[ تأخير النبي أبا بكر عن إمامة الصلاة ]
ثم قلنا لهم : أخبرونا عن تأخير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابي بكر
؟ هل تأخيره يخلو عندكم من أحد وجهين : إما أن يكون الله أمره بتأخيره عن ذلك
المقام ، بوحي أنزل عليه في تلك الساعة ، فأزعجه ذلك ، وأخرجه مع شدة الحال والعلة
وضعفه الذي كان فيه ! ؟ أو يكون رأيا رآه رسول الله صلى الله عليه وآله في أبي بكر
حين أخبر بتوليته الصلاة ، فأخره : لعلمه أنه لا يصلح لذلك المقام ! فيا لها من
فضيحة على أبي بكر ، وعلى من قال بهذه المقالة بتأخير رسول الله صلى الله عليه وآله
له عن ذلك المقام ! على أي الوجهين كان ؟ ؟ ! ! .
فكيف يجوز عندكم أن يؤخره رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصلاة ؟
وتقدمونه - أنتم - للامامة ؟ ؟ .
[ 26 ]
والامامة تجمع الصلاة وغيرها من شرائع الاسلام ؟ ؟ والامامة ملاك (8) دين رب
العالمين ؟ ! والحجة لله ولرسوله على جميع المسلمين ؟ !
[ الصلاة والخلافة ]
وقد قدم عمر صهيبا ، فصلى بالناس ثلاثة أيام .
فلو (9) كانت الصلاة حجة - توجب لابي بكر الامامة - فلم يصل أبو بكر إلا
صلاة واحدة ! وصهيب صلى بالناس خمس عشرة صلاة ، فيجب على قياسكم أن يكون صهيب أولى
لامامة من الستة الذين جعلها عمر شورى بينهم؟؟!! فنسأل الله التوفيق والهدى ، ونعوذ
به من الضلالة والعمى .
[ تصرفات أبي بكر المخالفة للكتاب والسنة ]
وقد وجدنا أبا بكر قد أقام نفسه مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأقامة من أقامه من هذه الفرق ذلك المقام ، مستيقنين منه - زعموا - بالصلاح والرشاد
والقيام بما في كتاب الله ومحكم تنزيله من فرائضه والترجمة عنه ، والقيام بالقسط في
عباده وبلاده ، وإمضاء سنن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والاقتداء بفعله ! ؟
(8) في المخطوطة زيادة : (قوام) وهي تفسير لكلمة : ملاك .
(9) وفي نسخة : فلو كانت الصلاة تمت لابي بكر لكانت صلاة واحدة ، و صهيب صلى
بالناس خمس عشرة صلاة ؟ ؟ ! ! .
[ 27 ]
فكان أول ما نقض أبو بكر ما أسند إليه : ما فعل بمحمد وأهل بيته صلى الله
عليه وآله وسلم ، بعد شهادته وشهادة من أقامه ذلك المقام لرسول الله صلى الله عليه
وآله بالاجماع والاداء لما حمله الله إليهم وأنه عليه الصلاة والسلام من خيرهم نفسا
وحسبا ونسبا ، وأن ما جاء به عن الله حق وصدق لا يحل لاحد من المسلمين أن يحكم بغير
ما في كتاب الله عزوجل ، ولا بغير ما صح من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
.
فمن تعدي ذلك إلى غيره ، فمخطئ جاهل ضال ، ومن تركه - وهو يعلم أن الحق
العمل به مستخفا به مطروحا عنده - فكافرون ملعون .
[ حكم أبي بكر في الميراث بغير ما أنزل الله ]
فكان من أبي بكر أن اطرح ما في كتاب الله ، وحكم بغيره ، لان الله عزوجل
يقول : * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) * إلى قوله سبحانه : *
(وإن كانت واحدة فلها النصف ...) * [ 11 / النساء : 4 ] آية جامعة ، لم يخرج منها
نبيا ولا غيره .
فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنا معاشر
الانبياء لا نورث ، ما تركناه فهو صدقة .
فكان رسول الله صلى الله عليه وآله : أول من قصد بالاذى في نفسه وأقاربه !
.
[ 28 ]
وأول من شهد عليه بالزور ! ! .
وأول من اخذ ماله ! ! ! وأول من روع أهله واستخف بحقهم .
فروعوا وأوذوا ! ! وهم يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
من روع مسلما فقد برئت منه ، وخرج من ربقة الاسلام .
وقال الله فيهم : * (. . . قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى . . .) * [ 23 / الشورى : 42 ] وقد فعل بفاطمة عليها السلام ما ذكرنا في كتابنا
هذا ، ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول : فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها
ويؤذيها ما يؤذيني .
وآذوها أشد الاذي ، ولم يلتفت فيها ولا في أقاربه إلى شئ مما ذكرنا .
فكانت حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله أول حرمة انتهكت بعده في الاسلام
.
وكان أول مشهود شهد عليه بالزور !
[ أبو بكر يرفض حكم القرآن ]
وكان ماله
أول مال أخذ غصبا من ورثته بالدعوى التي ذكرها أبو بكر ! .
والله عزوجل يقول غير ذلك ، قال الله سبحانه : * (وورث سليمان داود . . .)
* [16 / النمل : 27].
[ 29 ]
وقال تعالى - في ما يحكي عن زكريا عليه السلام - : * (فهب لي من لدنك وليا *
يرتني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) * [ 5 - 6 / مريم : 19 ] فحكم الله سبحانه
لاولاد الانبياء عليهم السلام بالميراث من آبائهم .
وقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إنا معاشر
الانبياء لا نورث ، ما تركناه فهو صدقة .
! ! ! .
فتبت وترحت أيدي قوم رفضوا كتاب الله تعالى ، وقبلوا ضده ! ! .
[ انفراد أبي بكر بتقول : . . . لا نورث ]
ولو سألنا جميع من نقل من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله : هل روى أحد منكم
عن أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم مثل ما قال أبو بكر ؟ ؟ لقالوا : اللهم ، لا .
ثم جاءت - من بعد ذلك - أسانيد كثيرة قد جمعها الجهال لحب التكثر بما لا
ينفع : عن عائشة ، وعن ابن عمر ، فنظرنا عند ذلك إلى أصل هذه الاحاديث التى أسندوها
إلى عائشة [ عن النبي عليه السلام ] فإذا عائشة تقول : سمعت أبا بكر ، وابن عمر
يقول : سمعت أبا بكر يقول : سمعت رسول الله صلوات الله عليه و على آله : إنا معاشر
الانبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة .
[ 30 ]
وإذا هذه الاسنانيد المختلفة ترجع إلى أصل واحد ، ولم يوجد أحد من أصحاب
محمد صلى الله عليه وآله يشهد بمثل شهادة أبي بكر في الميراث ! فدفع أبو بكر فاطمة
عليها السلام عن ميراثها ، بهذا الخبر الذي أسند إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم .
وهذا الخبر ينقض كتاب الله وحكمه في عباده ! فويل لمن يوهم أن رسول الله
صلوات الله عليه وعلى آله ينقض ما جاء به محكما عن الله عزوجل .
[ احتجاج الزهراء البتول عليها السلام على أبي بكر ]
ولقد كان في كلام فاطمة عليها السلام لابي بكر بيان لمن خاف الله سبحانه
وتعالى : أ [ في كتاب الله أن ] ترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئا فريا ! ! ؟ ؟
ثم انصرفت عنه .
[ مخالفة أبي بكر للاجماع ]
ومن أعجب العجائب : أن جميع هذه الامة أجمعت : أن من ادعى دعوى لنفسه أو
دعوى له فيها حق أنه (خصم) (10) شهادته لا تقبل حتى يشهد له على ذلك شاهدان عدلان
لا دعوى لهما في ما شهدا فيه .
(10) كلمة (خصم) من المطبوعة .
[ 31 ]
وأجمعوا أيضا : أن الامام لا يحكم لنفسه بحقه دون أن يشهد له به غيره .
[ الاحتجاج بقضية درع الامام عليه السلام ]
واحتجوا في ذلك بدرع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة
التي سقطت منه يوم الجمل (فعرفها مع) (11) رجل من النصارى، فقال : درعي لم أبع ولم
أهب .
فقال الرجل : درعي ، اشتريتها .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : فخاصمني وحاكمني إلى شريح .
فتحاكما إليه ، فقال شريح : من كان في يده شيء فهو أحق به حتى يقيم المدعي
البينة ، شاهديك يا أمير المؤمنين .
فضحك أمير المؤمنين عليه السلام وقال : والله ، لو غيرها قلت لما حكمت بين
اثنين.
وأحضر أمير المؤمنين عليه السلام شاهديه فاستحق درعه ثم وهبها للذي وجدها
معه بعد الاستحقاق.
ثم الناس على ذلك إلى يومنا هذا ، لا تقبل شهادة الرجل لنفسه ولا يحكم لاحد
على أحد في دعوى يدعيها عليه إلا بشاهدين عدلين .
غير فاطمة عليها السلام فإنه حكم عليها بخلاف ما حكم به على جميع الخلق ،
وانتزع من يدها ما كانت تملكه وتحوزه
(11) في المخطوطة : فاعترفها على رجل .
[ 32 ]
- من ميراث أبيها صلوات الله عليه ومالها من فدك المعروف بها ولها - بلا
شهود ! إلا بما ادعى أبو بكر لنفسه وللمسلمين من الصدقة عليهم بأموال رسول الله صلى
الله عليه وآله .
فكان أبو بكر المدعي لنفسه ولاصحابه أموال رسول الله صلى الله عليه وآله .
ولو أن رجلا من سلاطين الجور - في وقتنا هذا - ادعى مالا لنفسه ولاصحابه ،
ثم قال : أنا أشهد لنفسي ولهم ، إذ لم أجد شاهدا غيري ، وأنا أحكم لي ولهم ، إذ لم
أجد حاكما غيري ، وأنا أقبض هذا المال لي ولهم ، ممن يجوزه وممن هو معه .
ثم يسمع بهذا الخبر مجنون لا يعقل ، أو صبي لا يفقه ، لانكر ذلك ولعلم أنه
أظلم الظلم وأجور الجور ! وقد جوز هذا (12) من ينتحل المعرفة والدين ! ! أفترى أنهم
جهلوا ما في هذا من المنكر والفضيحة ! ؟ لا ، ما جهلوا ذلك ! ! ولكنهم أغضوا على ما
عملوا بغضا لله ولرسوله صلى الله عليه وآله ولاهل بيته ، وتحاملا عليهم .
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) .
[ تصرف أبي بكر في المغصوب ]
ثم إن أبا بكر عمد إلى هذا الذي (أخذ من أيدي أصحابه
(12) كتب في المطبوعة : (بين) مشكلا عليها في الاصل .
[ 33 ]
بما ذكر) (13) فأوقفه على نفسه وولده وولد ولده ، وعلى أصحابه وأولادهم
وأولاد أولادهم ، مؤبدا إلى أن تقوم الساعة ! وترك أهله - أجمعين - جائعين ضارعين !
! فتداول ذلك الظالمون - ظالم بعد ظالم ، عليهم لعنة الله - من يومهم ذلك إلى يومنا
هذا ، يصرفونه حيث شاؤوا ، ويعيش فيه الفاجرون ، ويتخذونه مغنما للفاسقين ، تشرب به
الخمور ! ويركب به الذكور ! ويستعان به على الشرور ! ! ! وأهله - أهل بيت الحكمة ،
وموضع الخير ، وموضع الفضل ومنزل الوحي ، ومختلف الملائكة - مبعدون عنه ! ؟ مظلومون
فيه ! ؟ مأخوذ من أيديهم ظلما ! ومغتصب غصبا ! ؟ ؟ ثم يقول همج من الناس رعاع :
صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أعطونا منها شيئا نتبارك به ، مستبصرين
في الحيرة والعمى ! ! يالهم الويل ! ! متى تصدق بها رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
؟ ومن رواه عنه ؟ ؟ أم من شهد ؟ ؟ ؟ أم من قر بهذه الصدقة من أهل بيته صلوات الله
عليه ! ؟ ؟ فيأحذون - زعموا - ما يتباركون به منها ، مستبصرين في الجهالة والخطأ !
!
(13) في المخطوطة بدل ما بين القوسين : له ولاصحابه !
[ 34 ]
[ فعل رسول الله معلوم متبع ]
وتا لله : لو قد كان رسول الله صلوات الله عليه تصدق بها : ما أحفى ذلك عن
أمته .
ولكان الشاهد بها كثير من أصحابه وأهل بيته .
وما خفي هذا الفعل لمن هو دون رسول الله صلى الله عليه وآله ، فكيف به ؟
وأثره يقص ، وفعله يتبع ، في الدقيق والجليل ؟ ؟ ؟ .
ولكان علم ذلك عند علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ،
ولقد كان فيهم من الفضل والورع والدين والمعرفة بالله سبحانه وتعالى والاقتداء
برسول الله صلى الله عليه وآله ما لا يطلبون ما ليس لهم .
ومع هذا شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله لهم بالثقة والامانة ، وأنهم
من أهل الجنة .
وكيف يجوز على من هذه صفته : أن يطلب ما ليس له ؟ ! وهم الذين أذهب الله
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ؟ ؟ .
[ ظلم أبي بكر لاهل البيت ]
فقطع أبو بكر حقهم ، ودفعهم عن ميراثهم ، وطلب من فاطمة عليها الصلاة
والسلام الشهود على أن فدكا (14) لها ! في شئ هو في يدها ! !
(14) في المخطوطة : قد كان ، بدل : فدكا .
[ 35 ]
ولم يطلب من نفسه ولا من أصحابه شهودا على ميراث محمد صلى الله عليه وآله
وسلم حين قبضه ، وجازه من أصحابه ! ! !
[ إجماع الامة على مالكية صاحب اليد ]
فيا للعجب من قبضه ما ليس بيده ، ولا شهود له ، ولا بينة ! ؟ وطلبه الشهود
والبينة من فاطمة عليها السلام على ما هو بيدها ولها ! وقد أجمعت الامة على أن من
كان في يده شئ فهو أحق به حتى يستحق بالبينة العادلة ، فقلب أبو بكر الحجة (15)
عليها في ما كان في يدها ! وإنما تجب عليه هو وعلى أصحابه في ما ادعاه له ولهم .
فحكم على فاطمة عليها السلام بما لم يحكم به على أحد من المسلمين وطلب منها
البينة على ما في يدها ، ومنعت ميراث أبيها .
وشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله لم يورثها ! والله تعالى قد ورث
الولد من والده ، نبيا كان أو غيره .
وذلك قوله تعالى : * (وورث سليمان داود) * [ 16 / النمل : 27 ] وقوله [ عن
] زكريا عليه السلام : * (فهب لي من لدنك وليا * يرتني ويرث من آل يعقوب) * [ 6 /
مريم : 19 ] فلم يجد بدا من أن يركبها من العنف ما أركبها ! ! !
(15) في المخطوطة (البينة) بدل : الحجة .
[ 36 ]
[ رد أبي بكر شهادات أهل البيت وأم المؤمنين ]
جاءت بعلي والحسن والحسين وأم أيمن رضوان الله عليها .
فقال : لا أقبل شهادتهم ، لانهم يجرون بها المال إلى أنفسهم وأم أيمن امرأة
لا أقبلها وحدها ! ! وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشهد لهم بالعدالة
والثقة والخير والعفة والامانة والجنة .
فأي تزكية أو تعديل بعد تعديل رسول الله صلى الله عليه وآله وتزكية ؟
[ الوصية لا تكون بأكثر من الثلث ]
وقد أجمعت الامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه جاءه رجل فقال : يا
رسول الله أوصي بمالي كله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا.
فقال الرجل : فبنصفه ؟ فقال : لا .
قال : فبثلثه ؟ قال صلوات الله عليه وآله الناس عن الوصية بالمال كله ،
ويحرم ذلك عليهم رأفة ورحمة لمن يخلفون من أولادهم ؟ ويوصي هو عليه وعلى آله أفضل
الصلاة والسلام بماله كله ، وهو أرأفهم وأرحمهم ؟ ! فيا سبحان الله العظيم ! ما
أقبح هذا الذي أسند إلى رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، وأفسده ! !
[ 37 ]
فيا للضلالة والعمى بقول أبي بكر : يجرون المال لانفسهم ! ! ولا حق لهم في
مال فاطمة عليها أفضل الصلاة والسلام إلا من بعد موتها ! وإنما يجر إلى نفسه من شهد
مثل شهادة أبي بكر لنفسه بشئ هو في يد غيره .
فأي عجب أعجب مما ذكرنا ! ! ! .
[
عقد أبي بكر لعمر
من بعده ]
فمضى حكم أبي بكر ، وثبتت ولايته على ما وصفنا وحددنا من تلاعبه بالدين
والمسلمين بالبيعة له والطاعة ، وأجلسه مجلسه ، وأقامه مقامه ، وقال للمسلمين : هذا
إمامكم بعدي ! ! وهو بالامس وصاحبه ومن قال بإمامته يقولون : إن رسول الله صلى الله
عليه وآله لم يول أحدا بعده ، لا نصا ، ولا إشارة ، وترك المسلمين يختارون لانفسهم
، فإن الواجب على كل إمام أ يفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله في ترك الناس
يختارون لانفسهم .
وإن رسول الله صلوات عليه وعلى آله الاسوة وبه القدوة ، فمن رغب عن سنته ،
وتعدى عن فعله ، فمخطئ ضال .
[ 38 ]
وإنه ليس لاحد من الناس .
إمام كان أو غيره - أن يتعدى ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو
يقول بغيره .
(وكانوا بهذا يحتجون على من قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
نصب أمير المؤمنين عليا بعينه) (16) .
فخالف أبو بكر (17) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفعل بغير فعله ،
وصوبه عمر وجميع أصحابه ، وأطاعوه على ذلك .
فإذا به وبعمر وأصحابهما قد أحلوا ما حرموا ، وتركوا ما أصلوا ، وشهدوا على
أنفسهم جميعا بالخطأ والضلالة والخلاف لرسول الله صلى الله عليه وآله .
فأفسدوا بفعلهم عقدهم الذي عقدوه وأصلهم الذي أصلوه ، واستغني من خالفهم عن
الطعن عليهم ، بطعنهم على أنفسهم .
فأي بلية أشد وعظيمة أجل مما أسند هؤلاء القوم إلى أنفسهم من الضلالة
والعمى ؟ ؟
[ مخالفة عمر لسيرة أبي بكر ]
فلما هلك أبو بكر ، نهض صاحبه الذي نصبه ، فنظر في ما سار أبو بكر وحكم به ،
فلم يرض ولا بكل حكمه ، فرد مما حكم به كثيرا ، من ذلك : السبي الذي كان سباه أبو
بكر ،
(16) في المطبوعة بدل ما بين القوسين : فهذا من قوله وقول أصحابه مما يحتجون به على
من قال إن رسول الله نصب عليا بعينه .
(17) في المطبوعة : (ثم لم يرعنا بهد هذه الشهادة إلا بأبي بكر قد خالف) .
[ 39 ]
حتى تخلصه من إيدي الناس بعد البيع والشراء ، وبعد أن ولد كثير منهم ، (وخلى
سبيلهم ، ورأى عمر أنه لا يحل) (18) ذلك السبي ، ورأى أن أبا بكر مخطئ في سبيهم !
فأي بلية أو عظيمة أجسم ! وأكبر ! وأجل وأعظم ! مما أتى به أبو بكر ، إن كان الامر
في أبي بكر على ما ذكر عمر ! ! ؟ و (من العجب أن) (19) عمر إذا ذاك يصوب أبا بكر في
سبيه وفعله ، في حياته ! ! ثم يطعن عليه بذلك الفعل بعد وفاته ! ؟ وكثير من أحكام
أبي بكر قد ردها عمر في ولايته وعابها عليه ، يغني هذا الخبر عن ذكرها ، إن كان
فعلا : وطئ فيه الفرج الحرام ! (وأخذ فيه المال الحرام ! !) (20) وسفك به الدم
الحرام ! ! ! فالويل والثبور لمن فعل ذلك .
فيا للعجب ! هل يخلو أمر عمر في طعنه على أبي بكر من أحد وجهين :
(18) في المخطوطة هنا : فخلاهم عمر أنه لا يأخذ .
(19) ما بين القوسين من المطبوعة .
(20) ما بين القوسين لم يوجد في المخطوطة .
[ 40 ]
إما أن يكون أعمى خلق الله قلبا وأقلهم عقلا ! وأسخفهم دينا ! [ وأقلهم فهما
! ] (21) إذ خفي عليه أفعل أبي بكر في حياته التي ثلبه بها (22) بعد وفاته ! ! ! أو
يكون بها عالما ، وهو يستعمل النفاق مع أبي بكر في دين الله ، ويصوب أبا بكر في
أمور يفعلها ، وهي عند الله سخط ! فإن كان هكذا فليس لعمر في الاسلام حظ ، إن كان
رضا أبي بكر (أحب إليه من رضا الله ، وسخط أبي بكر شد عليه) (23) من سخط الله وسخط
رسول الله صلى الله عليه وآله .
فالله المستعان على هذه الامور .
[ إمضاء عمر لغصب فدك ]
كان مما أمضى عمز من أحكام أبي بكر أخذه أموال رسول الله صلى الله عليه
وآله وإنفاذها على ما فعل ، ودفع ورثة فاطمة عليها السلام عن ميراثها وعن فدك .
[ مخالفة عمر للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولابي بكر ]
وكان يكثر الطعن على أبي بكر في جميع أشيائه حتى حضر يومه فرأى عند ذلك :
(21) ما بين المعقوفين من المطبوعة .
(22) في المخطوطة : تنبه لها .
(23) ما بين القوسين ليس في المخطوطة ، وفيها : أعظم بدل : أشد .
[ 41 ]
أن ما كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله الذي شهد به أن الامة تختار
لانفسها خطأ من رسول الله صلى الله عليه وآله ! ! ورأى أن خلافة في ذلك أحزم ! وأن
الذي فعله صاحبه فيه من تقليده الامور ونصبه له خطأ إيضا ، وأن غيره (أصوب) (24) .
فعزم على ترك الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله ، وبصاحبه الذي كان
يتمنى في حياته أن يكرن شعرة في صدره ! وجعلها عمر شورى بين ستة نفر ، زعم أنهم خير
من على وجه الارض من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وغيرهم ، وأن هذا الامر لا يصلح
إلا لهم وفيهم ، لانهم بقية العسرة السابقين الاولين الذين حضروا بيعة الرضوان تحت
السجرة ، فإن الله عزوجل أنزل فيهم : * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت
الشجرة . .) * [ 18 / الفتح : 48 ] وزكاهم ، ومدحهم ، وشهد لهم بالثقة والامانة ، حتى
إذا فرغ مما ذكرنا قال لهم : احفظوا وصيتي - يا معشر المسلمين ولا تضيعوها - (إن
أقام هؤلاء النفر الستة أكثر من ثلاثة أيام لم ينصبوا لهم رجلا منهم ويسمعوا له
ويطيعوا) (25) فاضربوا أعناقهم .
(25) في المخطوطة : (خير منه) بدلا من : (أصوب) .
[ 42 ]
وإن اختلفوا وأجمع منهم ثلاثة ولم يجمع معهم الباقون ، فاضربوا أعناق
الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف .
وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان فاضربوا أعناق الاثنين ! ! ! .
وذلك بعدما شهد لهم بما ذكرنا من الايمام بالله والمعرفة ، ثم يأمر بضرب
أعناقهم على غير جرم احترموا ! !
[ مخالفة حكم عمر هذا للقرآن والسنة ]
ولم يحل الله سبحانه وتعالى دم مؤمن كما أحله عمر ! ! ! قال الله تعالى : *
(ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغصب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا
عظيما) * [ 93 / النساء : 40 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من شرك في دم
مؤمن ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب : آيس من رحمة الله .
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : من راع مسلما برئت منه ، وخلع ربقة
الاسلام .
وعمر إذ ذاك غير ملتفت إلى شئ من ذلك ، ويقتل خير من على وجه الارض ، بزعمه
! ! فيا للعجب ! ! من هذه الاحكام المختلفة ، والاقاويل التي هي غير مؤتلفة ،
والتلاعب بالدين ، حتى كأنهم أنسوا ! ! .
(24) في المخطوطة بدل ما بين القوسين : إن أبي هؤلاء النفر الستة أن ينصبوا رجال
منهم... في ثلاثة أيام .
[ 43 ]
فبأي حجة أو بأي معنى أو خطيئة أراد عمر قتل هؤلاء الستة ؟ ! ؟ وما كانت
حجته عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله ، لو وقع القتل ؟ وكيف كان يكون حال الامة
التي تبقي بعدهم ؟ ؟ (ومن كان يريد أن يجعل لهم إماما إذ كان المعمول عليه يومئذ
الامامة بزعمه عليهم ؟) (26) .
[ توجيه خاطئ لتصرف عمر ]
وزعم : أنه أراد بقوله : { اقتلوهم } ما هو أصلح للامة ! أفلا ترى على قوله
وقياسه أن الامر تم لكان فيه دمار الامة وهلاكها ، إذ بقيت سائبة بلا راع ! ! (فيا
لله العجب !) (27) .
فما أقرب النظر ! وأكثر العمى والتخليط ! ! وأبين فضيحة القوم عند من عرف
وفهم وأنصف ! نسأل الله التثبيت واليقين إنه على كل شئ قدير ، آمين .
تم بحمدالله .
(26) ما بين القوسين لم يرد في المخطوطة .
(27) ما بين القوسين لم يرد في المخطوطة .
[ 44 ]
قال في الامام المنسوخ منها : وهده النسخة - أعني (تثبيت الامامة) -
انتسختها من نسخة قديمة صحيحة مكتوبة من سنة اثنين وثمانين وسبعمائة ، وفي هذه
النسخة بخط السيد صلاح الجلال ما لفظه .
هذا الكتاب (تثبيت الامامة) للهادي عليه السلام صح لي سماعة على الوالد
جمال الدين ابن الهادي بن يحيى ، وأيضا على الوالد صلاح الدين المهدي بن يحيى بن
صلاح قدس الله روحهما في الجنة .
كتبه صلاح بن الجلال عفا الله عنه . انتهى .
وقد روي (تثبيت الامامة) هذا جميعه على هذه الصفة الامام المنصور بالله
الحسن بن بدر الدين عليه السلام في (شرح أنوار اليقين) ونقل منه أيضا الامام
وسبعمائة ، وفي هذه النسخة بخط السيد صلاح الجلال ما لفظه .
هذا الكتاب (تثبيت الامامة) للهادي عليه السلام صح لي سماعة على الوالد
جمال الدين ابن الهادي بن يحيى ، وأيضا على الوالد صلاح الدين المهدي بن يحيى بن
صلاح قدس الله روحهما في الجنة .
كتبه صلاح بن الجلال عفا الله عنه .
انتهى .
وقد روي (تثبيت الامامة) هذا جميعه على هذه الصفة الامام المنصور بالله
الحسن بن بدر الدين عليه السلام في (شرح أنوار اليقين) ونقل منه أيضا الامام القاسم
بن محمد عليه السلام في كتابه (الارشاد) .
انتهى ذلك وتم وكمل بحمد الله ومنه وعونه عصر يوم الاثنين الموافق (22 ربيع
الاول 1399) سنة تسعة وتسعين وثلاثمائة وألف هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى
التحية .
بخط الحقير القير المستجير من عذاب الله السعير
أسير الخطايا والذنوب
عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن احمد
بن محمد ابن عبد القادر الشامي الملقب (الاخفش)
الكوكباني بلدا ، والزيدي مذهبا ، والشيعي اعتقادا
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطيبين
الطاهرين ، آمين اللهم آمين ...