وقال ليث بن ابي سليم عن مجاهد قال علي (رض ): آية في كتاب اللّه عزوجل لم يعمل بهااحد قبلي , و لا يـعـمـل بـها احد بعدي . كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم , فكنت اذاناجيت رسول اللّه
تـصـدقـت بدرهم . فنسخت ولم يعمل بها احد قبلي ولا يعمل بها احدبعدي . ثم تلا هذه الاية : (يا ايها
الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) الاية .
وروى الـترمذي عن سفيان بن وكيع , عن يحيى بن آدم , عن عبيداللّه الاشجعي . عن سفيان الثوري ,
عـن عثمان بن المغيرة الثقفي , عن سالم بن ابي الجعد, عن علي بن علقمة الانماري , عن علي بن ابي
طالب (رض ) قال : لما نزلت : (يا اءيها الذين آمنو اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة )
الى آخرها, قال لي النبي (ص ): ما ترى , دينار؟قال (ع ): لا يطيقونه , وذكر بتمامه مثله .
وقال علي بن ابي طلحة : عن ابن عباس , قوله : (فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) وذلك ان المسلمين
اكـثروا المسائل على رسول اللّه (ص ) حتى شقوا عليه . فاراد اللّه ان يخفف عن نبيه (ع ), فلما قال
ذلك جبن كبير من المسلمين , وكفوا عن المسالة , فانزل اللّه بعد هذا:(اءاءشففتم اءن تقدموا بين يدي
نجواكم صدقات فاذ لم تفعلوا وتاب اللّه عليكم ).
5 - الطبري :
قـال فـي تفسيره ((جامع البيان )) [28: 14]: حدثني محمد بن عمرو, قال : ثنا ابو عاصم , قال :ثنا
عـيسى , وحدثني الحارث , قال : حدثنا الحسن , قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن ابي نجيح عن مجاهد
فـي قـوله : (فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ), قال : نهوا عن مناجاة النبي (ص ) حتى يتصدقوا, فلم
يناجه الا علي بن ابي طالب (رض ) قدم دينارا فتصدق به ,ثم انزلت الرخصة في ذلك .
حـدثـنا محمد بن عبيد بن محمد المحاربي : قال حدثنا المطلب بن زياد, عن ليث , عن مجاهدقال : قال
علي (رض ): ان في كتاب اللّه عزوجل لاية ما عمل بها احد قبلي , ولا يعمل بهااحد بعدي : (يا اءيها
الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة )قال : فرضت ثم نسخت .
حـدثـنا ابو كريب . قال : حدثنا ابن ادريس , قال : سمعت ليثا, عن مجاهد قال : قال علي (رض ): آية من
كـتـاب اللّه لـم يـعمل بها احد قبلي ولا يعمل احد بعدي , كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم ,
فـكـنـت اذا جـئت الى النبي تصدقت بدرهم , فنسخت فلم يعمل بها احد قبلي (يا ايها الذين آمنوا اذا
ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ).
حـدثـنـا ابن حميد, قال : ثنا مهران عن سفيان . عن عثمان بن ابي المغيرة عن سالم بن ابي الجعد, عن
عـلي بن علقمة الانماري , عن علي قال : قال النبي (ص ): ما ترى , دينار؟ قال : لايطيقون , قال : نصف
ديـنـار؟ قـال : لا يطيقون , قال : ما ترى ؟ قال : شعيرة , فقال له النبي (ص ): ((انك لزهيد)) قال : قال
علي (رض ): فبي خفف اللّه عن هذه الامة .
6 - النيسابوري :
قـال فـي تـفـسـيـره ((غـرائب الـقرآن )) [28: 23] بهامش ((جامع البيان )): عن ابن عباس :
كان المسلمون اكثروا المسائل على رسول اللّه (ص ) حتى شقوا عليه , واراد اللّه ان يخفف عن نبيه ,
فلما نزلت آية النجوى شح كثير من الناس فكفوا عن المسالة .
وقـال مـقـابل بن حيان : ان الاغنياء غلبوا الفقراء في مجلس النبي (ص ) واكثروا مناجاته ,فامر اللّه
بـالـصدقة عند المناجاة , فازدادت درجة الفقراء, وانحطت رتبة الاغنياء, وتميزمحب الاخرة عن
محب الدنيا, واختلفوا في مقدار التاخر.
فعن الكلبي : ما بقي ذلك التكليف الا ساعة من نهار. وعن مقاتل : بقي عشرة ايام . وعن علي (رض ): لما
نزلت الاية دعاني رسول اللّه (ص ) فقال : ما تقول في دينار؟ قلت :لايطيقونه . قال : كم ؟ قلت : حبة او
شعيرة . قال (ص ): ((انك لزهيد)), اي : انك لقليل المال ,فقدرت على حسب مالك . وعنه (ع ): ((ان
فـي كـتـاب اللّه آية ما عمل بها احد قبلي ولايعمل بها احد بعدي . كان لي دينار فاشتريت به عشرة
دراهـم , فـكـنت اذا ناجيته تصدقت بدرهم )). قال الكلبي : تصدق به في عشر كلمات سالهن رسول
اللّه (ص ).
قـال القاضي : هذا لا يدل على فضله على اكابر الصحابة , لان الوقت لعله لا يتسع للعمل بهذا الفرض .
فـاجابه النيسابوري بقوله : قلت : هذا الكلام لا يخلو عن تعصب ما. ومن اين يلزمنا ان نثبت مفضولية
عـلـي (رض ) في كل خصلة ؟ ولم لا يجوز ان يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من اكابر الصحابة ؟
فـقـد روي عـن ابن عمر انه قال : كان لعلي ثلاث , لو كانت لي واحدة منهن كانت احب الي من حمر
الـنـعـم , تـزويـجه فاطمة , واعطاؤه الراية يوم خيبر,وآية النجوى . وهل يقول منصف ان مناجاة
الـنـبـي (ص ) نـقـيصة ؟ على انه لم يرد في الاية نهي عن المناجاة , وانما ورد تقديم الصدقة على
الـمـنـاجـاة , فمن عمل بالاية حصل له الفضيلة من جهتين , سد خلة بعض الفقراء, ومن جهة نجوى
الرسول (ص ) ففيها القرب منه . الخ .
7 - الحاكم النيسابوري :
قال في كتابه ((المستدرك )) [2: 481 - 482 ط. دار المعرفة - بيروت ]: اخبرني عبداللّه بن
محمدالصيدلاني , حدثنا محمد بن ايوب , انبانا يحيى بن المغيرة السعدي , حدثنا جرير, عن منصور,
عـن مـجـاهـد, عـن عـبـدالـرحـمـن بـن ابي ليلى قال : قال علي بن ابي طالب (رض ): قال رسول
اللّه (ص )(67): ((ان في كتاب اللّه لاية ما عمل بها احد, ولا يعمل بها احد بعدي )),آية النجوى :
(يا ايها الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة )الاية .
قـال : كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم , فناجيت النبي (ص ) فكنت كلما ناجيت النبي (ص ) قدمت
بين يدي نجواي درهما, ثم نسخت فلم يعمل بها احد. فنزلت :(اءاءشفقتم اءن تقدموا بين يدي نجواكم
صدقات ) الاية : هذا حديث صحيح على شرطالشيخين ولم يخرجاه .
المبحث السادس والعشرون
في قوله عزوجل : (وتعيها اذن واعيه ) [الحاقة : 12].
لقد ذكر اكثر المفسرين في تفاسيرهم , بان الاذن الواعية الحافظة المذكورة في هذه الاية الشريفة
هـي اذن علي بن ابي طالب (ع ). واستدلوا في ذلك بحديث ورد عن رسول اللّه (ص ), وممن ذكروا
ذلك المعنى في تفاسيرهم وتاليفهم :
1 - الطبرسي :
قـال فـي تـفـسـيـره ((مجمع البيان )) [9 - 10: 345 - 346 ط . دار احياء التراث العربي -
بـيـروت ] فـي قـولـه تـعـالى : (وتعيها اذن واعية ) اي وتحفظها اذن حافظة لما جاء من عند اللّه ,
وقـال الفراء: لتحفظها كل اذن فتكون عظة لمن ياتي بعد. وروى الطبري باسناده عن مكحول انه لما
نـزلـت هـذه الايـة قال النبي (ص ): ((اللهم اجعلها اذن علي )), ثم قال علي : ((فما سمعت شيئا من
رسول اللّه (ص ) فنسيته )).
وروى بـاسناده عن عكرمة عن بريدة الاسلمي ان رسول اللّه (ص ) قال لعلي (ع ): ((ياعلي ان اللّه
امرني ان ادنيك ولا اقصيك , وان اعلمك وتعي , وحق على اللّه ان تعي )),فنزل (وتعيها اذن واعية ).
ثـم قـال الـطـبـرسـي : اخـبـرني فيما كتب بخطه الي المفيد ابو الوفاء عبدالجبار بن عبداللّه بن
عـلي الرازي , قال : حدثني الشيخ السعيد ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي , والرئيس ابو
الجوائز الحسن علي بن محمد الكاتب , والشيخ ابو عبداللّه حسن ابن احمد بن حبيب الفارسي , قالوا:
حـدثـنا ابوبكر محمد بن احمد بن محمد المفيد الجرجاني , قال : سمعت اباعمرو عثمان بن خطاب
المعمر المعروف بابي الدنيا الاشج , قال : سمعت علي ابن ابي طالب (ع ) يقول : لما نزلت : (وتعيها اذن
واعية ) قال النبي (ص ): ((سالت اللّه عزوجل ان يجعلها اذنك ياعلي )).
2 - ابن كثير:
قـال في تفسيره [4: 413] بعد ان اتى باقوال من فسر معنى (واعية ): وقد قال ابن ابي حاتم : حدثنا
ابـو زرعة الدمشقي , حدثنا العباس بن الوليد بن صبيح الدمشقي , حدثنا زيدبن يحيى , حدثنا علي بن
حـوشـب : سـمـعـت مـكحولا يقول : لما نزل على رسول اللّه (ص )(وتعيها اذن واعية ) قال رسول
للّه (ص ): ((سـالت ربي ان يجعلها اذن علي )), قال مكحول : فكان علي يقول : ((ما سمعت من رسول
اللّه شيئا قط فنسيته )).
ثم روى من طرق اخرى نحوه .
3 - الزمخشري :
قال في تفسيره ((الكشاف )) [4: 600 ط . قم منشورات البلاغة ] في قوله تعالى : (اذن واعية ):من
شـانها ان تعي وتحفظ ما سمعت به . ولا تضيعه بترك العمل , وكل ما حفظته في نفسك فقد وعيته . ثم
قـال : وعـن الـنـبي (ص ) انه قال لعلي (رض ) عند نزول هذه الاية : ((سالت اللّه ان يجعلها اذنك يا
علي )), قال علي (رض ): ((فما نسيت شيئا بعد, وما كان لي ان انسى )).
4 - الشوكاني :
قال في تفسيره ((فتح القدير)) [5: 282]: واخرج سعيد بن منصور, وابن مردويه , وابو نعيم في
الـحـلـيـة من طريق مكحول عن علي بن ابي طالب في قوله تعالى : (وتعيها اذن واعية )قال : قال لي
رسول اللّه (ص ): ((سالت اللّه ان يجعلها اذنك ياعلي )), فقال علي : ((ما سمعت من رسول اللّه (ص )
شيئا فنسيته )).
ثم ذكر ما قاله ابن كثير في الحديث كعادته مما لا يلتفت اليه ولا يعتبر لسكوت غيره من المفسرين
والحفاظ وعدم غمزهم في الحديث المذكور كما علمنا فيما مر من تفاسيرهم ومماسيلي .
5 - النيسابوري :
قـال فـي تـفـسـيـره ((غـرائب القرآن )) بهامش ((جامع البيان )) [29: 31] بعد ان فسر قوله
تعالى :(وتعيها اذن واعية ): عن النبي (ص ) انه قال لعلي (رض ) عند نزول هذه الاية : ((سالت اللّه ان
يجعلها اذنك يا علي )), قال علي (رض ): ((فما نسيت شيئا بعد ذلك , وما كان لي ان انسى )).
6 - الطبري :
قـال فـي تفسيره ((جامع البيان )) [12: 123 ط. دار الكتب العلمية - بيروت ] بعد ان ذكر اقوال
اهل التاويل في قوله تعالى : (وتعيها اذن واعية ): حدثنا علي بن سهل , قال : ثنا الوليد بن مسلم عن علي
بن حوشب . قال سمعت مكحولا يقول : قرا رسول اللّه (ص ): (وتعيها اذن واعية ), ثم التفت الى علي
فـقـال : ((سـالـت اللّه ان يجعلها اذنك )), قال علي (رض ): ((فماسمعت شيئا من رسول اللّه (ص )
فنسيته )).
حـدثـنـي مـحـمد بن خلف , قال : ثني بشر بن آدم , قال : ثنا عبداللّه بن الزبير, قال : ثني عبداللّه بن
رستم , قال : سمعت بريدة يقول : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول لعلي : ((يا علي ان اللّه امرني ان ادنيك
ولا اقصيك , وان اعلمك وان تعي , وحق على اللّه ان تعي , قال : فنزلت (وتعيها اذن واعية ).
حـدثني محمد بن خلف , قال : ثنا الحسن بن حماد, قال : ثنا اسماعيل بن ابراهيم ابو يحيى التيمي , عن
فضيل بن عبد اللّه , عن ابي داود, عن بريدة الاسلمي قال : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول لعلي : ((ان
اللّه امرني ان اعلمك وان ادنيك , ولا اجفوك ولا اقصيك )), ثم ذكر مثله .
7 - الاميني :
قـد اورد رحمه اللّه في غديره [3: 394] قصيدة طويلة للزاهي , وهو ابو القاسم علي بن اسحاق
بـن خـلـف القطان البغدادي الشهير بالزاهي نسبة الى ((زاه )) (قرية من قرى نيسابور), وما قاله
معربا عما نحن بصدده :
والاذن الواعية الصماء عن ----- كل خنا يغلط فيه من غل
ط قـال الامـيني : قوله : (الا ذن الواعية ) اشارة الى ما اخرجه الحافظ ابو نعيم في ((حلية الاولياء))
[1: 62] عـن رسـول اللّه (ص ) انه قال : ((يا علي ان اللّه عزوجل امرني ان ادنيك واعلمك لتعي ,
وانزلت هذه الاية : (وتعيها اذن واعية ) فانت اذن واعية لعلمي )).
واخـرجـه جـمع من الحفاظ, وقال القاضي الايجي في ((المواقف )) [3: 276] اكثر المفسرون
في قوله تعالى : (وتعيها اذن واعية ) انه علي .
المبحث السابع والعشرون
في قوله تعالى : (ولسوف يعطيك ربك فترضى ) [الضحى : 5].
لـلـمفسرين في تاويل معنى العطاء في هذه الاية الكريمة الذي وعده اللّه عزوجل حبيبه المصطفى
يوم القيامة فيرضى به , اقوال : احدها انه انما يرضى عليه الصلاة والسلام بان لايدخل احد من اهل
بيته النار, وفي رواية : احد من امته , وممن ذكر ذلك في تفاسيرهم :
1 - الطبرسي :
قـال فـي تـفـسـيـره ((مجمع البيان )) [9 - 10: 505 ط. دار احياء التراث العربي - بيروت ]:
مـعـنـاه وسـيـعـطيك ربك في الاخرة من الشفاعة والحوض وسائر انواع الكرامة فيك وفي امتك
ماترضى به .
وروى حـرث بـن شـريـح عـن مـحمد بن علي ((ابن الحنفية )) انه قال : يا اهل العراق تزعمون
ان ارجـى آيـة في كتاب اللّه عزوجل : (يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم ) الاية . وانااهل البيت
نقول ارجى آية في كتاب اللّه : (ولسوف يعطيك ربك فترضى ) وهي واللّه الشفاعة , ليعطيها في اهل
لا اله الا اللّه , حتى يقول (ص ): ((رب رضيت )).
وعن الصادق (ع ) قال : ((دخل رسول اللّه (ص ) على فاطمة عليها السلام وعليها كساءمن ثلة الابل ,
وهـي تـطحن بيدها وترضع ولدها, فدمعت عينا رسول اللّه لما ابصرها,فقال : يا بنتاه تعجلي مرارة
الدنيا بحلاوة الاخرة , فقد انزل اللّه علي : (ولسوف يعطيك ربك فترضى ))). وقال زيد بن علي : ان
من رضا رسول اللّه (ص ) ان يدخل اهل بيته الجنة . وقال الصادق (ع ): ((رضا جدي ان لا يبقى في
النار موحد)).
2 - الطبري :
قـال فـي تفسيره ((جامع البيان )) [3: 149]: وقد اختلف اهل العلم في الذي وعده من العطاء,فقال
بعضهم : هو ما حدثني بن موسى به سهل الرملي قال : ثنا عمرو بن هاشم . قال سمعت الاوزاعي يحدث
عـن اسماعيل بن عبيد اللّه بن ابي المهاجر المخزومي عن علي بن عبد اللّه بن عباس عن ابيه قال :
عـرض عـلـى رسـول اللّه (ص ) ما هو مفتوح على امته من بعده كفراكفرا فسر بذلك فانزل اللّه :
(ولـسـوف يـعـطيك ربك فترضى ) فاعطاه في الجنة الف قصر,في كل قصر ما ينبغي من الازواج
والخدم .
وقال آخرون في ذلك ما حدثني به عباد بن يعقوب , قال : ثنا الحكم بن ظهير عن السدي عن ابن عباس
فـي قـوله : (ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قال : من رضا محمد(ص ) ان لايدخل احد من اهل بيته
النار.
3 - النيسابوري :
قـال في تفسيره ((غرائب القرآن )) بهامش ((جامع البيان )) [30: 109] في قوله تعالى :(ولسوف
يـعـطـيـك ربـك فترضى ): فلعله حين بين ان الاخرة خير له , عقبة ببيان تلك الخيرية وهي رتبة
الشفاعة .
يـروى عـن عـلـي (رض ) انه قال (ص ): ((اذن لا ارضى وواحد من امتي في النار)). وعن جعفر
الصادق (رض ) انه قال : ((رضا جدي (ص ) ان لا يدخل النار موحد)).
ثم فسر المؤلف في اللام التي هي للتاكيد بقوله : واللام في ((ولسوف )) خالصة للتاكيد دون الحال .
كانه قيل : الموعود كائن لا محالة وان تاخر زمانه بحسب المصلحة .
4 - الشوكاني :
قـال فـي تـفـسـيـره ((فـتـح القدير)) [5: 459]: اخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في
قـوله :(ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قال : رضاه ان يدخل امته كلهم الجنة . واخرج ابن جرير عنه
ايضا في الاية قال : من رضا محمد ان لا يدخل احد من اهل بيته النار.
واخرج الخطيب في التلخيص من وجه آخر عنه ايضا في الاية . قال : لا يرضى محمد واحدمن امته
في النار, ويدل على هذا ما اخرجه مسلم عن ابن عمرو: ((ان النبي (ص ) تلا قول اللّه في ابراهيم :
(فـمن تبعني فانه مني ) [ابراهيم : 36] وقول عيسى : (ان تعذبهم فانهم عبادك ) الاية , فرفع (ص )
يديه وقال : ((اللهم امتي امتي )) وبكى , فقال اللّه : يا جبرئيل اذهب الى محمد فقل له : (انا سنرضيك
فـي امتك ولا نسوؤك ). و اخرج ابن المنذر, وابن مردويه , وابو نعيم في الحلية , من طريق حرب
بـن شـريح قال : قلت لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع ): ارايت هذه الشفاعة التي يتحدث بها
اهـل الـعراق احق هي ؟ قال :((اي واللّه )), حدثني محمد بن الحنفية بن علي ان رسول اللّه (ص )
قال : ((اشفع لامتي حتى يناديني ربي ارضيت يا محمد؟ فاقول : نعم يا رب رضيت . ثم اقبل علي فقال :
انـكـم تـقـولـون يـا معشر اهل العراق : ان ارجى آية في كتاب اللّه : (يا عبادي الذين اسرفوا على
انفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا), قلت : انا لنقول ذلك , قال : فكنا اهل البيت
نقول : ان ارجى آية في كتاب اللّه : (ولسوف يعطيك ربك فترضى ), وهي الشفاعة .
واخرج ابن ابي شيبة عن ابن مسعود قال : قال رسول اللّه (ص ): انا اهل البيت اختار لنااللّه الاخرة
عـلـى الـدنـيا, ولسوف يعطيك ربك فترضى . واخرج العسكري في المواعظ,وابن مردويه , وابن
الـنجار, عن جابر بن عبداللّه قال : دخل رسول اللّه (ص ) على فاطمة وهي تطحن بالرحى , وعليها
كـسـاء مـن جلد الابل , فلما نظر اليها قال : ((يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا بنعيم الاخرة )), فانزل
اللّه : (ولسوف يعطيك ربك فترضى ).
5 - ابن كثير:
قال في تفسيره [4: 55] بعد ما ذكر اقوالا: وقال السدي عن ابن عباس : من رضاءمحمد(ص ) ان لا
يـدخـل احـد مـن اهل بيته النار. رواه ابن جرير, وابن ابي حاتم .وقال الحسن : يعني بذلك الشفاعة .
وهكذا قال ابو جعفر الباقر.
وقـال ابـو بـكر بن ابي شيبة : حدثنا معاوية بن هشام , عن علي بن صالح , عن يزيد ابن ابي زياد, عن
ابـراهـيم عن علقمة عن عبداللّه قال : قال رسول اللّه (ص ): انا اهل بيت اختاراللّه لنا الاخرة على
الدنيا, ولسوف يعطيك ربك فترضى .
6 - النبهاني :
قـال فـي كـتـابـه ((الـشرف المؤبد لال محمد)) [ص 44 ط. الحلبي واولاده ]: في قوله تعالى :
(ولـسـوف يـعـطـيـك ربـك فترضى ): نقل القرطبي عن ابن عباس في تفسيره هذه الاية انه قال :
رضـامـحمد(ص ) ان لا يدخل من اهل بيته النار. وادلة ذلك من السنة كبيرة , قال رسول اللّه (ص ):
((ان فاطمة احصنت فرجها فحرمها اللّه وذريتها على النار)), قال الحاكم :حديث صحيح (68).
وعن عمران بن الحصين (رض ) قال : قال رسول اللّه (ص ): ((سالت ربي ان لا يدخل الناراحدا من
اهل بيتي فاعطانيها)).
وقال في [ص 79] من كتابه المذكور: وقال (ص ): ((اول من اشفع له يوم القيامة من امتي اهل بيتي ,
ثـم الاقـرب فـالاقرب من قريش , ثم الانصار, ثم من آمن بي واتبعني من اليمن ثم سائر العرب , ثم
الاعاجم , ومن اشفع له اولا افضل )). اخرجه الطبراني , والدارقطني مرفوعا.
فهذه احاديث صحيحة ونصوص صريحة , تدل على ان اهل البيت افضل الناس حسباونسبا, ويتفرع
عـلـى هـذا انـهم لا يكافئهم في النكاح احد من الناس , وبه صرح غير واحدمن الائمة . قال الجلال
السيوطي في ((الخصائص )): ومن خصائصه (ص ) ان آله لا يكافئهم في النكاح احد من الخلق .
المبحث الثامن والعشرون
فـي قـولـه تـعالى : (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا
ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين ) [آل عمران :61].
اتفق اهل التفسير على نزول هذه الاية في وفد نصارى نجران , واصفقوا على ان المعني به في لفظة
((انـفسنا)) هو الامام علي بن ابي طالب . كما صرح لنا به اهل العلم بهذا المضمون ,ما دلت بوضوح
على ان نفس علي (ع ) هي نفس رسول اللّه (ص ).
واليك عباراتهم المبنية في هذا المعنى :
1 - الشوكاني :
قال في تفسيره ((فتح القدير)) [1: 347]: واخرج الحاكم وصححه , وابن مردويه , وابو نعيم في
الـدلائل , عـن جابر قال : قدم على النبي (ص ) العاقب والسيد, فدعاهما الى الاسلام ,فقالا: اسلمنا يا
محمد, فقال : ((كذبتما, ان شئتما اخبرتكما ما يمنعكما من الاسلام )), قالا:فهات . قال (ص ): ((حب
الـصـليب , وشرب الخمر, واكل لحم الخنزير)). قال جابر:فدعاهما الى الملاعنة , فواعداه على
الـغـد. فـغـدا رسول اللّه (ص ) واخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين , ثم ارسل اليهما فابيا ان
يـجـيـبـاه واقرا له . فقال (ص ): ((والذي بعثني بالحق , لو فعلا لامطر الوادي عليهما نارا)). قال
جابر, فنزلت (تعالوا ندع ابناءنا) الاية .قال جابر: (انفسنا وانفسكم ) رسول اللّه (ص ) وعلي (ع )
(وابناءنا): الحسن والحسين ,(ونساءنا): فاطمة (س ).
ورواه ايـضـا الـحـاكـم من وجه آخر عن جابر وصححه . وفيه انهم قالوا للنبي (ص ): هل لك ان
نلاعنك ؟
واخـرج مسلم , والترمذي , وابن المنذر, والبيهقي , عن سعد بن ابي وقاص قال : لما نزلت هذه الاية :
(قل تعالوا) دعا رسول اللّه (ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا, فقال (ص ):اللهم هؤلاء اهلي .
2 - ابن كثير:
قـال فـي تفسيره [1: 376]: ثم قال تعالى آمرا رسوله (ص ) ان يباهل من عاند الحق في امرعيسى
بـعـد ظهور البيان : (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا
ونساءكم وانفسنا وانفسكم ) اي نحضرهم في حال المباهلة (ثم نبتهل ) اي : نلتعن . (فنجعل لعنة اللّه
على الكاذبين ) اي : منا ومنكم .
وكـان سـبـب نزول هذه المباهلة وما قبلها من اول السورة الى هنا في وفد نجران : ان النصارى لما
قـدموا فجعلوا يحاجون في عيسى , ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والالهية , فانزل اللّه صدر
في (69) هذه السورة ردا عليهم . كما ذكره الامام محمد ابن اسحاق ابن يسار وغيره .
قـال ابن اسحاق في سيرته المشهورة (70) وغيره : وقدم على رسول اللّه (ص ) وفد نجران ستون
راكـبـا, فيهم اربعة عشر رجلا من اشرافهم يؤول امرهم اليهم , وهم : العاقب واسمه عبد المسيح ,
والـسـيد وهو الايهم , وابو حارثة بن علقمة اخو بكر بن وائل , واويس ابن الحارث وزيد, وقيس .
ويـزيـد وابناه , وخويلد, وعمرو, وخالد, وعبداللّه , ومحسن . وامرهؤلاء يؤول الى ثلاثة منهم ,
وهـم : الـعـاقـب . وكـان امير القوم وذا رايهم وصاحب مشورتهم , والذي لا يصدرون الا عن رايه ,
والـسـيـد وكـان عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم , وابو حارثة بن علقمة وكان اسقفهم وصاحب
مـدارسـتـهـم , وكـان رجلا من العرب من بني بكر بن وائل ولكنه تنصر, فعظمته الروم وملوكها
وشـرفـوه , وبـنـوالـه الـكـنائس واخدموه لما يعلمون من صلابته في دينهم . وقد كان يعرف امر
رسـول اللّه (ص ) وصـفـتـه وشانه مما علمه من الكتب المتقدمة , ولكن حمله ذلك على الاستمرار
في النصرانية لما يرى من تعظيمه فيها وجاهه عند اهلها.
قـال ابـن اسـحـاق : وحـدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال : قدموا على رسول اللّه (ص )المدينة
فـدخـلـوا عليه مسجده حين صلى العصر, عليهم ثياب الحبرات جبب وارديه . في جمال رجال بني
الـحرث بن كعب . قال : يقول من رآهم من اصحاب النبي (ص ): ما راينابعدهم وفدا مثلهم , وقد حانت
صـلاتـهم فقاموا في مسجد رسول اللّه (ص ). فقال رسول اللّه (ص ): دعوهم . فصلوا الى المشرق ,
قال : فكلم رسول اللّه (ص ) منهم ابو حارثة بن علقمة , والعاقب عبد المسيح , والسيدالايهم , وهم من
النصرانية على دين الملك مع اختلاف امرهم يقولون : هو اللّه , ويقولون : هو ولد اللّه , ويقولون : هو
ثـالـث ثلاثة . تعالى اللّه عن قولهم علوا كبيرا. وكذلك النصرانية . فهم يحتجون في قولهم هو اللّه ,
بـانـه كـان يـحيي الموتى . ويبرى الاكمه والابرص والاسقام , ويخبر بالغيوب , ويخلق من الطين
كـهـيـئة الـطـيـر فينفخ فيه فيكون طيرا. وذلك كله بامر اللّه وليجعله آية للناس . ويحتجون في
قـولـهم بانه ابن اللّه , ويقولون : لم يكن له اب يعلم . وقد تكلم في المهد بشي ء لم يكن احد من بني آدم
قبله . ويحتجون على قولهم بانه ثالث ثلاثة , بقول اللّه تعالى : فعلنا وامرنا, وخلقنا,وقضينا, فيقولون
لو كان واحدا ما قال الا: فعلت وامرت وخلقت وقضيت . ولكنه هووعيسى ومريم . تعالى اللّه وتقدس
وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا, وفي كل ذلك من قولهم : قد نزل القرآن .
فـلـمـا كـلمة الحبران قال لهما رسول اللّه (ص ): اسلما, قالا: قد اسلمنا, قال (ص ): انكما لم تسلما
فـاسـلـمـا. قـالا: بلى قد اسلمنا قبلك . قال (ص ): كذبتما, يمنعكما من الاسلام ادعاؤكماللّه ولدا,
وعـبـادتكما الصليب , واكلكما الخنزير. قالا: فمن ابوه يا محمد؟ ((يعني عيسى ))فصمت رسول
اللّه (ص ) عنهما فلم يجبهما. فانزل اللّه في ذلك من قولهم واختلاف امرهم صدر سورة آل عمران
الى بضع وثمانين آية منها.
ثـم تكلم ابن اسحاق على تفسيرها, الى ان قال : فلما اتى رسول اللّه (ص ) الخبر من اللّه والفصل من
الـقضاء بينه وبينهم , وامر بما امر به من ملاعنتهم ان ردوا ذلك عليه , دعاهم الى ذلك , فقالوا: يا ابا
الـقـاسـم دعـنا ننظر في امرنا ثم ناتيك بما نريد ان نفعل فيما دعوتنا اليه فانصرفوا عنه . ثم خلوا
بـالعاقب , وكان ذا رايهم فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى ؟ فقال :واللّه يا معشر النصارى , لقد عرفتم
ان محمدا لنبي مرسل , ولقد جاءكم بالفصل من خبرصاحبكم , ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيا قط فبقي
كبيرهم ولا نبت صغيرهم , وانه للاستئصال منكم ان فعلتم . فان كنتم قد ابيتم الا الف دينكم والاقامة
على ما انتم عليه من القول في صاحبكم , فوادعوا الرجل ثم انصرفوا الى بلادكم , فاتوا النبي (ص )
فـقالوا ياابا القاسم قد راينا ان لا نلاعنك , وان نتركك على دينك ونرجع على ديننا. ولكن ابعث معنا
رجلا من اصحابك ترضاه لنا, يحكم بيننا في اشياء اختلفنا فيها من اموالنا فانكم عندنا رضا. قال محمد
بن جعفر: فقال رسول اللّه (ص ): ائتوني العشية ابعث معكم القوي الامين , قال : فكان عمر بن الخطاب
يقول : ما احببت الامارة قط حبي اياها يومئذ, رجاءان اكون صاحبها, فرحت الى الظهر مهجرا, فلما
صلى بنا رسول اللّه (ص ) الظهر سلم . ثم نظر عن يمينه وعن يساره فجعلت اتطاول له ليراني , فلم
يـزل يلتمس ببصره حتى راى ابا عبيدة بن الجراح فدعاه فقال : اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما
اختلفوا فيه قال عمر: فذهب بها ابو عبيدة (رض ).
ثـم ذكـر ابـن كـثير ما رواه البخاري في هذا الموضوع . وما رواه البيهقي في ((دلائل النبوة ))
[5:385 ط . دار الكتب العلمية - بيروت ] وقال : فان فيه فوائد كثيرة وفيه , غرابة وفيه مناسبة
لهذاالمقام , قال : قال البيهقي : اخبرنا ابو عبداللّه الحافظ, وابو سعيد محمد بن موسى بن الفضل .قالا:
حـدثنا ابو العباس محمد بن يعقوب , حدثنا احمد بن عبدالجبار, حدثنا يونس بن بكير, عن سلمة بن
عـبد يشوع , عن ابيه , عن جده , قال يونس , وكان نصرانيا فاسلم : ان رسول اللّه (ص ) كتب الى اهل
نـجـران قـبـل ان تنزل عليه طس سليمان : ((باسم اله ابراهيم ,واسحاق ويعقوب , من محمد النبي
رسـول اللّه (ص ) الـى اسـقـف نـجـران واهل نجران ان اسلمتم فاني احمد اليكم اللّه اله ابراهيم
واسحاق ويعقوب . اما بعد, فاني ادعوكم الى عبادة اللّه من عبادة العباد. وادعوكم الى ولاية اللّه من
ولايـة الـعباد. فان ابيتم فالجزية ,فان ابيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام )). فلما اتى الاسقف الكتاب
وقراه فظع به وذعره ذعرا شديدا. ((الى ان بعثوا وفودا الى المدينة )) وهي رواية طويلة جدا.
ثم ذكر ايضا رواية ابن مردويه فقال : وقال ابوبكر بن مردويه : حدثنا سليمان بن احمد,حدثنا احمد
بن داود المكي , حدثنا بشر بن مهران , حدثنا محمد بن دينار, عن داود ابن ابي هند, عن الشعبي عن
جـابـر قـال : قـدم على النبي (ص ) العاقب والطيب فدعاهما الى الملاعنة . فواعداه على ان يلاعناه
الـغداة . قال : فغدا رسول اللّه (ص ) فاخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين , ثم ارسل اليهما, فابيا
ان يجيبا واقرا له بالخراج , فقال رسول اللّه (ص ): ((والذي بعثني بالحق لو قالا: لا, لامطر عليهم
الـوادي نارا)). قال جابر: وفيهم نزلت : (ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ),
قـال جـابـر: انـفـسـنـاوانفسكم : رسول اللّه (ص ) وعلي بن ابي طالب , وابناءنا وابناءكم : الحسن
والحسين .ونساءنا: فاطمة .
وهـكذا رواه الحاكم في مستدركه , عن علي بن عيسى , عن احمد بن محمد الازهري , عن علي بن
حـجـر, عـن علي بن مسهر, عن داود بن ابي هند, به بمعناه . ثم قال : صحيح على شرط مسلم , ولم
يخرجاه . هكذا.
3 - الزمخشري :
قـال فـي تـفـسـيره ((الكشاف )) [1: 268 ط . قم - البلاغة ] مفسرا قوله تعالى : (فمن حاجك )
من النصارى (فيه ) في عيسى . (من بعد ما جاءك من العلم ) اي من ا لبينات الموجبة للعلم .(فقل تعالوا)
هلموا, والمراد المجي ء بالراي والعزم , كما نقول : تعال نفكر في هذه المسالة .(ندع ابناءنا وابناءكم )
اي يـدع كـل مـنـي ومنكم ابناءه ونساءه ونفسه الى المباهلة . الى ان قال : وروي انهم لما دعاهم الى
الـمـبـاهـلة , قالوا: حتى نرجع وننظر, فلما تخالوا قالوا للعاقب ,وكان ذا رايهم : يا عبد المسيح , ما
تـرى ؟ فـقال : واللّه لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبي مرسل , وقد جاءكم بالفصل من امر
صـاحـبكم , واللّه ما باهل قوم نبيا قطفعاش كبيرهم , ولا نبت صغيرهم , ولئن قد فعلتم لتهلكن , فان
ابـيـتم الاالف دينكم والاقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا الى بلادكم . فاتى رسول
اللّه وقـدغـدا مـحـتـضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها, وهو(ص )
يقول :((اذا انا دعوت فامنوا)), فقال اسقف نجران : يا معشر النصارى اني لارى وجوها لو شاءاللّه
ان يزيل جبلا من مكانه لازاله بها, فلا تباهلوا فتهلكوا, ولا يبقى على وجه الارض نصراني الى يوم
الـقـيـامـة . فقالوا: يا ابا القاسم , راينا ان لا نباهلك وان نقرك على دينك ونثبت على ديننا. قال (ص ):
((فـاذا ابيتم المباهلة فاسلموا, يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم )), فابوا. قال (ص ): ((فاني
انـاجـزكـم )). فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة .ولكن نصالحك على ان لا تغزونا ولا تخيفنا, ولا
تـرددنا عن ديننا, على ان نؤدي اليك كل عام الفي حلة : الف في صفر و الف في رجب . وثلاثين درعا
عـادية من حديد, فصالحهم على ذلك , وقال (ص ): ((والذي نفسي بيده , ان الهلاك قد تدلى على اهل
نجران , ولو لاعنوالمسخوا قردة وخنازير, ولاضطرم عليهم الوادي نارا. ولاستاصل اللّه نجران
واهله حتى الطير على رؤوس الشجر, ولما حال الحول على النصارى حتى يهلكوا)).
4 - الطبري :
قـال فـي تـفـسـيـره [3: 297 - 299 ط. دار الكتب العلمية - بيروت ] عن ابن عباس في قوله
تـعـالـى :(ان هذا لهو القصص الحق ) [آل عمران : 62]: ان الذي قلنا في عيسى هو الحق (وما من
الـه الا اللّه ) الايـة . فلما فصل جل ثناؤه بين نبيه محمد(ص ) وبين الوفد من نصارى نجران بالقضاء
الفاصل والحكم العادل , وامره ان هم تولوا عما دعاهم اليه من الاقرار بوحدانية اللّه , وانه لا ولد له
ولا صاحبة . وان عيسى عبده ورسوله . وابوا الاالجدل والخصومة , ان يدعوهم الى الملاعنة , ففعل
ذلـك رسـول اللّه (ص ) فلما فعل ذلك رسول اللّه (ص ) انخزلواوامتنعوا من الملاعنة , ودعوا الى
الـمـصـالـحـة . كالذي حدثنا ابن حميد. قال : حدثنا جرير,عن مغيرة , عن عامر قال : فامر - يعني
الـنبي (ص ) - بملاعنتهم - يعني بملاعنة اهل نجران - بقوله : (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من
الـعـلـم ) الايـة . فـتواعدوا ان يلاعنوه ,وواعدوه الغد. فانطلقوا الى السيد والعاقب وكانا اعقلهم ,
فتابعاهم فانطلوا الى رجل منهم عاقل . فذكروا له ما فارقوا عليه رسول اللّه (ص ) فقال : ما صنعتم ؟
ونـدمـهـم وقال لهم : ان كان نبيا ثم دعا عليكم لا يغضبه اللّه فيكم ابدا. ولئن كان ملكا فظهر عليكم
لايـسـتـبـقـيـكـم ابدا, قالوا: فكيف لنا وقد واعدنا؟ فقال لهم : اذا غدوتم اليه فعرض عليكم الذي
فـارقتموه عليه فقولوا: نعوذ باللّه , فان دعاكم ايضا فقولوا له : نعوذ باللّه . ولعله ان يعفيكم من ذلك ,
فلما غدوا, غدا النبي (ص ) محتضنا حسنا آخذا بيد الحسين , وفاطمة تمشي خلفه . فدعاهم الى الذي
فـارقـوه عليه بالامس , فقالوا: نعوذ باللّه , ثم دعاهم ,فقالوا: نعوذ باللّه مرارا. قال (ص ): فان ابيتم
فـاسـلـمـوا ولكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين , كما قال اللّه عزوجل : فان ابيتم فاعطوا
الجزية عن يد وانتم صاغرون .
قال : قالوا: ما لنا طاقة بحرب العرب , ولكن نؤدي الجزية . قال : فجعل عليهم في كل سنة الفي حلة .
الـفـا فـي رجب والفا في صفر, فقال النبي (ص ): ((قد اتاني البشير بهلكة اهل نجران , حتى الطير
على الشجر - او العصافير على الشجر - لوتموا على الملاعنة )).
وقال : حدثنا ابن حميد. قال حدثنا عيسى بن فرقد عن ابي الجارود, عن زيد بن علي في قوله تعالى :
(تعالوا ندع ابناءنا واءبناءكم ) الاية . قال : كان النبي (ص ) وعلي وفاطمة والحسن والحسين .
وقـال حـدثـنـا محمد بن الحسين : قال حدثنا احمد بن المفضل , قال حدثنا اسباط عن السدي : (فمن
حـاجـك فـيه من بعد ما جاءك من العلم ) الاية . فاخذ يعني النبي (ص ) بيدالحسن والحسين وفاطمة .
وقـال لعلي : ((اتبعنا)), فخرج معهم , فلم يخرج يومئذ النصارى ,وقالوا: انا نخاف ان يكون هذا هو
النبي (ص ) وليس دعوة النبي كغيرها, فتخلفوا عنه يومئذ, فقال النبي (ص ) لو خرجوا لاحترقوا.
فصالحوه على صلح , على ان له عليهم ثمانين الفا. فما عجزت الدراهم ففي العروض , الحلة باربعين .
وعـلـى ان له عليهم ثلاثا وثلاثين درعا, وثلاثا وثلاثين بعيرا, واربعة وثلاثين فرسا غازية , كل
سنة . وان رسول اللّه (ص )ضامن لها حتى نؤديها اليهم .
وقـال : حـدثـنـي يونس , قال : اخبرنا ابن وهب , قال : حدثنا ابن زيد قال : قيل لرسول اللّه (ص ): لو
لاعنت القوم , بمن كنت تاتي حين قلت : ابناءنا وابناءكم ؟ قال : ((حسن وحسين )). وقال : حدثني محمد
بـن سـنـان . قـال : حـدثـنـا ابوبكر الحنفي , قال : حدثنا المنذر بن ثعلبة , قال : حدثنا علباء بن احمر
اليشكري , قال : لما نزلت هذه الاية : (فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم ) الاية , ارسل
رسـول اللّه (ص ) الى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين , ودعا اليهود ليلاعنهم . فقال شاب من
اليهود: ويحكم اليس عهدكم بالامس اخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا, فانتهوا.
5 - العلا مة السيد محمد بن محمد الموسوي الحائري البحراني :
قـال فـي كتابه ((خلفاء الرسول )) [ص 107] في قوله تعالى : (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من
الـعـلـم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه
عـلـى الظالمين ) وذلك لظهور الولاية المسندة الى اللّه سبحانه في الولاية العامة المطلقة , وظهور
تساوي المتعاطفات في المعنى والحكم .
وجـه الـدلالـة : اتفق المسلمون اجمعون على ان هذه الاية الكريمة نزلت في وفد نصارى نجران .
واجـمـعـوا ايضا على ان المراد من لفظة (انفسنا) غير الرسول (ص ) وذلك لان الانسان لا يدعو
نـفسه حقيقة , كما لا يكلف نفسه حقيقة , فلا بد من تعدد الداعي والمدعو وعدم اتحادهما. وتسالموا
ايضا على ان ذلك الغير هو: علي بن ابي طالب ليس غير, فتكون الاية دالة بوضوح على ان نفس علي
هي نفس رسول اللّه (ص ), ولا يجوزعلى هذا التقرير ان تكون نفس علي عين نفس الرسول لبداهة
بـطـلانـه . بل المراد نفس علي مثل نفس الرسول ونظيره , وما لهذا المعنى من الفاظ, وذلك يقتضي
تساويهما في جميع الصفات على وجه العموم ليصح التماثل . نترك الاخذ بهذا العموم في وصف النبوة ,
لان مـحمدا(ص ) كان نبيا, وعلي ليس بنبي على الاجماع والضرورة من الدين , وكذلك نترك الاخذ
به في حق الفضل , لقيام الضرورة على ان النبي افضل من علي . فيبقي الباقي تحت العموم , فهما مثلان
فـي ما عدا هذين الامرين بلا امتراء. فمن ذلك ما ثبت باجماع المسلمين ان النبي محمدا(ص ) افضل
من سائر الانبياء والمرسلين بلا استثناء, فيجب ان يكون نفس علي (ع ) مثله .
المبحث التاسع والعشرون
فـي قـولـه تعالى : (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) [الاحزاب :
33].
لقد اتفق جمع من اصحاب رسول اللّه (ص ) وانقاد الى قولهم اناس من التابعين , والعلماءالمهتدين , على
ان هـذه الاية الشريفة نزلت في الخمسة الطاهرة , والعترة المحمدية المطهرة ,ما عدا عكرمة ومن
لـف لفه ونحا نحوه , فانه قال : بانها نزلت في ازواج النبي (ص ) خاصة دون غيرهن من الناس , وطاف
بـذلك صائحا في الاسواق . ولعل السبب الدافع الى ان يفعل ذلك ليس بغريب لمن علم شخصية الرجل
بما قاله فيه اصحاب التراجم .
ولا يـخفى على الباحث الناقد باحوال الرجل ونفسيته اذا تحقق بما صرح فيه اهل الجرح والتعديل
كـمـا سـيـلـي ذكره فيما بعد. ولنتجه اولا الى الشطر الذي نحن تجاهه , وذلك ذكر من نص على
اختصاص الاية باهل بيت الوحي (ع ) من المفسرين في تفاسيرهم . والمؤلفين في تاليفهم . منهم :
1 - الطبري :
قـال في تفسيره ((جامع البيان ))(71): اختلف اهل التاويل في الذين عنوا بقوله : (اهل البيت ) فقال
بـعضهم : عني به رسول اللّه (ص ) وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضوان اللّه عليهم . وذكر من
قـال ذلك : حدثني محمد بن المثنى . قال : ثنا بكر بن يحيى بن زبان العنزي . قال : ثنا مندل عن الاعمش
عن عطية عن ابي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه (ص ): ((نزلت هذه الاية في خمسة : في وفي
عـلي (رض ) وحسن (رض ) وحسين (رض )وفاطمة رضي اللّه عنها (انما يريد اللّه ليذهب عنكم
الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا).