وأسند نحوه ابن جبر في نخبه عن سفيان الثوري إلى سلمان عن عدة طرق وفي بعضها قول النبي صلى الله عليه وآله له لما سأله عن وصيه من وصي موسى؟ قال: يوشع لأنه كان أعلم أمته، فقال: وصيي أعلم أمتي بعدي علي بن أبي طالب. و قريب منه عن ابن حنبل، وعن أبي رافع وعن زيد بن علي أن أبا ذر لقي عليا عليه السلام فقال: أشهد لك بالموالاة والأخوة والوصية.
وأسند في نخبه المذكور قول النبي صلى الله عليه وآله: خلق الله مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي أنا أكرمهم عند الله، ومثلهم من الأوصياء وعلي أكرمهم على الله.
وأسند الطبري إلى أبي الطفيل قول علي لأصحاب الشورى: أناشدكم بالله هل تعلمون للنبي وصيا غيري؟ قالوا: اللهم لا، وفي كتاب المناقب لابن المغازلي مرفوعا إلى ابن عباس من قول النبي صلى الله عليه وآله: من انقض هذا الكوكب في منزله فهو الوصي بعدي، فقام فئة من بني هاشم، فرأوه في منزل علي عليه السلام فقالوا: غويت في حب علي: فأنزل الله تعالى (والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى).
وأسند أيضا إلى ابن بريدة قول النبي صلى الله عليه وآله: ما من نبي إلا وله وصي ووارث وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب وفي الجمع بي الصحيحين للحميدي أنه ذكر عند عائشة أن عليا [ كان ] وصيا فقالت: سمعته من النبي حين وفاته.
وأسند ابن مردويه وهو حجة عند الخصم إلى أم سلمة أنه كان لها مولى يسب في عقب كل صلاة له عليا، فقالت: ما حملك على سبه؟ فقال: قتل عثمان وشرك في دمه، فقالت: لولا أنك ربيتني وأنت بمنزلة والدي ما حدثتك بسر رسول الله صلى الله عليه وآله اجلس فجلس فحدثته بمناجاة رسول الله له في بيتها وأنه من دخولها عليهما منعها حتى ظنت أنه قد ذهب يومها، ثم أذن النبي صلى الله عليه وآله لها، وقال: لا تلوميني فإن جبرائيل أتاني فيما هو كائن بعدي، وأمرني أن أوصي به عليا من بعدي، وكان جبرائيل عن يميني، وعلي عن شمالي، فأمرني أن آمره بما هو كائن إلى يوم القيامة، فاعذريني، إن الله تعالى اختار من كل
وأسند إلى أنس أنه قال: كنا نهاب أن نسأل النبي صلى الله عليه وآله فنسأل سلمان أن يسأله فقال له يوما: يا رسول الله من أسأل بعدك؟ فقال صلى الله عليه وآله: إن أخي ووزيري و خليفتي في أهل بيتي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب، وقد سلف قريب منه و [ مسند ] إلى زيد بن أرقم قول النبي صلى الله عليه وآله: علي بن أبي طالب إمامكم ودليلكم فوازروه، فإن ربي أمرني بما قلت لكم.
قال عبد المحمود: تصفحت بعض كتب ابن مردويه فوجدت فيه مائة واثنين وثمانين منقبة لعلي بن أبي طالب من النبي صلى الله عليه وآله منها تصريحاته بالنص على خلافته، وأنه القائم مقامه في أمته.
كم معجز وفواضل وفضائل | لم تنتمي إلا لمجدك يا علي |
أصغى لها سمع الغوي وقلبه | حتى أناب فكيف ظنك بالولي |
فصل
أنكر بعض المخالفين وصية سيد المرسلين إلى أمير المؤمنين، فقلنا: قال الله تعالى في كتابه العزيز: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين(1)) فهذه الآية نسخت بآية المواريث وجوبها فإنه قد استمر جوازها كما قرر في الأصول، وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله بالاقتداء بالنبيين وقد روى ابن حنبل وغيره أنهم نصبوا الوصيين، و سنذكر شيئا منه قريبا إن شاء الله.
وأيضا فترك الوصية إن كان معصية فالنبي صلى الله عليه وآله منزه عنها، وإن كان طاعة وجب تأسي الأمة فيها، فلا فائدة في الأمر بها، ولو جاز في كل آية ظاهرها
____________
(1) البقرة: 180.
إن قيل: إنما كتب الله الوصية بأمور الدنيا للوالدين والأقربين، ولمن عليه دين أو كان له طفل ونحو ذلك، أما في أمور الدنيا فلا، قلنا: الوصية بالدين أعظم، وخصوصا من النبي المرشد إلى الدين فذكر الوصية للدنيا تنبيه بالأدنى على الأعلى، فالوصية به أولى، وبالدين قد أوصى يعقوب بقوله: (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون(3)) وقد اعترف الخلفاء والعلماء والصدر الأول وغيره من الشعراء بوصية سيد الأنبياء.
قالوا: أسند مسلم والبخاري في الحديث التاسع من المتفق عليه أن طلحة ابن مصرف سأل ابن أبي أوفى: هل أوصى النبي؟ صلى الله عليه وآله فقال: لا، قال: فكيف كتب على الناس الوصية وأمر بها؟ قال: أوصى بكتاب الله وفي حديث وكيع كيف أمر الناس بالوصية؟ وفي حديث نمير: كيف كتب على المسلمين الوصية؟
قال الحميدي: وفي الحديث زيادة لم يخرجها مسلم والبخاري ذكرها أبو مسعود وأبو بكر البرقاني وهي أن أبا بكر كان يتأمر على وصي رسول الله.
فنقول: في صحيح مسلم من طرق عدة ما حق مسلم أن يبيت إلا ووصيته عنده مكتوبة وأخرجه البخاري أيضا وخبر ابن أبي أوفى الذي لم يذكر فيه الوصية بالعترة مردود لأنه لم يسنده إلى أحد ولأنه منحرف عن علي عليه السلام ولأن شهادته على نفي فلا تسمع، ولأنه خبر واحد، ومخالف للشهرة والكتاب وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله باطراح ما خالف الكتاب والسنة، وقد روته الفرقة المحقة في مواضع لا تحصى
____________
(1) الأعراف: 3.
(2) براءة: 128.
(3) البقرة: 132.
وروى نحوه ابن حنبل في مسنده من عدة طرق، ومسلم في موضعين من الجزء الرابع من صحيحه، وفي كتاب السنن، وصحيح الترمذي، وابن عبد ربه في كتاب العقد، وابن المغازلي من عدة طرق في كتابه، والثعلبي في تفسيره في سورة آل عمران في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا(1)) ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين من طرق عدة.
وأسند الزمخشري إلى النبي صلى الله عليه وآله: (فاطمة مهجة قلبي وابناها ثمرة فؤادي وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي، حبل ممدود بينه وبين خلقه من اعتصم به نجى، ومن تخلف عنه هوى.
وقد ذكر أهل التواريخ أن المأمون جمع أربعين عالما من أهل المذاهب الأربعة وناظرهم بعد أن أوثقهم من نفسه بالإنصاف لهم فأورد نصوصا من النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام فاعترفوا له بالخلافة، وله في ذلك أشعار تشعر بما ذكرناه، منها ما نقله الصولي في كتاب الأوراق:
ألام على شكر الوصي أبي الحسن | وذلك عندي من عجائب ذي المنن |
ولولاه ما عادت لهاشم إمرة | وكانت على الأيام تفضى وتمتهن |
خليفة خير الناس والأول الذي | أعان رسول الله في السر والعلن |
وروى ابن المغازلي في كتاب المناقب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله أهدي له بساط، فأجلسن عليه العشرة بعد أن ناجى عليا طويلا ثم قال: يا ريح احملينا فحملتهم، ثم قال: ضعينا، فوضعتهم على أهل الكهف، فسلموا عليهم فلم يردوا فسلم علي فردوا، فقال لهم علي في ذلك، فقالوا: لا نكلم بعد الموت إلا نبيا أو وصيا ثم قال: احملينا فحملتهم، ثم قال: أوضعينا فوضعتهم بالحيرة، فقال عليه السلام:
إنكم تدركون النبي صلى الله عليه وآله في آخر ركعة فأدركناه فيها، وهو يقرأ (أم حسبت
____________
(1) آل عمران: 103.
وذكره الثعلبي في تفسيره وزاد فيه: ثم صاروا في رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي فيحييهم الله تعالى ثم يرقدون إلى يوم القيامة، وروى الفرقة المحقة هذا الحديث من طرق كثيرة وقد اشتمل طاعة الريح لعلي عليه السلام كسليمان وإحياء الموتى لعيسى، وشهادتهم له بالوصية وعلم الغيب، وقد أسلفنا قول النبي صلى الله عليه وآله: لكل نبي وصي ووصي ووارثي علي بن أبي طالب. وفي حديث ابن مهدي زيادة ذكرها أبو مسعود وأبو بكر البرقاني وهي أن أبا بكر كان يتأمر على وصي رسول الله.
وروى أخطب خوارزم: صاح نخل المدينة: هذا محمد سيد النبيين وهذا علي.
سيد الوصيين.
فهذه الآثار ليست من كتب الروافض كما تزعمون، ولا من تدليس الشيعة كما تتوهمون.
إن قيل: قوله: (وصيي) لا يقتضي نفي وصية غيره، قلنا: لم أجد لغيره وصية نبي، مع أن تالي الخبر يبنى على مقدمته، ومقدمته (لكل نبي وصي) وأيضا فيجب حصر المبتدأ في الخبر، بحكم العربية؟، فالقوم يعز عليهم أن يأتوا بخبر من طرقنا فيه قريب مما ذكرنا من طرقهم.
ولقد حلف عبادة بن الصامت أن عليا كان أحق بالخلافة من أبي بكر كما أن النبي صلى الله عليه وآله أحق بالنبوة من أبي جهل، وقال: دخل أبو بكر وعمر على النبي صلى الله عليه وآله ثم دخل على أثرهما علي، فكأنما سفي الرماد في وجهه أي وجه النبي صلى الله عليه وآله وقال: أيتقدمان عليك وقد أمرك الله تعالى عليهما؟ فقالا: نسينا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله: لا والله وكأني بكما وقد سلبتموه ملكه ثم بكى، وقال:
يا علي صبرا صبرا فإذا أمنك الأمر فالسيف السيف، القتل القتل، حتى يفيئوا إلى أمر الله، فإنك وذريتك على الحق إلى يوم القيامة، ومن ناواك على الباطل.
____________
(1) الكهف: 9.
وأسند ابن المغازلي الشافعي إلى أبي أيوب الأنصاري أن فاطمة دخلت على النبي صلى الله عليه وآله في مرضه، فبكت، فقال: إن الله تعالى اطلع على الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع ثانية فاختار منها بعلك، وأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا، نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، ومنا مهدي هذه الأمة. وفي هذا الحديث عدة فضائل أخذنا منها موضع الغرض، وأما الفرقة المحقة فروت من ذلك ما لا يحصى.
وروى الشيخ محمد بن جعفر المشهدي الحائري في كتاب ما اتفق من الأخبار في فضل الأئمة الأطهار إلى الباقر، إلى أبيه، إلى جده، إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: علي بن أبي طالب خليفة الله وخليفتي، وحجة الله وحجتي، وباب الله وبابي وصفى الله وصفيي، وحبيب الله وحبيبي، وخليل الله وخليلي، وسيف الله وسيفي، وهو أخي وصاحبي، ووزيري، ووصيي، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، ووليه وليي وعدوه عدوي، وحربه حربي، وسلمه سلمي، وقوله قولي. وأمره أمري، وزوجته ابنتي، وولده ولدي، وهو سيد الوصيين وخير أمتي أجمعين.
وأسند علي بن الحسين عليه السلام أن جابرا انكب يوما على أيدي الحسنين وأرجلهما وجعل يقبلهما، فقال له رجل قرشي في ذلك، فقال له: لو علمت ما أعلم من فضلهما، لقبلت ما تحت أقدامهما، إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني يوما أن: آت بهما! فحملت هذا مرة وهذا مرة وجئته بهما، فلما رأى تكريمي إياهما قال لي:
يا جابر أتحبهما؟ قلت: كيف لا أحبهما ومكانهما منك مكانهما؟
فقال صلى الله عليه وآله: ألا أخبرك يا جابر بفضلهما؟ قلت: بلى جعلت فداك قال:
وأسند ابن المغازلي في مناقبه إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال صلى الله عليه وآله: كنت أنا وعلي نورا قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما خلق آدم ركب ذلك النور في صلبه ولم يزل كذلك حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففي النبوة، وفي علي الخلافة.
وأسند نحوه أيضا بطريقين آخرين، ونحوه أسند الديلمي في الباب الخامس من كتاب الفردوس.
وأسند عثمان بن عفان أن راهبا نصرانيا دخل المسجد ومعه بختي موقور ذهبا وفضة، فقال: من أميركم؟ فأومأنا إلى أبي بكر، فقال: ما اسمك؟ قال:
عتيق، قال: ثم ما اسمك؟ قال: صديق، قال: ثم ما اسمك؟ قال: لا غير، قال:
لست بصاحبي، قال: ما حاجتك؟ قال: مسألة إن أجبت عنها أسلمت، وهذا المال فيكم فرقت، وإن عجزت عنها رجعت، قال: سل.
قال: ما شئ ليس لله، وليس عند الله، ولا يعلمه الله؟ فلم يحر جوابا، ودعا عمر، وسأله فعجز، فجاء سلمان بعلي عليه السلام، ففرح المسلمون به، فقال أبو بكر:
سل هذا فإن عنده ما سألت من ملتمسك وهو يغنيك، فقال: ما اسمك؟ فقال: أما عند اليهود أليا، وعند النصارى أيليا وعند والدي عليا وعند أمي حيدرة، فقال:
ما محلك من نبيك؟ قال: أخوه وصهره وابن عمه، قال: أنت صاحبي ورب عيسى ثم سأله فقال علي عليه السلام: على الخبير سقطت(1) ليس لله صاحبة ولا ولد، وليس عنده
____________
(1) مثل سائر للعرب، أي على العارف وقعت وعثرت، يقال: إن المثل لمالك بن جبير العامري وكان من حكماء العرب، وتمثل به الفرزدق للحسين بن علي عليه السلام حين أقبل يريد العراق فلقيه وهو يريد الحجاز فقال له الحسين عليه السلام: ما وراءك؟
قال: على الخبير سقطت، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والأمر ينزل من السماء فقال الحسين عليه السلام: صدقتني. راجع مجمع الأمثال ج 2 ص 24.
فقطع الراهب الزنار من رقبته، وقبل بين عينيه، وأسلم على يدي علي عليه السلام، واعترف له بالخلافة والتسمية، وأنها في كتبهم، وأخذ المال وفرقه في المحاويج من وقته.
فقد اشتمل هذا الحديث على اعتراف أبي بكر له بالعلوم، وهي موجبة للخلافة لآية: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع(1)) وبالإمامة حيث قال: هذا يغنيك وإنما طلب الخليفة، وعلي ذكر اسمه في الكتب السالفة كما ذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله فيها، كما قال الرب الجليل: (يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل(2)).
وذكر الراوندي في خرائجه عن أبي خيثمة قال: خرجت إلى الروم لئلا أكون مع علي أو عليه، فسمعت على نهر ميا فارقين(3):
يا أيها الساري بشط فارق | مفارقا للحق دين الخالق |
فالتفت فلم أر أحدا، فقلت:
أنا أبو خيثمة التميمي | تركت قومي عازما للروم |
فقال:
إسمع مقالي واوع قولي ترشد | ارجع إلى نحو علي المسدد |
____________
(1) يونس: 35.
(2) الأعراف: 157.
(3) قال الفيروزآبادي: ميابنت أدبنت مدينة فارقين فأضيفت إليها.
وأسند سليم بن قيس الهلالي إلى علي قول النبي صلى الله عليه وآله: افترقت اليهود أحدا وسبعين فرقة: واحدة ناجية، وهي التي اتبعت وصي موسى عليه السلام وافترقت النصارى اثنين وسبعين فرقة: واحدة ناجية، وهي التي اتبعت وصي عيسى عليه السلام وستفترق أمتي ثلاثة وسبعين فرقة واحدة ناجية وهي من اتبعت وصيي، وضرب بيده على منكب علي.
وقد اشتهر في الأزمان والبلاد، ما استغنى عن الإسناد، لتلقيه بالقبول من سائر العباد(1) أنه عليه السلام لما توجه إلى صفين عطش عسكره عطشا شديدا، فأخذوا يمينا وشمالا يلتمسون ماء، فعدل بهم عليه السلام عن الجادة قليلا، فلاح لهم دير فسألوا صاحبه عن الماء، فقال: هو على رأس فرسخين فأرادوا المشي إليه فقال لهم عليه السلام:
لا حاجة لكم إلى ذلك ثم أمرهم بكشف مكان بقرب الدير، فوجدوا صخرة ملساء أعجزهم قلعها، فقلعها عليه السلام ودحى بها أذرعا، فشربوا ثم ردها وأعفى أثرها، فنزل الراهب، وقال له: أنت نبي؟ فقال: لا، قال: فمن أنت؟ قال عليه السلام: وصي محمد فأسلم وأقر له عليه السلام بالوصاية، وقال: إنا نجد في كتبنا أن هنا عينا. لا يعرف مكانها إلا نبي، وآية معرفته كشفها، وقلع الصخرة عنها، وإنما بني هذا الدير طلبا لها، فلما سمع المسلمون ذلك شكروا الله على معرفة حق أمير المؤمنين.
وفي هذا الحديث علمه بالأشياء الغائبة، وقوته الباهرة، وذكره في الكتب الخالية وتثبيت الوصية، والمزية السامية، وقد أنشأ السيد الحميري في ذلك قصيدته البائية المذهبة(2) فمن أرادها وقف عليها، وله أيضا في ذكر الوصية:
____________
(1) وفي بعض النسخ: وقد اشتهر في الأزمان والبلدان، ما استغنى عن الإسناد والإعلان لتلقيه بالقبول من سائر العباد والاذعان.
(2) في بعض النسخ: اليائية، وفي بعضها التائية، والصحيح ما في المتن، والقصيدة على ما في إرشاد المفيد ص 159 هكذا:
ولقد سرى فيما يسير بليلة | بعد العشاء بكربلا في موكب |
حتى أتى متبتلا في قائم | ألقى قواعده بقاع مجدب |
يأتيه ليس بحيث يلقى عامرا | غير الوحوش وغير أصلع أشيب |
فدنا فصاح به فأشرف ماثلا | كالنسر فوق شظية من مرقب |
هل قرب قائمك الذي بوأته | ماء يصاب؟ فقال: ما من مشرب |
إلا بغاية فرسخين ومن لنا | بالماء بين نقي وقى سبسب؟ |
فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى | ملساء يلمع كاللجين المذهب |
قال اقلبوها إنكم إن تقلبوا | ترووا ولا تروون إن لم تقلب |
فاعصو صبوا في قلعها فتمنعت | منهم تمنع صعبة لم تركب |
حتى إذا أعيتهم أهوى لها | كفا متى ترد المغالب تغلب |
فكأنها كرة بكف حزور | عبل الذراع دحى بها في ملعب |
؟ سقاهم من تحتها متسلسلا | عذبا يزيد على الألذ الأعذب |
حتى إذا شربوا جميعا ردها | ومضى فخلت مكانها لم تقرب |
علي وصي المصطفى وابن عمه | وأول من صلى لذي العزة العالي |
وناصره في كل يوم كريهة | إذا كان يوما ذو هرير وزلزال |
وذكر ابن عبد ربه في الجزء الأول من كتاب العقد أبيات المذحجية:
إما هلكت أبا حسين فلم تزل | بالحق تعرف هاديا مهديا |
فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت | فوق الأراك حمامة قمريا |
قد كنت بعد محمد خلفا لنا | أوصى إليك بنا وكنت وفيا |
فاليوم لا خلف يؤمل بعده | هيهات نأمل بعده إنسيا |
وقال ابن العودي:
وقلتم مضى عنا بغير وصية | ألم أوص لو طاوعتم وعقلتم |
وقد قلت من لم يوص من قبل موته | يمت جاهلا بل أنتم قد جهلتم |
نصبت لكم بعدي إماما يدلكم | على الله فاستكبرتم وضللتم |
وقال خزيمة ذو الشهادتين في أبياته المشهورة:
إذ نحن بايعنا عليا فحسبنا | أبو حسن مما نخاف من المحن |
وصي رسول الله من دون أهله | وفارسه قد كان في سالف الزمن |
ومن أبيات لعبد الرحمن بن حنبل:
لعمري إن بايعتم ذا حفيظة | على الدين معروف العفاف موافقا |
أبا حسن فارضوا به وتبايعوا | فليس كمن فيه لذي العيب منطقا |
عليا وصي المصطفى ووزيره | وأول من صلى لذي العرش واتقى |
ومن أبيات النعمان بن زيد:
يا ناعي الاسلام قم وانعه | قد مات عرف وأتى منكر |
يا لقريش لا علا كعبها | من قدموا اليوم ومن أخروا |
ولست تطوي علما باهرا | سام يد الله به تنشروا |
حتى تزيلوا صدع ملمومة | والصدع في الصخرة لا يجبر |
كبش قريش في وغى حربها | صديقها فاروقها الأكبر |
وكاشف الكرب إذا خطة | أغلى على واردها المصدر |
وقال المهيار فيه:
الناس للعهد ما لاقوا وما قربوا | وللخيانة ما غابوا وما اشتبعوا |
هذي وصايا رسول الله مهملة | غدرا وشمل رسول الله منصدع |
أطاع أولهم في الغدر ثانيهم | وجاء ثالثهم يقفو ويتبع |
تضاع بيعته يوم الغدير لهم | بعد الرضا وتحاط الروم والبيع |
تتمة:
سمع حارثة بن زيد عمر بن الخطاب يقول: اللهم حببني إلى وصي نبيك قلت: من هو يا عمر؟ قال: علي بن أبي طالب فإن النبي صلى الله عليه وآله قال لي عند موته:
إنه خليفته، قلت: فلم تقدمت عليه؟ قال: بأمر منه.
وأنا أقول: ما اشتهر من تظلماته يبطل هذه الدعوى، ولأن المنصوب من الله ورسوله لا يجوز له خلع نفسه عن الإمامة، وجعلها في غيره، فقد ظهر للناظر بقول الخمصين المتعاديين، والقبيلين المتباينين، إثبات وصية النبي صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام
قالوا: روى الحكم وأبو وائل وصعصعة بن صوحان أنه قد قيل لعلي: ألا توصي؟ فقال: أوصى رسول الله فأوصي؟ قلنا: ذلك شاذ نادر مختلف، فلا يعارض ما ذكرناه من المتواتر المؤتلف، لأن في الخبر (ما أوصى رسول الله فأوصي ولكن إن أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خير كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم) فهذا يدل على أفضلية أبي بكر على علي عليه السلام والمشهور منه أنه كان يقدم نفسه على أبي بكر وغيره، وقد علم طرف من ذلك في باب فضائله، على أن الخبر يقبل التأويل بأن يكون (ما) بمعنى (الذي) أي الذي أوصى رسول الله فأوصي، ويكون قوله:
إن أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم، عنى به ولديه وذريته، وإضافة الجمع إلى الله يعني بألطافه الزائدة عن القدر الواجب، وقوله: كما جمعهم بعد نبيهم: أي جمعهم على علي حين أوحى النص فيه، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله.
فإن قلت: لو جمعهم الله عليه لم يتخلفوا عنه، قلت: لا يلزم من جمعهم اجتماعهم إذ ليس يواقع كل مراد على سبيل الاختيار، بل ذلك إنما يكون بالاكراه و الاجبار، وستأتي وصيته على أولاده في النصوص إن شاء الله تعالى.
ولقد رأيت ثلاثا وثلاثين طرفة في الوصية المذكورة نقلها السيد الإمام ابن طاؤوس رضي الله عنه، في خبر مفرد سأضع محصلها في هذا الباب، ليهتدي به أولوا الألباب، ولأتيمن بذكرها، وأتقرب إلى الله تعالى بنشرها، فإن فيها شفاء لما في الصدور، يعتمد عليها من يريد تحقيق تلك الأمور، وقد روى يونس بن الصباح المزني عن الصادق عليه السلام أن الله تعالى عرج بالنبي صلى الله عليه وآله مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا ويوصيه الله بالولاية لعلي عليه السلام والأئمة، أكثر مما يوصيه بالفرائض.
(3)
فصل
أذكر فيه ما وعدت فيه من نص النبيين على الوصيين أسند ابن جبر في كتاب نخب المناقب إلى أمير المؤمنين وإلى الصادق والرضا من أولاده الغر الميامين، ما قاله الرسول الأمين: إن آدم أوصى إلى ابنه شيث وشيث إلى شبان وشبان إلى محلث، ومحلث إلى محوق، ومحوق إلى عتميشا، وعتميشا إلى أخنوخ، وهو إدريس، وإدريس إلى ناحور، وناحور إلى نوح، ونوح إلى سام وسام إلى عثامر، وعثامر إلى برغيشاثا، وبرغيشاثا إلى يافث، ويافث إلى برة، وبرة إلى حفيسة، وحفيسة إلى عمران، وعمران إلى إبراهيم، وإبراهيم إلى إسماعيل، وإسماعيل إلى إسحاق، وإسحاق إلى يعقوب، ويعقوب إلى يوسف ويوسف إلى بثريا، وبثريا إلى شعيب، وشعيب إلى موسى، وموسى إلى يوشع ويوشع إلى داود، وداود إلى سليمان، وسليمان إلى آصف، وآصف إلى زكريا وزكريا إلى عيسى، وعيسى إلى شمعون، وشمعون إلى يحيى، ويحيى إلى منذر، ومنذر إلى سلمه، وسلمه إلى برده.
ثم قال صلى الله عليه وآله: ودفعها بردة إلي وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت ادفعها إلى وصيك، ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحدا بعد واحد، حتى تدفع إلى خير أهلي بالأرض.
وقد روى الشيخ محمد بن بابويه القمي أن الله تعالى أمر آدم أن يستخلف شيثا ففعل، ثم توالى الاستخلاف في أولاده يوصي ماضيهم إلى باقيهم، إلى أن بعث الله تعالى إبراهيم عازما على الأمة بترك عبادة الأوثان، فلما استوفى أجله، أمره أن يستخلف ابنه إسماعيل ففعل، ثم أوصى إسماعيل إلى أخيه إسحاق لأن أولاد إسماعيل كانوا صغارا.
فلما كبروا قاموا مقام أبيهم، وتوالت الوصية فيهم، إلى أن بعث الله موسى
وأسند ابن بابويه في كتاب التوحيد عن الباقر عليه السلام في تفسير الزيتونة أن المصباح نور العلم، والمشكاة صدر النبي صلى الله عليه وآله والزجاجة صدر علي (نور على نور) إمام في أثر إمام من آل محمد صلى الله عليه وآله، وذلك من لدن آدم لم تخل الأرض من واحد منهم إلى يوم القيامة.
قال أبو طالب:
أنت الأمين محمد | فيهم أغر مسودد |
لمسوددين أطاهر | كرموا وطاب المولد |
من لدن آدم لم يزل | فينا وصي مرشد |
ولقد عرفتك صادقا | والقول لا يتفند |
فهذه سنة الأنبياء في نصب الأوصياء، وقد قال الله سبحانه: (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) و(1) (لا) لنفي المستقبل، فلا تبديل لذلك في جميع الأوقات المستقبلة، وقد أمر الله نبيه بالاقتداء بهم في قوله تعالى: (فبهداهم اقتده(2)) وقد فعل ذلك في نصوصه على أئمة الاسلام، وستسمع شيئا من ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى، وهنا نصوص أخر عن الأنبياء، نقلناها من كتاب الأوصياء، وجدنا زيادات فيها فأردنا أن نعثر عليها.
____________
(1) الإسراء: 77.
(2) الأنعام: 90.