[ 97 ]

ولنتكلم بشكل آخر:

القسم الثاني

الامامة

 

[ 99 ]

لا يمكن الولوج إلى عالم الامامة بصورة تامة إلا بالمرور بالقرآن والسنة والعقل ولو بصورة سريعة.

ومن خلال تطابق ما يأمر به العقل وما جاء به الشرع، بحيث تكون الاطراف كلها متساوية، لا تبقى ثمة فجوة بدون أن تملا، لتكون الصورة حينئذ كاملة ناطقة، والمصداق ناصعا ومبينا.

نقول توطئة بإن الجامع لشرائط التكليف عليه أن يعرف أمورا كثيرة: - منها: ما يجب عله معرفتها عن طريق الشرع والشرع فقط، ولا دخل لغيره فيها، وهذه هي التي ورد فيها: (فدعوا الرأي والقياس فإن دين الله لم يوضع على القياس (1).

ومن هنا أبطل القياس والاستحسان من أبطله.

وليس الحديث عن هذه من ابتلائنا الان.

ومنها: ما يجب عليه أن يحصلها بما أنه عاقل، ولا دخل للشارع المقدس بها ابتدأا أصلا، لان الايمان بها عن طريقه لازم للدور المضمر أو الظاهر، وتنتفي بذلك فائدة بعثة الرسل: إذ يلزم { إفحام الانبياء واندحاض حجتهم، لان النبي عليه السلام إذا جاء إلى المكلف، وأمره بتصديقه واتباعه لم يجب عليه ذلك، إلا بعد العلم بصدقه، إذ

 

(1) (عن) جعفر بن محمد الصادق عليه السلام... روى في كتاب الاحتجاح / ج 2 / ص 115 / ط النجف.

 

[ 100 ]

بمجرد الدعوى لا يثبت صدقه، بل ولا بمجرد ظهور المعجزة على يده، ما لم ينظم إليه مقدمات: منها: إن هذا المعجز من عند الله تعالى فعله لغرض التصديق.

ومنها: إن كل من صدق الله تعالى فهو صادق.

لكن العلم بصدقه حيث توقف على هذه المقدمات النظرية لم يكن ضروريا، بل يكون نظريا، فللمكلف أن يقول لا أعرف صدقك إلا بالنظر، والنظر لا أفعله إلا إذا وجب علي وعرفت وجوبه، ووجوبه لا أعرفه إلا بقولك وقولك ليس بحجة قبل العلم بصدقك فتنقطع حجة النبي عليه السلام ولا يبقى له جواب يخلص به.

فتنتفي فائدة بعثة الرسل حيث لا يحصل الانقياد إلى قولهم، ويكون المخالف معذورا }(1).

أو إذا لم نقل بذلك وأوجبنا أن يكون قوله حجة للعلم بصدقه عن طريق إخباره هو يلزم الدور كما هو ظاهر.

ولا يمكن على هذا إثبات شريعة ولا منهاج أصلا.

وليس للشارع المقدس في هذه الامور إلا الارشاد والتوضيح والتصحيح وبيان الحدود لها، بعد الايمان به بواسطتها.

فعليه يجب على المكلف أن يعرفها بلا تقليد ولا أتباع (2).

ولا فرق بين العامي والفقيه في ذلك أصلا، إلا أن الاختلاف في الايجاز والاطناب ورد الشبهه، وتوضيح الصورة بعد تشوشها عند العالم، وما يأتي من هنا وهناك عليها، إلا أن الايمان بها في الجملة حاصل منها بلا فرق.

 

(1) كشف الحق ونهج الصدق / العلامة الحلى (قدس) / ص 12 / ط بغداد سنة 1244 ه‍ .

(2) يراجع للتوسعة في ذلك الكتب العقائدية المطولة ككتاب الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد الشيخ محمد حسن الطوسي / الفصل (2) منه. ص 25) ط. الاداب - النجف الاشرف.

 

[ 101 ]

ولو طرأت على العامي شبهة مثلا فعليه تحصيل معرفة ردها، وإلا فإنه سيحاسب على ذلك.

وبهذا تتفاوت الاقدار.

وهذه كما هو معلوم تسمى باصول الدين.

واختلف في عددها: - وإن كان المتعارف جعلها ثلاثة هي التوحيد والنبوة والمعاد وهذه تسمى بأصول الاسلام، لان كل المسلمين يؤمنون بها ويدينون، وإن كان هناك اختلاف في الجملة في تفريعاتها.

ومنهم من جعلها خمسة وسماها باصول الايمان وهي المذكورة مع إضافة العدل ثانيا والامامة بعد النبوة رابعا.

وبما أن موضوعنا يدور حول الامامة نقول: -

 

[ 102 ]

لماذا كانت الامامة أصلا من أصول الدين ؟ ! الاصل: هو الاساس، وما يتبنى عليه غيره.

فعليه أصول الدين هي ما يبتني عليه الدين.

فإن { الحديث والفقه والتفسير مبنية على صدق الرسول، وصدق الرسول متوقف على ثبوت المرسل وصفاته وعدله وامتناع القبح عليه } (1) وهي كذلك مبنية كما سنرى على صدق الامام لكونه حافظا للشرع، ولكون اللطف الذي تبتني عليه الامامة بقاعدة قوية من ركائز العدل الالهي، وإن للناس بعد ذلك معادا وحسابا وإلا لبطل التكليف..

والمعاد يقتضيه إرسال المرسلين وإلا لكان عبثا.

وكلما نجدد النظر إلى الامامة نراها بهذا الميزان الثقيل، ودليلنا من كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: -

1 - كتاب الله: قال تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم..) (2).

لو تتبعنا الايام التي تلت انتقال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله إلى الفردوس الاعلى لرأينا بان هناك عدة حوادث ذكرت وشاعت ليس لها علاقة بهذا الامر، وأراد بعضهم أن ينفخ فيها من روحه ليجعلها من قريب أو بعيد قريبة من هذه الفاجعة العظيمة فنجح في جانب وخاب آخر.

ذكرت الكتب وزمرت عن الردة وحروبها..

لو تتبعنا من حورب بهذه الوقائع، ومن هم الاشخاص الذين ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله لرأيناهم بين من ارتد في حياة الرسول محمد صلى الله عليه وآله امثال مسيلمة الكذاب فقد ارتد في سن 10 ه‍ وادعى النبوة (3).

 

(1) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر / ص 4 / ط سنة 1270 ه‍ .

(2) الاية " 145 " سورة آل عمران - 3 - .

(3) تاريخ الطبري / ج 3 / ص 128 / ط المعارف / مصر.

 

[ 103 ]

وطليحة وقد ارتد بعد حجة الوداع وادعى النبوة (1).

ومالك بن نويرة لم يشرك بعد إيمانه قط، ولكنه امتنع من أدأ الزكاة، بل امتنع من جمعها من قومه بني يربوع وقال لهم: (تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبي صلى الله عليه وآله وننظر ما يكون من أمره) بل نهاهم عن منع الصدقة (2).

حتى أن عمرا قد رأى هذا وأراد أن يقيم الحد على خالد بطل تلك الحروب يقول ابن جرير في تاريخه { ودخل المسجد - يعني خالدا - وعليه قبأ قد غرز في عمامته اسهما فقام إليه عمر فانتزعها فحطمها، وقال له قتلت أمرا مسلما ثم نزوت على امرأته، والله لارجمنك باحجارك - وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله..} (3).

فمتى أرتد هذا ؟ وهو قد أدى صلاته أمامهم (4).

وكيف علقت الاية المباركة أرتداد مثل هؤلا على وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله أو قتله.

إذا المقصود غيرهم جزما.

كيف انقلبوا على اعقابهم ؟ ! ومتى ؟ ! أما السؤال الثاني فمعروف جوابه إذ أنه حدث بعد وفاته صلى الله عليه وآله.

وأما الاول فلا يمكن أن يكون إلا بتركهم الولاية، لانه لم يكن هناك أمر جامع لانقلاب الغالبية إلا تخلفهم عن بيعة علي عليه السلام التي هي أس الامامة.

فيكون رفضها كرفض الشهادتين فبرفض أحدهما يكون الارتداد ورفضها كان حاصلا خاصة إذا تدبرنا بالاية المباركة: - ففي الاية الاستفهام كما هو واضح ليس حقيقيا.

لان حقيقة الاستفهام ليس إلا طلب الفهم، وهذا يقتضي سبق الجهل، وهو محال عليه سبحانه وتعالى.

 

(1) تاريخ الطبري / ج 3 / ص 128 / ط المعارف / مصر.

(2) المصدر نفسه / ج 2 / ص 276 / ط

(3) و (4) تاريخ الطبري / ج 2 / ص 276 - 280.

 

[ 104 ]

ولذا حصر الدسوقي في شرحه لمغني اللبيب ما ورد في القرآن من الاستفهام بالتقرير أو التوبيخ أو الانكار (1).

وهنا الاستفهام ليس للتقرير لانه لا يريد منهم أن يقروا على شي كما هو واضح لكل لسان عربي.

فلم يبق إلا الانكاري والتوبيخي وكلاهما يمكن إذ أنكر عليهم فعلهم ووبخهم عليه أشد توبيخ.

وقد قيل بإن هذه الاية نزلت في أحد، فعليه كيف نقلت لما تقولون ؟ ! ولكنه ليس بشي كما ترى.

أولا: لان الاية لا يمكن أن تجمد على الواقعة التي نزلت فيها وإلا لبطل القرآن، وبطل الاستدلال به، ولما قام للتشريع من قائمة.

وثانيا: الذي يدل على ما نقول: إن الدعوى في ذلك اليوم المعين كانت قتل محمد وليس موته، فإذا كانت الاية مختصة به لما جي بذكر الموت أصلا، وقد جاء فيعلم بإن هذه الواقعة كان لها المجال الواسع للاشارة لما سيحدث بعد رحيله صلى الله عليه وآله وبالفعل أشار من خلالها فقال: (أفإن مات أو قتل انقلبتم..)(2).

وأما صيغة المضي فيها فلا تدل على مطلبهم بعدما بينا الذي بيناه، بل تدل على الانقلاب الحقيقي بعد رحيله صلى الله عليه وآله، ولذا أخبر به لانه مكشوف لديه وكأنه لوقوعه قد وقع فعلا وما شأ الله من الاستعمالات القرانية في ذلك، وخاصة مع وجود الشرط والجزأ قال الشريف المرتضى (قدس).

(لان الشارط لا يشرط إلا فيما يستقبل فيقول القائل إن زرتني زرتك يريد إن تزرني أزرك قال الله تعالى (إن شأ جعل لك خيرا من ذلك) يعني إن يشأ يجعل) (3) وقال (قدس) (ومما يقوي مذهب من وضع لفظة الماضي في موضع الحال والاستقبال

 

(1) حاشية الشيخ مصطفى محمد عرفه الدسوقي على مغني اللبيب / ج 1 / ص 9 / ط مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني - القاهرة.

(2) الاية " 145 " سورة ال عمران - 3 - (3) امالي السيد المرتضى / ج 4 / ص 106 / ط 1907 / مصر.

 

[ 105 ]

قوله تعالى (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم) وقوله تعالى (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) وقولهم في الدعأ غفر الله لك..

قال الشاعر: فادركت من قد كان قبلي ولم أدع لمن كان بعدي في الفضائل مقعدا أراد لمن يكون بعدي)(1).

2 - قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته..)(2).

بنأا على ما يحمله هذا التهديد الالهي من أمر جسيم لامر جسيم، يقا بل تبليغ الشهادتين وما تفرع عليهما بحيث إنه إذا لم يفعله لم يكن قد بلغ الرسالة أصلا، ومن هنا تظهر أهمية هذا الامر بقدر ما يحمله هذا التهديد من قوة لمثل من اتعب نفسه وجاهد في سبيل الله تعالى ذلك الجهاد المر.

وما كان ذلك التبليغ إلا تبليغ إمامة علي عليه السلام كما صرح بذلك أهل التفسير (3)، وقد روى السيوطي في الدر المنثور (4) عن الحافظ بن مردويه باسناده عن أبي سعيد الخدري إنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب، واخرج حديثا آخر عن ابن مسعود.

وقد ذكر تفسير الكشف والبيان لابي إسحاق الثعلبي النيسابوري مضمون ذلك عن ابن عباس وغيرهم كل في كتابه (5).

وبهذا يظهر أنه أصل وأي أصل، ومنه تظهر اهمية الامامة وإنها بميزان كل ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله كميزان صاحبها عندما قال فيه صلى الله عليه وآله (برز الايمان كله إلى الشرك كله).

يوم الخندق.

 

(1) المصدر نفسه / ج 4 / ص 107.

(2) الاية " 68 " سورة المائدة - 5 - .

(3) وقد روى ذلك جمع غفير من علماء المسلمين وقد احصاهم الشيخ الاميني " قدس " في غديره فبلغوا ثلاثين نفسا من اجلائهم.

(4) الدر المنثور / السيوطي / ج 2 / ص 298 (5) للاطلاع والاستزادة ومعرفة اسماء العلماء والكتب عليك بكتاب الغدير للشيخ الاميني (قدس) / ج 1 ص 214 - 229.

 

[ 106 ]

2 - سنة رسوله صلى الله عليه وآله: - نستطيع أن نقسم الروايات الواردة الصالحة لمقامنا هذا إلى ثلاث طوائف: - الطائفة الاولى: الروايات الواردة بانقلاب الامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كروايات الحوض.

{ بينما أنا قائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت اين ؟ ! قال إلى النار والله.

قلت وما شأنهم ؟ قال أنهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقرى، فلا اراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم } (1).

وفي صحيح البخاري كذلك وصحيح مسلم عن أنس: { إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني، فلا قولن أي رب أصحابي، فيقال لي أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك }.

وأخرجا كذلك عن سهل بن سعد (سمعت النبي صلى الله عليه وآله أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا.

وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم.

قال أبو حازم فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا يقول ؟ ! فقلت نعم.

قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول انهم مني فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك فاقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي).

وهكذا وردت روايات كثيرة مبثوثة في الصحاح وفي كتب الاحاديث حتى أن مسألة الحوض هذه تكاد تكون من المسلمات بل عدها الزبيدي صاحب تاج

 

(1) صحيح البخاري / كتاب الحوض.

 

[ 107 ]

العروس من الاحاديث المتواترة (1).

فكيف أرتدوا على أدبارهم ؟ ! وماذا أحدثوا بعده صلى الله عليه وآله ؟ ! ولم يكن ثمة أمر ذا أهمية قد تركوه ورأ ظهورهم باغلبيتهم إلا مسألة بيعة علي عليه السلام ولذا جأت أخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وأحاديث كثيرة تبين أنقلاب الامة وتوضح أنهم سيحذون سنن بني أسرائيل حذو النعل بالنعل وبأنهم يرتدون على أدبارهم القهقرى ويصيرون إلى النار ولا يخلص منهم إلا مثل همل النعم وبان الامة ستغدر بامير المؤمنين (2).

الطائفة الثانية: لسانها: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) أو نحو ذلك من الالفاظ ذات المعنى المذكور (3).

فهذه لسانها عام ليس مخصصا بوقت دون وقت..

فمن هو إمام الزمان الذي يقصد به في هذه الاحاديث المباركة ؟ ! إن كان الخلفأ الراشدون هم الائمة فقد انتهوا وانتهى زمانهم معهم وأهل زمانهم بهم لحقوا فما بال القرون التالية ؟ ! وإن كان العلمأ هم المقصودين فلا أحد يجر أن يدعي هذه الدعوى وأن الفرد المسلم إذا مات ولم يعرف عالم وقته يموت ميتة جاهلية.

فضلا عن أنه قد يكون هناك عدد كثير من العلمأ في أقاصي الدنيا فهل يجب

 

(1) اللالي المتناثرة في الاحاديث المتواتره / أبو الفيض محمد بن مرتضى الحسيني الزبيدي صاحب تاج العروس / تحقيق محمد عبد القادر عطا / ص 251 / الحديث السبعون / توزيع دار البار - مكة المكرمة.

(2) الحاكم في المستدرك / ج 3 / ص 140 .

(3) وقد مرت تخريجاته.

 

[ 108 ]

استقصاؤهم على المكلف المسكين ؟ ! أم يجب عليه أن يعرف بعضهم دون البعض الاخر ؟ وهذا يخالف المقام في أمور: - الاول: ترجيح لهذا البعض بلا مرجح أصلا.

الثاني: تعبير الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله من مات ولم يعرف إمام زمانه الظاهر منه وحدة ذلك الامام وانه إمام لذلك الزمان.

الثالث: نسبة الرسول صلى الله عليه وآله الامام إلى الزمان ألا يشعر بنكتة دفينة يخرجها التأمل..

لانه لو كان المقصود الذي يقولونه لما أضافه إلى الزمان بل لاضافه إلى المحلة أو المنطقة أو الولاية أو غير ذلك حسب المقام.

وما خطر ذلك الامام الذي بسبب الجهل به يموت المسلم متية جاهلية ؟ ! فلا يحصل المطلوب على جميع الاقوال إلا على ما ذهبنا إليه من ثبوت الامامة على مالا يخفى على المتأمل.

الطائفة الثالثة: الاخبار الكثيرة التي جعلت الايمان منوطا بحب آل محمد صلى الله عليه وآله والكفر ببغضهم.

(لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي ولا يبغضنا إلا منافق شقي) (لو أن رجلا صف بين الركن والمقام فصلى وصام، ثم لقى الله مبغضا لاهل بيت محمد دخل النار) (1).

والملازمة لمن تدبر واضحة.

 

(1) ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى / ص 28 / ط دار القادسية – بغداد.

 

[ 109 ]

فالايمان والكفر ماهيتان خاليتان من حب آل محمد وجودا وعدما - فلا بد أن يكون هذا كناية عن ذاك.

(إلا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا، إلا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة، إلا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا) (1).

بل عن كنز العمال ما هو كالصريح في أنه أصل أن لم يكن صريحا بالفعل فعن النبي صلى الله عليه وآله: (أساس الاسلام حبي وحب أهل بيتي) (2).

كما ورد أنهم الفلك الجارية وأنهم كسفينة نوح (3).

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة كما أننا سنستدل أخيرا إن شأ الله تعالى أن الامامة ثابتة كما ثبتت النبوة عين القذة بالقذة عقلا وهي أصل فهي أصل.

وبعد أن تم استعراض الدليل الشرعي نستعرض الدليل في الحكمة.

 

(1) تفسير الكشاف / في تفسير قوله تعالى " قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى ". تفسير الثقلين / في تفسيرها كذلك .

(2) كنز العمال / المتقى الحنفي / ج 7 / ص 102 .

(3) الحاكم في المستدرك / ج 2 / ص 242 - ج 2 / ص 151 - كنز العمال ج 6 / ص 216 - الصواعق المحرقة / ابن حجر الاية السابقة الواردة في اهل البيت وقد ذكر ان التشبيه هذا (جاء من طرق عديدة يقوي بفصل بعضا).

 

[ 110 ]

 

الدليل على وجوب الامامة في الحكمة:

المقدمة الاولى: الانسان اجتماعي بالطبع.

المقدمة الثانية: كل إنسان يريد أن تتقدم مصالحه وما ترجع به فائدته إليه لحب البقاء المرتكز في نفسه.

المقدمة الثالثة: نعلم يقينا بإن الله تعالى عندما أوجد الخلق أوجدهم لترجع المصلحة إليهم أنفسهم.

ولوجود المقدمة الثانية كان هناك الوازع والدافع الاساس في سحق مصالح الغير، بل سحقه سحقا.

فيحدث التزاحم والتعارض والتشاحن، وربما يؤدي ذلك إلى نهاية الخلق وهو خلاف المقتضى لانشائه.

فاقتضى ذلك وجود شرع ملزم لهم غير مكره لهم تكوينا، لمكان العقل فيهم، وإلا لاصبح الانسان كالبهائم والجمادات.

وبما أن الله منزة عن الجسمية، كان وجود فرد إنساني يبين ويوضح لهم ذلك لابد منه، ومن هنا عبر الامام الصادق عليه السلام على ما جاء في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق (قدس).

(إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا.. وكان ذلك الصانع حكيما.. فثبت أن له سفرأ في خلقه..)(1).

والانسان كما نعلم تارة يعلم الامر بواسطة عقله، وحتى هذا يحتاج في أغلب الاحيان إلى توضيح وبيان.

وأخرى لا يعلم أصلا من الامر شيئا، إلا أن يعلمه الله به، فطريقه منحصر به دون سواه.

 

(1) كتاب التوحيد / الشيخ الصدوق / ص 249.

 

[ 111 ]

كما أن الامور كلها بقسميها لابد لها من مذكر ومؤيد وحافظ كي لا يحدث للانسان السهو والنسيان والابتعاد عن حقيقة امرهما، ولو حدث هذا كله لسبب من الاسباب فذاك المذكر والمؤيد والحافظ يرجع الامر إلى نصابه.

فالذي يقوم بالمهمة الاولى النبي والمرسل.

والذي يقوم بالمهمة الاخرى أخيرا الامام.

أو للبيان نقول بتعبير آخر: هناك هدايتان: هداية داخلية وهي العقل.

وهداية خارجية وهي الشرع.

والهداية الخارجية وظيفتها أما:

1 - أن تؤيد العقول فيما وصلت إليه وتوضح لها.

2 - أو تبين ما لم تصل إليه وبكلا الطريقين للهداية الخارجية حفظ ذلك كله من التلف والتغيير بالمتابعة.

ثم بعد هذه المقدمة نقول: إن الاخبار قد كثرت عن صاحب الشرع نفسه صلى الله عليه وآله بحيث أختلط حتى التبيين والتوضيح، فلابد من وجود من يقوم مقامه للمهمة التي جاء من أجلها يوضح ويهدي الناس سبل الرشاد وإلا ضاعت فائدة البعثة أصلا.

والذي يقوم بهذه المهمة الامام.

ونوضح أكثر فنقول: بما أن نبينا خاتم الانبياء وشريعته خاتمة الشرائع، فلا نبي بعده كما هو ضروري.

إذا تشريعه مستمر ما استمر الكون وبقى.

 

[ 112 ]

وبما أن من يأتي بعده لابد له من الاستمرار على نهجه وطريقه، فيجب أن يكون ذلك النهج والطريق محفوظا بكامله ولو اختفى لاي سبب شي منه فلابد من ظهوره يوما ما ناصعا واضحا لتستفيد البشرية منه، أي يكون النهج محفوظا ولا يمكن أن يكون محفوظا إلا بالامام.

بيان ذلك: - لحدوث ما حدث، وحدوث ما سيحدث تغير ما تغير وسيتغير الشي الكثير كذلك فما أدرانا ما هو الصحيح من الفاسد ؟ ! فهل سينتهي التشريع ؟ وهل ضاع ؟ ! ولا يجاب بإن الصحيح هو قول المجتهدين والعلمأ.

لانهم قد اختلفوا فيما بينهم وسيختلفون..

فما هو الحق ؟ ! ولطول الفترة قد يبتعد النهج عن النهج المرسوم لضياع كثير من الاحاديث وعدم معرفة المكذوب فيه من الصحيح.

إذا لابد من حافظ لهذا الشرع وراع له.

ومقتضى الحكمة والادلة العقلية لها وجوب وجود نبي من قبل الله تعالى ولا يمكن أن تتخلف الحكمة..

ولكن لدينا مقدمة أخرى ثابتة وهي من ضروريات دينينا بأنه لا نبي بعد نبينا وأن المنكر لذلك خارج عن ربقة المسلمين.

فينحصر ذلك الوجود بالامام لانه يمثل النبي فالنبي يؤدي عن الله بلا واسطة من البشر وأما هو فيؤدي عنه بواسطة النبي.

 

[ 113 ]

وبصيغة أخرى نقول: إن حافظ الشريعة إما أن يكون: - ألف - التواتر: - (ولا يجوز أن تكون محفوظة بالتواتر لانه ليس جميع الشريعة متواترا بها، بل التواتر موجود في مسائل قليلة نزرة.

فكيف يعمل بها في باقي الشريعة ؟ ! على أن ما هو متواتر يجوز أن يصير غير متواتر بأن يترك في كل وقت جماعة من الناقلين نقله، إلى أن يصير احادا، إما لشبهة تدخل عليهم، أو اشتغال بمعاش وغير ذلك من القواطع) (1).

أو ب - الاجماع: - (ولا يجوز أن تكون محفوظة بالاجماع لان الاجماع ليس بحاصل في أكثر الاحكام بل هو حاصل في مسائل قليلة) (2).

فضلا أنه قد يكون ثمة إجماعان متعارضين بحالات أخر.

فأي منهما أحق بالاتباع وهو الحافظ ؟ !

أو ج - يكون الحافظ أخبار الاحاد: - وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن، وإن ثبت فهو حجة للمجتهد بينه وبين الله تعالى، أما أنه هو حقيقة الشرع وهو الحكم الواقعي لله تعالى فلا.

والشارع قد جعله حجة لئلا تتعطل أحكامه، وأما الاحكام الواقعية فإن لم تختف لحد الان، فإنها لا سامح الله ستختفي فيتبدل شرع الله كما هو ظاهر لعين الحق.

وحتى على القول بإن أحكام الله الواقعية تابعة لاحكام المجتهدين - أي بنأا على ما يقوله المصوبة.

فالاحكام بعد فترة تطول أو تقصر ستتغير وتتبدل، فيكون شرع محمد صلى الله عليه وآله غير شرعه، فلا يكون حلال محد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

 

(1) الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتماد / الشيخ الطوسي / ص 302 / منشورات جمعية منتدى النشر - النجف الاشرف.

(2) المصدر نفسه / ص 302.

 

[ 114 ]

أو د - القياس: - ولا يمكن الاحاطة بعليته وبه، لان دين الله لا يصاب بالعقول، ولعل ما نراه علة ليس بعلة، وما لا نراه كذلك هو علة.

وقد بين بطلانه في كتب الاصول والمنطق ولم يترك هناك شك لكل ذي شك.

كما أن الذي يقول به لا يقول به في جميع أحكام الشريعة فلا يمكن أن يكون حافظا.

أو ه‍ - يكون الحافظ شخصا يقوم مقام النبي لحفظ الشريعة عن الانحراف عن الجادة الصحيحة، ولو انحرف لطول الفترة فسيظهر ليظهر الحق ويعيد الامر إلى نصابه.

ولذا قال تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) (1).

على أن تكون هذه الواو أستئنافية لا عاطفة، أو باب عطف جملة على جملة أخرى.

وأخيرا نقول: لو لم تكن الامامة واجبة، والامام موجودا، فالرسالة الاسلامية ليست بخاتمة الرسالات الاسلامية، لان الحكمة التي اقتضت الرسالات لم ترتفع أو تتبدل.

وبما أنه من الضروري الثابت والذي لا ريب فيه أن الرسالة الاسلامية خاتمة الرسالات السماوية.

إذا يجب أن تكون الامامة واجبة، والامام موجودا، كما هو واضح وبين بحمد الله تعالى وتوفيقه.

 

(1) الاية " 8 " سورة الرعد - 13 -.

 

[ 115 ]

ما هو طريق تعيين الامام ؟ ! قالوا باختيار الناس.

وقلنا من الله.

والحق قولنا لامور:

1 - { لا يجوز اسناد أمر الامامة إلى المكلفين لانها أهم أركان الدين، فالذي شرع الاحكام وجب عليه النص على من لا تتم الاحكام إلا بنصبه } (1).

2 - { وإذا كان الله تعالى ورسوله لم يتركا صغيرا ولا كبيرا من الامور إلا وبينا الحكم فيها - فيه -، وقطع الله بذلك عذر العباد بجعل تلك النواميس النظامية والعبادية، فكيف لا يجعل لهم المصلح الحافظ وهو القدير على إقامته، فيخل الله بالواجب أو يعجز عن إيجاد الحجة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا } (2).

3 - قد يكون الاختيار مفسدا للامة أكثر من عدم نصب الامام نفسه خاصة مع القول باكتفاء اختيار الواحد من الامة. كما حدث.

4 - قد يقع الاختلاف بين الامة في الاختيار إذ تختار كل طائفة واحدا، فتحدث الخصومة والنزاع فيقع ما استدعى دفعه النصب.

وإذا قيل بثبوت المتقدم للامامة فهو كما ترى: ألف - لوقوع الاختلاف فيه مثلا.

ب - والانتظار لهم إلى أن يختاروا من بينهم ربما كان مدعاة للفساد لطول الفترة مثلا أو لغير ذلك.

 

(1) الالفين الفارق بين الصدق والمين / العلامة / ص 25 .

(2) المصدر نفسه / ص 25 كذلك.

 

[ 116 ]

ج‍ - مع احتمال أن يكون الثاني أصلح.

د - وهذا يوجب الضغينة بينهم، وربما يمد عنقه من ليس أهلا وقد حدثت الامور الثلاثة الاخيرة.

5 - ان تكليف الاختيار لا يخلو إما أن يكون: -

1 - بالجميع .

2 - بالبعض .

3 - بالواحد فقط.

أما بالواحد فباطل للحيف الظاهر.

وأما بالبعض فحيف كذلك وبلا سلطان من قبل الله تعالى جعله لهؤلا على كافة الناس.

كما أنهم قد يجهلون، بل هم يجهلون عدالته الواقعية إذ عليهم الظاهر.

وإذا كان قبول قولهم مشروط باطلاعهم على عدالته الواقعة وجمعه لشرائط الامامة فهو مستحيل، لعدم الاطلاع على دخائل النفس.

فضلا عن معارضتها بشهادة أخرى كما يحدث كثيرا.

مع أنهم لم يبينوا لنا (كيف يتم تكوينهم ؟ !

ما حدود سلطانهم ؟ !

هل يحق لهم عزل الامام ؟ !

ما الضمانات المكفولة لهم لتتم الانتخابات في حرية ؟ !) (1).

كما تنبه لذلك الدكتور أحمد محمود صبحي في مناقشته لنظرية الامامة وواصل كلامه بقوله (فلم يعرف عن أهل الحل والعقد شي من الناحية النظرية وربما الواقعية كذلك مع أنهم أعلى السلطات، بل أن فيلسوفا مدققا كابن خلدون قد جعل حاشية الخليفة وبطانته واقاربه، بصرف النظر عن مدى علمهم واجتهادهم وتقواهم هم أهل الحل والعقد الذين عارضوا الخليفة المأمون أن ينقل الخلافة إلى علي الرضا من بعده) (2).

وذلك باعتقادي لان الحجج العقلية الدامغة

 

(1) نظريه الامامة لدى الشيعة الاثنى عشريه / د. احمد محمود صبحي / ص 16 / ط دار المعارف - مصر.

(2) المصدر السابق / ص 26.

 

[ 117 ]

وربما الشرعية الناطقة تجبرهم على القول بالامامة، إلا أنهم لا يجدون لها سبيلا فيما ارتكب الاولون ولا تصحيحا غير هذا، فيخلطون الحابل بالنابل تخلصا من وصمات واضحة..

ربما ستلحق بهؤلا وهؤلا..

منها عدم المبالاة بالدين..

ولذا أخذوا يتكلمون ويخططون لامر هم صنعوه، ولا وجود له في الواقع كما تخيلوه كما هو ظاهر للمتأمل المنصف.

6 - لابد من عصمة الامام كما سنستدل على ذلك إن شأ الله تعالى، وهذا الامر لا يعلمه إلا الله سبحانه، فكيف لهؤلا من الوصول إليه ؟ !

7 - إن تعيين الامام واجب على الله سبحانه، فسقط بذلك الوجوب عن الامة. وطريق ذلك كتاب الله حيث يقول: (إن علينا للهدى..) (1).

ومن ركائز الهدى الامامة كما كانت النبوة كذلك، وبالخصوص في شريعتنا لما تقدم.

وحيث يقول: (كتب ربكم على نفسه الرحمة..) (2).

وكما كانت النبوة رحمة للعباد فكذا امتدادها.

ويقول تعالى: - (إن الحكم إلا الله..) (3).

وأساس الحكم وقوامه الامام.

وقال تعالى: (ألا له الحكم..) (4) وأساس الحكم الامام.

 

(1) الاية " 13 " سورة الليل - 92 - .

(2) الاية " 55 " سورة الانعام - 6 - .

(3) الاية " 58 " سورة الانعام - 6 - .

(4) الاية " 62 " سورة الانعام - 6 -.

 

[ 118 ]

وللعقل طريق آخر لبيان هذا الوجوب: وقد اشار القران وربط ما جاء به ودل عليه العقل: أولا: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) (1).

وتمام دفع حجة الناس بعد الرسل، استمرار رسالة الرسل بحافظها والقائم بها وإلا فما فائدة الرسول بلا رسالة من هذه الزاوية التي جاء نور هذه الاية المباركة منها ؟ ! فعليه يجب وجود الحافظ والمبلغ الذي هو الامام وإلا لتمت الحجة للناس على الله تعالى.

وثانيا: بقاعدة اللطف.

8 - قالوا أن خلو الوقت من خليفة موجب للفساد، فنصبه دفع ضرر مظنون، ودفعه واجب إجماعا.

وعندما يقولون ذلك نقول لهم إذا كان الامر كذلك فكيف للعاقل أن يدعي بإن محمدا قد ترك أمته كذلك ؟ ! هل لم يكن يعقل ذلك وحاشاه ؟ ! أم..

ماذا ؟ !

9 - إن خلو الوقت من خليفة ممتنع، وقد تواتر إجماع المسلمين في الصدر الاول على ذلك، ونقل على هذا قول أبي بكر على ما روي { إلا إن محمدا قد مات ولابد لهذا الدين ممن يقوم به }.

فهل عرف شيئا قد جهله رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل ذلك جهله الله إذ لم يأمر رسوله بنصبه وهو يعلم بأنه سيفارق الامة عن قريب ؟ !

 

(1) الاية " 166 " سورة النساء - 5 -.

 

[ 119 ]

بل قال عمر (بيعة أبي بكر فلته..) (1).

ولا يمكن أن يراد بالفلتة هنا المباغته، للقرينة المقالية في القول..

إذ قال بعد ذلك (وقى الله المسلمين شرها) فهي إذا تحمل شرا، ولا يمكن أن يكون دفع ضرر المسلمين مما أوجبه الله عليهم يحمل شرا وقد ورد أنه (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام) فكيف يكون اشغال مثل هذا المنصب الخطير شرا ؟ وأي شر هذا الذي يهدد به الخليفة الثاني ويجعله يقول { فمن عاد لمثلها فاقتلوه } ؟ ! فإذا كانت حقا كان القتل باطلا، وإذا كانت باطلا كان القتل حقا.

فعن ايهما يمنع ؟ ! وبايهما يأمر ؟ !

10 - قالوا بإن الشارع قد أمر باقامة الحدود وتجهيز الجيوش وسد الثغور، وهذه كلها واجبة شرعا، وهي لا تتم إلا بنصب إمام..

إذا نصب الامام واجب، لان ما لايتم الواجب إلا به واجب.

وهذا مردود بما تقدم كا هو ظاهر، إذ بعد التعيين من قبل الله سبحانه وتعالى لا حاجة لتعيينه من قبلنا إلى غير ذلك من الامور المذكورة سابقا ولاحقا.

فضلا عن أنه يناقش في محله من كتب الاصول هل ان ما لا يتم الواجب إلا به واجب مطلقا أم لا ؟ ! فليراجع.

11 - إن منصب الامامة كمنصب النبوة لها السلطة العامة على المكلفين جميعا، في الامور الدينية والدنيوية.

والناس غير قادرين على هذا الاختيار الخطير لانهم لا يحيطون بالمصلحة الالهية.

بل إن هذا الشخص نادر الوجود ولو وجد في وقت فما بال الوقت الذي لا

 

(1) تاريخ الطبري / ج 3 / ص 200 - السيرة الحلبيه / ج 3 / ص 388 - الكامل لابن الاثير / / ج 2 ص 135 شرح النهج لابن ابي الحديد / ج 2 / ص 26 / ط دار احياء الكتب العربيه كنز العمال / ج 3 / ص 139. وغيرها.

 

[ 120 ]

يوجد فيه من يحمل هذه الصفات ؟ ! ولا يقال بإن ما تقولونه في حال الغيبة الكبرى نقوله هنا، لانا نقول بإنه في حال الغيبة الامام موجود إلا أنه لا يمكن الاطلاع عليه، أما في دعواكم وافتراضنا فلا وجود له ولا يمكن أن يخلو الزمان من إمام كما هو المفروض فقولكم على هذا باطل بالضرورة.

ولو أمكن للناس اختيار مثل هذا الشخص فهذا يعني أنهم متمكنون من اختيار النبي ولترك لهم هذا الاختيار وهو باطل ضرورة.

12 - (ومن نختاره اليوم قد ننقم عليه غدا، ويتبين لنا باننا قد اخطأنا، ولم نحسن الاختيار، كما وقع ذلك لعبد الرحمن بن عوف نفسه عندما اختار للخلافة عثمان بن عفان، وندم بعد ذلك، ولكن ندمه لم يفد الامة شيئا بعد توريطها.

وإذا كان صحابي جليل من الرعيل الاول وهو عثمان لا يفي بالعهد الذي اعطاه لعبد الرحمن بن عوف، وإذا كان صحابي جليل من الرعيل الاول وهو عبد الرحمن بن عوف لا يحسن الاختيار، فلا يمكن لعاقل أن يرتاح لهذه النظرية العقيمة، والتي ما تولد منها إلا الاضطراب، وعدم الاستقرار واراقة الدمأ.

فإذا كانت بيعة أبي بكر فلتة كما وصفها عمر بن الخطاب وقد وقى الله المسلمين شرها.

وقد خالف وتخلف جمع غفير من الصحابة.

وإذا كانت بيعة علي بن أبي طالب بعد ذلك على رؤوس الملا - وهي أصح بيعة قامت على هذه المقاييس واتمها - ولكن بعض الصحابة نكث البيعة، وانجر ذلك إلى حرب الجمل، وحرب صفين، وحرب النهروان، وزهقت فيها أرواح بريئة.

فكيف يرتاح العقلا بعد لهذه القاعدة التي جربت وفشلت فشلا ذريعا من

 

[ 121 ]

بدايتها، وكانت وبالا على المسلمين.

وبالخصوص إذا عرفنا أن هؤلا الذين يقولون بالشورى يختارون الخليفة، ولا يقدرون بعد ذلك على تبديله أو عزله.

وقد حاول المسلمون جهدهم عزل عثمان، فأبى قائلا: لا أنزع قميصا قمصنيه الله) (1).

ثم يضيف الدكتور التيجاني (2): (فما اعظم عقيدة الشيعة في القول بان الخلافة أصل من أصول الدين، وما أعظم قولهم بإن هذا المنصب هو باختيار الله سبحانه، فهو قول سديد ورأي رشيد يقبله العقل، ويرتاح إليه الضمير، وتؤيده النصوص من القرآن والسنة) (3).

13 - وأخيرا نقول إذا كان نصب الامام لابد منه من قبل المسلمين على ما قالوا لما ذكروا من أمور، فمن حقنا أن نسأل: هل هذا مختص بوقت دون وقت ؟ ! إذ إننا لم نسمع أنهم قد نصبوا إماما بعد هؤلا مطلقا.

فاين ذهب هذا الوجوب ؟ ! واين راحت الضرورة ؟ ! وإذا عطل هذا الامر المهم من قبل المتساهلين بامور الشرع، فما بال الملتزمين ؟ ! 14 - قال الصادق عليه السلام: - (.. فلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول

 

(1) الدكتور محمد التيجاني السماوي / مع الصادقين / ط 2 / ص 113 .

(2) والدكتور هذا ممن راى الحق اخيرا فاتبعه بعد عمر طويل قضاه بين الادغال، وقد دافع عن العقيدة الحقه بنتاجات عديدة وبمناظرات عدة ثبتنا الله تعالى واياه على طريق الحق طريق اهل البيت العصمة عليهم السلام.

(3) نفس المصدر / ص 114.

 

[ 122 ]

ووجوب عدالته..)(1).

وقال عليه السلام: - (إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي فيقول لا أدري) (2).

وقال سلام الله عليه: - (ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه، ولا يتخذ على خلقه حجة إلا معصوما) (3).

 

(1) كتاب التوحيد / ص 249.

(2) المصدر نفسه / ص 275 .

(3) عن الخصال - التوحيد / ص 7 - 4.

 

 

[ 123 ]

 

في وجوب العصمة: -

1 - الحفظ العلمي والعملي فللا مام كما كان للنبي حفظ الشريعة علما وعملا.

وإذا كان واجبا عليه ذلك فيجب أن يكون معصوما..

وذلك: لان غير المعصوم إما أن يكون: - ألف - عادلا: وإذا كان كذلك ولم يكن معصوما لا تحصل فوائد نصب الامام ووجوده، حتى وإن كان معذورا بارتكاب ما يرتكبه من ذنوب وآثام، فإن المعذورية شي وتفويت الفوائد شي آخر.

كما ان السهو بارتكابها لا يرفع إلا العقاب، فتبقى الحاجة إلى من يرد فاعلها.

كما ان العادل قد يرتكب الصغائر، ولا يقدح ذلك بعدالته، بل قد يرتكب الكبائر سهوا..

فيحتاج في كليهما إلى من يرده، وبالخصوص إذا ارتكبها عمدا، وإن كان حصول ذلك نادرا ما يكون.

بل قد يفسق، وإذا حصل هذا لا يستطاع عزله لكونه الامام المفترض الطاعة، بل أكثر من ذلك قد يبتلى الناس بإمام ظاهره العدالة وباطنه الفسق والفجور.

فيجب على جميع هذي الوجوه نصب آخر، والحديث فيه كالحديث فيه، فيجب آخر وهكذا، وهو كما ترى.

ب - فاسقا: فلا يصلح لهذا المنصب بطريق أولى.

2 - الانتصاف من الظالم للمظلوم: -

 

[ 124 ]

فإذا كان هو ظالما لفرض كونه غير معصوم فمن ينتصف منه؟!

3 - رفع مادة الفساد والفتن: - فإذا كان هو بذرة لهما لكونه كذلك فمن يرفعه؟!

4 - حمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ويقيم حدود الله والفرائض: - فإذا قصر في هذا كله أو بعضه لكونه خاليا من العصمة فمن يحمله على ذلك ؟ ولو قلنا بآخر لتسلسل كما في الوجوه المذكورة لان الحديث في الاخر هو الحديث نفسه كما هو اضح.

5 - بل في حالات وإن كانت نادرة ما أدرانا بأنه قد عصى وهو حافظ للشرع ؟ فالشرع سيكون خارجا عن الاستقامة ويصبح الشرع بعد مدة ولو طويلة شرعا آخر كما هو ظاهر لمن تدبر.

6 - لو عصى الامام لكونه غير معصوم لوجب ردعه وهذا يسبب له إيذأا ويجتمع بذلك النقيضان: - تفصيل ذلك: الله تعالى يقول (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) (1). إذا هو بمقتضى هذه الاية المباركة وكما سنتعرض لذلك عما قريب واجب الاطاعة. فإذا ارتكب معصية..

فيجب علينا مخالفته بل ردعه فيجتمع هنا مصداق الاطاعة ومصداق الردع كلاهما في واحد.

7 - لو صدرت منه المعصية لسقط محله من القلوب والنفوس فلا تنقاد

 

(1) الاية " 60 " سورة النساء - 4 - .

 

[ 125 ]

النفوس إليه، فيكون هذا مخالفا لغرض البعثة: - 8 - كما ان القاعدة المستفادة وهي حسنات الابرار سيئات المقربين تشمله، فيكون أقل شخص في المجتمع أكرم منه وأتقى، كما لا يخفى على المتدبر البصير: -

9 - قوله تعالى: (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) (1).

والذنب ظلم لانه به يتعدى حدود الله، والله تعالى يقال.

(ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) (2).

وإذا قيل، كما قيل بإن هذا في النبوة فكيف سقتموه هنا، قلنا إن الامامة والنبوة في خط واحد من هذه الجهة وهي القيادة والزعامة.

كما ان الاية الكريمة صريحة في الامامة، والامام هو الذي يحذى حذوه، فلا يمكن للمحتذى إلا أن يكون معصوما.

سوأ كان نبيا أم إماما.

بل النبي بما أنه إمام وقدوة يجب أن يكون معصوما كما هو الظاهر.

10 - (أطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) (3).

نستفيد من هذه الاية المباركة ما يلي (4): - الاستفادة الاولى: إطاعة الله مطلقة غير مقيدة بقيد، وبما أن إطاعة الرسول جأت كذلك وعطفت على إطاعة الله سبحانه إذا يجب أن تكون مطلقة كذلك.

الاستفادة الثانية:

 

(1) الاية " 125 " سورة البقرة - 2 - .

(2) الاية " 230 " سورة البقرة - 2 - .

(3) الاية " 60 " سورة النساء - 4 - .

(4) ما ورد في هذه الاية المباركة من بحث قد كنت اوردته في كتابي الخطي السنن القرانيه لا سس المسار التاريخي للفرد والمجتمع.

 

[ 126 ]

بما أن الله سبحانه منيع العصمة إذا يجب أن يكون الرسول معصوما وإلا لاختلت الاطاعة الثانية ولما عطفت على الاطاعة الاولى كما هو ظاهر.

الاستفادة الثالثة: قوله تعالى في نهاية هذه الاية المباركة: (فإن تنازعتم في شي فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن تأويلا).

يظهر وجوب كون الرسول صلى الله عليه وآله معصوما وإلا لطلب منهم إن يردوه إلى الله فقط لئلا يحدث الخطأ بخطأ رسوله صلى الله عليه وآله، ولما قال في نهاية الاية (ذلك خير واحسن تأويلا) لانه إن لم يكن معصوما لاغرانا الله بالباطل سبحانه وادلانا به.

هذا أولا وثانيا إن الارجاع إلى الله غير واضح على ما هو عليه لان الله غير ملموس ولا محسوس فالارجاع إليه ارجاع إلى حكمه، وحكمه مستفاد من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وهو الذي يمثله فقوله تعالى فردوه إلى الله كاف، أو إلى الرسول كاف على هذا إلا أنه لم يكتف بذلك بل قال فردوه إلى الله والرسول ليبين أن الرد إلى الرسول صلى الله عليه وآله بمنزلة الرد إلى الله وما بينه الرسول بمنزلة ما بينه الله سوأ أظهر هذا الرسول وقال هذا حكم الله أم لم يظهر ذلك بل حتى وإن قال هذا حكمي كما هو بين في أي أمر صدر منه وما هذا الامر إلا العصمة.

ولعله لما ذكرنا لم يكرر حرف الجر بل عطف الرسول على الله بدونه ليدلنا على عدم الاثنينية في ذلك، بعد أن كرر لفظ الاطاعة ليؤكدها وليركزها في أذهان الذين آمنوا.

الاستفادة الرابعة: - عطف أولي الامر على الرسول واطاعتهما على إطاعة الله يقتضي عصمتهم لما قدمناه في عصمة الرسول صلى الله عليه وآله: بل نقول أكثر ببركة ورود أمر واحد بالاطاعة للرسول ولاولي الامر فاطاعتهما واحدة ولذا لم

 

[ 127 ]

يذكر أولي الامر مرة أخرى في نهاية الاية لاندكاكهم في الرسول صلى الله عليه وآله وللبيان والتوضيح أتى بهم أولا، وللاختصار ولبيان وحدتهم بعد أن جعل لهما اطاعة واحدة لم يذكر إلا الرسول صلى الله عليه وآله أخيرا وهو واضح بحمد الله وبركته ولو جوزنا إلا تكون إطاعة أولي الامر مطلقة كما كانت إطاعة الرسول صلى الله عليه وآله للزم أن يكون استعمال للفظ اما من باب استعمال المشترك في أكثر من معنى وهذا ما لا يجوزه أكثر أصحاب التحقيق إن لم يكن كلهم.

أو من باب المجاز وهو خلاف الظاهر فضلا من أن السياق لا يساعد عليه بعد قوله تعالى (فإن تنازعتم في شي فردوه إلى الله والرسول..) ولم يذكر أولي الامر لما ذكرناه وبعد قوله ختاما (ذلك خير واحسن تأويلا) كما هو واضح لمن تدبر.

وقد أقر الرازي بدلالة هذه الاية على العصمة ولكنه لحاجة في نفسه أول أولي الامر بأهل الاجماع (1).

بلا دليل يرتكز عليه. وقد رده الشيخ محمد حسن المظفر (قدس). في دلائل الصدق (2).

{ وفيه أن المنصرف من أولي الامر من له الزعامة } وهذا خلاف أهل الاجماع.

وهذا نوافق عليه.

{ إن ظاهر الاية إفادة عصمة كل واحد منهم لا مجموعهم لان ظاهرها إيجاب طاعة كل واحد منهم }.

وهذا غير واضح من الاية وبذلك يستطيع أن يدعي خلافه.

{ على أن العمل بمقتضى الاجماع ليس من باب الطاعة لهم، لان الاجماع من

 

(1) يراجع للاطلاع على رأية تفصيلا كتابه مفاتيح الغيب / ج 3 / ص 357 .

(2) ص 10.

 

[ 128 ]

قبيل الخبر الحاكي }. وهذا ليس محل ذلك ففيه ما فيه.

فلم يبق إلا التمسك بأن تأويله لاولي الامر باهل الاجماع خلاف الظاهر أصلا ويحتاج إلى دليل واضح لا سبيل له ولا دلالة للاية المباركة عليهم لا من قريب ولا من بعيد مع الانصراف المذكور أولا فيتعين من له الزعامة والامامة، وهو الامام بزعمنا لا غير.

وقد أشكل الرازي على أن المراد بهم الائمة عليهم السلام بوجوه مشوهه: الوجه الاول: إن الطاعة لهم مشروطة بمعرفتهم وقدرة الوصول إليهم.

وإذا قلنا أنه يجب علينا ذلك إذا صرنا عارفين بهم وبمذاهبهم صار مشروطا وهو مطلق.

وفيه: ـ

ألف - النقض: بطاعة الله ورسوله وطاعة أهل الاجماع على رأيه - الشريف -.

ب - الحل: فالطاعة ليست مشروطة بمعرفتهم وبقدرة الوصول إليهم بل مطلقا كماهي طاعة الله ورسوله..

فيجب تحصيل المعرفة لهم كما في معرفة الله والرسول صلى الله عليه وآله وإلا لو التزمنا بما ذكر في أولي الامر لوجب ذلك أيضا في الله والرسول وهو كما ترى.

الوجه الثاني: إن أولي الامر جمع وعندهم لا يكون في الزمان إلا أمام واحد وحمل الجمع على الفرد خلاف الظاهر.

{ وفيه إن المراد هو الجمع ولكن بلحاظ التوزيع في الازمنة ولا منافاة فيه

 

[ 129 ]

للظاهر}(1)، بل نقول أكثر من ذلك وهو وجوب طاعتهم كلهم على حد سوأ وإن كان الامام واحدا في كل عصر وهذان مقامان مختلفان وهو واضح لمن تدبر.

الوجه الثالث: (فإن تنازعتهم في شي فردوه إلى الله والرسول) ولو كان المراد بأولي الامر الامام المعصوم لوجب أن يقال فإن تنازعتم في شي فردوه إلى الامام المعصوم.

وفيه { إن الرد إلى أولي الامر أيضا مأمور به ولكن إكتفى عن ذكرهم في آخر الاية بما ذكره في أولها من مساواة طاعتهم بطاعة الله ورسوله } (2) بل نقول أكثر من ذلك من أن المصدر الرئيس للتشريع هو الله سبحانه ولا يجب إطاعة أي مخلوق فهو الاساس في الاطاعة والمصدر لها وإطاعة المخلوقين تأتي وتترشح من الباري عزوجل، فذكر تفصيلا من تجب طاعته إبتدأا وفصل، ثم أخيرا بين الطرفين الاساسيين في عملية الاطاعة وهي المرسل والمرسل لان الاساس إطاعة الله ثم بواسطة المرسلين تترشح هذه الاطاعة كما أنه بالمعاجز يثبتها وثبوت الامامة وولاية الامر متوقفة على الرسول لبيانها وتوضيحها فولاية الامر مستفادة من الله ورسوله.

فولاية الامر هي كذلك من الامور التي يمكن أن يقع التنازع فيها كما وقع وهذا الارجاع إرجاع كلي ولو أرجع إليهم أيضا للزم الدور كما هو واضح فلذا لم يذكر الرد إلا إلى الله والرسول، وهو من الخفايا العجيبة التي استفدتها بعد التمعن ولله الحمد، وكما ذكرنا أولا ولاية الامر مندكة في المرسل لا تفترق عنه فهو المصدر لها ومبينها، ولهذا وذاك ذكر الارجاع إليه مكتفيا به كما هو واضح لمن ألقى السمع وهو بصير.

 

(1) و (2) دلائل الصدق / الشيخ محمد حسن المظفر " قدس ". / ص 11.

 

[ 130 ]

ومن نافلة القول صرف عنان الكلام إلى بعض ما جاء في كتاب نظرية الامامة لدى الشيعة الاثني عشرية للدكتور أحمد محمود صبحي.

وقد اخترنا بعض مواضيعه التي تعرضت لما تعرضنا له سابقا تتميما للفائدة ولدفع بعض التوهمات وتوضيح بعض النقاط.

أولا وقبل كل شي نسأل الدكتور المحترم كيف ترمي الشيعه بعقائدها وتقول [ كيف يصح أن تكون دراسة عقائد الشيعة ضمن أبحاث الفلسفة الاسلامية مع ما تشتمل عليه هذه العقائد من سخف وخرافات، وما تقتضيه الفلسفة من أصالة في الرأي وطرافة في التفكير ؟ } (1).

والحمد لله إنك انتبهت إلى مقالتك لهذه ورددت على نفسك بقولك { ليس يكفي الحكم على هذه العقيدة بعد أربعة عشر قرنا بالسخف لحسم الموضوع لان هذا حكم العاجز لا حكم الباحث } (2).

وكأنك من صفحتك الاولى في مقدمتك منته من كون عقائدهم سخيفة وهذه ليست مقدمة الباحث.

ثم تؤكد قولك حيث تقول { وما أكثر ما تشتمل عليه عقيدة الامامة من غيبيات وخرافات } (3).

وأنت بعد لم تبتل قدماك بالبحث فإين قولك إذ تقول { وقد حاولت بصدد هذه الرسالة أن يكون كل تعقيب لي صادرا عن حرية يكتنفها تجنب الرعونة في أبدأ الرأي } (4).

فأي تجنب هذا وانت متحامل على عقائد الشيعة من أول نطفتك في كتابك لاخر مضغتك منه حتى حشوته العظام حشوا.

وأما قولك من أن الشيعة تمنت { أن لو بقي نظام الحكم المثالي زمن النبي بعده

 

(1) نظريه الامة لدى الشيعة الاثنى عشريه / د. احمد محمود صبحي / ص 9 .

(2) المصدر نفسه / ص 9.

(3) المصدر نفسه - ص 13 (4) المصدر نفسه - ص 12.

 

[ 131 ]

فصاغوا نظرية يوتوبية في السياسة تشخصت وتجسدت في علي } (1) فهذا مدح لهم لانهم تمنوا استمرار الحق وهذا ما يتمناه كل محب للحق.

وأما أنهم صاغوا نظرية يوتوبية فهو مجانبة منك للحق حيث يقول الباري عز من قائل (وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم مأا غدقا..) (2).

وهي سنة تاريخية ولذا قالت الزهرأ عليها السلام عندما دخلت عليها نسأ المهاجرين والانصار لعيادتها عندما مرضت عليها السلام في جملة ما قالت { ولسار بهم - تعني أمير المؤمنين عليه السلام - سيرا سجحا لا يكلم حشاشه ولا يكل سائره ولا يمل راكبه، ولاوردهم منهلا نميرا، صافيا رويا تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه، ولاصدرهم بطانا، ونصح لهم سرا وإعلانا - إلى أن تقول عليها السلام - ولبان لهم الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السمأ والارض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون والذين ظلموا من هؤلا سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين.) } (3) فهو الحق من ربك..

وقال الامام الحسن المجتبى عليه السلام: - (وأقسم بالله لو تمسكت الامة بالثقلين لاعطتهم السمأ قطرها، والارض بركتها، ولاكلوا نعمتها خضرأ، من فوقهم ومن تحت ارجلهم من غير اختلاف إلى يوم القيامة قال الله عزوجل: (ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أنزل إليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم) وقال عزوجل (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السمأ والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا

 

(1) المصدر نفسه - ص 65.

(2) الاية " 17 " سورة الجن - 72 - .

(3) الاحتجاج / الطبري / ص 148 / ج 1 / ط. 1966.

 

[ 132 ]

يكسبون) (1).

ونحن بحمد الله لا نتكلم بنظريات فارغة، بل نذكر حقائق دامغة وأدلة ناصعة، من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن أحاديث رويت عن النبي صلى الله عليه وآله من طرقهم لا من طرقنا وهذه الكتب بين اليدين وهذا أحدهم وهو الحاكم يذكر في آية (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (عن ابن عباس قال: لما نزلت - الاية - قال رسول الله صلى الله عليه وآله من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الانبياء قبلي) (2).

فلا المأساة قد صنعت الشيعة ولا الواقعية الديمقراطية قد صنعت غيرهم كما هو ظاهر لادنى متعلم.

وأما سؤالك وجوابك عندما قلت { لماذا ظلت مشكلة أحقية علي بالخلافة بعد النبي عقيدة حية إلى اليوم في قلوب الشيعة ؟ ! واجبت بعد ذلك ليست المسألة اختلافا بين أشخاص وإنما هي اختلاف المبادئ.

تمنى الشيعة أن لو بقي نظام الحكم المثالي زمن النبي بعده فصاغوا نظرية يوتوبية في السياسة تشخصت وتجسدت في علي.

وألتزم أهل السنة بما تم في الواقع بعد النبي فردوا على الشيعة بنظرية واقعية في السياسة.

فالخلاف بين الفرقتين هو في جوهره اختلاف بين الثيوقراطية اليوتوبيه وبين

 

(1) الروائع المختارة من خطب الامام الحسن السبط / ص 58 / ط. مصر .

(2) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل / الحافظ الكبير عبيد الله بن عبد الله بن احمد المعروف بالحاكم الحسكاني الحذاء الحنفي النيسابوري / ج 1 / ص 206 / منشورات الاعلمي - بيروت.

 

[ 133 ]

الديمقراطية الواقعية } (1).

أولا نقول: ألم تتمن مثل غيرك من العقلا كالشيعة إن لو بقي النظام المثالي في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ! وثانيا: نقول كما قالوا أن (أهل السنة تشبثوا بكل شي ليبرروا هذا الواقع الذي حدث، تشبثوا بالنص، وعندما خذلهم النص تشبثوا بالافتراض، وعندما انهار الافتراض، تشبثوا بالشورى، وعندما أنهارت الشورى تشبثوا بالرأفة بالمسلمين، والحرص على مصلحتهم ووحدتهم ومستقبلهم حتى لا يتركوا هملا بلا راع.

واستقروا بعد طول ترحال على مبدأ أن الامام القائم أو الخليفة القائم هو الذي يسمي من يليه، أي يحدد للامة الشخص الذي عليها أن تبايعه) (2) وثالثا: أي ديمقراطية واقعية كانت تلك ؟ ! مبايعة الخليفة الاول في السقيفة كانت منها ؟ ! وقد تخلف من تخلف.

أم بيعة الخليفة الثاني كانت من الديمقراطية وقد نصبه أبو بكر نفسه ؟ أم مبايعة عثمان كانت منها ؟ ! ثم أنت تتكلم بالديمقراطية والواقعية ونحن نتكلم عن الاسلام وما يريده الله لا ما وقع.

وإلا فمن جملة ما وقع أن يزيد أصبح أميرا - للمؤمنين - فهل هذا هو الحق والاسلام ؟ ! وهل الديمقراطية هي الاسلام ؟ "

 

(1) النظرية / ص 65 .

(2) احمد حسين يعقوب / نظريه عدالة الصحابة / ص 163، ومن اراد ان يستعرض جميع النظريات التي تشبث بها اهل السنة ونقدها بصورة علميه لطيفة فعليه بكتاب النظام السياسي في الاسلام للمؤلف نفسه / ص 8 فما فوق.

 

[ 134 ]

{ وتعني الديمقراطية حكومة الشعب أي أختيار الشعب لحكومته، وغلبة السلطة الشعبية أو سيطرة الشعب على هذه الحكومة التي يختارها } (1).

وهل السلطة في الاسلام باختيار الشعب ؟ وأساس السلطة النبي، فيجب أن يتم اختياره من قبلهم، وهذا الاختيار قد سفهه الله في كتابه إذ قال تعالى: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك.) (2) وهو اختيار فاسد كما ترى (3).

بل لو اختار هذا الشعب غير الاسلام فبنأا على هذا يكون ذلك صحيحا وواجب الاتباع والقرآن يصرخ بخلافه (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين) (4).

أم إننا نتمسك باصطلاحات رنانة لها صداها اليوم لكي نثير في دواخلنا بعض ما تحمله تلك الكلمات في نفوسنا من بريق وصدى، والواقع خلافها.

والحق يجيب عن السؤال الذي طرحوه.

قد بقت أحقية علي بالخلافة بعد النبي عقيدة حية إلى اليوم، وستبقى إلى الغد في قلوب الشيعة، لان هذا هو الذي أمر به الله تعالى، وصدع رسوله بذلك، وأوجبه علينا اعتقادا وعملا، فضلا عن إننا لمسناه قبل ذلك بعقولنا فجأ الشرع مطابقا لما أمر به العقل كما هو ديدنه، ولكن متى سيفهم من لا يريد أن يفهم ؟ !.

هذا أولا وثانيا قد صرح بعضهم وهو الحق من أن ذلك دليل قوي على كون الشيعة هم الفرقة الناجية، لان مقتضى القواعد والاسس التي جرى عليها سير

 

(1) الموسوعة السياسية / اشراف د. عبد الوهاب الكيالي وكامل زهيري / المؤسسة العربيه - بيروت / ص 273.

(2) الاية " 32 " و " 33 " سورة الزخرف - 34 - .

(3) ولو سلمنا جدلا بعدم الفرق فهل تم اختيار الخليفة الثاني بغلبه السلطة الشعبيه ؟ ! ام بغلبتها قد تم اختيار الثالث فضلا عن الكلام المتشعب في الاول كما بينا بعض ذلك فيما سبق .

(4) الاية " 20 " سورة ال عمران - 3 -.

 

[ 135 ]

المجتمعات والافكار أن أي فرقة ومبدأ يمر بجز يسير مما مرت به هذه الفرقة من ضغوط وتشريد وقتل مقتضى ذلك أن تبيد وتنتهي فبقاؤها دليل على أن لله فيها شأنا وأن الحافظ لها هو دون أي أحد وإلا لا نطمرت وأصبحت في خبر كان كما هو واضح وبين.

ويتم الكاتب المحترم كلامه في مرحلة أخرى فيقول { ولعل أعنف هذه الانتقادات هي ما ذكرها ابن تيمية مستنكرا بذلك وجه اللطف أو الفائدة للعباد من وجود إمام غائب إذ يقول: الامام الذي تصفونه مفقود غائب ومعدوم لا حقيقة له عند سواكم، ومثله لا يحصل به شي من مقاصد الامامة، بل الامام الذي يقوم وفيه جهل وظلم أنفع لمصالح الامة ممن لا ينفعهم بوجه، فإن احتج بإن الرعية لم تملكه فهو ذنبهم، قيل إذا كان عاجزا مقهورا عن دفع الظلم عن نفسه فما الظن برعيته، وكيف يتم اللطف وهو عندكم خائف لم يمكنه الظهور خوفا من القتل.

ولا فرق بين أن يخلق الله إماما معصوما ولكنه غائب وبين ألا يخلقه فلا يكون ذلك واجبا عليه وحينئذ فلا يلزم وجوده، فالقول بوجوب وجوده، دون تمكينه باطل } (1).

ويتم حديثه فيقول: { ويرد الحلي على هذه الانتقادات.

بقوله: لكي تكون الامامة لطفا لابد أن تتم أمور: خلق الامام وتمكينه بالقدرة والعلوم والنص عليه باسمه ونسبه..

وهذا واجب على الله وقد فعله، ثم تحمل الامامة وقبولها وهذا يجب على الامام وقد فعله، ثم النصرة والذب عنه والامتثال لاوامره وقبول قوله وهذا يجب على الرعية، فعدم التمكين قصور من ناحية الامة لا من ناحية الله تعالى ولا من

 

(1) النظرية / ص 75 .

 

[ 136 ]

ناحية الامام، هذا فضلا عن أن التمكين من الله والاجبار ينافي التكليف، ولو جاز على الله تمكين الامام لجاز عليه قهر العباد على الطاعات ومنعهم عن المعاصي من غير واسطة الامام وفي هذا إلجأ، بينما طاعة الامام إمتثال لاوامر الله تعالى ونواهيه دون قهر على الطاعة أو على الامتثال } (1).

وأنت ترى هذا كله حيث أن جواب العلامة (قدس).

الذي نقله فيه الكفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد فلا مجال لقوله بعد ذلك { غير أن الحلي قد بسط وجهة نظر الشيعة ولم يفند انتقادات أهل السنة التي لا تزال قائمة، يقول الرازي: إن الواحد منا إذا احتاج إلى هذا الامام - غير المتمكن ليستفيد منه علما أو دينا أو يجلب بواسطته إلى نفسه منفعة أو يدفع عنها مضرة، فلو أتى أي حيلة كانت لم يجد منه البتة أثرا ولا خبرا، وإذا كان المقصود من نصب هذا الامام إما منفعة دينية أو دنيوية فالانتفاع يعتمد على إمكان الوصول إليه، فلما تعذر ذلك تعذر الانتفاع به، وإذا تعذر الانتفاع به لم تكن في نصبه فائدة أصلا، فكان القول بوجوب نصبه عبثا.

والخوف من الامام مشروط بوجوده، لان الخوف من المعدوم محال فيستحيل حصول الخوف منه مع تجويز عدمه } (2).

لاننا لا نقول بذلك مطلقا بل نقول إن أحد الاوجه من الانتفاع به هو إمكان الوصول إليه أما الحصر بهذا الوجه فلا، والفرق واضح.

وإذا توقفنا على هذا الوجه فاتت فائدة أنبياء كثيرين في فترات كثيرة فهذا موسى - على نبينا وآله وعليه السلام - ترك قومه وذهب يناجي ربه فهل بقي على نبوته في تلك الفتره أم انزاحت منه النبوة بذهابه، وعدم تمكنهم من الوصول إليه ؟ ! وما فائدة بقأه نبيا في تلك الفترة ؟ !

 

(1) المصدر نفسه / ص 75.

(2) المصدر نفسه / ص 76.

 

[ 137 ]

والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله عندما حوصر في شعب مكة وابتعد الناس عنه فأنه اقتضى عدم النفع به لهم فيكون وجوده عبثا ؟ ! وإن أجاب بإنه بعد ذلك أتى قومه فاستفادوا منه قلنا ذلك في الحجة عليه السلام إذ سيستفيد الناس منه بخروجه هذا أولا وثانيا نسأل: لو لم يسأل الرسول ولم يتبع ولم يؤمن به من آمن أكان امانا للعذاب لقومه أم لا ؟ ! مع علم الجاحدين بذلك أم لا.

والجواب يكون من كتاب الله إذا استنطقناه بذلك. (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم..)(1).

ونقول في الامام ما قلناه في الرسول صلى الله عليه وآله لانه من نوره ومنهاجه وبه وبامثاله رفع العذاب عنا وعنهم.

ولعله لذا وأمثاله ذكر سلام الله عليه وجه الانتفاع به عندما قال: - (وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الابصار السحاب.

وإني لامان لاهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السمأ..) (2).

وعندما يقول مؤيدا ومصفقا لابن تيمية { ولا يحلق ابن تيمية في الجدل النظري إنما ينتقد صميم العقيدة الشيعية في الامام المستور حين يقول: إن كان الله أوجب على الناس طاعتهم ولكن الخلق عصوهم قيل لم يحصل في العالم لا لطف ولا رحمة فالمنتظر لم ينتفع به من اقر به أو من جحده..} (3).

نرى مدى جحده وبعده عن الحق بما قدمناه لانه حتى وإن قصر عقله عن استيعاب فائدة الامام المستور الان فلابد أن يستوعب بأن له فائدته عند رفع

 

(1) الاية " 34 " سورة الانفال - 8 - (2) عن توقيع صاحب الزمان عليه السلام كما ورد في كتاب الاحتجاج / ج 2 ص 284 (3) النظرية / ص 76.

 

[ 138 ]

الستار عنه وإظهاره هذا أولا ولو لم يستوعبه.

نقول ثانيا بإن الادلة التي سقناها بينت لنا وجوب وجود إمام معصوم وبإن الارض لا تخلو من ذلك لا زالت قائمة تصرخ في وجوههم مع غض النظر عن قاعدة اللطف أفلا يكفي في إظهار الحق ذلك ؟ ! ! ! ! ! !.

ولا يكتفي بهذا بل يتم كلامه { وأما سائر الائمة الاثني عشر سوى علي فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بامثالهم من أئمة الدين والعلم وأما المنفعة المطلوبة من أولي الامر فلم تحصل بهم فما ذكر من اللطف تلبيس وكذب } (1).

ترى مدى مجانبته عن الحق (2)، بعد قول رسول الله صلى الله عليه وآله (في كل خلف من امتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) (3) أولا نسأله لفظ (نفع) ماذا يقصد به ؟ ! هل يقصد به الاخذ ومجرده بأي قول هو نفع بذلك القول ؟ ! أم ماذا ؟ ! وهل يرى المنصف أن فائدة الحسن عليه السلام في زمنه كفائدة معاوية.

أم أن فائدة الحسين كفائدة يزيد..

أم أن فائدتهما عليهما السلام كفائدة بقية الصحابة وحتى لو أخذنا منهم ابن عباس مثلا..

لا أرى بإن أحدا من المسلمين يقول ذلك مع كرامة وعلم وفضل ابن

 

(1) المصدر السابق / ص 76 (2) للاستزاده وطلب معرفة مدى مجانبته للحق يراجع الصواعق المحرقة لابن حجر وكنز العمال وجامع الترمذي وغيرها من الكتب المعتبرة لترى علم ونفع ال بيت النبوه وشأنهم الذى وضحه الرسول الاكرم صلى الله عليه واله باعتراف الجميع.

(3) الصواعق المحرقة / ابن حجر / ص 148، ينابيع المودة / القندوزى الحنفي / ص 226 ذخائر العقبى / محب الدين الطبري الشافعي / ص 17.

 

[ 139 ]

عباس فكيف بغيره ؟ ! وهل نفع جعفر الصادق في أمته كنفع الجاحظ في محفله ؟ ! وهذه انباؤهم في التاريخ كان المتفقهون أمثال الذين يزمر لهم هذا وغيره يخشونهم ولا يخشون الله..

فضلا عن أن الائمة كانوا المرشدين الحقيقين للناس أما غيرهم فاغلبهم كان على الظن والشك وربما مجانبة الصواب.

عن تفسير العياشي { عن زرقان صاحب ابن أبي داود وصديقه بشدة قال: رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم فقلت له في ذلك فقال وددت اليوم إني قد مت منذ عشرين سنة.

قال: قلت له ولم ذاك ؟ ! قال لما كان من هذا الاسود أبا جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم، قال: قلت وكيف كان ذلك ؟ ! قال: إن سارقا أقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه فجمع لذلك الفقهأ في مجلسه، وقد أحضر محمد بن علي فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع ؟ قال: فقلت من الكرسوع لقول الله في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم وايديكم) واتفق معي على ذلك قوم.

وقال آخرون، بل يجب القطع من المرفق قال وما الدليل على ذلك ؟ ! قالوا لان الله لما قال (وأيديكم إلى المرافق) في الغسل دل على ذلك أن حد اليد هو المرفق.

قال فالتفت إلى محمد بن علي فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر ؟ فقال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين.

قال: دعني بما تكلموا به أي شي عندك ؟ ! قال: أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين.

قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه.

 

[ 140 ]

فقال: أما إذا أقسمت علي بالله إني أقول أنهم أخطأوا فيه السنه، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الاصابع فتترك الكف.

قال وما الحجة في ذلك ؟ ! قال: قول رسول الله صلى الله عليه وآله: السجود على سبعة أعضأ الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع ! أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى: (وأن المساجد لله) يعني هذه الاعضأ السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحدا) وما كان لله لم يقطع.

قال: فاعجب المعتصم ذلك فأمر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف.

قال ابن أبي داود: قامت قيامتي وتمنيت اني لم أك حيا.

قال ابن أبي زرقان: إن ابن أبي داود قال: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت: إن نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة وأنا أكلمه بما أعلم اني أدخل به النار.

قال وما هو ؟ ! قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهأ رعيته وعلمائهم لامر واقع من أمور الدين فسألهم عن الحكم فيه فاخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك وقد حضر المجلس بنوه وقواده ووزراؤه وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من ورأ بابه ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الامة بأمامته، ويدعون أنه أولي منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهأ، قال: فتغير لونه، وانتبه لما نبهته له، وقال جزاك الله عن نصيحتك خيرا } (1).

 

(1) تفسير العياشي عن زرقان صاحب ابن ابى داود / كما ذكر ذلك صاحب الميزان في ميزانه / ج 5 / ص 335.

 

[ 141 ]

أعن هؤلا الفقهأ يتكلم ؟ ! وإذا كان القياس كذلك فعلى الاسلام السلام.

لان محمدا بشرعه كلينين بتشريعه. فهذا أتبع وهذا اتبع.

وكيف يجرأ أن يقول هذا وهذا علي بن أبي طالب (1) يقول: { لا يقاسن بال محمد صلى الله عليه وآله من هذه الامة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة..}(2).

وقال تعالى (ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (3) وهي الاية المباركة التي جاء بها الامام الرضا عليه السلام محتجا على العلمأ الذين جمعهم الخليفة المأمون العباسي، مبينا لهم أن هذه الاية تقصد أئمة أهل البيت عليهم السلام وهم المصطفون ووارثوا الكتاب، وقد اعترفوا بذلك كلهم (4).

وبعد ذلك يسوق أدلة الشيعة على وجوب نصب الامام، ثم بعدها يقول وقد أصاب بقوله { لا شك إن أدلة الشيعة جديرة بالاعتبار، ولا شك أن انتقاداتهم المتتالية لمبدأ الاختيار لها ما يبررها } (5).

إلا أنه يحاول أن يبرر فعل الاخرين بالمشابهة والتطبيق بين نظامهم والنظام الديمقراطي حيث يوجه مصب هذه الانتقادات على ذلك النظام حينما يبدأ

 

(1) نهج البلاغة شرح ابن ابي الحديد / ج 1 / ص 45 .

(2) وفيما ذكرنا سابقا من احاديث تبين مقام اهل البيت عليهم السلام وفيما ذكره القوم المعين الصافي والكافي لمن طلب الحق وارادة.

(3) الاية " 32 " سورة فاطر.

(4) ابن عبد ربه / العقد الفريد / ج 3 / ص 42 (5) النظرية / ص 98.

 

[ 142 ]

بالدفاع بقوله { والواقع أن هذه الانتقادات موجهة إلى النظام الديمقراطي بوجه عام حيث قيامه على مبدأ سلطة الامة وأحقيتها في أختيار الامام.. } (1).

وكأننا في بحث سياسي ونريد أن نضع النقاط على الحروف بالنسبة لهذا النظام بالذات، وفاته بإن إسلامنا كامل، ولا يحتاج إلى اختبار واختبار وإلى إضافات رجال لكي يكون كاملا، وحديثه تام بلا شك ولكن ضمن القوانين الوضعية، وهذه من أساسيات انتقاداتها إلا أنه منحرف عن جادة الله وهي التي نتكلم بها والتي قال الله فيها (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) (2).

فكيف يكون لهم العذر كما ذكر.

وتراه حين يسوق أدلة الشيعة بوجوب صدور استخلاف من النبي لانه يعلم بتفرق امته إلى ثلاث وسبعين فرقة فكيف شجعهم على هذا الاختلاف المأتي من عدم نصب الامام ؟ ! وإذا لم يكن نبيا قد جاء بشرعه لكل الامم، فليكن سياسيا ومفكرا، له بعد نظر، لا يترك قومه والاخرين على شفا حفرة من الهلاك والضياع بين الاتجاه لهذا والاتجاه لذاك وليحدد مسيرتهم..

تراه حين يعرض ذلك بالتفصيل يقول { وقد استندوا في ذلك إلى برهان الخلف حين افترضوا عكس النتيجة التي أرادوا الوصول إليها ثم دللوا على بطلانها فإذا كانت الفتن قد لزمت من عدم الاستخلاف، وإذا كان النبي يعلم ذلك فلا بد أنه استخلف } (3)

 

(1) المصدر السابق / ص 99.

(2) الاية " 4 " المائدة - 5 - .

(3) النظرية / ص 102.

 

[ 143 ]

ثم يعقب على ذلك ويقول (غير أن برهان الخلف ليس هو النهج الصحيح الواجب إتباعه في استقرأ وقائع التاريخ وإنما يستند المنهج التاريخي إلى الخبر والرواية) (1).

إلى أن يقول (فاستخلاف النبي أو عدم استخلافه إنما يرجع إلى ما روي عنه من أحاديث) (2).

هذا الذي قاله أخيرا صحيح وتام ولذا نحن نرجع إلى ما روي عنه من أحاديث ونتمسك بمثل (أنت مني بمنزلة هرون من موسى..) (قل تعالوا ندعوا أبنأنا وأبنائكم ونسأنا ونسأكم وأنفسنا وأنفسكم) مرورا بغيرها من الايات والروايات وانتهأا بيوم الغدير الخالد (3).

والشيعة عندما جأوا ببرهان الخلف ما جأوا به ليثبتوا أنه قد حدث هذا الخطأ الجسيم في الامة والمفروض عدم وقوعه إذا يجب أن يكون قد استخلف لان هذا القول معناه منطقيا فإذا كان قد استخلف فلا خطأ والخطأ موجود إذا فهو لم يكن مستخلفا هذا من جهة ومن جهة أخرى لان الوقائع التاريخية لا يمكن الرجوع لها واسترجاعها.

إلا أنهم يقولون: - بإن رسول الله صلى الله عليه وآله يعلم علم اليقين بأن الفتنة ستقع من جرأ عدم الاستخلاف، وعلمه هذا من الله تعالى، فحفاظا على أمته التي ضحى من أجلها كل غال ورخيص عليه أن يستخلف وينبههم على هذا الامر ويقيمه لهم واضحا لا أعوجاج فيه، وحتى لو لم يعلمه الله تعالى بذلك - وفرض المستحيل ليس مستحيلا - فعليه كقائد محنك ورئيس إنساني أن ينصب لهم هاديا ومرشدا

 

(1) و (2) النظرية / ص 102 .

(3) وقد تم تخريج اغلب الروايات حول هذا الامر المهم وتم الكلام فيه.

 

[ 144 ]

بعده ويلزمهم السير على نهجه، لا أن يترك لهم قاعدة عريضة لحد نهاية هذا القرن وبعد مئات السنين من التطبيق والفشل والفشل والتطبيق لم تبن معالمها ولم تعرف أطرافها.

فيضيعوا.

فعليه عليه أن يبين لهم هذا، وإذا انحرفوا كما أنحرفوا لسؤ أعمالهم فهو غير مسؤول عن إنحرافهم..

وبتعبير آخر نقول: إن الشيعة لم يقولوا فإذا كانت الفتن قد لزمت من عدم الاستخلاف فلابد أنه قد استخلف.

بل يقولون إذا كانت الفتن لازمة لعدم الاستخلاف وهذا ما لا ينكره عاقل في مجتمع لم ينضج بعد فكريا لتشعب جذور الجاهلية في نفوسه ولقصر مدة الاسلام في ربوعه هذا أولا وثانيا أن أي مصلح وسياسي بسيط عندما يتبع لابد له من نصب خليفة له فكيف بمحمد صلى الله عليه وآله ؟ فإذا كأن كل ذلك فعليه يجب أن يكون قد استخلف..

ويضيفون بانه قد استخلف ومع استخلافه وتركيزه على هذا الاستخلاف أنكر ذلك حتى ضاع موقف شهده أكثر من مائه وعشرين ألف مسلم في رابعة النهار وتجرأ بعضهم فقال بإنه لم يستخلف ومشى قوله فحدث ما حدث وانكمش الحق باهله..

فكيف به لو لم يستخلف أصلا لضاع الحق وانطمر ولكان الاسلام بخبر كان هذا بعينه الذي يقو لونه يا دكتورنا الاجل وهو الذي يقررونه فراجع.

(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا

 

[ 145 ]

الالباب) (1).

(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (2).

 

(1) الاية " 10 " سورة الزمر - 39 -.

(2) الاية " 36 " سورة يونس - 10 -.

 

[ 147 ]

 

يوم الغدير

 

[ 149 ]

يوم الغدير: -

ومن هنا نرى وضوح يوم الغدير وضوحا تاما.

وقد اغنانا عنأ البحث صاحب كتاب الغدير الشيخ عبد الحسين الاميني (قدس) واطنب وافاض.

فمن أراد معرفة ذلك بالتفصيل فعليه بهذا الكتاب الممتع والحجة الدامغة ونحن سنحاول أن نلخص ما جاء منه (قدس) فيه مما له شأن بحديثنا: ذكر الغدير خمسة وعشرون من المؤرخين من البلاذري المتوفي في حدود سنة 279 ه‍ إلى نور الدين الحلبي في السيرة الحلبية المتوفى في سنة 1044 ه‍.

ومن أئمة الحديث الشافعي، وأحمد بن حنبل وقد ذكر منهم 27 سبعا وعشرين واحدا (1).

وذكر واقعة الغدير (2) من أئمة التفسير أحد عشر مفسراً.

ومن المتكلمين أحد عشر متكلما.

ومن اللغويين خمسة.

فضلا من أن رواة الحديث من الصحابة الذين وصلت روايتهم إلينا (110) عشرة وازدادوا مائة.

قد ذكرهم (قدس) على حروف الهجأ مبتدئين بابي هريرة الديوسي في حرف الالف ومنتهين بابي مرازم يعلي بن مرة بن وهب الثقفي، ويقول (قدس) بعد ذكرهم (هؤلا مائة وعشرة من اعاظم الصحابة الذين وجدنا روايتهم لحديث

 

(1) الغدير / الشيخ عبد الحسين الاميني / ج 1 / ص 7 .

(2) المصدر نفسه / ج 1 / ص 11 .

 

[ 150 ]

الغدير ولعل فيما ذهب علينا أكثر من ذلك بكثير، وطبع الحال يستدعي أن تكون رواة الحديث أضعاف المذكورين لان السامعين الوعاة له كانوا مائة ألف أو يزيدون) (1).

ثم يذكر (قدس) (84) من التابعين مع الكتب التي وردت روايتهم فيها.

ثم ينتقل إلى من روى تلك الواقعة قرنا فقرنا..

ومجمل القول: إن حديث الغدير من الاحاديث المتواترة ولو لم يكن كذلك فلا خبر متواتر عند المسلمين أصلا.

والخبر المتواتر حجة كما ثبت ذلك في محله.

إذا واقعة الغدير حجة بلا شك ولا ريب.

هذا أولا وثانيا فإن لحديث الغدير تسلط على طريق الرواية من جميع وجوهها وذلك لان الخبر إما أن ينقله رواة ثقات فيكون حجة من هذه الجهة، أو يكون متواترا فيكون حجة، أو يقوم على مضمونه الاجماع فيكون حجة، أو يكون الخبر ضعيفا فيجبر بعمل المشهور على رأي طائفة كبيرة من الفقهأ فيكون حجة..

أو يكون الطرق فيه كلها ضعيفة إلا أن مضمونها يشد بعضه بعضا فيكون حجة من كثرتها وأختلاف مصادرها.

وحديث الغدير لو سلمنا وفرضنا - وفرض المستحيل ليس مستحيلا - ضعف طرقه فبالطريقين الاخيرين يكون حجة فضلا عن أنه قد ملك التواتر وملك أيضا صحة بعض طرقه إلى المعصوم مع توفر الطرق الاخرى فيكون حديث الغدير الحديث الوحيد الذي ملك كل هذا صحة وتواترا واستفاضة واجماعا وعملا..

وكيف السبيل وهذا هو الغدير حجة علينا مهما حاولنا التنصل والهروب ودفن الرؤوس في الرمال ؟ ! !

 

(1) المصدر السابق / ج 1 / ص 60 .

 

[ 151 ]

واقعة الغدير (1): إن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن جمع الناس وخطب بهم قال { فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين }..

إلى أن قال صلى الله عليه وآله [ فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ] ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤى بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون فقال: (أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟!).

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: [ إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ] يقولها ثلاث مرات وفي لفظ أحمد بن حنبل إمام الحنابلة أربع مرات.

ثم قال: [ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.. ].

الولاية: بالفتح مأخوذة من ولى، يلي، كوقى يقي.

وهي لغة كما عن القاموس والمجمع مصدر بمعنى الربوبية والنصرة.

و - بالكسر - إسم بمعنى الامارة.

واصطلاحا: { هي سلطة على الغير عقلية أو شرعية، نفسا كان أو مالا أو كليهما بالاصل أو بالعارض } (2).

وبعد أن عد السيد بحر العلوم في بلغته أنواع الولايات قال (قدس): -

 

(1) على ما نقله الشيخ الاميني (قدس) من واقعة الغدير على الاجمال من دون ان يدخل في تفاصيل اختلاف المتن، وفيما لا يضر في المتن الرئيس / ج 1 / ص 11 .

(2) بلغة الفقيه / السيد محمد آل بحر العلوم " قدس " / تحقيق السيد حسين بحر العلوم / ج 3 / ص 210 / دار مكتبه العلمين العامة - النجف الاشرف / ط 3 / 1976.

 

[ 152 ]

{ ثم إن أكمل الولايات واقواها.

هي ولاية الله سبحانه وتعالى على خلقه من الممكنات بعد أن كانت باسرها في جميع شؤونها وكافة أطوارها مفتقرة في وجودها إلى الواجب.

مقهورة تحت سلطانه متقلبة بقدرته، إذ لا استقلالية للممكن في الوجود، لكونه ممكنا بالذات موجودا بالغير.

وعدم التعلق في الممتنع لنقص في المتعلق، لا لقصور في التعلق وإلا فهو على كل شي قدير..} (1).

ثم بعد أن كانت له الولاية المطلقة والتصرف التام في خلقه..

له أن يعطي من يشأ ما يشأ منها ضمن حسابات دقيقة لا نعلمها، الله يعلمها. وربما نشاهد بعض آثارها بحسب تفاوت الدرجات والقرب منه سبحانه. وهكذا كان..

وبعد أن أعطاها لله تعالى محمدا رسوله الكريم كما ذكر المهم منها في كتابه حيث قال: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (2).

فجعل له الولاية المطلقة عليهم كما هو ظاهر الاية المباركة..

وبعد أن عرفها المسلمون ووعوها أخذ إقرارهم بها في ذلك اليوم حيث قال صلى الله عليه وآله: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أو ما يؤدي مؤداها قالوا بلى يا رسول الله (3).

وبعد الاقرار له بالولاية عليهم أثبت تلك الولاية بعينها لعلي عليه السلام حيث قال: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه).

 

(1) المصدر نقسه / ج 3 / ص 213.

(2) الاية " 7 " سورة الاحزاب - 34 - .

(3) وقد روى هذه المقدمة حوالي (64) من حفاظ اهل السنة وائمتهم اشار إليهم الاميني " قدس " في غديره / ج 1 / ص 271.

 

[ 153 ]

(ويزيدك وضوحا وبيانا ما في (التذكرة) لسبط ابن الجوزي الحنفي ص 20 فإنه بعد عد معان عشرة للمولى وجعل عاشرها الاولى قال: والمراد من الحديث: الطاعة المخصوصة،، فتعين الوجه العاشر وهو الاولى ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به.

وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين فإنه روى هذا الحديث باسناده إلى مشايخه وقال فيه: فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي فقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه (1).

 

(1) الغدير / الشيخ الاميني / ج 1 / ص 371 - 372 (*)

 

[ 154 ]

 

الولاية..

 

إن الولاية على قسمين..

1 - الولاية التكوينية..

ولمن يملكها التصرف المطلق بالامور التكوينية أو ضمن حدود محددة.

وقد أشار إليها الكتاب العزيز بقوله تعالى: (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين) (1). فهذا العفريت له هذا التصرف العجيب..

حيث أنه يستطيع أن ينقل عرش بلقيس من اليمن إلى القدس بهذا الزمن البسيط.

فما أعجب خلق الله..

ولا نقول بإن هذا يحدث اعتباطا أو دون أسس ودراية..

بل يحدث ضمن قوانين وأسس معينة الله ورسوله أعلم بها..

ويظهر ذلك أوضح عند قوله تعالى (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) (2).

فكان ما وعد به..

وكذلك تظهر هذه الولاية ظهورا واضحا عند نبي الله داود حيث قال تعالى: (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير والناله الحديد) (3) (ولسليمن الريح غدوها شهر ورواحها شهر واسلنا له عين

 

(1) الاية " 40 " سورة النمل - 27 -.

(2) الاية " 41 " سورة النمل - 27 - (3) الاية " 11 " سورة سبأ - 34 -.

[ 155 ]

القطر..) (1).

وقال تعالى على لسان عيسى على نبينا وآله وعليه السلام (وابرئ الاكمه والابرص واحيي الموتى بإذن الله) (2).

فكان لكل من ذكر الولاية التكوينية على من شأ وما شأ كما هو ظاهر الايات المباركة المذكورة آنفا..

فكيف بحبيب الله وخليله وخاتم رسله صلى الله عليه وآله..

وكان ذلك لا بخصوصه لوليه، إذ كان من عنده علم من الكتاب يستطيع هذا فكيف بمن عنده علم الكتاب..

استنادا إلى تفسير آية (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) (3).

بأن المراد بمن عنده علم الكتاب هو علي بن أبي طالب عليهما السلام بضؤ الروايات الواردة في تفسيرها وهي متظافرة.. منها ما جاء في أصول الكافي للكليني (قدس).

بتفسير هذه الاية المباركة عن السدير عن الامام أبي عبد الله عليه السلام (4).

ومنها ما جاء عن محمد بن علي عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان الاحمر عن الصادق عليه السلام لا بتفسير هذه الاية، بل باعتباره افضل من وصي سليمان عليه السلام (5).

وبهذا المضمون ما رواه أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن محمد بن

 

(1) الاية " 13 " سورة سبأ - 34 -.

(2) الاية " 49 " سورة آل عمران - 3 - .

(3) الاية " 44 " سورة الرعد - 12 - .

(4) أصول الكافي / الكليني / ج 1 / ص 257 .

(5) بحار الانوار / ج 14 / ص 115.

 

[ 156 ]

الفضيل عن سعد أبي عمرو والجلاب عن أبي عبد الله عليه السلام (1).. (2).

فضلا عن كونه نفس محمد صلى الله عليه وآله..

وقد عبر عنها السيد بحر العلوم في بلغته بالولاية الباطنية إذ قال بعد أن ذكر (قدس).

ولاية الله تعالى { ومن رشحات هذه الولاية - ولاية النبي صلى الله عليه وآله وخلفائه المعصومين عليهم السلام بالولاية الباطنية فإن لهم التصرف في الممكنات من الذرة إلى الذروة بإذنه تعالى } (3).

وقد قال الله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (4).

قال صاحب شواهد التنزيل إنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، وكذلك ذكر مثله البحراني في غاية مرامه (5).

فإذا كان علي عليه السلام ممن ورث الكتاب، وممن اصطفاه الله من عباده، وإذا كان الكتاب الكريم يقول: (ولو أن قرانا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى) (6).

ويقول في موضع آخر: (وما من غائبة في السمأ والارض إلا في كتاب مبين) (7).

 

(1) المصدر السابق / ص 114 كل ذلك عن كتاب دراساتنا / الشيخ علي المروجي / ص 39 .

(2) راجع كتاب ينابيع المودة لسليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي / الباب " 30 " / في تفسير قوله تعالى " ومن عنده علم الكتاب " / ص 103 / ط دار الكتب العراقية.

(3) بلغة الفقيه / السيد بحر العلوم / ج 3 / ص 213 .

(4) الاية " 32 " سورة فاطر - 35 - .

(5) الحسكاني الحنفي / شواهد التنزيل / ج 2 / ص 155 - 157 الحديث 782 - 783 البحراني / غاية المرام / ص 351.

(6) الاية " 31 " سورة الرعد - 13 - (7) الاية " 75 " سورة النمل - 27 -.

 

[ 157 ]

وقال تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي) (1).

ألا يعني هذا بنأا على ترتب النتائج على المقدمات أنه يملك ذلك كله بواسطة هذه القوة الربانية.

ولماذا نستبعد ذلك ؟ !..

ونضرب مثلا..

نحن لا نستبعد مثلا رفع الثقل الهائل ممن يرفعه بواسطة عتلات متحركه، مع أن الجسم البشري يعجز عن ذلك ؟ ! ولماذا نستبعد ذلك مع أن من يملك أي آلة من المخترعات الحديثة يستطيع أن يفعل بها ما كان يعجز عنه حتى عشرات البشر بل ملايينهم ؟ ! فهذا قد تصرف بهذا بهذا، وذاك يستطيع أن يتصرف بما أعطاه الله تعالى بذلك.

وهناك ما شاء الله تعالى من الاحاديث والاخبار المستفيضة في أن عليا مع القرآن والقرآن مع علي.

ويكفينا حديث الثقلين.

فمن ذلك نعلم أنه أقرب الناس إلى القرآن، وبما أن الباري عزوجل قد خص قوما بوراثته فهو أرجح من غيره بهذه الوراثة، هذا إذا لم يرد خبر عن الرسول صلى الله عليه وآله بإنه هو الوارث، وإلا فالمعنى أثبت وأدق وأجلي.

وهذا يظهر جلينا كذلك عند تمعنك في قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) (2).

ومن هم هؤلا ؟ ! لعل قوله تعالى:

 

(1) الاية " 89 " سورة النحل - 16 - .

(2) الاية " 77 " و " 78 " و " 79 " سورة الواقعة - 56 -.

 

[ 158 ]

(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1) يكشف لنا ذلك بصورة واضحة.

فأهل البيت عليهم السلام هم المطهرون فهم المعنيون بتوضيح من القرآن الكريم نفسه.

 

(1) الاية " 33 " سورة الاحزاب - 33 -.

 

[ 159 ]

2 - الولاية التشريعية وتظهر كذلك في آيات كثيرة من كتاب الله..

قال تعالى (اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) (1).

وما هذه الاطاعة إلا للولاية التشريعية إذ لا يكون قولهم إلا تشريعا ولذا أمرنا الله تعالى باطاعة من ذكر..

وقال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (2).

فله الولاية عليهم وقد اثبتها لوصيه كما قدمنا..

وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة..) (3).

وقال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (4).

فحذر بعد أن بين لهم.

ثم ذكر من له الولاية.

بصريح قوله (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (5).

وهل بعد هذا البيان من بيان..

؟ ! وهل قصر رسول الله صلى الله عليه وآله في دعوته وفي توضيحه لرسالته ؟ !

 

(1) الاية " 60 " سورة النساء - 4 - .

(2) الاية " 7 " سورة الاحزاب - 33 - .

(3) الاية " 37 " سورة الاحزاب - 33 - .

(4) الاية " 64 " سورة النور - 24 - .

(5) الاية " 56 " سورة المائدة - 5 -.

 

[ 160 ]

وهل ترك امته سدى بعد هذا كله ؟ ! وهل للامة الاختيار ؟ ! وما أنحراف المجتمعات إلا من ذلك الانحراف لقوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة..) (1).

فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقد عبر السيد بحر العلوم (قدس) في بلغته عن هذه الولاية بالولاية الظاهرية إذ قال (قدس) { ولهم كما ستعرف الولاية الظاهرية أيضا على كافة الرعية..} (2).

وبهذا نرى سر أن يأخذ الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله إقرارهم بولايته ابتدأا ثم بعد ذلك يثبتها لعلي عليه السلام.

لكي لا يبقى مجال لمغمز أو شبهة لمشتبه بل توضيح ما بعده توضيح.

 

(1) الاية " 26 " سورة الانفال - 8 - .

(2) بلغة الفقيه / السيد بحر العلوم / ج 3 / ص 213.

 

[ 161 ]

 

الخاتمة

 

وختاما لكل ما تقدم نقول هذا المدح والثنأ الالهي، وبيان المقام المكثف لال البيت عليهم السلام.

وهذا المدح والثنأ المحمدي لاله صلى الله عليه وآله وسلم، وبيان مقامهم بكلماته وافعاله.

وهذه المودة الواجبة لهم التي هي من ضروريات الدين.

كل هذا ألا يعني شيئا ؟ ! ! هل هذا البيان المفصل لنا - نحن المسلمين - من الله ورسوله، وتبعا لذلك هذا الشعور الملازم لنا، لا يعني سوى أن حب آل البيت عليهم السلام مطلوب وكفى ؟ ! ! ألا يكون هذا أشعارا بأنه لو تعددت السبل، فسبيل آل البيت عليهم السلام هو الصحيح ؟ ! ! ألا يعني أنه إذا قال أناس نحن الفرقة الناجية، وقال اخرون ذلك أيضا فالمسلمون سيعرفون الفرقة الناجية بوجود آل البيت عليهم السلام معهم فيها؟!! والكل يدعي الولا والمحبة... وقلنا أن الكلام لا يفي، وقلنا أن سياق الادلة وكثرتها لا تدل على وجوب

 

[ 162 ]

المحبة القلبية فقط، لانها ليست بظاهرة، فالكل يدعيها.

إذا نستطيع أن نشخص الضال ممن سلك طريق الهدى ببركة وجود آل البيت عليهم السلام.

فالاخذ باحاديثهم لو تعددت الاحاديث.

والاخذ بآرائهم لو تعددت الاراء.

ف‍ (الغاية الشرعية من خصوصية القرابة حقيقة أنها تشريف، ولكنها بجوهرها تكليف لها معنى، ولها وظائف.

فمعناها: - أنها نقطة ارتكاز للمسلمين، فبهم تكتمل الدائرة ويتحدد مركزها، فيستقطبون الامة كلما تفرقت، فتقدم لهم الحل بالتأشير على نقطة الارتكاز الالهية فلا يذهب المسلمون لا للشرق ولا للغرب، ولا للشمال ولا للجنوب، إنما يذهبون للقرابة الطاهرة، ويتجمعون حولها فتجمعهم، وهي بنفس الوقت مرجعية للدين، ومرجعية للمسلمين، فتبين الدين للمسلمين وغير المسلمين، وتسمع من المسلمين ثم تقدم لهم الفهم الامثل لهذا الدين والموافق للمقصود الالهي) (1) هذا هو مقتضى ضخامة هذا التراث الهائل في مودة أهل البيت عليهم السلام، وهو يعني بالضرورة النجاة، لو أردنا النجاة.

وإلا فمجرد الحب الذي قد لا يظهر أثره أصلا في حياة المر ولو مرة واحدة أو مرات، لا يقوم مقابل هذا الوجود المكثف لال البيت عليهم السلام، في الايات القرآنية، والبيانات الرسالية.

وبعد هذا كله أهناك قرية بعد مكة ؟ !

 

(1) نظرية عدالة الصحابة / الاستاذ احمد حسين يعقوب / ص 122 – 123.

 

[ 163 ]

فمعناها: - أنها نقطة ارتكاز للمسلمين، فبهم تكتمل الدائرة ويتحدد مركزها، فيستقطبون الامة كلما تفرقت، فتقدم لهم الحل بالتأشير على نقطة الارتكاز الالهية فلا يذهب المسلمون لا للشرق ولا للغرب، ولا للشمال ولا للجنوب، إنما يذهبون للقرابة الطاهرة، ويتجمعون حولها فتجمعهم، وهي بنفس الوقت مرجعية للدين، ومرجعية للمسلمين، فتبين الدين للمسلمين وغير المسلمين، وتسمع من المسلمين ثم تقدم لهم الفهم الامثل لهذا الدين والموافق للمقصود الالهي) (1) هذا هو مقتضى ضخامة هذا التراث الهائل في مودة أهل البيت عليهم السلام، وهو يعني بالضرورة النجاة، لو أردنا النجاة.

وإلا فمجرد الحب الذي قد لا يظهر أثره أصلا في حياة المر ولو مرة واحدة أو مرات، لا يقوم مقابل هذا الوجود المكثف لال البيت عليهم السلام، في الايات القرآنية، والبيانات الرسالية.

وبعد هذا كله أهناك قرية بعد مكة ؟ !

 

(1) نظرية عدالة الصحابة / الاستاذ احمد حسين يعقوب / ص 122 – 123.

 

[ 163 ]

إذ يشدنا لال البيت عقلنا بما يسوق من أدلة لا تنطبق إلا عليهم.

وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله: حيث لا بيان قبلها ولا سبيل.

وقرآن الله، إن قرآن الله كان مشهودا..

حيث لا حجة بعده ولا دليل.

والحمد لله رب العالمين...

محمد حسين الشيخ عبد الغفار الانصاري