فهرس القسم الثالث

علاقة الإمام علي بالله تعالى

سبق أن أشرنا في حديثنا عن شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن علاقة المسلم بالله تبارك وتعالى، ليست محدودة في إحدى زوايا حياته أبداً، وإنما هي كما حدد الله سبحانه أبعادها لعباده من خلال شريعته التي ارتضى لهم: تجرد كامل للعزيز المتعال عز وجل بكل خلجات النفس، وبكل حركة في الحياة: في الصلاة والصيام والحج والاعتكاف، بشعائر التعبد وبالعلاقات الأسرية والاجتماعية عامة بالحكم والقضاء بالمحيا والممات وما بعد الموت(1).

وقد جسد القرآن الكريم حجم العلاقة بين العبد وربه الأعلى بقوله تعالى: (قُل إِنّ صلاتي ونُسُكي وَمَحْيايَ وَمَمَاتي لله رَبِّ العالَمين) (الأنعام/ 162).

على أن شعائر الإسلام الكبرى: كالصلاة والصوم والحج وسواها وإن كانت جزءاً من هيكل العبودية لله تعالى التي تشمل الحياة الإنسانية كلها. إلا أن هذه الشعائر تختص بسمات خاصة «توقيفية» ككيفية الأداء والوقت والعدد، فهي في هذه المجالات محددة من قبل الله تبارك وتعالى فلا مجال فيها لتبديل أو تحوير أو نقص أو زيادة.

ثم إنها تمتاز في كونها وقفات خالصة لله سبحانه ليس فيها غايات أخرى غير رضوان الله والاستجابة لأمره، ومن أجل ذلك تفقد هذه الفرائض طابعها العبادي إذا دخل إطارها رياء أو نحوه.

وهي ميزة لا تتحقق في أمور الحياة الإنسانية الأخرى وإن كانت سابحة في إطار من العبودية لله تعالى.

فالزواج والنشاط الاقتصادي مثلاً ونحوهما من العقود وإن كانت شريعة الله تعالى تضعها في مسار العبودية لله، والمرء من خلالها يؤدي عبادة إذا هو التزم بأحكام الشريعة الإسلامية في تحديد وجهتها وأبعادها ومستلزماتها إلا أنها تبقى حاملة لأغراض أخرى فالزواج مثلاً إن كان يحقق غاية إسلامية من ناحية تحصين الفرد المسلم عن الوقوع في المحرم، حتى أن الإسلام يعتبر عملية الزواج من لدن المسلم إحرازاً لنصف الدين –كما في الحديث الشريف– كما أن الالزام بأحكام الشريعة الخاصة في حقول التعامل بين الزوجين ونحوها يعتبر أمراً مفروضاً على المؤمنين..

أقول إلى جانب هذه الأمور التي ترافق عملية الزواج، فإن الميل يبقى خلفية أساسية من خلفيات حمل الفرد على تعاطيه.

وهكذا تظهر خلفيات أخرى غير الخلفية العبادية في مثل هذه الأمور..

ومن هنا نرى أن أمر الزواج والنشاطات الاقتصادية في مثالنا أمور توجد في كل مجتمع في الماضي والحاضر، قبل عصر التنزيل وبعده بالنظر لارتكازها على حاجات طبيعية لدى الكائن الإنساني، ومهمة شريعة الله تعالى ترتكز على إضفاء الصبغة الشرعية عليها بعد تهذيبها وتحديد مسارها ووضع مخطط إسلامي لصوغها وفقاً لمتطلبات الفطرة البشرية.

وبناء على هذا التحديد لطبيعة علاقة المسلم بالله تبارك وتعالى فسنستعرض علاقة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالله تعالى من خلال الفرائض والسنن الإسلامية.

 

1 - القسم الثالث من سيرة المصطفى (صلى الله عليه وآله) للمؤلف.