المقدمة في سلسلة من كنوز التراث الاسلامي الذي قررت -
المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الاشرف - طبعه ونشره . .
هذا الكتاب النفيس الجامع لطائفة كبيرة من المناقب
والفضائل ، الخاصة بالامام أمير المؤمنين - ع - وهو من أهم المصادر
والمراجع النفيسة المؤلفة في الفضائل ، ولم يزل موضع
التقدير والاكبار والاهتمام لدى المؤلفين والباحثين ، لانه جمع بين دفتيه
أحاديث صحيحة بعيدة عن الشك والجرح والقدح ،
وعن اسانيد ثابتة فهو كما قال ابن حجر : تتبع النسائي ما خص به علي من دون
الصحابة فجمع من ذلك شيئا كثيرا بأسانيد اكثرها جياد
.
لقد اعتزمت المطبعة والمكتبة الحيدرية . . ان تنشر من هذه الاعلاق النفيسة
القيمة ، المخطوطة منها والمطبوعة النادرة لتكون قريبة المنال من الكاتب
والمؤرخ والباحث والاديب . . . والذين يريدون ويرغبون ان يعلموا ويستقصوا
حقائق الحضارة الفكرية الاسلامية ،
ويستنبطوا منها الجوانب العلمية والادبية عن حياة رجال عملوا في حقل
الثقافة ، وساروا في ركب الحركة الفكرية ، وساهموا في حفظ هذا اليسير من
التراث الاسلامي الذي وصل بأيدينا ، ولم تبدده الظروف والاحوال القاسية
الطارئة على الامصار والبلدان الاسلامية بشتى الاساليب والصور . . في
الحفاظ عليه
|
* ( هامش ) *
( 1 )
الاصابة : 3 : 508 . ( * )
|
|
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص
6 |
وجمع جوانبه المبعثرة ، وتوجيهه ودفعه إلى الحق والخير
والتقدم والنهوض . ويعتبر القسط الذي نهضت به المطبعة . . في خدمة التراث
الاسلامي وبعثه ، قسطا واسع المدى ، محمود الاثر .
فقد نشرت هذه المؤسسة كثيرا من النوادر المطمورة
والمخطوطات الغالية التي بعثرتها واستبدت بها أحداث الزمن وعوادي الايام ،
فتفرقت في البلاد وامتدت واخذت طريقها إلى دور الكتب في الغرب واستقرت في
رفوفها . ومهما يكن من أمر فالوجيه الكريم والشهم الجليل الاستاذ محمد كاظم
الكتبي . . يعني عناية متصلة بالتراث الاسلامي على اختلاف جوانبه ومذاهبه ،
ويسعى في جمعه المفرق في خزائن الكتب الخاصة والعامة ، والتعريف به ،
وتقريبه إلى الباحثين بصورة متقنة وشكل صحيح . . وكان من نعم الله عليه . .
أن اكرمه بلفيف من احبار البحث والتحقيق اوقفوا انفسهم إلى تحقيق أي مخطوط
أو مطبوع ، ووضع مقدمات ودراسات ادبية عن الكتاب الذي يروم - أبو صادق -
طبعه ونشره ، إلى جانب الكفاءة المالية التي يتمتع بها والنشاط الفكري
المتواصل في اخراج الكتب وتوزيعها .
ولقد رغب إلي ان اتعهد تحقيق هذا الكتاب وتصحيحه واخراج اسانيده ، وترجمة
رجاله ، مع وضع دراسة عن شخص مؤلفه أبي عبد الرحمان أحمد بن شعيب بن علي بن
سنان بن بحر النسائي ، المولود في نساء - بفتح النون والسين المهملة ثم
الالف والهمزة بعدها - عام 215 وهي بلدة بخراسان .
على ان عملي الكثير كان يفرض عدم قبولي الكتاب والاغضاء عنه والاستمرار في
العمل الفكري الذي أنا به مشغول . . غير اني شاهدت رغبة ابي صادق . . وحرصه
الكثير ، فدفع إلى الكتاب قائلا : اشتغل فيه عند اوقات الفراغ ، وإن تطلب
الوقت سنة كاملة . . فأخذته
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص
7 |
وودعته وقلت له : اسأل الله التوفيق والوقت الذي أوفى
الكتاب فيه حقه ، وانصرفت إلى بحثه ودراسته . والواقع انني عانيت من التعب
والارهاق الفكري في سبيل تصحيح هذا الكتاب ، ما اعجز القول به وذكر الجهد
الذي تحملته ، وما قاسيته في هذا السبيل ، والله وحده يعلم ذلك وعنده
احتسبه ، لان لديه جزاء ذلك كله ، وانه لا يجزي على الخير سواه ، ولا يعرف
خفيات الامور غيره .
هذا ومن المؤسف كله ان الكتاب - الخصائص - على رغم تعدد طبعاته قبل هذه
الطبعة في مصر والهند والنجف الاشرف ، لم يكن موضع الاستفادة ولم يستلفت
النظر لرداءة عرضه ، وفشو الاغاليط فيه ، بحيث شوهت الكتاب واسقطته من
الاعتبار ، إلى جانب قلة العناية برواءه وتصحيح اسانيده ، وترجمة رجاله
والبحث عنهم .
لذلك بعون الله . . وتوفيقه . . انصرفت إلى دراسة الكتاب وتصحيح نصوصه
وإخراج أسانيده وتحقيق رواياته ، وأخيرا اخراجه في صورة ترضى عنها النفس ،
وينشرح لها الصدر بقدر الامكان . لقد قرأت الكتاب وطالعت نصوصه وراجعتها في
كتب الاحاديث والسنن والصحاح والمناقب ،
حتى استقام لي نص صحيح أو قريب من الصحة فأدرجته ، ثم رحت افتش عن رجال
السند ، فترجمت لهم باختصار مع ذكر المصادر والاسم الصحيح للراوي والمحدث ،
وحققته من جوانب شتى ، واخرجت مصادر الحديث وبينتها وعلقت عليه ، وأنا في
كل هذه الاحوال اسأل الله ان يرزقنى الاخلاص والسداد .
وأنا على يقين بعد تحملي المصاعب والمشاق في سبيل تحقيق هذا الكتاب . . ان
هذه المطبوعة من الكتاب ، خير ما يقرأ الباحثون
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص
8 |
والمؤرخون من نسخ الكتاب . . اصلحت فيها الكثير . .
والكثير . . مما فشا في سابقتها من الاغاليط والهفوات ، وليس احتمال هذا
الجهد الجاهد في تحقيقه إلا بيان التراث الفكري الاسلامي في تلك القرون
التي كان أمثال النسائي يعيشون فيها ،
وكيف انهم تسابقوا إلى حفظ هذا التراث وجمعه وتدوينه وتفسير غامضه ودفعه
إلى الامام والنهضة ، في وقت كان فيه التفرق والقلق السياسي والتخاصم على
اريكة الخلافة الاسلامية ازهر وانشط وابسط من وقت الآداب والثقافة والعلوم
.
وبهذا أيضا فيما اعتقد أسديت للتراث الفكري الاسلامي يدا لا تجحد بتحقيق
هذا الكتاب وتقويم وتصحيح ما اعوج وغلط منه ، وبشرح وتعليق ما دعت الحاجة
إليه ، واخيرا وضع فهارس حديثة مختلفة له ، بعد ان لم يحظ الكتاب قبل هذا
من الاهتمام والدرس والملاحظة لدى جمهرة الكتاب والمحققين والباحثين على
ضوء البحث العلمي الصحيح .
وفي المقدمة هذه . . بحث شامل لحياة النسائي من كافة نواحيه بصورة واضحة
مستقاة من مصادر تاريخية وأدبية ، مطبوعة وخطية لتكون الفائدة أعم وأشمل .
كما واني ضبطت الاعلام والرجال ضبطا كاملا ،
وذكرت الاختلاف الوارد في الاسم أو سنة الوفاة أو الكنية ، ثم رأيت ان اسهل
للباحث الرجوع إليه وايسر الانتفاع به ، فذيلته بالفهارس الفنية المتنوعة
تساعد على البحث ، وتهدي القارئ ، وتوضح معالم الكتاب .