ص 53
الفاضلي أذنا مشافهة أنا أحمد بن أبي طالب، أنا جعفر بن علي. أنا محمد بن عبد
الرحمن الحضرمي، أنا عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، حدثنا أبي، ثنا أبو المطرف عبد
الرحمن بن مروان القنازعي، ثنا أحمد بن عمرو الجريري، ثنا محمد بن جرير، ثنا
إسماعيل بن موسى، ثنا محمد بن عمر الرومي، ثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن
غفلة، عن الصنايجي عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: أنا دار الحكمة وعلي بابها، أخرجه الترمذي في سننه عن موسى بن إسماعيل
به (1). وقال ابن جرير: هذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يكون على مذهب آخرين سقيما
غير صحيح لعلتين: أحدهما أنه خبر لا يعرف له مخرج عن علي عن النبي صلى الله عليه
وآله إلا من هذا الوجه، والآخر أن سلمة بن كهيل عندهم ممن لا يثبت بنقله حجة قال:
وقد وافق عليا في رواية هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله غيره، ثم أسنده عن
ابن عباس. (قلت): أصاب ابن جرير رحمه الله في تصحيح هذا الحديث ولم يصب فيما ذكر
أنه قد يكون علة فيه عنده غيره لأنه جعل إحدى العلتين كونه لم يرو عن علي عليه
السلام إلا من هذا الوجه، وليس كذلك بل روى عنه من أربعة أوجه أخرى. ( الوجه
الأول): من رواية الحارث وعاصم بن ضمرة كلاهما عن علي، أخرجه الخطيب في تلخيص
المتشابه (2) قال: أنبأنا علي بن
(هامش)
(1) جامع الصحيح 2: 214، الغدير 6: 71 بطرق مختلفة. (2) مخطوط في مكتبة دار الكتب
المصرية برقم 31 كما في فهرس المخطوطات ص 183. (*)
ص 54
علي، ثنا محمد بن المظفر الحافظ، ثنا محمد بن الحسين الخثعمي، ثنا عباد ابن يعقوب
ثنا يحيى بن بشار الكندي، عن إسماعيل بن إبراهيم الهمداني عن أبي إسحاق، عن الحارث،
عن علي. وعن عاصم بن ضمرة، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا
مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، قال الخطيب: يحيى بن بشار
وشيخه إسماعيل مجهولان. قلت: المجهول إذا روى عنه ثقة ولم يأت مما ينكر فحديثه صحيح
مقبول على رأي جماعة من الحفاظ. ( الوجه الثاني): من رواية ابنه الحسين عليه
السلام، أخرجه ابن النجار في تاريخه (1) قال: حدثتنا رقية بنت معمر بن عبد الواحد
(2) أنبأتنا فاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادي (3)، أنبأنا سعيد بن أحمد
النيسابوري (4)، أنبأنا علي بن الحسن بن بندار بن المثنى، (5)، أنبأنا علي بن محمد
بن مهرويه (6)، حدثنا داود بن سليمان الغازي (7) حدثنا علي بن موسى الرضى (8)، عن
عباية، (9) عن علي به.
(هامش)
(1) كشف الظنون 1: 288 الحافظ محمد بن محمود بن النجار البغدادي المتوفى 643. (2)
لم أجد لها ترجمة في المعاجم. (3) أعلام النساء 4: 101 محدثة ذات دين وصلاح وسند.
(4) المتوفى 457 لسان الميزان 3: 23، 30. (5) المتوفى حدود 380 لسان الميزان 4:
217. (6) أبو الحسن القزويني كان حيا 323 تاريخ بغداد 12: 69. (7) لسان الميزان 2:
417. (8) الإمام الثامن - ع - من الأئمة الاثنا عشر. (9) عباية بن ربعي، جامع
الرواة 1: 435، ميزان الاعتدال 2: 387. (*)
ص 55
(الوجه الثالث): من رواية الأصبغ بن نباته، ذكره أبو نعيم في الحلية، وأخرجه أبو
الحسن علي بن عمر الحربي في أماليه (1) قال: حدثنا إسحاق بن مروان، حدثنا أبي، ثنا
عامر بن كثير السراج، عن أبي خالد، عن سعد بن ظريف، عن الأصبغ بن نباته، عن علي بن
أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وأنت بابها يا
علي كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها (2). (الوجه الرابع) من رواية الشعبي،
أخرجه ابن مردويه في المناقب من طريق الحسن بن محمد، عن جرير، عن محمد بن قيس، عن
الشعبي، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا دار الحكمة وعلي
بابها. وأما العلة الثانية وهي كون سلمة بن كهيل لا تقوم به حجة عندهم: فمدفوعة
أيضا، بأن سلمة بن كهيل ليس عندهم كذلك بل احتج به البخاري ومسلم والأربعة وغيرهم
من أصحاب الصحاح، ووثقه ابن معين والعجلي وابن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن
شيبة وأحمد وسفيان والنسائي وآخرون (3)، وإنما توهم ابن جرير عدم إحتجاجهم به من
ذلك الأصل الباطل في رد حديث الشيعي، خصوصا إذا روى فضل علي عليه السلام، لأن سلمة
بن كهيل كان كذلك وهو أصل باطل بالاجماع كما ستعرفه، فهذا الحديث بمفرده أيضا على
شرط الصحيح كما حكم به ابن جرير فإن رجاله كلهم موثقون، أما شريك ومن فوقه فكلهم
ثقات من رجال الصحيح، وأما محمد بن عمر الرومي فروى عنه *
(هامش)
*(1) أمالي أبي الحسن الحربي، توجد مصورته في مكتبة الإمام أمير المؤمنين ع .
(2) الغدير 3: 71. (3) تهذيب التهذيب 4: 155. (*)
ص 56
البخاري خارج الصحيح، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: أبو
زرعة شيخ فيه لين، روى حديثا منكرا عن شريك (1) فهذا أقصى ما قيل فيه، وقد عرفت أن
من هذا حاله لا ينزل عن درجة الصحيح، خصوصا ولم ينفرد بهذا الحديث بل تابعه عليه
عبد الحميد بن بحر أخرج متابعته أبو نعيم في الحلية قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن
أحمد الجرجاني، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الحميد بن بحر ثنا شريك، ثنا سلمة بن
كهيل بن إلا أنه قال عن الصنايجي ولم يذكر سويد بن غفلة (2)، وأما إسماعيل بن موسى
الفزاري فقال أبو حاتم: صدوق، وكذا قال مطين. وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن
حبان في الثقات، وقال أبو داود: صدوق في الحديث إلا أنه يتشيع، وقال ابن عدي: إنما
أنكروا عليه الغلو في التشيع (3). قلت: ومع هذا فلم ينفرد به أيضا بل تابعه الحسن
بن سفيان وإبراهيم بن عبد الله البصري، أما متابعة الحسن بن سفيان فأخرجها أبو نعيم
في الحلية كما سبق، وأما متابعة إبراهيم فأخرجها ابن بطة قال: حدثنا أبو علي محمد
بن أحمد الصواف، ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري ثنا محمد بن عمر الرومي،
ثنا شريك به، فإذا ضم إلى هذه الطريق التي هي صحيحة تلك الطرق الأربعة من رواية
الشعبي والحسن والأصبغ والحارث كان حديث علي عليه السلام بمفرده صحيحا جزما فكيف
بانضمامه إلى حديث ابن عباس الذي هو من أصح الصحيح كما عرفت. *
(هامش)
*(1) تهذيب التهذيب 9: 360، خلاصة تذهيب الكمال 291. (2) حلية الأولياء 1: 64. (3)
تهذيب التهذيب 1: 335، خلاصة تذهيب الكمال 31، الثقات 2: 94. (*)
ص 57
[فصل] المخرج الثاني من حديث جابر بن عبد الله: أنبأنا سعيد بن أحمد الفراء الدمشقي
بها قال: أنا علاء الدين بن محمد بن عمر الحسيني، أنا أبي، أنا محمد بن عبد الرحمن
الكزبري، أنا أبي، أنا أبو المواهب الحنبلي، أنا أبي، أنا شمس محمد بن عبد الله
الأنصاري، أنا محمد بن خليل اليشبكي، أنا أبو الفضل الحافظ، أنا أبو إسحاق التنوخي
شفاها، أنا يحيي بن محمد بن سعد كتابة، أنا أبو جعفر أحمد بن علي ابن حكم، أنا عياض
بن موسى، أنا أبو الأصبغ عيسى بن محمد الزهري، أنا سليمان بن خلف، أنا أبو عبد الله
محمد بن علي بن محمود، أنا أبو العباس الرازي، أنا أبو أحمد بن عدي، ثنا النعمان بن
هارون البلدي ومحمد بن أحمد بن المؤمل، وعبد الملك بن محمد، قالوا: حدثنا أحمد بن
عبد الله أبو جعفر المكتب، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، عن عبد الله بن عثمان
بن خثيم، عن عبد الرحمن بن بهمان التميمي، سمعت جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية وهو آخذ بيد علي، يقول: هذا أمير البررة،
وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، يمد بها صوته، أنا مدينة العلم وعلي
بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، أخرجه الحاكم في المستدرك (1). وقال حدثني أبو
بكر محمد بن علي الفقيه الشاشي القفال البخاري وأنا سألته حدثني النعمان بن هارون
البلدي من أصل كتابه، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني به مقتصرا على حديث
الباب، وقال: إسناده صحيح (2)، وأخرجه الخطيب في ترجمة محمد بن عبدا الصمد *
(هامش)
*(1) المستدرك 3: 129، الصواعق المحرقة 123. (2) المصدر السابق. (*)
ص 58
أبي الطيب الدقاق من تاريخ البغدادي (1) فقال: حدثنا يحيى بن علي السكري بحلوان،
ثنا أبو بكر محمد بن المقري بإصبهان، ثنا أبو الطيب محمد بن عبد الصمد الدقاق
البغدادي، ثنا أحمد بن عبد الله أبو جعفر المكتب به، وأخرجه أيضا في ترجمة أحمد بن
عبد الله المذكور فقال: أخبرنا أبو الطاهر عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب، ثنا
أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي الحافظ، ثنا محمد بن عبد الله الصيرفي
وعلي بن إبراهيم البلدي. وجماعة قالوا: حدثنا أحمد بن عبد الله بن بزيد المؤدب أبو
جعفر السامري به قال أبو الفتح: تفرد به عبد الرزاق وحده، قال الخطيب: ولم يروه عن
عبد الرزاق غير أحمد بن عبد الله هذا وهو أنكر ما حفظ عليه (2). قلت: وليس كما قال
الخطيب بل تابعه عليه أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى عن عبد الرزاق، كما ذكره ابن
عدي وابن الجوزي ثم إنه لإنكاره في تفرد أبي جعفر السامري عن عبد الرزاق بمثل هذا
الحديث، فإن عبد الرزاق كان يعلم أن من حدث بفضائل علي بن أبي طالب يجرح ويبدع بل
يتهم ويكذب، فكان لا يحدث بها إلا أهلها وقد قال في حقه الذهبي (3) أنه كان يعرف
الأمور فلا يتجاسر أن يحدث بها، سامح الله الذهبي يسمي التحديث بفضائل علي عليه
السلام جسارة، وقد وقع مثل هذا للحافظ أبي الأزهر النيسابوري (4) فإنه لما حدث عن
عبد الرزاق بحديث
(هامش)
(1) ويعرف أبو الطيب بالبغوي توفي 319. (2) تاريخ بغداد 2: 377. (3) ميزان الاعتدال
2: 609. (4) أحمد بن الأزهر بن منيع بن سليط المتوفى 263، تذكرة الحفاظ 2: 114 ط
حيدر آباد، تاريخ بغداد 4: 39. (*)
ص 59
في فضل علي أخبر يحيى بن معين بذلك، فبينما هو عنده في جماعة أهل الحديث إذ قال
يحيى بن معين: من هذا الكتاب النيسابوري الذي حدث عن عبد الرزاق بهذا الحديث، فقام
أبو الأزهر فقال: هو ذا أنا، فتبسم يحيى بن معين وقال: أما أنك لست بكذاب ولكن
الذنب لغيرك في هذا الحديث، ثم سأله يحيى بن معين كيف خصك عبد الرزاق بهذا الحديث؟
فقال: إني خرجت مع عبد الرزاق إلى قريته فكنت معه في الطريق، فقال لي: يا أبا
الأزهر أفيدك حديثا ما حدثت به غيرك؟ قال: فحدثني بهذا الحديث (1)، ومع هذا فقد وجد
لأبي الأزهر متابع عليه، فذكر الخطيب أن محمد بن حمدون النيسابوري رواه عن محمد بن
علي بن سفيان النجار عن عبد الرزاق به قال الخطيب: فبرئ أبو الأزهر من عهدته إذ
توبع على روايته (2). (قلت): وكذا وقع في حديث الباب، فإن عبد الرزاق خص به أبا
جعفر السامري كما خص أبا الأزهر بذلك الحديث، وكما أنه وجد لأبي الأزهر متابع عليه
كذلك وجد لأبي جعفر السامري، فقد أخرج الحافظ أبو الحسن بن شاذان في خصائص علي (3)
قال: حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن فيروز الأنماطي، حدثنا الحسين بن عبد الله
التميمي، حدثنا حبيب بن النعمان حدثني جعفر بن محمد، حدثني أبي، عن جدي، عن جابر بن
عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة الحكمة وعلي بابها، فمن
أراد المدينة فليأت إلى بابها. وأخرجه الخطيب
(هامش)
(1) المستدرك 3: 128. (2) تاريخ بغداد 4: 42. (3) الخصائص في فضل علي بن أبي طالب -
ع - كشف الظنون 1: 706. (*)
ص 60
في تلخيص المتشابه (1) من طريق الدار قطني، ثنا محمد بن إبراهيم الأنماطي به
فبرئ أبو جعفر السامري منه ولله الحمد.
(المسلك السادس): إن هذه المخارج الثلاثة،
قد حكم بصحة كل منها على انفراده كما رأيت،

والحفاظ إذا وجدوا حديثا من هذا القبيل
جزموا بارتقائه إلى درجة الصحيح، وكثيرا ما يجزم المتأخرون كابن كثير والعلائي
والعراقي والحافظ وتلميذه السخاوي بذلك، وقد سلك الحافظ السيوطي هذا المسلك بالنسبة
لهذا الحديث فقال في الجامع الكبير : قد كنت أجيب دهرا عن هذا الحديث بأنه حسن
إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في (تهذيب الآثار) مع تصحيح الحاكم لحديث
ابن عباس فاستخرت الله تعالى وجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحة
(2).
(المسلك السابع):

إننا لو اقتصرنا على تحسين حديث علي وابن عباس مراعاة لما
قيل في عبد السلام بن صالح، ومحمد بن عمر الرومي، كما يسلكه بعض أهل الحديث فيمن
كان ذلك حاله، وكما سلكه الحافظ صلاح الدين العلائي، والحافظ وتلميذه السخاوي
بالنسبة لهذا الحديث فإنهم اقتصروا على الحكم بحسنه ولم يرفعوه إلى مرتبة الصحة كما
فعل ابن معين والحاكم وابن جرير والسمرقندي، فإن الحسن يرتقي مع وجود المتابعات
والشواهد إلى درجة الصحيح، وقد صرح الحافظ السخاوي بأن حديث ابن عباس بمفرده على
شرط الحسن فإذا انضم إليه حديث علي وحديث جابر مع ما أوردناه من الشواهد المعنوية
فإنه يرتقي إلى درجة
(هامش)
(1) تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم: كشف
الظنون 1: 473. (2) راجع الجزء السادس من كنز العمال ترتيب الجامع الكبير للحافظ
السيوطي. (*)
ص 61
الصحيح لغيره بلا خلاف، وهذا مما لا يشك فيه من له خبرة بعلم الحديث ودراية
بصناعته، فلا نحتاج إلى ذكر دلائله والاطالة بنصوصهم فيه، وقد قال الحافظ في
القول المسدد (1) في الكلام على حديث: سدوا كل باب في المسجد إلا باب علي ما نصه:
هذا الحديث له طرق متعددة كل طريق منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن ومجموعها
مما يقطع بصحته على طريقة كثير من أهل الحديث (2).
(المسلك الثامن)

إننا لو حكمنا
على جميع هذه الطرق والشواهد بالضعف ولم نحكم لشيء منها بالصحة ولا بالحسن، فإن
الضعيف الذي هو من هذا القبيل يرتقي إلى درجة الصحيح لأن راويه إنما حكم بصحة حديثه
لغلبة الظن بصدقه، والضعيف إذا تعددت طرقه وكثرت شواهده مع تباين مخارجها حصلت غلبة
الظن أيضا بصدق خبر المجموع، وإن كانت لا تحصل بخبر كل واحد على انفراده، فاستحق
خبرهم الحكم بالصحة كما استحقه خبر الثقة الواحد لوجود غلبة الظن في الجميع، وقد
صرحوا بأن المتابعات والشواهد لا يشترط في رواتها أن يكونوا ممن يحتج بهم فقال ابن
صلاح: قد يدخل في باب المتابعات والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون
معدودا في الضعفاء. وفي كتاب البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكرهم في المتابعات
والشواهد (ا ه). بل اشترط الإمام الرازي وجمع من أهل الأصول في الحديث الذي يحتج
بمجموع طرقه أن تكون أفرادها ضعيفة ليحصل الاحتجاج بالمجموع، وأما إذا كان بعضها
صحيحا فالاعتماد حينئذ عليه وحده والضعيف مطروح *
(هامش)
*(1) القول المسدد: للحافظ ابن حجر العسقلاني ط حيدر آباد 1319. (2) القول المسدد ص
16. (*)
ص 62
غير معول عليه، والمفروض الاحتجاج بالمجموع وقد حكموا بصحة أحاديث كثيرة من هذا
القبيل، كحديث طلب العلم فريضة على كل مسلم (1)، وحديث لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر
أن يؤمهم غيره، أورده ابن الجوزي في الموضوعات (2)، وقال ابن كثير: له شواهد تقتضي
صحته وكذلك حديث: أطلبوا الخير عند حسان الوجوه، وحديث من وسع على عياله يوم
عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته، وحديث العباس بن مرداس السلمي في فضل الحج (3)،
وحديث من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله (4)، حكم ابن الجوزي بوضعه، وقال
الحافظ: له شواهد تدل على صحته، وحديث نعم الشيء الهدية أمام الحاجة، وحديث اتقوا
فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، وحديث وصية النبي صلى الله عليه وآله لأنس بن
مالك، وحديث الموت كفارة لكل مسلم، وحديث إذا ولي أحد كم أخاه فليحسن كفنه فإنهم
يتزاورون في أكفانهم (5). (فصل): فإن قيل: قد تقرر في علم الحديث إن الضعيف إذا
تعددت طرقه إنما يرتقي إلى درجة الحسن ولا يبلغ رتبة الصحيح، وقد قال النووي في
كلامه على بعض الأحاديث: وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعضه
بعضا ويصير الحديث حسنا ويحتج به، وسبقه إلى ذلك البيهقي وغيره.
(هامش)
(1) راجع الجامع الصغير للسيوطي، اللآلئ المصنوعة 1: 100. (2) كتاب فند فيه أحاديث
صحيحة كثيرة المنفق على صحتها فزيفه جمع من الحفاظ رجال الفن وتكلموا عليه. (3)
تهذيب التهذيب 5: 130. (4) المستدرك 2: 12. (5) المستدرك 1: 369. (*)
ص 63
(قلنا ): الجواب من وجهين: (الوجه الأول): إن ذلك ليس مطردا في كل الطرق الضعيفة بل
هو خاص بنوع منها، وهو ما اشتد ضعفه وكان منكرا فإن طرقه إذا تعددت أوصلته إلى درجة
المستور السئ الحفظ فإذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك من
كونه منكرا إلى درجة الحسن كما نص عليه الحافظ وغيره، وأما ما كان في كل طرقه أو
أكثرها ضعف قريب فإنه يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحيح كالأحاديث المذكورة، لأن
الطريق الذي فيه الضعف القريب قد يكون بمفرده حسنا على مذهب كثير من المحدثين كما
قدمناه وكما نص عليه ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات فقال: والأحاديث ستة أقسام،
الأول: ما اتفق على صحته البخاري ومسلم وذلك الغاية، الثاني: ما تفرد به البخاري أو
مسلم، الثالث: ما صح سنده ولم يخرجه واحد منهما، الرابع: ما فيه ضعف قريب محتمل
وهذا هو الحديث الحسن، الخامس: الشديد الضعف الكثير التزلزل، فهذا تتفاوت مراتبه
عند العلماء فبعضهم يدنيه من الحسان ويزعم أنه ليس بقوي التزلزل، وبعضهم يرى شدة
تزلزله فيلحقه بالموضوعات فصرح بأن الحسن هو ما فيه الضعف القريب المحتمل، فإذا
تعددت الطرق به ارتقى إلى الصحيح. ( الوجه الثاني): إن هذا الاختلاف في اللفظ لا في
المعنى لأن الحسن من قسم الصحيح حتى كان المنقدمون يدرجونه في أنواعه ولم يكن الحسن
عندهم معروفا ولا اسمه بينهم شائعا، وأول من نوه باسمه وأكثر من ذكره الترمذي في
جامعه (1) وإن وجد من صرح به من طبقة شيوخه فهو قليل نادر، بل الذي كان متعارفا
بينهم أن الحديث قسمان:
(هامش)
(1) أكثر الحافظ الترمذي في جامعه من قوله: صحيح حسن. فيدل هذا على أن الحسن من قسم
الصحيح عنده. (*)
ص 64
صحيح وضعيف، والصحيح عندهم على طبقات متفاوتة بحسب تفاوت رواته في درجات الضبط
والاتقان، حتى أوصلوه إلى خمس طبقات أو أكثر يشمل جميعها اسم الصحيح، فجاء
المتأخرون منهم ووضعوا للأقسام الأخيرة اسما يخصها وتتميز به عند التعارض والترجيع،
فمنهم من يتشدد فيطلق على القسم الوسط حسنا، ومنهم من يتساهل فيطلق على القسم
الأخير صحيحا. قال الذهبي في الموقظة (1): من أخرج له الشيخان أو أحدهما على
قسمين: أحدهما من احتجا به في الأصول، وثانيهما من خرجا له متابعة واستشهادا
واعتبارا، فمن احتجا به أو أحدهما ولم يوثق ولم يمرض فهو ثقة حديثه قوي، ومن احتجا
به أو أحدهما وتكلم فيه فتارة يكون الكلام تعنتا والجمهور على توثيقه فهذا حديثه
قوي أيضا، ويكون تارة الكلام في حفظه فهذا حديثه لا ينحط عن درجة الحسن الذي من
أدنى درجات الصحيح، فما في الكتابين بحمد الله رجل احتج به أحدهما وروايته ضعيفة بل
حسنه أو صحيحه (ا ه). فصرح بأن الحسن من قسم الصحيح وأن أحاديث الصحيحين منها ما
هو صحيح ومنها ما هو حسن. وقال ابن الصلاح: من الناس من لا يفرد نوع الحسن ولا
يجعله منفردا ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهو
الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله (2) ا ه . ولهذا استشكل ابن دقيق العيد في
الاقتراح (3) هذه التفرقة بين اسم الحسن والصحيح، فقال: إن ها هنا أوصافا يجب
معها قبول
(هامش)
(1) لم يذكر هذا الكتاب للذهبي في ضمن مؤلفاته. (2) معرفة علوم الحديث ص 59. (3)
الاقتراح في أصول الحديث: للشيخ تقي الدين محمد بن علي بن دقيق العيد المنفلوطي
الشافعي المتوفى 702، كشف الظنون 1: 135، طبقات الشافعية 6: 2. (*)
ص 65
الرواية إذا وجدت في الراوي فإما أن يكون هذا الحديث المسمى بالحسن مما قد وجدت فيه
هذه الصفات على أقل الدرجات التي يجب معها القبول أو لا. فإن وجدت فذلك صحيح. وإن
لم توجد فلا يجوز الاحتجاج به وإن سمي حسنا، اللهم إلا أن يرد هذا إلى أمر اصطلاحي
وهو أن يقال: إن الصفات التي يجب معها قبول الرواية لها مراتب ودرجات فأعلاها هو
الصحيح، وكذلك وسطها وأدناها هو الحسن، وحينئذ يرجع الأمر في ذلك إلى الاصطلاح
ويكون الكل صحيحا في الحقيقة (ا ه) فرجع الأمر إلى أن الحديث صحيح على كل الفروض
والاحتمالات، وهذا إنما سلكناه تنزلا وإلا فقد علمت من المسلك الأول أن الحديث
بمفرده على شرط الصحيح وبالله التوفيق.
(المسلك التاسع): إنه قد تقرر أن من علامة
صدق الراوي وصحة حديثه مطابقته للواقع وصدق مخبره،

وعلي بن أبي طالب عليه السلام
كان أعلم الصحابة على الإطلاق كما هو معلوم مشهور ومستفيض متواتر حتى ضربوا باشتهار
علمه المثل للتواتر المعنوي. فقال الحافظ موفق الدين بن قدامة (1) في أول كتابه
إثبات صفات العلو لله : واعلم رحمك الله أنه ليس من شرط صحة التواتر الذي يحصل به
اليقين أن يوجد التواتر في جزء واحد، بل متى نقلت أخبار كثيرة في معنى واحد من طرق
يصدق بعضها بعضا، ولم يأت ما يكذبها أو يقدح فيها حتى استقر ذلك في القلوب
واستيقنه، فقد حصل التواتر وثبت القطع واليقين فإنا نتيقن وجود حاتم وإن كان لم يرد
به خبر واحد مرضي الإسناد لوجود ما ذكرنا، وكذلك عدل عمر وشجاعة علي وعلمه عليه
السلام (ا ه). وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين من
(هامش)
(1) عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الدمشقي المتوفى 620 شذرات الذهب 5: 88. (*)
ص 66
الشهادة لعلي بالعلم ما لم يأت لأحد قط، فمن شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله
بذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1) قال: حدثنا أبو أحمد، ثنا خالد يعني ابن
طهمان عن نافع بن أبي نافع عن معقل بن يسار قال: وضأت النبي صلى الله عليه وآله
فقال: ألك في فاطمة رضي الله عنها نعودها؟ فقلت: نعم، فقام متوكئا علي حتى دخلنا
على فاطمة ع فقال لها: كيف تجدينك؟ قالت: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي
وطال سقمي. قال أبو عبد الرحمن: وجدت في كتاب أبي بخط يده هذا الحديث قال: أو ما
ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما ()، رجاله ثقات، وقد
رواه الطبراني من وجه آخر بإسناد صححه الحافظ نور الدين (3) في الزوائد من مرسل أبي
إسحاق. قلت: وقد ورد موصولا من طريقه أخرجه ابن عساكر في ترجمة علي من تاريخه من
طريق أبي عمر وعثمان بن أحمد السماك، أنا عبد الله ابن أبي روح المدائني، أنا سلام
بن سليمان المدائني، أنا عمر بن المثنى، عن أبي إسحاق، عن أنس بن مالك قال: قالت
فاطمة عليها السلام: زوجتني عليا خمش الساقين عظيم البطن قليل الشيء، فقال النبي
صلى الله عليه وآله: زوجتك يا بنية أعظمهم حلما وأقدمهم سلما وأكثرهم علما (4).
(هامش)
(1) مسند الإمام أحمد ط القاهرة 1306. (2) مسند أحمد 1: 146، الغدير 3: 95. (3) هو
الحافظ علي بن أبي بكر أبو الحسن الهيثمي الشافعي المتوفى 807 له كتابه الكبير مجمع
الزواجر في عشر مجلدات، وكتاب زوائد مسند عبد الرزاق. (4) ابن عساكر 37: 77، مخطوطة
في مكتبة الإمام أمير المؤمنين - ع - العامة برقم 37 / 115. (*)
ص 67
طريق آخر لهذا الحديث

قال ابن عساكر في تاريخه: أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن
محمد بن عبد الله، أنا أبو الحسن علي بن محمد ابن أحمد، أنا أحمد بن محمد بن موسى،
ثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، أنا أحمد بن يحيى وأحمد بن موسى بن إسحاق قالا:
أنا ضرار ابن صرد، ثنا عبد الكريم بن يعقوب، عن جابر، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن
عائشة قالت: حدثتني فاطمة عليها السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال لها: زوجتك
أعلم المؤمنين وأقدمهم وأفضلهم حلما. قال ابن عساكر كذا، قال: وأسقط منه المعتمر،
ثم أخرجه من طريق ابن الأعرابي، ثنا أبو عبد الله يحيى بن إبراهيم بن محمد بن كثير
الزهري، ثنا ضرار بن صرد، أنا المعتمر بن سليمان التيمي قال: أنا عبد الكريم بن
يعقوب الجعفي أخبرنا جابر عن أبي الضحى به (1). طريق آخر لهذا الحديث: قال ابن
عساكر: أخبرنا أبو غالب ابن البنا، ثنا أبو محمد الجوهري، ثنا أبو محمد عبد العزيز
بن الحسن بن علي بن أبي صابر. أنا أبو حبيب العباس بن أحمد بن محمد البرتي، ثنا
إسماعيل بن موسى، أنا تليد بن سليمان أبو إدريس، عن أبي الجحاف عن رجل، عن أسماء
بنت عميس قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام: زوجتك
أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما (2). طريق آخر لهذا الحديث: قال ابن عساكر:
أخبرنا أبو نصر بن رضوان وأبو غالب بن البنا وأبو محمد عبد الله بن نجا قالوا: أنا
أبو محمد الجوهري، أنا أبو بكر بن مالك، أنا العباس بن إبراهيم القراطيسي، ثنا
إسماعيل بن محمد الأحمسي، أنا مفضل بن صالح، ثنا جابر الجعفي
(هامش)
(1) المصدر السابق 37: 80. (2) المصدر السابق 37: 81. (*)
ص 68
عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها
السلام: أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما وأفضلهم حلما، والله إن
ابنيك لمن شباب أهل الجنة (1)، ومن هذا الوجه أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (2).
وللحديث طرق أخرى من حديث علي وابن عباس وأبي هريرة وحديث علي صححه ابن جرير.
(فائدة): تقدم حديث معقل بن يسار من رواية أحمد بن حنبل وقد قال الحاكم في
المستدرك: حدثنا السيد الأوحد أبو يعلى حمزة بن محمد الزيدي رضي الله عنه، ثنا أبو
الحسن علي بن محمد بن مهرويه القزويني القطان قال: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: كان
يعجبهم أن يجدوا الحديث في الفضائل من رواية أحمد بن حنبل رضي الله عنه (3).
حديث آخر ـــ قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا

قال أبو نعيم في الحلية، ثنا أبو أحمد الغطريفي (4)، ثنا أبو الحسين ابن أبي
مقاتل، ثنا محمد بن عبد الله بن عتبة، ثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي، ثنا أحمد بن
عمران بن سلمه وكان ثقة عدلا مرضيا، ثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن
علقمة، عن عبد الله قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(هامش)
(1) ابن عساكر 37: 81. وفيه: فلما أبصرت أباها ودمعت عينا ها قال: ما يبكيك يا
بنية؟ قالت: قلة الطعام وكثرة الهم وشدة السقم: قال: أما والله لما عند الله خير
مما ترغبين إليه يا فاطمة أما ترضين.. (2) نسخة منه بتركيا في مكتبة فيض الله برقم
1515. (3) المستدرك 3: 134. (4) أبو أحمد الغطريفي له جزء في الحديث من أصول مسانيد
السنة أخذ منه كثير من أعاظم الحفاظ في تآليفهم رواه الحافظ أبو الطيب الشافعي
الثاني 1، توجد مصورته في مكتبة الإمام أمير المؤمنين - ع - برقم 2614. (*)
ص 69
فسئل عن علي فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا
(1) ء ا ه. أحمد بن عمران ذكره الذهبي في الميزان وقال: لا يدرى من هو (2)، ثم
ضعفه بهذا الحديث وتعقبه الحافظ في اللسان بما تقدم في السند من قول الوهبي أنه كان
ثقة عدلا مرضيا قال: وفي هذا مخالفة لما ذكره الذهبي (3). قلت: لو وثقه الناس كلهم
لقال الذهبي في حديثه أنه كذب، كما فعل في عدة أحاديث أخرجها الحاكم بسند الشيخين
وادعى هو دفعا بالصدر وبدون دليل أنها موضوعة وما علتها في نظره إلا كونها في فضل
علي بن أبي طالب فالله المستعان.
حديث آخر

: قال أبو نعيم في الحلية: ثنا أبو بكر
بن خلاد، ثنا محمد بن يونس الكديمي، ثنا عبد الله بن داود الخريبي، ثنا هرمز ابن
حوران، عن أبي عون، عن أبي صالح الحنفي، عن علي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول
الله أوصني، قال: قل ربي الله ثم استقم، قال: قلت: الله ربي وما توفيقي إلا بالله
عليه توكلت وإليه أنيب، فقال: ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلته
نهلا (4).
حدث آخر ــ من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في حكمته وإلى إبراهيم في
حلمه فلينظر إلى علي

: قال ابن بطة: ثنا أبو ذر أحمد بن الباغندي، أنا أبي، عن مسعر
بن يحيى، ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: من
(هامش)
(1) حلية الأولياء 1: 65. (2) ميزان الاعتدال 1: 58. (3) لسان الميزان 1: 235. (4)
حلية الأولياء 1: 65. (*) /
ص 70
أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في حكمته وإلى إبراهيم في حلمه فلينظر إلى
علي، مسعر بن يحيى الهدي ذكره الذهبي في الميزان وقال: لا أعرفه وأتى بخبر منكر
(1)، ثم ذكر هذا الحديث، وقد عرفت أن النكارة عند الذهبي هي فضل علي بن أبي طالب.
حديث آخر ــــ أقضى أمتي علي بن أبي طالب

: قال الطبراني في المعجم الصغير: حدثنا علي بن جعفر الملحي الإصبهاني،
ثنا محمد بن الوليد العباسي، ثنا عثمان بن زفر ثنا مندل بن علي، عن ابن جريج، عن
محمد بن المنكدر، عن جابر ابن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: أقضى أمتي علي بن أبي طالب مختصر. وأخرجه البغوي في شرح السنة (2) من حديث
أنس بن مالك به ورواه عبد الرزاق في مصنفه، عن معمر، عن قتاد عن النبي صلى الله
عليه وآله مرسلا، قال الحافظ في الفتح: ورويناه موصولا في فوائد أبي بكر محمد ابن
العباس بن نجيح من حديث أبي سعيد الخدري.
حديث آخر ــ إعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب

: أخرج الديلمي في مسند الفردوس
(3) من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: إعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب.
وفي الباب عن معاذ بن جبل وعمر وابن
عباس.
شهادة عمر بن الخطاب

: قال البخاري في تفسير البقرة من صحيحه: حدثنا عمرو بن
علي، ثنا يحيى، ثنا سفيان، عن حبيب
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 4: 99. (2) الإمام حسين بن مسعود المتوفى 516 كشف الظنون 2:
1040. (3) تأليف الحافظ شهردار بن شيرويه الهمداني المتوفى 558، مخطوطة في مكتبة
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام برقم 2323. (*)
ص 71
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنه: أقرؤنا أبي وأقضانا علي (1).
وقال قاسم بن أصبغ في مصنفه: حدثنا أبو بكر أحمد بن زهير، ثنا أبو خيثمة، ثنا أبو
سلمة التبوذكي، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا أبو جروة، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي
ليلى قال: قال عمر رضي الله عنه: علي أقضانا، وأخرجه ابن أبي خيثمة من وجه آخر أيضا
قال: حدثنا أبي، ثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال:
قال عمر: علي أقضانا. وأسنده الذهبي في ترجمة الحافظ أبي بكر بن زياد من التذكرة من
هذا الوجه وزاد وأبي أقرؤنا (2). وقال ابن أبي خيثمة، ثنا عبيد الله بن عمر
القواريري، ثنا مؤمل ابن إسماعيل، ثنا سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن، وكان عمر يقول: لولا
علي لهلك عمر (3). وقال ابن الأثير في أسد الغابة بعد إيراده آثارا في علم علي عليه
السلام ولو ذكرنا ما سأله الصحابة مثل عمر وغيره رضي الله عنهم لأطلنا (4).
شهادة
عبد الله بن مسعود

: قال أبو نعيم في الحلية: ثنا أبو القاسم نذير بن جناح القاضي،
ثنا إسحاق بن محمد بن مروان، ثنا أبي، ثنا عباس بن عبيد الله، ثنا غالب بن عثمان
الهمداني أبو مالك، عن
(هامش)
(1) صحيح البخاري 6: 187 ط بولاق. (2) الاستيعاب 2: 461 ط حيدر آباد. (3) الاستيعاب
3: 39، الرياض النضرة 2: 194، الغدير 3: 91، ج 6: 327، 328. (4) أسد الغابة 4: 23.
(*)
ص 72
عبيدة، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها
حرف إلا له ظهر وبطن وأن علي بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن (1).
أثر آخر عن ابن مسعود

: قال الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة له: حدثنا يحيى بن آدم قال:
ثنا ابن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن ابن ميسرة قال: قال ابن مسعود: إن
أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب (2). (أثر آخر عن ابن مسعود): قال الحلواني أيضا:
ثنا يحيى بن آدم، ثنا مبذو؟؟؟، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب قال: قال عبد
الله: أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب (3).
شهادة ابن عباس

: قال ابن
عبد البر: ثنا خلف بن القاسم، ثنا عبد الله بن عمر الجوهري، ثنا أحمد بن محمد بن
الحجاج، ثنا محمد ابن أبي السري، ثنا عمرو بن هاشم الجنبي، ثنا جويبر، عن الضحاك
ابن مزاحم، عن عبد الله بن عباس قال: والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار
العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر، وروى طاووس عنه أيضا قال: كان علي
والله قد ملئ علما وحلما (4).
أثر آخر عن ابن عباس

قال ابن أبي خيثمة: حدثنا
فضيل عن عبد الوهاب قال: ثنا شريك، عن ميسرة، عن المنهال، عن سعيد
(هامش)
(1) حلية الأولياء 1: 65. (2) تاريخ ابن عساكر 38: 24. (3) الغدير 3: 91 ط ايران.
(4) الاستيعاب 3: 40. (*) /
ص 73
ابن جبير، عن ابن عباس قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به (1). (أثر آخر
عن ابن عباس): قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أحمد ابن إبراهيم بن جعفر، ثنا محمد
بن يونس السامي، ثنا أبو نعيم، ثنا حبان بن علي، عن مجاهد، عن الشعبي، عن ابن عباس
أن علي بن أبي طالب أرسله إلى زيد بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين إني ما علمتك
لبذات الله عليم وإن الله لفي صدرك لعظيم (2).
شهادة عائشة

قال ابن أبي خيثمة:
ثنا محمد بن سعيد الإصبهاني، ثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن قليب، عن جابر قال:
قالت عائشة: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا: علي، قالت: أما إنه أعلم الناس بالسنة،
وكانت كثيرا ما ترجع إليه في المسائل (3).
شهادة خزيمة بن ثابت

قال الحاكم في المستدرك: ثنا أبو بكر ابن دارم الحافظ، ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق
التميمي، ثنا وضاح ابن نحى النهشلي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن الأسود
ابن يزيد النخعي قال: لما بويع علي بن أبي طالب على منبر رسول الله صلى الله عليه
وآله قال خزيمة بن ثابت: (4) وهو واقف بين يدي المنبر: إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا
* أبو حسن مما نخاف من الفتن وجدناه أولى الناس بالناس أنه * أطب قريش بالكتاب
وبالسنن (5)
شهادة عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة

: ذكر ابن عبد البر أن
(هامش)
(1) الغدير 3: 91. (2) حلية الأولياء 1: 68. (3) الاستيعاب 2: 462. (4) أخبار شعراء
الشيعة: 36. (5) المستدرك 3: 114. (*)
ص 74
سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، يا عم لم
كان صفو الناس إلى علي؟ فقال: يا ابن أخي أن عليا عليه السلام كان له ما شئت من ضرس
قاطع في العلم، وكان له البسطة في العشيرة، والقدم في الإسلام، والصهر لرسول الله
صلى الله عليه وآله، والفقه في السنة، والنجدة في الحرب، والجود في الماعون (1).
شهادة معاوية

: ذكر ابن عبد البر أنه كان يكتب فيما ينزل به ليسأل علي بن أبي
طالب، فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب (2).
شهادة جملة الصحابة

: قال الحاكم في المستدرك: أخبرني عبد الرحمن ابن الحسن القاضي بهمدان، ثنا
إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم بن أبي إياس ح وقال ابن أبي خيثمة، ثنا مسلم بن إبراهيم
كلاهما قال: حدثني شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن علقمة عن عبد
الله قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب، قال الحاكم: صحيح علي
شرط الشيخين ولم يخرجاه، وتقدم عن ابن عباس قوله: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم
نعدل به، وقول سعيد بن عمرو بن العاص لم كان صفو الناس إلى علي مما فيه الأخبار بأن
الجميع كان يرجع إليه لشهرته بالعلم بينهم (3).
شهادة علي أبي طالب لنفسه

: قال
الأزرقي في تاريخ
(هامش)
(1) الاستيعاب 2: 463. (2) المصدر السابق 2: 463 وفيه فقال له عتبة: لا يسمع هذا
منك أهل الشام فقال له معاوية: دعني عنك. (3) المستدرك 3: 135.
ص 75
مكة (1): حدثنا سهل بن أبي الهدي، ثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني، ثنا معمر عن وهب
بن عبد الله بن أبي الطفيل قال: شهدت علي بن أبي طالب وهو يخطب وهو يقول: سلوني
فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم به، وسلوني عن كتاب
الله فوالله ما منه آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل، فقام
ابن الكوا وأنا بينه وبين علي وهو خلفي فقال: أرأيت البيت المعمور ما هو؟ قال: ذاك
الضراح فوق سبع سماوات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم
القيامة، ولهذا الحديث طرق متعددة (2).
(أثر آخر عن علي) قال أبو نعيم في الحلية:
ثنا الحسن بن علي ابن الخطاب، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبه، ثنا أحمد بن يونس،
ثنا أبو بكر بن عياش، عن نصير بن سليمان الأحمسي، عن أبيه، عن علي قال: والله ما
نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت وأين أنزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا
(3). (أثر آخر عن علي): قال الحاكم في المستدرك: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن
عقبة، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا محمد بن عبيد الطنافسي، ثنا بسام بن عبد
الرحمن الصيرفي، ثنا أبو الطفيل قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله
عنه قام على المنبر فقال: سلوني قبل إن تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي، قال: فقام
ابن الكوا فقال:
(هامش)
(1) أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي ط بيروت 1964، المتوفى 244 / 250
/ 223 فهرست، ابن النديم 1: 112، اللباب 1: 37، هدية العارفين 2: 11، كشف الظنون
306، 1684. (2) أخبار مكة 1: 18. (3) حلية الأولياء 1: 67. (*)
ص 76
يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟ قال: الرياح، قال: فما الحاملات؟ وقرأ، قال:
السحاب، قال: فما الجاريات يسرا؟ قال: السفن، قال: فما المقسمات أمرا؟ قال:
الملائكة، قال: فمن الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم؟ قال:
منافقوا قريش، صححه الحاكم. وورد عنه من طرق متعددة في بعضها: لا تسألوني عن آية من
كتاب الله تعالى ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أنبأتكم بذلك (1).
(أثر آخر عن علي): قال الموفق بن قدامة في كتابه إثبات صفات العلو: أخبرنا محمد،
أنبأنا أحمد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث، ثنا الفضل بن
الحباب الجمحي، ثنا مسدد، ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن محمد بن إسحاق، عن النعمان بن
سعد قال: كنت بالكوفة في دار الإمارة دار علي بن أبي طالب إذ دخل علينا عوف بن عبد
الله فقال: يا أمير المؤمنين بالباب أربعون رجلا من اليهود، فقال علي: علي بهم،
فلما وقفوا بين يديه قالوا له: صف لنا ربك هذا الذي في السماء كيف هو وكيف كان ومتى
كان وعلى أي شيء هو؟ فاستوى علي جالسا وقال: معشر اليهود اسمعوا مني ولا تبالوا أن
لا تسألوا أحدا غيري.. الحديث، وهو في الحلية أيضا (2). (أثر آخر عن علي): قال أبو
نعيم: ثنا حبيب بن الحسن، ثنا موسى بن إسحاق ح وثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن
عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا أبو نعيم ضرار بن صرد، وثنا أبو أحمد محمد بن محمد ابن
أحمد الحافظ، ثنا محمد بن الحسين الخثعمي، ثنا إسماعيل بن موسى
(هامش)
(1) المستدرك 2: 466. (2) حلية الأولياء 1: 72. (*)
ص 77
الفزاري، قالا: ثنا عاصم بن حميد الخياط، ثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي،
عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى
ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد، القلوب أوعية
فخيرها أوعاها، احفظ ما قول أ لك، الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة،
وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيؤا بنور العلم، ولم يلجؤا إلى
ركن وثيق. العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، العلم يزكوا على
العمل، والمال تنقصه النفقة، ومحبة العالم دين يدان بها، العلم يكسب العالم الطاعة
في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله، مات خزان الأموال
وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب
موجودة ها إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - علما لو أصبت له حملة.. إلى آخر
الوصية، وهي متداولة شهيرة (1).
شهادة ابنه الحسن عليه السلام

: قال أبو نعيم: ثنا
أبو بحر محمد بن الحسن، ثنا محمد بن سليمان بن الحارث، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا
إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن مريم أن الحسن ابن علي عليهما
السلام، قام وخطب الناس وقال: لقد فارقكم رجل بالأمس
لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون بعلم (2).
شهادة سعيد بن المسيب

قال
الدولابي في الكنى والأسماء (3):
(هامش)
(1) نهج البلاغة 3: 186 ط الاستقامة، حلية الأولياء 1: 79. (2) حلية الأولياء 1:
65. (3) محمد بن أحمد بن حماد الدولابي المتوفى 310 ط حيدر آباد 1322، البداية
والنهاية 11: 145، لسان الميزان 5: 41، الوافي 2: 36، وفيات الأعيان 1: 642. (*)
ص 78
ثنا محمد بن معاوية، عن سعيد بن صالح وسعيد بن عنبسة قالا: حدثنا عباد بن العوام
أبو سهل، عن داود، عن سعيد بن المسيب قال: ما كان أحد بعد رسول الله صلى الله عليه
وآله أعلم من علي بن أبي طالب (1). (أثر آخر عن ابن المسيب): قال ابن أبي خيثمة:
أخبرنا إبراهيم ابن بشار، حدثنا سفيان بن عيينة، ثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
المسيب قال: ما كان أحد من الناس يقول: سلوني، غير علي بن أبي طالب (2).
شهادة عطاء

: قال ابن أبي خيثمة: أخبرنا يحيى بن معين قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن عبد
الملك بن أبي سليمان قال: قلت لعطاء: أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم
أحد أعلم من علي بن أبي طالب؟ قال: لا والله ما أعلمه (3).
شهادة الحسن البصري

ذكر ابن عبد البر أنه سئل عن علي ابن أبي طالب فقال: كان علي والله سهما صائبا من
مرامي الله على عدوه، ورباني هذه الأمة وذا فضلها وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن بالنومة عن أمر الله ولا بالملومة في دين
الله ولا بالسروفة لمال الله، أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة (4).
شهادة مغيرة بن مقسم

قال ابن عبد البر: حدثنا خلف بن
(هامش)
(1) الكنى والأسماء 1: 197. (2) الاستيعاب 3: 1102 ط القاهرة، الصواعق 125. (3)
استيعاب 3: 1104. (4) الاستيعاب 3: 1110. (*)
ص 79
قاسم، ثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد، ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو
بن صفوان الدمشقي، ثنا عمرو بن حفص بن غياث، حدثني أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد
قال: إن المغيرة حلف بالله ما أخطأ علي في قضاء قضى به قط (1). (أثر آخر عنه) قال
الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة: حدثني يحيى بن آدم قال: ثنا أبو بكر بن
عياش عن مغيرة قال: ليس أحد منهم أقوى قولا في الفرائض من علي، قال: وكان المغيرة
صاحب الفرائض (2).
شهادة ضرار بن حمزة

: قال الطبراني: ثنا محمد بن زكريا الغلابي
ثنا العباس بن بكار الضبي، ثنا عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي، عن محمد بن السائب
الكلبي، عن أبي صالح قال: دخل ضرار بن حمزة الكناني على معاوية فقال له: صف لي
عليا، قال: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك قال: أما إذ لا بد، فإنه كان والله بعيد المدى
شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من
نواحيه.. وذكر بقيته، أخرجه أبو نعيم في الحلية عن الطبراني (3)، وأخرجه ابن عبد
البر من وجه آخر، فقال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف، ثنا يحيى بن مالك بن عائد،
ثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن سلمة البغدادي بمصر قال: ثنا أبو بكر محمد بن الحسن
بن دريد، قال: أخبرنا العكلي
(هامش)
(1) الاستيعاب 3: 1102. (2) تهذيب التهذيب 10: 270، رجال الصحيحين 2: 499. (3) حلية
الأولياء 1: 84، والقصة طويلة ذكرها جل أصحاب السير والتاريخ من الفريقين بأسانيد
ثابتة وصحيحة. (*)
ص 80
عن الحرمازي رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار: فذكر القصة (1). والآثار بهذا
كثيرة ويغني عنها ما هو متداول من حكمه العجيبة، ومعارفه الغريبة التي لم ينقل
مثلها عن غيره بحيث من وقف عليها رأى العجب العجاب، وجزم بأنه البحر العباب، وذلك
أعظم دليل على صدق هذا الخبر، وأنه باب مدينة علم النبي عليه الصلاة والسلام.
[فصل]: وإذ قد فرغنا من الكلام على صحة هذا الحديث وبينا وجوه ذلك ودلائله، وأوضحنا
طرقه ومسالكه، فلنتفرغ لإبطال كلام الطاعنين فيه، وإفساد ما تعلقوا به في رده
فنقول: قال الخطيب: في ترجمة عمر بن إسماعيل بن مجالد من تاريخ بغداد (2) أخبرنا
الجوهري، أخبرنا محمد بن العباس، ثنا محمد بن القاسم الكوكبي، ثنا إبراهيم بن
الجنيد قال: سمعت يحيى بن معين وسئل عن عمر بن إسماعيل فقال: كذاب يحدث أيضا بحديث
أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنا
مدينة العلم وعلي بابها، وهذا كذب ليس له أصل، وقال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب،
أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أحمد بن محمد العنزي يقول: سمعت يحيى بن أحمد
بن زياد يقول: سألت يحيى بن معين عن حديث أبي معاوية عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن
عباس، أنا مدينة العلم فأنكره جدا (3)، ثم قال الخطيب: أخبرنا البرقاني، حدثنا
يعقوب بن موسى الأردبيلي، ثنا أحمد بن طاهر بن النجم، ثنا سعيد بن عمرو قال: قال
أبو زرعة، حديث أبي معاوية عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس:
(هامش)
(1) الاستيعاب 2: 463. (2) تاريخ بغداد 11: 204. (3) تاريخ بغداد 11: 205. (*) /
ص 81
سأنا مدينة العلم وعلي بابها، كم من خلق افتضحوا به، ثم قال لي أبو زرعة: أتينا
شيخا ببغداد يقال له: عمر بن إسماعيل بن مجالد فأخرج إلينا كراسة لأبيه فيها أحاديث
جياد عن مجالد وبيان والناس فكنا نكتب إلى العصر فيقرأ علينا، فلما أردنا أن نقوم
قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الحديث، فقلت له: ولا كل هذا بمرة فأتيت يحيى
بن معين فذكرت ذلك له فقال: قل له: يا عدو الله إنما كتبت أنت عن أبي معاوية ببغداد
فمتى روى هو هذا الحديث ببغداد (1). وقال الخطيب في ترجمة جعفر بن محمد الفقيه بعد
أن أسند الحديث من طريق محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الحضرمي عنه بسنده قال أبو
جعفر: لم يرو هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات أحد رواه أبو الصلت فكذبوه ا ه
(2). وأورده ابن الجوزي في (الموضوعات) من أكثر طرقه ثم قال: لا يصح ولا أصل له.
قال الدارقطني: حديث علي رواه سويد بن غفلة عن الصنايجي فلم يسنده وهو مضطرب وسلمة
لم يسمع من الصنايحي والرومي لا يجوز الاحتجاج به، وكذا عبد الحميد ومحمد بن قيس
مجهول وطريق الحسن عن علي فيه مجاهيل وجعفر البغدادي متهم بسرقة هذا الحديث، ورجاء
أيضا وعمر بن إسماعيل وأبو الصلت كذابان، وأبو الصلت هو الذي وضعه على أبي معاوية،
وسرقه منه جماعة، وأحمد بن سلمة يحدث عن الثقات بالأباطيل، وسعيد بن عقبة مجهول غير
ثقة، والعدوي وضاع، وإسماعيل بن محمد بن يوسف لا يجوز الاحتجاج به يسرق ويقلب،
والحسن
(هامش)
(1) تاريخ بغداد 11: 205. (2) تاريخ بغداد 7: 172. (*)
ص 82
ابن عثمان يضع، والمكتب وابن طاهر كذابان. قال ابن عدي: الحديث موضوع يعرف بأبي
الصلت ومن حدث به سرقه منه وإن قلب إسناده (1)، وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث
فقال: قبح الله أبا الصلت ا ه. ولما صححه الحاكم في المستدرك وقال: أبو الصلت ثقة
مأمون تعقبه الذهبي في التخليص فقال: بل موضوع قال: وأبو الصلت ثقة (2)، قلت: لا
والله لا ثقة ولا مأمون ا ه. وأورد الحديث في ترجمة جعفر بن محمد الفقيه من
الميزان (3) وقال: هذا موضوع، وفي ترجمة سعيد بن عقبة (4) واتهم به الراوي عنه أحمد
بن حفص السعدي، وكذا فعل ابن طاهر المقدسي والنواوي، وقد تقدم أن عبد السلام بن
صالح قال فيه: الساجي يحدث بمناكير هو عندهم ضعيف وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو
حاتم: لم يكن بصدوق وهو ضعيف وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير في فضل أهل البيت وهو
المتهم بها، وقال الدارقطني: كان رافضيا خبيثا، وكذا قال العقيلي وزاد أنه كذاب لا
يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (5)، وقال ذاك الشامي الفضولي صاحب (أسنى المطالب):
حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها قال الترمذي: إنه منكر، وكذا قال البخاري وقال:
إنه ليس له وجه صحيح، وقال ابن معين: إنه كذب لا أصل له وأورده ابن الجوزي في
الموضوع ووافقه *
(هامش)
*(1) الكامل 2 ورقة 318، الصواعق: 320. (2) المستدرك 3: 126. (3) ميزان الاعتدال 1:
415. (4) ميزان الاعتدال 2: 153. (5) هذه الأقاويل موجودة برمتها في تهذيب التهذيب
6: 319. (*)
ص 83
الذهبي وغيره، قال: وهذا الحديث قد ولع العلماء به وذكره من دون بيان رتبته خطأ
وذلك لا ينبغي ذكره في كتب العلم لا سيما مثل ابن حجر الهيثمي ذكر ذلك في الصواعق،
والزواجر وهو غير جيد من مثله (1). (فصل): إذا عرفت هذا فكلامنا مع طائفتين: طائفة
المجرمين لعبد السلام بن صالح، وطائفة المتكلمين في الحديث. أما الطائفة الأولى
فإنهم جرحوا عبد السلام بأمرين: أحدهما التشيع، وثانيها كونه منكر الحديث، وهذا
الجرح مردود من وجوه. (الوجه الأول): إن الجرح بالتشيع، ورد الحديث به باطل عقلا
ونقلا، أما الأول فإن مدار صحة الحديث على أمرين لا ثالث لهما وهما بالضبط
والعدالة، فمن اتصف بهما وجب أن يكون خبره مقبولا وحديثه صحيحا، لأن بالضبط يؤمن
الخطأ والخلل وبالعدالة يؤمن الكذب والاختلاق، والضبط هو أن يكون الراوي حافظا
متيقظا غير مغفل ولا متهور حتى لا يحدث من حفظه المختل فيهم ولا من كتابه الذي تطرق
إليه الخلل وهو لا يشعر. وأما العدالة فالمراد بها في الحقيقة هو صدق الراوي وتجنبه
للكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله خاصة لا لمطلق الكذب ولا لغيره من
المعاصي، لأن العدالة تتجزأ فيكون الرجل عدلا في شيء غير عدل في غيره، والمطلوب
لصحة الحديث إنما هو عدالته فيه، وأمانته في نقله إلا أنه لما كان هذا القدر لا
يتحقق في العموم ولا يمكن انضباطه ومعرفته إلا بملازمة التقوى واجتناب سائر المعاصي
اضطروا إلى اشتراط العدالة الكاملة التي عرفوها بأنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى
واجتناب
(هامش)
(1) راجع أسنى المطالب لابن درويش الحوت، الصواعق المحرقة ص 120، 124 ط القاهرة
1375. (*)
ص 84
الأعمال السيئة، وخوارم المروءة على خلاف في اشتراط الأخير ثم انجر بهم هذا التوسع
إلى توسع آخر، فصاروا يدخلون تحت كل من هذه القيود ما ليس منها كالتفرد والركض على
البرذون وكثرة الكلام والبول قائما وبيع الزيبق وتولية أموال الأيتام، والقراءة
بالألحان، وسماع آلة الطرب المختلف فيها، والتزي بزي الجند وخدمة الملوك وأخذ
الأجرة على السماع والاشتغال بالرأي وعلم الكلام والتصوف، ومصاحبة الواقفة ورواية
الأحاديث المخالفة لهوى المجرح، أو موافقة المخالف له في بعض الفروع والتطفيل
وإبدال صيغ الإجازة بصيغ الأخبار والبدعة والخلاف في المعتقد كالا رجاء والقدر
والنصب والتشيع، وغيرها من النحل، وهذا التوسع كاد ينسد معه باب العدالة وينعدم به
مقبول الرواية خصوصا بالنسبة للشرط الأخير، فإن غالب ما جاء بعد الصحابة من رواة
السنة وحملة الشريعة في الصدر الأول والثاني والثالث كانوا من هذا القبيل فلم يسلم
من التعلق بأذيال نحلة من هذه النحل منهم إلا القليل، غير أنهم كانوا متفاوتين فيها
بالتوسط والتعالي والإفراط والاعتدال، فمن كان غالبا في نحتله داعيا إليها عرف بها
واشتهر ومن كان متوسطا غير داعية لم يشتهر، فإذا جرح كل هؤلاء وردت رواياتهم ذهبت
جملة الآثار النبوية، وكاد ينعدم معها المقبول بالكلية كما قال ابن جرير في جزء
جمعه للذب عن عكرمة (1) مولى ابن عباس: لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب
الردية ثبت عليه ما ادعى فيه وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي
الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه ا ه.
(هامش)
(1) ذكره ملخصا ابن حجر في تهذيب التهذيب 7: 263 - 273 ونص على ذلك ص 273 بقوله:
وبسط أبو جعفر الطبري القول في ذلك ببراهينه وحججه، وقد لخصت ذلك وزدت عليه كثيرا
في ترجمته. (*)
ص 85
وقال الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي من الميزان (1): هو شيعي جلد لكنه صدوق،
فلنا صدقه وعليه بدعته، وقد وثقه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم وأورده ابن عدي
وقال: كان غالبا في التشيع، وقال السعدي: زائغ مجاهر، فلقائل أن يقول: كيف ساغ
توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والاتقان فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة، وجوابه أن
البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا ولاغلو تحرق، فهذا كثير
في التابعين مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة الآثار النبوية،
وهذه مفسدة بينة انتهى كلام الذهبي (2). وإيضاح المقام: إن رد الخبر إنما هو لكونه
كذبا في حد ذاته لا لشيء آخر مضاف إلى الكذب، كما أن قبوله إنما هو لصدقه في حد
ذاته لا لشيء آخر مضاف إلى الصدق، فلو حدث الثقة السني بالكذب فهو مردود عليه
واتصافه بالعدالة والسنبة لا يصير كذبه صدقا، كما أن الكذاب المبتدع إذا حدث بالصدق
فخبره مقبول، واتصافه بالكذب والبدعة لا يصير صدقه كذبا، بل ذلك محال عقلا إلا أنه
لما كان الوقوف على الحقيقة فيهما متعذرا في الغالب وجب الاكتفاء فيهما بالظن، وهو
يحصل باتصاف الراوي بالصدق أو اتصافه بالكذب، فمن اتصف بالصدق حتى عرف به حصل الظن
بصدق خبره ومن اتصف بالكذب وتكرر منه حصل الظن بكذب خبره، ولما كان الباعث على
اجتناب الكذب هو خوف الله تعالى بامتثال أو أمره واجتناب نواهيه كان ذلك الظن لا
يحصل غالبا إلا بمن هذه صفته، لأن من ليس له خوف يحجزه عن المحارم قد يجترئ
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 1: 5. (2) المصدر السابق والصحيفة والمجلد. (*)
ص 86
على الكذب في الحديث كما اجترأ على غيره فلا يحصل ظن الصدق بخبره وإن كان هو في
نفسه قد لا يجترئ على خصوص الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، فلذلك اشترطت
العدالة التي هي ملازمة التقوى الحاجزة بين المرء وبين سائر المخالفات، ولما كان
الكذب قد يحصل عن وهم وخطأ كما يحصل عن قصد وتعمد أضيف إلى العدالة الضبط ليحصل به
ظن انتفاء الكذب عن وهم وخطأ كما حصل بها ظن انتفائه عن قصد وتعمد، إما اعتقاد
الراوي أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان أو أن الأمور لا تجري بقدر من الله
تعالى، أو أن عليا أفضل من أبي بكر وعمر وأحق بالخلافة منهما أو أنه إمام جور وظلم
أو غير ذلك من المعتقدات فلا يحصل بشيء منها ظن صدق في الخبر، ولا عدمه فاشتراط
نفيها في قبول الخبر ظاهر البطلان. فإن قيل: إنما اشترط ذلك لأن الراوي صار بها
فاسقا وقد دللت على أن الفاسق لا يحصل ظن الصدق بخبره، قلنا: وهذا أيضا باطل لأن
الفسق هو الخروج عن أوامر الله تعالى بمخالفة حدوده وانتهاك محارمه والمبتدع لم
يخالف حد الله ولا خرج عن أمره في معتقده، حتى يكون فاسقا بل ما حمله على التعلق
بمعتقده إلا امتثال أمر الله وطلب مرضاته، باعتقاد ما هو الحق في نظره أو اجتهاده
وإن كان مخطئا في ذلك لأنه بخطئه يكون ضالا لا فاسقا، وفرق بين المقامين وعلى تسليم
تسميته فاسقا وأن هذا اصطلاح لأهل السنة في تسمية من خالفهم، فليست مادة فسق هي
الموجبة لرد الخبر حتى يتصف بذلك كل من سمي بلفظ مشتق من مادتها، بل ولا معناها
الذي هو الخروج عن أمر الله هو الموجب لذلك أيضا في حد ذاته لأنه غير منحصر في
الكذب ولا الكذب من لوازمه، فقد يكون الرجل زانيا ولا يكون كاذبا، وإنما الموجب
ص 87
لرد الخبر هو الإقدام على ارتكاب المحرم الذي لا يؤمن معه الإقدام على الكذب لأنه
من جملة المحرمات، فمن ليس له خوف يحجزه عن شرب الخمر وأكل مال الغير مثلا كذلك لا
يحجزه عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، أو مطلق الكذب وليس المبتدع الذي
سمي فاسقا بهذه المثابة، لأنه ما أقدم على محرم في نظره ولا اجترأ بالبدعة على
مخالفة في نظره حتى يخشى أن يتسرب من جرأته على الكذب في الحديث، بل في المبتدعة من
يعتقد أن ارتكاب الكبيرة كفر وأن صاحبها مخلد في النار مما صار به مبتدعا فاسقا
فحكمتم برد خبره من أجل هذا الفسق الذي هو أعلى ما يطلب في إثبات الخبر، كما أن في
غير هم من طوائف المبتدعة من بلغ الغاية القصوى في الدين والورع والخشية والتقوى،
فتسمية بدعتهم فسقا يرد به الخبر ينافي ما أصلتموه من قبول خبر من وجدت فيه هذه
الصفات ويقتضي مساواتهم بالمنهمكين في المعاصي وارتكاب المخالفات، لأن اسم الفسق
الذي هو علة رد الخبر شامل لجميعهم فكما يرد خبر يزيد بن معاوية (1)، والحجاج
الثقفي (2)، وأبي نؤاس (3)، كذلك يرد خبر عكرمة مولى ابن عباس (4)، وجابر ابن زيد
(5)، والأعمش (6)، وعبد الرزاق (7)، وقتادة (8)، ووكيع
(هامش)
(1) قال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أن يروى عنه. ميزان الاعتدال 4: 440. (2) تهذيب
التهذيب 2: 210، ميزان الاعتدال 2: 466، خلاصة تذهيب الكمال 62. (3) ميزان الاعتدال
4: 581. (4) تهذيب التهذيب 7: 263. (5) تهذيب التهذيب 2: 38 توفي سنة 93 / 103 /
104. (6) ميزان الاعتدال 1: 422. (7) ميزان الاعتدال 2: 609. (7) ميزان الاعتدال 3:
385، لسان الميزان 4: 469. (*)
ص 88
ابن الجراح (1)، فهؤلاء بسوء رأيهم وفساد معتقدهم، وأولئك بفجورهم ومخالفتهم وهذا
في غاية البطلان. (فإن قيل): إنما سميناهم فساقا لخروجهم عن أمر الله بمخالفة نصوص
الشريعة وأدلتها القاطعة وذلك يدل على تهاونهم الذي لا يؤمن معه الاجتراء على
الكذب. (قلنا): لا يخلو ردهم لتلك النصوص أن يكون عن إنكار صدقها وعدم الاذعان لها
مع اعترافهم بثبوتها، أو ذلك إنما هو لعدم ثبوتها، أو لتأويلها وصرفها عن ظاهرها،
فإن كان الأول فمرتكبه كافر لا فاسق ولا كلام لنا مع الكافر، وإن كان الثاني فهم
غير مختصين به بل جميع الأمة حالهم مع النصوص كذلك فما من إمام إلا وقد خالف الكثير
منها بتأويل رأى معه جواز تلك المخالفة كما قال القرافي (2) في التنقيح: لا يوجد
عالم إلا وقد خالف من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله أدلة كثيرة
ولكن لمعارض راجح عليها عند مخالفتها ا ه. فإن كان مناط الحكم بالفسق هو مخالفة
النصوص بتأويل وجب أن يطرد هذا الحكم كلما وجدت المخالفة، فيحكم بفسق جميع الأئمة
وهذا باطل، فالحكم بفسقهم أيضا باطل وإن كان المناط هو مخالفتهم لما تعتقدون أنه
الحق وإن كانوا في ذلك متأولين فهذا أبطل لأنه تحكم لا دليل عليه ولأن لهم أيضا مثل
ذلك. *
(هامش)
*(1) تهذيب التهذيب 11: 123، خلاصة تذهيب الكمال: 356. (2) شهاب الدين أحمد بن
إدريس القرافي المالكي المتوفى 684 كشف الظنون 1: 499، الديباج 62، إيضاح المكنون
1: 72، 127، 135، 161، 206، 732. (*)
ص 89
(فإن قيل): إنما أخرجنا أئمة السنة لصحة تأويلهم وفساد تأويل المبتدعة. (قلنا): هذا
لا يجدي نفعا من وجهين: أما الأول: فلأنهم يدعون مثل هذا ويزعمون أن تأويلهم هو
الصحيح، ويبدون لذلك براهين وأدلة وأن تأويلكم هو الفاسد، وأما الثاني: فلأنكم قد
صرحتم ببطلان كثير من تأويلات أهل السنة وأقمتم على فسادها الحجج والبراهين
فالشافعية أبطلوا كثيرا من تأويلات مخالفيهم، والحنفية كذلك، وهكذا فعل كل فريق من
أهل السنة مع مخالفه منهم بما أسفر عن مخالفة الكل ما ليس له تأويل مقبول من النصوص
فاستوى أهل السنة والمبتدعة في ذلك فإما أن تطلقوا اسم الفسق على الجميع، وإما أن
ترفعوه عن الجميع. (فإن قيل): إنما حصل الخلاف بين أهل السنة في الفروع وأمرها
قريب، بخلاف ما حصل من المبتدعة فإنه في الأصول وأمرها عظيم، لأن الخطأ فيها مؤد
إلى الكفر. (قلنا): وهذا أيضا ليس بنافع من وجوه: أما الأول فإن الكلام في نفس
المخالفة لا فيما يترتب عليها من حق أو باطل، والمخالفة في حد ذاتها واحدة بالنسبة
إلى عدم امتثال الآمر بها فلا تختلف سواء كانت في الفروع أو في الأصول، فالراد
لحديث في النكاح والطلاق كالراد لحديث في الأسماء والصفات، والجاحد لآية في التوحيد
كالجاحد لآية في الطهارة، إذ المخبر بهما واحد والآمر بهما واحد، والكل من عند
الله. وأما الثاني: فإنكم قد بدعتم أيضا بالمخالفة في الفروع وحكمتم بذلك على منكر
المسح على الخفين حتى نقلتم مساءلته من كتب الفقه إلى دواوين الأصول، وما ذلك إلا
لمجرد المخالفة. وأما الثالث: فإنكم قد اختلفتم أيضا في مسائل الأصول وخالفتم من
آيات الصفات وأحاديثها كل ما لم يوافق رأيكم، وأولتموها بأضعف
ص 90
التأويلات، وحملتموها على أبعد المحامل، وأبيتم إلا الإيمان بما يقبله عقلكم لا بما
تقتضيه تلك النصوص، وخالفتم السلف الصالح في ذلك، فارتكبتم من المخالفة ما يكون اسم
الفسق معه أولى من غيره من المخالفات، حتى بدع بعضكم بعضا وأطلق كل فريق منكم اسم
الضلال على مخالفه، فساويتم المبتدعة في جميع ما رميتموهم به من أنواع المخالفات،
فتخصيصكم إياهم باسم الفسق تحكم خارج عن مناهج الدليل، فلم يبق إلا أن التفسيق
بالبدعة باطل وأن رد الرواية بها غير معقول. (فإن قيل): إنما حكمنا برد رواية
المبتدعة لأنا وجدنا الكذب فيهم شائعا. وقد حكى ابن لهيعة (1): أنه سمع شيخا من
الخوارج يقول بعد أن تاب: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم، فإنا كنا
إذ هوينا أمرا صيرناه حديثا، وكذلك أقر محرز أبو رجاء بعد أن تاب من بدعته بأنه كان
يضع الأحاديث يدخل بها الناس في القدرة. وقال علي بن حرب: من قدر أن لا يكتب الحديث
إلا عن صاحب سنة فإنهم لا يكذبون، كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي (2). وقال أشهب: سئل
مالك عن الرافضة فقال: لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون (3).
(هامش)
(1) أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة الحضرمي المصري المتوفى 174، احترقت كتبه سنة
196، تذكرة الحفاظ 1: 237. (2) تهذيب التهذيب 7: 294. (3) أشهب بن عبد العزيز بن
داود بن إبراهيم القيسي الفقيه، تهذيب التهذيب 1: 359، لسان الميزان 1: 10. (*)
ص 91
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: لم أر أشهد بالزور من الرافضة (1). وقال شريك احمل
العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا. وقال الذهبي في
الميزان لما تكلم على البدعة الكبرى وحصرها في الرفض على مذهب أهل الشام قال: فهذا
النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، وأيضا فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادفا ولا
مأمونا بل الكذب شعار هم والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل من هذا حاله حاشا وكلا
ا ه (2). فلما رأينا الكذب فيهم شائعا علمنا أن الحامل لهم عليه هو بدعتهم فرددنا
الحكم إليها وشرطنا في قبول الرواية نفي البدعة. (قلنا): وهذا باطل أيضا من وجهين:
أما الأول: فإن الرافضة الذين وصف الذهبي وهم السابون للشيخين رضي الله عنهما غير
داخلين فيما نحن بصدده من الكلام على البدعة الناشئة عن رأي واجتهاد لأن هؤلاء فسقة
بتمالؤهم على ارتكاب المحرم من سب الشيخين رضي الله عنهما، وانتقاصهما ونسبة
العظائم إليهما بما لا دليل لهم عليه ولا مستند لهم فيه، فإن السب والتنقيص من مطلق
المؤمنين ليس عليه دليل، فضلا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لأن ارتكاب
المحرم المجمع عليه لا يدخله اجتهاد فهذا الضرب فسقة باجترائهم على المحرمات لا
ببدعتهم،
(هامش)
(1) حرملة بن يحيى بن عبد الله التحبيبي المتوفى 244، تهذيب التهذيب 3: 229 الكفاية
في علم الدراية ص 126، مرآة الجنان 2: 143، ميزان الاعتدال 1: 219 طبقات الشافعية
1: 257، طبقات الفقهاء 80. (2) ميزان الاعتدال 1: 6. (*)
ص 92
ثم هم أيضا غير موجودين في أسانيد الأخبار المخرجة في دواوين أهل السنة إلا على
سبيل القلة والندرة، وإنما الموجود فيها أهل التشيع بغلو أو بلا غلو كما سبق عن
الذهبي. وأما الثاني: فإنا وجدنا الكذب شائعا أيضا في أصناف من أهل السنة
كالمتعصبين من أهل الجمود في التقليد. وكذا القصاص والوعاظ، بل وفيمن هو خير منهم
كالزهاد والعباد حتى قال يحيى القطان: ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيما ينسب إلى
الخير والزهد. وأسند الذهبي في ترجمة جعفر المستغفري (1) من تذكرة الحفاظ عنه قال:
سمعت ابن مندة الحافظ يقول: إذا وجدت في إسناد زاهدا فاغسل يدك من ذلك الحديث (2).
وقال ابن الصلاح: أعظم الوضاعين ضررا قوم من المنسوبين إلى الزهد وضعوا الحديث
احتسابا فيما زعموا فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة بهم وركونا إليهم ا ه. وقال ابن
وهب: سمعت مالكا يقول: لقد أدركت بالمدينة أقواما لو استسقى بهم القطر لسقوا، وقد
سمعوا من العلم والحديث شيئا كثيرا وما أخذت عن واحد منهم وذلك أنهم كانوا قد
ألزموا أنفسهم خوف الله والزهد، وهذا الشأن يحتاج إلى رجل معه تقى وورع وصيانة
واتقان وعلم وفهم ويعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليه غدا في القيامة، فأما زهد بلا
إتقان ولا معرفة فلا ينتفع به، وليس هذا بحجة ولا يحمل عنهم العلم.
(هامش)
(1) الحافظ المحدث النسفي المتوفى 432، تذكرة الحفاظ 3: 283، تاج التراجم 15، شذرات
3: 249، مرآة الجنان 3: 54. (2) تذكرة الحفاظ 3: 1102. (*)
ص 93
وقال معن بن عيسى: سمعت مالكا يقول: كم أخ لي بالمدينة أرجو دعوته ولا أجيز شهادته
(1). ونقل الحافظ في ترجمة زكريا بن يحيى الوقار عن ابن عدي أنه قال في المترجم:
كان يتهم بوضع الأحاديث لأنه يروي عن قوم ثقات أحاديث موضوعة قال: والصالحون قد
رسموا بهذا أن يرووا أحاديث في فضائل الأعمال موضوعة ويتهم جماعة منهم بوضعها ا ه
(2). وفي ترجمة إبراهيم بن هراسة منه قال ابن حبان: كان من العباد غلب عليه التقشف
فأغضى عن تعاهد الحفظ حتى صار كأنه يكذب، وأطلق أبو داود فيه الكذب (3). وفي ترجمة
أحمد بن عطاء الهجيمي الزاهد منه قال ابن المدايني: أتيته يوما فجلست إليه فرأيت
معه درجا يحدث به، فلما تفرقوا عنه قلت له: هذا سمعته قال: لا ولكن اشتريته وفيه
أحاديث حسان أحدث بها هؤلاء ليعملوا بها وأرغبهم وأقربهم إلى الله ليس فيه حكم ولا
تبديل سنة قلت له: أما تخاف الله تقرب العباد إلى الله بالكذب على رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم (4)؟. وفي ترجمة بكر بن الأسود الزاهد قال ابن حبان: غلب عليه
التقشف حتى غفل عن تعاهد الحديث فصار الغالب على حديثه المعضلات، وكان يحيى بن كثير
يروي عنه ويكذبه (5). وفي ترجمة سليمان بن عمرو النخعي قال الحاكم: لست أشك في وضعه
(هامش)
(1) تهذيب التهذيب 10: 252. (2) ميزان الاعتدال 2: 77. (3) ميزان الاعتدال 1: 72.
(4) المصدر السابق 1: 119. (5) المصدر السابق 1: 342. (*)
ص 94
للحديث على تقشفه وكثرة عبادته (1). وفي ترجمة عبد الله بن أيوب بن أبي علاج متهم
بالوضع كذاب مع أنه من كبار الصالحين قال ابن عدي: كان متعبدا يفتل الشريط والخوص
ويتصدق بما فضل من قوته (2). وفي ترجمة علي بن أحمد أبي الحسن الهكاري أنه كان من
العباد الزهاد، وقال بعض أصحاب الحديث: كان يضع الحديث بإصبهان (3). وفي ترجمة معلى
بن صبيح الموصلي قال ابن عمار: كان من عباد الموصل وكان يضع الحديث ويكذب (4).
وأوردوا في الضعفاء غالب الزهاد والعباد كإبراهيم الخواص وسلم ابن سالم الخواص وسلم
بن ميمون الخواص وغيرهم. وقال الإمام أحمد: أكذب الناس القصاص والسؤال. وقال محمد
بن كثير الصغاني: القصاص أكذب الخلق على الله وعلى أنبيائه ورسله (5). وقال أبو
الوليد الطيالسي: كنت مع شعبة فدنا منه شاب فسأله عن حديث فقال: أقاص أنت؟ قال:
نعم، قال: اذهب فإنا لا نحدث القصاص، فقلت له: يا أبا بسطام لماذا؟ فقال: يأخذون
الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا، وقال أيوب: ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص.
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 2: 216. (2) ميزان الاعتدال 2: 394. (3) ميزان الاعتدال 3: 113.
(4) الغدير 5: 230. (5) تهذيب التهذيب 5: 352. (*)
ص 95
وقال ابن قتيبة في اختلاف الحديث (1): الحديث يدخله الفساد من وجوه ثلاثة: الزنادقة
واحتيالهم للاسلام بدس الأحاديث المستبشعة والمستحيلة، والقصاص فإنهم يميلون وجوه
العوام إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير وغرائب الأحاديث ومن شأن العوام ملازمة
القصاص ما دام يأتي بالعجائب الخارجة عن نظر العقول. وقال ابن الجوزي في الموضوعات:
معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص لأنهم يريدون أحاديث ترفق وتنفق
والصحيح فيها يقل. ويحكى عن أبي عبد الله النهاوندي أنه قال: قلت لغلام خليل: هذه
الأحاديث التي تحدث بها في الرقاق، قال: وضعناها لنرفق بها قلوب العامة، قال: وكان
يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء صرفا غلقت الأسواق ببغداد يوم موته فحسن
له الشيطان هذا الفعل القبيح. وسئل عبد الجبار بن محمد عن أبي داود النخعي فقال:
كان أطول الناس قياما بليل وأكثرهم صياما بنهار وكان يضع الحديث وضعا. وكان أبو بشر
أحمد بن محمد الفقيه المروزي من أصلب أهل زمانه في السنة وأذبهم عنها وكان مع هذا
يضع الحديث (2). وقال ابن عدي: سمعت أبا بدر أحمد بن خالد يقول: كان وهب ابن حفص من
الصالحين مكث عشرين سنة لا يكلم أحدا، قال أبو عروبة: وكان يكذب كذبا فاحشا (3).
وقد نص السلف على أن القصص بدعة، وأن التزهد والتقشف
(هامش)
(1) مخطوطة برقم 107 في مكتبة عاشر أفندي بتركيا كما في فهرسها ص 9. (2) الغدير 5:
190 ط نجف. (3) الغدير 5: 234 ط نجف. (*)
ص 96
الخارج عن السنة بدعة أيضا. فكان مقتضى هذا ن ترد رواية كل زاهد ومذكر ويعلق ذلك
بزهده وتذكيره لأنه وحد فبهم الكذب شائعا، ووصفوا بالبدعة كما هو حال الآخرين. (فإن
قيل): لم يصدر الكذب إلا من جهلة الزهاد ومن لا تقوى عنده من القصاص والوعاظ.
(قليا): وكذلك المبتدعة فإنا لم نجد الكذب شائعا إلا في فسقتهم ومن لا يخشى الله
منهم. أما أهل الدين والتقوى فوجدناهم في نهاية الصدق وغاية التحرز من الكذب ووجدنا
أصولهم كأصولنا في أن من كذب فهو مجروح مردود الشهادة والرواية حتى الخطابية الذين
قال فيهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم كان هذا مذهبهم فكانوا يرون أن الكذاب
مجروح خارج عن المذهب، فإذا سمع بعضهم بعضا قال: شيئا عرف أنه ممن لا يجيز الكذب
فاعتمد قوله لذلك وشهد بشهادته فلا يكون شهد بالزور لمعرفته أنه محق وأنه لا يكذب،
وكتب رجالهم شاهدة بذلك بالزور لمعرفته أنه محق وأنه لا يكذب، وكتب رجالهم شاهدة
بذلك كرجال الشيعة للنجاشي، وأبي الحسن بن بابويه، وابن أبي طي. وعلي ابن الفض،
والكشي، وعلي بن الحكم، وابن عقدة، والليثي، والمازندراني، والطوسي، وغيرهم (1) فإن
فيها جرحا كجرح أهل السنة وتعديلا كتعديلهم، وقد شهد أهل الجرح والتعديل قاطبة
بوجود الصدق في المبتدعة كما سنذكر بعض نصوصهم بذلك وكما سبق عن الذهبي من قوله: إن
التشيع كان شائعا في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فاستوى الحال وانقطع
المقال (2)
(هامش)
(1) مصفى المقال في علم الرجال: 580، 12، 274، 548، 278، 54، 402. (2) ميزان
الاعتدال 1: 5. (*)
ص 97
(فصل) وأما النقل: فقد ذهب جماعة من أهل الحديث والمتكلمين إلى أن أخبار أهل
الأهواء كلها مقبولة وإن كانوا كفارا أو فساقا بالتأويل كما حكاه الخطيب في
الكفاية (1)، وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف وابن أبي ليلى والثوري وجماعة
إلى قبول رواية الفاسق ببدعته ما لم يستحل الكذب ونسبه الحاكم في المدخل، والخطيب
في الكفاية إلى الجمهور وصححه الرازي واستدل له في المحصول، ورجحه ابن دقيق العيد
وغيره من المحققين، وقواه جماعة بما اشتهر من قبول الصحابة أخبار الخوارج وشهادتهم
ومن جرى مجراهم من الفساق بالتأويل، ثم استمر عمل التابعين على ذلك فصار كما قال
الخطيب كالاجماع منهم. قال السخاوي: وهو أكبر الحجج في هذا الباب وبه يقوى الظن في
مقاربة الصواب ا ه. بل حكي ابن حبان: الإجماع على قبول رواية المبتدع إذا لم يكن
داعية إلى بدعته فقال في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي (2) من ثقاته: ليس بين أهل
الحديث خلاف أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج
بأخباره جائز فإذا دعى إليها سقط الاحتجاج بخبره ا ه. لكن اقتصر ابن الصلاح على
عزو هذا المذهب إلى الكثير أو الأكثر فقال - بعد حكاية الخلاف -: وقال قوم: تقبل
روايته ما لم يكن داعية ولا يقبل إذا كان داعية، وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من
العلماء وهو أعدل المذاهب وأولاها، والأول بعبد مباعد للشائع عن أئمة الحديث فإن
كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة وفي الصحيحين
(هامش)
(1) الكفاية في علم الدراية الخطيب البغدادي ط حيدر آباد 1357. (2) تهذيب التهذيب
2: 95 - 98، الثقات 2: ورقة 124. (*)
ص 98
كثير من أحاديثهم في الشواهد والأصول ا ه. وسبقه إلى ذلك الحازمي في (شروط الأئمة
الخمسة) وتبعه كل من اختصر كتابه (1)، وقد قال الإمام الشافعي في الأم (2): ذهب
الناس في تأويل القرآن والأحاديث إلى أمور تباينوا فبها تباينا شديدا واستحل بعضهم
من بعض مما تطول حكايته وكان ذلك متقادما منه ما كان في عهد السلف وإلى اليوم، فلم
نعلم من سلف الأئمة من يقتدى به ولا من بعدهم من التابعين رد شهادة أحد بتأويل وإن
خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم الله عليه فلا نرد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له
وجه يحتمل وإن بلغ فيه استحلال المال والدم ا ه (3). وقال أيضا: أقبل شهادة أهل
الأهواء إلا الخطابية لأنهم يرون شهادة الزور لموافقيهم، وكذا قال أبو يوسف القاضي:
أجيز شهادة أصحاب الأهواء أهل الصدق منهم إلا الخطابية والقدرية الذين يقولون: لا
يعلم الله الشيء حتى يكون، رواه الخطيب في الكفاية (4). وقال أبو بكر الرازي في
الأحكام: ويقبل قول الفاسق وشهادته من وجه آخر، وهو من كان فسقه من جهة الدين
باعتقاد مذهب وهم أهل الأهواء فإن شهادتهم مقبولة، وعلى ذلك جرى أمر السلف في قبول
أخبار أهل الأهواء في رواية الأحاديث وشهادتهم ولم يكن فسقهم من جهة الدين مانعا من
قبول شهادتهم ا ه. وقال الحازمي في (شروط الأئمة الخمسة) لما تكلم على العدالة:
(هامش)
(1) كشف الظنون 2: 1047. (2) الأم 1: 48 - المقدمة -. (3) الكفاية ص 120. (4)
الكفاية في علم الرواية ص 126. (*)
ص 99
ومنها أن يكون مجانبا للأهواء تاركا للبدع فقد ذهب أكثرهم إلى المنع إذا كان داعية
واحتملوا رواية من لم يكن داعية ا ه. وقال العز بن عبد السلام في القواعد الكبرى
(1): لا ترد شهادة أهل الأهواء لأن الثقة حاصلة بشهادتهم حصولها بشهادة أهل السنة
أو أولى فإن من يعتقد أنه مخلد في النار على شهادة الزور أبعد في الشهادة الكاذبة
ممن لا يعتقد ذلك، فكانت الثقة بشهادته وخيره أكمل من الثقة بمن لا يعتقد ذلك،
ومدار قبول الشهادة والرواية على التحقق بالصدق وذلك متحقق في أهل الأهواء، تحققه
في أهل السنة والأصح أنهم لا يكفرون ببدعتهم، ولذلك تقبل شهادة الحنفي إذا حددناه
في شرب النبيذ، لأن الثقة بقوله لا تنخرم بشر به لاعتقاده إباحته، وإنما ردت شهادة
الخطابية لأنهم يشهدون بناء على أخبار بعضهم بعضا فلا تحصل الثقة بشهادتهم لاحتمال
بنائها على ما ذكرناه (2). وقال ابن دقيق العيد: الذي تقرر عندنا أنه لا تعتبر
المذاهب في الرواية إذ لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب إلا بإنكار قطعي من
الشريعة، فإذا اعتبرنا ذلك وانضم إليه الورع والتقوى فقد حصل معتمد الرواية، وهذا
مذهب الشافعي حيث يقبل شهادة أهل الأهواء ا ه. وقال الحافظ في (شرح النخبة):
التحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعة لأن كل طائفة تدعى أن مخالفتها مبتدعة وقد تبالغ
فتكفرها، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، فالمعتمد أن الذي
ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين
(هامش)
(1) عز الدين عبد السلام الشافعي الشامي المتوفى 660 كشف الظنون 2: 1359. (2)
الكفاية ص 120 - باب ما جاء في الأخذ عن أهل البدع والأهواء والاحتجاج برواياتهم.
(*)
ص 100
بالضرورة فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه
فلا مانع من قبوله أصلا ا ه (1) وقال في ترجمة أبان بن تغلب من التهذيب: التشيع في
عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان وأن عليا كان مصيبا في حروبه، وأن
مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا فلا ترد
روايته بهذا لا سيما إن كان غير داعية ا ه (2). وقال في مقدمة الفتح (3): والمفسق
ببدعته كالخوارج والروافض الذين لا يغلون وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأهل
السنة خلافا ظاهرا لكنه مستند إلى تأويل ظاهر سائغ، اختلف أهل السنة في قبول من هذا
سبيله إذا كان معروفا بالتحرز من الكذب مشهورا بالسلامة من خوارم المروءة موصوفا
بالديانة والعبادة، فقيل: يقبل مطلقا، وقيل: يرد مطلقا والثالث: التفصيل بين أن
يكون داعية لبدعته أو غير داعية فيقبل غير الداعية ويرد حديث الداعية وهذا المذهب
هو الأعدل، وصارت إليه طوائف من الأئمة، وادعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه، لكن
في دعوى ذلك نظر، ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل فبعضهم أطلق ذلك وبعضهم زاده
تفصيلا، فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته ويزينه ويحسنه ظاهرا
فلا تقبل وإن لم تشتمل فتقبل، وطرد بعضهم
(هامش)
(1) شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، كشف الظنون 2: 1936. (2) تهذيب التهذيب 1:
94. (3) هدي الساري مقدمة فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني ط القاهرة 1383 /
1963 في جز أين. (*)
ص 101
هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعية فقال: إن اشتملت روايته على ما يرد بدعته
قبل وإلا فلا، وعلى هذا إذا اشتملت رواية المبتدع، سواء كان داعية أم لم يكن على ما
لا تعلق له ببدعته أصلا هل ترد مطلقا أو تقبل مطلقا مال أبو الفتح القشيري إلى
تفصيل آخر فقال: إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو إخمادا لبدعته وإطفاء لناره، وإن
لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب
واشتهاره بالدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك
الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته ا ه (1). وقال في مقدمة
اللسان: قال الذهبي في ترجمة إبراهيم بن الحكم بن ظهير: اختلف الناس في رواية
الرافضة على ثلاثة أقوال أحدها: المنع مطلقا، والثاني: الترخيص مطلقا إلا فيمن يكذب
ويضع، والثالث: التفصيل، فتقبل رواية الرافضي الصدوق العارف بالحديث وترد رواية
الرافضي الداعية ولو كان صدوقا (2). قال الحافظ: فالمنع من قبول رواية المبتدعة
الذين لم يكفروا ببدعتهم ذهب إليه مالك وأصحابه والقاضي أبو بكر الباقلاني وأتباعه
والقبول مطلقا إلا فيمن يكفر ببدعته وإلا فيمن يستحل الكذب ذهب إليه أبو حنيفة وأبو
يوسف وطائفة وروي عن الشافعي أيضا، وأما التفصيل فهو الذي عليه أكثر أهل الحديث، بل
نقل فيه ابن حبان إجماعهم، ووجه ذلك: أن المبتدع إذا كان داعية كان عنده باعث على
رواية ما يشيد به بدعته ا ه (3). *
(هامش)
*(1) مقدمة فتح الباري 2: 144. (2) لسان الميزان 1: 49. (3) ميزان الاعتدال 1: 27.
(*)
ص 102
وقال أيضا في ترجمة خالد بن مخلد القطواني من المقدمة: أما التشيع فقد قدمنا أنه
إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه ا ه (1). وقال
الذهبي في ترجمة علي بن المديني من الميزان: ما كل أحد فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب
يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوما من الخطايا والخطأ ا ه
(2). وقال الأمير الصنعاني في إرشاد النقاد (3): إعلم أن هذه الفوادح المذهبية
والابتداعات الاعتقادية ينبغي للناظر أن لا يلتفت إليها ولا يعرج في القدح عليها،
وقد اختار الحافظ وحكاه عن الجماهير غيره أن الابتداع بمفسق لا يقدح به في الراوي
إلا أن يكون داعية وهذه مسألة قبول فساق التأويل وكفار التأويل، وقد نقل في العواصم
إجماع الصحابة على قبول فساق التأويل من عشر طرق ومثله في كفار التأويل من أربع
طرق، وإذا رأيت أئمة الجرح والتعديل يقولون: فلان ثقة حجة إلا أنه قدري، أو يرى
الارجاء أو يقول بخلق القرآن أو نحو ذلك أخذت بقولهم ثقة وعملت به وطرحت قولهم قدري
ولا تقدح به في الرواية غاية ذلك أنه مبتدع، ولا يضر الثقة بدعته في قبول روايته
لما عرفت من كلام الحافظ فإن قولهم: ثقة قد أفاد الإخبار بأنه صدوق، وقولهم: يقول
بخلق القرآن مثلا أخبار بأنه مبتدع ولا تضرنا بدعته في قبول خبره ا ه.
(هامش)
(1) مقدمة الفتح الباري 2: 163. (2) ميزان الاعتدال 3: 141. (3) البدر الطالع 1:
396، نيل الوطر 2: 97. (*)