وقـد زعـم بـعض حساد اهل البيت وعداتهم ان الاية مخصوصة بامهات المؤمنين لوقوعهافي سياق آيات متعلقة بهن . وتكلفوا في تاويل تذكير الضمير من المذكورين في هذه الاية خاصة دون ما قبلها و مـا بعدها, وهي بضعة عشر ضميرا, واحتجوا بما افتخره عكرمة الصفري الخارجي . مما رواه عنه جماعة , حتى صرح بعضهم انه كان ينادي في السوق بان الاية نزلت في نساء النبي (ص ) ويقول لـيس بالذي يذهبون اليه , وصنيع هذا الكذاب انماحمله عليه شدة بغضه لاهل الكساء. ولكن عند من عقل وانصف , انما يفيد ضد ما اراده ,فلولا شهرة كون هذه الاية خاصة باهل الكساء يعرفها حتى اهل الـسـوق , وان الـقول بذلك فاش بين عوام المسلمين فضلا عن خاصتهم , لما احتاج ذلك الدجال للنداء فـي السوق . ومن المشهور تردد ذلك الخبيث الى الامراء, يستعطيهم ويستطعمهم . فغير بعيدان ينال مـنهم اجرا وتشجيعا على هذا الافتراء, اذ النصب قد كان فاشيا اذ ذاك . والتاجيرعلى ذم اهل البيت قد اشتهر. ((سياتي نزر يسير من ذلك عند كلامه على حديث الثقلين )).
وقال في [ص 292] من نفس المصدر:
فـالاية في اهل الكساء خاصة , وهم ايضا اهل المباهلة , لم يدخل فيهم احد آخر. فاختص اسم النساء هـناك في قوله : (ونساءنا ونساءكم ) بفاطمة وحدها. دون امهات المؤمنين .لانهن كن حينئذ من نساء الـنبي (ص ), فمن الممكن المعتاد ان يعددن من نساء قومهن . وقداخرجهن الدليل , والعام يخص باقل مـن هـذا. ومـا صـح مـن تفسير النبي (ص ) للقرآن هوالواجب الاعتقاد, وقد تقدم به النقل الكافي , وتـركـنـا كـثيرا منه لئلا يطول الكتاب . فتفسيرمن فسر الاية هنا بغير اهل البيت مردود مبتدع , ويـشـهد لصحة ما قاله الجمهور,ويوضح فساد قول الشذاذ ما صح من رده (ص ) لعائشة وام سلمة , وعدم ادخاله لهما.
والـقـول بان الاية خاصة باهل الكساء فقط قد صح عن عدد من الصحابة وجماعات من محققي العلماء نصا شبه الاجماع .
ثـم قال : قال المحدث حسن الزمان ناقلا عن تفسير الشهاب السهروردي : وقال الاخرون اي جميع الـصحابة , غير ابن عباس : هذا خاص في رسول اللّه (ص ) وعلي وفاطمة والحسن والحسين . فهذا هـو الاكـثـر والاكثر ارجح . ثم قال ما معناه : الحاصل ان لفظ اهل البيت يجي ء بمعان , لكن بتصريح المصطفى (ص ) سقط سائرها عن هذه الاية . وكانت خاصة في حق هؤلاء الخمسة . انتهى بحروفه .
قـلـت : قوله : غير ابن عباس يعني : في رواية عكرمة الصفري الذي قيده علي بن عبداللّه بن عباس لكذبه على ابيه , ولصحة الرواية عن ابن عباس بما قاله الاكثر. قال بعض العلماء: قد رجع ابن عباس عن ذلك القول الشاذ, واكبر اصحاب ابن عباس الاخذين التفسير عنه قتادة . كما قال العلماء حتى ابن تيمية , وقتادة مصرح بما ثبت من نزول الاية في الخمسة .
وقـال في [ص 308]: واما ما ذكره السمهودي واقره المحقق من ان الارادة في آية التطهيرارادة كـونـيـة , فانه ميدان فيه للعلماء سبح طويل . واستيفاء ذكر القائل والمقول , ومافي المسالة من نقول , يكثر ويطول , ولا محل للاطالة , ولكنا نذكر شيئا من ذلك يحيط معه المطالع بحقيقة اقوالهم , فنقول :
ان الاشعرية قاطبة واتباع الاشعري , وهم معظم اهل المذاهب الاربعة , والصوفية اجمع يثبتون للّه ارادة واحدة كونية , يجب وقوع ما تعلقت به , وعلى هذا المذهب مشى السمهودي فيما قاله , وقد قال بـمـثـل قـولـه كـثـيـرون غيره . وللعلامة الشيخ احمد بن محمدالحفظي منظومة سمـاها ((رد الوعوعة )) استوفى فيها هذا المعنى . واجاب عما يلزمه فقال :
قد صح قطعا عند اهل السنه ----- بان مولانا عظيم المنه صفاته كذاته في القدم ----- وفي الدوام وانتفاء العدم وان منها صفة الاراده ----- وهي لتخصيص الذي اراده وانـه قد علق التطهيرا ----- بها لال المصطفى تعزيرا فلا يجوز ابدا تحويله ----- ولا انتقال ذاك او تبديله لانه يستلزم الحدوثا ----- للذات والصفات والنكوثا وكل هذا مستحيل قطعا ----- نقلا وعقلا مفردا وجمعا اذا عرفت هذه المقدمه ----- فان كل مسلم ومسلمه فرض عليهم لازم ان يشهدوا ----- بما سمعت وله يعتقدوا ولا يجوز الخلف والتبديل ----- بذلك الحكم ولا التحويل وربنا يشهد في الازال ----- بانه مطهر للال مع انهم لم يسلموا من ذنب ----- فليس معصوما سوى من نبي وعلمه بكل هذا قد سبق ----- ثم تراه شاهدا بما اتفق لو لم يكن سبحانه تجاوزا ----- عنهم ولم يقسم الجوائزا بتوبة قبل الممات مثمره ----- تبديل كل سي ء او مغفره لم يشهدن لهم بما نزل ----- في سورة الاحزاب في ماضي الازل والاخذ بالعصيان للشريف ----- مصادم شهادة اللطيف وذاك نص في الذي قد افهما ----- اقوى دليل الذي قد الهما ونقله يريد ان يخففا ----- يريد ان يتوب عمن قد هفا لكم يريد اليسر قد اطالا ----- بعضهم واكثر المقالا وقال لا تفيد للتلازم ----- بين الوقوع ومراد العالم وآية التطهير من هذا النمط ----- تفيد للحصر على قطع فق ط (فانما) الاول ثم الثاني ----- (تاكيده ) باللام للمباني (مؤكد) بالمطلق المفعول ----- (منكرا) في الحكم والنزول جعله في سبب الانزال ----- لاية التطهير في السؤال اسم اشارة لما قد اسندا ----- اليه في دعائه وما اعتدا وعند ارباب البيان نكت ----- غير الذي تسمعه قد اثبتوا ان قلت ان الاية المعظمه ----- قد انزلت في خمسة مكرمه فما الدليل في دخول عترته ----- تحت الكسا حكما وتحت دعوته فعندنا دلائل تواترت ----- دلت على القطع وقد تضافرت منها خصوص السبب المهم ----- لم يمتنع منه عموم الحكم لم يخلقوا اذ ذاك والبطون ----- في عالم الظهور قد يكون وقال الحقنا بهم سبحانه ----- ذرية فرددن قرآنه واهل بيت المصطفى ذريته ----- حقيقة وهم بنوه عترته مقارنين للكتاب ابدا ----- الى ورود الحوض فيما وردا وواحد من ثقلين قد ترك ----- من بعده فينا تنور الحلك وامر الامة بالتمسك ----- بهم فيا للّه من مستمسك فهذه دلائل الدخول ----- في آية التطهير والشمول وانهم قد الحقوا بنفسه ----- وكل فرع لاحق بغرسه طهرهم ربهم واذهبا ----- لكل رجس عنهم وطيبا فكل فرد منهم مطهر ----- من ذلك اليوم الى ان يحشروا وصيغة الفعل لها التجديد ----- على الدوام ولها الترديد ثم افاض في رد ما يرد على هذا القول وما يؤيده . وذكره يطول , ومجمله .
ان اهـل بيته (ص ) مكلفون بالشرائع الاسلامية , مقيدون بالامر والنهي غير مطلقين . وماجرى منهم مـن الـذنوب فمغفرته متحققة , لتعلق الارادة الازلية باذهاب الرجس عنهم ,وطهارتهم عنه متوقعة الحصول غير مختلفة , لان الحكم على الشخص انما ينبني على مايستقر عليه حاله آخر عمره , وما يؤول اليه في صيور امره .
فـذنبهم ممحو لا محالة , اما بتوبة او محض مغفرة . واما الردة والشرك فهو مستحيل في حقهم . فلم يبق الا الذنوب , وهي تنقسم الى قسمين : صغيرة وكبيرة .
امـا الـصغيرة فلها اسباب كثيرة تمحوها من المكفرات للصغائر, كالجماعات والجمعات والصلوات , والحسنات يذهبن السيئات . فوفقهم اللّه لما يكفر صغائرهم .
واما الكبيرة . فهي تحت قضاء المشيئة الالهية , وهذا يظهر في حق عامة الناس في يوم القيامة . اما في حـق اهل البيت فقد ظهر حكم المشيئة من اليوم . فكبائرهم مغفورة لامحالة . ومع ذلك فمن اتى منهم حدا حددناه , او جاء بما يقتضي العقوبة عا قبناه . واستدل على ذلك بقوله (ص ) في عثمان (رض ) لما جـهز جيش العسرة : ((ما ضر عثمان ما عمل بعدها)). وبقوله (ص ) في اهل بدر: ((لعل اللّه اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقدغفرت لكم )) وما اشبه ذلك , قال : ولم يرد احد مضمون هذين الحديثين وما شابههماويؤولهما او يقيدهما. فكذلك القول فيما دلت عليه آية التطهير, واما ما كان من مظالم العبادفيعوض اللّه عنها اهلها. هذا مجمل كلامه .
وقـال فـي [ص 407]: ومـن الـمعلوم ان اهل بيته (ص ) وعترته الذين هم اصله وعصبته هم غير نـسـائه قـطعا لا يشك فيه احد, ونساؤه (ص ) انما لحقن بهم لمكانهن منه (ص ). ولوطلقت احداهن لـخـرجـت بـذلك عن ان تعد من زوجاته , فضلا عن ان تلحق باهل بيته .لانها انما اتصلت بهذا البيت لمكان عقد الزوجية , فاذا انحل العقد انحل ذلك الاتصال جملة .
والسؤال هو: عن اهل البيت من هم ؟ وعن الزوجات هل هن من اهل بيته ؟ يجاب بنعم .مع استدراك ما يـوهـمـه الاطلاق من اصالتهن وانحصار الاهلية فيهن , ولذلك اورد زيد بن ارقم (رض ) ذلك على صيغة الاستدراك فقال : ان نساءه من اهل بيته . ولكن اهل بيته من حرم عليه الصدقة .
وقال في [ص 302]: انها لو كانت نزلت في الزوجات الطاهرات , لبقي الخطاب معهن كما في الايات الـسابقة . ولكن تذكير الضمائر دل على صرف الخطاب عنهن , ووضع الاية اثناءالايات المخاطبات بهن يشعر بالحكمة في الاوامر التي امرن بها. وهذا القدر كاف للمناسبة بين الايات , وهو مسقط لقول من استدل على انها نزلت فيهن بورودها في سياق الايات المذكورة .
ثـم ذكـر قـول الـطحاوي نقلا عن ((مشكل الاثار)) بعد ان جزم بان الاية نزلت في اهل البيت , ما لفظه : وحديث سعد وما ذكرناه معه من الاحاديث في الباب الاول معقول بهامن اهل الاية المتلوة . لانا قد احطنا علما ان رسول اللّه (ص ) لما دعا من دعا من اهله عندنزولها لم يبق من اهلها المرادين فيها احد سواهم . واذا كان ذلك كذلك استحال ان يدخل معهم فيما اريد به سواهم .
وقـال فـي [ص 298]: انه قد صح الحديث بنزول : (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس ) في اهل البيت . وانهم هم المعنيون بها, عمن انزلت عليه (ص ) وقبول بيانه (ص ) وتفسيره واجب لمسلم عنه , ولا قيمة لبيان مع بيانه , ولا لقول مع قوله , وكل من خالف الثابت عنه مردود على قائله , مضروب به وجه صاحبه .
دعوا كل قول غير قول محمد ----- فعندطلوع الشمس ينطمس النجم وقـال فـي [ص 298]: ونـحـمـد اللّه عـلـى ان الـقائلين بانها نزلت في اهل البيت هم الجمهور.
ولعل النزاع في ذلك من آثار سياسة الملوك , التي سعى في تنفيذها كثير من علمائهم . فانه لمااقتضت سياستهم سفك دماء اهل البيت وجد من العلماء من يضع لهم الحيل ويعتذرعنهم فيما فعلوه . او يحسن فـعـلـهـم كما حسنوا منهم تسميم الحسن السبط, وسعد بن ابي وقاص , ونحو ذلك اغتيال محمد بن مسلمة , وساعدوهم في كتم فضائلهم , او المنازعة فيها. وكم من الاحاديث المستفيضة بل المتواترة لم يجرؤ احد من نقاد المحدثين البريئين من نزعة النصب , ان ينكره او يضعفه . وغاية ما بلغ النصب بـاتـبـاع الـنـواصب منهم ان انكروا بعض الفاظ رواياته , لظنهم فيها انها تصادم مذاهبهم , ومنهم من اعـرض عـن روايتها كراهية ان يتخذها الغلاة من الشيعة مدرجة الى الطعن في الاكابر. ولهم في كـتـم مـاكان كذلك مذهب معروف , كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر في الفتح . ونسب الى احمدبن حـنـبل كراهية التحديث بالاحاديث التي يفهم منها جواز الخروج على الملوك . وقدترجم البخاري فـقـال : ((بـاب مـن خص بالعلم دون قوم مخافة ان لا يفهموا. وقال علي :حدثوا الناس بما يعرفون , اتـحـبـون ان يـكذب اللّه ورسوله ))؟ واخرج في الباب حديث معاذ, فراجعه . وينبغي ان يحمل ما زعمه بعضهم من سكوت احمد بن حنبل عن حديث عمار تقتله الفئة الباغية , على هذا المعنى لتواتر الحديث , واخراجه له في مسنده كمااخرجه اهل الصحاح . وقد روى الحافظ الثقة ابن ابي شيبة عن الامـام احـمـد انه قال : هوحديث صحيح عن رسول اللّه (ص ). وكذلك ما زعمه ابن تيمية عنه في حـديث ((وانهمالن يفترقا حتى يردا علي الحوض )) فانه قد روي باسانيد صحيحة , ورواه احمد فـي مـسـنـده كـما رواه غيره . وينبغي لك ان تعرف ان بعض اصحاب احمد ينقل عنه من امثال هذا ماينكره اكثر العلماء وينزهونه عنه , فكن منهم على حذر.
وقـد كـان في القديم لعلماء النواصب صولة عظيمة , واستيلاء على العامة والهمج . وقدانكروا على احمد تربيعه بعلي (ع ) في الخلافة , وقد يتعصب بعض هؤلاء على حديث صحيح فيرده او يطعن فيه لانـه رآى الـشـيـعة يستدلون به , ولا يتفطن لوجه الجمع بين قبوله وتاويله . فاذا سمع المتعالمون والـعـوام ما يقوله في ذلك الحديث اتخذوه حجة , ونقلوه الى كل قطر ومصر, وجلعوه اصلا بينهم .
فاذا سئل عنه مثل الامام احمد كان في مبادهتهم بغير ما عندهم اثارة فتنة صماء عمياء, فكان قصاراه السكوت , او اللياذ بالمعاريض من القول , فيفهمون منها ما مرنوا ومردوا عليه , ويكون قد دفع بها عن نفسه , وقد كان الامرالملجى للامام احمد واشباهه الى ذلك عظيم . وحسبك بتالب الخاصة الذين هم عـلـمـاءالـمـلـوك واتـبـاعـهـم مـن الـعامة . الى ان قال في [ص 378]: وقد كان ملوك النواصب يـضـربـون بـالـسـيـاط, مـن لم يلعن عليا(ع ), ولم يبرا منه , وكثيرا ما قتلوهم , فكيف بمن تجرا فروى فضائله وفضائل آله . فكيف بمن روى نقائص اولئك الجبابرة وما ورد فيهم , ولو اردناتحديد مـن ضـرب او جـلـد او قتل او هدم بيته في ذلك السبيل لذكرنا ما يملا عدة صحائف ,ومنهم اناس مشهورون , كالامام يحيى بن ابي كثير, وعبدالرحمن بن ابي ليلى , وغيرهم .
والـقـصد مما ذكرناه : بسط العذر لمن لم يخرج بعض الاحاديث الصحيحة او المتواترة الواردة في فـضائل اهل البيت , او في فضائل علي (ع ). فان الخوف كان شديدا, والاستبدادوالتغلب في عنفوانه وعظم قوته وانتشار سطوته .
وانـا لنرى في زماننا هذا كيف يتسابق العلماء والقضاة والمفتون الى ارضاء السلاطين , ولايسالونهم فـتـوى بما يخالف الدين ويؤيد الطواغيت والقوانين , الا بادروا اليه فرادى ووحدانا, وعمدوا الى آيـات اللّه يحرفونها, والى سنة رسوله يطعنون فيها او يردونها. هذاعلى انهم آمنون على انفسهم وامـوالهم , ولكنهم يخافون العزل من الوظائف او يطمعون في الحصول عليها, فيكف يلام بعد هذا من لـم يخرج حديثا صحيحا؟ وقد كان يخاف على عهده ان تضرب عنقه , او تستصفى امواله , او يصب عـلـيه الماء البارد, او تحلق لحيته ويطاف به في الاسواق , او يسقى شربة من عسل , فعليك رحمك اللّه ببسط العذر لهم والاستمساك بحسن الظن .
اقول : واما في عصرنا الحاضر فلعل البعض منهم من غرهم عظيم الجاه , فالجاهم الى استمالة قلوب الاتـبـاع خوفا من ان ينفروا منه , ومنهم من غلبهم حب العلو والاستعلاءفاول الاحاديث بالتاويلات الـباردة , رغبة في المساواة باهل بيت المصطفى (ص ) ان لم نقل حسدا من عند انفسهم , لما راوا من عظيم توقير الامة لبقايا العترة الطاهرة وبما آتاهم اللّه من فضله . واللّه اعلم .
9 - النبهاني :
قـال فـي كـتـابه ((الشرف المؤبد لال محمد)) [ص 17 ط 2 . مطبعة الحلبي واولاده ]: اختلفت الاقـوال فـي اهـل الـبـيـت , والاولى ان يقال هم : اولاده وازواجه والحسن والحسين منهم , وعلي منهم لانه كان من اهل بيته , بسبب معاشرته بنت النبي (ص ) وملازمته له . انتهى .
لـعـل الـبـعض من ذي مسكة من العلم يتوقف في ان يكون اولى الاقوال ان يقال بما ارتاه الشيخ (ره ), لاستحالة وجود اي قدر للاقوال في جانب قول الرسول (ص ) . وليس ممايستراب في ان كل منصف مـسـتقيم في غنى عن التاويلات الباردة . ولا ان يلتبس عليهم وجه الحق من المحامل البعيدة . بعد ان صـرح الـرسـول بـالمرادين في هذه الاية تصريحا جليالاغبار فيه وعين باسم الاشارة في قوله :
هـؤلاء اهـل بـيتي , وبعد ان جللهم بردائه ومنعه (ص ) زوجتيه عائشة وام سلمة من الدخول تحتها مـعـهم , فكيف يحتمل ان تكون الزوجات من المعدودات في معنى الاهل من هذه الاية ؟ فضلا عن ان يـكـون احـد غيرهن .كما رآه البقاعي ومن نزع الى رايه . وعلى انه رحمه اللّه قد ذكر في كتابه الـمـذكـور خمس عشرة رواية باسانيد مختلفة ما اخرجه الطبري في تفسيره دالة على ان المعني بـاهـل الـبـيـت فـي هـذه الايـة الشريفة هم : النبى (ص ) وعلي وفاطمة وحسن وحسين . ثم قال :
ورايـت الامـام الـجـلـيـل خاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي في تفسيره ((الدر المنثور)) قد صـدرالـكلام عند تفسير هذه الاية بثلاث روايات في ان اهل البيت فيها هم ازواجه (ص )واعقبها بعشرين رواية من طرق مختلفة في ان المراد منهم : النبي (ص ) وعلي وفاطمة والحسن والحسين , منها ما اخرجه ابن جرير, وابن المنذر, وابن ابي حاتم , والطبراني وابن مردويه , عن ام سلمة زوج النبي (ص ).
وقال في [ص 23] من المصدر نفسه : وقال شيخ الصوفية , وامام العارفين الشيخ ‌الاكبرسيدي محيي الدين بن العربي (رض ) في الباب التاسع والعشرين من ((الفتوحات المكية ))[1: 196 ط . بيروت - دار احـيـاء الـتـراط الـعربي ]: ولما كان رسول اللّه (ص ) عبدا محضا قد طهره اللّه واهل بيته تـطـهيرا, واذهب عنهم الرجس , وهو كل ما يشينهم , فان الرجس هو القذرعند الرب , هكذا حكى الفراء. قال اللّه تعالى : (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) فلا يضاف الـيـهـم الا مـطهر ولابد, فان المضاف اليهم هو الذي يشبههم . فما يضيفون لانفسهم الا من له حكم الـطـهارة والتقديس , فهذه شهادة من النبي (ص ) لسلمان الفارسي بالطهارة , والحفظ الالهي والعصمة حيث قال فيه : ((سلمان منااهل البيت )) وشهد اللّه لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم . واذا كان لا يـضـاف الـيهم الامطهر مقدس , وحصلت له العناية الربانية الالهية بمجرد الاضافة , فما ضنك باهل الـبـيـت فـي نـفوسهم ؟ فهم المطهرون , بل هم عين الطهارة , فهذه الاية تدل على ان اللّه قد شرك مع رسول اللّه (ص ) في قوله : (ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تاءخر)(75).
واي وسـخ اقـذر من الذنوب واوسخ ؟ فطهر اللّه سبحانه نبيه (ص ) بالمغفرة , مما هو ذنب بالنسبة الينا, ولو وقع منه (ص ) لكان ذنبا في الصورة لا في المعنى .
الـى ان قـال : فـدخـل الشرفاء اولاد فاطمة كلهم رضي اللّه عنهم ومن هو من اهل البيت مثل سلمان الـفـارسـي (رض ) الى يوم القيامة في حكم هذه الاية من الغفران . فهم المطهرون اختصاصا من اللّه وعناية بهم لشرف محمد(ص ) وعناية اللّه به . ولا يظهر حكم هذاالشرف لاهل البيت الا في الدار الاخـرة , فـانـهم يحشرون مغفورا لهم . واما في الدنيا فمن اتى منهم حدا اقيم عليه , كالتائب اذا بلغ الـحاكم امره وقد زنى او سرق او شرب اقيم عليه الحد مع تحقق المغفرة كما عزروا امثاله , ولا يجوز ذمه .
ويـنـبـغي لكل مسلم يؤمن باللّه وما انزله ان يصدق اللّه تعالى في قوله : (ليذهب عنكم الرجس اهل الـبـيت ويطهركم تطهيرا) فيعتقد في جميع ما يصدر عن اهل البيت ان اللّه تعالى قد عفا عنهم , فلا يـنـبـغـي لمسلم ان يلحق المذمة بهم وما يشنا اعراض من قد شهداللّه بتطهيرهم , وذهاب الرجس عـنهم , لا بعمل عملوه ولا بخير قدموه , بل بسابق عناية من اللّه بهم . (ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم )(76).
واذا صح الخبر الوارد في سلمان الفارسي فله هذه الدرجة , فانه لو كان سلمان على امريشناه ظاهر الشرع وتلحق المذمة , فيكون لاهل البيت من ذلك بقدر ما اضيف اليهم وهم المطهرون بالنص . انتهى كلام الشيخ الاكبر.
ثم قال الشيخ المؤلف : فقد صرح كما نرى وهو امام الصوفية , وكفى به حجة بدخول الشرفاء اولاد فاطمة كلهم رضي اللّه عنهم ومواليهم كسلمان الفارسي (رض ) الى يوم القيامة في حكم هذه الاية من الغفران , فهم المطهرون اختصاصا من اللّه وعناية بهم لشرف محمد(ص ) وعناية اللّه به . انتهى .
امـا مـا قاله الشيخ الاكبر(رض ) فيما يعرب عن فضل اهل البيت فمما لا يجحده كل ذي عقل فهيم وقـلب صاف مستقيم . واما دخول الزوجات في معنى الاهل فقد مضى فيما مضى من بيان اهل العلم في الموضوع , وسياتي مزيد من ذلك فيما يلي .
وامـا قـولـه (ص ): ((سـلمان منا اهل البيت )) فليس لاحد من الناس في انكار ما يحوي الحديث من الفضل لسلمان (رض ) من سبيل , ولا ممن قال به او احتج في فضله من تاويل . ولكن افليس من الممكن ان نـقـول : لعل المتبادر الى العقل في فهم معنى ذلك الحديث النبوي كمثل ما يفتهم من قول البيهقي في قـولـه (ص ) لواثلة بن الاسقع : ((انت من اهلي ))؟ حيث قال فيه كما مر قريبا من هذا الكتاب : كانه جعل في حكم الاهل تشبيها لاتحقيقا, فصار معناه متفقا مع ما قاله جمهور العلماء, كما قد صرح بذلك سـيدي الحبيب علوي بن طاهر الحداد في ((القول الفصل )) [2: 192] ما لفظه : فتفسير من فسر الايـة هـنـابـغـيـر اهل الكساء مردود مبتدع . ويشهد لصحة الجمهور وفساد قول الشذاذ ما صح من رده (ص ) لعائشة وام سلمة وعدم ادخاله لهما. ((الخ )).
وقـال ايـضا في [ص 293] من كتابه المذكور مصرحا: ولهذا كثر رد المحققين على من خالف هذا الـتفسير, ويشهد لما قاله الجمهور ما جاء في احاديث الاصطفاء والاختيار, وهي كثيرة ولها طرق عـديدة , واسانيدها صحيحة عند قوله (ص ): ((فجعلني في خيرها بيتا)),فذلك قوله تعالى : (انما يـريـد اللّه لـيذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)فهذا صحيح في ارادة بيت النسب , ومـن تـامـل اسـلوب الايات , وتانيث الضمائر فيهن , ثم صرف ذلك وتغييره وتذكيره في تلك الاية وحدها, وايراد لفظ ((اهل البيت )) مناديا لهم مخصصا مع تكرار النداء فيما سوى ذلك بلفظ (يا نساء الـنبي ) وعرف ان الاضافة الى البيت لما كانت خيرا من الاضافة الى النبي . وكيف افرد لفظ البيت مع ان لامهات المؤمنين بيوتا متعددة للسكنى ؟ ((الى ان قال )): ومن تامل هذا لم يبق عنده غبار ريب في ان القول قول الجمهور, وغيره تضليل .
وقـد صح خبر سعد في قصة المباهلة وفيه : ((اللهم هؤلاء اهل بيتي )) فلذلك قال الزمخشري في ((الكشاف )): لا دليل اقوى من هذا على فضل اهل البيت .
وهـذا الـقـول قـد اختاره جمهور المحدثين لوروده عن اربعة عشر صحابيا, وهم : علي ,وحسن , وحسين , وعبداللّه بن جعفر, وابن عباس , وعائشة , وام سلمة , وابنها, وواثلة ,وانس , وسعد, وابو الحمراء, ومعقل , فهو من المتواتر معنى . انتهى .
عـلـى ان الشيخ النبهاني نفسه قال : في [ص 32]: والذي يدل دلالة واضحة على ان المراد من الاية اهـل الـعـبـاء مع الزوجات , ان لم نقل وحدهم للرواية التي اخرجها عن ام سلمة : ابن جرير, وابن الـمـنـذر, وابـن ابي حاتم , والطبراني , وابن مردويه , وقد تقدمت الرواية عن ((الدر المنثور)) للحافظ السيوطي , وهي ان رسول اللّه (ص ) كان في بيتها على مقامة له عليه كساء خيبري , فجاءت فـاطـمة ببرمة فيها خزيرة , فقال رسول اللّه (ص ): ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا, فدعتهم , فـبـيـنـمـا هـم يـاكلون اذ نزلت على النبي (ص ): (انمايريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويـطـهركم تطهيرا) فاخذ النبي (ص ) بفضلة فنشاهم اياها, ثم اخرج يده من الكساء والوى بها الى الـسـماء ثم قال : ((اللهم هؤلاء اهل بيتي وحامتي )) وفي رواية : ((وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطـهرهم تطهيرا)) قالهاثلاث مرات . قالت ام سلمة : فادخلت راسي في الستر فقلت : يا رسول اللّه وانا معكم ؟فقال : ((انك الى خير)) مرتين . انتهى .
وقـال ايـضـا في [ص 33]: فانت ترى هذه الرواية صريحة في تخصيص الاية في اهل الكساء.ثم ذكـر فـي [ص 34] مـا نـقـلـه ابـن حجر في ((الصواعق )) [ص 222 ط . بيروت دار الكتب الـعـلـمـيـة ]:عـن الـثعلبي من انها في بني هاشم , على ان البيت يراد به بيت النسب . فيكون العباس وبـنـواعـمـامـهـم مـنـهـم . قـال الـخازن : وهو قول زيد بن ارقم . وذكر ايضا ان قول ابي سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد: ان اهل البيت هم اهل العباء خاصة .
10 - ابن حجر الهيثمي :
قال في كتابه ((الصواعق )) [ص 141] في الفصل الاول من الباب الحادي عشر في الاية الاولى ما لفظه : اكثر المفسرين على انها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين , ثم ذكرالاحاديث الدالة عـلـى نـزولها في خمسة : النبي (ص ), وعلي , وفاطمة , والحسن والحسين .وقال : وصح انه (ص ) جـعل على هؤلاء كساء وقال : ((اللهم هؤلاء اهل بيتي وحامتي -اي خاصتي - اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)). فقالت ام سلمة : وانا معهم ؟ قال :((انك على خير)). وفي رواية بزيادة : ((انا حرب لمن حاربهم , وسلم لمن سالمهم , وعدو لمن عاداهم )).
11 - السيد امير محمد الكاظمي القزويني :
قـال فـي مـنـاقـشـته مع النشاشيبي في كتابه ((الاسلام الصحيح )) [ص 45] حول آية التطهير ماملخصه : ان قوله ((يعني النشاشيبي )) بان اهل البيت في كتاب اللّه تعالى هم نساءالنبي (ص ) غير صـحـيـح , لانه ناشى مع عدم ممارسته للاسلوب القرآني . والاية ما عنت نساء النبي (ص ) وانما في خصوص علي وفاطمة والحسن والحسين (ع ), وعليه اجماع المسلمين اجمعين .
وان مـحـل اهـل بـيته (ص ) عند اللّه تعالى لا يتفق مع محل زوجاته , لعصمة اهل بيته (ص )وعدم عـصـمـتـهـن بـصـريـح الايات , كقوله تعالى : (ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتهافتعالين امتعكن واسـرحـكـن ) وقـوله تعالى : (يا نساء النبي من يات منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ) وقـولـه تعالى في اثنتين منهن : (ان تتوبا فقد صغت قلوبكما) ومنهن من خالفت امر اللّه بخروجها من بيتها محاربة نفس رسول اللّه (ص ) مع انه تعالى قال لهن : (وقرن في بيوتكن ).
ثـم ان اطلاق اهل البيت على الازواج ليس على اصل وضع اللغة . وانما هو اطلاق مجازي لا يصار اليه الا مع القرينة , ولا قرينة في الاية على انها تريد الازواج سوى السياق .
ثـم اتى السيد بالادلة المنطقية المقنعة , والبراهين العقلية الساطعة القاطعة , ما يمتلى بذكرهاوجوه الـصـفـحـات . انـه لـو اراد الا زواج لـكان الخطاب في الاية بما يصلح للاناث , بقوله :(عنكن ) و (يـطـهـركن ) لان هذا هو المناسب كما في غيرها من آيات خطابهن , فتذكيرضمير الخطاب فيها خـاصـة دون غيرها من آيات خطاب النساء اوضح دليل على عدم ارادتهن . اترى ان في اللّه عيا عن اتيانه كذلك لو ارادهن ؟ واما مجي ء ذلك في سياق آيات خطاب النساء, فامره لا يخفى على البلغاء العارفين باساليب البلاغة , من ان كلام البليغ قد يدخله الاعتراض والاستطراد بايراد جملة اجنبية بين الكلام المتناسق . كما في قـولـه تعالى في سورة يوسف : (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم # يوسف اعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين ) وقداستطرد قوله : (يوسف اعرض عن هذا) بين كلاميه , ومثل هذا كـثـيـر فـي الكتاب والسنة وكلام العرب العرباء مما يضيق المقام عن تعداده , فاية التطهير من هذا القبيل جاءت معترضة بين آياتها لبيان شدة عناية اللّه باهل البيت . انتهى .
ثـم سـاق الاحاديث الواردة في هذا الموضوع ما دلت على عدم دخل الازواج في معنى اهل البيت من هذه الاية , ما قد ذكرناها فيما مضى من هذا الكتاب بطرق متعددة .
وقـال فـي [ص 52]: فكل هذه الاحاديث المرفوعة واضعاف امثالها تنادي بصراحة على اختصاص آيـة الـتـطهير بخصوص من ذكرنا ((يعني الخمسة الطاهرة )) وانه لم يدخل معهم في ذلك القول زوجـة مـن ازواجـه (ص ) خـصـوصا اذا لاحظنا ما تقدم من آيات الكتاب وحصره (ص ) لهم تحت الكساء, وجذبه الكساء من يد ام سلمة , ومنعها من الدخول تحتها, مع جلالة شانها وعظيم قدرها, وهي اذ ذاك مـن اهل اللسان والفصاحة والبيان .فلو كانت من اهل البيت لما سالته الدخول معهم في الكساء.
وقوله (ص ): ((انك على خير- او - الى خير)) لمن اوضح دليل على عدم كونها من اهل البيت في الاية .
فـياهل ترى لذلك وجها غير ما ذكرنا من اختصاص الاية بهم (ع ), وعدم دخول نسائه (ص ) معهم ؟ فاي مؤمن عاقل يتجرا على نبذ هذه الصحاح الثابتة بالقطع من دين النبي (ص ) ويخاصم رسول اللّه , ويـكـون حربا للّه ويتبع غير سبيل المؤمنين . ويزعم ان اللّه تعالى عنى بكلامه غير علي وفاطمة والـحـسـن والحسين ؟ ثم ان الارادة في الاية , لاتخلو من ان تكون تشريعية او تكوينية , فان كانت الاولـى لـم يـصـح حصرها في الاية باهل البيت وقصرها عليهم , لانها تعني ارادة اجتناب المعاصي وفعل الفرائض , وهي متعلقة بفعل المكلفين اجمعين , وغير محصورة في فئة منهم اطلاقا. فاذا بطل هذا ثبت ان الارادة فيها تكوينية , وهي محصورة في اهل البيت (ع ). لم يدخل معهم في ذلك داخل ولا داخلة كما يقتضي الحصر.
ثـم قـال فـي [ص 58]: لا حـجـة فـي روايـة نزول الاية في نساء النبي (ص ) ولا تصلح رواية مـن الروايات ان تكون دليلا لاثبات ما يدعون , لاشتمالها على الضعاف , وصحة ما ورد في نزولها في الـخـمسة , بل وفيه ما هو باقصى مراتب الصحة عند حفاظ اهل السنة . والضعيف لا يصادم الصحيح فيطرح لاجله .
ثـم ان جميع ما ورد من الروايات - كما تراها - موقوفة على ابن عباس وعكرمة , وقدعرفت حال الـرجـل الاخـيـر, وانـه ناصبي كذاب عند علماء اهل السنة في علم الرجال . ولاقيمة للروايات الموقوفة في قبال الاحاديث المرفوعة , خاصة مع وجود الكذابة والمتهمين في سلسلة سندها.
ثـم انـه لو كانت آية التطهير تريد نساءه (ص ) لكان مناقضا لقوله تعالى : (يا نساء النبي من يات منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ) لانه دليل على جواز الفاحشة عليهن , واين هذا من التطهير مـن كل الذنوب , كما هو صريح الاية ؟ فان معنى الرجس بالكسر: القذر, وكل ما استقذر من العمل , والـعمل المؤدي الى العذاب والشك . وفي المنجد: الرجس : العمل القبيح , وبهذا صرح غيره من اهل اللغة .
ثـم انـه ان اراد الازواج منها ينافي قوله في سورة التحريم : (عسى ربه ان طلقكن ) [آية : 5]فانه اوضـح دلـيـل عـلى ان اللّه تعالى قد اباح لنبيه (ص ) طلاقهن . ولا يمكن ان يكون الا من حيث اساء بـعـضـهـن اليه (ص ) اساءة متناهية في القباحة , اذ ليس من المعقول ان يعزم النبي (ص ) على مفارقة نـسـائه بـالـطلاق , ولم يصدر منهن ما يوجب غضبه وتنفره منهن .فذلك مما لا يمكن ولا يتفق مع ما وصفه اللّه تعالى بقوله : (وانك لعلى خلق عظيم ) [القلم :

المبحث الثلاثون

في قوله عزوجل : ( انا اعطيناك الكوثر ) [ الكوثر : 1 ].
اختلفت الاقاويل , وتلونت افهام اهل التاويل , في معنى الكوثر, ومن المعني بالابتر. ولاغرو اذا كان الاخـتـلاف جـار مع كل آية او رواية فيها ذكر فضل اهل البيت وذم اعدائهم .اذ الظروف الحالية الـجـاتهم الى ذلك كما علمنا قريبا فيما مضى من هذه السطور. وان لم يكن من ذلك فليس الا من علة بـاطنة في نفس صاحبها, ما لا يخفى على الفاطن اللبيب ,والعاقل الاريب , على ان المعاني المشتركة فـي لـفظة [كوثر] كالنبوة والقرآن والحوض وغيرها, لمن تكن صالحة وملائمة لجواب من رمى الـرسول الاعظم بالابتر, ولا مطابقالرد من قال بانه (ص ) ابتر. فيحتمل اذن ان يكون معنى الكوثر هو الذرية الكثيرة الطيبة .وشاهد ذلك قوله (ص ) في دعائه لحبيبته الزهراء وكفئها الوحيد: [بارك اللّه لـكـمـا وعليكماواسعد جدكما, واخرج منكما الكثير الطيب ]. قال انس : واللّه لقد اخرج منهما الـكـثـيـرالـطـيـب . وقـد ظـهـر لي ممن ذهب الى هذا المعنى او مال اليه من بين تلك المرادفات بعض المفسرين منهم :
1 - الطبرسي :
قال في تفسيره [مجمع البيان ] [9 - 10: 549 - 550 ط. دار احياء التراث العربي -بيروت ]: بعد ان ذكـر اقـوالا: وقيل : هو كثرة النسل والذرية , وقد ظهرت الكثرة في نسله من ولدفاطمة (س ) حتى لا يحصى عددهم واتصل الى يوم القيامة مددهم .
ثم قال في تفسير معنى (شانئك هو الابتر): معناه ان مبغضك هو المنقطع عن الخير, وهوالعاص بن وائل . وقيل معناه : انه الاقل الاذل المنقطع عن كل خير. وقيل معناه : انه لا ولدله على الحقيقة . وان مـن يـنـسـب الـيـه لـيس بولد له , قال مجاهد: الابتر الذي لا عقب له . وهوجواب لقول قريش : ان مـحمدا(ص ) لا عقب له , يموت فنستريح منه ويدرس دينه . اذ لايقوم مقامه من يدعو اليه , فينقطع امره . انتهى .
ثـم قـال : وفـي هـذه السورة دلالات على صدق نبينا(ص ) وصحة نبوته : احدها: انه اخبرعما في نـفـوس اعـدائه ومـا جـرى عـلـى السنتهم ولم يكن بلغه ذلك فكان على ما اخبر,وثانيها: انه قال :
(اعـطيناك الكوثر). فانظر كيف انتشر دينه , وعلا امره , وكثرت ذريته حتى صار نسبه اكثر من كل نسب , ولم يكن شي ء من ذلك في تلك الحال . الخ .
2 - الشوكاني :
اورد في تفسيره [فتح القدير] [5: 504 ط . عالم الكتب - بيروت ] احاديث دلت على معنى الكوثر بانه الحوض . ثم قال في الاخير: واخرج الطبراني وابن مروديه عن ابي ايوب قال :لما مات ابراهيم ابـن رسول اللّه (ص ) مشى المشركون بعضهم الى بعض فقالوا: ان هذاالصابى قد بتر الليلة , فانزل اللّه : (انا اعطيناك الكوثر) الى آخر السورة .
واخـرج ابـن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي , عن ابي صالح , عن ابن عباس قال : كان اكبر ولد رسـول اللّه (ص ) القاسم , ثم زينب , ثم عبداللّه , ثم ام كلثوم , ثم فاطمة , ثم رقية ,فمات القاسم وهو اول مـيت من اهله وولده بمكة , ثم , مات عبداللّه , فقال العاص ابن وائل السهمي : قد انقطع نسله فهو ابتر, فانزل اللّه : (ان شانئك هو الابتر).
3 - النيسابوري :
قال في تفسيره [غرائب القرآن ] [3: 175 بهامش جامع البيان ]: القول الثالث : ان الكوثر اولاده ,لان هـذه السورة نزلت على من زعم انه (ص ) الابتر, والمعنى : انه يعطيه بفاطمة نسلايبقون على مر الـزمان , فانظر كم قتل من اهل البيت ثم العالم مملوء منهم , ولم يبق من بني امية احد يعبا به , والعلماء الاكابر لا حد ولا حصر لهم . منهم الباقر, والصادق , والكاظم ,والرضا, والتقي , والنقي , والزكي .
وقال في [ص 180] في تفسيره معنى الابتر: قال عامة اهل التفسير كابن عباس , ومقاتل والكلبي : ان العاص بن وائل وجمعا من صناديد قريش يقولون ان محمدا ابتر, لا ابن له يقوم مقامه بعده , فاذا مات انقطع ذكره واسترحنا منه , وكان قد مات ابنه عبداللّه من خديجة , فانزل اللّه تعالى هذه السورة كما مر.
والـشـن ء: الـبـغض , والشانى : المبغض , والبتر في اللغة : استئصال القطع . الابتر: المقطوع الذنب , فاستعير للذي لا عقب له ولمن انقطع خبره وذكره .
فـبـين اللّه تعالى بهذه الصيغة المفيدة للحصر ان اولئك الكفرة هم الذين ينقطع نسلهم وذكرهم , وان نـسـل مـحـمـد(ص ) ثابت باق الى يوم القيامة , كما اخبر بقوله (ص ): كل حسب ونسب ينقطع , الا حـسـبـي ونـسبي . وان دين اللّه لا يزال يعلو ويزيد, والكفر يعلى ويقهر,الى ان يبلغ الدين مشارق الارض ومغاربها.
قـال بـعـض اهل العلم : ان الكفار لما شتموه بانه (ص ) ابتر, اجاب اللّه عنه بغير واسطة فقال : (ان شانئك هو الا بتر) وهذا سنة الاحباب اذا سمعوا من يشتم حبيبهم تولوابانفسهم جوابه .
4 - الشبلنجي :
قـال فـي كـتـابـه [نـور الابـصار] [ص 52 ط. دار الفكر]: نقل الشيخ ابو علي الحسن بن احمد بـن ابـراهيم بن سنان مرفوعا الى انس بن مالك قال : كنت عند رسول اللّه (ص ) فغشيه الوحي , فلما افاق قال لي : [يا انس اتدري ما جاءني به جبريل من صاحب العرش عزوعلا؟] قلت بابي انت وامي ما جاءك به جبريل ؟ قال (ص ): [قال لي : ان اللّه تبارك وتعالى يامرك ان تزوج فاطمة من علي ], فانطلق وادع لي ابا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وبعدتهم من الانصار, قال فانطلقت فدعوتهم , فلما ان اخـذوا مـجـالـسـهـم قـال رسـول اللّه (ص ): [الـحـمد للّه المحمود بنعمته , المعبود بقدرته , الـمـطاع سلطانه . المهروب اليه من عذابه , النافذ امره في ارضه وسمائه , الذي خلق الخلق بقدرته , وميزهم باحكامه ,واعزهم بدينه , واكرمهم بنبيه محمد(ص ) ان اللّه عزوجل جعل المصاهرة نسبا لاحقا,وامرا مفترضا, وحكما عادلا, وخيرا جامعا, وشج به الارحام , والزمها الانام , فقال عزوجل :
(وهـو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا), وامراللّه تعالى يجري الى قضائه , وقضاؤه يجري الى قدره , ولكل قضاء قدر, ولكل قدر اجل ,ولكل اجل كتاب (يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ) ثم ان اللّه تعالى امرني ان ازوج فاطمة من علي , واشهدكم اني زوجت فـاطـمـة من علي على اربعمائة مثقال فضة ان رضي بذلك , على السنة القائمة , والفريضة الواجبة , فـجـمـع اللّه شملهما, وبارك لهما, واطاب نسلهما. وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة , ومعادن الحكمة , وامـن الامـة , اقـول قولي هذاواستغفر اللّه لي ولكم ], قال : وكان علي (ع ) غائبا في حاجة لرسول اللّه (ص ) قد بعثه فيها,ثم امر لنا رسول اللّه (ص ) بطبق فيه تمر. فوضع بين ايدينا فقال : [انتهبوا], فـبـيـنما نحن كذلك اذ اقبل علي (ع ) فتبسم اليه رسول اللّه (ص ) وقال : [يا علي ان اللّه امرني ان ازوجـك فـاطـمـة , وانـي قـد زوجـتـكـما على اربعمائة مثقال فضة ], فقال علي (ع ): [رضيت يا رسـول اللّه ], ثـم ان عـلـيا خر ساجدا شكرا للّه . فلما رفع راسه قال له رسول اللّه (ص ): [بارك اللّه لكما وعليكما واسعد جدكما. واخرج منكما الكثير الطيب ].
قال انس : واللّه لقد اخرج منهما الكثير الطيب .
5 - ابن شهر آشوب :