وفـي تفسير [الميزان ] [18: 108] قال السيد المؤلف : وفي [الاحتجاج ] عن امير المؤمنين (ع )في حـديـث طـويـل يقول فيه : واما قوله تعالى : (واسال من ارسلنا من قبلك من رسلنا)فهذا من براهين نـبـيـنـا(ص ) التي آتاه اللّه اياها, واوجب به الحجة على سائر خلقه , لانه ختم به الانبياء, وجعله رسـولا الـى جـميع الامم وسائر الملل , وخصه بالارتقاء الى السماءعند المعراج , وجمع له يومئذ الانبياء, فعلم منهم ما ارسلوا به , وحملوه من عزائم اللّه وآياته وبراهينه .
ثـم قـال : اقـول : وروى هذا المعنى القمي في تفسيره باسناده عن ابي الربيع عن ابي جعفر(ع )في جـواب ما ساله نافع بن الازرق . ورواه في [الدر المنثور] بطرق عن سعيد بن جبير, وابن جريج , وابن زيد.
اقـول : والـيـك مـا رواه الـسـيوطي في [الدر المنثور] [6: 19]: اخرج سعيد بن منصور, وعبد بـن حـميد, وابن جرير, وابن المنذر, عن سعيد بن جبير, في قوله : (واسال من ارسلنا من قبلك من رسلنا) قال : ليلة اسري به لقي الرسل .
واخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : (واسال من ارسلنا من قبلك من رسلنا) قال :بلغنا انه ليلة اسري به اري الانبياء, فاري آدم , فسلم عليه , واري مالكا خازن النار,واري الكذاب الدجال .
واخـرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : (واسال من ارسلنا من قبلك من رسلنا) قال :جمعوا له ليلة اسري به ببيت المقدس .
اقـول : فهذه الاخبار قد اتفقت مع ما مر من الروايات المذكورة , في كون الامر بالسؤال ليلة الاسراء حين جمعوا له النبيين , ولا تنسجم بطبع الحال مع من فسر بان المسؤول هم :مؤمنو اهل الكتاب , او رواية من قال اهل التوراة والانجيل . واللّه اعلم .
وفـي تـفـسـيـر [فـتـح القدير] للشوكاني في [4: 557 ط. بيروت - عالم الكتب ] في ذيل قوله تـعـالـى :(واسـال من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) قال الزهري , وسعيد بن جبير, وابن زيد: ان جبرئيل قال : ذلك للنبي (ص ) لما اسري به .فالمراد سؤال الانبياء في ذلك الوقت عند ملاقاتهم له .

المبحث الحادي والستون

ايضا في قوله تعالى : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) [ الضحى : 5 ].
قال الشوكاني في تفسيره [فتح القدير]: واخرج البيهقي في [شعب الايمان ] عن ابن عباس في قوله :
(ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قال : رضاه ان يدخل امته كلهم الجنة .
واخـرج ابن جرير الطبري في تفسيره عنه ايضا في الاية قال : من رضا محمد ان لا يدخل احد من اهل بيته النار. واخرج ابن المنذر, وابن مردويه , وابو نعيم في [الحلية ] من طريق حرب بن شريح قـال : لا يـرضـى مـحـمـد واحـد مـن امته في النار. ويدل على هذا ما اخرجه عن ابن عمرو: ان الـنـبـي (ص ) تـلا قـول اللّه فـي ابراهيم : (فمن تبعني فانه مني ) وقول عيسى :(ان تعذبهم فانهم عبادك ).
فـرفـع الـنـبي يديه وقال : اللهم امتي امتي وبكى . فقال اللّه : يا جبرئيل , اذهب الى محمد وقل له : انا سنرضيك في امتك ولا نسوؤك .
واخـرج ابـن المنذر, وابن مردويه , وابو نعيم , في [الحلية ] من طريق حرب قال : قلت لابي جعفر مـحمد بن علي بن الحسين [الباقر]: ارايت هذه الشفاعة التي يتحدث بها اهل العراق احق هي ؟ قال :
اي واللّه , حدثني محمد بن الحنفية عن علي : ان رسول اللّه (ص ) قال : اشفع لامتي حتى يناديني ربي :
ارضـيـت يـا مـحـمد؟ فاقول : نعم يا رب رضيت , ثم اقبل علي (ع )فقال : انكم تقولون يا معشر اهل العراق : ان ارجى آية في كتاب اللّه : (يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا)(136) قلت : انا لنقول ذلك , قال (ع ): لكنا اهل البيت نقول : ان ارجى آية في كتاب اللّه : (ولسوف يعطيك ربك فترضى )(137) وهي الشفاعة .
وفـي تـفـسـيـر ابـن كـثير [4: 558 - 559 ط. دار المعرفة ]: قال السدي عن ابن عباس : من رضـاءمحمد ان لا يدخل احد من اهل بيته النار. رواه ابن جرير, وابن ابي حاتم , وقال الحسن :يعني بذلك الشفاعة . وهكذا قال ابو جعفر الباقر(ع ).
وقـال ابـو بـكر بن ابي شيبة : حدثنا معاوية بن هشام , عن علي بن صالح , عن يزيد بن ابي زياد, عن ابـراهـيـم , عـن علقمة عن عبداللّه قال : قال رسول اللّه (ص ): انا اهل بيت , لناالاخرة على الدنيا, ولسوف يعطيك ربك فترضى .
وفـي تـفسير [مجمع البيان ] [9 - 10: 505 ط. مؤسسة التاريخ العربي - بيروت ] روى الحديث الانـف ذكره عن محمد ابن الحنفية . وعن الصادق (ع ) قال : دخل رسول اللّه (ص ) على فاطمة (س ) وعـلـيـهـا كساء من ثلة الابل , وهي تطحن بيدها وترضع ولدها, فدمعت عينارسول اللّه (ص ) لما ابـصـرهـا فقال : يا بنتاه , تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الاخرة , فقد انزل اللّه علي : (ولسوف يعطيك ربك فترضى ).
وقال زيد بن علي : ان من رضا رسول اللّه (ص ) ان يدخل اهل بيته الجنة .
وفـي تـفسير [الدر المنثور] للسيوطي في [6: 361] قال : اخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس في قوله : (ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قال : من رضا محمد ان لايدخل احد من اهل بيته النار.
وقد اردف فيه ايضا جميع ما ذكرناه في هذه السطور من الروايات في هذا المقام .
اقـول : وقـد يـؤيـد فـيـما يناسب ذكره في هذا المعنى من الاحاديث النبوية حول تفسير هذه الاية الـشـريـفة , ما اورده اساطين المحدثين في كتبهم المشهورة , السائرة الدائرة بين الامة ,وقد جمع الـبـعـض مـنـها عنهم العالم الفاضل , فرع الشجرة النبوية وزهرة الدوحة العلوية ,السيد الشريف مرتضى الحسيني الفيروزآبادي , في كتابه النفيس [فضائل الخمسة ] [2:64] منها:
مـا فـي [مـسـتدرك الصحيحين ] [3: 150] روى بسنده عن عمر بن سعيد الابح , عن سعيد بن ابي عـروبـة عـن قـتـادة عـن انس قال : قال رسول اللّه (ص ): وعدني ربي في اهل بيتي من اقرمنهم بـالـتـوحـيـد ولـي بالبلاغ ان لا يعذبهم . قال عمر بن سعيد الابح : ومات سعيد ابن ابي عروبة يوم الخميس , وكان حدث بهذا الحديث يوم الجمعة , مات بعده بسبعة ايام في المسجد. فقال قوم : لا جزاك اللّه خـيرا صاحب رفض وبلاء, وقال قوم : جزاك اللّه خيراصاحب سنة وجماعة , اديت ما سمعت .
[قال الحاكم ]: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه .
وفي [كنز العمال ] [6: 215] ولفظه : سالت ربي ان لا يدخل احدا من اهل بيتي النارفاعطانيها قال :
اخـرجـه ابـو القاسم بن بشران في اماليه . واخرجه المحب الطبري في [ذخائرالعقبى ] [ص 19].
وقال : اخرجه ابو سعيد, والملا في سيرته , والمناوي ايضا في [فيض القدير] [4: 77] في المتن , وذكـر في الشرح انه اخرجه ابو القاسم بن بشران في اماليه عن عمران بن حصين , وابو سعيد في [شـرف الـنبوة ]. والملا في سيرته . وهو عند الديلمي وولده بلا سند. قال : وهذا يوافق ما اخرجه ابن ابي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى :(ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قال : من رضا محمد(ص ) ان لا يدخل احد من اهل بيته النار.
وفـي [كنوز الحقائق ] للمناوي [ص 24] ولفظه : اللهم اليك لا الى النار انا واهل بيتي . قال :اخرجه الـطبراني . اقول : وذكره المتقي ايضا في [كنز العمال ] [6: 217]: وقال : اخرجه الطبراني عن ام سلمة . انتهي .
وفـي [الـصـواعـق ] عـد ابن حجر هذه الاية من الايات النازلة في اهل البيت , وذكرها في [الاية الـعاشرة ] [ص 95] وقال في ذيل الاية : نقل القرطبي عن ابن عباس انه قال : رضامحمد(ص ) ان لا يـدخـل احد من اهل بيته النار. وقال ابن حجر في [ص 158] من صواعقه :واخرج تمام , والبزار, والـطـبـراني , وابو نعيم انه (ص ) قال : فاطمة احصنت فرجها فحرم اللّه ذريتها على النار, [وفي رواية ]: فحرمها اللّه وذريتها عن النار.
وقال ايضا: واخرج الحافظ ابو القاسم الدمشقي انه (ص ) قال : يا فاطمة لم سميت فاطمة يا رسول اللّه ؟ قال : ان اللّه قد فطمها وذريتها من النار.
وقـال : اخـرج النسائي : ان ابنتي فاطمة حوراء آدمية , لم تحض ولم تطمث , انما سماها فاطمة لان اللّه فـطمها ومحبيها على النار. واخرج الطبراني بسند رجاله ثقات , انه (ص ) قال لها: ان اللّه غير معذبك ولا احد من ولدك .
وفـي [فـضـائل الـخـمـسـة ] [2: 66] قـال السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي : ونظيره ما رواه الـمـحـب الـطـبـري فـي [ذخـائر العقبى ] [ص 20] قال : وعن علي (ع ) قال : سمعت رسول اللّه (ص )يـقـول : الـلـهـم انـهـم عترة رسولك , فهب مسيئهم لمحسنهم وهبهم لي , قال : ففعل وهو فاعل ,قال : قلت : ما فعل ؟ قال : فعله بكم ويفعله بمن بعدكم . اخرجه الملا [يعني في سيرته ].

المبحث الثاني والستون

فـي قـوله تعالى : ( يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واءولي الامر منكم ) [ النساء:
59 ].
ان اقـوال العلماء والمفسرين في تفسير هذه الاية الكريمة غير متفقة , وآراؤهم في بيان ماتضمنته مـن الاشـارات متضاربة متفارقة . فمنهم من قال بان المراد باولي الامر هم العلماء,ومنهم من قال بان الـمـراد بـهم الامراء. ومنهم من قال بان المراد بهم الائمة الاثنا عشرالاوصياء من اهل بيت افضل الانـبـياء عليهم افضل الصلوات , وازكى التحيات . وكل حزب منهم يستدلون فيما قالوه بما ورد من الاحاديث عن المشرع الاعظم (ص ).
فـحجة من قال بان المراد بهم العلماء, فبما ورد من الاحاديث عن جابر بن عبداللّه وعن ابن عباس , وفـي روايـة عـن مجاهد, والحسن , وعطاء, وجماعة , كما ذكره الطبرسي وغيره من المفسرين .
وحـجة من قال بان المراد بهم الامراء, فبما ورد عن ابي هريرة , وابن عباس ايضا, وفي رواية عن ميمون بن مهران , والسدي , واختاره الجبائي والبلخي والطبري .
وامـا حجة من قال بان المراد بهم الائمة الاثنا عشر, فبما ورد عن زهرة الشجرة النبوية ,وثمرة الـدوحـة العلوية , الامام جعفر الصادق عليه وعلى آبائه السلام . من الاحاديث والاخبار, كما سيلي ذكرها فيما بعد.
وقـبـل ان نخوض في هذا البحر المتلاطمة امواجه , ارى من الخير لمن كان من امثالي التحررمن قـيـد العصبية المظلمة . ولكل باحث عن الحق , ان يستهدي بما ثبت من البينات المسطورة في طيات صحائف المتبحرين في هذا الفن , فيستضي ءبانوارها الى سبل السلام ,فاللّه ولي التوفيق , والهادي الى سواء الطريق .
قـال الـجـهـبـذ العلامة , والحبر الفهامة , السيد الشريف محمد حسين الطباطبائي في تفسيره القيم [الـمـيـزان ] [4: 416] في بعض ما تعلق بهذه الاية الشريفة : فالاية تدل على افتراض طاعة اولي الامـر هـؤلاء, ولـم تقيده بقيد ولا شرط, وليس في الايات القرآنية ما يقيدالاية في مدلولها, حتى يـعـود معنى قوله : (واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) الى مثل قولنا: واطيعوا اولي الامر منكم فـيما لم يامروا بالمعصية او لم تعلموا بخطئهم , فان امروكم بمعصية فلا طاعة عليكم , وان علمتم خطاهم فقوموهم بالرد الى الكتاب والسنة , فهذامعنى قوله : (واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ).
مـع ان اللّه سـبحانه ابان ما هو اوضح من هذا القيد, فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة ,كقوله في الـوالـدين : (ووصينا الانسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) الاية [العنكبوت : 8].
فـما باله لم يظهر شيئا من هذه القيود في آية تشتمل على اس اساس الدين , واليها تنتهي عامة اعراق السعادة الانسانية ؟ عـلـى ان الايـة جمع فيها بين الرسول واولي الامر, وذكر لهما معا طاعة واحدة , فقال :(واطيعوا الـرسول واولي الامر منكم ) ولا يجوز على الرسول ان يامر بمعصية , او يغلطفي حكم , فلو جاز شـي ء مـن ذلـك عـلى اولي الامر, لم يسع الا ان يذكر القيد الوارد عليهم ,فلا مناص من اخذ الاية مطلقة من غير اي تقييد.
ولازمه اعتبار العصمة في جانب اولي الامر, كما اعتبر في جانب رسول اللّه (ص ) من غيرفرق .
ثـم اتـى السيد المؤلف ببحثه الروائي من الاحاديث عن تفسير [البرهان ] عن ابن بابويه باسناده عن جـابـر بـن عـبداللّه الانصاري : لما انزل اللّه عزوجل على نبيه محمد(ص ): (ياايها الذين آمنوا اطـيـعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) قلت : يا رسول اللّه اولـو الامـر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك ؟ فقال (ص ): هم خلفائي يا جابر وائمة المسلمين من بـعـدي . اولـهـم عـلي بن ابي طالب , ثم الحسن , ثم الحسين ,ثم علي ابن الحسين , ثم محمد بن علي الـمعروف في التوراة بالباقر, ستدركه يا جابر, فاذالقيته فاقرئه مني السلام , ثم الصادق جعفر بن مـحـمـد, ثم موسى بن جعفر, ثم علي بن موسى , ثم محمد بن علي , ثم علي بن محمد, ثم الحسن بن عـلي , ثم سميي محمد وكنيي حجة اللّه في ارضه , وبقيته في عباده , ابن الحسن بن علي , ذاك الذي يـفتح اللّه تعالى ذكره على يديه مشارق الارض ومغاربها, ذاك الذي يغيب عن شيعته واوليائه , غيبة لا يثبت فيه على القول بامامته , الا من امتحن اللّه قلبه للايمان .
قال جابر: فقلت له يا رسول اللّه , فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فـقـال (ص ): اي والـذي بعثني بالنبوة . انهم يستضيئون بنوره , وينتفعون بولايته في غيبته ,كانتفاع الناس بالشمس وان تجلاها سحاب , يا جابر هذا من مكنون سر اللّه , ومخزون علم اللّه , فاكتمه الا عن اهله .
وقـال : اقـول : وفـي تفسير العياشي عن عمر بن سعيد عن ابي الحسن (ع ) مثله . وفيه : علي بن ابي طـالـب والاوصياء من بعده . وعن ابن شهر آشوب : سال الحسن بن صالح عن الصادق (ع ) ذلك , فقال :
الائمة من اهل البيت .
ثـم قـال : اقـول : وروى مـثله الصدوق عن ابي بصير عن الباقر(ع ) وفيه قال : الائمة من ولدعلي وفاطمة الى ان تقوم الساعة .
وفـي تـفـسير العياشي عن عبداللّه بن عجلان عن ابي جعفر(ع ) في قوله : (اطيعوا اللّه واطيعوا الـرسول واولي الامر منكم ) قال : هي في علي وفي الائمة , جعلهم اللّه مواضع الانبياء, غير انهم لا يحلون شيئا ولا يحرمونه .
وفـي [الكافي ] باسناده عن بريد بن معاوية قال : تلا ابو جعفر(ع ): (اطيعوا اللّه واطيعواالرسول واولـي الامـر مـنكم ): فان خفتم تنازعا في الامر فارجعوه الى اللّه والى الرسول والى اولي الامر منكم . - (الخ ) انتهى .
وفـي تـفـسـيـر [مـجـمـع الـبـيـان ] [3 - 4]: لـلـطبرسي , قال : واما اصحابنا فانهم رووا عن الـبـاقـروالـصـادق (ع ) ان اولـي الامـر, هـم الائمـة مـن آل محمد(ص ), اوجب اللّه طاعتهم بالاطلاق ,كما اوجب طاعته وطاعة رسوله , ولا يجوز ان يوجب اللّه طاعة احد على الاطلاق الا مـن ثـبـتت عصمته , وعلم ان باطنه كظاهره , وامن منه الغلط والامر بالقبيح , وليس ذلك بحاصل في الامـراء ولا الـعـلـماء سواهم , جل اللّه ان يامر بطاعة من يعصيه , او بالانقيادللمختلفين في القول والـفـعل , لانه محال ان يطاع المختلفون , كما انه محال ان يجتمع ما اختلفوافيه . ومما يدل على ذلك ايـضـا ان اللّه تـعالى لم يقرن طاعة اولي الامر بطاعة رسوله , كما قرن طاعة رسوله بطاعته الا واولـو الامـر فـوق الخلق جميعا, كما ان الرسول فوق اولي الامروفوق سائر الخلق , وهذه صفة ائمـة الـهـدى مـن آل مـحـمـد(ص ) الذين ثبتت امامتهم وعصمتهم واتفقت الامة على علو رتبتهم وعدالتهم .
(فـان تنازعتم في شي ء فردوه الى اللّه والرسول ) معناه : فان اختلفتم في شي ء من اموردينكم , فرد وا التنازع فيه الى كتاب اللّه وسنة رسوله , وهذا قول مجاهد وقتادة والسدي .
ونحن نقول : الرد الى الائمة القائمين مقام الرسول بعد وفاته , وهو مثل الرد الى الرسول في حياته , لانهم الحافظون لشريعته , وخلفاؤه في امته , فجروا مجراه فيه .... (الخ ). انتهى .
وفـي [الينابيع ] للقندوزي الحنفي قال في الباب السابع والسبعين [ص 444] في تحقيق حديث :بعدي اثـنـا عـشـر خليفة : وفي [جمع الفوائد] جابر بن سمرة رفعه : لا يزال هذا الدين قائماحتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة , كلهم تجتمع عليه الامة , فسمعت كلاما من النبي (ص ) لم افهمه , فقلت لابي :
ما يقول ؟ قال : كلهم من قريش . للشيخين , والترمذي ,وابي داود بلفظه .
وذكر يحيى بن الحسن في كتابه [العمدة ] من عشرين طريقا في ان الخلفاء بعد النبي (ص )اثنا عشر خـلـيفة كلهم من قريش . في البخاري من ثلاثة طرق , وفي مسلم من تسعة طرق ,وفي ابي داود من ثلاثة طرق , وفي الترمذي من طريق واحد, وفي الحميدي من ثلاثة طرق .
وفي [البخاري ] عن جابر رفعه : يكون بعدي اثنا عشر اميرا, فقال كلمة لم اسمعها, فسالت ابي : ماذا قال ؟ قال : قال : كلهم من قريش .
وفـي صـحـيح مسلم عن عامر بن سعد: كتبت الى ابن سمرة : اخبرني بشي ء سمعته من النبي (ص ) فكتب الي : سمعت رسول اللّه (ص ) يوم الجمعة , عشية رجم الاسلمي يقول : لايزال الدين قائما حتى تقوم الساعة , ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش .
وفـي المودة العاشرة من كتاب [مودة القربى ] للسيد علي الهمداني قدس اللّه سره , وافاض علينا من بـركـاتـه وفتوحه : عن عبد الملك بن عمير, عن جابر بن سمرة قال : كنت مع ابي عند النبي (ص ) فـسـمعته يقول : بعدي اثنا عشر خليفة , ثم اخفى صوته , فقلت لابي : ماالذي اخفى صوته ؟ قال : قال :
كلهم من بني هاشم . وعن سماك بن حرب مثل ذلك .
وعن الشعبي عن مسروق قال : بينا نحن عند ابن مسعود نعرض مصاحفنا عليه اذ قال له فتى : هل عهد الـيكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة ؟ قال : انك لحديث السن , وان هذاشي ء ما سالني عنه احد قبلك , نعم , عهد الينا نبينا(ص ) انه يكون بعده اثنا عشر خليفة ,بعدد نقباء بني اسرائيل .
وعـن عباية بن ربعي عن جابر قال : قال رسول اللّه (ص ): انا سيد النبيين , وعلي سيدالوصيين وان اوصيائي بعدي اثنا عشر, اولهم علي وآخرهم القائم المهدي .
وعـن عـلي كرم اللّه وجهه قال : قال رسول اللّه (ص ): لا تذهب الدنيا حتى يقوم بامتي رجل من ولد الحسين , يملا الارض عدلا كما ملئت ظلما.
وعـن سـلـيم بن قيس الهلالي , عن سلمان الفارسي (رض ) قال : دخلت على النبي (ص ) فاذاالحسين عـلى فخذيه , وهو يقبل خديه ويلثم فاه , ويقول : انت سيد ابن سيد, اخو سيد,وانت امام ابن امام اخو امـام , وانـت حـجـة ابـن حجة اخو حجة , ابو حجج تسعة تاسعهم قائمهم المهدي . واخرجه ايضا:
الحموئي , وموفق بن احمد الخوارزمي .
وعـن ابن عباس (رض ) قال : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : انا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون . واخرجه ايضا الحموئي .
وعـن عـلـي (ع ) قـال : قـال رسول اللّه (ص ): من احب ان يركب سفينة النجاة , ويستمسك بالعروة الـوثـقى , ويعتصم بحبل اللّه المتين , فليوال عليا, وليعاد عدوه , ولياتم بالائمة الهداة من ولده , فانهم خلفائي واوصيائي , وحجج اللّه على خلقه من بعدي , وسادات امتي وقواد الاتقياء الى الجنة , حزبهم حزبي وحزبي حزب اللّه , وحزب اعدائهم حزب الشيطان .
وعـن ابـن عـباس قال : قال رسول اللّه (ص ): ان اللّه فتح هذا الدين بعلي , واذا قتل فسدالدين , ولا يصلحه الا المهدي .
وعـن عـلـي (ع ) قـال : قـال رسـول اللّه (ص ): الائمـة مـن ولـدي , فمن اطاعهم فقد اطاع اللّه , ومن عصاهم فقد عصى اللّه , هم العروة الوثقى , والوسيلة الى اللّه جل وعلا.
قـال الـقندوزي : قال بعض المحققين : ان الاحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده (ص ) اثناعشر, قد اشـتهرت من طرق كثيرة , فبشرح الزمان , وتعريف الكون والمكان , علم ان مراد رسول اللّه (ص ) مـن حـديـثـه هـذا الائمة الاثنا عشر من اهل بيته وعترته , اذ لا يمكن ان يحمل هذا الحديث على الـخـلفاء بعده من اصحابه , لقلتهم عن اثني عشر, ولا يمكن ان يحمله على الملوك الاموية , لزيادتهم عـلـى اثـنـي عـشـر, ولـظـلمهم الفاحش الا عمر بن عبدالعزيز, ولكونهم غير بني هاشم , لان النبي (ص ) قال : كلهم من بني هاشم , في رواية عبدالملك عن جابر, واخفاء صوته (ص ).
في هذا القول ترجح هذه الرواية , لانهم لا يحسنون خلافة بني هاشم .
ولا يـمكن ان يحمله على الملوك العباسية , لزيادتهم على العدد المذكور, ولقلة رعايتهم الاية : (قل لا اءسـالـكـم عـليه اءجرا الا المودة في القربى )(138) وحديث الكساء, فلا بد من ان يحمل هذا الحديث على الائمة الاثني عشر من اهل بيته وعترته (ص ), لانهم كانوا اعلم اهل زمانهم , واجلهم واورعهم واتقاهم واعلاهم نسبا وافضلهم حسبا, واكرمهم عنداللّه .
وكـان علمهم عن آبائهم متصلا بجدهم (ص ) وبالوراثة واللدنية , كذا عرفهم اهل العلم والتحقيق , واهل الكشف والتوفيق .
ويـؤيـد هذا المعنى , اي ان مراد النبي (ص ) الائمة الاثنا عشر من اهل بيته , ويشهد له ويرجحه :
حـديـث الـثقلين والاحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب وغيرها. واماقوله (ص ) في رواية جابر بن سمرة , فمراده (ص ) ان الامة تجتمع على الاقرار بامامة كلهم وقت ظهور قائمهم المهدي , رضي اللّه عنهم .
وفـي نهج البلاغة من خطبة علي (ع ): [اين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذباوبغيا عـلـيـنا؟ ان رفعنا اللّه ووضعهم , واعطانا وحرمهم , وادخلنا واخرجهم , بنا يستعطى الهدى , وبنا يستجلى العمى ](139). وقال : وانه سياتي عليكم من بعدي زمان , ليس فيه شي ءاخفى من الحق , ولا اظهر من الباطل , ولا اكثر من الكذب على اللّه ورسوله , وليس عنداهل ذلك الزمان سلعة ابور من الـكـتـاب اذا تـلـي حـق تلاوته , ولا انفق منه اذا حرف عن مواضعه , ولا في البلاد شي ء انكر من الـمـعـروف ولا اعرف من المنكر. واعلموا انكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه , ولن تـاخـذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه , ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه , فالتمسوا ذلـك من عند اهله , فانهم عيش العلم , وموت الجهل , هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم , وصمتهم عـن مـنـطـقـهـم ,وظـاهـرهـم عن باطنهم , لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه , فهو بينهم شاهد صادق ,وصامت ناطق (140).
وفـي الباب الثامن والسبعين [ص 448] اورد ما رواه الشيخ محمد بن ابراهيم الجويني الخراساني الـحـمـوئي , الـمحدث الفقيه الشافعي : عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال : قال رسول اللّه (ص ): ان عليا وصيي , ومن ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملاالا رض قسطا وعدلا, كـمـا ملئت جورا وظلما, والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا, ان الثابتين على القول بامامته في زمان غـيبته , لاعز من الكبريت الاحمر. فقام اليه جابر بن عبداللّه فقال : يا رسول اللّه غـيـبة ؟ قال : اي وربي , ليمحص الذين آمنواويمحق الكافرين , ثم قال : يا جابر ان هذا امر من امر اللّه , وسر من سر اللّه , فاياك والشك ,فان الشك في امر اللّه عزوجل كفر.
وذكـر الـسـيـد مـرتـضـى الـحـسيني الفيروز آبادي في كتابه [فضائل الخمسة ] [2: 23] ما اخـرجـه بعض ائمه المحدثين في كتبهم , كالبخاري ومسلم , وقد مضت بعض رواياتهم فيما مضى , وامـاروايـة غـيرهما فسنذكرها فيما يلي , فمنهم : الترمذي في صحيحه [2: 35] روى بسندين عـن جـابـر بن سمرة قال : قال رسول اللّه (ص ): يكون بعدي اثنا عشر اميرا, قال : ثم تكلم بشي ء لم افهمه , فسالت الذي يليني , فقال : قال : كلهم من قريش .
الـحـاكـم فـي [المستدرك [ ]4: 501] روى بسنده عن مسروق قال : كنا جلوسا ليلة عندعبداللّه يقرئنا القرآن , فساله رجل فقال : يا ابا عبد الرحمن من خليفة ؟ فقال عبداللّه : ما سالني عن هذه احد منذ قدمت العراق قبلك ,قال : سالناه , فقال : اثنا عشر, عدة نقباء بني اسرائيل .
[قال الفيروزآبادي ]: ورواه ايضا: احمد بن حنبل في مسنده : بطريقين في [1:ص 389وص 406] وذكره الهيثمي ايضا في [مجمع الزوائد] [5: 190] وقال : رواه احمد وابويعلى , والبزار. وذكره الـمـتـقـي ايـضا في [كنز العمال ] [3: 205] ولفظه : ان عدة الخلفاء بعدي عدة نقباء موسى , وقال :
اخرجه : ابن عدي وابن عساكر عن ابن مسعود, وفي [6: 201]ايضا, وقال : اخرجه الطبراني عن ابن مسعود وفي [ص 201] ايضا, وقال : اخرجه نعيم بن حماد في [الفتن ] عن ابن مسعود.
وذكـره المناوي في [الفيض القدير] في الشرح [2: 458] وقال : اخرجه ابن عدي , وابن عساكر في التاريخ , عن ابن مسعود.
احـمـد بن حنبل في مسنده [5: 86] روى بسند عن جابر بن سمرة فقال : قال رسول اللّه (ص ):لا يزال الدين قائما حتى يكون اثنا عشر خليفة من قريش (الحديث ).
وفـي مسند الامام احمد بن حنبل ايضا [5: 92] روى بسنده عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول اللّه (ص ) او قال : قال رسول اللّه (ص ) : يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش .
وروى فـي [5: 106] بسنده عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي (ص ) يقول : يكون لهذه الامة اثنا عشر خليفة .
وفـي [كـنز العمال ] للمتقي [6: 201] ولفظه : يكون لهذه الامة اثنا عشر خليفة قيما لا يضرهم من خذلهم , كلهم من قريش , قال : اخرجه الطبراني عن جابر بن سمرة .
قال المؤلف : وذكره الهيثمي ايضا في مجمعه [5: 191] وقال : لا يضرهم عداوة من عاداهم .فالتفت خلفي فاذا بعمر بن الخطاب في اناس , فاثبتوا لي الحديث كما سمعت . انتهى .
والى ذلك اشار سيدي وقدوتي الحبيب العارف باللّه عبداللّه الحداد في قصيدة له :
ومنا امام حان حين خروجه ----- يقوم بامر اللّه خير قيام فيملاها بالحق والعدل والهدى ----- كما ملئت جورا بظلم طغام اذا قام قمنا والموفق ربنا ----- بنصرته ان راث حين حمام والا فنرجو ان يقوم بنصره ----- فروع من البيت المصون نوامي وللّه منا الحمد والشكر والثنا ----- على نعم مشكورة بدوام ونسال مولانا تبارك اسمه ----- ثباتا وتاييدا وحسن ختام وتمت وصلى اللّه ازكى صلاته ----- على احمد ما انهل ودق غمام وما غردت ورق على غصن دوحة ----- وما لاح برق النجد جنح ظلام وآل واصحاب ومن كان تابعا ----- على البر والتقوى وحفظ ذمام وقـال رضي اللّه عنه ورضي به عنا في الدارين في كتابه [تثبيت الفؤاد] [1: 34]: اخبر رجل عن ابـيـه انـه قـال : اذا مات فلان سيدنا, بقي الناس يضرب جباههم بعضها بعضا. فقلنا: لا,ان شاء اللّه , ولـيـس هـذا الظن باللّه , بل الظن انه اذا راح واحد خلفه بدل منه قدم على قدم ,الى خروج المهدي ونزول عيسى .
قـال الحساوي : وفي ذلك رائحة من معنى قوله (رض ): عندنا امانة لا يحملها الاالمهدي ,وقال مرة :
اخـذنـا مـن الكتاب والسنة ما لا يحمله الا المهدي , وقال مرة : عندنا من الشيخ ‌عبداللّه بن ابي بكر [يعني العيدروس ] امانة لا يحملها الا المهدي .
وقـد ذكـر ابن حجر الائمة الاثني عشر باسمائهم وصفاتهم ومالهم من الفضائل والمكرمات واحدا بعد واحد في كتابه [الصواعق ](141).
ونـقـل الـسـيد امير محمد الكاظمي القزويني في كتابه [نقض الصواعق ] [ص 278] ما قاله قطب العارفين , وشيخ المؤرخين , البحاثة عند اعلام السنة , صاحب الفتوحات المكية ,ابن عربي في الباب [366 - ص 128] مـن الـيـواقـيت والجواهر, للعارف عبد الوهاب الشعراني في المبحث 65 من النسخة المطبوعة سنة 317 هجرية : [ان الائمة من اهل البيت النبوي اثنا عشر اماما, وان آخرهم الـمهدي , وهو حي موجود. وقد اجتمع معه الكثير من علماء السنة , وسوف يخرج في آخر الزمان , يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلماوجورا](142).
قـال فـي ذلـك الـكتاب ما لفظه : واعلموا انه لا بد من خروج المهدي (ع ) لكن لا يخرج حتى تمتلى الارض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا. ولو لم يكن من الدنيا الايوم واحدلطول اللّه ذلك اليوم , حتى يلي ذلك الخليفة , وهو من عترة رسول اللّه (ص ) من ولدفاطمة (س ) جده الحسين بن علي بن ابـي طالب , ووالده الحسن العسكري ابن الامام علي النقي [بالنون ] ابن الامام محمد التقي [بالتاء] ابن الامام علي الرضا, ابن الامام موسى الكاظم , ابن الامام جعفر الصادق , ابن الامام محمد الباقر, ابن زين الـعـابـديـن عـلي , ابن الامام الحسين ابن الامام علي بن ابي طالب , يواطى اسمه اسم الرسول (ص ) يبايعه المسلمون بين الركن والمقام . انتهى .
وهـذا يـتـفق مع ما اخرجه البخاري في صحيحه [4: 154]: في باب [الامراء من قريش ] في اول كتاب الاحكام . ومسلم في الباب نفسه , وغيرهما من اهل الصحاح . كما مر عن النبي (ص ): [لا يزال هذا الامر في قريش ما بقي منهم اثنان ] وفي بعض الرواية : من بني هاشم كما في [ينابيع المودة ].

المبحث الثالث والستون

في قوله تعالى : ( والعاديات ضبحا ) [ العاديات : 1 ] .
قـد جـاء فيما نقله بعض المفسرين في تفاسيرهم بان هذه الاية الشريفة قد نزلت في اميرالمؤمنين عـلـي (ع ), وذلـك حين بعثه النبي (ص ) في سرية من السرايا, وكان (ص ) قد بعث قبله رجالا بعد رجال عدة مرات وانهزموا ورجعوا خائبين . وقتل من المسلمين عددكبير كما روى ذلك :
الـطبرسي في تفسيره [مجمع البيان ] [5: 675 ط. بيروت - مؤسسة التاريخ العربي ]: قال : قيل :
بـعـث رسـول اللّه (ص ) سـرية الى حي من كنانة , فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الانصاري احد الـنـقباء, فتاخر رجوعهم , فقال المنافقون : قتلوا جميعا, فاخبر اللّه عنها بقوله :(والعاديات ضبحا) عن مقاتل , وقيل .نزلت السورة لما بعث النبي (ص ) عليا(ع ) الى ذات السلاسل فاوقع بهم , وذلك بعد ان بعث عليهم مرارا غيره من الصحابة فرجع كل منهم الى رسول اللّه (ص ). وهو المروي عن ابي عـبداللّه (ع ) في حديث طويل . قال : وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لانه اسر منهم وقتل وسبي وشد اسراهم في الحبال مكتفين كانهم في السلاسل .
ولـمـا نـزلـت السورة , خرج رسول اللّه (ص ) الى الناس فصلى بهم الغداة , وقرا فيها:(والعاديات ضبحا). فلما فرغ من صلاته قال اصحابه : هذه سورة لم نعرفها, فقال رسول اللّه (ص ): نعم , ان عليا ظـفـر بـاعـداء اللّه , وبـشـرنـي بذلك جبرئيل (ع ) في هذه الليلة , فقدم علي (ع ) بعد ايام بالغنائم والاسارى .
وفـي تـفـسـير الميزان [20: 491 ط. دار الكتب الاسلامية ] ذكر في بحثه الروائي ما نقله عن مـجـمـع البيان باللفظ المذكور. وذكر ابن شهر آشوب في مناقبه [3: 140]: في فصل [فيما ظهر مـنـه (ع )فـي غـزاة الـسلاسل ] قال : قال ابو القاسم بن شبل الوكيل , وابو الفتح الحفار باسنادهما عـن الـصـادق (ع ) ومقاتل , والزجاج , ووكيع , والثوري , والسدي , وابو صالح , وابن عباس : انه انفذ رسـول اللّه (ص ) ابـا بكر في سبعمئة رجل , فلما صار الى الوادي واراد الانحدارفخرجوا اليه , فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا, فلما قدموا على النبي (ص ) بعث عمر فرجع منهزما, فقال عـمـرو بـن العاص : ابعثني يا رسول اللّه فان الحرب خدعة , ولعلي اخدعهم , فبعثه فرجع منهزما, [وفي رواية ] انه انفذ خالدا فعاد كذلك , فساء النبي ذلك فدعا عليا وقال : ارسلته كرارا غير فرار, فشيعه الى مسجد الاحزاب , فسار بالقوم متنكبا عن الطريق , يسير بالليل ويكمن بالنهار, ثم اخذ علي محجة غامضة , فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه , ثم امرهم ان يعكموا الخيل واوقفهم في مكان .
وقـال لاتبرحوا, وانتبذ امامهم واقام ناحية منهم , فقال خالد, وفي رواية قال عمر: انزلنا هذاالغلام فـي واد كـثـيـر الـحيات والهوام والسباع , اما سبع ياكلنا او ياكل دوابنا, واما حيات تعقرنا وتعقر دوابنا, واما يعلم بنا عدونا فياتينا ويقتلنا, فكلموه نعلو الوادي .
فـكـلـمـه ابـو بكر فلم يجبه , فكلمه عمر فلم يجبه , فقال عمرو بن العاص : انه لا ينبغي ان نضيع انفسنا, انطلقوا بنا نعلو الوادي , فابى ذلك المسلمون .
ومـن روايـات اهل البيت (ع ): انه ابت الارض ان تحملهم , قالوا فلما احس (ع ) الفجر قال :اركبوا بارك اللّه فيكم وطلع الجبل حتى اذا انحدر على القوم واشرف عليهم قال لهم :اتركوا عكمة دوابكم قـال : فـشـمت الخيل ريح الاناث فصهلت فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين . وفي رواية مقاتل والـزجاج : انه كبس القوم وهم غادون , فقال : يا هؤلاء مـحـمد رسول اللّه , والا ضربتكم بالسيف , فقالوا:انصرف عنا كما انصرف ثلاثة , فانك لا تقاومنا, فقال (ع ): انني لا انصرف , انا علي بن ابي طالب , فاضطربوا, وخرج اليه الاشداء السبعة , وناصحوه وطـلـبـوا الـصـلح , فقال (ع ): اماالاسلام واما المقاومة . فبرز اليه واحد بعد واحد, وكان اشدهم آخرهم , وهو سعد بن مالك العجلي , وهو صاحب الحصن , فقتلهم فانهزموا, ودخل بعضهم في الحصن وبعضهم استامنوا وبعضهم اسلموا, واتوه بمفاتيح الخزائن .
قـالـت ام سلمة : انتبه النبي (ص ) من القيلولة , فقلت : اللّه جارك مالك ؟ فقال : اخبرني جبرئيل بالفتح , ونزلت : (والعاديات ضبحا) فبشر النبي (ص ) اصحابه بذلك , وامرهم باستقباله والنبي (ص ) تقدمهم , فلما رآى علي النبي (ص ) ترجل عن فرسه فقال النبي (ص ): اركب فان اللّه ورسوله عنك راضيان , فـبكى علي (ع ) فرحا, فقال النبي (ص ):يا علي لولا اني اشفق ان تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في المسيح , .....[الخبر]. انتهى .
وقـد اخرج ابن المغازلي هذا الخبر ايضا, غير انه قال بان قول النبي (ص ) لعلي لما قدم بفتح خيبر.
روى ذلك في [المناقب ] [ص 237 برقم 285] مسندا. قال : اخبرنا ابو الحسن علي بن عبيد اللّه بن الـقصاب البيع (ره ), حدثنا ابو بكر محمد بن احمد بن يعقوب المفيد الجرجرائي ,حدثنا ابو الحسن علي بن سليمان بن يحيى , حدثنا عبد الكريم بن علي , حدثنا جعفر بن محمد بن ربيعة البجلي , حدثنا الـحـسن بن الحسين العرني , حدثنا كادح بن جعفر, عن عبداللّه بن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد, عن مسلم بن يسار, عن جابر بن عبداللّه قال :لما قدم علي بن ابي طالب بفتح خيبر قال له النبي (ص ):
يا علي لولا ان تقول طائفة من امتي , فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالا, لا تمر بـمـلا مـن الـمـسلمين الا اخذوا التراب من تحت رجليك , وفضل طهورك , يستشفعون بهما, ولكن حـسـبـك ان تـكـون مـنـي وانا منك , ترثني وارثك وانت مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي , وانت تبرى ذمتي , وتستر عورتي , وتقاتل على سنتي , وانت غدا في الاخرة اقرب الخلق مـنـي , وانت على الحوض خليفتي , وان شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي , اشفع لهم ويـكـونون في الجنة جيراني , وان حربك حربي وسلمك سلمي ,وسريرتك سريرتي , وعلانيتك عـلانـيتي وان ولدك ولدي , وانت تقضي ديني وانت تنجزوعدي , وان الحق على لسانك وفي قلبك ومـعـك وبين يديك ونصب عينيك , الايمان مخالطلحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي , لا يرد علي الـحـوض مبغض لك , ولا يغيب عنه محب لك . فخر علي (ع ) ساجدا وقال : الحمد للّه الذي من علي بالاسلام , وعلمني القرآن ,وحببني الى خير البرية , واعز الخليقة , واكرم اهل السماوات والارض عـلى ربه , وخاتم النبيين وسيد المرسلين وصفوة اللّه في جميع العالمين . احسانا من اللّه العلي الي , وتفضلا منه علي .
فقال له النبي (ص ): لولا انت يا علي ما عرف المؤمنون بعدي . لقد جعل اللّه جل وعز نسل كل نبي من صلبه , وجعل نسلي من صلبك , يا علي فانت اعز الخلق واكرمهم علي واعزهم عندي , ومحبك اكرم من يرد علي من امتي .
قـال الـفـاضل محمد باقر البهبودي في تعليقه على الكتاب : اخرجه ابن حاتم في [علل الحديث ] [1:
313] والـكـراجكي في [كنز الفوائد] [ص 281]. والخوارزمي في [مقتل الحسين ]وفي المناقب [ص 245 و ص 77]. والـكـنـجـي الـشـافعي في [كفاية الطالب ] [ص 263] والهيثمي في [مجمع الـزوائد] [9: 131] وابن ابي الحديد المعتزلي في [شرح النهج ] [2: 339] وقال : ذكره احمد بن حنبل في مسنده . انتهى .
وذكـر الامـام الـمظفر في [دلائل الصدق ] [2: 156] عن الحلي في قوله تعالى : (والعاديات )قال :
اقـسـم اللّه تـعـالى بخيل جهاده في غزوة السلسلة لما جاء جماعة من العرب واجتمعواعلى وادي الـرمـلـة لـيبيتوا النبي (ص ) بالمدينة , فقال النبي لاصحابه : من لهؤلاء؟ فقام جماعة من اهل الصفة فقالوا: نحن , فول علينا من شئت , فاقرع بينهم فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم .
فامر ابا بكر باخذ اللواء, والمضي الى بني سليم وهم ببطن الوادي , فهزموهم وقتلوا جمعاكثيرا من الـمـسـلـمين وانهزم ابو بكر. وعقد لعمر وبعثه فهزموه , فساء النبي (ص ) فقال عمروبن العاص :
ابـعـثـنـي يا رسول اللّه , فانفذه , فهزموهم وقتلوا جماعة من اصحابه , وبقي النبي (ص ) اياما يدعو عليهم .