الصفحة 276
لم يجدوا فرقا؟ وقالت فرقة إنه مات وعاش وهو القائم، لخبر رووه أن القائم هو الذي يقوم بعد الموت قلنا: إن صح الخبر، فالمراد بعد موت ذكره، دون موت شخصه، ويعضده ما روي أنه إنما سمي قائما لقيامه بدين قد اندرس، على أنهم إذا اعترفوا بموته فمن أين لهم العلم بحياته، وإذا جاز خلو يوم من الإمام عليه السلام جاز شهرا بل دهرا بل أبدا وهذا اعتزال عن رأي الإمامية إلى رأي المعتزلة، و خروج عنها إلى مذهب الخوارج.

وقالت فرقة إنه لما مات لا عن عقب، كان الإمام أخوه جعفر بعده، لما روي عن الصادق عليه السلام أن الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ وفي هذه الصورة لم نجد ملجاء من جعفر.

قلنا ولم زعمتم أنه لا ملجأ من جعفر؟ وقد قامت الأدلة على وجود محمد بن الحسن، على أن كل من ادعى إمامة شخص فله أن يقول: لم أجد ملجأ منه إلا إليه.

إن قالوا لا نثبت وجود ولد لم نشاهده، قلنا: إذا قامت على وجوده الدلالة أغنت عن المشاهدة؟؟؟ لزم من نفي المشاهدة مع الدلالة النفي، لانتفى الرب والأنبياء السالفة والأئمة الخالفة، وكثير من الموجودات؟؟ المشاهدات، وهذا دخول في الجهالات، على أنه ما خرج عن جعفر من نقصان المعرفة، وارتكاب القبايح، والاستخفاف بالدين، ينافي إمامته.

وقالت فرقة: لما مات لا عن ولد، علمنا بطلان إمامته لأن الإمام لا؟؟؟

من الدنيا إلا عن عقب، قلنا: لو وجب أن يعقب الإمام إماما لزم التسلسل، وعدم تناهي الدنيا، على أن إنكار العقب مكابرة بعد قيام الأدلة من النبي والأئمة على وجوده، من أراده عثر به من هذا الكتاب ومن غيره.

وقالت فرقة: الإمام بعد الحسن أخوه محمد وادعوا حياته بعد إنكارها، وهؤلاء أسقاط جدا لأنهم يدعون إمامة من مات في حياة أبيه، مع خلوه عن العلوم، و العلائم والنصوص، وأنكروا من كان بعد أبيه أعني العسكري، فإنهم رجعوا عنه

الصفحة 277
مع وجود العلوم والنصوص فيه.

وزعمت فرقة أن الإمام بعد الحسن ولده علي، وهم قائلون بالغيبة والانتظار حرفا بحرف، والنزاع معهم في التسمية وقد انتشرت الأحاديث أن اسم القائم اسم النبي صلى الله عليه وآله وليس عليا من أسماء النبي.

وقالت فرقة: ولد له ولد بعده بثمانية أشهر وهو القائم المنتظر قلنا: يلزمكم خلو الزمان من إمام، وقد مضى فيه الكلام، ثم إن ذلك منكم على الظن والترجيم والخبط والتوهم، إذ العقل لا يدل عليه، والسمع لم يوجد فيه، ولم يعد إليه.

وقالت فرقة: إن الحسن خلف حملا ببعض جواريه، ولم يولد بعد، وجوزوا أن يبقى مائة سنة حملا، قلنا: أول ما يلزمكم خلو الزمان من إمام وقد أسلفناه ويلزمكم خرق العادة بحمل مائة سنة.

إن قالوا: هو مقدور قلنا: مسلم، ولكن ليس كل مقدور يحكم بوقوعه بغير دليل، وإلا يحكم بوجود انقلاب البحار النائية حطبا والأشجار البعيدة ذهبا، و لعل بالبلاد البعيدة نساء يحبلن اليوم، ويلدن غدا، وهذا جهل محض فتحه على نفسه من اعتمد على خرق العادة من غير حجة، واعترف بوقوع ذلك بمجرد القدرة.

وقالت فرقة: بطلت الإمامة بعد الحسن وخلت الأرض من حجة إلا أن يغضب على أهل الدنيا قلنا: يفسد هذا قضاء العقل بوجوب الإمام في كل زمان، مع بقاء كل مكلف من نوع الانسان، ويعضده قوله تعالى: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم(1)) وقول رسوله: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وقوله: في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هدا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وقول علي عليه السلام: اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك إما ظاهر مشهور أو خائف معمور، وعلى هذا؟ حمل قول الصادق عليه السلام بخلوها من حجة إذا غضب، أي من حجة ظاهرة، ولا يلزم خلوها من حجة باطنة.

____________

(1) الإسراء: 71.


الصفحة 278
وفرقة قالت: لا بد بعد الحسن من إمام ولا نعلمه بعينه، وهذه يرد عليها النقل الصحيح في إمامة المنتظر، والنص عليه من أبيه.

قال فرقة: إن ابنه المنتظر هو الإمام ولكنه مات وسيجئ ويقوم بالسيف وهذه يرد عليها بوجوب عموم الإمامة، وعدم جواز الخلو منها، وقد أسلفنا ما تواتر من النصوص على عدد الأئمة وأسمائهم من الرب الجليل، والنبي النبيل، ومن كل إمام على من بعده بالتفصيل، وقد جاء ذلك من طرق المخالفين الجاحدين لأئمة العالمين، الطيبين الطاهرين، فضلا عما تواتر من الشيعة المؤمنين، رضوان الله عليهم أجمعين.


الصفحة 279

(12)
باب


في الطعن فيمن تقدمه بظلمه وعدوانه، وما أحدث كل واحد في زمانه من طغيانه، وسأذكر ذلك من طرق الخصم وغيره، ليكون ألزم للحجة، وأثبت للنفس على المحجة، حتى صنف الكلبي منهم كتابا كله في مثالب الصحابة، ولم يذكر فيه منقصة واحدة لأهل البيت عليهم السلام، وأنى له ولغيره بذلك بعد تطهير الخبير العلام. وستعلم باليقين ما حدث منهم في الدين، فالمختارون لهم من دون الله دخلوا في قوله: (اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله(1)).

وهذا الباب ينوع إلى ثلاثة بحسب المشايخ الثلاثة، ويلحقها كلام بالاختصاص في أهل العقبة، ومعاوية، وابن العاص.

(النوع الأول)
* (في أبي بكر) *


وهو أمور منها: إرساله لخالد إلى بني حنيفة فقتل وسبى ونهب، ونكح امرأة رئيسهم مالك من ليلته بغير عدة حتى أنكر عمر قتالهم، وحبس ما قسم له من مالهم، فلما صار الأمر له رده عليهم، ورد ما وجد عند غيره منهم، فالخطأ لأحدهما لازم، بالعقل الجازم.

واحتج لقتالهم بمنع زكاتهم، مع أنهم لم يستحلوا منعا حتى يلزم ارتدادهم وإنما قالوا: حضرنا النص من النبي صلى الله عليه وآله بغدير خم على علي ولا نؤدي صدقاتنا إلى دعي، وأين هذا الشأن من أحداث عثمان، وهب أن الرجال منعوا الصدقات فما ذنب النساء المسلمات حتى يبعن ويوطأن؟ وقد أورد الطبري ومسلم والبخاري

____________

(1) الأعراف: 30.


الصفحة 280
عن القوم الذين كانوا مع خالد قالوا: أذن مؤذننا ومؤذنهم، وصلينا وصلوا و تشهدنا وتشهدوا.

واحتج على جواز قتالهم بالاجماع وعدم النزاع قلنا: إن عرفتم الاجماع بخبر الواحد فلا إجماع.

وإنما حمل أبا بكر على ذلك ما رواه الشيخ العمي(1) في كتاب الواحدة عن البراء أن وفد تميم أتوا النبي فقال أميرهم مالك بن نويرة: علمني الإيمان فعلمه الشهادتين، وأركان الشريعة، ونهاه عن مناهيها، وأمره أن يوالي وصيه من بعده وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فلما ذهب قال النبي: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إليه، فلحقه الشيخان وسألاه الاستغفار لهما فقال: لا غفر الله لكما، تدعان صاحب الشفاعة وتسألاني؟ فغضبا ورجعا فرأهما النبي فتبسم وقال: في الحق مبغضة.

فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله جاء مالك لينظر من قام مقامه فرأى أبا بكر يخطب فقال: أخو تيم؟ قالوا: نعم، قال: فوصي رسول الله الذي أمرني بموالاته؟ قالوا:

الأمر يحدث بعده الأمر، قال: تالله ما حدث شئ ولكنكم خنتم الله ورسوله، و نظر إليه شزرا، وتقدم وقال: ما أرقاك هذا المنبر؟ ووصي رسول الله جالس؟

فأمر قنفذا وخالدا بإخراجه فدفعاه كرها، فركب راحلته وقال:

____________

(1) هو محمد بن جمهور العمي، قال في معجم قبائل العرب:

العم: بطن اختلف في نسبهم، فقيل: إنهم نزلوا بني تميم بالبصرة في أيام عمر بن الخطاب، فأسلموا، وغزوا مع المسلمين، وحسن بلاؤهم، فقال الناس. أنتم، وإن لم تكونوا من العرب وإخواننا وأهلنا، أنتم الأنصار والإخوان وبنو العم. فلقبوا بذلك وصاروا في جملة العرب.

وقالوا: العم لقب مالك بن حنظلة، وقالوا: لقب مرة بن مالك، وهم العميون في تميم، وقال أبو عبيدة: مرة بن وائل بن عمر وبن مالك بن حنظلة بن فهم، من الأزد. و هم: ينو العم في تميم، ثم قالوا: مرة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.


الصفحة 281

أطعنا رسول الله ما كان بيننافيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر
إذا مات بكر قام بكر مقامهفتلك وبيت الله قاصمة الظهر
بدت وتغشاه العثار كأنمايجاهد حمى أو يقوم على جمر
فلو قام فينا من قريش عصابةأقمنا ولو كان المقام على الجمر

فبعث أبو بكر خالدا بجيش لقتله، فجاء فلم يجد فيهم مؤذنا فقال: ارتددتم عن الاسلام؟ فقالوا: بل ذهب المؤذن إلى امتيار فلم يسمع، وصافهم الحرب و كان مالك يعد بألف فارس فخافه خالد فنظر مالك إلى امرأته وهي تنظر الحرب و تستر وجهها بذراعيها فقال: إن قتلني أحد فأنت فوقعت في نفس خالد، فأعطاه الأمان فاستوثق منه، فطرح سلاحه وأخذه وقتله، وعرس بامرأته من ليلته، وطبخ على رأسه لحم جزور لوليمته.

فخرج متمم أخو مالك فاستعدى أبا بكر على خالد، واستعان بعمر، فقال عمر لأبي بكر: أقتل خالدا بمالك فقال: ما كنت لأقتل صحابيا بأعرابي في ردة عمياء قال عمر: لم يرتد بل حمله على ذلك جمال امرأته، فتشاتما فقال عمر: لو ملكت أمرا لقتلته به، فلما ولى عمر جاءه متمم وقال: قد وعدتني بقتله، فقال: ما كنت لأغير شيئا فعله صاحب رسول الله.

إن قالوا: قد يعلم من الردة ما يخفى على عمر قلنا: كيف ذلك وقد أوصاهم:

إن أدنوا وأقاموا كفوا عنهم، وكيف يخفى ذلك والقصة مشهورة؟ فقد حدث أبو قتادة أنهم أقاموا الصلاة، فلم يلتفت خالد إليهم وأمر بقتلهم فحلف: لا يسير له تحت لواء، ورجع فأعلم أبا بكر فقال عمر: قد وجب علينا القصاص.

قالوا: ذكر خالد لمالك النبي صلى الله عليه وآله فقال: صاحبك؟ فأوهم أنه ليس بصاحب له فقتله، قلنا: قد قال أبو بكر: إنه تأول فأخطأ، فلو أراد مالك الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وآله لم يكن خالد أخطأ بل أصاب، ولاعتذر أبو بكر إلى عمر بذلك.


الصفحة 282

تذنيب:

روى صاحب العقد وصاحب الأغاني عن الرياشي أن متمما خاطب عبد اللاة وخالدا فقال:


نعم القتيل إذا الرماح تنافجتبين البيوت قتلت يا بن الأزور
أدعوته بالله ثم قتلتهلو هو دعاك بذمة لم يغدر
فاذهب فلا تنفك حامل لعنةما زعزعت ريح غصون العصفر

ومنها: منعه فاطمة قريتين من قرى خيبر نحلهما رسول الله صلى الله عليه وآله لها وقد ادعتها مع عصمتها في آية التطهير، وأورد في مناقبها: فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها، ومن أغضبها فقد أغضبني، وليس للنبي أن يغضب لغضبها إلا وهو حق وإلا لجاز أن يغضب لغضب كل مبطل وقد شهد لها علي مع قول النبي صلى الله عليه وآله فيه: علي يدور معه الحق حيث دار، وقوله: علي مع الحق والحق مع علي، وأم أيمن واسمها بركة وهي حاضنة النبي صلى الله عليه وآله وقد كانت تخبر بفضائله قبل ظهور حاله، مع أنه روي أنها كانت في يدها فأخرج عمالها منها.

إن قلت: فلعله كان لا يرى عصمتها وعصمة شاهدها قلت: فكان يجب إحلافها لأنها في يدها.

إن قلت: فلعله كان لا يرى تكميل البينة باليمين قلت: هذا مردود فإن أكثر علمائكم والمشهور في كتبكم بل وفي سائر المسلمين خلافه.

إن قلت: فالهبة لا بد من قبضها، قلت: قد بينا تصرفها فيها وأنه أخرج عمالها منها.

قالوا: ترك النكير عليه دليل عدم ظلمها قلنا: فترك النكير عليها دل على صدقها، مع أنه معلوم من عصمتها، فكان يجب الحكم بمجرد قولها، ولهذا أمضى النبي شهادة خزيمة وحده، ولم يكن حاضرا لما علم من عصمته عليه السلام و جعلها بشهادتين.


الصفحة 283
إن قيل: اكتفوا بإنكار أبي بكر قلنا: إنها أقامت على دعواها وعلى غصبها ثم إن كان إنكاره مغنيا لهم عن إنكارهم عليها، فإنكارها مغن لهم عن إنكارهم عليه.

وأيضا [ لما ] طلبت ميراثها من أبيها لقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم(1)) الآية وهي محكمة كما قال صاحب التقريب: إنها نسخت المواريث المتقدمة.

عارضها برواية تفرد بها هي قول النبي صلى الله عليه وآله: (لا نورث ما تركناه صدقة) والظاهر تزويرها وإلا كيف يخفى عن أهل بيته وجميع المسلمين حالها، وخبر الواحد إذا لم يكن مشهورا وعارضه القرآن، فكان مردودا لقوله صلى الله عليه وآله: إذا ورد عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه، وإلا فردوه، ولما سألته عن قسم رسول الله في الغنيمة قالت: أنت ورثت رسول الله؟ قال: لا، بل ورثه أهله فإذا كان لا يورث فأي شئ ورث أهله، وإذا صح هذا بطل ذلك لتناقضهما، وقد شهدتما بعدم ميراثه، ولفقتما مالك بن أوسى معكما، فوالله ما شك بعد هذا أنكما بالباطل شهدتما، فلعنة الله عليكما، وعلى من أجاز شهادتكما، فولتا تلعنانه وتقولان أخذت سلطاننا، ومنعتنا مالنا، فقال: وأي سلطان لكما ولأبويكما؟

هب أنه لا ميراث، أليس قد أسند علماؤكم بطرق ثلاثة إلى الخدري ورووه أيضا عن مجاهد والسدي أنه لما نزل (وآت ذا القربى حقه(2)) دفع النبي إليها فدكا؟

إن قيل: خبر الواحد يخصص عموم آيات الميراث كالقاتل ونحوه قلنا: إنما خصصناه بالاجماع لا بخبر الواحد، ولو سلمت صحته فمعناه لا نورث ما تركناه صدقة بل ميراثا.

وقد أخرج ابن قتيبة قولها في جوابه يرثك أهلك ولا نرث رسول الله؟ وأخرج الترمذي أنها قالت من يرثك؟ قال: أهلي وولدي، قالت: فما لي لا أرث أبي؟

وأخرج البخاري أنها قالت: أترث أباك ولا أرث أبي؟ أين أنت من قوله تعالى:

____________

(1) النساء: 11.

(2) الإسراء: 26.


الصفحة 284
(وورث سليمان داود(1)) وقول زكريا: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب(2)) وإذا أجمع على أنها أتت بآيتي الميراث في احتجاجها، ودلت الدليل على عصمتها، وجب الجزم بحقية قولها.

إن قيل: قد يورث غيره من المرسلين، ولا يورث خاتم النبيين، قلنا: هذا خلاف إجماع المسلمين، فإن من ورثهم عمهم ومن منعهم عمهم.

قالوا: المراد بالآيتين إرث العلم والنبوة، إذ لو أريد المال لما اختص سليمان دون زوجات أبيه، وباقي وارثيه، وكذا الكلام في يحيى مع أبيه قلنا: العلم والنبوة تابعان للمصلحة، لا مدخل للنسب والتوارث فيهما ولا يرد قول النبي لعلي في حديث زيد بن آدمي: ما ورث الأوصياء من قبلك كتاب الله وسنة نبيه، لأنه من طريقكم، وإنما نورده إلزاما لكم، على أن في إرثه للكتاب والسنة دليل الخلافة، إذ لو كان ثم أقرب منه وأولى، لما ورثه الولاية العظمى.

وإذا قالوا: لا تجتمع النبوة والإمامة في بيت عند قولنا: لا تخرجوا سلطان محمد من بيته قلنا: فالنبي قد يولد منه النبي فما يمنع الوصي مع إجماعكم بعد الثلاثة على علي، وإرث العلم موقوف على الاجتهاد لا الميراث، ولهذا إن سليمان أوتي حكما وعلما في حياة أبيه، فلا مدخل للإرث فيه.

وذكر سليمان في الإرث لا يدل على اختصاصه به، لعدم دلالة التخصيص بالذكر، على التخصيص بالحكم، والإرث حقيقة في المال وقصة زكريا تدل عليه حيث طلب ولدا يحجب بني عمه عنه، وعن الافساد فيه، لأنهم كانوا فساقا والتقدير: خفت الموالي أن يعصوا الله بمالي، فذهب بهذا ما يتوهم من نسبة البخل إليه، والعلم والنبوة لا حجب عنها بحال، لأنه بعث لإذاعة العلم، فكيف يخاف شئ بعث لأجله.

إن قيل: لم لا يكون خوفه من مواليه الفساق أن يرثوا علمه فيفسدون

____________

(1) النمل: 16.

(2) مريم: 6.


الصفحة 285
الرعية؟ قلنا: هذا العلم إن عنينا به الصحف، فلا يسمى علما إلا مجازا، مع أنه يرجع إلى إرث المال وإن عني به العلم الذي محله القلوب، فهو إما شريعة، فإنما بعث لنشرها، وبنو عمه من جملة أمته، وإن عني علم العواقب والحوادث، فهذا لا يجب الإعلام به، فلا خوف لأجله.

إن قيل: إنما سأل الولي خوفا من اندراس العلم، قلنا: قد كان يعلم من حكمة الله أنه لا يندرس العلم لإزاحة العلة.

إن قيل: خاف انتقاله إلى غير ولده قلنا: هذا خوف دنياوي، وليس هو مما بعث الأنبياء له، فجهة خوفهم يحمل على المضار الدينية.

ثم نرجع ونقول إنه اشترط في الولد كونه (رضيا) أي عاملا بطاعة ربه مصلحا لما له، والنبي لا يكون إلا رضيا، فلا معنى للتقييد بكونه رضيا.

إن قلت: يجوز الدعاء بالواقع، مثل (رب احكم بالحق(1)) واجعلنا مسلمين لك(2)).

قلت: كان ذلك تعبدا وانقطاعا إليه تعالى فيما يعود إلى الداعي، بخلاف هذا، ولذلك لا يحسن: رب ابعث نبيا، واجعله عاقلا.

قالوا: روي أنه قال لها: إن كان أبوك يورث فخصمك الزوجات وعمك، و إن كان لا يورث فجميع المسلمين خصمك قلنا: فما بال المسلمين لم يكونوا خصم جابر حيث قال له: النبي صلى الله عليه وآله وعدني بكذا فحثى له من مال البحرين كما أخرجه البخاري، فأعطاه بمجرد دعواه ومنع فاطمة مع عصمتها وبينتها.

إن قالوا: فلعله علم صدق جابر، قلنا: ومن أين له ذلك مع أن البخاري وغيره رووا أنه لا ينبغي للحاكم الحكم بعلمه لموضع التهمة.

إن قيل: فمذهبكم أن الحاكم يحكم بعلمه قلنا: فيدخل في قسم قوله تعالى:

(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) إلى آخر الآية(3).

____________

(1) الأنبياء: 112.

(2) البقرة: 128.

(3) البقرة: 85.


الصفحة 286
إن قيل: قولكم ولا نورث ما تركناه صدقة - بالنصب - بل ميراثا، لم يتأوله أحد قلنا: أوله أصحابنا فلا إجماع في غيره.

إن قيل: لو كان هذا التأويل صحيحا لم يكن لتخصيص الأنبياء بالذكر مزية إذ غيرهم كذلك قلنا: يجوز أن يريد إنما ننوي فيه الصدقة ونفرده، وإن لم نخرجه من أيدينا لا يناله وارثنا، وهذه مزية، مع أنه يجوز ترجيح الخاص بالذكر (كفاكهة ونخل ورمان(1)) وما يدريك أن يكون النبي صلى الله عليه وآله علم من حاله إنكار ميراثه، فأفرده بالذكر لهذه المزية.

إن قيل: إنما رويت (صدقة) بالرفع، وهو ينفي ذلك قلنا: إن أهل الرواية ما يجري في هذا المجرى، أو لعلهم نسوا واشتبه عليهم، فرفعوها على ظنهم.

قالوا: لم تنكر الأمة عليه فهو دليل على صوابه.

قلنا: قد سلف ذلك(2) ولم تنكر الأمة عليها فهو دليل خطائه.

إن قيل: اكتفوا بإنكار أبي بكر عليها قلنا: إنها قامت على دعواها وعلى غصبها، ثم إن كان إنكاره كافيا لهم عن إنكارهم عليها، فإنكارها كاف لهم عن إنكارهم عليه، وقد سلف ذلك ولو دل ترك النكير على الصواب، دل تركه على صواب عمر في إنكار المتعتين، ولكان ترك النكير دليل صوابه في الجمع بين النقيضين أحدهما قوله في السقيفة (إن النبي قال: (الأئمة من قريش) وقوله في شكائه: إن سالما مع كونه عتيقا لامرأة - لو كان حيا لولاه، ويد الخلافة لا تطاولها يد.

إن قيل: فما بال عثمان مع كونه خليفة تطاول الأيدي إليه بما لا خفاء فيه قلنا: عثمان كان ضعيفا في نفسه، مستخفا بقدره، واستأثر بالأموال، فلم يكن له من المحبة ما للشيخين.

إن قيل: فإنكار نص القرآن أولى من أحداث عثمان؟ قلنا: اشتبه عليهم أن خبر الواحد يخص القرآن، فلم يظهر للرعية الجحدان، على أن أكثرها لا تعرف القرآن، ولا الحق بالبرهان، وإنما ذلك لقليل من أفراد الانسان.

____________

(1) الرحمن: 68.

(2) في ص 282 ص 20.


الصفحة 287
قالوا: شهد لأبي بكر بصحة الخبر عمر وعثمان وطلحة والزبير وسعيد و ابن عوف. قلنا: لم يعرف ذلك منهم إلا بطريق ضعيف، مع أنهم لحل الصدقة لهم متهمون، وإلى دنياهم مائلون.

إن قيل: فعلى هذا لا تقبل شهادة مسلمين بصدقة في تركة المسلمين. قلنا:

ليس في هذا إخراج أهل التركة منها، بخلاف ما نحن فيه، إذ يخرجون بتحريم الصدقة عليهم.

وفي هذا نظر إذ فيه قبول شهادة الانسان فيما يشارك.

قال: والعجب أن كل صف ممن خالفنا في الميراث يرد أحاديث مخالفه مما هو أصح إسنادا من رواية أبي بكر (لا نورث) فإذا صاروا إلى ميراث النبي خصوا الكتاب بخبر لا يداني بعض ما ردوه.

قالوا: قال علي: ما حدث أحد بحديث إلا استحلفته، ولقد حدثني أبو بكر وصدق، وفي هذا دليل صدقه في (لا نورث) قلنا: هذا كذب عندنا، وقد روته آحادكم فليس حجة علينا، على أنه لا يلزم من صدق أبي بكر في خبر صدقه في كل خبر حتى يصدق في (لا نورث) ويكون ترك استحلافه من حيث إن عليا سمعه من النبي، لا لاستيمانه، هذا، ولما تولى عثمان أقطع فدك، وآوى عدو رسول الله وطريده مروان، لما زوجه ابنته، فكأنه أولى من فاطمة وأولادها بإقطاعها، و قد قسم عمر خيبر على أزواج النبي لأجل ابنته وابنة صاحبه، أخرجه في جامع الأصول من طريقي البخاري ومسلم وأبو بكر شريك مدعي، شاهد جار، خصم حاكم.

إن قيل: لم يدع لنفسه بل بين ما سمعه قلنا: لما جاءت الصدقة له دونهم كان جارا لنفعه.

قالوا: لو شهد اثنان أن في التركة حقا وجب صرفها عن الإرث، فكذا هنا قلنا: الأخبار لا تشبه الشهادة فإن كان ما ترك النبي صدقة فجميع المسلمين خصمه وإلا ففاطمة عندنا، وا؟؟ با خصمه، فلا يجدون لهم جوابا عن سؤاله: (كيف

الصفحة 288
خلفتموني فيهم) سوى: آوينا من طردته، وأبعدنا وزوينا عن حقه من أوصيته فعند ذلك إلى أشد العذاب يردون، فويل لهم مما كسبت أيديهم وويل لهم مما يكتبون.

قالوا: أبو بكر ما منع كتابيا حقه، فكيف فاطمة لو كان لها حق؟ قلنا: لم يقع من الشحناء للكتابيين كما وقع لها ولأهلها، وقد ثبت بآية التطهير عصمتها وأثنت (هل أتى) على صدق طويتها، وما ورد من قول أبيها في حقها، ودخولها في العترة المأمون ضلالهم من تمسك بها.

فإن كان أبوها بحديث ما تركناه صدقة أعلمها، فلا فرية أعظم من ادعائها أموال المسلمين وذلك يناقض ما تقدم فيها، وإن لم يكن عرفها فقد أغراها على الفتنة والسقوط فيها، وفي ذلك وجوب النار له، وحاشاه منه، لما خرج من جامع الأصول عن الترمذي وأبي داود من قوله عليه السلام: إن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة، حتى يحضره الموت، فيضار في الوصية فتجب له النار، وأي ضرر أعظم من كتم ذلك عن وصيه ووارثه، وسنذكر في ذلك زيادات في باب رد الشبهات.

قالوا: طلبت فدك تارة بالنحلة وتارة بالإرث، فإن وقع ذلك عمدا أو سهوا منها بطل عصمتها قلنا: لما أنكر النحلة عدلت إلى الميراث إلزاما له بالحجة، بأن المسلم لو حاكم النصراني إلى جاثليقه فأبى أن يحكم له بشهادة المسلمين، واستشهد ذميين، لم يكن طالبا لحقه من غير وجهه، ولا يتحظر عليه في أخذه، وقد أمر الله النبي أن يقاضي اليهود بالتوراة، مع أنها محرفة ليلزمهم فيها بالحجة.

وما أحسن قول البرقي في ذلك:


فلم يوار رسول الله في جدثحتى تعصب فرعون لهامان
واستخرجا فدكا منها وقد علمابأنها حقها حقا بتبيان
ولا أقول أبا بكر ولا زفرعلى الصواب وإن جاءوا ببرهان
فإن يقولوا أصابا فاليهود إذنبإرث داود أولى من سليمان


الصفحة 289

تذنيب:

قال علي لأبي بكر: لو شهد العدول على فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا؟

قال: أحدها، قال: إذن تخرج من الاسلام لأنك تركت شهادة الله لها بإذهاب الرجس عنها، وصدقت الخلق بإثباته فيها، فقام من المجلس وترك عليا.

قالوا: لا يلزم من عصمتها أخذ مدعاها بغير بينة منها، لأن أباها مع نبوته لا يحكم له بدون بينة قلنا: هذا يضحك الثكلى، فإذا لم يعرف كون البينة حجة إلا بقوله، فكيف لا يقبل قوله إلا ببينة، إن هذا لشئ عجاب.

تذنيب آخر:

أخبرنا المرزباني مسندا إلى قاسم الخياط غلام السيد الحميري قال:

حججت معه فلقينا الكميت فسلم عليه السيد وأعظمه وقال: أنت القائل:


ولا أقول وإن لم يعطيا فدكابنت النبي ولا ميراثه كفرا
الله أعلم ما ذا يأتيان بهيوم القيامة من عذر إذا حضرا

قال: أضعفت عن الحق يقول النبي: (فاطمة بضعة مني يريبني من أرابها) ويشهد لها علي وولداه وأم أيمن ولم يحكم لها والله يقول: (يرثني ويرث من آل يعقوب(1)) (وورث سليمان داود(2)) ويجعلون هم سبب خلافة أبي بكر بشهادة ابنته أن النبي قال: مر أبا بكر فليصل، ما تقول فيمن حلف بالطلاق أن فاطمة و شهودها ما قالوا إلا حقا؟ قال: يقيم على امرأته، قال: فلو حلف أنهم قالوا غير الحق قال: طلقت امرأته قال: فانظر في أمرك قال: أنا تائب إلى الله من شكي فيما قلت.

تذنيب:

روي عن ابن عباس أنه دخل على أبي بكر رجل فسلم وقال: عزمت الحج فأتتني جارية وقالت لي أبلغك رسالة وهي أني: امرأة ضعيفه، وإني عائلة وكان

____________

(1) مريم: 6.

(2) النمل: 16.


الصفحة 290
لأبي أريضة جعلها لي تعينني على دهري فكنت أعيش منها، وأنا وزوجي وولدي فلما توفي أبي انتزعها ولي البلد مني فصيرها في يد وكيله، واستغلها لنفسه و أطعم من شاء وحرمني فقال أبو بكر: ليس له ذلك ولا كرامة، لأكتبن إليه ولأعذبن هذا الظلوم الغشوم، ولأعزلنه عن ولايتي، وقال عمر: لا تمهله وأنفذ إليه من ينكل به، ويأتي به مكتوفا وأحسن أدبه على خيانته وفسقه، فقال أبو بكر: من هذا الوالي؟ وفي أي بلد؟ وما اسم المرمية بهذا المنكر.

فقال الرجل: نعوذ بالله من غضب الله، نعوذ بالله من مقت الله، وأي حاكم أجور وأظلم ممن ظلم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ثم خرج.

فقال أبو بكر لخدمه: ردوه، فقالوا: ما خرج علينا أحد وإن الباب لمغلق فقال عمر: لا يهولنك هذا، فربما يخيل إبليس علينا وعلى أمة محمد ليفتنهم، فقال أبو بكر لابن عباس: أعيذك بالله أن تسمع ما سمعت أحدا، فسمعنا هاتفا يقول:


يا من يسمى باسم لا يليق بهاعدل على آل يس الميامينا
أتجعل الخضر إبليسا فقد ذهبتبك المذاهب من رأي المضلينا
فتب إلى الله مما قد ركبت بهآل النبي ودع ظلم الوليينا
فالله يشهد أن الحق حقهملاحق تيم ولا حق المخلينا

فأجابه آخر.


عدلت أخا تيم على كل ظالموجرت على آل النبي محمد
وأغنيت تيما مع عدي وزهرةوأفقرت غرا من سلالة أحمد
أفي فدك شك بأن محمداحباها لها من دون تيم بمشهد
علي وسلمان ومقداد منها؟وجندب مع عمار في وسط مسجد
وأشهدنا والناس أن تراثهلفاطم من دون البعيد المبعد
فنحن شهود يوم لكفى محمدابظلمكم آل النبي المسدد
فلا زلت ملعونا يمسك سخطهولا زلت مخذولا عظيم التلدد


الصفحة 291
فدخل ابن عباس على علي فحدثه علي بالحديث، فلما أصبح أبو بكر دعا بفاطمة وكتب لها كتابا بفدك، فأخذه عمر وبقره، فدعت عليه بالبقر واستجيب لها فيه.

تذنيب:

رد عمر بن عبد العزيز فدكا في أيامه، وهو من أئمة العدل عندهم، فعوتب عليه، وقيل له: ظلمت الشيخين، فقال: هما والله ظلما أنفسهما، وطعنا عليهما.

وجمع المأمون العلماء لأجلها، فاضطرته الحجة إلى ردها، فردها.

بحث
* (في تكميل ذلك) *


قال المرتضى رحمه الله:

إن قيل: لو ورثت الأنبياء الأموال لتطرق إلى أهلهم تمنى موتهم، وهو كفر، فنزه الله أهل الأنبياء عن ذلك قلنا: جعل متروكاتهم صدقة، فيه تمنى جميع المسلمين موتهم، ولو لزم من الإرث تمني الموت، لزم عقوق الوالدين، و سرى ذلك في الأولياء.

إن قيل: قد نهيت الأمم عن تمني موتهم، قلنا: وكذلك الحكم في أهلهم على أن الله أقدر الخلق على أنواع المعاصي ولم يكن ذلك منه تعريضا لهذه القبائح فكيف يكون في ميراثهم تعريضا لتمني موتهم، وأيضا فالحكم بإرثهم مع نهي أهلهم عن تمني موتهم بمنزلة جليلة من التكليف لما فيه من مخالفة الهوى فيستحقون جزيل الثواب، فكيف ينزهون عما هو إحسان إليهم.

تذنيب:

قال الجبائي لا عفى الله عنه: طلبت حقا ورجعت بحق، قلنا: كيف ذلك فقد زعمتم أن من ظلم خردلة مخلد في النار. فكيف من ظلم بنت نبيكم؟ قالوا:

جاءت تطلب خادما من أبيها فلم يعطها، وعلمها السبيح المشهور بها، فكيف يعطيها