ به‌ الحجّة‌، وأوضح‌ المحجّة‌. وأمّا كتابه‌ «العبقات‌» فقد فاح‌ أريجه‌ بين‌ لابتي‌ العالم‌، وطبّق‌ حديثه‌ المشرق‌ والمغرب‌. وقد عرف‌ من‌ وقف‌ عليه‌ أنـّه‌ ذلك‌ الكتاب‌ المعجز المبين‌ الذي‌ لا يأتيه‌ الباطل‌ من‌ بين‌ يديه‌ ولا من‌ خلفه‌. وقد استفدنا كثيراً من‌ علومه‌ المودعة‌ في‌ هذا السفر القيّم‌. فله‌ ولوالده‌ الطاهر منّا الشكر المتواصل‌، ومن‌ الله‌ تعالي‌ لهما أجزل‌ الاُجور».

[42] ـ نذكر هنا أسماء بعض‌ المشاهير من‌ التابعين‌، وهم‌: الاصبَغ‌ بن‌ نُباتة‌، سعيدبن‌ جبير، سالم‌ بن‌ عبد الله‌ بن‌ عمر، سُليم‌ بن‌ قَيس‌ الهلالي‌ّ، سليمان‌ بن‌ مهران‌ الاعمش‌، طاووس‌بن‌ كيسان‌ اليماني‌ّ، عامر بن‌ سعد بن‌ أبي‌ وقّاص‌، أبو مريم‌ عبد الله‌ بن‌ زياد الاسدي‌ّ الكوفي‌ّ، عائشة‌ بنت‌ سَعْد، عطيّة‌ بن‌ سعد بن‌ جُنادة‌ العوفي‌ّ الكوفي‌ّ، عُمَر بن‌ عبدالعزيز، عمربن‌ علي‌ّ أمير المؤمنين‌، محمّد بن‌ عمر بن‌ علي‌ّ أمير المؤمنين‌.

[43] ـ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 14 إلي‌ 158.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

التعريف و الدليل

كلية الحقوق، محفوظة و متعلقة بموسسة ترجمة و نشر دورة علوم و معارف الاسلام
info@maarefislam.org