(
إن مذهبا يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن
يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن
يتجنب عنه )
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 8 |
تكملة لصفحة 8
النسائي في المعاجم
في ثنايا كتب السير كلمات عن ثقافة النسائي الفكرية ،
وهمته العالية وعمله المتواصل ، وتصحيحه الاحاديث بجد ونشاط ، ورغبته
الشديدة
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 9 |
في التصنيف والتأليف وانسه به وانصرافه الى الراحة
والهدوء والطمأنينة الدائمة ، من غير اشتغال بأحداث وامور خارجة عن نطاق
العلم ، وكفى بالعلم عنده صديقا ومؤنسا ، ولرغبته الاكيدة سافر إلى العواصم
الاسلامية واتصل فيها بأهل المعرفة والحديث وطفق يتجول ويلقي دروسه في
الحديث ويفقه فيه طلابه .
ان معاجم السير على الاكثر ذكرت المترجم له . . باجلال واعظام وإكبار ،
وشرحت محاسن علمه وجودة تفكيره وفضله في الحديث وإتقانه له ، وهذه الكلمات
إن دلت على شئ فانما تدل بوضوح على شخصية النسائي العلمية ، ومكانه المرموق
في العلم وبلوغه درجة الكمال في الحديث ولهذا يكبر اهل العصر ومن تبعهم من
المؤرخين مزاياه وطبعه ونفسه المشرقة بنور العلم وجمال المعرفة .
وقد جمع الحافظ ابن حجر العسقلاني آراء أئمة الحديث في النسائي فقال عند
ترجمته له : قال ابن عدي : سمعت منصور الفقيه
( 1 )
واحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي
( 2 )
يقولان : أبو عبد الرحمان إمام من أئمة المسلمين .
وقال محمد بن سعد البارودي
( 3 )
: ذكرت النسائي لقاسم المطرز فقال : هو إمام أو يستحق ان يكون إماما .
وقال أبو علي النيسابوري
( 4 )
: سألت النسائي وكان من أئمة
|
* ( هامش ) *
( 1 ) منصور بن محمد بن محمد بن الطيب
الفقيه الهروي ، كان فقيها مشهورا ذا مروة ، مات سنة 527 وله 83 سنة .
لسان الميزان 6 ص 100 .
( 2 ) الحافظ المحدث المتوفى 321 ،
تذكرة الحفاظ 3 : 28 ،
شذرات الذهب 2 : 288 ،
حسن المحاضرة 1 : 198 .
( 3 ) لم أهتد إلى ترجمته .
( 4 ) الحسين بن علي بن يزيد بن داود
الحافظ المتوفى 349 ، الكنى والالقاب - ( * )
|
|
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص
10 |
المسلمين ما تقول في نفيه ، وقال في موضع آخر : ان
النسائي الامام في الحديث بلا مدافعة ،
وقال في موضع آخر : رأيت من أئمة الحديث اربعة في وطني واسفاري اثنان
بنيسابور محمد بن اسحاق
( 1 ) ، وابراهيم ابن أبي
طالب
( 2 ) ، والنسائي بمصر ،
وعبدان
( 3 )
بالاهواز .
وقال مأمون المصري : خرجنا إلى طرطوس
( 4 ) فاجتمع من الحافظ
عبد الله بن احمد ، ومربع
( 5 )
، وابو الاذان ، وكيلجة وغيرهم فكتبوا كلهم بانتخاب النسائي .
وقال أبو الحسين بن المظفر
( 6 )
: سمعت مشايخنا بمصر يعترفون لابي عبد الرحمان النسائي بالتقدم والامامة ،
ويصغون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار ، ومواظبته على الحج والجهاد
، وإقامته السنن المأثورة واحترازه عن مجالس السلطان ، وان ذلك لم يزل دأبه
إلى ان استشهد .
|
* ( هامش ) *
- 2 : 156 ، تاريخ بغداد 8 : 71
المنتظم 6 : 396 ،
مرآة الجنان 2 : 343 .
( 1 ) المتوفى 313 ،
تاريخ بغداد 1 : 248 ،
المنتظم 6 : 199 ،
تذكرة الحفاظ 2 : 268 ،
البداية 11 : 153 ،
الوافي 2 : 187 .
( 2 ) ابراهيم بن محمد بن نوح بن عبد الله
المتوفى 295 ،
معجم المصنفين 4 : 400 ،
ايضاح المكنون 2 : 314 .
( 3 ) عبد الله بن احمد بن موسى بن زياد بن
عبدان الاهوازي المتوفى 306 المحدث ،
هدية العارفين 1 : 443 .
( 4 ) بلد بين انطاكية وحلب وبلاد الروم وكان
من ثغور المسلمين ، استولى عليه ملك الروم سنة 354 .
( 5 ) محمد بن ابراهيم الانماطي المعروف
بمربع المتوفى 286 ،
تاريخ بغداد 1
: 388 .
( 6 ) لم أقف على ترجمته . ( * )
|
|
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص
11 |
وقال الحاكم : سمعت علي بن
عمر الحافظ
( 1 )
غير مرة يقول : أبو عبد الرحمان مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من اهل
عصره .
وقال مرة : سمعت علي بن عمر يقول : النسائي
أفقه مشايخ مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح والسقيم ، وأعلمهم بالرجال ، فلما
بلغ هذا المبلغ حسدوه فخرج إلى الرملة
( 2 ) فسئل عن فضائل
معاوية فأمسك عنه ، فضربوه في الجامع ، فقال : أخرجوني إلى مكة . فأخرجوه
وهو عليل ، وتوفي مقتولا شهيدا .
وقال الدارقطني
( 3 )
أيضا : سمعت ابا طالب الحافظ يقول : من بصبر على ما يصبر عليه أبو عبد
الرحمان كان عنده حديث ابن لهيعة
( 4 )
ترجمة ترجمة فما حدث بها ، وكان لا يرى ان يحدث بحديث ابن لهيعة ، وقال
الدار قطني : كان أبو بكر بن الحداد
( 5 )
الفقيه كثير الحديث ولم يحدث عن احد غير ابي عبد الرحمان النسائي فقط ،
وقال : رضيت
|
* ( هامش ) *
( 1 ) الحافظ علي بن عمر احمد الدارقطني
المتوفى 385 ،
وفيات الاعيان 1 : 417 ،
تذكرة الحفاظ 3 : 186 ،
شذرات الذهب 3 : 116 ،
اللباب 1 : 404
النجوم الزاهرة 4 : 172 .
( 2 ) من قرى فلسطين .
( 3 ) هو الحافظ علي بن عمر المتقدم .
( 4 ) أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة
الحضرمي المعري المتوفى 174 ، احترقت كتبه سنة 169 ،
تذكرة الحفاظ 1 : 237 ،
فتح الملك العلي : 90 .
( 5 ) أبو بكر محمد بن احمد بن محمد
الكنانى الفقيه الشافعي المتوفى بمصر سنة 345 ، صاحب كتاب
الفروع في المذهب
.
الوافي 2 : 69 ،
مرآة الجنان 2 : 336 ،
تذكرة الحفاظ 3 : 108 ،
طبقات الشافعي 1 : 2 . ( * )
|
|
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 12 |
به حجة بيني وبين الله تعالى
( 1 )
.
وقال أبو سعيد عبد الرحمان
بن احمد بن يونس صاحب تاريخ مصر في تاريخه :
ان ابا عبد الرحمن النسائي قدم مصر قديما وكان إماما في الحديث ثقة ثبتا
حافظا ، سكن بمصر وانتشرت بها تصانيفه ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، وكان
موصوفا بكثرة الجماع
( 2 )
.
وقال الذهبي : النسائي الحافظ شيخ الاسلام
أبو عبد الرحمان القاضي صاحب السنن ، برع في هذا الشأن ، وتفرد بالمعرفة
والاتقان وعلو الاسناد واستوطن مصر ، رحل إلى قتيبة
( 3 )
وله خمس عشرة سنة ، سنة 30 فقال : أقمت عنده سنة وشهرين وكان يكثر الاستماع
، له اربع زوجات يقسم لهن ولا يخلو مع ذلك من سرية ، وكان يكثر اكل الديوك
الكبار تشترى له وتسمن وتخصى .
قال مرة بعض الطلبة : ما اظن ابا عبد الرحمان
إلا انه يشرب النبيذ للنضرة التى في وجهه ، وقال آخر : ليت شعري ما مذهبه
في إتيان النساء في ادبارهن . قال : فسئل ، فقال : النبيذ حرام ولا يصح في
الدبر شئ لكن حدث محمد بن كعب القرظي
( 4 )
عن ابن عباس قال : اسق حرثك من حيث شئت فلا ينبغي ان يتجاوز قوله .
قال : ابن الذهبي : ثبت نهي المصطفى صلى الله
عليه وآله عن ادبار النساء ، ولي فيه مصنف
( 5 )
. وقد خرج إلى الغزو مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في
فداء
|
* ( هامش ) *
( 1 )
تهذيب التهذيب 1 : 37 .
( 2 )
ابن خلكان 1 : 60 ط 1367 .
( 3 )
قتيبة بن سعيد الثقفي تأتى ترجمته .
( 4 )
لم اتوفق إلى ترجمته .
( 5 )
تذكرة الحفاظ
2 : 242 ط حيدر آباد . ( * )
|
|
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 13 |
المسلمين
واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه والانبساط في المأكل ، وانه لم يزل
ذلك دأبه إلى ان استشهد بدمشق من جهة الخوارج
( 1 ) .
وقال
الحاكم : سمعت ابا الحسن الدارقطني غير مرة يقول : أبو عبد الرحمان
مقدم على كل من يذكر بعلم الحديث وبجرح الرواة وتعديلهم في زمانه ، وكان في
غاية من الورع والتقى ، الا ترى انه يروي في سننه عن الحارث بن مسكين هكذا
قرئ عليه وانا اسمع ، ولا يقول في الرواية عنه حدثنا واخبرنا كما يقول في
روايات اخرى عن مشايخه ، وكان شافعي المذهب ، وكان ورعا متحريا ، وكان
يواظب على صوم داود .
ونقل
السبكي عن شيخه الذهبي ووالده السبكي : ان النسائي أحفظ من مسلم
صاحب الصحيح ، وان سننه أقل السنن بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ، بل قال بعض
الشيوخ : انه أشرف المصنفات كلها وما وضع في الاسلام مثله .
وقال جماعة
: كل ما فيه صحيح لكن فيه تساهل صريح ، وشذ بعض المغاربة ففضله على
كتاب البخاري ، ولعله لبعض الحيثيات الخارجة عن كمال الصحة ، وصنف في اول
الامر السنن الكبرى ، ثم صنع المجتبى من السنن الكبرى ولخص منها الصغيرة ،
فإذا قيل :
رواه النسائي ، فالمراد هو المختصر لا السنن الكبرى ، وهي احدى
الكتب الستة ، وإذا قالوا : الكتب الخمسة : أو الاصول الخمسة ، فهي :
البخاري ، ومسلم ، وسنن ابى داود ، وجامع الترمذي ، ومجتبى النسائي
( 2 )
.
وقال ابن
الجوزي : أبو عبد الرحمان النسائي الامام ، كان أول رحلته إلى
نيسابور ، ثم خرج إلى بغداد فاكثر عن قتيبة وانصرف على طريق مرو
|
* ( هامش )
*
( 1 )
تذكرة الحفاظ 2 : 243 .
( 2 )
اعيان الشيعة 8 : 447 نقلا عن مقدمة السنن
الصغرى . ( * )
|
|
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص
14 |
فكتب عن علي بن حجر وغيره ، ثم توجه إلى العراق فكتب عن
أبي كريب واقرانه ، ثم دخل الشام ومصر ، وكان إماما في الحديث ثقة ثبتا
حافظا فقيها
( 1 )
.
وقال ابن كثير : أبو عبد الرحمان النسائي
صاحب السنن ، الامام في عصره والمقدم على أضرابه واشكاله وفضلاء دهره ، رحل
إلى الآفاق واشتغل بسماع الحديث والاجتماع بالائمة الحذاق ومشايخه الذين
روى عنهم مشافهة ،
قد ذكرناهم في كتابنا التكميل وترجمناه أيضا هنالك ، وروى عنه خلق كثير ،
وقد أبان في تصنيفه عن حفظ واتقان وصدق وايمان قالوا : وكان يقسم للاماء
كما يقسم للحرائر ، اثنى عليه غير واحد من الائمة وشهدوا له بالفضل والتقدم
في هذا الشأن .
وقد ولي الحكم بمدينة حمص سمعته من شيخنا
المزي عن رواية الطبراني في معجمه الاوسط حيث قال : حدثنا أحمد بن شعيب
الحاكم بحمص .
وذكروا : انه كان له من النساء اربع نسوة ، وكان في غاية الحسن وجهه كأنه
قنديل ، وكان يأكل في كل يوم ديكا ويشرب عليه نقيع الزبيب الحلال
( 2 )
.
وقال ابن العماد : أبو عبد الرحمان النسائي
سمع قتيبة واسحاق وطبقتهما بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر والجزيرة ،
وكان رئيسا نبيلا حسن البزة كبير القدر ، له اربع زوجات يقسم لهن ، ولا
يخلو من سرية لنهمته في التمتع ، وكان مع ذلك يصوم صوم داود
( 3 )
|
* ( هامش ) *
( 1 ) المنتظم
6 : 131 .
( 2 ) البداية والنهاية 11 : 124
.
( 3 ) عبادة خاصة تنسب إلى داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن
أبي طالب - ع - المدنى ، مذكورة في كتب الادعية ،
سفينة البحار 1 : 469 . ( * )
|
|
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص
15 |
ويتهجد
( 1 )
.
وقال السيوطي : أبو عبد
الرحمان النسائي القاضي الحافظ الامام شيخ الاسلام احد الائمة المبرزين
والحفاظ المتقنين والاعلام المشهورين جلال البلاد واستوطن مصر فأقام بزقاق
القناديل ، ثم ذكر آراء أئمة الحديث فيه
( 2 )
.
وقال السبكي : الامام الجليل أبو عبد الرحمان
النسائي احد أئمة الدنيا في الحديث والمشهور اسمه وكتابه ، سمع بخراسان
والعراق والشام ومصر والحجاز والجزيرة ، وقال ابن طاهر المقدسي : سألت سعد
بن علي الزنجاني
( 3 )
عن رجل فوثقه فقلت : قد ضعفه النسائي ، فقال : يا
بني ان لابي عبد الرحمان شرط في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم
( 4 )
.
هذا بعض ما جاء في ثنايا كتب السير والتراجم عن
شخصية النسائي العلمية ، وهو إن دل على شئ فانما يدل على تبحره في
الحديث وتضلعه فيه بصورة كاملة ، فالمصادر بأجمعها ذهبت إلى توثيقه وتصحيح
احاديثه بحيث لم يجد خصومه فيه أي مجال للحط من قدره والطعن فيه .
ان النسائي . . كما قرأنا وحدثنا عنه أصحاب
المعاجم كان في حياته منقطعا إلى علم الحديث والتبحر فيه وطلبه ، فاختلط
وعاشر كبار المحدثين في الامصار الاسلامية والذين اخلصوا لهذا العلم ولا
يلتفتون إلى غيره ، وإنما يعملون على خدمة خالصة من كل غاية أو شائبة
فيتتبعون
|
* ( هامش ) *
( 1 ) شذرات الذهب 2 : 240 .
( 2 ) حسن المحاضرة في اخبار مصر والقاهرة 1 : 147 .
( 3 ) لم أقف على ترجمته .
( 4 ) طبقات الشافعة 2 : 84 . ( * ) |
|
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص
16 |
ما وضع فيه ، وينفون الكذب عنه . . فهذه المزايا كلها
ظهرت في شخصية النسائي بوضوح ، مع العلم انه لم يكن بأيدينا من النصوص ما
يكشف لنا خلاف ذلك .
|