فصل ; خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم بيعته :

و لما أفضى الأمر إليه (عليه السلام) رقى المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال :

قد مضت أمور كنتم فيها غير محمودي الرأي أما إني لو أشاء أن أقول لقلت عفى الله عما سلف سبق الرجلان و قام الثالث كالغراب همته بطنه و فرجه يا ويله لو قص جناحه و قطع رأسه لكان خيرا له .

و استمر في الخطبة إلى آخرها و فيها عجائب من فصيح الكلام و غرائب من بديع المقال و العلماء متفقون عليها عنه (عليه السلام) و قد ذكرها أبو عبيدة معمر بن المثنى و فسر غريب الكلام فيها و أوردها المدائني في كتبه و ذكرها الجاحظ مع نصبه و عداوته لأمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه الموسوم بالبيان و التبيين .

[126]

الخطبة الشقشقية :

فأما خطبته (عليه السلام) التي رواها عنه عبد الله بن عباس رحمه الله فهي أشهر من أن ندل عليها و نتحمل لثبوتها و هي التي يقول في أولها :

أما و الله لقد تقمصها ابن أبي قحافة و إنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل و لا يرقى إلي الطير لكني سدلت دونها ثوبا و طويت عنها كشحا أرى تراثي نهبا فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجى .

حتى أتى على الشورى فيها , فقال : فجعلني عمر سادس ستة زعم أني أحدهم فيا لله و للشورى متى اختلج الريب في مع الأولين منهم حتى صرت أقرن بهذه النظائر و لكني أسففت مع القوم حين أسفوا و طرت معهم حين طاروا انتظارا للمدة و الأجل .

[127]

في كلام طويل اختصرناه هاهنا ; فدل ما ذكرناه عنه (عليه السلام) على كراهيته من تقدم عليه و إنكاره ما صنعوه في ذلك و خصومنا لعنادهم الحق و تجاهلهم يجعلون الأخبار الشاذة في كراهة نفر معدودين لبيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) قدحا في إمامته و لا يجعلون ما ذكرناه من خلاف وجوه المسلمين و عامة المؤمنين و الأنصار و المهاجرين في إمامة الثلاثة النفر المذكورين حجة في بطلانها و لا إنكارهم لذلك و كراهتهم لها قدحا فيها و يدعون مع ذلك بعجبهم و جرأتهم و قلة أمانتهم إجماع الأمة عليهم إن هذا لشي‏ء عجيب.

و إني مثبت طرفا من الأخبار التي جاءت ببيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و أنها كانت على وفاق ما ذكرت في أول الباب من الرغبة إليه في قبولها منهم و الإيثار لتقدمه عليهم و الاختيار منهم ليتأيد ما قصدنا الإيضاح عنه من ثبوت إمامته على أصول الموافقين من شيعته و المخالفين لهم في ذلك حسب ما بيناه إن شاء الله .

[128]

حرب الجمل