فخرج النبي (ص ) ومن معه من المسلمين وكانوا ثلاثة آلاف وجعلوا الخندق بينهم , واتفق اليهود مع الـمـشـركـيـن عـلى قتال رسول اللّه (ص ). فلما راى المسلمون ذلك اشتد الامرعليهم , وكان مع الـمشركين من قريش عمرو بن عبدود, وكان من مشاهيرهم الصناديد.[الى ان قال ]: وقال عمرو:
هـل مـن مـبـارز؟ فاراد علي ان يبرز اليه , فارسل النبي (ص ) لعلي ان لا يبرز اليه . فجعل عمرو يـنـادي : هل من مبارز؟ وجعل يقول : اين حميتكم ؟ اين جنتكم التي تزعمون ان من قتل دخلها؟ افلا يـبـرز الـي رجـل منكم ؟ وذكر اخيرا نزول قوله تعالى بعد مقتل عمرو: (ورد اللّه الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى اللّه المؤمنين القتال ) [الاحزاب :25].

المبحث السابع والاربعون

فـي قـوله تعالى : ( والذين آمنوا باللّه ورسله اءولئك هم الصديقون والشهداءعند ربهم ) [ الحديد الاية : 19 ].
ان للعلماء في تفسير معنى الصديقين والشهداء في هذه الاية , ومن المراد بهم اقوالا, منهم - كما ذكر الـطـبرسي في [مجمع البيان ] [5: 302, ط. مؤسسة التاريخ العربي ] - : من قال : كل من آمن باللّه ورسله فهو صديق وشهيد. وهذا القول لمجاهد.
وقـيـل : ان الـشـهـداء منفصل مما قبله مستانف , والمراد بالشهداء الانبياء(ع ) الذين يشهدون للامم وعـليهم , وهو قول ابن عباس ومسروق ومقاتل بن حيان , واختاره الفراء والزجاج , وقيل : هم الذين استشهدوا في سبيل اللّه , وهذا القول عن مقاتل بن سليمان وابن جرير.
ومنهم من يستدل في تحقيق معنى الصديقين بما ورد من الاحاديث النبوية . اذ ليس كل مؤمن يصلح بان يـكـون صديقا وشهيدا للامم او عليهم عند ربهم , وكانوا يرون انماالصديقون ثلاثة , كما دلت على ذلك الاخبار والاثار, واخرجها حفظة السنن والمحدثون في كتبهم , منهم :
الـمتقي الهندي في كتابه [منتخب الكنز] بهامش مسند الامام احمد [5: 30]: الصديقون ثلاثة :حبيب الـنـجـار, مـؤمن آل يس قال : (يا قوم اتبعوا المرسلين ), وحز قيل مؤمن آل فرعون قال : (اتقتلون رجلا ان يقول ربي اللّه ), وعلي بن ابي طالب وهو افضلهم . - اخرجه ابونعيم في [المعرفة ] وابن عساكر عن ابي ليلى .
وابـن حـجـر الـعـسـقـلانـي فـي [الاصـابة ] [4: 170] بترجمه ابي ليلى الغفاري , قال : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : سيكون من بعدي فتنة , فاذا كان كذلك فالزموا علي بن ابي طالب , فانه اول من آمن بي , واول من يصافحني يوم القيامة , وهو الصديق الاكبر, وهو فاروق هذه الامة , وهو يعسوب المؤمنين , والمال يعسوب المنافقين .
والحاكم في [المستدرك ] [3: 112] اخرجه مسندا عن علي (رض ) قال : اني عبداللّه واخورسوله , وانا الصديق الاكبر لا يقولها بعدي الا كاذب . صليت قبل الناس بسبع سنين ,قبل ان يعبده احد من هذه الامة .
والـسـيوطي في [الجامع الصغير] [ص 190 ط. دار القلم ] روى عن ابن النجار عن ابن عباس قال :
الصديقون ثلاثة : حزقيل مؤمن آل فرعون , وحبيب النجار صاحب آل يس , وعلي بن ابي طالب .
ورواه ابـن حـجـر الهيثمي في [الصواعق ] [ص 124] في الحديث الثلاثين عن ابن النجار عن ابن عـبـاس . وفـي الـحـديـث الحادي والثلاثين ما اخرجه ابو نعيم وابن عساكر عن ابي ليلى الغفاري بالسندين واللفظين المذكورين .
واخـرج الـحديثين ايضا الفقيه الحافظ ابن المغازلي الشافعي في [المناقب ] [ص 245]. كلاهماعن ابي يعلى الغفاري .
وفـي ذيـل الـكـتاب قال محمد باقر البهبودي : اخرجه الامام احمد بن حنبل في كتاب المناقب تارة [ص 193] واخرى [ص 156] - مخطوط - بالاسناد الى الحسن بن عبد الرحمن بن محمدبن عبد الـرحـمن بن ابي ليلى المكفوف الانصاري [ابي حصين ] بعين السند واللفظ. وهكذااخرجه الحافظ الـكـنـجي في [كفاية الطالب ] في الباب 24 [ص 123] بعين السند, ولفظه [سباق الامم ثلاثة وهم الصديقون ] ثم قال : هذا سند اعتمد عليه الدارقطني واحتج به .
وقال الامام المظفر في [دلائل الصدق ] [2: 126]: في ذيل قوله تعالى : (والذين آمنوا باللّه ورسله اولئك هم الصديقون ): روى احمد بن حنبل انها نزلت في علي (ع ).
وقـال في [ص 128]: وقد نقل في كنز العمال هذا الحديث [6: 394] عن ابن ابي شيبة ,والنسائي فـي [الـخـصائص ] وابن ابي عاصم في [السنة ] والعقيلي , وابي نعيم في [المعرفة ] ونقل ايضا [6:
405] عـن الـعـقـيـلي ومحمد بن ايوب الرازي : ان امير المؤمنين (ع ) قال على منبرالبصرة : [انا الصديق الاكبر].
وقـال : ونـقل في [الكنز] ايضا [6: 156] عن الطبراني عن سلمان وابي ذر معا, وعن البيهقي وابن عـدي عـن حـذيـفـة : ان الـنبي (ص ) قال في حق علي (ع ): [ان هذا اول من آمن بي , وهواول من يصافحني يوم القيامة , وهذا الصديق الاكبر, وهذا فاروق هذه الامة , يفرق بين الحق والباطل , وهذا يعسوب الدين , والمال يعسوب الظالمين ].
فاذا ثبت ان عليا(ع ) هو اكمل الامة تصديقا, وجب ان يكون افضلهم , ولا سيما هوافضل صديقي امم الانبياء, والافضل هو الامام . ولكن القوم سرقوا هذا الاسم , ونحلوه الى ابي بكر فسموه صديقا.
ولما علم اللّه سبحانه ذلك منهم , اثبت دليلا واضحا على كذبهم , وهو ما الحقه بهذاالوصف من وصف الشهداء. وهذه السرقة ليست بغريبة منهم , فانهم سرقوا ايضا وصف الفاروق من امير المؤمنين (ع ) الى عمر, فقد صرح بان عليا هو الفاروق .... [الحديث المتقدم وغيره ] كالذي نقله في كنز العمال [6:
155] عن ابي نعيم عن ابي ليلى [الحديث ].
ثم قال اخيرا: وقال الطبري في [المنتخب ] من كتاب [ذيل المذيل ] المطبوع في ذيل تاريخه [ص 9]:
قـال ابـن سعد: اخبرنا يعقوب بن ابراهيم بن سعد عن ابيه عن صالح ابن كيسان قال : قال ابن شهاب :
بـلـغنا ان اهل الكتاب كانوا اول من قال لعمر: الفاروق , وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم , وما بلغنا ان رسول اللّه (ع ) ذكر من ذلك شيئا.

المبحث الثامن والاربعون

فـي قـولـه تعالى : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتــظـر ومـا بـدلـواتبديلا ) [ الاحزاب :23 ].
روى الـحـافظ القندوزي في كتابه [ينابيع المودة ] [ص 96 في الباب 23] عن الحافظ ابي نعيم عن ابـن عـبـاس , وعن جعفر الصادق (ع ) قالا: قال علي كرم اللّه وجهه : كنا عاهدنا اللّه ورسوله , انا وحـمـزة وجـعـفر وعبيدة بن الحارث على امر وفينا به للّه ولرسوله , وتقدمني اصحابي وخلفت بـعـدهم فانزل اللّه سبحانه فينا: (رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ) حمزة وجـعفر وعبيدة , (ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) اناالمنتظر وما بدلت تبديلا. ايضا روى عن محمد الباقر(ع ) هذا الحديث .
وروى ابـن حـجـر الـهـيثمي في [الصواعق ] [ص 207 ط. دار الكتب العلمية - بيروت وص 80 ط.الـقاهرة ]: انه سئل علي (ع ) وهو على المنبر بالكوفة عن قوله تعالى : (رجال صدقوا ماعاهدوا اللّه عـليه ) الاية . فقال (ع ): اللهم غفرا, هذه الاية نزلت فى , وفي عمي حمزة وفي ابن عمي عبيدة بـن الحارث بن عبد المطلب , فاما عبيدة فقضى نحبه شهيدا يوم بدر,وحمزة قضى شهيدا يوم احد, واما انا فانتظر اشقاها, يخضب هذه من هذه , واشار بيده الى لحيته وراسه , عهد عهده الي حبيبي ابو القاسم (ص ).
ثم قال ابن حجر: وروي ان عليا جاءه ابن ملجم يستحمله , فحمله ثم قال (رض ):
اريد حياته ويريد قتلي ----- عذيري من خليلي من مراد ثم قال (ع ): هذا واللّه قاتلي , فقيل له : الا تقتله ؟ فقال : فمن يقتلني ؟ وفـي الـمـسـتـدرك [3: 143]: عـن السدي قال : كان ابن ملجم عشق امراة من الخوارج , يقال لها نظام (95), فنكحها واصدقها ثلاثة آلاف درهم , وقتل علي , وفي ذلك قال الفرزدق :
فلم ارمهرا ساقه ذو سماحة ----- كمهر نظام بين غير معجم ثلاثة آلاف وعبد وقينة ----- وضرب علي بالحسام المصمم فلا مهر اغلى من علي وان غلا ----- ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم قال الاميني (ره ) [في الغدير] [2: 51]: اخرج الخطيب الخوارزمي في المناقب [ص 188]وصدر الحفاظ الكنجي في الكفاية [ص 122] نقلا عن ابن جرير وغيره من المفسرين , انه نزل قوله تعالى :
(فـمـنهم من قضى نحبه ) في حمزة واصحابه , كانوا عاهدوا اللّه تعالى لايولون الادبار, فجاهدوا مقبلين حتى قتلوا (ومنهم من ينتظر) علي بن ابي طالب مضى على الجهاد ولم يبدل ولم يغير الاثار.
ثم ذكر ما رواه ابن حجر في صواعقه [ص 207 ط. دارالكتب العلمية ].
وذكـر الـفـيـروزآبادي في [فضائل الخمسة ] [1: 287 ط. دار الكتب الاسلامية - طهران ]: ما رواه ابن حجر ايضا في صواعقه . وكذا ايضا في [دلائل الصدق ] [2: 164]: ورواه ايضاالشبلنجي في [نور الابصار] [ص 119] عن [الفصول المهمة ].
وفـي تفسير [مجمع البيان ] [7 - 8: 349 - 350, ط. دار احياء التراث العربي ]: قال الطبرسي في قوله تعالى : (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه ) اي بايعوا ان لا يفروا,فصدقوا في لـقـائهـم الـعـدو, (فمنهم من قضى نحبه ) اي مات او قتل في سبيل اللّه فادرك ماتمنى فذلك قضاء الـنـحـب , وقـيل : قضى نحبه معناه : فرغ من عمله , ورجع الى ربه , يعني من استشهد يوم احد, عن مـحـمـد بن اسحاق . وقيل : معناه قضى اجله على الوفاء والصدق ,عن الحسن . وقال ابن قتيبة : اصل النحب النذر, وكان قوم نذروا ان يلقوا العدو ان يقاتلواحتى يقتلوا او يفتح اللّه , فقتلوا.
وروي عـن ابـن عباس قال : (من قضى نحبه ) حمزة بن عبد المطلب ومن قتل معه , وانس بن النضر واصحابه . وقال الكلبي : ما بدلوا العهد بالصبر ولا نكثوه بالفرار. وروى الحاكم ابو القاسم الحسكاني بـالاسناد عن عمرو بن ثابت عن ابي اسحاق عن علي (ع ) قال : فينانزلت : (رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عـلـيـه ) فـانا واللّه المنتظر, وما بدلت تبديلا. ورواه ايضا الطباطبائي في تفسيره [الميزان ] [16:304]: عن المجمع ما رواه الحسكاني .

المبحث التاسع والاربعون

في قوله تعالى : ( والذي جاء بالصدق وصــدق بـه اولـئـك هـم المتقون ) [ الزمر:33 ].
لـقد اتفقت اكثر اقوال المفسرين على ان (الذي جاء بالصدق ) هو النبي (ص ) واختلفت اقوال بعضهم في تفسير (وصدق به ).
فمنهم من قال : بان الذي (صدق به ) هو ابو بكر الصديق , فلذلك زعموا بان الاية نزلت فيه . ومنهم من قال بنزولها في علي (ع ) ومنهم من قال غير ذلك .
فاما من قال بنزولها في ابي بكر(رض ) فبرواية رواها الطبري في تفسيره [جامع البيان ]عن عمر بـن ابـراهـيـم , عن عبد الملك بن عمير, عن اسيد بن صفوان . ولكن هذه الرواية لم تكن لهم حجة ناهضة امام مخالفيهم لضعف سندها, فان عمر بن ابراهيم هو احدالكذابين , كما نقله الذهبي في كتابه [مـيـزان الاعتدال ] [3:179] وعن الدارقطني انه قال : بان عمر بن ابراهيم , كذاب . ونقل فيه عن الخطيب قال : انه غير ثقة .
وامـا عبد الملك بن عمير, فقد نقل الذهبي في ميزانه [2: 660]بان ابا حاتم قال : ليس بحافظ, تغير حفظه . وقال احمد: ضعيف يغلط. وقال ابن معين : مخلط. واما اسيد بن صفوان , فقد نقل الذهبي كما في آخر السطر من الصفحة المذكورة بانه مجهول .
فـلا تـعـجـبن على من مال الى هذه الرواية مع عدم صحتها كما قد علمت , ووجود رواية مصرحه بـنزولها في علي (ع ) فعدلوا عنها. ولعل المنصف المستقيم يدري ما الذي حملهم على ذلك , ودفعهم اليه .
وقـد صـرح رسول اللّه (ص ) بان عليا مع القرآن والقرآن مع علي . والحق مع علي وعلي مع الحق .
واخرج ابن عساكر فيما رواه ابن حجر في [الصواعق [ ]ص 125]: ما نزل في احد من كتاب اللّه ما نزل في علي . وفيه ايضا: نزل فى علي ثلاثمائة آية . وفي [ص 118] منه قال احمد:ما جاء لاحد من الفضائل ما نزل في علي .
وامـا مـن قـال ان الـذي جاء به [جبريل ] والذي صدق محمد, قال الطباطبائي في تفسيره [الميزان ] [17: 264]: هـذا تطبيق , غير ان السياق يدفعه , فان الايات مسوقة لوصف النبي (ص ) والمؤمنين , وجبريل اجنبي عنه لا تعلق للكلام به .
وروى فيه نقلا عن [المجمع ] في قوله تعالى : (والذي جاء بالصدق وصدق به ) قيل : الذي جاء بالصدق محمد(ص ) (وصدق به ), علي بن ابي طالب (ع ) وهو المروي عن ائمة الهدى من آل محمد(ص ).
واخـرج الـفـقـيه الحافظ ابن المغازلي في كتابه [المناقب ] [ص 269] مسندا, قال : اخبرنا علي بن الـحسين بن الطيب اذنا, قال : حدثنا علي بن محمد بن احمد, حدثنا عبداللّه ابن محمدالحافظ, حدثنا الـحـسين بن علي , حدثنا محمد بن الحسن , حدثنا عمر بن سعيد عن ليث عن مجاهد في قوله تعالى :
(والذي جاء بالصدق وصدق به ) قال : جاء به محمد(ص )وصدق به علي بن ابي طالب (ع ).
وفـي [دلائل الـصدق ] [2: 116 - 117]: فقد روى الامام المظفر الحديث من طريق ابن المغازلي ومـن طـريـق ابي نعيم في ذيل الاية , ثم قال : فيكون الجميع متحدا في المراد, وان المقصود بثاني الوصفين امير المؤمنين علي (ع ).
الـى ان قـال فـي آخـر كـلام : هـذا ومن المضحك ما ذكره الرازي في المقام , قال : [اجمعوا على ان الاسـبـق الافـضل اما ابو بكر واما علي , وحمل هذا اللفظ على ابي بكر اولى , لان عليا كان وقت الـبـعـثة صغيرا, فكان كالولد الصغير الذي يكون في البيت , ومعلوم ان اقدامه على التصديق لا يفيد مزيد قوة وشوكة , اما ابو بكر كان رجلا كبيرا في السن , كبيرا في المنصب , فاقدامه على التصديق يفيد مزيد قوة وشوكة في الاسلام , فكان حمل اللفظ على ابي بكر اولى ].
قـال الـمظفر ردا على هذا القول الذي يتضمن ما يمس كرامة امير المؤمنين (ع ): فان مزيدالشوكة لاربـط لـه بـالاولـويـة المذكورة , لان التصديق فرع المعرفة والتقى , لا الشوكة . ولذامدح اللّه سبحانه وتعالى من جاء بالصدق وصدق به : بالتقوى , فقال : (فاولئك هم المتقون ) ومن المعلوم ان امير المؤمنين (ع ) اقرب الى المعرفة والتقوى من ابي بكر, فانه لم يعبد صنما قط, خلافا لقومه , وعبدها ابـو بـكر مدة من عمره , وطهره اللّه سبحانه من الرجس ولم يطهر ابا بكر, وصلى مع رسول اللّه سـبـع سـنـيـن قـبـل ابي بكر وغيره , ولا منافاة بين الصغر والمعرفة والكمال , ولذا دعاه رسول اللّه (ص ) الى الاسلام وهو صبي , فكان اخص الناس به واطوعهم له , وجعله خليفته ووزيره عندما جمع عشيرته الاقربين في اول البعثة ودعاهم الى الاسلام .
كـمـا جـعـل اللّه يـحـيـى نبيا, وآتاه الحكم صبيا, وكذلك عيسى ويوسف وسليمان , وقد مدح اللّه الـحـسنين (ع ) وهما طفلان بقوله سبحانه : (ان الابرار يشربون ), (ويخافون يوما),(ويطعمون الطعام على حبه ), (انما نطعمكم لوجه اللّه ) الايات .
ولـو سـلـم دخل الشوكة والقوة والمنصب باولوية الوصف بالتصديق , فاي قوة وشوكة لابي بكر؟ وهـو من ارذل بيت في قريش , كما قاله ابو سفيان , واي منصب له وهو كان خياطا ومعلما للصبيان ؟ فـايـن هـو من اسد اللّه ورسوله وابن سيد البطحاء؟ الذي ان لم يزد الاسلام بنفسه قوة , فباتصاله بابيه وتعلقه به (الخ ).
ورواه الـسيوطي في تفسيره [الدر المنثور] [7: 228]: عن ابن مردويه عن ابي هريرة (والذي جاء بالصدق ) قال : رسول اللّه (ص ) (وصدق به ) قال : علي بن ابي طالب .
وذكـر الـطـبرسي في تفسيره [مجمع البيان ] [7 - 8: 498, ط. دار احياء التراث العربي ] قال :
وقيل الذي جاء بالصدق محمد(ص ) وصدق به علي بن ابي طالب (ع ) عن مجاهد, ورواه الضحاك عن ابن عباس , وهو المروي عن ائمة الهدى (ع ) من آل محمد(ص ).

المبحث الخمسون

في قوله تعالى : ( وما كان اللّه ليعذبهم وانت فيهم ) [ الانفال : 33 ].
قـال الـحـافـظ سـلـيمان بن ابراهيم القندوزي في كتابه [ينابيع المودة ] [ص 298]: اشار(ص ) الـى وجـود ذلـك الـمـعـنـى فـي اهل بيته , وانهم امان لاهل الارض كما كان (ص ) امانا لهم , وفي ذلك احاديث كثيرة , منها: [النجوم امان لاهل السماء, واهل بيتي امان لامتي ] كما في المصدراخرجه جماعة .
وفـي رواية : [واهل بيتي امان لاهل الارض , فاذا هلك اهل بيتي جاء اهل الارض من الايات ما كانوا يـوعدون ]. وفي اخرى لاحمد: [النجوم امان لاهل السماء, واهل بيتي امان لاهل الارض , فاذا ذهب الـنـجوم ذهب اهل السماء, واذا ذهب اهل بيتي ذهب اهل الارض ], وفي رواية صححها الحاكم في [3: 149, ط. دار المعرفة ]: على شرط الشيخين :[النجوم امان لاهل السماء, واهل بيتي امان لاهل الارض مـن الـغـرق , واهـل بـيـتي امان لامتي من الاختلاف , فاذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا, فصاروا حزب ابليس ].
وجـاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا: [انما مثل اهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا, ومن تخلف عنها هلك ]. وفي رواية مسلم : [ومن تخلف عنها غرق ].
وفي رواية : [وانما مثل اهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل , من دخله غفر له ].
وان اللّه تـبـارك وتـعالى لما خلق الدنيا باسرها من اجل النبي (ص ) جعل دوامها بدوامه ودوام اهل بيته , لانهم يساوونه في خمسة اشياء مرت , ولانه قال في حقهم : [اللهم انهم مني وانا منهم ], ولانهم بـضـعـة منه , بواسطة ان فاطمة رضي اللّه عنها امهم بضعته (ص )فاقيموا مقامه في الامان . ووجه تـشبيههم بالسفينة , ان من احبهم وعظمهم واخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات , ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفران النعم , وهلك في مفاوز الطغيان . وورد حديث : [يرد الحوض اهل بيتي ومـن احـبهم من امتي كهاتين السبابتين ], ويشهد له خبر: [المرء مع من احب ]. ووجه تشبيههم بباب حـطـة , ان اللّه تـعـالـى جـعـل دخول ذلك الباب وهو باب اريحا, او باب بيت المقدس مع التواضع والاستغفارسببا للمغفرة , وجعل لهذه الامة مودة اهل البيت سببا للمغفرة .
وقد ذكر ابن حجر في [الصواعق ] [ص 91 ط. الميمنية ] هذه الاية وعدها في الاية السابعة النازلة فـي اهـل الـبـيـت (ع ), واورد في ذيلها الاحاديث النبوية المشيرة الى وجود ذلك المعنى في اهل بيته (ص ).
ثـم قـال : وقال بعضهم : يحتمل ان المراد باهل البيت الذين هم امان , علماؤهم , لانهم الذين يهتدى بهم كالنجوم , والذين اذا فقدوا جاء اهل الارض من الايات ما يوعدون .
ثم قال : ويحتمل وهو الاظهر عندي , ان المراد بهم سائر اهل البيت , فان اللّه لما خلق الدنياباسرها مـن اجـل النبي (ص ) جعل دوامها بدوامه ودوام اهل بيته , لانهم يساوونه في اشياء مر عن الرازي بعضها, ولانه (ص ) قال في حقهم : [اللهم انهم مني وانا منهم ], ولانهم بضعة منه بواسطة فاطمة امهم بضعته (ص ) فاقيموا مقامه في الامان . انتهى ملخصا.

المبحث الحادي والخمسون

في قوله تعالى : ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن ماب ) [ الرعد:29 ].
اخـرج الـفـقيه الحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقبه [ص 268] قال : اخبرنا علي بن الحسين بن الـطيب اذنا, حدثنا ابو علي الحسن بن شاذان الواسطي , حدثنا ابو محمد جعفر ابن محمدبن نصير الخلدي , حدثنا عبيد بن خلف البزار, حدثنا ابو ابراهيم اسماعيل بن ابراهيم البلخي , حدثنا علي بن ثابت القرشي , حدثنا ابو قتيبة تميم بن ثابت , عن محمد بن سيرين في قوله تعالى : (طوبى لهم وحسن مـاب ) قـال : طوبى شجرة في الجنة , اصلها في حجرة علي بن ابي طالب , ليس في الجنة حجرة الا فيها غصن من اغصانها.
وذكـر الـفـاضل محمد باقر البهبودي في ذيل الكتاب حديثا عن الامام محمد الباقر(ع ) [قال :سئل رسـول اللّه (ص ) عـن الايـة فـقال : هي شجرة اصلها في داري , وفرعها على اهل الجنة .فقيل : يا رسـول اللّه سالناك عنها, فقلت : هي شجرة في الجنة اصلها في دار علي وفاطمة ,وفرعها على اهل الـجـنة ؟ فقال (ص ): ان داري ودار علي وفاطمة واحد غدا, في مكان واحد, وهي شجرة غرسها اللّه تـبـارك وتـعالى بيده , ونفخ فيها من روحه , تنبت الحلي والحلل ]. - راجع تفسير القرطبي [9:
317]. وذكره ايضا القندوزي في [الينابيع [ ]ص 96].
وذكـر الـطـبـرسـي فـي تفسيره [مجمع البيان ] [3: 376 ط. دار احياء التراث العربي ] بان في طـوبـى عـشـرة اقـوال , قال : القول العاشر: ان طوبى شجرة في الجنة , اصلها من دار النبي (ص ) وفـي دار كل مؤمن منها غصن . وروى علي بن ابراهيم عن ابيه , عن الحسن بن محبوب , عن علي بن رئاب , عن ابي عبيدة الحذاء عن ابي عبداللّه (ع ) قال : كان رسول اللّه (ص ) يكثرتقبيل فاطمة (س ) فـانـكـرت عـلـيه بعض نسائه ذلك , فقال (ص ): انه لما اسري بي الى السماءدخلت الجنة , وادناني جـبـرائيل (ع ) من شجرة طوبى وناولني منها تفاحة فاكلتها, فحول اللّه في ظهري ماء, فهبطت الى الارض وواقعت خديجة فحملت بفاطمة , فكلما اشتقت الى الجنة قبلتها, وما قبلتها الا وجدت رائحة شجرة طوبى , فهي حوراء انسية .
وروى الـثـعـلـبي باسناده عن الكلبي , عن ابي صالح عن ابن عباس قال : طوبى شجرة اصلهافي دار علي (ع ) في الجنة , وفي دار كل مؤمن منها غصن . ورواه ابو بصير عن ابي عبداللّه (ع ).
وروى الـحـاكـم ابو القاسم الحسكاني باسناده عن موسى بن جعفر(ع ) عن ابيه عن آبائه (ع ) قال :
سئل رسول اللّه (ص ) عن طوبى قال (ص ): شجرة اصلها في داري وفرعهاعلى اهل الجنة , ثم سئل عـنـها مرة اخرى , فقال : في دار علي (ع ) فقيل في ذلك , فقال : ان داري ودار علي في الجنة بمكان واحد.
وقال السيوطي في تفسيره [الدر المنثور] [4: 59]: واخرج ابن ابي حاتم عن ابن سيرين (رض ), قال : شجرة في الجنة اصلها في حجرة علي وليس في الجنة حجرة الا وفيهاغصن من اغصانها.
وامـا حـديـث الـتـفاحة فقد وردت فيه روايات نقلها جماعة من طرق متعددة , ومن جملتهم الذهبي والعسقلاني , ولكنهما قد صرحا بعدم صحتها حتى حكما بان الحديث موضوع ,لانهما زعما بان ميلاد الـسـيدة فاطمة قبل البعثة . وكانهما لم يعيرا جانبا من الاهتمام اوتغافلا عما ورد من الروايات عن اهل بيت النبوة وغيرهم من اهل السنة . كابن عبد البروابن المغازلي وغيرهما من اعلام الفريقين .
وقـبـل ان نذكر تلك الروايات والاخبار, فلعل من الخير ان نقدم اقوال المحققين والمدققين في هذا المقام .
مـنـهـم الـفـاضل المحقق محمد باقر البهبودي صاحب التعليقات على [المناقب ] للحافظالشهير بابن المغازلي [ص 358].
قال : الاراء في تاريخ ولادتها [السيدة فاطمة (س )] مختلفة عندهم , فقد ذكر ابو عمر بن عبد البر, انـهـا ولدت في سنة احدى واربعين من مولد النبي (ص ) يعني بعد البعثة بسنة ,وصح في رواية اهل الـبـيـت من اولاد فاطمة - كما روتها الشيعة من دون اختلاف - انهاولدت لخمس بعد بعثته (ص ).
ويـؤيـد ذلـك بـل يـعينه ان سورة الكوثر وفيها: (ان شانئك هو الابتر) نزلت في العاص بن وائل السهمي , حين رمى رسول اللّه (ص ) بانه ابتر. وذلك بعد ما مات ابنه الطيب المولود في الاسلام , كما رواه ابن عساكر في التاريخ الكبير, على مافي منتخبه [1: 293] والبلاذري في انسابه [1: 405] وغيره في غيره .
فـبـعـد مـا ثبت بالاجماع عند اهل النقل ان فاطمة اصغر اولاد الرسول (ص ) لا يكون ذلك الا بعد المبعث بسنين , كما ان المراد بالكوثر المبشر به انما يكون فاطمة , لانقطاع نسل الرسول من غيرها وانـتشاره منها, والمراد بالنحر العقيقة . على ان ابن حجر العسقلاني هوالذي نص في تهذيبه [12:
441] ان عـلـيا(ع ) تزوج فاطمة (س ) في السنة الثانية من الهجرة ,وكان سنها يوم تزوجها خمس عـشرة سنة وخمسة اشهر ونصف الشهر. وعلى هذا تكون ولادتها عام المبعث كما اختاره ابن عبد البر, لا قبله بخمس سنوات .
ويـؤيـد ذلـك ان رسـول اللّه (ص ) وعـدها لعلي (ع ) ثم زفها اليه بعد سنة او سنتين , ولم يكن هذا الـتاخير الا لان يتم لها تسع سنين , على ما ترويه الشيعة من اهل بيتها, بل وقد نص على ذلك رسول اللّه (ص ) على ما اخرجه النسائي في [الخصائص ] [ص 31] واحمد بن حنبل في [الفضائل ] كما في تـذكـرة الـسبط [ص 316 ط. الغري . وص 173 ط. ايران ]. والخطيب في [مشكاة المصابيح ] [4:
246 ط. دمـشـق وفي ص 565 ط. لكنهو]: من طريق النسائي عن عبداللّه ابن بريدة عن ابيه قال :
خطب ابو بكر وعمر فاطمة , فقال رسول اللّه (ص ): [انها صغيرة ].فهل تكون الفتاة وهي ابنة خمس عشرة سنة او سبع عشرة سنة صغيرة ؟ بـل ولـو صح ما يقولونه من انها ولدت قبل البعثة بخمس , لكان لها يوم زواجها عشرون سنة , فكيف اخر رسول اللّه (ص ) تزويجها الى تلك السنة ؟ ولم اخر زفافها الى سنة اوسنتين مع هذا الحد من سـنـهـا؟ وهـي قـد جـاوزت حد الزواج على رسمهم في تزويج بنات الاشراف . كما نرى رسول اللّه (ص ) زوج ابـنـتيه ام كلثوم ورقية من ابني عمه ابي لهب في صغرهما, حتى انهما يوم فارقهما بامر ابي لهب لم يكونا قد بنيا بهما لصغرهما.
بـل وكيف لم يرغب احد من اشراف الصحابة في زواجها فيخطبها من رسول اللّه (ص )بمكة , وفي زواجـهـا الـشـرف المؤبد؟ وكيف لم يخطبها ابو بكر ولا عمر ولا غيرهما قبل الهجرة , واخرا خطبتها الى ما بعد الهجرة ؟ وكيف يعتذر الرسول اليهما بانها صغيرة وهي بنت عشرين ؟ على ان ابن حـجـر وامثاله كيف يحكمون بوضع هذه الاحاديث المتضافرة عن طريق الفريقين وقد تابع حديث بعضهم حديث بعض ؟ وانما يستدلون على ذلك برواية ابن اسحاق . فهل هذه الا رواية واحدة تخالفها هذه النصوص المتضافرة ويضادهاالاعتبار الصحيح والقرائن التاريخية .
فـمـن الـقـرائن مـا روي مـن قـول رسول اللّه (ص ): [فاطمة حوراء آدمية (96) لم تحض ولم تـطـمـث ,وانـمـا سماها فاطمة لان اللّه فطمها ومحبيها عن النار]. اخرجه الخطيب البغدادي في تـاريـخه [12: 331] والمحب الطبري في [ذخائر العقبى [ ]ص 26] وقال : خرجه النسائي . فلولا انـهـاكـانت نطفتها متكونة من فواكه الجنة , لما كانت حوراء آدمية لا تحيض ولا تطمث . ولولاانها ولـدت بـعـد الـنـبـوة والوحي لما كانت تسميتها بامر من اللّه عزوجل كما سياتي ذلك في الاخبار الواردة .
ولنعطف الان قبل ان نذكر من تلك الاخبار والروايات ما قاله المدقق التاريخي الفاضل جعفر مرتضى العاملي في كتابه [الصحيح من سيرة النبي الاعظم [ ]1:269] الفصل الثالث [الاسراء والمعراج ].
وبعد بعثة النبي (ص ) وفي اثناء المرحلة السرية , التي استمرت ثلاث , او خمس سنوات ,كان على الارجح الاسراء والمعراج . الاسراء الى بيت المقدس , حسب نص القرآن الكريم . والمعراج من هناك الى السماء, الذي وردت به اخبار كثيرة .
وحـيـث ان الـتـفـاصيل الدقيقة لهاتين القضيتين , يصعب الجزم في كثير منها الا بعد البحث الطويل والـعـميق .. وذلك لان هذه القضية وجزئياتها قد تعرضت على مر الزمان للتلاعب والتزيد فيها, من قـبل الرواة والقصاصين , بل من قبل اعداء الاسلام بهدف تشويه هذاالدين , واظهاره على انه يحوي الاسـاطـير والخرافات . ولذا فنحن لا نستطيع في هذه العجالة ان نعطي تصورا دقيقا عنه ,.. ولذا فاننا نكتفي بالاشارة الى بعض الجوانب التي راينا ان من المناسب التعرض لها.... فنقول :
متى كان الاسراء والمعراج ؟ ان الـمـشـهور هو ان الاسراء والمعراج قد كان قبل الهجرة بمدة وجيزة . فبعضهم قال ستة اشهر, وبـعـضـهـم قـال فـي السنة الثانية عشرة للبعثة , او في الحادية عشرة او في العاشرة ...وقيل بعد الهجرة .
وفـي مـقابل ذلك نجد البعض يقول : انه كان في السنة الثانية من البعثة , وقيل في الخامسة ,وقيل في الثالثة , وهو الارجح عندنا, ولعل ابن عساكر يختار ما يقرب مما ذكرنا, حيث انه ذكر الاسراء في اول البعثة , كما ذكره عنه ابن كثير في تاريخه [البداية والنهاية ] [3: 108].
وقال مغلطاي بعد ان ذكر الاقوال : وقيل : كان بعد النبوة بخمسة اعوام , وقيل : بعام ونصف عام . وقال عياض : بعد مبعثه بخمسة عشر شهرا. سيرة مغلطاي [ص 27].
وقـال الـمـلا عـلـي الـقـاري : وذكر النووي : ان معظم السلف وجمهور المحدثين والفقهاء, على ان الاسراء والمعراج كان بعد البعثة بستة عشر شهرا. [شرح الشفاء] [1: 222].
وقـال ابـن شـهـر آشـوب فـي مـنـاقـبه [1: 43]: ثم فرضت الصلوات الخمس بعد اسرائه في السنة التاسعة من نبوته , ولكنه لم يبين لنا تاريخه بالتحديد.
وقـال الديار بكري في [تاريخ الخميس ] [1: 307]: فاما سنة الاسراء, فقال الزهري : كان ذلك بعد الـمـبـعث بخمس سنين , حكاه القاضي عياض ورجحه القرطبي , والنووي . وقيل بعد الهجرة بسنة [الخ ].
واما ما يدل على ان الاسراء قد كان في السنوات الاولى من البعثة , فلنذكر:
الاول : جميع ما تقدم ولا سيما ما ذكره النووي , والزهري , وابن شهر آشوب وغيرهم .
الثاني : ما روي عن ابن عباس , من ان ذلك كان بعد البعثة بسنتين .
الـثالث : وقد ورد عن الامام امير المؤمنين (ع ): ان الاسراء قد كان بعد ثلاث سنين من مبعثه . وهذا هو الاصح والمعتمد كما سيظهر مما يلي .
الـرابـع : ويـدل على ذلك بشكل قاطع ما روي عن ابن عباس , وسعد بن مالك , وسعد بن ابي وقاص , والامـام الـصادق (ع ) وعائشة : من انه (ص ) قال لعائشة , حينما عاتبته على كثرة تقبيله ابنته سيدة الـنـساء فاطمة (س ): [نعم يا عائشة , لما اسري بي الى السماءادخلني جبرئيل الجنة , فناولني منها تـفـاحة فاكلتها, فصارت نطفة في صلبي , فلما نزلت واقعت خديجة , ففاطمة من تلك النطفة , ففاطمة حوراء انسية , وكلما اشتقت الى الجنة قبلتها](97).
ومـعـلـوم مما سبق : ان فاطمة قد ولدت بعد البعثة بخمس سنين , فالاسراء والمعراج , كاناقبل ذلك بـاكثر من تسعة اشهر, ولعله قبل ذلك بسنتين , حتى اذن اللّه لتلك النطفة بالظهور, والاستقرار في موضعها.
الخامس : ان سورة الاسراء قد نزلت في اوائل البعثة , ويدل على ذلك :
ا - ما رواه البخاري وغيره , من ان قوله تعالى في سورة الاسراء: (ولا تجهر بصلاتك ولاتخافت بها): قد نزل بمكة , ورسول اللّه (ص ) مختف , كان اذا صلى باصحابه رفع صوته بالقرآن , فاذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن انزله ومن جاء به ..... الخ .
ب - مـا ذكـره الـبعض في مقال نشرته مجلة الوعي الاسلامي المغربية عدد [163ص 56] من ان سـورة الاسـراء قد نزلت بعد الحجر بثلاث سور, وسورة الحجر قد نزلت في المرحلة السرية , وفيها جاء قوله تعالى : (فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين )... الخ .
السادس : ان سورة النجم التي يذكرون انها تذكر المعراج في آياتها, قد نزلت هي الاخرى في اوائل البعثة , فانها قد نزلت بعد اثنتين او ثلاث وعشرين سورة , ونزل بعدها اربع وستون سورة في مكة .
وسـيـاتـي فـي قـصة الغرانيق المكذوبة او المحرفة , انهم يقولون : انها انمانزلت بعد الهجرة الى الحبشة بثلاثة اشهر, والهجرة الى الحبشة كانت في السنة الخامسة ....الخ .
مـلاحـظة : انه اذا تاكد لنا ان الاسراء والمعراج كان في السنة الثالثة من البعثة , اي قبل ان يسلم من الـمسلمين اربعون رجلا, ... فاننا نعرف ان الاسراء قد كان قبل اسلام ابي بكربمدة طويلة ,... لانه كما تقدم قد اسلم بعد اكثر من خمسين رجلا, بل انما اسلم حوالي السنة الخامسة من البعثة , اي بعد وقوع المواجهة بين قريش وبين النبي (ص ) فهو اول من اسلم بعد هذه المواجهة على الظاهر.
واذا كـان الاسـراء قـد حصل قبل اسلامه بمدة طويلة , فلا يبقى مجال لتصديق ما يذكر, من انه قد سمي صديقا حينما صدق رسول اللّه (ص ) في قضية الاسراء.
ولـنـعـد الان بعد ذكر تلكم الاقوال الى ما نحن بصدده من ذكر الاخبار الواردة في كتب القوم . منها كتاب [المناقب ] للحافظ ابن المغازلي الشافعي [ص 357 برقم406 ]. اخرج بالاسناد عن ابن عباس قـال : كـان رسـول اللّه (ص ) يـكثر القبل لفاطمة (س ) , فقالت له عائشة : يا نبي اللّه انك لتكثر قبل فـاطمة (س )؟ فقال النبي (ص ): [ان جبرئيل ليلة اسري بي ادخلني الجنة واطعمني من جميع ثمار الجنة , فصار ماء في صلبي , فواقعت خديجة , فحملت خديجة بفاطمة , فاذا اشتقت الى تلك الثمار قبلت فاطمة , فاصبت من رائحتها قصم الثمار التي اكلتها].
واخرج في [ص 359 برقم 407] مسندا عن سعد بن مالك قال : قال رسول اللّه (ص ): [ليلة اسري بـي اتاني جبرئيل (ع ) بسفرجلة من الجنة فاكلتها, فواقعت خديجة فعلقت بفاطمة ,فكنت اذا اشتقت الى رائحة الجنة , شممت رقبة فاطمة , فاجد رائحة الجنة ].
وروى الـذهـبـي فـي كتابه [ميزان الاعتدال ] [1: 541] من طريقين : عن ابن عباس , وعن عمر.
فـالاول عـن ابن عباس : كان النبي (ص ) يقبل فاطمة وقال : [ان جبرئيل ليلة اسري بي دخلت الجنة فاطعمني من جميع ثمارها, فصار ماء في صلبي , فحملت خديجة بفاطمة ,فاذا قبلتها اصبت من رائحة تلك الثمار].
والـحـديـث الثاني عن عمر مرفوعا: [اتاني جبرئيل ليلة اربع وعشرين من رمضان , ومعه طبق من رطب الجنة , فاكلت منه وواقعت خديجه فحملت بفاطمة ].
قال الذهبي : فاطمة ولدت قبل ان ينزل جبرئيل بسنوات .
وروى ايـضـا فـي ميزانه [2: 400]: مسندا من طريق عبداللّه بن جرير عن ابن عباس . وفي [2:
518] ايضا مسندا من طريق عبداللّه بن واقد عن عائشة .
الحديث الاول عن ابن عباس قال : لما ولدت فاطمة بنت النبي (ص ) سماها المنصورة ,فنزل جبرئيل فقال : اللّه يقرئك السلام ويقرى مولودك السلام . الحديث بطوله سياتي في ترجمة مجالد بن سعيد.
والـحـديـث من طريق عبداللّه بن واقد عن عائشة : ان النبي (ص ) كان كثيرا ما يقبل نحرفاطمة , فـقلت : يا رسول اللّه , اراك تفعل شيئا لم اكن اراك تفعله , قال (ص ): [او ما علمت يا حميراء, ان اللّه لـمـا اسرى بي الى السماء امر جبرئيل فادخلني الجنة , واوقفني على شجرة ما رايت رائحة اطيب مـنـها, ولا اطيب ثمرا, فاقبل جبرئيل يفرك ويطعمني , فخلق اللّه منها في صلبي نطفة , فلما صرت الـى الـدنـيا واقعت خديجة فحملت , واني كلما اشتقت الى رائحة تلك الشجرة شممت نحر فاطمة , فوجدت رائحة تلك الشجرة منها, وانها ليست من نساء اهل الدنيا ولا تعتل كما يعتل اهل الدنيا].
وروى ايـضـا فـي [ميزانه ] [3: 439] من طريق مجالد عن ابن عباس قال : لما ولدت فاطمة بنت رسـول اللّه (ص ) سـمـاهـا الـمنصورة , فنزل جبرئيل فقال : يا محمد: اللّه يقرئك السلام ,ويقرى مولودك السلام , وهو يقول : ما ولد مولود احب الي منها, وانها قد لقبها باسم خيرمما سميتها, سماها فـاطـمـة , لانـهـا تفطم شيعتها من النار. قال الذهبي , - كعادته فيما مر من الاحاديث - : هذا كذب صريح , لانها ولدت من قبل البعثة بخمس سنين او نحوها.
فهذا القول خلاف ما قد علمنا من البيانات الساطعة والبراهين القاطعة , من اقوال المحققين والمدققين فيما تقدم . واللّه الموفق للصواب والاعلم به .
وروى الـحـاكم في [المستدرك ] [3: 156]: بالاسناد الى سعد بن مالك قال : قال رسول اللّه (ص ):
[اتـانـي جـبـرئيل (ع ) بسفرجلة من الجنة فاكلتها ليلة اسري بي , فعلقت خديجة بفاطمة , فكنت اذ اشـتقت الى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة ]. وقال الحاكم : حديث غريب الاسناد والمتن , وشهاب بن حرب مجهول , والباقون من رواته ثقات .
وقـد ذكر السيد المرتضى الحسيني في كتابه النفيس [فضائل الخمسة [ ]3:123-124]: مارواه اعـلام الـقوم : بان نطفة السيدة المطهرة فاطمة الزهراء(س ) انعقدت من ثمار الجنة ,وانها حوراء انسية لم تحض ولم تطمث , منهم :
الامـام السيوطي في تفسيره [الدر المنثور] في ذيل تفسير قوله تعالى : (سبحان الذي اسرى بعبده لـيلا من المسجد الحرام ) قال : اخرج الطبراني عن عائشة قالت : قال رسول اللّه (ص ): [لما اسري بـي الـى الـسـماء ادخلت الجنة فوقفت على شجرة من اشجار الجنة لم ارفي الجنة احسن منها ولا ابـيـض ورقا ولا اطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمرتها, فاكلت فصارت نطفة في صلبي , فلما هبطت الى الارض واقعت خديجة فحملت بفاطمة رضي اللّه عنها فاذا انا اشتقت الى ريح الجنة شممت ريح فاطمة ].
وفـي [ذخـائر الـعـقـبـى ] [ص 36] روى الـطـبـري عـن ابن عباس قال : كان النبي (ص ) يكثر الـقبل لفاطمة (س ), فقالت له عائشة : انك تكثر تقبيل فاطمة , فقال (ص ): [ان جبرئيل ليلة اسري بي ادخـلـني الجنة فاطعمني من جميع ثمارها فصار ماء في صلبي فحملت خديجة بفاطمة , فاذا اشتقت لتلك الثمار قبلت فاطمة , فاصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي اكلتها]. قال : خرجه ابو الفضل بن خيرون .
وفـي [ذخـائر العقبى ] ايضا [ص 44] قال : روى الملا في سيرته ان النبي (ص ) قال : [اتاني جبريل بـتـفـاحـة مـن الجنة فاكلتها, وواقعت خديجة فحملت بفاطمة ]. فقالت : اني حملت حملا خفيفا فاذا خـرجـت حدثني الذي في بطني , فلما ارادت ان تضع بعثت الى نساءقريش لياتينها, فيلين منها ما يلي الـنـساء ممن تلد, فلم يفعلن وقلن : لاناتيك وقد صرت زوجة محمد, فبينما هي كذلك اذ دخل عليها اربـع نسوة , عليهن من الجمال والنور ما لايوصف . فقالت لها احداهن : انا امك حواء, وقالت الاخرى :
انا آسية بنت مزاحم , وقالت الاخرى : انا كلثم اخت موسى , وقالت الاخرى : انا مريم بنت عمران ام عـيـسـى , جئنا لنلي من امرك ما تلي النساء. فولدت فاطمة سلام اللّه عليها, فوقعت حين وقعت على الارض ساجدة رافعة اصبعها.