وأسند إلى البزنطي قول الرضا عليه السلام له: الإمام ابني وهل يجترئ أحد أن يقول: ابني، وليس له ولد؟ لأن الجواد عليه السلام لم يكن ولد فلم تمض الأيام حتى ولد.
وأسند إلى الواسطي قلت الرضا عليه السلام: أيكون إمامان؟ قال: لا إلا أن يكون أحدهما صامتا فقال: ها أنت ولا صامت لك فقال عليه السلام: والله ليجعلن الله لي ما يثبت به الحق وأهله ويمحق به الباطل وأهله، ولم يكن في ذلك الوقت له ولد فولد الجواد بعد سنة.
وأسند إلى الحسن بن الجهم أن الرضا عليه السلام أمره أن يجرد الجواد، وهو صبي قميصه، ففعل فقال: أنظر بين كتفيه فإذا خاتم داخل اللحم، فقال عليه السلام:
مثل هذا كان لأبي عليه السلام.
وأسند إلى الصنعاني قول الرضا عليه السلام في الجواد عليه السلام: هذا الذي لم يلد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه.
وأسند إلى يحيى ابن حبيب قال: أخبرني من كان عند الرضا عليه السلام فقال:
ألقوا أبا جعفر وسلموا عليه وجددوا به عهدا.
قالوا: قد نزل القرآن بالحجر على الصغير فكيف يكون من لا يدله على درهم من ماله حاكما في أبشار الناس وأموالهم؟ وكذا قالوا: في زين العابدين والمهدي على بعض الروايات قلنا: كثير من الآيات مخصوصة كآية السرقة والقتل والربا وآيات الوعيد فالنص والعصمة خصا حجر الصغير بغير الإمام، فدل العقل الذي لا يدخله تخصيص على كماله في حال صغره، كما سلف في عيسى ونحوه، وقد خص الخصم آيات الميراث بغير فاطمة بغير دليل، فكيف لا يخص بالحجر غير المعصوم بدليل
التاسع
* (النص على الهادي عليه السلام) *
روي في مراصد العرفان وغيره وفي إرشاد المفيد بصحيح الأسانيد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مهران قال: لما رفع أبوا - جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد، قلت: إني أخاف عليك فإلى من الأمر بعدك فضحك وقال: ليس حيث ظننت في هذه السنة، فلما استدعى به المعتصم صرت إليه وقلت: إلى من الأمر بعدك، فبكى وقال: عند هذه يخاف علي، الأمر بعدي إلى ابني علي.
وبالأسانيد الصحيحة أن أبا جعفر قال في مرضه الذي توفي فيه: إني ماض والأمر صائر إلى ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي.
وبالأسانيد الصحيحة عن الخيراني عن أبيه قال: كنت ملازما باب أبي جعفر عليه السلام للخدمة وكان أحمد بن عيسى الأشعري يجئ فيتفقده لعلته، وكان الرسول يختلف بيني وبينه عليه السلام فخلا بي وقام أحمد بن عيسى وقف حيث سمع فقال الرسول: إن مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إني ماض والأمر صائر إلى ابني علي، وله عليك بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي، فقال أحمد: سمعت ما قال، قلت:
فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوما.
فأصبحت وكتبت الرسالة في عشر رقاع ودفعتها إلى عشرة من وجوه أصحابي وقلت: إن حدث بي الموت قبل طلبها فافتحوها واعملوا بما فيها.
فلما مضى أبو جعفر عليه السلام اجتمعت رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج وتفاوضت في الأمر فكتب إلي فأعلمني وقال: لولا خوف الشهرة لصرت إليك بها، أحب أن تركب إلي فصرت إليه فتجارينا في الباب فوجدت أكثرهم قد شك، فطلبت الرقاع وهم حضور فأخرجوها، فقلت: هذا ما أمرت به، فقال بعضهم: كنا نحب أن يكون معك آخر، فقلت: هذا أبو جعفر الأشعري فسألوه فتوقف، فدعوته إلى المباهلة
العاشر
* (النص على العسكري عليه السلام) *
روى محمد بن يعقوب بالإسناد الصحيح إلى عمر بن حمزة النوفلي قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام في صحن داره، فمر بنا ابنه محمد، فقلت: هذا صاحبنا بعدك؟
قال: لا صاحبكم بعدي ابني الحسن.
وروى بالأسانيد عن سنان بن أحمد عن عبد الله بن أحمد الإصفهاني قال: قال أبو الحسن عليه السلام: صاحبكم بعدي الذي يصلي علي، فلما مات عليه السلام خرج أبو محمد فصلى عليه.
وروى بالإسناد العالي عن إسحاق بن محمد عن شاهويه بن عبد الله قال: كتب إلي أبو الحسن عليه السلام: صاحبكم بعدي أبو محمد ابني، عنده ما تحتاجون إليه، يقدم الله ما يشاء، ويؤخر ما يشاء (وما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها(1)) وعن محمد بن بشار العنبري: أوصى علي بن محمد إلى ابنه الحسن، قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشار إليه بالأمر من بعده، وأشهدني على ذلك، وجماعة من الموالي.
وعن أبي هاشم الجعفري قال. كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد مضي ابنه أبي - جعفر، ولأني أفكر في نفسي وأريد أن أقول: كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كموسى وإسماعيل ابني الصادق عليه السلام فقال أبو الحسن: قبل أن أنطق:
نعم يا أبا هاشم، بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له كما بدا في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك، ولو كره المبطلون أبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده ما تحتاج إليه، ومعه آلة الإمامة.
____________
(1) البقرة: 101.
يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا وأسند مثله إلى عبد الله الأنباري قال:
وكنا حوله ومعنا من آل أبي طالب وبني العباس وقريش نحو مائة وخمسين رجلا سوى من كان من غيرهم، فعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة.
وأسند إلى ابن مهزيار قول الهادي عليه السلام: عهدي إلى أكبر أولادي، يعني الحسن، ونحوه عن جعفر العطار عن الهادي عليه السلام.
وأسند الفهفكي إلى الهادي عليه السلام أنه قال: أبو محمد ابني أصح آل محمد غريزة وأوثقهم حجة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها، فما كنت سائلي عنه فسأله عنه، وعنده ما تحتاج إليه.
وأسند إلى داود بن القاسم الجعفري قول الهادي عليه السلام: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ قلت: ولم؟ قال: لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه، قلت: فكيف نذكره؟ قال عليه السلام: الحجة من آل محمد.
الحادي عشر
* (النص على المهدي عليه السلام) *
روي بالأسانيد الصحيحة عن الشيخ أبي جعفر بن بابويه، عن محمد بن الحسين بن الوليد، عن محمد بن يحيى العطار، عن الحسن بن رزق الله، عن موسى ابن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب أن حكيمة حدثته أن الإمام العسكري بعث إليها ليلة النصف من شعبان لتحضر عنده، وقال لها: إن الله تعالى سيظهر في هذه الليلة حجة الله في أرضه.
وسيأتي شئ من ذلك إن شاء الله في بابه وسنورد أيضا نصوصا أخر عن أبيه فيه من أرادها وقف عليها، ومن سعد باعتقاد مضمونها حصل بفوائد مكنونها.
وأسند إلى الجعفري قال: قلت للعسكري: جلالتك تمنعني عن مسألتك فتأذن لي أن أسألك؟ قال: سل، قلت: هل لك ولد؟ قال: نعم، قلت: إن حدث حادث أين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة.
وقد صنف أبو عبد الله النعماني كتاب الغيبة، فيه كفاية، من وفق له وقف عليه، وكذا صنف العالم الكبير ابن بابويه وسنذكر في باب خروجه وتملكه طرفا مما جاء فيه، يسترشد به من يبتغيه، وقد أسلفنا في نصوص النبي صلى الله عليه وآله وآبائه أحاديث في وجوده وبقائه.
فصل
ظهر عن كل واحد منهم من العلوم العقلية والشرعية في زمانه، ولم ينقلوا ذلك عن عالم غيرهم، ولا تعلموا من أحد سواهم، ولا درسوا الكتب السالفة لمن عداهم، وذلك من الأدلة اللائحة، والبراهين الواضحة، على صحة إمامتهم، إذ لا يخص الحكيم سبحانه بخرق عادته من يكذب في دعوته.
إن قيل: فما يمنع من استفادتهم من غيرهم؟ قلنا: لم يشتهر لأحد من الفضل ما يدانيهم، ولو كان ذلك لبحث عنه كل شخص من مخالفيهم، لحرصهم على إطفاء نورهم، وقد اعترض الكفار على النبي صلى الله عليه وآله حيث قالوا: إنه تعلم من غيره كما نطق به القرآن حتى رد الله قولهم بقوله: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر(1)) (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا(2)) و (ما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا(3)) و (ما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم(4)) و (ما
____________
(1) القصص: 44.
(2) القصص: 46.
(3) القصص: 45.
(4) آل عمران: 44.
وأما أمير المؤمنين فأحكامه مشهورة اعترف الشيخان وغيرهما بسعتها.
وابنه الحسن حكم في بيض نعام كسره محرم بإرسال الإبل بعددها، وحكم في البقرة التي قتلت الحمار إن كانت دخلت عليه في منامه ضمن صاحبها، وإن دخل عليها فهدر، بعد أن حكم الشيخان بقولهما: بهيمة جنت على بهيمة فلا ضمان.
الحسين عليه السلام، أخذت عنه الأحكام وعلم الفرزدق المناسك وغيرها.
زين العابدين مع شدة خوفه، وانقطاعه لعبادة ربه، أخذ عنه الزهري وعطاء وغيرهما وحاض قوم في الصوم فقسمه لهم إلى أربعين قسما، وذكر ابن طلحة أن أعرابيا قطع القفار إلى الحسن ليكلمه في عويص العربية، فأشار بعض من حضر أن يبدأ بالحسين فسلم وقال: جئتك من الهرقل والجعلل، والأثيم والهمهم، ثم قال:
هفى قلبي إلى الهيف | وقد ودع شرحيه |
وقد كان البقا غضا | بجراري ذيليه |
علالات ولذات | فيا سقيا لعصريه |
فلما علم الشيب | من الرأس نطاقيه |
وأمسى قد عناني | منه تجديد خضابيه |
تسليت عن اللهو | وألقيت قناعيه |
فلو يعلم ذو رأي | أصيل فيه رأييه |
____________
(1) العنكبوت: 48.
(2) الفرقان: 50 (3) الفرقان، 6.
(4) النحل: 103.
لألفى غيره منه | له في كر عصريه |
فارتجل الحسين عليه السلام:
فما رسم سجا فيه | محى آية رسميه |
سفود درج الذيلين | في نوعا قناعيه |
ومود جرصف تترى | على تلبيد نوءيه |
ودلاج من المزن | دنا نوء سماكيه |
إلى مثعنجر الودق | بجرد من خلاليه |
وقد أحمد برقاه | فلا ذم لبرقيه |
وقد جلل رعداه | فلا ذم لرعديه |
نجيح الرعد شجاج | إذا أرخى نطاقيه |
فأضحى دارسا قفرا | لبينونة أهليه |
فقال الأعرابي: ما رأيت أعرب منه كلاما، ولا أذرب منه لسانا، فقال الحسن في أخيه:
غلاما كرم الرحمن | بالتطهير جديه |
كساه القمر القمقام | من نور سنائيه |
ولو عدد طماح | نفجنا عن عداديه |
وقد أرضيت من شعري | وقومت عروضيه |
فقال الأعرابي: بأبي أنتما وأمي، بارك الله فيكما، فلقد انصرفت وأنا محب لكما راض عنكما.
والباقر عليه السلام أخذ عنه جابر وغيره علم التفسير، وسأله عمرو بن عبيد عن قوله تعالى: (السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما(1)) قال عليه السلام: كانت السماء لا تمطر فمطرت والأرض لا تنبت فنبتت.
ورآه هشام بن عبد الملك يفتي الناس فسأل عنه فقيل: محمد بن علي المفتون
____________
(1) النساء: 30.
(أفيضوا علينا من الماء ومما رزقكم الله(1)) فانقطع هشام.
إن قيل: بل الباقر عليه السلام أخذ عن جابر، قلنا: ظاهر من جابر أنه لم يبلغ من العلم مبلغ الباقر، وإنما تميز عن غيره بقوله: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وطلب جابر من الباقر عليه السلام أن يعلمه ما ينتفع به فقال: إنك لا تحمل فقال: بلى، فقال: أنا آدم أبو البشر ففتح عينيه في وجهه، وقال: بل أنت مولاي وكاد أن يطيش، فقال: أنا آدم اللون وأولادي بشر، فسكن، فقال: ما أسرع ما تنسخت فقال: الإقالة يا سيدي، وإنما روى الباقر عنه أخبارا رواها عن الرسول صلى الله عليه وآله تقريبا على الناس.
والصادق عليه السلام شأنه لا يخفى، وأخذ عنه أربعة آلاف رجل أحكاما لا تعفى وأخذ مالك عنه، وانقطع أبو حنيفة بين يديه، ولما رد على ابن طالوت حيث قال له: إلى كم تدرسون هذا البيدر الخ فأجابه عليه السلام فانقطع، فقال لأصحابه: ظننتم أنكم تلقوني على تمرة، فألقيتموني على جمرة فقالوا: لقد فضحتنا ما رأينا أحقر منك في مجلسه، فقال: أبي تقولون هذا؟ فإنه ابن من حلق رؤس من ترون.
وقال عليه السلام: وجدت علم الناس في أربع: الأول أن تعرف ربك، والثاني أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ما أراد منك، والرابع أن تعرف ما يخرجك عن دينك.
والكاظم عليه السلام أخذ عنه الناس كثيرا وروى عنه أخوه علي بن جعفر كتابا شهيرا وسأله أبو حنيفة عن أفعال العباد فقال: إن كان الله تفرد بها سقط عن العباد الذم فيها، وإن شاركها فالذم عليهما، وإن تفرد العباد بها تفردوا بمستحقها
____________
(1) الأعراف: 50.
الرضا عليه السلام روى عنه الخاص والعام أحاديث في التفسير والكلام، فروى عنه داود بن سليمان: الإيمان عقد بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، ولما سار إلى خراسان أخذ الناس عنه كثيرا من هذا الشأن، وروى عن النبي صلى الله عليه وآله من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة لكن بشروطها، وأنا من شروطها، يعني معرفة الإمام.
الجواد عليه السلام له رجال أخذوا عنه المعلوم وظهر فضله على العموم، ولما عزم على تزويجه المأمون، لامه العباسيون فأجابهم بغزارة علمه، فقالوا: متى جمع ذلك على صغر سنه؟ فقال المأمون: هؤلاء قوم موادهم من الله سبحانه، فإن أردتم فامتحنوه.
فاجتمعوا على يحيى بن أكثم، فسأله عن محرم قتل صيدا فقال عليه السلام: في الحل أو الحرم؟ عالما أو جاهلا؟ عمدا أو خطأ؟ حرا أو عبدا؟ صغيرا أو كبيرا؟ من ذوات الطير أو غيرها؟ من صغار الصيد أم كبارها، مصرا أم نادما؟ ليلا أم نهارا؟ فلم يدر ابن أكثم ما يقول، فقال المأمون: الآن صح ما أخذتم به، فعند ذلك زوجه ابنته أم الفضل، وطلب تفسير ذلك ففسره، وأمر أن يسأل ابن أكثم فقال: سل!
إن عرفت أجبتك، وإلا استفدت منك، فسأله عن جارية حلت وحرمت مرارا فلم يدر، ففسر له ذلك، وهي مشهورة.
فقال المأمون: إن أهل هذا البيت خصوا بالكمال من الصبي، ألا ترون أن رسول الله صلى الله عليه وآله افتتح دعوته بعلي، وهو ابن عشر سنين، وباهل بالحسن والحسين، وهما دون ست سنين.
والهادي والعسكري ظهر منهما ما ظهر من آبائهما، وقد خرج عن العسكري الرسالة المقنعة تشتمل على معظم الأحكام، وذكر الحميري في كتاب المكاتبات رجال العسكري عليه السلام.
وأما الإمام المهدي فسيأتي عنه شئ من ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.
إن قيل: من أين لهم هذه العلوم؟ قلنا: من جدهم، فقد ورد عنهم: عندنا
وقولهم عليهم السلام: إنا لنجمع زغب الملائكة عن فرشنا، وقد قال رجل لأمير - المؤمنين: إني أحبك فقال عليه السلام: كذبت إني لا أرى اسمك في الأسماء، ولا شخصك في الأشخاص، فسئل عن ذلك، فقال عليه السلام: إن الله تعالى عرف نبيه أسماء المؤمنين، وأثبتها النبي صلى الله عليه وآله لنا، وأنا أعرفهم.
وروى جماعة أنهم رأوا عند الباقر وزين العابدين عليهما السلام كتابا كبيرا فسألوهم عنه فقالوا: هذا ديوان المؤمنين، فسألوهم النظر فيه فوجدوا أسماءهم.
إن قيل: فقوله تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم(1)) يبطل ما تدعونه من اختصاص الإمام بتبيينه، قلنا: إذا وضع العلم عند حافظ لا ينسى ولا يجهل، و كلف الناس الفزع إليه، سقط ما اعترضتم به عليه.
إن قيل: إن المعلوم من دين النبي صلى الله عليه وآله انقطاع الوحي وهو يبطل ما ذكرتم من حديث الملائكة قلنا: إنما الاجماع على ختم النبوة أما على أن الملائكة لا تخاطب أحدا فلا.
____________
(1) النحل: 44.
القطب الرابع
* (في شئ من المعاجز التي خرجت عليهم مقترنة بدعواهم) *
قد أسلفنا جانبا من هذه المطالب في أبيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهذا القطب لأولاده وفيه فصول:
الأول
* (الحسن عليه السلام وهو أمور) *
1 - غلظ رجل من بني أمية عليه، وسبه وسب أباه، فدعا ربه فقلبه أنثى وسقطت لحيته، وشاع أمره فجاءت امرأته إلى الحسن عليه السلام تبكي فدعا الله تعالى فعاد كما كان.
2 - نام هو والحسين في حائط بني النجار، فبعث الله تعالى ملكا في صورة حية فحفظهما.
3 - أخبر بأن معاوية يرسل إلى زوجته جعدة سما فقالوا له: أخرجها من منزلك فقال عليه السلام: لو فعلت لعذرها الناس، فبعثه إليها فسقته كما قال عليه السلام.
4 - خرج إلى مكة ماشيا فورم قدماه، فسألوه الركوب فأبى، وقال:
يستقبلكم أسود، ومعه دواء يصلح لهذا الورم، فجاء فاشتروا منه ولم يأخذ من الحسن عليه السلام شيئا من الثمن فمسح به فزال لوقته، وسأله الدعاء بولد ذكر فدعا له وأخبره أن امرأته ولدت ذكرا فرجع فوجد كما ذكر.
5 - أخبر أنه يمنع من دفنه عند جده، مع أنه لم يكن عازما على ذلك فكان كما قال.
6 - نزل تحت نخلة يابسة فقال رفيقه: لو كان فيها رطب لأكلنا، فدعا ربه فاخضرت وحملت وأكلوا.
8 - أخبر أصحابه أن قومه وعسكره يغدرون به، فكان ذلك حتى أغاروا على فسطاطه، فكتب إلى معاوية: إنما هذا الأمر والخلافة لي ولأهل بيتي، و إنها لمحرمة عليك وعلى أهل بيتك. سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله ولو وجدت صابرين عارفين بحقي ما أعطيتك ما تريد.
الثاني
* (الحسين عليه السلام وهو أمور) *
1 - جاء إليه شاب يبكي، ويقول أمه ماتت ولم توص، فأتى عليه السلام بيتها وهي مسجاة فدعا الله فأحياها فأوصت ثم ماتت.
2 - خضخض أعرابي ودخل إليه ليخبره شيئا فقال: أما تستحي؟ تدخل علي وأنت جنب؟ فقال: هذا بغيتي، ثم خرج فاغتسل ورجع فسأله عما في قلبه فأجابه.
3 - نهى غلمانه أن يخرجوا يوم كذا، وإن خرجوا أخذوا، فخرجوا فأخذوا، فأتى الوالي فرأى عنده شخصا فقال: هذا منهم، فقال الشخص: من أين
4 - وسئل وهو صغير عن أصوات الحيوانات، ففسر لغاتها، وذكرها الراوندي في خرائجه مفصلا 5 - لما ولد هبط جبرائيل في ملائكة يهنئ جده به، فمر بملك يقال له:
فرطس فبعثه الله في شئ فأبطأ، فكسر جناحه وألقاه في جزيرة، فسأل جبرائيل أن يحمله إلى محمد صلى الله عليه وآله ليدعو له فحمله، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: تمسح بالمولود، فتمسح بمهده فأعيد جناحه في الحال.
6 - قالت أم سلمة: لا تخرج إلى العراق، فإني سمعت جدك يقول: إنك مقتول به، وعندي تربة دفعها إلي في قارورة، فقال عليه السلام: وإن لم أخرج قتلت ثم مسح بيده على وجهها، فرأت مصرعه ومصرع أصحابه، وأعطاها تربة أخرى في قارورة وقال: إذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت، ففاضتا دما بعد الظهر في يوم عاشوراء.
7 -: قرأ رجل عند رأسه بدمشق (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا(1)) فأنطق الله الرأس بلسان عربي: أعجب من أهل الكهف قتلي وحملي.
8 - رأى الأعمش جلا في الطواف يقول: اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تفعل، فسأله فقال: كنت ممن حمل رأس الحسين عليه السلام إلى يزيد، فنزلنا عند دير فوضعنا الطعام لنأكل فإذا كف يخرج من الحائط يكتب:
أترجو أمة قتلت حسينا | شفاعة جده يوم الحساب |
فجزعنا وأراد بعضنا أخذها فغابت فلما دخلت على يزيد جعلني في الحرس ليلا فهبط آدم وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام في ملأ من الملائكة فنفخ
____________
(1) الكهف: 9.
الثالث
* (علي بن الحسين عليه السلام وهو أمور) *
1 - لقيه عبد الملك بن مروان في الطواف، فقال له: ما يمنعك أن تصير إلينا لتنال من دنيانا؟ فبسط رداءه وقال: اللهم أره حرمة أوليائك، فإذا رداؤه مملوء درا فقال: من يكن هذه حرمته عند الله لا يحتاج إلى دنياك ثم قال: اللهم خذها فلا حاجة لي فيها.
2 - كتب الحجاج إلى عبد الملك: إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين، فرد عليه: جنبني دماء بني هاشم، وبعث بالكتاب إليه سرا فجاء النبي صلى الله عليه وآله في النوم إلى علي بن الحسين وأعلمه فكتب إلى عبد الملك: إنه قد شكره الله لك، وثبت به ملكك، وزاد في عمرك، فلما قرأه وجد تاريخ الكتاب واحدا.
3 - نازعه ابن الحنفية في الإمامة فتحا كما إلى الحجر الأسود فشهد لزين العابدين بالإمامة وفرض الطاعة عليه وعلى الخلق أجمعين.
وقيل: إن ابن الحنفية إنما أراد بذلك إزاحة شكوك الناس في ابن أخيه.
4 - أقبلت إليه ظبية مستأنسة، وشكت أن الصياد أخذ ابنها ولم ترضعه فدعا عليه السلام بالصياد وأقسم عليه ليرده فلما رأته حمحمت وجرت دمعتها، وقالت:
أشهد أنك من أهل بيت الرحمة وأن بني أمية من أهل بيت النقمة.
5 - قعد مع جماعة يأكل فأتى ظبي وشكى إليه الجوع، فقال له: ادن فكل معنا، فوضع رجل يده على ظهره فنفر، فقال عليه السلام: لا بأس عليك فرجع وأكل.
6 - كان أبو خالد الكابلي يخدم ابن الحنفية ويعتقد إمامته، فناشده يوما
7 - قال يوما لأبي خالد: سيجئ غدا شامي ومعه ابنة ومعه ابنة مجنونة، فآته وقل:
أنا أعالجها بعشرة آلاف على أن لا يعود إليها أبدا، فإنه يضمن لك ثم يغدر بك فأتى الرجل فجاء إليه أبو خالد وقاطعه وعاد إلى الإمام فقال له: خذ بأذنها اليسرى وقل: يا خبيث يقول لك علي بن الحسين: أخرج منها ولا تعد إليها، فذهب ففعل فخرج عنها فأفاقت فطلب المال فدافعه فعادت فقال الإمام عليه السلام: ألم أقل لك؟
إنه سيعود إليها غدا ويأتيك فقل له: تضع المال على يدي، فعاودها فجاء أبوها فوضع المال فعاد أبو خالد إليها وبلغها ما بلغها أولا فعوفيت.
8 - قال لابنه الباقر عليه السلام: إن أخاه عبد الله ينازعه الإمامة، وقال: امنعه منها فإن أبى فدعه فإن عمره قصير، فكان ذلك، فلم يلبث إلا شهرا حتى مات.
9 - أخذ بيد حماد القطان من مكان بعيد، فدخل به مكة في خطوات، قال:
فخيل لي أن الأرض تمتد من تحت قدمي.
10 - حبس هشام بن عبد الملك الفرزدق لما قال في زين العابدين عليه السلام:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته | والبيت يعرفه والحل والحرم |
الخ.
فلما طال حبسه شكى ذلك إلى الإمام عليه السلام فدعا له فخلص، فقال: إنه محى اسمي من الديوان فأعطاه الإمام رزق أربعين سنة، وقال: لو علمت أنك تحتاج إلى أكثر من ذلك لأعطيتك، فمات بعد الأربعين.
11 - خرج إلى ضيعة له فجاءه ذئب أمعط، قد قطع الطريق على الناس فشكى عسر زوجته، فدعا الله لها فخلصت، فقال: لك الله علي أن لا أعرض أنا وولدي لأحد من شيعتك.
12 - لما هدم الحجاج الكعبة، وأرادوا عمارتها، كان العلماء والقضاة يضعون الحجر الأسود فلا يستقر فوضعه الإمام عليه السلام فاستقر، وكبر الناس.