وروى الـخـوارزمـي فـي الـمـناقب [ص 114 ط. مؤسسة النشر الاسلامي ] مسندا عن عبداللّه بـن مـسـعـود, قـال : كنت مع رسول اللّه (ص ) وقد اصحر فتنفس الصعداء فقلت : يا رسول اللّه مالك تـنـفـس ؟ فـقال : يابن مسعود, نعيت الي نفسي , فقلت : استخلف يا رسول اللّه . قال :من ؟ قلت : ابا بكر, فـسـكـت ثـم تنفس , فقلت : مالي اراك تتنفس يا رسول اللّه ؟ قال : نعيت الي نفسي , فقلت : استخلف يا رسول اللّه قال : من ؟ قلت : عمر بن الخطاب , فسكت ثم تنفس , فقلت : مالي اراك تنفس يا رسول اللّه ؟ قـال : نـعيت الي نفسي , قلت : يا رسول اللّه استخلف قال : من ؟ قلت : علي بن ابي طالب , قال : اوه ولن تفعلوا اذا ابدا, واللّه لئن فعلتموه ليدخلنكم الجنة .
فهذه الاحاديث وكثير من امثالها تعطينا علما وخبرا بعظيم اهتمام النبي (ص ) بامر الخلافة والولاية مـن بـعده , حرصا على سلامة امته عن العدول عن الطريق المستقيم , ولكن القوم بعده كانوا كما قد عـلـمـنـا, ولـعـل كـل ما حدث عقيب وفاته (ص ) كان مصداق قوله (ص ) فيمااخرجه الحاكم في الـمـستدرك [3: 140] باسناده عن ابن عباس (رض ) قال : قال رسول اللّه (ره ) لعلي : اما انك ستلقى بـعدي جهدا, قال علي : في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك . قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . الى غير ذلك من الاحاديث الواردة في هذا المضمون .
ثـم ان الـقـوم راوا ان كل ما صدر من تلك الافاعيل كانت اجتهادا منهم واحتياطا على الدين , فيا ليت شـعـري , كـان لـم يـكن في الناس بحاثة متقنون في الحساب , ورجال متبصرون متحققون من اولي الالباب , ما ينكشف باشاراتهم عما في وراء الحجاب .
وايـن كـان يـا ترى اشفاقهم وحرصهم على هذا الدين في الايام الخالية ؟ لا سيما في الساعات التي زاغـت فيها الابصار, وبلغت القلوب الحناجر, حتى ضاقت عليهم الارض بما رحبت . ولذلك قال امير الـمـؤمـنـين علي (ع ) في خطبة له حين سمحت له الظروف , وتمكن له ان يبدي مما كان يلقاه منهم فيكظمه صبرا منذ ان ارتحل الرسول (ص ) الى الملا الاعلى .
والـيـك لفظه نقلا عن مناقب آل ابي طالب [2: 46 ط. النجف و 2: 201 ط ايران ] قال : خطب امير الـمـؤمـنـين (ع ) فقال : [ما لنا ولقريش ؟ وما تنكر منا قريش ؟ غير انا من اهل بيت شيداللّه بنيانهم بـبـنـياننا, واعلى اللّه فوق رؤوسهم رؤوسنا, واختارنا اللّه عليهم فنقموا عليه ان اختارنا عليهم , وسـخطوا ما رضي اللّه و احبوا ما كره اللّه , فلما اختارنا عليهم شركناهم في حريمنا, وعرفناهم الـكـتاب والسنة , وعلمناهم الفرائض والسنن , وحفظناهم الصدق واللين . وديناهم الدين والاسلام , فوثبوا علينا وجحدوا فضلنا ومنعونا حقنا,والتوونا اسباب اعمالنا واعلامنا.
اللهم فاني استعديك على قريش , فخذ لي بحقي منها, ولا تدع مظلمتي لها, وطالبهم يا رب بحقي فانك الـحـكـم العدل , فان قريشا صغرت قدري , واستحلت المحارم مني , واستخفت بعرضي وعشيرتي , وقـهـرتـنـي عـلـى ميراثي من ابن عمي , واغروا بي اعدائي , ووتروا بيني وبين العرب والعجم , وسـلـبوني ما مهدت لنفسي من لدن صباي بجهدي و كدي , ومنعوني ما خلفه اخي وحميمي وشقيقي , وقالوا انك لحريص متهم , بنا اهتدوا من متاه الكفر ومن عمى الضلالة وغي الظلماء.
الـيس انقذتهم من الفتنة الظلماء, والمحنة العمياء؟ ويلهم الم اخلصهم من نيران الطغاة ,وكره العتاة , وسـيوف البغاة , ووطاة الاسد, ومقارعة الصماء, ومجادلة القماقمة . الذين كانواعجم العرب , وغنم الحرب , وقطب الاقدام , وجبال القتال , وسهام الخطوب , وسل السيوف ؟ اليس بي تسنموا الشرف , ونالوا الحق والنصف ؟ الست آية نبوة محمد, ودليل رسالته ,وعلامة رضاه وسخطه ؟ الذي كان يقطع الدرع الدلاص , ويصطلم الرجال الحراص , وبي كان يبري جماجم البهم وهـام الابطال , الى ان فزعت تيم الى الفرار وعدي الى الانتكاص . اما واني لو اسلمت قريشا للمنايا والـحتوف وتركتها لحصدتها سيوف الغواة ,ووطاتها الاعاجم وكرات الاعادي , وحملات الاعالي , وطـحـنـتـهم سنابك الصافنات ,وحوافر الصاهلات , في مواقف الازل والهزل , في طلاب الاعنة , وبريق الاسنة , ما بقوالهضمي , ولا عاشوا لظلمي , ولما قالوا انك لحريص متهم ].
ثـم قـال بـعد كلام : [انما انطق لكم العجماء ذات البيان , وافصح الخرساء ذات البرهان , لاني فتحت الاسـلام , ونـصـرت الـديـن , وعزرت الرسول , وبنيت اعلامه , واعليت مناره ,واعلنت اسراره , واظـهـرت اثـره وحـالـه , وصفيت الدولة , ووطات الماشي والراكب , ثم قدتها صافية على اني بها مستاثر].
ثم قال بعد كلام : [سبقني اليها التيمي والعدوي , كسباق الفرس احتيالا واغتيالا وخدعة وغيلة ].
ثـم قـال بعد كلام : [يا معشر المهاجرين والانصار, اين كانت سبقة تيم وعدي الى سقيفة بني ساعدة خـوف الـفتنة ؟. الا كانت يوم الابواء, اذ تكاثفت الصفوف , وتكاثرت الحتوف , وتقارعت السيوف ؟ ام هلا خشيا فتنة الاسلام يوم ابن عبدود وقد نفح بسيفه ,وشمخ بانفه , وطمح بطرفه ؟ ولم لم يشفقا عـلـى الـدين واهله يوم بواط؟ اذ اسودلون الافق .واعوج عظم العنق , وانحل سيف الغرق يـشـفـقـا يوم رضوى ؟ اذ السهام تطير, والمناياتسير, والاسد تزار الاسـنـان تـصـتك , والاذان تستك ,والدروع تهتك الـصعداء ترتقي , والجياد في الصناديد ترتدي , والارض من دماء الابطال ترتوي الـديـن يـوم بـدرالـثانية ؟ والدعاس ترعب , والاوداج تشخب , والصدور تخضب ذات الليوث ؟ وقد امح التولب , واصطلم الشوقب , وادلهم الكوكب يوم كدر؟ والعيون تدمع , والمنية تلمع , والصفايح تنزع ثم عد وقائع النبي , وقرعهما بانهما في هذه المواقف كلها كانا مع النظارة .
ثـم قـال : [ما هذه الدهماء التي وردت علينا من قريش ؟ انا صاحب هذه المشاهد, وابوهذه المواقف , واين هذه الافعال الحميدة ؟] الى آخر الخطبة ....
قال الناشي :
فلم لم يثوروا ببدر وقد ----- تبلت من القوم اذ بارزوكا ولم عردوا اذ شجيت العدى ----- بمهراس احد ولم نازلوكا ولم اجمحوا يوم سلع وقد ----- ثبت لعمرو ولم اسلموكا ولم يوم خيبر لم يثبتوا ----- صحابة احمد واستركبوكا فلاقيت مرحب والعنكبوت ----- واسد يحامون اذ وجهوكا فدكدكت حصنهم قاهرا ----- وطوحت بالباب اذ حاجزوكا ولم يحضروا بحنين وقد ----- صككت بنفسك جيشا صكوكا فانت المقدم في كل ذاك ----- فلله درك لم اخروكا ثـم ذكـر الـشـيـخ المؤلف في نفس المصدر [2: 48 ط . النجف و 2: 204 ط . ايران ] نقلا عن نـهـج الـبـلاغـة [الـخطبة 172 مع اختلاف يسير]: [اللهم اني استعديك على قريش ومن اعانهم , فـانـهم قطعوا رحمي وصغروا عظيم منزلتي , واجمعوا على منازعتي امرا هو لي , وكنت اولى به مـن غـيـري , ثـم قـالـوا: الا ان فـي الحق ان تاخذه وفي الحق ان تتركه (19), فاصبر مغموما او مـت مـتـاسـفا, فنظرت فاذا ليس لي رافد ولاذاب ولا مساعد الا اهل بيتي . فضننت بهم على المنية , فـاغـضـيت على القذى , وجرعت ريقي على الشجى , وصبرت على الاذى , وطبت نفسي على كظم الغيظ, وما هو امر من العلقم , وآلم من حر الشفار].
ثم ذكر فيه خطبته (ع ) المشهورة المسماة بالشقشقية وقد ذكرناها في مجلدنا الثاني من المقتطفات .
واما ما ذكره الامام الفقيه ابن قتيبة , المولود سنة (213) والمتوفى سنة (276) في كتابه [الامامة والـسـياسة ] [1: 18] مما قاله الامام علي لما اتي به الى ابي بكر ليدخل فيما دخل فيه الناس طوعا اوكرها, فقال (ع ):
انـا عـبـد اللّه واخو رسوله , فقيل له : بايع ابا بكر, فقال : انا احق بهذا الامر منكم , لاابايعكم وانتم اولى بالبيعة لي . اخذتم هذا الامر من الانصار, واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي (ص ) تاخذونه منا اهل البيت غصبا؟ الستم زعمتم للانصار انكم اولى بهذاالامر منهم لما كان محمد منكم ؟ فاعطوكم الـمـقـادة , وسـلـموا اليكم الامارة , وانا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار, نحن اولى برسول اللّه حيا وميتا فانصفونا ان كنتم تؤمنون , والا فبوءوا بالظلم وانتم تعلمون .
فقال له عمر: انك لست متروكا حتى تبايع , فقال له علي : احلب حلبا لك شطره , واشددله اليوم امره يـردده عـليك غدا, ثم قال : واللّه يا عمر لا اقبل قولك ولا ابايعه . فقال له ابوبكر: فان لم تبايع فلا اكرهك .
فقال ابو عبيدة بن الجراح لعلي كرم اللّه وجهه : يابن عم انك حديث السن وهؤلاءمشيخة قومك , ليس لـك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور, ولا ارى ابا بكر الااقوى على هذا الامر منك , واشد احتمالا واضـطلاعا به , فسلم لابي بكر هذا الامر, فانك ان تعش ويطل بك بقاء, فانت لهذا الامر خليق وبه حقيق , في فضلك ودينك , وعلمك وفهمك ,وسابقتك ونسبك وصهرك .
فـقال علي كرم اللّه وجهه : [اللّه اللّه يا معشر المهاجرين , لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقـعر بيته , الى دوركم وقعور بيوتكم , ولا تدفعوا اهله عن مقامه في الناس وحقه , فواللّه يا معشر المهاجرين , لنحن احق الناس به , لانا اهل البيت , ونحن احق بهذا الامر منكم ما كان فينا القارى لكتاب اللّه , الفقيه في دين اللّه , العالم بسنن رسول اللّه , المضطلع بامر الرعية , المدافع عنهم الامور السيئة , القاسم بينهم بالسوية .واللّه انه لفينا, فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل اللّه , فتزدادوا من الحق بعدا].
فقال بشير بن سعد الانصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الانصار منك يا علي قبل بيعتهالابي بكر, ما اختلف عليك اثنان .
قـال : وخـرج عـلـي كرم اللّه وجهه يحمل فاطمة بنت رسول اللّه (ص ) على دابة ليلا في مجالس الانـصـار تـسـالـهم النصرة , فكانوا يقولون : يا بنت رسول اللّه قد مضت بيعتنا لهذاالرجل , ولو ان زوجك وابن عمك سبق الينا قبل ابي بكر ما عدلنا به , فيقول علي كرم اللّه وجهه : افكنت ادع رسول اللّه (ص ) فـي بيته لم ادفنه , واخرج انازع الناس سلطانه ؟ فقالت فاطمة : ما صنع ابو الحسن الا ما كان ينبغي له , ولقد صنعوا ما اللّه حسيبهم وطالبهم .
38 - التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي :
روى شـيـخ الاسـلام ابو اسحاق ابراهيم بن سعد الدين الحموينى باسناده في فرائدالسمطين [1:
312] في الفصل الاول في الباب الثامن والخمسين عن التابعي سليم بن قيس الهلالي , قال : رايت عليا في مسجد رسول اللّه (ص ) في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون العلم والفقه , فذكروا قـريـشـا فـي فضلها وسوابقها وهجرتها, وما قال فيهارسول اللّه (ص ) من الفضل مثل قوله (ص ):
[الائمة من قريش ]. وقوله : [الناس تبع لقريش , وقريش ائمة العرب ].
الى ان قال - بعد ذكر مفاخرة كل حي برجال قومه -: وفي الحلقة اكثر من مئتي رجل فيهم علي بن ابـي طـالـب (ع ), وسـعـد بـن ابي وقاص , وعبد الرحمن بن عوف , وطلحة ,والزبير, والمقداد, وابوذر, وهاشم بن عتبة , وابن عمر, والحسن , والحسين , وابن عباس ,ومحمد بن ابي بكر, وعبد اللّه بـن جـعفر. [وكان في الحلقة ] من الانصار ابي بن كعب , وزيدابن ثابت , وابو ايوب الانصاري , وابـو الـهـيثم بن التيهان , ومحمد بن سلمة , وقيس بن سعدابن عبادة , وجابر بن عبداللّه , وانس بن مـالـك , وزيد بن ارقم , وعبداللّه بن ابي اوفى ,وابو ليلى , ومعه ابنه عبدالرحمن قاعد بجنبه غلام صـبـيح الوجه امرد, فجاء ابو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن البصري غلام امرد صبيح الوجه مـعـتدل القامة , قال [سليم ]:فجعلت انظر اليه والى عبدالرحمن بن ابي ليلى , فلا ادري ايهما اجمل غير ان الحسن اعظمهما, واطولهما.
فـاكثر القوم , وذلك من بكرة الى حين الزوال , وعثمان في داره , لا يعلم بشي ء مما هم فيه ,وعلي بن ابـي طالب (ع ) ساكت لا ينطق , ولا احد من اهل بيته , فاقبل القوم اليه فقالوا: ياابا الحسن ما يمنعك ان تتكلم ؟ فقال : ما من الحيين الا وقد ذكر فضلا وقال حقا, فانا اسالكم يا معشر قريش والانصار,بمن اعطاكم اللّه هـذا الـفضل ؟ بانفسكم و عشائركم واهل بيوتاتكم ام بغيركم ؟ قالوا: بل اعطانا اللّه ومن علينا بمحمد(ص ) وعشيرته لا بانفسنا وعشائرنا ولا باهل بيوتاتنا.
قال (ع ): [صدقتم يا معشر قريش والانصار, الستم تعلمون ان الذي نلتم من خير الدنياوالاخرة منا اهـل البيت خاصة دون غيرهم ؟ وان ابن عمي رسول اللّه (ص ) قال : اني واهل بيتي كنا نورا يسعى بـيـن يـدي اللّه تـعـالى قبل ان يخلق اللّه تعالى آدم (ع ) باربعة عشر الف سنة , فلما خلق اللّه تعالى آدم (ع ) وضـع ذلك النور في صلبه واهبطه الى الارض , ثم حمله في السفينة في صلب نوح (ع ) ثم قـذف بـه فـي الـنـار فـي صلب ابراهيم (ع ) ثم لم يزل اللّه تعالى ينقلنا في الاصلاب الكريمة , الى الارحام الطاهرة ومن الارحام الطاهرة الى الاصلاب الكريمة من الاباء والامهات , لم يلق واحد منهم عـلـى سـفـاح قـط], فـقال اهل السابقة والقدمة واهل بدر واهل احد: نعم قد سمعنا ذلك من رسول اللّه (ص ).
ثم قال علي (ع ): [انشدكم اللّه , اتعلمون ان [اللّه ] عزوجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية , واني لم يسبقني الى اللّه عز وجل والى رسوله (ص ) احد من هذه الامة ] قالوا : اللهم نعم .
قـال : [فـانشدكم اللّه , اتعلمون حيث نزلت : (والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار) [التوبة :
100], (والـسـابـقون السابقون اولئك المقربون )؟ [الواقعة : 10] سئل عنهارسول اللّه (ص ) فقال :
انـزلـهـا اللّه تعالى ذكره في الانبياء واوصيائهم , فانا افضل انبياء اللّه ورسله , وعلي بن ابي طالب وصيي افضل الاوصياء] قالوا: اللهم نعم .
قـال : [فانشدكم اللّه , اتعلمون حيث نزلت : (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعواالرسول واولي الامـر مـنـكـم ) [النساء: 59] وحيث نزلت : (انما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) [المائدة : 55] وحيث نزلت : (ام حسبتم ان تتركوا ولما يعلم اللّه الـذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة )؟ [التوبة : 16] قـال الـناس : يا رسول اللّه , اخاصة في بعض المؤمنين ام عامة لجميعهم ؟ فامر اللّه عزوجل نبيه ان يـعلمهم ولاة امرهم , و ان يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وحجهم , فنصبني للناس بغدير خم ].
ثـم خـطـب وقـال : [ايـها الناس , ان اللّه ارسلني برسالة ضاق بها صدري , وظننت ان الناس مكذبي .
فـاوعـدنـي لابـلـغها او ليعذبني ], ثم امر(ص ) فنودي بالصلاة جامعة , ثم خطب فقال : [ايها الناس , اتعلمون ان اللّه عزوجل مولاي وانا مولى المؤمنين , وانا اولى بهم من انفسهم ]؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه , قـال : [قـم يـا علي ], فقمت , فقال : [من كنت مولاه فعلي هذا مولاه , اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ].
فقام سلمان فقال : يا رسول اللّه ولاء كماذا؟ قال (ص ): [ولاء كولايتي من كنت اولى به من نفسه فعلي اولى به من نفسه ], فانزل اللّه تعالى ذكره : (اليوم اءكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لـكم الاسلام دينا) الاية .. فكبر النبي (ص ) وقال : [اللّه اكبر تمام نبوتي , وتمام دين اللّه ولاية علي بعدي ].
فقام ابو بكر وعمر, فقالا: يا رسول اللّه هؤلاء الايات خاصة في علي ؟ قال : [بلى فيه وفي اوصيائي الـى يوم القيامة ], قالا: يا رسول اللّه بينهم لنا, قال : [علي اخي ووزيري , ووارثي ووصيي وخليفتي في امتي وولي كل مؤمن بعدي , ثم ابني الحسن , ثم الحسين , ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد, القرآن معهم وهم مع القرآن , لايفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض ].
فقالوا كلهم : اللهم نعم قد سمعنا ذلك , وشهدنا كما قلت سواء. وقال بعضهم : قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظه كله , وهؤلاء الذين حفظوا اخيارنا وافاضلنا, فقال علي : [صدقتم ,ليس كل الناس يستوون في الحفظ].
قال علي (ع ): [انشد اللّه عزوجل من حفظ ذلك من رسول اللّه (ص ) لما قام فاخبر به ],فقام زيد بن ارقـم , والـبراء بن عازب , وسلمان , وابو ذر, والمقداد, وعمار, فقالوا: نشهدلقد حفظنا قول النبي وهـو قائم على المنبر وانت الى جنبه , وهو يقول : [ايها الناس , ان اللّه عزوجل امرني ان انصب لكم امـامـكم , والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي , والذي فرض اللّه عزوجل على المؤمنين في كتابه طـاعـتـه , فـقـرنـه بطاعته وطاعتي , وامركم بولايته , واني راجعت ربي خشية طعن اهل النفاق وتكذيبهم , فاوعدني لابلغها اوليعذبني ].
[يـا ايها الناس , ان اللّه امركم في كتابه بالصلاة فقد بينتها لكم , والزكاة والصوم , والحج فبينتها لكم وفـسرتها, وامركم بالولاية , واني اشهدكم انها لهذا خاصة ], ووضع يده على علي بن ابي طالب (ع ) قال : [ثم لابنيه بعده , ثم للاوصياء من بعدهم من ولدهم ,لايفارقون القرآن , ولايفارقهم القرآن حتى يردوا على حوضي . ايها الناس , قد بينت لكم مفزعكم بعدي , وامامكم ووليكم ودليلكم وهاديكم . وهو اخـي عـلي بن ابي طالب , وهوفيكم بمنزلتي فيكم , فقلدوه دينكم واطيعوه في جميع اموركم , فان عـنـده جـمـيـع مـا عـلـمـنـي اللّه مـن عـلمه وحكمته , فسلوه وتعلموا منه ومن اوصيائه بعده , ولاتـعـلموهم ولاتتقدموهم ولا تخلفوا عنهم , فانهم مع الحق والحق معهم , لا يزايلوه ولايزايلهم ], ثم جلسوا. الحديث .
39 - العلامة الكبير الاميني :
قـال فـي كـتـابه الغدير [1: 9] نقلا عن الطبقات لابن سعد [3: 225. و 2: 172 ط. دار الفكر -بـيروت ] و الامتاع للمقريزي [ص 510] وارشاد الساري في شرح صحيح البخاري لابن حجر [6: 429]:
اجـمـع رسول اللّه (ص ), الخروج الى الحج في سنة عشر من مهاجره , واذن في الناس بذلك ,فقدم الـمـدينة خلق كثير ياتمون به في حجته تلك التي يقال عليها حجة الوداع , وحجة الاسلام , وحجة البلاغ , وحجة الكمال , وحجة التمام , ولم يحج غيرها منذ هاجر الى ان توفاه اللّه .
فـخـرج (ص ) من المدينة مغتسلا متدهنا مترجلا متجردا في ثوبين صحاريين , ازار ورداء,وذلك يوم السبت لخمس ليال او ست بقين من ذي القعدة , واخرج معه نساءه كلهن في الهودج , وسار مع اهل بيته وعامة المهاجرين والانصار, ومن شاء من قبائل العرب وافناء الناس .
وعـند خروجه (ص ) اصاب الناس بالمدينة جدري -بضم الجيم وفتح الدال - او حصبة منعت كثيرا مـن الـنـاس من الحج معه (ص ) ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها الااللّه تعالى , وقد يقال : خرج معه تـسعون الف , ويقال : مئة الف واربعة عشر الفا, وقيل : مئة الف وعشرون الفا. وقيل : مئة الف واربعة وعـشـرون الفا. ويقال اكثر من ذلك , وهذه عدة من خرج معه , واما الذين حجوا معه فاكثر من ذلك , كالمقيمين بمكة والذين اتوا من اليمن مع علي امير المؤمنين وابي موسى .
اصبح (ص ) يوم الاحد بيلملم , ثم راح فتعشى بشرف السيالة , وصلى هناك المغرب والعشاء, ثم صلى الصبح بعرق الظبية , ثم نزل الروحاء, ثم سار من الروحاء فصلى العصربالمنصرف , وصلى المغرب والعشاء بالمتعشى وتعشى به , وصلى الصبح بالاثابة , واصبح يوم الثلاثاء بالعرج واحتجم بلحى جمل -وهـو عقبة الجحفة - ونزل السقياء يوم الاربعاء, واصبح بالابواء, وصلى هناك , ثم راح من الابواء, ونـزل يـوم الجمعة الجحفة ,ومنها الى قديد و سبت فيه , وكان يوم الاحد بعسفان , ثم سار فلما كان بـالـغميم اعترض المشاة فصفوا صفوفا, فشكوا اليه المشي , فقال : استعينوا بالنسلان (مشي سريع دون الـعـدو) فـفـعـلـوا فـوجـدوا لـذلك راحة , وكان يوم الاثنين بمر الظهران , فلم يبرح حتى امـسـى وغـربـت لـه الـشـمس بسرف , فلم يصل المغرب حتى دخل مكة , ولما انتهى الى الثنيتين بات بينهما, فدخل مكة نهار الثلاثاء.
فـلـما قضى مناسكه وانصرف راجعا الى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات ,ووصل الى غـدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين ,وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة , نزل اليه جبرئيل الامين عن اللّه بقوله :(يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك مـن ربك ) الاية , وامره ان يقيم عليا علما للناس ,ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل احد.
وكـان اوائل الـقـوم قريبا من الجحفة فامر رسول اللّه (ص ) ان يرد من تقدم منهم ويحبس من تاخر عنهم في ذلك المكان , ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام ان لاينزل تحتهن احد, حتى اذا اخـذ الـقوم منازلهم فقم ما تحتهن , حتى اذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد اليهن فصلى بالناس تحتهن , وكان يوما هاجرا يضع الرجل بعض ردائه على راسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء, وظـلـل لرسول اللّه بثوب على شجرة سمرة من الشمس , فلما انصرف (ص ) من صلاته قام خطيبا وسط القوم على اقتاب الابل واسمع الجميع , رافعا عقيرته , فقال :
[الـحمد للّه ونستعينه ونؤمن به , ونتوكل عليه , ونعوذ باللّه من شرور انفسنا, ومن سيئات اعمالنا الذي لا هادي لمن ضل , ولا مضل لمن هدى . واشهد ان لا اله الااللّه , وان محمداعبده ورسوله .
اما بعد: ايها الناس قد نباني اللطيف الخبير انه لم يعمر نبي الا مثل نصف عمر الذي قبله ,واني اوشك ان ادعـى فـاجـيـب , وانـي مسؤول وانكم مسؤولون , فماذا انتم قائلون ؟] قالوا:نشهد انك قد بلغت ونصحت وجهدت , فجزاك اللّه خيرا.
قـال : [الـستم تشهدون ان لا اله الا اللّه , وان محمدا عبده ورسوله , وان جنته حق , وناره حق , وان الموت حق , وان الساعة آتية لا ريب فيها, وان اللّه يبعث من في القبور؟] قالوا:بلى نشهد بذلك . قال :
[اللهم اشهد].
ثـم قـال : [ايـها الناس الا تسمعون ؟] قالوا: نعم , قال : [فاني فرط على الحوض , وانتم واردون علي الحوض , وان عرضه ما بين صنعاء وبصرى , فيه اقداح عدد النجوم من فضة فانظرواكيف تخلفوني فـي الـثـقـلين ] فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول اللّه ؟ قال : [الثقل الاكبر كتاب اللّه طرف بيد اللّه عزوجل وطرف بايديكم فتمسكوا به ولا تضلوا والاخر الاصغرعترتي , وان اللطيف الخبير نباني انـهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض , فسالت ذلك لهماربي , فلا تقدموهما فتهلكوا, ولا تقصروا عنهما فتهلكوا].
ثـم اخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم اجمعون فقال : [ايها الناس من اولى الناس بالمؤمنين من انفسهم ؟] قالوا: اللّه ورسوله اعلم , قال : [ان اللّه مولاي وانامولى المؤمنين , وانا اولى بهم من انفسهم , فمن كنت مولاه فعلي مولاه ], يقولها ثلاث مرات ,وفي لفظ احمد امام الحنابلة :
اربع مرات , ثم قال : [اللهم وال من والاه , وعاد من عاداه ,واحب من احبه , وابغض من ابغضه . وانصر من نصره . واخذل من خذله , وادر الحق معه حيث دار, الا فليبلغ الشاهد الغائب ].
ثم لم يتفرقوا حتى نزل امين وحي اللّه بقوله : (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ) الاية .
فقال رسول اللّه (ص ): [اللّه اكبر على اكمال الدين , واتمام النعمة , ورضاالرب برسالتي , والولاية لعلي من بعدي ], ثم طفق القوم يهنئون امير المؤمنين صلوات اللّه عليه . وممن هناه في مقدم الصحابة :
الشيخان ابو بكر و عمر كل يقول : بخ بخ لك يابن ابي طالب اصبحت وامسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة . وقال ابن عباس : وجبت واللّه في اعناق القوم , فقال حسان : ائذن لي يا رسول اللّه ان اقول في عـلـي ابياتا تسمعهن ,فقال : قل على بركة اللّه , فقام حسان فقال : يا معشر مشيخة قريش اتبعها قولي بشهادة من رسول اللّه في الولاية ماضية , ثم قال :
يناديهم يوم الغدير نبيهم ----- بخم فاسمع بالرسول مناديا هـذا مـجمل القول في واقعة الغدير, وسيوافيك تفصيل الفاظها, وقد اصفقت الامة على هذا,وليست في العالم كله وعلى مستوى البسيط واقعة اسلامية غديرية غيره , ولو اطلق يومه فلا ينصرف الا الـيـه . وان قـيـل مـحله فهو هذا المحل المعروف على امم من الجحفة , ولم يعرف احد من البحاثة والـمـنقبين سواه , نعم : شذ عنهم -الدكتور ملحم ابراهيم الاسود- في تعليقه على ديوان ابي تمام , فـانـه قال : هي واقعة حرب معروفة , ولنا حول ذلك بحث ضاف تجده في ترجمة ابي تمام من الجزء الثاني ان شاء اللّه .
وقـد ذكـر الـشيخ المؤلف في كتابه المذكور عدد طرق رواة الغدير, ما فاق بها الائمة البحاثة من مـتـقدميه , وقد كان الامام ابن حنبل فيما ذكره الشيخ من تعليقه [ص 14] قد روى حديث الغدير من اربـعين طريقا, وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقا, والجزري المقري من ثمانين طريقا, وابـو بـكـر الـجعابي من مئة وخمسة وعشرين طريقا, وكان هورضوان اللّه عليه قد ذكر رواة حـديـث الـغـدير من الصحابة مئة وعشرة صحابيا, ومن التابعين اربعة وثمانين تابعيا, وفي طبقات الـرواة مـن ائمة الحديث وحفاظه والاساتذة المبرزين في هذا الفن ثلاثمائة وستون نسمة , ولذلك اشار بعضهم الى كتابه القيم [الغدير]ممتدحا بقوله (20):
سالوني عن الغدير اناس ----- اين كان الغدير قبل الاميني قلت كان الغدير في سجن غي ----- صفدته قيود افك ومين وغدا في السجون من يوم خم ----- يوم قال الاله اكلمت ديني قد اتاه الامين لما دعاه ----- مستعينا فياله من معين فجزاه الاله خير جزاء ----- اوضح الحق في كتاب مبين واذا بالغدير بين يدينا ----- فيه تبيان كل شي ء دفين فيه ما تشتهي النفوس وفيه ----- ما تلذ العيون راي العيون فرحة الصادقين فيه وفيه ----- ترحة الكاذبين حق اليقين يا كتاب الغدير ابهجت منا ----- مذتلوناك كل قلب حزين سوف يبقى بعزة الدهر نورا ----- خالدا في الوجود طول السنين وسلام على المؤلف سفر ----- فاق فضلا رجال كل القرون

المبحث الثاني

في قوله عزوجل : (وقفوهم انهم مسؤولون ) [الصافات : آية 24].
قـال الاعـلام مـن اهـل التفاسير, وحفظة السنن : كثرت الاقاويل , واختلف اهل التاويل , في المعنى الـمـراد بـه الـمسؤول عنه في هذه الاية الشريفة , ومن جملة المعاني التي ذكروها في تفاسيرهم وتاليفهم , بان المسؤول عنه غدا هو: ولاية امير المؤمنين علي (ع ). واليك من ذكر ذلك :
1 - الامام الواحدي :
قال في كتابه اسباب النزول بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي اثبتها النبي (ص )لعلي مسؤول عـنـها يوم القيامة , روي في قوله تعالى : (وقفوهم انهم مسؤولون ) اي عن ولاية علي (رض ) واهل الـبـيـت . والـمـعـنـى : انـهم يسالون هل والوهم حق الموالاة كمااوصاهم النبي (ص ) ام اضاعوها واهملوها؟ فتكون عليهم المطالبة والتبعة .
وذكره ايضا ابن حجر في الصواعق [ص 89] والزرندي في نظم الدرر [ص 109] والسيدالحبيب ابو بكر بن شهاب الدين العلوي الحضرمي في كتابه رشفة الصادي [ص 24].
2 - الحموئي :
اخـرج فـي فـرائد الـسمطين [1 : 81] من طريق الحاكم مسندا عن عبداللّه بن مسعود, قال :قال رسول اللّه (ص ): [اتاني ملك فقال : يا محمد قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن ابي طالب صلى اللّه عليهما.
وقال : روي عن علي (ع ) انه قال : [جعلت الموالاة اصلا من اصول الدين ].
واخـرج فـي [1: 97] مـن طـريق الحاكم مسندا عن سفيان بن ابراهيم الحرنوي عن ابيه عن ابي صادق , قال : قال علي (ع ): [اصول الاسلام ثلاثة , لا تنفع واحدة منهن دون صاحبها:الصلاة والزكاة والموالاة ].
3 - الالوسي صاحب التفسير:
قـال فـي تـفـسـيره روح المعاني [23: 80 ط. دار الاحياء - بيروت ] في قوله تعالى : (وقفوهم انـهـم مسؤولون ) بعد ما اتى باقوال فيها: واولى هذه الاقوال ان السؤال عن العقائد والاعمال ,وراس ذلك : لا اله الا اللّه , ومن اجله ولاية علي كرم اللّه وجهه .
ومـن طـريـق الـبيهقي عن الحاكم النيسابوري باسناده عن رسول اللّه (ص ): اذا جمع اللّه الاولين والاخرين يوم القيامة , ونصب الصراط على جسر جهنم لم يجزها احد الامن كانت معه براءة بولاية علي كرم اللّه وجهه .
واخرجه محب الدين الطبري في الرياض النضرة [2: 172].
4 - ابن حجر:
قـال فـي كـتـابـه الـصـواعـق [ص 89]: اخـرج الديلمي عن ابي سعيد الخدري ان النبي (ص ) قـال :[وقـفـوهـم انـهـم مسؤولون عن ولاية علي ], وكان هذا هو مراد الواحدي بقوله : روي في قـولـه تعالى : (وقفوهم انهم مسؤولون ) اي : عن ولاية علي واهل البيت , لان اللّه امر نبيه ان يعرف الـخـلـق انـه لا يـسالهم على تبليغ الرسالة اجرا الا المودة في القربى . والمعنى : انهم يسالون , هل والوهم حق المولاة كما اوصاهم النبي (ص ) ام اضاعوها واهملوها؟ فتكون عليهم المطالبة والتبعة .
ولـعـل هذه التفاسير المبينة للمعنى المراد بالاية الشريفة اذا قورنت بحديث البراءة والجوازعلى الصراط لاستبانت حقيقة الامر جلية لاغبار فيها لمن كان له قلب منصف وبصيرة منيرة , بل وازداد يـقـيـنا على يقين بان ليس معنى من المعاني التي فسر بها بعض المفسرين من الامور المسؤولة عنها باكثر ملائمة من معنى الولاية لامير المؤمنين (ع ).
كـقـولـه (ص ) فيما اخرجه الحافظ ابن السمان في الموافقة عن قيس بن حازم , قال : التقى ابوبكر الصديق وعلي بن ابي طالب , فتبسم ابو بكر في وجه علي , فقال له : مالك تبسمت ؟قال : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : لا يجوز احد الصراط الامن كتب له علي الجواز.
وقـد ذكـره الـمـحب الطبري في الرياض النضرة [2: 177 و 244] وابن حجر في الصواعق [ص 75] والصبان في اسعاف الراغبين [ص 176] بهامش نور الابصار.
وكـقوله (ص ) فيما اخرجه الحافظ الخوارزمي في المناقب [ص 320 ط. قم ] باسناده عن مجاهد, عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه (ص ): اذا كان يوم القيامة اقام اللّه عزوجل جبرئيل و محمدا على الصراط, فلا يجوزه احد الا من كان معه براءة من علي بن ابي طالب (ع ).
وروى ابـن الـمـغازلي في المناقب [ص 119 ط. طهران ]: علي يوم القيامة على الحوض , لايدخل الجنة الا من جاء بجواز من علي بن ابي طالب . وذكره القرشي في شمس الاخبار[ص 36].
وكـقوله (ص ) فيما اخرجه الحاكم كما رواه الطبري في الرياض النضرة [2:172] عن علي قال :
قـال رسـول اللّه (ص ): اذا جـمـع اللّه الاولين والاخرين يوم القيامة , ونصب الصراطعلى جسر جهنم , لم يجز بها احد الا من كانت معه براءة بولاية علي بن ابي طالب .
وذكره الحمويني في فرائد السمطين في الباب الرابع و الخمسين [1: 289].
كـما اخرجه الخوارزمي في المناقب [ص 71] عن الحسن البصري , عن عبد اللّه , قال : قال رسول اللّه (ص ): اذا كان يوم القيامة يقعد علي بن ابي طالب على الفردوس , وهو جبل قد علا على الجنة , وفـوقـه عـرش رب العالمين , ومن سفحه تتفجر انهار الجنة وتتفرق في الجنان , وهو جالس على كرسي من نور يجري بين يديه التسنيم , لا يجوز احد الصراط الاومعه براءة بولايته وولاية اهل بيته , يشرف على الجنة فيدخل محبيه الجنة ومبغضية النار.
ورواه الحموئي في كتابه فرائد السمطين في الباب الرابع والخمسين [1: 292].
وكـذلـك فـيـما اخرجه القاضي عياض في الشفاء [ص 41 ط. العثمانية سنة 1312 و 2: 47 ط.
دارالفكر - بيروت ] عن النبي (ص ) انه قال : معرفة آل محمد براءة من النار, وحب آل محمدجواز على الصراط, والولاية لال محمد آمان من العذاب .
ورواه ابن حجر في الصواعق [ص 139] والشبراوي في الاتحاف [ص 15] والحبيب ابو بكربن شهاب الدين في رشفة الصادي [ص 459].
ومعرفتهم كما قال بعض العلماء فيما ذكره القاضي عياض في الكتاب المذكور هي : معرفة مكانهم من النبي (ص ) فاذا عرفهم بذلك عرف وجوب حقهم وحرمتهم بسببه (ص ) . ثم ذكر بعده آية التطهير وحـديث : [من كنت مولاه فعلي مولاه , اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ], وغير ذلك مما له علاقة باهل البيت النبوي من الفضائل ما جاءت بها السنن الثابتة عن مصدر الرسالة صلوات اللّه عليه وآله .
وكـقـولـه (ص ) فـيـمـا اخـرجـه الـخـطـيـب الـبـغدادي في تاريخه [3: 161 ط. دار الكتب العلمية -بيروت ]عن ابن عباس قال : قلت للنبي (ص ): يا رسول اللّه للنار جواز؟ قال : نعم , قلت : وما هو؟قال : حب علي بن ابي طالب .
5 - ابن شهرآشوب :
اورد في كتابه مناقب آل ابي طالب [2: 152 ط. دار الاضواء] نقلا عن كتاب ما نزل من القرآن في علي (ع ) للشيرازي , وابو معاوية الضرير, عن الاعمش , عن مسلم النظير, عن سعيدبن جبير, عن ابـن عباس , قال : اذا كان يوم القيامة امر اللّه مالكا ان يسعر النيران السبع ,وامر رضوان ان يزخرف الجنان الثمانية , ويقول : يا ميكائيل مد الصراط على متن جهنم ,ويقول : يا جبرئيل انصب الميزان تحت العرش , وناد يا محمد قرب امتك للحساب , ويامراللّه تعالى ان يعقد على الصراط سبع قناطر, طول كل قنطرة سبعة عشر الف فرسخ ,وعلى كل قنطرة سبعون الف ملك قيام .
فـيـسالون هذه الامة نساؤهم ورجالهم على القنطرة الاولى : عن ولاية علي بن ابي طالب وحب آل مـحمد(ع ), فمن اتى به جاز القنطرة الاولى كالبرق الخاطف , ومن لم يحب اهل بيت نبيه سقط على ام راسه في قعر جهنم , ولو كان له من اعمال البر عمل سبعين صديقا.
وعلى القنطرة الثانية : يسالون عن الصلاة , وعلى الثالثة : يسالون عن الزكاة , وعلى القنطرة الرابعة :
عن الصيام . وعلى الخامسة : عن الحج , وعلى السادسة : عن العدل . فمن اتى بشي من ذلك جاز كالبرق الخاطف , ومن لم يات عذب . وذلك قوله : (وقفوهم انهم مسؤولون ) يعني : معاشر الملائكة , وقفوهم .
يعني : العباد على القنطرة الاولى عن ولاية علي وحب اهل البيت .
وسـئل الباقر(ع ) عن هذه الاية , فقال : [يقفون فيسالون ما لكم لا تناصرون في الاخرة كما تعاونتم فـي الـدنـيـا عـلـى عـلي (ع )؟ قال : يقول اللّه : (بل هم اليوم مستسلمون # واقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) الى قوله : (مجرمين )].
قال ابن شهر آشوب : قال محمد بن اسحاق . والشعبي , والاعمش , وسعيد بن جبير, وابن عباس , وابو نعيم الاصفهاني , والحاكم الحسكاني , والنطنزي , وجماعة اهل البيت (ع ) في قوله تعالى : (وقفوهم انهم مسؤولون ) يعني : عن ولاية علي بن ابي طالب وحب اهل البيت (ع ).
وعـن الـرضـا(ع ): ان النبي (ص ) قرا: (ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا) [الاسراء: 36], فسئل عن ذلك , فاشار الى الثلاثة , فقال : هم السمع والبصروالفؤاد. وسيسالون عن وصـيي هذا, واشار الى علي بن ابي طالب , ثم قال : وعزة ربي ان جميع امتي لموقوفون يوم القيامة , ومسؤولون عن ولايته , وذلك قول اللّه تعالى :(وقفوهم انهم مسؤولون ).
وفي تفسير وكيع بن سفيان , عن السدي في قوله تعالى : (فوربك لنساءلنهم اءجمعين )[الحجر: 92] عن ولاية اءمير المؤمنين , ثم قال : (عما كانوا يعملون ) [الحجر:93] عن اعمالهم في الدنيا.
وعـن ابـي جـعـفـر(ع ) فـي قـولـه تـعـالـى : (ثم لتسالن يومئذ عن النعيم ) [التكاثر: 8] يعني :
الامن ,والصحة , وولاية علي بن ابي طالب .
وروى الـثعلبي في تفسيره عن مجاهد عن ابن عباس , وابو القاسم القشيري في تفسيره عن الحاكم الـحـافظ عن ابي برزة , وابن بطة في الابانة باسناده عن ابي سعيد الخدري , كلهم ,عن النبي (ص ) قال : لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسال عن اربعة : عن عمره فيماافناه , وعن شبابه فيما ابلاه , وعن ماله من اين اكتسبه وفيما انفقه , وعن حبنا اهل البيت .
وفي اربعين المكي وولاية الطبري : فقيل له : فما آية محبتكم من بعدكم ؟ فوضع يده على راس علي وهو على جانبه , فقال : [ان حبي من بعدي حب هذا].
وفـي مـنقبة المطهرين عن ابي نعيم : فقال عمر: ما آية حبكم يا رسول اللّه ؟ قال (ص ): [حب هذا].
ووضع يده على كتف علي وقال : [من احبه فقد احبنا, ومن ابغضه فقد ابغضنا].
وقـال ابـن عباس : قال النبي (ص ): [والذي بعثني بالحق , لا يقبل اللّه من عبده حسنة حتى يساله عن حب علي بن ابي طالب (ع )].
6 - الطبرسي :
قـال فـي تـفسيره مجمع البيان [4: 568 ط, مؤسسة التاريخ العربي - بيروت ] في قوله تعالى : ( انـهـم مـسؤولون ): روى انس بن مالك مرفوعا, انهم مسؤولون عما دعوا اليه من البدع , وقيل :عن اعمالهم وخطاياهم , وقيل عن قول لا اله الا اللّه , وقيل : عن ولاية علي (ع ).
وفي ذلك قال الحميري :
اشهد باللّه وآلائه ----- والمرء عما قاله يسال ان علي بن ابي طالب ----- خليفة اللّه الذي يعدل وانه قد كان من احمد ----- كمثل هارون ولا مرسل لكن وصيا خازنا عنده ----- علم من اللّه به يعمل وقال الصاحب بن عباد:
علي امير المؤمنين خليفة ----- شهدت له بالجنة المتعاليه واني لارجو من مليكي كرامة ----- بحب علي يوم اعطى كتابيه راجع : المناقب لابن شهرآشوب [2: 262 و3: 64 ط. دار الاضواء - بيروت ].

المبحث الثالث

في قوله عزوجل : (انما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) [المائدة : 55].