فهرس القسم الثالث

مصنفات الإمام (عليه السلام) وأعماله العلمية

وأمير المؤمنين (عليه السلام) أول من صنف في دنيا المسلمين، ويحصي المؤرخون لسيرة الإمام (عليه السلام) عدداً من مؤلفات الإمام وأعماله العلمية تأتي في طليعتها.

1- جمع القرآن الكريم مرتباً حسب النزول:

وبيّن في ذات الوقت عامه، وخاصه، ومطلقه، ومقيده ومحكمة ومتشابهة وناسخة ومنسوخة، وعزائمه ورخصه، وسننه، وآدابه(1). كما أشار الإمام (عليه السلام) إلى أسباب النزول لآيات الكتاب العزيز، حتى لقد قال ابن سيرين: لو أصبت ذلك الكتاب لكان فيه العلم(2).

وجمع الإمام (عليه السلام) للقرآن الكريم على النمط المذكور إنما هو للتفسير أقرب منه للجمع الخالص، فقد أودع عمله ذلك علماً كثيراً، الأمة في مسيس الحاجة إلى مثله.

كما أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد تفرغ للعمل الرسالي الكبير، بعد حادثة السقيفة وما تمخض عنها من استخلاف أبي بكر، فعكف (عليه السلام) على إنجاز المهمة التاريخية في تدوين القرآن في مصحف واحد، ولقد روى عنه بهذا الصدد قوله:

- «لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقسمت أن لا أضع ردائي على ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن»(3).

وبمقدور المرء أن يقدر قيمة ذلك العمل إذا وضع نصب عينيه ما يحظى به القرآن الكريم من قيمة عظمى في دنيا المسلمين من الوجهة الفكرية والتشريعية والحضارية.

2- مصحف فاطمة:

ويبدو أن الإمام (عليه السلام) بادر –بعد إنجاز مهمة جمع القرآن إلى تأليف كتاب لفاطمة الزهراء (عليها السلام) صار يعرف عند أبنائها بمصحف فاطمة، وكان يتضمن مواعظ وحكماً وأمثالاً وعبراً وأخباراً وأفكاراً مستقبلية لتكون عوناً على التخفيف من الآلام التي اكتنفت حياة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله).

3- الصحيفة:

وهي كتاب في الديات «وهي الأموال المفروضة في الجناية على النفس أو الطرف أو الجرح أو نحو ذلك وتثبت الدية في موارد الخطأ المحض أو الشبيه بالعمد أو فيما لا يكون القصاص فيه أو لا يمكن..»(4).

وقد روى البخاري ومسلم من تلك الصحيفة، أوردها ابن سعد في كتابه الجامع، كما أكثر ابن حنبل الرواية عن هذه الصحيفة.

4- الجامعة:

وهي في كتاب صحائف من الجلود، أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد تضمن كل ما يحتاج إليه الناس من حلال وحرام، وقد جاء الكتاب مفصلاً لما جاء في كتاب الله من أحكام وأوامر ونواه.

وقد ورث الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) هذا الكتاب كابراً عن كابر، وكانوا يطلقون عليه تارة اسم الجامعة، وتارة الصحيفة، وأخرى كتاب علي، ورابعة الصحيفة العتيقة.

ووردت عن الصادقين (عليهم السلام) عدة روايات تؤكد أهمية كتاب الجامعة، وكونه مرجعهم في أخذ التشريع الإلهي، وأنهم لا يحتاجون إلى الناس لوجود ذلك الكتاب، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «أن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس، وإن الناس ليحتاجون إلينا، وأن عندنا كتاباً أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخطه علي (عليه السلام) صحيفة فيها كل حلال وحرام»(5).

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً يصف فيه الجامعة «تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهي فيها حتى أرض الخدش»(6).

5- صحيفة الفرائض:

ويبدو أن هذه الصحيفة قد دون فيها الإمام (عليه السلام) قضاءه في المواريث أو غيرها من أبواب القضاء، ومن المرجح أن تكون هذه الصحيفة بعضاً من الجامعة(7).

6- كتاب الجفر:

«وهو لغة جلد الماعز أو البعير أو الثور»:

وقد أطلق اسم الجفر على أحد أبواب العلم الذي دونه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من أملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جلد، ويبدو أن كتاب الجفر غير الجامعة من ناحية الفكر الذي يتضمنه، فالجفر كما تفيد روايات الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) ينطوي على حوادث المستقبل، وصحف الأنبياء السابقين والكتب المنزلة قبل القرآن الكريم(8).

وللإمام علي (عليه السلام) تصانيف أخرى وذكرها المؤرخون ككتاب زكاة النعم، وكتاب في أبواب الفقه، وكتاب في علوم القرآن وغيرها(9).

المصنفات في تراث الإمام الفكري:

وبالرغم من أن الإمام (عليه السلام) قد دون عدداً من المؤلفات العظيمة فإنه يبدو أن مؤلفاته قد انصبت على ما قضت به الضرورة من حفظ الرسالة الإلهية وتوضيح معالمها للأجيال من خلال شرح القرآن الكريم، وتبيان بعض مقاصده، أو تحديد بعض أبواب الفقه الإسلامي، أم آراؤه وأفكاره الأخرى التي تحتل مركز الريادة في الفكر الإسلامي، والتي جاءت انعكاساً للرسالة الإلهية على صفحة ذهنه وعقله، فكانت خطباً ومناقشات وحكماُ ومواعظ وتوجيهات ونحوها من أدوات التعبير عن ماهية الرسالة، فإن الإمام (عليه السلام) لم يتصد لجمعها في تصانيف محددة ومن المؤكد أن يكون جزء كبير منها قد اندرس بيد أن بعضاً من آرائه وأفكاره قد حظي بالتدوين

بعد زمن طويل من وفاة الإمام (عليه السلام) ومن المرجح أن يمثل ذلك البعض نسبة قليلة جداً من عطائه الفكري العظيم عبر عمره الشريف.

فقد جمع العلماء بعض ما خلفه الإمام (عليه السلام) من مبادئ ومفاهيم في مؤلفات عديدة نذكر منها:

1- نهج البلاغة، جمعه الشريف أبو الحسن الرضي ابن الحسين الموسوي، المتوفى سنة 404 للهجرة ويشتمل الكتاب على ما اختاره الشريف من خطب الإمام (عليه السلام) وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه، وقد اهتم بالكتاب المذكور جل العلماء والمفكرين ورجال الأدب قراءة واستيعاباً وشرحاً، حتى بلغت شروحه خمسين شرحاً ومن الشراح للنهج: أبو الحسن البيهقي، والإمام فخر الدين الرازي، والقطب الراوندي، ومحمد ميثم البحراني، وعز الدين بن أبي الحديد المدائني، وغيرهم.

ولقد انطوى نهج البلاغة على روائع في الفكر بشتى شعبه ومناحيه:

في العقائد والأخلاق ونظام الحكم وطبيعة المجتمع وعلاقة الإنسان بالله تعالى ونحو ذلك من أبواب.

وهو إلى جانب ذلك جاء آية في الأدب الإنساني الرفيع الذي عز نظيره في أدب اللغة العربية دقة وعمقاً وتصويراً.

2- مسنده الذي جمعه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة 303 للهجرة وأسماه مسند علي، وقد ضمنه بعض ما أثر عن الإمام (عليه السلام) من أحاديث وروايات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).

3- غرر الحكم ودرر الكلم، جمعه عبد الواحد بن محمد الآمدي، وهو يشتمل على طائفة من حكم الإمام (عليه السلام) القصيرة ويقارب في حجمه نهج البلاغة.

4 - مطلوب كل طالب من كلام علي بن أبي طالب جمعه أبو إسحاق الوطواط الأنصاري ويحتوي على طائفة من حكم الإمام (عليه السلام).

5- مائة كلمة جمعها الجاحظ.

6- نثر اللآلئ جمع أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن.

7- ما اشتمل عليه كتاب صفين لنصر بن مزاحم من خطب الإمام (عليه السلام) وكتبه.

8- جنة الأسماء. شرحه الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة 505 للهجرة.

9- ما أثر عنه من الأدعية والمناجاة قد طبع بعضه باسم الصحيفة العلوية. جمعها عبد الله بن صالح السماهيجي.

10- قلائد الحكم وفرائد الكلم جمع القاضي أبي يوسف الإسفراييني، وغير ذلك من التصانيف(10).

 

1 - المراجعات/ السيد عبد الحسين شرف الدين مراجعة (110) ص324. 

2 - نفس المصدر.

3 - مناقب آل أبي طالب ج1 «في المسابقة بالعلم» ج2 ص41. 

4 - مباني تكملة المنهاج ج2 كتاب الديات/ السيد أبو القاسم الخوئي.

5 - أصول الكافي ج1 باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة (عليها السلام)

6 - الأديم: الجلد.

الفالج: الجمل العظيم ذو السنامين.

والأرش: دية الجراحات.

7 - عقيدة الشيعة في الإمام الصادق/ السيد حسن يوسف مكي العاملي ص65. 

8 - يراجع أصول الكافي ج1 باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة (عليها السلام) وعقيدة الشيعة في الإمام الصادق ص66. 

9 - أعيان الشيعة ج3 قد 2 باب «مؤلفات أمير المؤمنين (عليه السلام)».

10 - راجع أعيان الشيعة ق 2 ج 3 ص274 ط3 - بيروت للسيد محسن الأمين.