(
إن مذهبا يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن
يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن
يتجنب عنه )
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 32 |
تشيع النسائي : خلال بحثي
ودراستي حياة المحدث النسائي . . الفكرية ، واشتغالي بوضع مقدمة لكتابه -
خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، ووضع ثبت عن المصادر المترجمة له لا
كلها ،
إذ لم اتوفق إلى استيعاب كافة المصادر لذلك جاء الفهرست المذكور محتويا على
بعض المصادر . . إلى جانب عملي في ذكر مؤلفاته ومشايخه ، فلم أجد خلال هذه
الاحوال جميعها نصا تاريخيا صريحا يدل على تشيعه . . أو استناده إليه ، مع
توفر المصادر التي بأيدينا .
كما ان مشايخه الذين تلقف عنهم العلم والحديث ، أو الذين اتصل بهم من غير
اساتذته من زملائه واقرانه ليس فيهم من عرف بالتشيع أو كان شيعيا ، حتى
يظهر اثره في نفس النسائي بوضوح ،
على اني قلبت جميع المواضيع المتعلقة به من جميع وجوهها فلم أجد للتشيع اي
اثر فيه أو مجال ضيق يمكن به نسبته إليه . . فهو اذن لا شك ولا ريب شافعي
المذهب كما جاءت به النصوص التاريخية ، وذكره تاج الدين السبكي في الطبقة
الثالثة من
طبقات الشافعية الكبرى 2 : 73 ، وسبقه إلى
هذا غيره من المؤرخين دون استثناء .
لقد تواترت المصادر السنية . . لدراسة النسائي ، وذكر صفاته وآثاره بصورة
مفصلة حتى ان الكثيرين من مصنفي الشيعة . . نسبوه إلى الشافعية ولم يجرحوا
في مذهبه ، ولم يخرجوه من النطاق الذي كان عليه من المذهب ،
فضلا على ان مناسك الحج الذي هو من ضمن مؤلفاته وضعه على نهج المذهب
الشافعي كما ذكرناه ، وهذا الكتاب بذاته أقوى وأثبت نص على مذهب النسائي .
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 33 |
وبديهي أن التشيع الذي نسب إلى النسائي . . كما ذهب إليه
بعض المؤرخين من الشيعة لا بد ان تتجلى آثاره في تصانيفه وكتبه ، مع العلم
انه لم يكن أي اثر ظاهر من التشيع في مصنفاته وإنما بالعكس ، لذلك لا يمكن
نسبة التشيع إليه بحال من الاحوال .
غير ان السيد الامين رحمه الله . . ترجم له في كتابه
( 1 )
، وخصص له فصلا بعنوان - تشيعه - مستندا فيه إلى قول ابن خلكان السالف ص 12
، أو تصنيفه لكتاب الخصائص . . واكثر رواياته عن احمد بن حنبل ، إلى جانب
قول النسائي : دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير ، فأردت أن يهديهم الله
تعالى بهذا الكتاب .
فقد اعتبر السيد الامين القول هذا نصا ثابتا على تشيعه ، وذهب إلى انه كان
شيعي المذهب ، وأنا لا افهم مفهوم هذا القول الباطني ولا استطيع اتخاذه نصا
على التشيع ، مع وجود عشرات المراجع الدالة والناطقة على كونه شافعي المذهب
.
وانني في الواقع لم أعرف معنى هذا الاصرار والالحاح الشديدين من السيد
الامين . . من جعل النسائي واقرانه من المؤرخين والمحدثين من الشيعة ، ووضع
تراجم مفصلة لهم ، وذكر ما يخالف الواقع التاريخي .
وأيا كان حرص السيد الامين واسبابه ودوافعه في جعل هؤلاء
شيعة . . وتقييدهم بعجلة التشيع وربطهم بركبه . . من غير استناد على نص
تاريخي ، وإنما كان على اجتهادات واستنباطات واهية بعيدة كل البعد عن
التحقيق العلمي والبحث الصحيح الحديث ، وعلى هذا ليس علينا ان نعجب حين
نجده رحمه الله . . يتوسع في تراجم رجال من غير الشيعة ويجعلهم في كتابه
ظنا منه ان كتابة رسالة مثلا في فضل علي - ع -
|
* ( هامش ) *
( 1 ) اعيان
الشيعة 8 : 448 . ( * )
|
|
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 34
|
أو تفرده بذكر احاديث صحيحة دليل قوي على تشيعه ، وهذا لا
شك ظن واشتباه . والغريب من هذا كله موقف صاحب الذريعة . . من النسائي فقد
ذكر الخصائص في الذريعة 7 : 163
وقال : الخصائص في فضل علي - ع - وقد يقال له : الخصائص العلوية للامام
النسائي أبي عبد الرحمان احمد بن شعيب ابن علي بن سنان بن بحر الخراساني
بعد اخراجه من المسجد الاموي بالشام بسبب تصنيف هذا الكتاب . . فذكر من
مؤلفات النسائي كتاب الخصائص فحسب وضرب عن الباقي صفحا ،
وكان على شيخنا . . ذكر جميع مؤلفاته في ابواب الذريعة ان هو قد تيقن تشيعه
واعتقد به ، لا أن يذكر كتابا واحدا ويكف عن ذكر البقية ، فالنسائي . . إذا
كان شيعيا فهو في جميع كتبه شيعي . . وإذا كان شافعيا فهو فيها كذلك ، لا
ان يكون في واحد شيعيا وفي الباقي سنيا مثلا .
ومن هنا يحق لنا ان نطالب بالاتقان والدقة في البحث
والتحقيق في التاريخ التي اولى مراحل التأليف ودراسة حياة الرجال
ومن اهم ركائز البحث ، لئلا يقع المؤلف في اضطراب وقلق مستمر ، ولذلك فقد
أدرج شيخنا الحجة . . في كتابه الذريعة عشرات الكتب التي لا تربط اصحابها
مع الشيعة اية رابطة أو علاقة مذهبية أو سياسية .
ومن التطاول والظلم التوسع في الموضوع وذكر هذه الهفوات ، ولعل للسيد
الامين . . وشيخنا صاحب الذريعة . . عذرا ورأيا محترما معولا على نصوص
اصلية محققة ثابتة . .
لعل لها عذرا وأنت تلوم * وكم
لائم قد لام وهو مليم
مع القول ان هذين العلمين وقفا نفسهما على خدمة التراث الفكري الاسلامي
وضحا بجهودهما وراحتهما في سبيله ، وشاركا في نهضته مشاركة فعالة
- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص
35 |
خلدها لهم
التاريخ ، فجزاهما الله خير جزاء المحسنين .
ولا يفوتنا القول ان النسائي . . لشديد حبه للمذهب الذي أخذ به وهو المذهب
الشافعي ظهرت آثاره في مؤلفاته وأقواله ، فوضع كتابا فقهيا على رأي مذهب
الشافعي واندفع يذكر آراء الشافعي بقوة وحماسة ويعزز ذلك باظهار تعصبه
لمذهبه ، بذكر الاحاديث الضعيفة الاسانيد المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه
وآله يستشهد بها لتأييد نزعات ذلك المذهب الذي كان يحبه ويهواه ويعتنقه .
هذا ما أردت ذكره بايجاز وتبيانه للواقع وما انتهى إليه علمي القاصر الضعيف
. . ولو قصدنا التفصيل لطال المقام والمقال ، ولابتعدنا عن صلب البحث .
|