( إن مذهبا يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 35

تكملة لصفحة 35

وقفة مع النسائي في كتابه الخصائص : في الوقت الذي نجد النسائي في كتابه الخصائص منصرفا إلى ذكر مناقب الامام أمير المؤمنين - ع - بأسانيد صحيحة وطرق موثوقة ، يبتعد عن الموضوع بذكر حديثين منكرين في شأن أبي طالب مؤمن قريش ، والكيد والوقيعة فيه من غير سبب مستلزم له ،


مع العلم ان النسائي . . كان شديد الاعتداد بنفسه والحرص على كرامته ، وعدم ذكر ما يشين ذكره ويخرجه عن حدود النزاهة والتعفف .


ومما ينبغي القول به قبل ذكر الحديثين ومناقشة اسانيدهما الواهية الضعيفة . . أن الحديثين مختلقان وموضوعان على النبي الاعظم صلى الله عليه وآله من غير شك وريب ، وانهما من صنع الوضاعين الموتورين ،


ولا علم للنبي صلى الله عليه وآله بهما ، كما تنص به النصوص التاريخية والقرائن الثابتة ، ولهذا بعيد كله ان يذكرهما النسائي في كتابه ، وإنما ادخل في الكتاب أثناء
 

- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 36

طبعه وتصحيحه من قبل الناشرين المستأجرين الذين تضطرهم الظروف والميول إلى ادخال هذه الاحاديث في الكتب والتلاعب فيها .

وان المرء ليتملكه العجب من ذكرهم لهذه الاحاديث الضعيفة الاسانيد واصرارهم عليها ، وقد سبق قول ابن حجر في كتاب الخصائص : تتبع النسائي ما خص به من دون الصحابة ، فجمع من ذلك شيئا كثيرا بأسانيد اكثرها جياد .


وسند الحديثين ضعيف ومنكر كما ستقف عليه .

الحديث الاول : احمد بن حرب عن قاسم بن يزيد قال : قال لي أبو سفيان ، عن ابي اسحاق ، عن ناجية بن كعب الاسدي عن علي رضي الله عنه ، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : ان عمك الشيخ الضال قد مات فمن يواريه ؟ قال : اذهب فوار أباك ولا تحدثن حدثا حتى تأتيني ، فواريته ثم أتيته فأمرني ان اغتسل ودعا لي بدعوات ما يسرني ما على الارض بشئ منهن .


الحديث الثاني : اخبرنا محمد بن المثنى ، عن ابي داود : قال لي شعبة قال : اخبرني فضيل أبو معاذ ، عن الشعبي ، عن علي - ع - الحديث - . أما السند ومناقشته ففيه : ناجية بن كعب الاسدي ، فقد قال ابن المديني : لا اعلم أحدا روى عنه غير أبي اسحاق وهو مجهول . وقال الجوزجانى : مذموم .


وذكر ابن مندة ناجية في الصحابة وقال : لا تصح له صحبة ( 1 ) .


وذكره الذهبي شمس الدين فقال : توقف ابن حبان في توثيقه ، وقال ابن المديني : لا اعلم احدا حدث عن ناجية بن كعب سوى أبي اسحاق .

 

 

* ( هامش ) *
( 1 )
تهذيب التهذيب 10 : 401 . ( * )

 

 

- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 37

قلت : بلى ، وولده يونس بن ابي اسحاق .

وقال الجوزجاني في الضعفاء : مذموم ( 1 ) .

أما ولده يونس فقال ابن المديني ايضا : كانت فيه غفلة شديدة وكانت فيه سخنة .

وقال الاثر : سمعت احمد يضعف حديث يونس عن ابيه .

وقال عبد الله بن احمد عن أبيه : حديث مضطرب .

وقال أبو حاتم : كان صدوقا إلا انه لا يحتج بحديثه . وكان يقدم عثمان على علي ( 2 ) . هذا ما في سند الحديث الاول .


أما الحديث الثاني ففيه : الشعبي عامر بن شراحيل بن عبد ، وقيل : عامر بن عبد الله بن شراحيل الشعبي الحميري ، قال الحاكم في علومه : ولم يسمع من عائشة ولا من ابن مسعود ولا من اسامة بن زيد ولا من علي إنما رآه رؤية .


وقال الدار قطني في العلل : لم يسمع الشعبي من علي إلا حرفا واحدا ما سمع غيره .


كأنه عنى ما اخرجه البخاري في الرجم عنه عن علي حين رجم المرأة قال : رجمتها بسنة النبي - ص - ( 3 ) .


فالرجل الذي لم يسمع من علي - ع - إلا هذا الحرف كيف ينبغي قبول ما اختلقه ورواه عن علي - ع - في قوله بشأن أبي طالب ذلك العملاق الذي كفل صاحب الرسالة ، ودرأ عنه كل سوء وعادية ، وهتف بدينه القويم ،


وخضع لناموسه الالهي في قوله وفعله وشعره ونثره ، ودفاعه عنه بكل ما يملكه من حول وطول منذ بدء البعثة إلى ان لفظ أبو طالب نفسه الاخير ، وكله نصوص ثابتة على إسلامه الصحيح وإيمانه

 

* ( هامش ) *
( 1 ) ميزان الاعتدال 4 : 239 .
( 2 )
تهذيب التهذيب 11 : 434 .
( 3 )
تهذيب التهذيب 5 : 69 . ( * )

 

 

- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 38

الخالص ، وخضوعه للرسالة الالهية التي جاء بها المشرع الاعظم صلى الله عليه وآله .


وكيف يصح القول هذا مع وصية أبي طالب عند موته لبني أبيه وابنه وقد ذكرها برمتها ، الروض الانف 1 : 259 ،
المواهب اللدنية 1 : 72 ، تاريخ الخميس 1 : 339 ، بلوغ الارب 1 : 327 ، السيرة الحلبية 1 : 375 ، اسنى المطالب : 5 ،
تذكرة السبط : 5 ، وفيها : ان ابا طالب لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ، وما اتبعتم أمره ، فاتبعوه واعينوه ترشدوا .


وهل كلام الشعبي المختلق بمكان عن ما روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب ، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة : أن أبا طالب ما مات حتى قال : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .


والخبر المشهور : ان ابا طالب عند الموت قال : كلا ما خفيا ، فأصغى إليه اخوه العباس . وروي عن علي انه قال : ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله من نفسه الرضا ( 1 ) .


وأين هذا مما أخرجه ابن سعد في طبقاته : عن عبيدالله بن أبي رافع عن علي قال : اخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله بموت أبي طالب فبكى ثم قال : اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ( 2 ) .


فقال البرزنجي كما في أسنى المطالب : 35 ، اخرجه أبو داود وابن الجارود وابن خزيمة ، وإنما ترك النبي صلى الله عليه وآله المشي في جنازته اتقاء من شر سفهاء قريش ، وعدم صلاته لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذ .

 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) سيرة ابن هشام 2 : 27 ، البداية والنهاية 2 : 123 عيون الاثر 1 : 131 ، الاصابة 4 : 116 ، المواهب اللدنية 1 : 71 ،
السيرة الحلبية 1 : 372 ، اسنى المطالب : 20 ، الغدير 7 : 369 .

( 2 ) الطبقات الكبرى 1 : 105 . ( * )

 

 

- خصائص أمير المؤمنين ( ع )- النسائي ص 39

وقد أجمعت الامامية على إيمان أبي طالب ولا خلاف لهم فيه ، ولها على ذلك أدلة قاطعة موجبة للعلم ، وقد جمع شيخنا الحجة الاكبر الشيخ الاميني النجفي . . اربعين حديثا من طرق الخاصة والعامة في إيمان أبي طالب ،


كما ان الكثيرين من أئمة البحث والتأليف وضعوا مؤلفات ضخمة حول إيمانه الثابت والعقيدة الراسخة التي كانت في أعماق أعماق قلب عم النبي الاقدس صلى الله عليه وآله .


وقد تضلع في البحث شيخنا الاميني - أدام الله ظله الوارف - فأفرد فصلا حول ابى طالب ، واشبعه درسا وتحقيقا ومناقشة وردا وإجابة في كتاب الغدير ج 7 : 330 - 409 وج 8 : 3 - 29 ، فهو ينطق بالحق الصحيح والقول الثابت .


 

 

الصفحة الرئيسية

 

صفحة الكتب

 

فهرس الكتاب