فتح الملك العلى

أحمد بن الصديق المغربي


[ 1 ]

فتح الملك العلى بصحة حديث باب مدينة العلم علي


[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

مكتبة الإمام أمير المؤمنين (ع) العامة

 أصفهان – إيران

 فتح الملك العلى بصحة حديث باب مدينة العلم علي

 للإمام المحدث احمد بن محمد بن الصديق الحسنى المغربي المتوفى 1380

حققه وعلق حواشيه وصحح أسانيده محمد هادى الأميني


[ 4 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الانتهاء من تحقيق الكتاب وإخراج أسانيده ومصادره والتعليق عليه . . . رفعته إلى مقام سماحة شيخنا الأكبر الحجة المجاهد . . . الشيخ الأميني - صاحب الغدير - أخذ الله بيده ووقاه من كل سوء ، للنظر فيه وملاحظته ، وبعد أيام تلقيت من سماحته الكتاب ، مشفوعا بالرسالة الكريمة التالية . . .


[ 5 ]

مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة

التاريخ 4 / ربيع الأول / 1388

بسمه تعالى وله الحمد ولدنا العزيز الاستاذ المفضال الشيخ محمد هادى الاميني سلام عليك ورحمة الله وبركاته : وبعد : أخذت ألو كتك ، وسرني أيما سرور نبأ صحتك أدامها الله لك - وتلقيت ما بعثته الينا من كتاب - فتح الملك العلي - ووقفت على ما علقت عليه ، فأعجبني جهدك هذا ، وقد زدت بذلك على رونق الكتاب غرة وبهاءا ، وأضفت إلى حسنه زهرة وكمالا ، أخذ الله بعضدك في خدمة العلم والدين ، وأوسع خطواتك ، وأبعد أشواطك . وهذا الكتاب . . . حقا من حسنات الدهر ، ومآثر الفضيلة ، مفعم بالغرر والدرر ، مشحون بالدقائق والحقائق ، ومؤلفه صدقا علامة فذ ، رجل العلم والتحقيق ، جاء في سفره الكريم هذا بدروس عالية ، من فنون الحديث ، وابحاثا راقية من علوم السنة ، وفرائد وفوائد جمة من الدراية ومعرفة الرجال ، تضم كل صحيفة منه من ابواب الجرح والتعديل حقائق قصر عنها يراع الاولين ، وخلت منها زبر الآخرين .


[ 6 ]

واني منذ طالعته قبل ردح من الزمن لم أفارقه قط ، وإنما أمعن النظرة فيه مرة بعد اخرى ، واعيد جدة الوقفة دونه والاخذ من منابع علمه الفضفاض ، وقد أخذ بمجامع قلبي حتى انى لو كنت تمكنت من حفظه لحفظته مع كبر سني برمته بالشوق المؤكد ، فعليك بمطالعة أمثاله من الكتب النفيسة القيمة وقلما هي ، ومن الله التوفيق . شكر الله سعيك هذا وراء العلم الناجع ، وأحسن جزاء ناشره ، وأجزل مثوبته . والسلام عليك من والدك عبد الحسين أحمد الاميني النجفي (1)


1 - توفي رضي الله عنه يوم الجمعة 28 ربيع الثاني 1390 ه‍ . )*(

[ 7 ]

تقديم الكتاب - 1 - لشيخنا الاكبر الحجة المجاهد الشيخ الاميني - من الله علينا بشفائه وعافيته وبارك في عمره - رغبة ملحة في دفع معشر المؤلفين والعاملين في حقلي البحث والتحقيق على اختلاف اتجاهاتهم وأساليبهم في الكتابة والتأليف . . إلى مطالعة وقراءة قسم كبير من كتب إخواننا أهل السنة . . . والوقوف على مؤلفاتهم القيمة الكثيرة التي تصور التراث العربي الاسلامي ، وتتبع بحوثهم وعرفان نظرياتهم وآرائهم في كافة المجالات الفكرية . . . إذا هم أرادوا أن يعلموا ويستقصوا حقائق الحضارة العربية الاسلامية ، ويستنبطوا منها العلم والادب صفوا وميسرا ملائما لطبيعة ثقافتهم الصحيحة ، وذلك لوجود كتب وكنوز هامة لهم . . اودعوا فيها فوائد قيمة ونظريات صائبة تنفع الخاصة من المتفرغين لليحث والاستقصاء والانتاج . ولم يزل هذا ديدن سماحته . . في كل مجلس ومحفل وحتى في اجتماعاته الخاصة بالمؤلفين وعند توجيهم وبيان خطط رئيسة لهم ، ورسمها الذي ينبغي التأليف على ضوئه ونهجه والسير على هديه ، لا في بحث خاص وإنما في كافة المواضيع من التاريخ والادب والفقه واللغة وغيرها ، فيفرغ قبيل التأليف وخلاله لدرس قسم من الكتب المؤلفة في الموضوع الذي يرغب الكتابة فيه . . وتحقيقها ثم دفعه وإعداده للنشر ليخرج بوجه صحيح دقيق وقد ظهر عليه الجهد العلمي والادبى .


[ 8 ]

وواضح جدا أن التأليف بهذا الشكل والجهد الثقيل يأخذ مكانه اللائق في المكتبة العربية ويبقى خالدا مع التاريخ . . والحياة . . للمتعة الفكرية المودوعة فيه وحيويتها وخصبها . فكان على المؤلف . . ان يتابع نهجا صحيحا دقيقا يسدي بتأليفه خدمة للفكر والثقافة ، ويودع فيه قيما فكرية تخلده وان اعترضته صعوبات كثيرة ، ومعنى ذلك انه يحمل للناس في كتابه من القيم الفكرية والخصائص الادبية والفوائد العلمية التي كانوا يجهلونها . ومن تلكم الكتب التي يحاول سماحة شيخنا . . أن يدفع زمرة المؤلفين إلى مطالعتها ، هذا الكتاب القيم الذي بين يديك فطالما حدثني عنه ورغب إلي اقتنائه والنظر فيه ولو مرة واحدة . . لقد مرت شهور وتلتها اخرى وشاءت الظروف - وما أجملها في بعض الاحايين - أن اجتمع بالوجيه الجليل الاستاذ محمد كاظم الكتبي . . هذا الشهم الذي أخذ على نفسه بذل ماله في غير تردد وفي سخاء رائع ، لاحياء التراث الاسلامي والفكر العربي ، وإخراجه إلى الناس على أحسن وجه ممكن . أجل شرفت باجتماعه لادفع إليه كتابي الذي حققته وعلقت حواشيه ووضعت فهارسه - اخبار شعراء الشيعة - لابي عبد الله محمد بن عمران ابن موسى المرزباني الخراساني المتوفى 384 ، للطبع والنشر وبعد أحاديث أدبية وتحدث فرغنا منه ، أتحفني بكتاب وقال : لي رغبة في طبعه ولكن بصورة محققة فقد كثر الطلب عليه واصبح من النوادر ، وبعد ان سمعت الحجة شيخنا الاكبر . . يثني عليه وعلى مؤلفة ويرغب الناس على مطالعته واقتنائه . . وأحب ان تقوم أنت بهذه المهمة الشريفة والغاية الفكرية الجليلة . لقد كنت في تقبل طلب - أبي صادق - من الزاهدين لاعمالي


[ 9 ]

الكثيرة المنطقة بالبحث والتحقيق ، ولكني أخذت الكتاب فوجدته - فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي - ومع العذر والشكر المتواصل الخالص الصادق من - أبى صادق - ارجعت إليه الكتاب ، وبعد أيام سعدت بلقاء شيخنا الاكبر الوالد المعظم . . وأخبرته بالموضوع فوجدته متأسفا ومتأثرا من عدم قبولي الكتاب ، فأمرني أن اتقبل الكتاب وأعمل في تحقيقه ، وإخراج أسانيده ومصادره ، وان اقتضى ترك وتعطيل بقية شؤوني الخاصة والعامة . . فامتثالا لامره الكريم المطاع . . عدت إلى . . - أبى صادق - وأخذت منه الكتاب وانصرفت إلى تهذيبه وتعيين مصادره وترجمة رجاله ، وأنا في كل ذلك اسأل الله أن يكتب لي التوفيق فيه ويفيض علي من هدايته ، ويهئ لنا من امرنا رشدا . ولما بلغت النهاية وانتهى الكتاب بعون الله . . كان قد توجه شيخنا الاكبر . . . إلى ايران للسكون والراحة والتداوى ، فأرسلته إلى حضرته ورجوته النظر في الكتاب وحواشيه وتعليقاتي عليه ، وبعد أيام عاد الكتاب من طهران ومعه الرسالة الكريمة المدونة في أول الكتاب ص 5 وهي إن دلت على شئ فانما تدل على مبلغ رضاه ومنتهى إعجابه به . . ففيها آيات تقديره وإكباره ، ولله الحمد والمنة . * * * أما مؤلف الكتاب فهو أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الحسني المغربي المتوفى 1380 ، محدث حافظ من أهل المغرب الاقصى (1) . ولم يعرف عنه اكثر من هذه الكلمات .


(1) معجم المؤلفين 13 : 368 . (*)

[ 10 ]

والذي يبدو من كتاباته وتعليقاته على بعض كتب الحديث ان المترجم له اشتغل بالحديث والتفقه فيه وانصرف إلى دراسته وتدريسه سنين متمادية ، وأصبح بحكم انصرافه له متضلعا وحافظا ومحدثا وإماما ولعله رغب إليه منذ الصغر ، فجالس الحفاظ والمحدثين في المغرب الاقصى أولا ، وبعد انتقاله إلى القاهرة والاجتماع بأئمة الحديث هناك والاخذ عنهم والقراءة عليهم . لقد كانت البحوث التي خاضها المؤلف . . والتعليقات التي سطرها على بعض الكتب موضع تقدير وعناية المؤلفين في البلاد الاسلامية لما وجدوا فيها من مواد علمية دسمة ومعلومات في الدراية وافرة جديرة بالدراسة والمطالعة والاستفادة كما ذهب إليه سيدنا الامام شرف الدين في المراجعات ص 194 ، 213 . ان للمترجم له . . مؤلفات وكتابات كثيرة ذكر بعضها في تضاعيف كتابه منها : فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي (1) . سبل السعادة وابوابها بصحة حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها (2) . ابراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون (3) . المعجم الوجيز للمستجيز (4) . ومهما يكن من أمر فالكتاب بحث قيم مستفيض حول صحة حديث النبي - ص - : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب - وتصحيح لسنده وطرقه ورجاله ، ودفاع عنه بما وسعه من القول والكلام


(1) طبع للمرة الاولى في القاهرة عام 1354 ويحتوي على 102 ص . (2) ذكره في كتابه فتح الملك العلي ص 102 ط الاولى . (3) المصدر السابق ص 90 . (4) معجم المؤلفين 13 : 368 . (*)

[ 11 ]

فأشبعه بحثا وتحقيقا وعزز كلامه بآراء الحفاظ وأئمة الحديث ونظرياتهم . والواقع ان القارئ . . للكتاب يعرف مدى ما أتى الله مؤلفه من فضل وعلم وأدب واطلاع واسع ، وخبرة كاملة بالاحاديث وكتب الدراية والرجال وكأنه سبحانه . . أودع كل هذا في قلبه الكبير . - 2 - اثناه اشتغالي بتحقيق نصوص الكتاب وتصحيحه وتعيين مصادره ووضع فهارس فنية تجلو ما في دفتي الكتاب هذا من تراجم وآيات قرآنية واعلام والكتب التي حفلت بذكر اسمائها اصل الكتاب وحواشيه . . والجهد الذي بذلت والعناء الذي عانيت ، مع علمي ان لم اقارب الغاية والكمال . . فقد كانت لي بعض الملاحظات على ما جاء في مقدمة المؤلف بعد أن ألفت نظري إليها شيخنا الاكبر . . الشيخ الاميني . . مع اليقين ان المؤلف قد برع في فن الحديث ، ويعدم المتصفح لكتابه هذا ان يجد له هفوات تتعلق بصحة حديث باب مدينة العلم نفسه . فقد قال في المقدمة : ان هناك أحاديث صححها بعض الحفاظ وأفردوا فيها كتبا منها : حديث الطير ، وحديث الموالاة ، وحديث رد الشمس ، ثم ذكر بعض الحفاظ حسب إطلاعه وعلمه ، وفاته بيان كثير منهم لذلك اثبت في الفصل هذا ذكر الحفاظ الذين وقفت عليهم خلال مطالعاتي في المعاجم مشاركة مني في احقاق التاريخ وتكامل الموضوع وعسى ان اسدي به إلى المكتبة العربية برا عاجلا إلى جانب عمل المؤلف الكريم الجدير باستحاق الثناء والاجلال . قال : أما (حديث الطير) فقد أفرده بالتأليف الحافظان أبو طاهر


[ 12 ]

محمد بن احمد بن حمدان أحد تلامذة الحاكم ، وابو عبد الله محمد بن أحمد ابن عثمان الذهبي . . واليك ما ذهب علي المؤلف ذكره من الحفاظ الذين أفردوا في حديث الطير تأليفا خاصا : 1 الحافظ أبو العباس احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي المتوفى 332 مولى بني هاشم وكان ابوه نحويا صالحا يلقب بعقدة واليه كان المنتهى في قوة الحفظ وكثرة الحديث وصنف في الابواب والتراجم والحديث حتى قال عنه الحاكم ابن البيع : ما رأيت لحديث الكوفيين أحفظ من ابي العباس بن عقدة وكان يحفظ مائة الف حديث بأسانيدها ، وعلى حد تعبير الدارقطني كان ابن عقدة يعلم ما عند الناس ولا يعلم الناس ما عنده (1) له مؤلفات كثيرة في الحديث منها كتاب خاص في طرق حديث الطير (2) . 2 أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري المتوفى 310 استوطن بغداد وأقام بها إلى حين وفاته وكان أحد أئمة العلماء يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله وقد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه احد من اهل عصره ، وكان حافظا لكتاب الله عارفا بالقراءات بصيرا بالمعاني فقيها في احكام القرآن عالما بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها عارفا بأقوال الصحابة والتابعين وايام الناس واخبارهم وله مؤلفات كثيرة (3) وقد جمع في مجلد خاص طرق هذا الحديث والفاظه (4) . 3 - أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن


(1) تذكرة الحفاظ 3 : 55 ، لسان الميزان 1 : 263 ، ميزان الاعتدال 1 : 64 . (2) عبقات الانوار 4 : 218 . (3) تاريخ بغداد 2 : 162 ، المنتظم 6 : 170 ، تذكرة الحفاظ 2 : 251 ، شذرات الذهب 2 : 260 ، معجم الادباء 20 : 94 ، البداية والنهاية 11 : 145 . (4) العبقات 4 : 4 ، البداية والنهاية 11 : 146 ، تهذيب التهذيب 7 : 337 . (*)

[ 13 ]

الحكم الضبي النيسابوري الحاكم الشافعي المعروف بابن البيع المتوفى 405 / 403 كان إمام المحدثين والحفاظ طلب الحديث منذ الصغر وسمع على شيوخ يزيدون على الفي شيخ وقرأ القراءات على جماعة ورحل إلى خراسان وما وراء النهر ، بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة جزء وتفقه على ابن ابي هريرة وابي سهل الصعلوكي وغيرهم ، ومن مصنفاته كتاب جمع فيه طرق هذا الحديث وقال : أما حديث الطير فله طرق كثيرة جدا قد افردتها بمصنف ومجموعها هو يوجب ان يكون الحديث له أصل (1) . 4 - أبو بكر احمد بن موسى بن مردويه بن فورك بن موسى بن جعفر الاصبهاني المتوفى 410 ، محدث حافظا مفسر مؤرخ له التفسير الكبير في سبع مجلدات ، المستخرج على صحيح البخاري ، والتاريخ والامالي (2) وكتاب جمع فيه طرق هذا الحديث وأسانيده (3) . 5 - الحافظ أبو نعيم احمد بن عبد الله بن احمد بن اسحاق بن موسى ابن مهران الاصبهاني الشافعي المتوفى 430 (4) احد أئمة الحديث واكابر الحفاظ الثقات وقد اجمع الناس علي إمامته وفضله وعلمة وسعة إطلاعه ولم يكن له غذاء سوى التسميع والتصنيف ، وقد جاء ان اصحاب الحديث كانوا يقولون بقى الحافظ اربع عشرة سنة بلا نظير لا يوجد


(1) العبقات 4 : 5 ، اعيان الشيعة 45 : 290 ، المستدرك 3 : 130 ، تاريخ بغداد 5 : 473 ، طبقات الشافعية 3 : 64 . (2) شذرات الذهب 3 : 190 ، تذكرة الحفاظ 3 : 238 ، كشف الظنون 1 : 439 . (3) العبقات 4 : 5 . (4) المنتظم 8 : 100 ، تذكرة الحفاظ 3 : 7 ، لسان الميزان 1 : 201 ، ميزان الاعتدال 1 : 52 . (*)

[ 14 ]

شرقا ولا غربا أعلى اسنادا منه ، ولا أحفظ منه ، اجاز له مشايخ الدنيا وتهيأ له من لقى الكبار ما لم يقع لحافظ ، له من التأليف حلية الاولياء والاربعين ، وفضائل الخلفاء ، وكتاب الفتن ، وتاريخ اصبهان ، والمستخرج على البخاري ، والمستخرج على مسلم ، وكتاب في حديث الطير وسنده (1) . هذا وأما (حديث الموالاة) فقد أفرد فيه حسب علم المؤلف الحافظ أبو العباس ابن عقدة وابو عبد الله الذهبي . . واليك بعض من لم يذكره المؤلف : 6 - أبو الحسن علي بن عبد الرحمان بن عيسى بن عروة بن الجراح القناتي المتوفى 413 كاتب مؤرخ مؤلف ، له من الكتب : نوادر الاخبار ، طرق خبر الولاية (2) . 7 - أبو سعيد مسعود بن ناصر بن عبد الله بن أحمد بن ابي زائدة السجزي الركاب المتوفى 477 صاحب المصنفات الحافظ المحدث سمع بسجستان من علي بن بسرى الليثي وابي سعيد عثمان النوقاني ، وبهراة من محمد بن عبد الرحمان الدباس وسعيد بن العباس القرشي ومنصور بن محمد بن محمد الازدي ، وبنيسابور من ابى حسان محمد بن احمد المزكي وابي سعيد البصروي وابى حفص بن مسرور ، وببغداد من ابى طالب بن غيلان وابى محمد الخلال وابى القاسم التنوخي ، وباصبهان من ابن ريذة (3) . رحل المترجم له إلى البلاد الاسلامية لطلب الحديث وصنف الابواب إلى ان توفى بنيسابور في جمادى آلاولى ، وكان صحيح الخط صحيح النقل


(1) العبقات 4 : 5 ط الهند . (2) رجال النجاشي 192 ، هدية العارفين 1 : 685 ، ايضاح المكنون 2 : 679 الغدير 1 : 154 . (3) تذكرة الحفاظ 4 : 15 ، مرآة الجنان 3 : 122 . (*)

[ 15 ]

حافظا ضابطا (1) ومن مؤلفاته : الدراية في حديث الولاية ، في 17 جزء جمع فيه طرق الحديث ورواه عن مائة وعشرين صحابيا (2) . 8 - أبو الحسن الشيخ علي بن الحسن بن محمد الطاطري الكوفي الجرمي كان حيا قبل 263 من الفقهاء المحدثين وشيوخ الواقفة المتعصبين اخذ عنه الحسن بن محمد بن سماعة الصير في الحضرمي المتوفى 263 ، له مؤلفات كثيرة (3) ومنها : الولاية (4) ، التوحيد ، الفرايض ، المتعة ، النكاح ، الامامة . 9 - الحافظ عبيد الله بن عبد الله بن احمد بن محمد بن حسكان الحاكم النيسابوري الحنفي المعروف بابن الحداد الحسكاني المتوفى بعد سنة 490 وتأتي ترجمته في المقدمة ، له تصانيف منها : دعاة الهداة إلى اداء حق الموالاة (5) . 10 - أبو جعفر محمد جرير بن يزيد بن خالد الطبري المتوفى 310 والمترجم ص 12 من المقدمة ، له مؤلفات في الحديث على اختلاف طرقه وابوابه منها - الولاية - رواه فيه من نيف وسبعين طريقا ، قال الذهبي : رأيت مجلدا من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق (6) . ولا شك ان كتبا اخرى خاصة في هذه الاحاديث الثلاثة - الطير والموالاة ورد الشمس - توجد لكثير من الحفاظ وأئمة الحديث غير ان


(1) البداية والنهاية 12 : 127 ، لسان الميزان 6 : 28 . (2) الغدير 1 : 155 ، المناقب 1 : 529 ، الذريعة 8 : 56 . (3) رجال النجاشي 179 ، فهرست الطوسي 92 ، منتهى المقال 211 ، منهج المقال 229 ، الذريعة 4 : 480 ، تنقيح المقال 2 : 278 . (4) الغدير 1 : 156 . (5) الغدير 1 : 156 . (6) الغدير 1 : 152 ، 158 ، 230 ، تذكرة الحفاظ 2 : 254 . (*)

[ 16 ]

التاريخ حفظ لنا ما ذكرناه في الفصل هذا ، فضلا على ان الاحاديث المذكورة بطرقها الثابتة ورجالها الثقات وأسانيدها المتعددة جاءت في كتب الاحاديث وفضائل الامام أمير المؤمنين - ع - العديدة المتكاثرة والشهيرة المتداولة . والواقع كما يحدثنا المؤلف في المقدمة : ان جمعا من الحفاظ ذهبوا إلى انه لم يرد من الفضائل لاحد من الصحابة بالاسانيد الصحيحة الجياد ما ورد لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وان تصدى بعض الحفاظإ لجمع بعضها في كتاب خاص أمثال الامام أبو عبد الله احمد بن محمد بن حنبل الشيباني المتوفى 241 فقد جمع (فضائل أمير المؤمنين - ع -) في مجلد (1) ، والحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الدمشقي الشهير بابن عساكر المتوفى 571 في مجلد خاص من مجلدات تاريخه الكبير عن الشام (2) ، والحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي المتوفى 658 في كتابه - كفاية الطالب المطبوع ، إلى غير هم من المؤلفين الذين يعسر على الباحث عدهم وذكرهم في ثبت خاص . وقال أيضا في المقدمة بالنسبة إلى حديث (رد الشمس) فقد أفرد فيه أيضا الحافظ أبو الحسن بن شاذان ، والمحدث النسابة الشريف أبو علي محمد ابن اسعد الجواني أحد الائمة المصنفين في القرن السادس . . واقتصر عليهما غير ان هناك مؤلفات اخرى في الموضوع جمعت فيها طرقه وأسانيده وهم : 11 - أبو بكر الوراق الشيخ محمد بن عبد الله المتوفى 249 له كتاب - من روى رد الشمس - وله كتاب أخلاق النبي - ص - (3) .


(1) نسخة مصورة منه في مكتبة الامام أمير المؤمنين - ع - العامة برقم 283 من قسم المخطوطات . (2) نسخة في مكتبة الامام أمير المؤمنين - ع - العامة . (3) الغدير 3 : 127 ، كشف الظنون 38 1 ، 1 : 458 . (*)

[ 17 ]

12 - الحافظ أبو الفتح محمد بن الحسين بن احمد بن عبد الله بن بريدة الازدي الموصلي المتوفي 374 كان حافظا ، صنف في علوم الحديث وله كتاب مفرد فيه (1) . 13 - أبو القاسم الحاكم النيسابوري عبيدالله بن عبد الله بن أحمد ابن محمد بن احمد بن حسكان الحنفي القرشي العامري ويعرف بابن الحداد الحسكاني المتوفى بعد سنة 490 سمع وانتخب ، وصنف وجمع الابواب والكتب والطرق وتفقه على القاضي ابى العلاء صاعد ، وحدث عن أبيه عن جده وروى عنه الدارقطني ، وكان على حد تعبير الذهبي : شيخ متقن ذو عناية تامة بالحديث والسماع وهو من ذرية عبد الله بن عامر بن كريز أسن وعمر ، له رسالة في الحديث اسماها - مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب الشمس - ذكر شطرا منها ابن كثير في البداية والنهاية 6 : 80 وقال : وقد جمع فيه أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن احمد الحسكاني جزءا وسماه مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب الشمس (2) . اما الشيخ ابى العدل زين الدين قاسم بن قطلو بغا المتوفى 879 فقال : ووجدت له مجلسا في تصحيح رد الشمس (3) . 14 - أبو عبد الله الجعل الحسين بن علي البصري البغدادي المتوفى 399 / 369 سكن بغداد وكان فقيها متكلما ومن شيوخ المعتزلة وله تصانيف كثيرة على مذاهبهم وينتحل في الفروع مذهب اهل العراق مع تقدمه في علمي الفقه والكلام وكثرة أماليه فيهما ، وتدريسه لهما ، دفن


(1) تذكرة الفقهاء 3 : 166 ، الغدير 3 : 127 . (2) البداية والنهاية 6 : 80 - 86 . (3) تاج التراجم ص 40 ، تذكرة الفقهاء 3 : 367 . (*)

[ 18 ]

في تربة ابى الحسن الكرخي وصلى عليه أبو علي الفارسي النحوي . له كتاب - جواز رد الشمس - (1) . 15 - أخطب خوارزم أبو المؤيد وابو محمد موفق بن احمد بن محمد بن ابي سعيد اسحاق بن المؤيد المكي الحنفي المتوفى 568 فقيه أديب خطيب شاعر ، أخذ العربية عن الزمخشري بخوارزم وتولى الخطابة بجامعها وفيها قرأ عليه ناصر بن عبد السيد المطرزي ، له مؤلفات في علوم متنوعة ومراسلات ومكاتبات مع رجال الفقه والحديث والتاريخ والادب ومنها : رد الشمس لأمير المؤمنين - ع - (2) . 16 - أبو عبد الله شمس الدين محمد بن يوسف الشامي الصالحي الدمشقي المتوفى 942 محدث حافظ مؤرخ ، ولد في صالحية دمشق وسكن البرقوقية بصحراء القاهرة ، وكان عالما صالحا مفننا في العلوم والف السيرة النبوية المشهورة التي جمعها من ألف كتاب ، وكان لا يقبل من مال الولاة واعوانهم شيئا ولا يأكل من طعامهم ، رآه الشعراوي وبات عنده وتحدث معه وسأله في اختصار السيرة وله مؤلفات منها : كشف اللبس في رد الشمس (3) . 17 - الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمان بن ابي بكر بن محمد بن ابى بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن ايوب بن محمد بن همام الدين


(1) تاريخ بغداد 8 : 73 ، المنتظم 7 : 101 ، الغدير 3 : 127 ، شذرات الذهب 3 : 69 ، لسان الميزان 2 : 303 . (2) الغدير 4 : 402 ، المناقب 1 : 484 . (3) شذرات الذهب 8 : 251 ، كشف الظنون 1 : 204 ، 977 ، 1155 ، 1260 ، هدية العارفين 2 : 236 ، ايضاح المكنون 2 : 500 ، الاعلام 8 : 30 ، 31 ، الغدير 3 : 128 . (*)

[ 19 ]

الخضيري السيوطي المتوفى 911 / 910 عالم مشارك في أنواع العلوم صنف في مختلف المواضيع ، وقد استقصى الداودي مؤلفاته فتاقت عدتها على خمسمائة مؤلف ، وقد أخذ عن غالب علماء عصره وبلغ شيوخه نحو ثلثمائة شيخ . ومن مؤلفاته رسالة في الحديث اسماها كشف - اللبس عن حديث رد الشمس (1) . هذه ملاحظات على بعض ما جاء في مقدمة الكتاب ذكرتها للفائدة وتبيان الحقيقة ، وأداء لامانة العلم ومشاركة في إحقاقه ، والله المستعان وقد اختص وحده سبحانه بالكمال . وبعد : فشكري الجزيل وثنائي المتواصل لادارة مكتبة آية الله العظمى السيد الحكيم - دام ظله الوارف - العامة ، فقد هيأت لي كافة المصادر والمراجع التي رجعت إليها في تحقيق الكتاب . . وسمحت لي بالمطالعة والبحث في أية ساعة أحببت من غير مانع وقيد . . والله اسأل أن يرزقني الاخلاص والسداد في القول والعمل والفكر . . وأن يتقبل هذا لوجهه خالصا . . وسبحانه الموفق والهادي إلى سبل السلام . . طهران - ايران صندوق البريد - 634 / 71 محمد هادي الاميني عفى الله عنه وعن والديه


(1) كشف الظنون 2 : 1494 ، الغدير 3 : 128 . (*)

[ 20 ]

كلمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى . أما بعد : فان الاحاديث الصحيحة الواردة بفضل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام عديدة متكاثرة ، وشهيرة متواترة ، حتى قال جمع من الحفاظ : أنه لم يرد من الفضائل لاحد من الصحابة بالاسانيد الصحيحة الجياد ما ورد لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، إلا أن هناك أحاديث إختلف فيها إنظار الحفاظ فصححها بعضهم ، وتكلم فيها آخرون منها : حديث الطير ، وحديث الموالاة ، وحديث رد الشمس ، وحديث باب العلم . أما حديث الطير : فقد أفرده بالتأليف الحافظان أبو طاهر محمد بن احمد بن حمدان (1) احد تلامذة الحاكم ، وابو عبد الله محمد بن احمد بن عثمان الذهبي (2) .


(1) محمد بن احمد بن علي الخراساني المتوفى 442 ، تذكرة الحفاظ 3 : 291 ، سير النبلاء : 11 : 149 . (2) الحافظ شمس الدين المتوفى 748 ، طبقات الشافعية 5 : 216 ، الدرر الكامنة 3 : 337 ، الوافي 2 : 163 ، مرآة الجنان 4 : 331 . (*)

[ 21 ]

وأما حديث الموالاة (1) : فأفرده أيضا الحافظان أبو العباس بن عقدة (2) وأبو عبد الله الذهبي . وأما حديث رد الشمس (3) : فأفرده أيضا الحافظ أبو الحسن ابن شاذان (4) ، والمحدث النسابة الشريف أبو علي محمد بن اسعد الجوانى (5) احد الائمة المصنفين في القرن السادس . وأما حديث باب العلم ، فلم أر من أفرده بالتأليف ولا وجه العناية إليه بالتصنيف ، فأفردت هذا الجزء لجمع طرقه وترجيح قول من حكم بصحته سالكا فيه سبيل العدل والانصاف ، متجنبا طريق التعصب والاعتساف وسميته " فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي " (6) والله أسأل أن يمن علي بالاخلاص في الاقوال والاعمال ، وان ينفعني بما علمني ، ويعلمني ما ينفعني ويزيدني علما ، والحمد لله على كل حال . المؤلف


(1) هو حديث الغدير الصحيح الثابت المتواتر تربو طرقه على المائة وافرده بالتأليف كثير من الحفاظ وقد ذكرناهم في المقدمة من 10 وكما مدون في الغدير 1 : 157 152 . (2) الحافظ احمد بن محمد بن سعيد المتوفى 332 ، تذكرة الحفاظ 3 : 55 ، لسان الميزان 1 : 263 ، ميزان الاعتدال 1 : 64 ، تاريخ بغداد 5 : 14 . (3) الغدير 3 : 126 - 128 ، المقدمة . . (4) الغدير 3 : 127 ، ايضاح المكنون 1 : 64 . (5) شرف الدين الجواني المالكي المتوفى 588 ، لسان الميزان 5 : 74 ، الوافي 2 : 202 ، كشف الظنون 1 : 268 ، 1104 ، خريدة القصر 1 : 117 . (6) طبع في مصر للمرة الاولى عام 1354 . (*)

[ 22 ]

أنبأنا عشرة قالوا : أنبأنا البرهان السقا أنا (1) ثعيلب ، انا الملوي والجوهري قالا : انا أبو العز محمد بن احمد العجمي ، انا الشمس البابلي ، انا احمد بن خليل السبكي ، انا النجم الغيظي ، انا زكريا ، انا محمد بن عبد الرحيم ، انا عبد الوهاب بن علي (ح) وانبأنا العفري ، انا البرزنجي ، انا الفلاني ، انا ابن سنه ، انا الوولاتي ، انا ابن اركماش ، انا احمد بن علي الحافظ ، انا عبد الرحيم بن الحسين الحافظ ، انا الصلاح بن كيكلدي الحافظ ، قالا : انا محمد بن احمد بن عثمان الحافظ ، انا اسحاق بن يحيى ، انا الحسن بن عباس ، انا عبد الواحد بن حمويه ، انا وجيه بن طاهر ، انا الحسن بن احمد السمرقندي الحافظ . أنا أبو طالب حمزة بن محمد الحافظ ، انا محمد بن احمد الحافظ ، انا أبو صالح الكرابيسي ، انا صالح بن محمد ، انا أبو الصلت الهروي ، انا ابو معاوية عن الاعمش ، عن مجاهد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد بابها فليأت عليها ، اخرجه الحافظ أبو محمد الحسن بن احمد السمرقندي (2) في كتابه بحر الاسانيد في صحاح المسانيد الذي جمع فيه مائة الف حديث بالاسانيد الصحيحة (3) وفيه يقول الحافظ أبو سعد بن السمعاني (4) : لو رتب وهذب لم يقع في الاسلام مثله ، وهو في ثمانمائة جزء . قلت : والحديث رواه عن ابي الصلت جماعة منهم : محمد بن اسماعيل


(1) مخفف أنبأنا في مصطلح الحديث . كما ان - ثنا - مخفف حدثنا . (2) المتوفى 491 وفي الشذرات 3 : 394 ان وفاته سنة 490 وولادته 409 . (3) يقع في ثمانية اجزاء كبار . (4) عبد الكريم بن محمد بن المنصور بن محمد بن عبد الجبار بن احمد التميمي المروزي الشافعي تاج الدين المتوفى 562 . (*)

[ 23 ]

الضراري ، ومحمد بن عبد الرحيم الهروي ، والحسن بن علي المعمري ، ومحمد ابن علي الصائغ ، واسحاق بن حسن بن ميمون الحربي ، والقاسم بن عبد الرحمن الانباري ، والحسين بن فهم بن عبد الرحمن . أما رواية محمد بن اسماعيل : فأخرجها ابن جرير في " تهذيب الآثار " (1) قال : حدثنا محمد بن اسماعيل الضراري ، ثنا عبد السلام ابن صالح الهروي ، ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأتها من بابها . وأما رواية محمد بن عبد الرحيم : فأخرجها الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2) قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، ثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح ، ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأت الباب . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه . وأما رواية الحسن بن علي ومحمد بن الصايغ : فأخرجها الطبراني في " المعجم الكبير " (3) قال : حدثنا الحسن بن علي المعمرى ومحمد بن الصايغ المكي قالا : حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ، ثنا ابو معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عباس : قال : قال رسول الله


(1) مخطوط في تركيا بمكتبة - بشيراغا - . (2) ج 3 : 126 ط حيدر اباد . (3) مخطوطة مصورة بمكتبة الامام امير المؤمنين - ع - العامة برقم 2634 - 2637 . (*)

[ 24 ]

صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي با بها فمن اراد العلم فليأته من بابه . وأما رواية إسحاق بن الحسن الحربي : فأخرجها الخطيب (1) في ترجمة عبد السلام بن صالح من " تاريخ بغداد " (2) قال : اخبرنا محمد بن عمر بن القاسم النرسي ، اخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، ثنا إسحاق ابن الحسن بن ميمون الحربى ، ثنا عبد السلام بن صالح - يعني الهروي - ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها . . واما رواية القاسم بن عبد الرحمان الانباري : فأخرجها الخطيب ايضا (3) قال : اخبرنا محمد بن احمد بن رزق : اخبرنا أبو بكر مكرم بن احمد ابن مكرم القاضي ، ثنا القاسم بن عبد الرحمن الانباري ، ثنا أبو الصلت الهروي ، ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : انا مدينة العلم وعلي بابها ، قال القاسم : سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال : هو صحيح . واما رواية الحسين بن فهم : فأخرجها الحاكم في " المستدرك " (4) قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن احمد بن تميم ، ثنا الحسين بن فهم قال : حدثناه أبو الصلت الهروي عن ابى معاوية عن الاعمش عن مجاهد


(1) الحافظ أبو بكر احمد بن علي بن ثابت بن احمد البغدادي الشافعي المتوفى 463 ، المنتظم 8 : 265 ، طبقات الشافعية 3 : 12 ، تذكرة الحفاظ 3 : 312 ، مرآة الجنان 3 : 87 ، معجم الادباء 4 : 13 . (2) ج 11 ص 480 . (3) ج 11 ص 49 . (4) ج 3 : 127 . (*)

[ 25 ]

عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأت الباب ، قال الحاكم : الحسين ابن فهم بن عبد الرحمان ثقة مأمون حافظ . . فهذا الحديث بمفرده على شرط الصحيح (1) كما حكم به يحيى بن معين والحاكم وابو محمد السمرقندى ، وبيان ذلك من تسعة مسالك : (المسلك الاول) : أن مدار صحة الحديث على الضبط والعدالة ورجال هذا السند كلهم عدول ضابطون ، أما أبو معاوية والاعمش ومجاهد فلا يسأل عنهم لكونهم من رجال الصحيح ، وللاتفاق على ثقتهم وجلالتهم وأما من دون ابي الصلت الهروي فلا يسأل عنهم ايضا لنعددهم وثقة اكثرهم ، وكون الحديث مشهورا ومعروفا عن ابى الصلت ، فلم يبق محلا للنظر إلا أبو الصلت وعليه يدور محور الكلام على هذا الحديث ، وهو عدل ثقة صدوق مرضي معروف بطلب الحديث والاعتناء به ، رحل في طلبه إلى البصرة والكوفة والحجاز واليمن والعراق ودخل بغداد فحدث بها ، روى عنه احمد بن منصور الرمادي الحافظ صاحب المسند (2) وعباس بن محمد الدوردي (3) صاحب يحيى بن معين ، واسحاق بن الحسن الحربى ومحمد ابن علي المعروف بفستقة (4) والحسن بن علوية القطان (5) وعلي بن احمد


(1) شرط الصحيح إصطلاح يطلق على اسناد أخرج برجاله البخاري حديثا في صحيحة . (2) المتوفى 265 ، تاريخ بغداد 5 : 151 ، تهذيب التهذيب 1 : 83 ، طبقات الحنابلة 42 . (3) المتوفى 271 تاريخ الخطيب 12 : 144 . (4) أبو العباس المتوفى 289 ، تاريخ بغداد 3 : 64 . (5) الحسن بن علي بن محمد بن سليمان المتوفى 298 ، تاريخ بغداد 7 : 375 . (*)

[ 26 ]

ابن النضر الازدي (1) ومحمد بن اسماعيل الاحمسي (2) وسهل بن زبحلة (3) ومحمد بن رافع النيسابوري (4) وعبد الله بن احمد بن حنبل (5) واحمد ابن سيار المروزي (6) وعلى بن حرب الموصلي (7) وعمار بن رجاء (8) ومحمد بن عبد الله الحضرمي (9) ومعاذ بن المثنى (10) وآخرون . قال الحطيب (11) : قرأت على الحسن بن ابى القاسم عن ابى سعيد احمد بن محمد بن رميح النسوي ، قال : سمعت احمد بن محمد بن عمر ابن بسطام ، يقول : سمعت احمد بن سيار بن ايوب ، يقول أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي : ذكر لنا أنه من موالي عبد الرحمن بن سمرة وقد لقى وجالس الناس ورحل في الحديث ، وكان صاحب قشافة وهو من آحاد المعدودين في الزهد ، قدم مرو (12) ايام المأمون يربد التوجه إلى الغزو ، فلم يزل عنده مكرما إلى ان اراد إظهار كلام جهم ،


(1) أبو غالب المتوفى 295 ، تاريخ بغداد 11 : 316 . (2) أبو جعفر الكوفي المتوفى 260 / 258 تهذيب التهذيب 9 : 58 . (3) أبو عمرو المرازي كان حيا 231 ، تاريخ بغداد 9 : 116 . (4) اسمه سابور القشيري المتوفى 245 تهذيب التهذيب 9 : 160 . (5) أبو عبد الرحمان الشيباني المتوفى 290 ، تاريخ بغداد 9 : 375 . (6) أبو الحسن المتوفى 268 ، تاريخ بغداد 4 : 187 . (7) أبو الحسن الطائي المتوفى 265 ، تاريخ بغداد 11 : 418 . (8) أبو ياسر التغلبي الاسترابادي المتوفى 267 ، تذكرة الحفاظ 2 : 561 . (9) محدث الكوفة المتوفى 277 ، لسان الميزان 5 : 233 . (10) أبو المثنى معاذ بن معاذ البصري المتوفى 196 ، تاريخ بغداد 13 : 131 . (11) تاريخ بغداد 11 : 47 . (12) معجم البلدان 5 : 112 ط بيروت . (*)

[ 27 ]

وقول القرآن مخلوق ، وجمع بينه وبين بشر المرسي (1) وسأله ان يكلمه وكان عبد السلام يرد على اهل الاهواء من المرجئة ، والجهمية ، والزنادقة والقدرية (2) وكلم بشر المرسى غير مرة بين يدي المأمون مع غيره من اهل الكلام ، كل ذلك كان الظفر له ، وكان يعرف بكلام الشيعة ، وناظرته في ذلك لاستخرج ما عنده فلم أره يفرط ، ورأيته يقدم ابا بكر وعمر ويترحم على علي وعثمان ، ولا يذكر اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بالجميل ، وسمعته يقول : هذا مذهبي الذي الله به ، إلا ان ثم احاديث يرويها المثالب ، وسألت اسحاق بن ابراهيم عن تلك الاحاديث وهي احاديث مروية نحو ما جاء في أبى موسى وما روي في معاوية فقال : هذه احاديث قد رويت ، قلت : فتكره كتابتها وروايتها والرواية عمن يرويها . فقال : اما من يرويها عن طريق المعرفة فلا اكره ذلك . واما من يرويها ديانة ويريد عيب القوم بها فلا أرى الرواية عنه (3) . وقال الخطيب : أخبرني عبيدالله بن عمر الواعظ ، ثنا أبي ، واخبرنا عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب ، اخبرنا عمر بن احمد الواعظ ، ثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك قال ، سمعت ابي يقول : سألت يحيى ابن معين عن ابى الصلت الهروي فقال : ثقة صدوق إلا انه يتشيع (4) . وقال الخطيب : اخبرنا الجوهري ، اخبرنا محمد بن العباس ، ثنا محمد ابن القاسم بن جعفر الكوكبي ، ثنا ابراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال :


(1) أبو عبد الرحمان المريسي المتوفى 218 ، 219 ، تاريخ بغداد 7 : 56 . (2) الملل والنحل 1 : 222 ، 113 ، فرق الشيعة ص 67 . (3) في تاريخ بغداد 11 : 48 هكذا : فاني لا أرى الرواية عنه . (4) تاريخ بغداد 11 : 48 . (*)

[ 28 ]

سألت يحيى بن معين (1) عن ابى الصلت الهروي فقال : قد سمع وما أعرفه بالكذب (2) . وقال الخطيب : اخبرنا محمد بن علي المقري ، اخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري ، قال : سمعت ابا العباس محمد بن يعقوب الاصم يقول : سمعت العباس بن محمد الدوري يقول : سمعت يحيى بن معين يوثق ابا الصلت عبد السلام بن صالح فقلت - أو قيل له - : انه حدث عن ابى معاوية بحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فقال : ما تريدون من هذا المسكين أليس قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي عن ابى معاوية هذا أو نحوه (3) . وقال الخطيب : قرأت على البرقاني عن محمد بن العباس قال : حدثنا احمد محمد بن مسعدة ، حدثنا جعفر بن درستويه ، ثنا احمد بن محمد بن القاسم بن محرز قال : سألت يحيى بن معين ، عن ابى الصلت عبد السلام ابن صالح الهروي ، فقال : ليس ممن يكذب ، فقيل له : في حديث ابى معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عباس : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فقال : هو من حديث ابى معاوية (4) . أخبرني ابن نمير قال : حدث به أبو معاوية قديما ثم كف عنه ، وكان أبو الصلت رجلا موسرا يطلب هذه الاحاديث ويكرم المشايخ وكانوا يحدثونه بها . وقال الخطيب ايضا : اخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي


(1) أبو زكريا المري المتوفى 233 ، تاريخ بغداد 14 : 177 ، تهذيب التهذيب 11 : 280 ، تذكرة الحفاظ 2 : 429 . (2) تاريخ بغداد 11 : 48 . (3) تاريخ بغداد 11 : 50 . (4) المصدر السابق 11 : 50 . (*)

[ 29 ]

اخبرنا أبو مسلم بن مهران ، اخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قال : سألت ابا علي صالح بن محمد عن ابى الصلت الهروي ، فقال : رأيت يحيى ابن معين يحسن القول فيه ، ورأيت يحيى بن معين عنده ، وسئل عن هذا الحديث الذي رواه عن ابى معاوية حديث علي : انا مدينة العلم وعلي بابها ، فقال : رواه ايضا الفيدي ، قلت : ما اسمه ؟ قال محمد بن جعفر اه‍ (1) . وقال الحاكم في المستدرك عقب تخريج الحديث : هذا حديث صحيح الاسناد وابو الصلت ثقة مأمون ، فأنى سمعت ابا العباس محمد بن يعقوب (2) في التاريخ يقول : سمعت العباس بن محمد الدوري يقول : سألت يحيى ابن معين عن ابى الصلت الهروي فقال : ثقة ، قلت : أليس قد حدث عن ابى معاوية بحديث : أنا مدينة العلم ؟ فقال : قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي (3) ، وهو ثقة مأمون (4) . وقال الحاكم ايضا : سمعت أبا النضر احمد بن سهل الفقيه القبانى (5) إمام عصره ببخارى يقول : سمعت صالح بن محمد بن حبيب (6) الحافظ ، يقول : وسئل عن ابى الصلت الهروي فقال : دخل يحيى بن معين ونحن


(1) تاريخ بغداد 11 : 50 . (2) المتوفى 284 ، تذكرة الحفاظ 3 : 86 . (3) أبو جعفر الكلبي وقيل : أبو عبد الله المتوفى 236 / 230 تاريخ بغداد 2 : 118 ، تهذيب التهذيب 9 : 95 . (4) المستدرك 3 : 126 . (5) لم اجد له في المعاجم ترجمة . (6) صالح بن محمد بن عمرو بن حبيب الاسدي المتوفى 293 ، تذكرة الحفاظ 2 : 641 ، مرآة الجنان 2 : 222 ، شذرات الذهب 2 : 216 . (*)

[ 30 ]

معه على ابي الصلت فسلم عليه ، فلما خرج تبعته فقلت له : ما تقول رحمك الله : في ابي الصلت فقال : هو صدوق ، فقلت له : انه روى حديث أنا مدينة العلم ، فقال : قد روى هذا ذاك الفيدي عن ابي معاوية عن الاعمش كما رواه أبو الصلت اه‍ (1) . وقال الدار قطني (2) : قال لي دعلج : أنه سمع ابا سعيد الهروي وقيل له : ما تقول في ابى الصلت ؟ قال : نعيم بن الهيصم ثقة ، قال : إنما سألتك عن عبد السلام فقال : نعم ثقة (3) . وقال الاجرى (4) عن ابى داود : كان ضابطا ورأيت ابن معين عنده (5) . وقال الذهبي في الميزان (6) : عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي الرجل الصالح إلا انه شيعي جلد (7) اه‍ . ووثقه عبد الله بن احمد بن حنبل بروايته عنه ، وذلك يدل على أنه ثقة عند أبيه ايضا ، فان عبد الله كان لا يروي إلا عمن يأمره ابوه بالرواية عنه ممن هو عنده ثقة ، كما ذكره الحافظ في غير موضع من كتابه " تعجيل المنفعة " (8) فقال في ترجمة ابراهيم بن الحسن الباهلي :


(1) المستدرك 3 : 127 . (2) علي بن عمر بن احمد البغدادي المتوفى 385 . (3) تاريخ بغداد 11 : 51 . (4) أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الشافعي المتوفى 360 . (5) تاريخ بغداد 11 : 50 . (6) لسان الميزان ط القاهرة 1382 / 1963 . (7) الميزان ج 2 ص 616 . (8) لابن حجر العسقلاني المتوفى 852 ط حيدر اباد سنة 1324 .

[ 31 ]

كان عبد الله بن احمد لا يكتب إلا عمن أذن له ابوه في الكتابة عنه ، وكان لا يأذن له ان يكتب إلا عن اهل السنة حتى كان يمنعه أن يكتب عمن أجاب في المحنة ، ولذلك فاته علي بن الجعد ونظراؤه من المسند اه‍ (1) . وقال في ترجمة ابراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي : كان عبد الله لا يكتب إلا عن ثقة عند أبيه (2) . وقال في ترجمة عبد الله بن صندل عقب قول الحسيني أنه مجهول : كيف يكون مجهولا من روى عنه جماعة ويأذن احمد لابنه في الكتابة عنه ، فان عبد الله كان لا يأخذ إلا عمن يأذن له ابوه في الاخذ عنه (3) . وقال في ترجمة عبد الرحمن بن المعلم عقب قول الحسيني لا يدري من هو : قلت : ما كان عبد الله يكتب إلا عمن يأذن له ابوه في الكتابة عنه ، فهذا القدر يكفي في التعريف به (4) . وقال في ترجمة الليث بن خالد البلخي : كان عبد الله بن احمد لا يكتب إلا عمن أذن له ابوه في الكتابة عنه ولهذا كان معظم شيوخه ثقات (5) . وقال في ترجمة محمد بن تميم النهشلي : حكم شيوخ عبد الله القبول إلا ان يثبت فيه جرح مفسر . لانه كان لا يكتب إلا عمن أذن له ابوه فيه (6) .


(1) تعجيل المنفعة ص 15 ، تذكرة الحفاظ 2 : 685 . (2) المصدر السابق ص 18 . (3) المصدر السابق ص 225 . (4) المصدر السابق ص 258 . (5) المصدر السابق ص 355 . (6) المصدر السابق ص 360 . (*)

[ 32 ]

ونص علي ذلك ايضا في ترجمة محمد بن عبد الله بن جعفر . وفي ترجمة محمد بن يعقوب الزبالي (1) . وقال في " تقريب التهذيب " (2) : عبد السلام بن صالح بن سليمان ابو الصلت الهروي مولى قريش صدوق له مناكير ، وكان يتشيع ، وافرط العقيلي فقال : كذاب اه‍ (3) . وقد نص في خطبة هذا الكتاب (4) : على أنه يحكم على الرجال بأصح ما قيل فيه ، فهؤلاء جماعة من الائمة وثقوه ووصفوه بالصدق والصلاح والضبط ، وهذا أعلى ما يطلب في راوي الصحيح ، وليس في رجال الصحيحين من وصف بأكثر من هذا ، ولا من اتفق على توثيقه إلا القليل ، وقد قال الذهبي في ترجمة مالك بن الخير الزيادي من الميزان : قال ابن القطان : هو ممن لم تثبت عدالته ، يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة (5) . وفي الصحيحين عدد كثير ما علمنا ان احدا نص على توثيقهم والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر أن حديثه صحيح اه‍ . فإذا كان حديث من هذا حاله صحيحا فكيف بعبد السلام بن صالح الذي وثقه جماعة فيهم مثل يحيى بن معين الذي هو أشد الناس تعنتا في الرجال ، والذي يأذن احمد بن حنبل لابنه في الرواية عنه ، وقد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر بل يجب ان يكون حديثه أصح من حديث المذكورين .


(1) تعجيل المنفعة ص 366 . (2) لابن حجر المسقلانى 1 - 2 ط القاهرة 1380 . (3) تقريب التهذيب 1 : 506 . (4) المصدر السابق 1 : 3 . (5) ميزان الاعتدال 3 : 426 . (*)

[ 33 ]

(المسلك الثاني) : انهم قد صححوا لرجال لم يبلغوا رتبة عبد السلام ابن صالح في الضبط والعدالة ، ولم يقاربوه فيما اثنى به عليه أئمة الجرح والتعديل حتى صححوا لرجال مجهولين كما تقدم عن الذهبي في رجال الصحيحين ونسبه إلى الجمهور ، وكما هو شرط كثير ممن صنف في الصحيح كابن خزيمة (1) وابن حبان (2) اللذين تصحيحهما أعلى من تصحيح الحاكم كما نص عليه الحافظ ابن كثير (3) وغيره ، فقد نقل ابن عبد الهادي في (الصارم المنكى) عن ابن حبان أنه قال : ضابط الحديث الذي يحتج به إذا تعرى راويه من ان يكون مجروحا أو فوقه مجروح أو دونه مجروح ، أو كان سنده مرسلا أو منقطعا أو كان المتن منكرا اه‍ . وقال الحافظ في مقدمة اللسان (4) ملك ابن حبان في كتاب " الثقات " (5) : أنه يذكر خلقا ممن نص عليهم أبو حاتم وغيره على انهم مجهولون وكان عند ابن حبان ان جهالة العين ترفع برواية واحد مشهور وهو مذهب شيخه ابن خزيمة ولكن جهالة حاله باقية عند غيره ، وقد أفصح ابن حبان بقاعدته فقال : العدل من لم يعرف فيه الجرح إذ التجريج ضد التعديل فمن لم يجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه إذ لم يكلف الناس ما غاب عنهم اه‍ .


(1) أبو بكر محمد بن اسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري المتوفى بعد 273 . (2) ابن حبان محمد بن حبان البستي المتوفى 354 ، طبقات الشافعية 2 : 141 ، البداية والنهاية 11 : 259 ، اللباب 1 : 273 ، تذكرة الحفاظ 3 : 125 . (3) عماد الدين اسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي المتوفى 774 . (4) لسان الميزان 1 : 14 . (5) كتاب الثقات للحافظ ابن حبان ، تأليف قيم ضخم فخم يوجد مصوره في مكتبة الامام أمير المؤمنين - ع - العامة برقم 2644 - 2646 . (*)

[ 34 ]

وقال الحافظ ايضا في آخر من اسمه ايوب من اللسان : ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : روى عنه مهدي بن ميمون لا أدري من هو ولا ابن من هو ، وهذا القول من ابن حبان يؤيد ما ذهبنا إليه من انه يذكر في كتاب الثقات كل مجهول روى عنه ثقة ولم يجرح ولم يكن الحديث الذي يرويه منكرا هذه قاعدته وقد نبه على ذلك الحافظ صلاح الدين العلائي ، والحافظ شمس الدين بن عبد الهادي وغيرهما (1) . وقال ايضا في ترجمة سيف ابى محمد بعد نقل كلام ابن حبان : وهذا دليل واضح على أنه كان عنده أن حديث المجهولين الذين لم يجرحوا مقبول اه‍ (2) . وقال في ترجمة عبد الله بن أبي سعيد المدني في (تعجيل المنفعة) بعد كلام ما نصه : وتلخص من هذا ان لعبد الله بن ابي سعيد راويين ولم يجرح ولم يأت بمتن منكر فهو على قاعدة ثقات ان حبان اه‍ (3) . وقد سلك الحافظ هذا المسلك في كثير من تصرفاته منها انه قال : في ترجمة عبد الله بن رماجس من اللسان ردا على الذهبي في حديث ما نصه ، فالحديث حسن الاسناد لان راوييه مستوران لم تتحقق اهليتهما ولم يجرحا ولحديثهما شاهد قوي وصرحا بالسماع وما رميا بالتدليس لا سيما تدليس التسوية الذى هو أفحش أنواع التدليس ، إلا في القول الذي حكيناه آنفا عن ابن عبد البر اه‍ (4) . (فان قيل) : هذا مشروط بكونهم لم يجرحوا كما صرحوا به


(1) لسان الميزان 1 : 492 ، الثقات 2 : 100 . (2) المصدر السابق 3 : 134 . (3) تعجيل المنفعة ص 223 . (4) لا توجد ترجمة في اللسان - باسم عبد الله بن رماجس . (*)

[ 35 ]

وليس حال عبد السلام بن صالح كذلك فانه وان كان وثقه جماعة فقد ضعفه آخرون ، فقا زكريا الساجي : يحدث بمناكير هو عندهم ضعيف . وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال أبو حاتم : لم يكن بصدوق هو ضعيف ، وقال ابن عدي : له أحاديث مناكير في فضل اهل البيت وهو المتهم بها ، وقال البرقاني عن الدارقطني : كان رافضيا خبيثا ، وكذا قال العقيلي وزاد في رواية عنه : أنه كذاب لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (1) . (قلنا) : الجواب عنه من وجهين : (الوجه الاول) : ان هذا الجرح باطل مردود على رأي الجمهور والقواعد المقررة عندهم ، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى لانه مبني على أصل فاسد فهو بمنزلة المعدوم . (الوجه الثاني) : انهم صححوا لرجال تكلم فيهم بأشد مما تكلم به في عبد السلام بن صالح ، ورموا بأسوأ مما رمي به من الكذب وسوء العقيدة مما يجب معه ان يكون حديثه أصح من حديثهم ، فقد صححوا لرجال كذابين متهمين بالوضع وفيهم من أقر على نفسه بذلك فصحح البخاري ومسلم لاسماعيل بن ابي اويس (2) . قال إحمد بن ابي يحيى عن ابن معين : يسرق الحديث . وقال ابراهيم بن الجنيد عن ابن معين : يخلط ويكذب ليس بشئ . وقال النسائي ضعيف ، وقال في موضع آخر : غير ثقة ولم يخرج له . وقال ابن معين : روى عن خاله يعني مالكا أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد .


(1) تاريخ بغداد 11 ص 51 . (2) أبو عبد الله المدنى المتوفى 226 . (*)

[ 36 ]

وقال النضر بن سلمة المروزي : كذاب كان يحدث عن مالك به مسائل ابن وهب ، وذكره العقيلى : في الضعفاء . ونقل عن ابن معين انه قال : لا يسوى فلسين . وقال الازدي : حدثنا سيف بن محمد ان ابن ابى أويس : كان يضع الحديث . وقال سلمة بن شبيب : سمعت اسماعيل بن ابي اويس يقول : ربما كنت أضع الحديث لاهل المدينة إذا اختلفوا في شئ فيما بينهم (1) . (وصحح البخاري) لاسيد بن زيد الجمال (2) قال ابن معين : كذاب اتيته ببغداد فسمعته يحدث بأحاديث كذب ، وقال النسائي : متروك ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات المناكير ويسرق الحديث ، وقال ابن عدي : يتبين على روايته الضعف وعامة ما يرويه لا يتابع عليه ، وقال أبو حاتم : يتكلمون فيه ، وقال الدارقطني : ضعيف الحديث ، وقال ابن ماكولا : ضعفوه ، وقال الخطيب : كان غير مرضي في الرواية ، وقال البزاز : حدث بأحاديث لم يتابع عليها وقد احتمل حديثه مع شيعة شديدة فيه ، وقال الساجي : سمعت احمد بن يحيى الصوفي يحدث عنه بمناكير (3) . (وصحح البخاري) للحسن بن مدرك السدوسي . قال فيه أبو داود : كذاب كان يأخذ احاديث فهد بن عوف


(1) ميزان الاعتدال 1 : 222 ، تقريب التهذيب 1 : 71 ، الغدير ط نجف 5 : 192 ، تهذيب التهذيب 1 : 310 . (2) أبو محمد الجمال الكوفى المتوفى قبل 220 ، الجمع بين رجال الصحيحين 1 : 51 . (3) تجد هذه الآ راء في تاريخ بغداد 7 : 47 ، تقريب التهذيب 1 : 77 ميزان الاعتدال 1 : 256 ، الغدير ط نجف 5 : 193 . (*)

[ 37 ]

فيلقيها على يحيى بن حماد (1) . (وصحح البخاري ومسلم) لاحمد بن عيسى بن حسان المصري ، قال أبو داود : كان ابن معين يحلف انه كذاب ، وقال أبو حاتم : تكلم الناس فيه ، وقال سعيد بن عمرو البردعي : انكر أبو زرعة على مسلم روايته عنه في الصحيح ، وقال : ما رأيت أهل يشكون في انه - وأشار إلى لسانه - يعني انه يكذب (2) . وصحح البخاري للحسن بن ذكوان ، قال ابن معين : صاحب الاوابد مسكر الحديث ، وقال احمد بن حنبل : أحاديثه اباطيل وضعفه ابو حاتم والنسائي وابن المديني والساجي وآخرون (3) . (وصحح ايضا) لنعيم بن حماد قال الدولابى : كان يضع الحديث ، وقال الازدي : قالوا كان يضع الحديث في تقوية السنة ، وحكم ابن الجوزي بوضع احاديث كثيرة أعلها بنعيم ويكاد يجزم من يعتبر حديثه بذلك لكثرة ما فيه من المناكير . وقد قال الحافظ السيوطي : في ذيل الموضوعات أتعبنا نعيم بن حماد من كثرة ما يأتي بهذه الطامات (4) . وصحح ايضا لعكرمة مولى ابن عباس وقد كذبه جماعة من الائمة وبينوا أدلة ذلك ، بل نقل عنه الاعتراف الكذب في مسألة أو مسألتين هذا مع البدعة الشديدة التي كانت فيه (5) .


(1) ميزان الاعتدال 1 : 522 ، تهذيب التهذيب 2 : 321 . (2) تاريخ بغداد 4 : 273 . (3) ميزان الاعتدال 1 : 489 ، تقريب التهذيب 1 : 166 . (4) الغدير 5 : 232 . (5) عكرمة بن عبد الله البربري المتوفي 107 ، تهذيب التهذيب 7 : 263 . (*)

[ 38 ]

(وصحح مسلم) لافلح بن سعيد اتهمه ابن حبان بالوضع بل بوضع الحديث الذي اخرجه مسلم عنه (1) . (وصحح) ايضا لقطن بن نسير قال ابن عدي : يسرق الاحاديث واتهمه أبو زرعة والقواريري وابن عدي بوضع حديث (2) . (وصحح البخاري) لحريز بن عثمان وقد وصل في البدعة إلى حد مفسق بالاجماع أو مكفر على رأي البعض (3) . وكذلك (صحح) لعمران بن حطان وهو مثله (4) . (وصحح مالك ومسلم) لعبد الكريم بن ابى المخارق وهو مجمع على ضعفه كما قال ابن عبد البر وغيره ، وصحح الامام الشافعي لابراهيم ابن ابى يحيى قال فيه مالك : لم يكن بثقة في دينه ولا في حديثه ، وقال يحيى بن معين : سمعت القطان يقول : انه كذاب ، وقال احمد : تركوا حديثه قدري معتزلي يروى احاديث ليس لها اصل ، وقال البخاري : تركه ابن المبارك والناس ، وقال عباس عن ابن معين : كذاب رافضي ، وقال ابن المديني : كذاب ، وكان يقول بالقدر ، وقال النسائي والدارقطني وجماعة : متروك ، واطلق النسائي انه كان يضع الحديث ، وقال ابراهيم بن سعد : كنا نسميه ونحن نطلب الحديث خرافة ، وقال محمد بن سحنون : لا اعلم بين الائمة اختلافا في ابطال الحجة به ، ومع هذا كله


(1) تقريب التهذيب 1 : 82 ، تهذيب التهذيب 1 : 367 . (2) تقريب التهذيب 2 : 126 ، الكامل 3 : 9 . (3) مات سنة 63 ، تقريب التهذيب 1 : 159 . (4) تقريب التهذيب 2 : 82 وقال : انه كان على مذهب الخوارج ، تهذيب التهذيب 8 : 127 ، شذرات الذهب 1 : 95 . (*)

[ 39 ]

قال الحافظ في التلخيص كم من اصل اصله الشافعي لا يوجد إلا من رواية ابراهيم اه‍ (1) . فأين ما قيل في عبد السلام بن صالح مما قيل في هؤلاء فان جرحه لا يذكر بالنسبة لجرحهم ومع ذلك حكموا بصحة احاديثهم ، وذلك يوجب ان يكون حديثه أصح وأرفع بدرجات من أحاديثهم . (فان قيل) : إنما صحح هؤلاء الائمة للمجروحين لعدم ثبوت الجرح عندهم ولكونهم ثقات في نظرهم . (قلنا) : وكذلك عبد السلام بن صالح إنما صحح له ابن معين والحاكم والسمرقندي ، لعدم ثبوت الجرح عندهم ولكونه ثقة في نظرهم ، على ان الواقع في اكثر رجال الصحيحين ليس كذلك ، لان منهم من كان جرحه ذائعا مشهورا لا يخفى على مثل البخاري ومسلم ، وقد اعترض ابو زرعة على مسلم في إخراجه لاناس ضعفاء فأقر واعترف بذلك واعتذر انه خرج عنهم لعلو إسنادهم . (فان قيل) : فهذا دليل على أنهم ما صححوا لهؤلاء المجروحين إلا ما توبعوا عليه كما صرح به مسلم وكما اجابوا به عن كثير من احاديث البخاري ومالك والشافعي وغيرهم . (قلنا) : وكذلك عبد السلام بن صالح قد توبع على هذا الحديث بأكثر عددا مما توبع عليه كثير من رجال تلك الاحاديث كما ستراه في المسلك الذي بعده . . (المسلك الثالث) : ان الراوي وإن كان متكلما فيه فحديثه يقوى ويصحح بالمتابعات وانما يعدون في منكراته ما تفرد به ، وعبد السلام بن صالح


(1) تهذيب التهذيب 6 : 376 ، وقد توفي عام 126 / 127 . تاريخ البخاري 3 ق 2 : 89 . (*)

[ 40 ]

لم ينفرد بهذا الحديث بل تابعه عليه جماعة منهم : محمد بن جعفر الفيدي (1) وجعفر بن محمد الفقيه (2) ، وعمر بن اسماعيل بن مجالد (3) ، واحمد بن سلمة الجرجاني (4) ، وابراهيم بن موسى الرازي (5) ، ورجاء بن سلمة (6) وموسى بن محمد الانصاري (7) ، ومحمود بن خداش (8) والحسن بن علي بن راشد (9) ، وابو عبيد القاسم بن سلام (10) . أما متابعة محمد بن جعفر : فذكرها يحيى بن معين كما تقدم واخرجها الحاكم في مستدركه قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن احمد بن تميم القنطري ثنا الحسين بن فهد ، ثنا محمد بن يحيى بن الضريس ، ثنا محمد بن جعفر الفيدي ، ثنا أبو معاوية ، عن الاعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأت الباب . قال الحسين بن فهم : حدثناه أبو الصلت الهروي عن ابي معاوية ،


(2 1) مرت الاشارة اليهما . (3) تهذيب التهذيب 7 : 427 ، ميزان الاعتدال 3 : 182 . (*) (4) لسان الميزان 1 : 179 . (5) تهذيب التهذيب 1 : 170 . (6) تهذيب التهذيب 3 : 267 ، تاريخ البخاري 2 ق 1 : 286 ، ابن عساكر 5 : 315 وفيه ان وفاته 161 . (7) تهذيب التهذيب 10 : 368 . (8) تهذيب التهذيب 10 : 62 ، تاريخ بغداد 13 : 90 . (9) تهذيب التهذيب 2 : 295 ، ميزان الاعتدال 1 : 506 . (10) تقريب التهذيب 2 : 117 ، تاريخ بغداد 12 : 403 ، تذكرة الحفاظ 2 : 417 ، شذرات الذهب 2 : 54 . (*)

[ 41 ]

قال الحاكم : ليعلم المستفيد لهذا العلم ان الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقة مأمون حافظ اه‍ (1) . قلت : ومحمد بن جعفر وثقه يحيى بن معين ، فهذه المتابعة بمفردها على شرط الصحيح . وأما متابعة جعفر بن محمد الفقيه : فأخرجها الخطيب في ترجمته من التاريخ فقال : أخبرنا الحسين بن علي الصيمري ، ثنا احمد بن محمد ابن علي الصيرفي ، ثنا ابراهيم بن احمد بن ابي حصين ، ثنا محمد بن عبد الله أبو جعفر الحضرمي ، ثنا جعفر بن محمد البغدادي أبو محمد الفقيه ، ثنا أبو معاوية ، عن الاعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب (2) . قلت : جعفر بن محمد ذكره الذهبي في الميزان وقال : فيه جهالة (3) ، وهذه الصيغة يستعملها فيمن يجهله من قبل نفسه ، كما ذكره في خطبة الميزان ، فلو سلمنا له جهالته فان جعفر المذكور قد روى عن ثقة ولم يجرحه احد ، ولم يأت بما ينكر فحديثه صحيح على رأي الجمهور ، كما صرح به الذهبي فيما حكيناه عنه آنفا . وأما متابعة عمر بن اسماعيل : فأخرجها الخطيب في ترجمته من التاريخ فقال : اخبرنا علي بن ابي علي المعدل وعبيدالله بن محمد بن عبيد الله النجار قالا : حدثنا محمد المظفر ، ثنا احمد بن عبيد الله بن سابور ، ثنا عمر بن اسماعيل بن مجالد ، ثنا أبو معاوية الضرير ، عن الاعمش ، عن مجاهد


(1) المستدرك 3 : 127 . (2) تاريخ بغداد 7 : 172 . (3) ميزان الاعتدال 1 : 415 . (*)

[ 42 ]

عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا مدينة الحكمة وعلي بابها فمن اراد الحكمة فليأت الباب (1) . وأخرجها العقيلي في ترجمته ايضا قال : ثنا محمد بن هشام ، ثنا عمر ابن اسماعيل به . (قلت) : عمر بن إسماعيل إحتج به الترمذي ، وأنكر بعضهم ان يكون سمع هذا الحديث من ابى معاوية ، وقد سأل عبد الله بن احمد بن حنبل أباه عن ذلك ، فقال : ما أراه إلا صدق (2) . وأما متابعة احمد بن سلمة : فأخرجها ابن عدي في ترجمته من الكامل (3) قال : حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن موسى ، ، ثنا احمد بن سلمة أبو عمر والجرجاني ، ثنا أبو معاوية ، عن الاعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها (4) . وأما متابعة ابراهيم بن موسى الرازي : فأخرجها ابن جرير في تهذيب الآثار قال : حدثنا ابراهيم بن موسى الرازي وليس بالفراء ، ثنا أبو معاوية عن الاعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس به . وقال ابن جرير : هذا الشيخ لا أعرفه ولا سمعت منه غير هذا الحديث . قلت : وهذه المتابعة ايضا صحيحة أو حسنة على شرط ابن حبان


(1) تاريخ بغداد 11 : 204 . (2) تهذيب التهذيب 7 : 428 . (3) الكامل لابن عدي ، كتاب كبير توجد مصورته في مكتبة الامام أمير المؤمنين - ع - في النجف الاشرف . (4) لسان الميزان 1 : 180 ، الكامل 1 : ورقة 62 . (*)

[ 43 ]

وموافقيه كما سبق ، لان ابراهيم روى عن ثقة وروى عنه ثقة ولم يجرح ولم يأت بما ينكر . وأما متابعة رجاء بن سلمة : فأخرجها الخطيب في ترجمة احمد بن فاذويه بن عزرة ابي بكر الطحان من التاريخ فقال : اخبرنا احمد بن محمد العتيقي ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله الشاهد ، ثنا أبو بكر احمد بن فاذويه بن عزرة الطحان ، ثنا أبو عبد الله احمد بن محمد بن يزيد ابن سليم ، حدثني رجاء بن سلمة ، ثنا أبو معاوية الضرير ، عن الاعمش عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا مدينه العلم وعلي بابها فمن اراد العلم فليأت الباب (1) . وأما متابعة موسى بن محمد الانصاري : فأخرجها خيثمة بن سليمان (2) في الفضائل قال : حدثنا ابن عوف ، ثنا محفوظ بن بحر ، ثنا موسى ابن محمد الانصاري الكوفي ، عن ابي معاوية ، عن الاعمش ، عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا مدينة الحكمة وعلي بابها (3) . وأما متابعة محمود بن خداش : فأخرجها ابن عدي في الكامل حدثنا الحسن بن عثمان ، ثنا محمود بن خداش ، ثنا أبو معاوية به ومحمود ابن خداش ثقة صدوق لكن الراوي عنه اتهمه ابن عدي (4) .


(1) تاريخ بغداد 4 : 348 . (2) الطرابلسي أبو الحسن المتوفى 343 ، لسان الميزان 2 : 411 ، ابن عساكر 5 : 184 ، تذكرة الحفاظ 3 : 71 ، كشف الظنون 1385 ، فهرس مخطوطات الظاهرية 169 . (3) الغدير 3 : 91 ط نجف . (4) الكامل 1 : ورقة 265 . (*)

[ 44 ]

وأما متابعة الحسن بن عدي ايضا قال : حدثنا أبو سعيد العدوى ثنا الحسن بن علي بن راشد ، ثنا أبو معاوية به قلت : والحسن بن علي ايضا صدوق احتج به أبو داود ولكن الراوي عنه متهم (1) . وأما متابعة ابي عبيد : فأخرجها ابن حبان في ترجمة اسماعيل بن محمد بن يوسف ابي هارون الجبريني من الضعفاء فقال ، حدثنا الحسين ابن اسحاق الاصبهاني ، ثنا اسماعيل بن محمد بن يوسف ، ثنا أبو عبيد القاسم ابن سلام ، عن ابى معاوية ، عن الاعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الدار فليأتها من قبل بابها (2) . (متابعات اخرى) : قد تقدم عن ابن نمير ويحيى بن معين واسحاق بن راهويه فيما أسنده عنهم الخطيب ان هذا الحديث ثابت معروف من حديث ابى معاوية مما دل على انه ثابت عنه بطريق الشهرة والاستفاضة (3) . متابعة اخرى قاصرة من غير طريق ابى معاوية : قال ابن عدي في ترجمة سعيد بن عقبة أبى الفتح من الكامل : حدثنا احمد بن حفص السعدي ، ثنا سعيد بن عقبة البوالفتح الكوفي ، عن الاعمش ، عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وقال : ابن عدي سعيد بن عقبة مجهول (4) . (متابعة اخرى) عن الاعمش : قال ابن عدي في ترجمة عثمان بن


(1) الكامل 1 : ورقة 264 . (2) تاريخ بغداد 12 : 403 - 415 . (3) مصادر حديث - انا مدينة العلم وعلى بابها - الغدير 54 6 - 69 ط نجف . (4) الكامل ج 2 ورقة 54 سطر 13 . (*)

[ 45 ]

عبد الله الاموي الشامي من الكامل ايضا : أنبأنا ابن زاطيا ، حدثنا عثمان بن عبد الله الاموي ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن الاعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها (1) ، فهذه متابعات لا يوجد مثلها لكثير من الاحاديث التي صححوها بالمتابعات ، وقد صحح التاج السبكي في أول الطبقات (2) حديث كل امر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع ، وهو من رواية قرة عن الزهري ، وقرة قال ابن معين : ضعيف ، وقال احمد : منكر الحديث جدا ، وقال أبو زرعة : الاحاديث التي يرويها مناكير ، وقال أبو حاتم والنسائي : ليس بقوي ، وقال أبو داود : في حديثه نكارة ذكر السبكي هذا الجرح كله ثم قال : ومع هذا فهو عندي من أثبت احاديثه عن الزهري لانه توبع عليه ، وذكر وجوها اخرى لا تقاوم الوجوه التي غضضنا بها نحن حديث الباب وبالله التوفيق . (المسلك الرابع) : ان الراوي لو لم يكن له متابعون فان حديثه يصحح أيضا بالشواهد المعنوية كما هو مقرر في علم الحديث ، وكما اثبتوا به صحة أحاديث في الصحيحين والموطأ ومسند احمد وغيرها ، وقد صحح ابن عبد البر وابن سيد الناس حديث عبد الكريم بن أبى المخارق المجمع على ضعفه وجود الشواهد المعنوية لحديثه (3) . وقال البيهقي في " شعب الايمان " (4) في الكلام على حديث العباس


(1) الكامل 2 ورقة 259 . (2) طبقات الشافعية 1 : 4 - 13 . (3) تهذيب التهذيب 6 : 376 ، ميزان الاعتدال 2 : 646 . (4) توجد نسخة في مكتبات سوريا وتركيا ، ومكتبة الامام أمير المؤمنين " ع " مصورة منه . (*)

[ 46 ]

ابن مرداس : هذا الحديث له شواهد كثيرة وقد ذكرناها في كتاب البعث فان صح لشواهده فقيه الحجة ، وإن لم يصح فقد قال الله تعالى : " ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " (1) . وقال الحافظ في التلخيص في الكلام عن حديث من احتكر طعاما اربعين ليلة فقد برئ من الله ، ردا على ابن الجوزي في ذكره إياه في الموضوعات بعد كلام ما نصه : ثم ان له شواهد تدل علي صحته اه‍ (2) . وقال النووي في الكلام على حديث : لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك ، قال لعلي خرجه الترمذي وحسنه ، وإنما حسنه الترمذي لشواهده اه‍ (3) . قلت : والترمذي يعتمد على الشواهد في اكثر الاحاديث التي يحكم بصحتها وحسنها في سننه ، فانه يورد الحديث في سنده من تكلم فيه ثم يصححه أو يحسنه مع ذلك ويقول بعده ، وفي الباب عن فلان وفلان يشير بذلك إلى ان الحديث وإن كان في سنده مقال فانه يصحح بشواهده التي سمي رواتها من الصحابة وهو في الاكثر الاغلب يذكر اسم من روى معنى حديث الباب لا لفظه كما نص عليه الحفاظ وكما يعلم من استقراء تصرفه . وقال الذهبي في ترجمة حرام بن حكيم من الميزان وثقه دحيم وضعفه ابن حزم ثم أورد له حديثا ونقل عن عبد الحق انه قال : لا يصح هذا ثم تعقبه بقوله : وعليه مؤاخذة في ذلك فانه يقبل رواية المستور وحرام فقد وثق وحدث عنه زيد بن واقد وعبد الله بن العلاء روى ايضا عن


(1) سورة البقرة 284 . (2) تلخيص المستدرك 2 : 11 - 12 . (3) الجامع 2 : 214 ، الغدير 3 : 185 ط نجف . (*)

[ 47 ]

ابي هريرة فحديثه مع غرابته يقتضي ان يكون حسنا اه‍ (1) . ولما نقل في ترجمة أفلح بن سعيد عن ابن حبان انه قال في حديثه : انه باطل تعقبه بقوله : بل حديث أفلح صحيح غريب وحديث ابى هريرة شاهد لمعناه اه‍ (2) . والاحاديث التي صححوها بهذه الطريق كثيرة جدا يطول تتبعها ، وحديث الباب له ايضا شواهد كثيرة تشهد بصحة معناه (منها حديث) ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : علي عتبة علمي ، أخرجه ابن عدي (3) . وحديث أبى ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : علي باب علمي ومبين لامتي ما ارسلت به من بعدي (4) . أخرجه الديلمي في " الفردوس " (5) قال : أنبأنا أبى ، أنا الميداني ، أنا أبو محمد الحلاج ، أنا أبو الفضل محمد بن عبد الله . ثنا احمد بن عبيد الثقفي ، ثنا محمد بن علي بن خلف العطار ، ثنا موسى بن جعفر بن ابراهيم بن محمد ، ثنا عبدالمهيمن بن العباس عن ابيه ، عن جده سهل بن سعد ، عن ابى ذر به .


(1) ميزان الاعتدال 1 : 467 . (2) ميزان الاعتدال 1 : 274 . (3) الغدير 3 : 90 . (4) كنز العمال 6 : 156 . (5) كتاب قيم أسند كتاب الفردوس لابيه الحافظ توجد منه نسخ نفيسة عتيقة في مكتباب الهند وسوريا وتركيا ومنه مصورة في مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه السلام العامة . (*)

[ 48 ]

وأخرجه الحاكم في " المستدرك " (1) من حديث أنس بن مالك إلا انه اقتصر على شطره الثاني . وحديث زيد بن ابى أوفى قال : لما آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين اصحابه قال علي : لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي وانت مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي ، قال : وما أرث منك يا رسول الله ؟ قال : ما ورث الانبياء من قبلى ، قال : وما ورث الانبياء من قبلك ؟ قال : كتاب ربهم وسنة نبيهم . . الحديث . أخرجه الامام احمد في كتابه المناقب (2) . وأخرجه البغوي في معجمه قال : ثنا علي بن محمد الجوزجاني ، ثنا قصر بن علي الجهضمي ، أنا عبد المؤمن بن عباد العبدي ، ثنا يزيد بن معن ، عن عبيد الله بن شراحيل ، عن رجل من قريش ، عن زيد بن ابى اوفى به ، واخرجه من وجه آخر فقال : عن ابن شراحيل ، عن زيد بن ابي اوفى . وحديث علي قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وآله الف باب كل باب بفتح الف باب . أخرجه أبو نعيم ، واخرجه اسماعيلي في معجمه من حديث ابن عباس واسناده على شرط الحسن لولا ما فيه


(1) راجع مستدرك الحاكم مناقب الامام أمير المؤمنين - ع - في الجزء الثالث . (2) كتاب المناقب للامام احمد بن حنبل رواية ابن مالك ، توجد مصورته في مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه السلام ، وعليك بالرياض النضرة 2 : 209 ، والغدير 3 : 107 . (*)

[ 49 ]

من الاضطراب (1) . وحديث علي أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي ان الله أمرني ان أدنيك واعلمك لتعي وأنزلت هذه الآية : وتعبها اذن واعية (2) ، فأنت اذن واعية لعلمي . أخرجه أبو نعيم في الحلية (3) ، وأخرجه ابن ابى حاتم في التفسير من وجه آخر عن ابى مرة الاسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي : اني أمرت ان ادنيك ولا أقصيك وان اعلمك وان تعي وحق لك ان تعي ، قال : فنزلت هذه الآية : وتعيها اذن واعية . ومن هذا الوجه أخرجه ابن جرير ، وأخرجه ايضا من وجه آخر عن بريدة ، ومن وجه آخر عن مكحول مرسلا قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سألت الله ان يجعلها اذنك يا علي . وهكذا أخرجه ابن ابى حاتم ، وابن مردويه ، وأخرجه الثعلبي من وجه آخر عن عبد الله بن حسن ، وحديث ابن عباس قال : كنا نتحدث ان النبي صلى الله عليه وآله عهد إلى علي سبعين عهدا لم يعهدها إلى غيره . اخرجه الطبراني في المعجم الصغير (4) . ثنا محمد بن سهل ب‍ الصباح ، ثنا احمد بن الفرات الرازي ، ثنا سهل بن عبدويه ، ثنا عمرو بن ابى قيس ، عن مطرف بن طريف ، عن


(1) تاريخ ابن عساكر 38 : 13 مخطوطة مكتبة الامام أمير المؤمنين - ع - برقم 38 / 115 . (2) سورة الحافة : 12 . (3) حلية الاولياء 1 : 67 . (4) المعجم الصغير للحافظ الطبراني طبع في الهند ، وأخرجه الحافظ أبو نعيم في حلية الاولياء 1 : 68 ، وآخرون كما في الغدير 3 : 90 . (*)

[ 50 ]

المنهال بن عمرو ، عن التميمي ، عن ابن عباس به . واخرجه أبو نعيم في الحلية قال : حدثنا الطبراني به ، قلت : التميمي هو المفسر واسمه أربدة ذكره الذهبي في الميزان ولم يذكر فيه جرحا سوى روايته لهذا الحديث ومع ذلك فلم يتهمه به بل قال : تفرد به احمد بن الفرات عن السندي وهو منكر الحديث اه‍ (1) . وهذا باطل مردود على الذهبي فان اربدة قال : العجلي تابعي كوفي ثقة (2) ، وذكره ابن حبان في الثقات ، واما محمد بن الفرات فان الذهبي نفسه وصفه بأنه حافظ ثقة وقال : ان ابن عدي ذكره في الكامل فأساء فانه ما أبدى شيئا غير ان ابن عقدة روى عن ابن خراش وفيهما رفض وبدعة قال : ان ابن الفرات يكذب عمدا ، وقال ابن عدي : لا أعرف له رواية منكرة قال الذهبي : فبطل قول ابن خراش اه‍ (3) . قلت : وإذا بطل قول ابن خراش وقال عنه الذهبي : انه حافظ ثقة فكيف يقول فيه بعد ذلك بورقات : انه منكر الحديث ، وإذا اراد بهذا السندي على احتمال بعيد فانه لم يسبق إلى ذلك ولم يذكره هو في الضعفاء ، وقد وثقه أبو عوانة فاحتج به في صحيحه ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال أبو الوليد الطيالسي : لم أر بالري أعلم بالحديث منه (4) وهذه عندهم عبارة توثيق ، ولكن الذهبي إذا رأي حديثا في فضل على عليه السلام بادر إلى انكاره بحق وبباطل حتى كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه سامحه الله ، وحديث علي انه سئل عن نفسه فقال : اني كنت * (هامش) (1) ميزان الاعتدال 1 : 170 . (2) ميزان الاعتدال 1 : 127 . (3) تهذيب التهذيب 1 : 197 ، ميزان الاعتدال 1 : 128 . (4) تهذيب التهذيب 1 : 66 ، تذكرة الحفاظ 2 : 544 . (*)


[ 51 ]

إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وآله انبأني ، وإذا سكت ابتدأ في اخرجه ابن ابي شيبة والترمذي والحاكم وابو نعيم في الحلية (1) والضياء في المخنارة (2) ، وحسنه الترمذي وصححه الحاكم (3) والضياء ، ورواه ابن سعد من حديث محمد بن عمر بن علي بن ابى طالب انه قيل لعلي : ما لك أكثر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله حديثا فقال : وذكره . وحديث ابى اسحاق قال : سألت قثم بن العباس كيف ورث علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دونكم ؟ قال : لانه كان اولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا ، اخرجه الحاكم وصححه (4) ثم قال : سمعت قاضي القضاة ابا الحسن محمد بن صالح الهاشمي يقول : سمعت ابا عمر القاضي يقول : سمعت ابن اسحاق القاضى يقول وذكر له قول قثم هذا فقال : انما يرث الوارث بالنسب أو بالولاء ولا خلاف بين اهل العلم ان ابن العم لا يرث مع العم فقد ظهر بهذا الاجماع ان عليا ورث العلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دونهم (5) ، ثم اسند الحاكم عن ابن عباس قال : كان علي يقول : في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله يقول : " أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم " (6) والله لا ننقلب على اعقابنا بعد إذا هدانا الله ولئن مات أو قتل لاقاتلن عليه حتى اموت ، والله اني لاخوه ووليه وابن


(1) حلية الاولياء 1 : 68 . (2) المختارة للحافظ الضياء المقدسي : أحسن مسند في السنة الشريفة ، توجد مصورتها في مكتبة الامام امير المؤمنين عليه السلام . (3) المستدرك 3 : 125 وفيه : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين . (4) المستدرك 3 : 125 . (5) المصدر السابق 3 : : 126 . (6) سورة آل عمران 144 . (*)

[ 52 ]

عمه ووارث علمه فمن احق به مني (1) . وحديث علي عليه السلام قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليستعملني على اليمن فقلت : يا رسول الله اني شاب حديث السن ولا علم لي بالقضاء ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله في صدري مرتين أو ثلاثا وهو يقول : اللهم اهد قلبه وثبت لسانه ، فكأنما كل علم عندي وحشى قلبي علما وفقها ، فما شككت في قضاء بين اثنين . أخرجه الخطيب في ترجمة القاسم بن جعفر الحجازي من التاريخ (2) ، واصل الحديث معروف مخرج في الاصول بدون هذه اللفظة ، إلى غير هذا من الاحاديث المصرحة بمزيد اعتناء النبي صلى الله عليه وآله بتعليم علي وتخصيصه إياه منه بما لم يخص به غيره والدعاء له بذلك ، والاخبار بأنه وارث علمه صلى الله عليه وآله وغير ذلك مما يدل على انه عليه السلام باب علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وان الحديث صحيح (3) . (المسلك) الخامس) : ان الحديث له مخرجان آخران مباينان لمخرج حديث ابن عباس قد حكم لكل واحد منهما على انفراده بأنه صحيح أيضا ، وقد تقرر ان من تمام صحة الحديث تعدد مخارجه وتبايها ، اما المخرج الاول فمن حديث علي بن ابي طالب عليه السلام . كتب إلى الطيب بن محمد قال : أنبأنا محمد بن علي الشلفي ، أنا محمد بن سالم الفشني ، انا احمد بن عبد الكريم الخالدي ، انا محمد بن عبد الباقي الزرقاني ، انا محمد بن العلاء ، انا حجازي الواعظ ، أنا عبد الوهاب ابن احمد الشعراني ، انا زكريا ، انا احمد بن علي الحافظ ، انا أبو علي


(1) المستدرك 3 : 126 . (2) تاريخ بغداد 12 : 444 . (3) رأي النبي الاعظم - ص - في علم امير المؤمنين - ع - الغدير 3 : 89 . (*)

[ 53 ]

الفاضلي اذنا مشافهة أنا احمد بن ابى طالب ، انا جعفر بن علي . انا محمد بن عبد الرحمن الحضرمي ، انا عبد الرحمن بن محمد بن عتاب ، حدثنا ابى ، ثنا أبو المطرف عبد الرحمن بن مروان القنازعي ، ثنا احمد بن عمرو الجريري ، ثنا محمد بن جرير ، ثنا اسماعيل بن موسى ، ثنا محمد بن عمر الرومي ، ثنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن سويد بن غفلة ، عن الصنايجي عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا دار الحكمة وعلي بابها ، أخرجه الترمذي في سننه عن موسى بن اسماعيل به (1) . وقال ابن جرير : هذا خبر عندنا صحيح سنده ، وقد يكون على مذهب آخرين سقيما غير صحيح لعلتين : احدهما انه خبر لا يعرف له مخرج عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله إلا من هذا الوجه ، والآخر ان سلمة بن كهيل عندهم ممن لا يثبت بنقله حجة قال : وقد وافق عليا في رواية هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله غيره ، ثم أسنده عن ابن عباس . (قلت) : أصاب ابن جرير رحمه الله في تصحيح هذا الحديث ولم يصب فيما ذكر انه قد يكون علة فيه عنده غيره لانه جعل إحدى العلتين كونه لم يرو عن علي عليه السلام إلا من هذا الوجه ، وليس كذلك بل روى عنه من اربعة اوجه اخرى . (الوجه الاول) : من رواية الحارث وعاصم بن ضمرة كلاهما عن علي ، أخرجه الخطيب في تلخيص المتشابه (2) قال : انبأنا علي بن


(1) جامع الصحيح 2 : 214 ، الغدير 6 : 71 بطرق مختلفة . (2) مخطوط في مكتبة دار الكتب المصرية برقم 31 كما في فهرس المخطوطات ص 183 . (*)

[ 54 ]

علي ، ثنا محمد بن المظفر الحافظ ، ثنا محمد بن الحسين الخثعمي ، ثنا عباد ابن يعقوب ثنا يحيى بن بشار الكندي ، عن إسماعيل بن ابراهيم الهمداني عن ابي اسحاق ، عن الحارث ، عن علي . وعن عاصم بن ضمرة ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ، قال الخطيب : يحيى بن بشار وشيخه اسماعيل مجهولان . قلت : المجهول إذا روى عنه ثقة ولم يأت مما ينكر فحديثه صحيح مقبول على رأي جماعة من الحفاظ . (الوجه الثاني) : من رواية ابنه الحسين عليه السلام ، أخرجه ابن النجار في تاريخه (1) قال : حدثتنا رقية بنت معمر بن عبد الواحد (2) انبأتنا فاطمة بنت محمد بن ابي سعد البغدادي (3) ، انبأنا سعيد بن احمد النيسابوري (4) ، انبأنا علي بن الحسن بن بندار بن المثنى ، (5) ، انبأنا علي بن محمد بن مهرويه (6) ، حدثنا داود بن سليمان الغازي (7) حدثنا علي بن موسى الرضى (8) ، عن عباية ، (9) عن علي به .


(1) كشف الظنون 1 : 288 الحافظ محمد بن محمود بن النجار البغدادي المتوفى 643 . (2) لم اجد لها ترجمة في المعاجم . (3) اعلام النساء 4 : 101 محدثة ذات دين وصلاح وسند . (4) المتوفى 457 لسان الميزان 3 : 23 ، 30 . (5) المتوفى حدود 380 لسان الميزان 4 : 217 . (6) أبو الحسن القزويني كان حيا 323 تاريخ بغداد 12 : 69 . (7) لسان الميزان 2 : 417 . (8) الامام الثامن - ع - من الائمة الاثنا عشر . (9) عباية بن ربعي ، جامع الرواة 1 : 435 ، ميزان الاعتدال 2 : 387 . (*)

[ 55 ]

(الوجه الثالث) : من رواية الاصبغ بن نباته ، ذكره أبو نعيم في الحلية ، واخرجه أبو الحسن علي بن عمر الحربى في اماليه (1) قال : حدثنا اسحاق بن مروان ، حدثنا ابي ، ثنا عامر بن كثير السراج ، عن ابى خالد ، عن سعد بن ظريف ، عن الاصبغ بن نباته ، عن علي بن ابى طالب ، قال : قال رسول اله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وأنت بابها يا علي كذب من زعم انه يدخلها من غير بابها (2) . (الوجه الرابع) من رواية الشعبي ، اخرجه ابن مردويه في المناقب من طريق الحسن بن محمد ، عن جرير ، عن محمد بن قيس ، عن الشعبي ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها . وأما العله الثانية وهي كون سلمة بن كهيل لا تقوم به حجة عندهم : فمدفوعة ايضا ، بأن سلمة بن كهيل ليس عندهم كذلك بل احتج به البخاري ومسلم والاربعة وغيرهم من اصحاب الصحاح ، ووثقه ابن معين والعجلي وابن سعد وابو زرعة وابو حاتم ويعقوب بن شيبة واحمد وسفيان والنسائي وآخرون (3) ، وانما توهم ابن جرير عدم إحتجاجهم به من ذلك الاصل الباطل في رد حديث الشيعي ، خصوصا إذا روى فضل علي عليه السلام ، لان سلمة بن كهيل كان كذلك وهو أصل باطل بالاجماع كما ستعرفه ، فهذا الحديث بمفرده ايضا على شرط الصحيح كما حكم به ابن جرير فان رجاله كلهم موثقون ، أما شريك ومن فوقه فكلهم ثقات من رجال الصحيح ، وأما محمد بن عمر الرومي فروى عنه


(1) امالي ابي الحسن الحربي ، توجد مصورته في مكتبة الامام أمير المؤمنين " ع " . (2) الغدير 3 : 71 . (3) تهذيب التهذيب 4 : 155 . (*)

[ 56 ]

البخاري خارج الصحيح ، وقال أبو حاتم : صدوق ، رذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : أبو زرعة شيخ فيه لين ، روى حديثا منكرا عن شريك (1) فهذا اقصى ما قيل فيه ، وقد عرفت ان من هذا حاله لا ينزل عن درجة الصحيح ، خصوصا ولم ينفرد بهذا الحديث بل تابعه عليه عبد الحميد بن بحر اخرج متابعته أبو نعيم في الحلية قال : حدثنا أبو احمد محمد بن احمد الجرجاني ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا عبد الحميد بن بحر ثنا شريك ، ثنا سلمة بن كهيل بن إلا انه قال عن الصنايجي ولم يذكر سويد بن غفلة (2) ، واما اسماعيل بن موسى الفزاري فقال أبو حاتم : صدوق ، وكذا قال مطين . وقال النسائي : ليس به بأس ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال ابو داود : صدوق في الحديث إلا انه يتشيع ، وقال ابن عدي : إنما انكروا عليه الغلو في التشيع (3) . قلت : ومع هذا فلم ينفرد به ايضا بل تابعه الحسن بن سفيان وابراهيم بن عبد الله البصري ، أما متابعة الحسن بن سفيان فأخرجها أبو نعيم في الحلية كما سبق ، واما متابعة ابراهيم فأخرجها ابن بطة قال : حدثنا ابو علي محمد بن احمد الصواف ، ثنا أبو مسلم ابراهيم بن عبد الله البصري ثنا محمد بن عمر الرومي ، ثنا شريك به ، فإذا ضم إلى هذه الطريق التي هي صحيحة تلك الطرق الاربعة من رواية الشعبي والحسن والاصبغ والحارث كان حديث علي عليه السلام بمفرده صحيحا جزما فكيف بانضمامه إلى حديث ابن عباس الذي هو من أصح الصحيح كما عرفت .


(1) تهذيب التهذيب 9 : 360 ، خلاصة تذهيب الكمال 291 . (2) حلية الاولياء 1 : 64 . (3) تهذيب التهذيب 1 : 335 ، خلاصة تذهيب الكمال 31 ، الثقات 2 : 94 . (*)

[ 57 ]

[ فصل ] المخرج الثاني من حديث جابر بن عبد الله : أنبأنا سعيد بن احمد الفراء الدمشقي بها قال : أنا علاء الدين بن محمد بن عمر الحسيني ، أنا ابي ، انا محمد بن عبد الرحمن الكزبري ، انا ابي ، انا ابو المواهب الحنبلي ، انا ابي ، انا شمس محمد بن عبد الله الانصاري ، انا محمد بن خليل اليشبكي ، انا أبو الفضل الحافظ ، انا أبو اسحاق التنوخي شفاها ، انا يحيى بن محمد بن سعد كتابة ، انا أبو جعفر احمد بن علي ابن حكم ، انا عياض بن موسى ، انا أبو الاصبغ عيسى بن محمد الزهري ، انا سليمان بن خلف ، انا أبو عبد الله محمد بن على بن محمود ، انا أبو العباس الرازي ، انا أبو احمد بن عدى ، ثنا النعمان بن هارون البلدي ومحمد بن احمد بن المؤمل ، وعبد الملك بن محمد ، قالوا : حدثنا احمد بن عبد الله ابو جعفر المكتب ، أنبأنا عبد الرزاق ، انبأنا سفيان ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبد الرحمن بن بهمان التميمي ، سمعت جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية وهو آخذ بيد علي ، يقول : هذا أمير البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، يمد بها صوته ، أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد العلم فليأت الباب ، أخرجه الحاكم في المستدرك (1) . وقال حدثني أبو بكر محمد بن علي الفقيه الشاشي القفال البخاري وأنا سألته حدثني النعمان بن هارون البلدي من أصل كتابه ، حدثنا احمد بن عبد الله بن يزيد الحراني به مقتصرا على حديث الباب ، وقال : إسناده صحيح (2) ، واخرجه الخطيب في ترجمة محمد بن عبدا الصمد


(1) المستدرك 3 : 129 ، الصواعق المحرقة 123 . (2) المصدر السابق . (*)

[ 58 ]

أبي الطيب الدقاق من تاريخ البغداد (1) فقال : حدثنا يحيى بن علي السكري بحلوان ، ثنا أبو بكر محمد بن المقري باصبهان ، ثنا أبو الطيب محمد بن عبد الصمد الدقاق البغدادي ، ثنا احمد بن عبد الله أبو جعفر المكتب به ، واخرجه ايضا في ترجمة احمد بن عبد الله المذكور فقال : اخبرنا أبو الطاهر عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب ، ثنا أبو الفتح محمد بن الحسين بن احمد الازدي الحافظ ، ثنا محمد بن عبد الله الصيرفي وعلي بن ابراهيم البلدي . وجماعة قالوا : حدثنا احمد بن عبد الله بن بزيد المؤدب أبو جعفر السامري به قال أبو الفتح : تفرد به عبد الرزاق وحده ، قال الخطيب : ولم يروه عن عبد الرزاق غير احمد بن عبد الله هذا وهو أنكر ما حفظ عليه (2) . قلت : وليس كما قال الخطيب بل تابعه عليه احمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى عن عبد الرزاق ، كما ذكره ابن عدي وابن الجوزى ثم انه لانكاره في تفرد ابى جعفر السامري عن عبد الرزاق بمثل هذا الحديث ، فان عبد الرزاق كان يعلم ان من حدث بفضائل علي بن ابي طالب يجرح ويبدع بل يتهم ويكذب ، فكان لا يحدث بها إلا اهلها وقد قال في حقه الذهبي (3) انه كان يعرف الامور فلا يتجاسر ان يحدث بها ، سامح الله الذهبي يسمي التحديث بفضائل علي عليه السلام جسارة ، وقد وقع مثل هذا للحافظ ابى الازهر النيسابوري (4) فانه لما حدث عن عبد الرزاق بحديث


(1) ويعرف أبو الطيب بالبغوي توفى 319 . (2) تاريخ بغداد 2 : 377 . (3) ميزان الاعتدال 2 : 609 . (4) احمد بن الازهر بن منيع بن سليط المتوفى 263 ، تذكرة الحفاظ 2 : 114 ط حيدر اباد ، تاريخ بغداد 4 : 39 . (*)

[ 59 ]

في فضل على اخبر يحيى بن معين بذلك ، فبينما هو عنده في جماعة اهل الحديث إذ قال يحيى بن معين : من هذا الكتاب النيسابوري الذي حدث عن عبد الرزاق بهذا الحديث ، فقام أبو الازهر فقال : هو ذا أنا ، فتبسم يحيى بن معين وقال : أما أنك لست بكذاب ولكن الذنب لغيرك في هذا الحديث ، ثم سأله يحيى بن معين كيف خصك عبد الرزاق بهذا الحديث ؟ فقال : إني خرجت مع عبد الرزاق إلى قريته فكنت معه في الطريق ، فقال لي : يا أبا الازهر أفيدك حديثا ما حدثت به غيرك ؟ قال : فحدثني بهذا الحديث (1) ، ومع هذا فقد وجد لابي الازهر متابع عليه ، فذكر الخطيب ان محمد بن حمدون النيسابوري رواه عن محمد بن علي بن سفيان النجار عن عبد الرزاق به قال الخطيب : فبرئ أبو الازهر من عهدته إذ توبع على روايته (2) . (قلت) : وكذا وقع في حديث الباب ، فان عبد الرزاق خص به ابا جعفر السامري كما خص أبا الازهر بذلك الحديث ، وكما انه وجد لابي الازهر متابع عليه كذلك وجد لابي جعفر السامري ، فقد أخرج الحافظ أبو الحسن بن شاذان في خصائص علي (3) قال : حدثنا أبو بكر محمد بن ابراهيم بن فيروز الانماطي ، حدثنا الحسين بن عبد الله التميمي ، حدثنا حبيب بن النعمان حدثني جعفر بن محمد ، حدثني ابي ، عن جدي ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ، فمن اراد المدينة فليأت إلى بابها . وأخرجه الخطيب


(1) المستدرك 3 : 128 . (2) تاريخ بغداد 4 : 42 . (3) الخصائص في فضل علي بن ابى طالب - ع - كشف الظنون 1 : 706 . (*)

[ 60 ]

في " تلخيص المتشابه " (1) من طريق الدار قطني ، ثنا محمد بن ابراهيم الانماطي به فبرئ أبو جعفر السامري منه ولله الحمد . (المسلك السادس) : ان هذه المخارج الثلاثة ، قد حكم بصحة كل منها على انفراده كما رأيت ، والحفاظ إذا وجدوا حديثا من هذا القبيل جزموا بارتقائه إلى درجة الصحيح ، وكثيرا ما يجزم المتأخرون كابن كثير والعلائي والعراقي والحافظ وتلميذه السخاوي بذلك ، وقد سلك الحافظ السيوطي هذا المسلك بالنسبة لهذا الحديث فقال في " الجامع الكبير " : قد كنت اجيب دهرا عن هذا الحديث بأنه حسن إلى ان وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في (تهذيب الآثار) مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس فاستخرت الله تعالى وجزمت بارتفاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحة (2) . (المسلك السابع) : اننا لو اقتصرنا على تحسين حديث علي وابن عباس مراعاة لما قيل في عبد السلام بن صالح ، ومحمد بن عمر الرومي ، كما يسلكه بعض اهل الحديث فيمن كان ذلك حاله ، وكما سلكه الحافظ صلاح الدين العلائى ، والحافظ وتلميذه السخاوى بالنسبة لهذا الحديث فانهم اقتصروا على الحكم بحسنه ولم يرفعوه إلى مرتبة الصحة كما فعل ابن معين والحاكم وابن جرير والسمرقندي ، فان الحسن يرتقي مع وجود المتابعات والشواهد إلى درجة الصحيح ، وقد صرح الحافظ السخاوي بأن حديث ابن عباس بمفرده على شرط الحسن فإذا انضم إليه حديث علي وحديث جابر مع ما اوردناه من الشواهد المعنوية فانه يرتقي إلى درجة


(1) تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما اشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم : كشف الظنون 1 : 473 . (2) راجع الجزء السادس من كنز العمال ترتيب الجامع الكبير للحافظ السيوطي . (*)

[ 61 ]

الصحيح لغيره بلا خلاف ، وهذا مما لا يشك فيه من له خبرة بعلم الحديث ودراية بصناعته ، فلا نحتاج إلى ذكر دلائله والاطالة بنصوصهم فيه ، وقد قال الحافظ في " القول المسدد " (1) في الكلام على حديث : سدوا كل باب في المسجد إلا باب علي ما نصه : هذا الحديث له طرق متعددة كل طريق منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن ومجموعها مما يقطع بصحته على طريقة كثير من اهل الحديث (2) . (المسلك الثامن) : اننا لو حكمنا على جميع هذه الطرق والشواهد بالضعف ولم نحكم لشئ منها بالصحة ولا بالحسن ، فان الضعيف الذي هو من هذا القبيل يرتقي إلى درجة الصحيح لان راويه إنما حكم بصحة حديثه لغلبة الظن بصدقه ، والضعيف إذا تعددت طرقه وكثرت شواهده مع تباين مخارجها حصلت غلبة الظن ايضا بصدق خبر المجموع ، وإن كانت لا تحصل بخبر كل واحد على انفراده ، فاستحق خبرهم الحكم بالصحة كما استحقه خبر الثقة الواحد لوجود غلبة الظن في الجميع ، وقد صرحوا بأن المتابعات والشواهد لا يشترط في رواتها أن يكونوا ممن يحتج بهم فقال ابن صلاح : قد يدخل في باب المتابعات والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء . وفي كتاب البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكرهم في المتابعات والشواهد (اه‍) . بل اشترط الامام الرازي وجمع من اهل الاصول في الحديث الذي يحتج بمجموع طرقه أن تكون أفرادها ضعيفة ليحصل الاحتجاج بالمجموع ، وأما إذا كان بعضها صحيحا فالاعتماد حينئذ عليه وحده والضعيف مطروح


(1) القول المسدد : للحافظ ابن حجر العسقلاني ط حيدر اباد 1319 . (2) القول المسدد ص 16 . (*)

[ 62 ]

غير معول عليه ، والمفروض الاحتجاج بالمجموع وقد حكموا بصحة أحاديث كثيرة من هذا القبيل ، كحديث طلب العلم فريضة على كل مسلم (1) ، وحديث لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر ان يؤمهم غيره ، اورده ابن الجوزي في الموضوعات (2) ، وقال ابن كثير : له شواهد تقتضي صحته وكذلك حديث : أطلبوا الخير عند حسان الوجوه ، وحديث من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ، وحديث العباس بن مرداس السلمي في فضل الحج (3) ، وحديث من احتكر طعاما اربعين ليلة فقد برئ من الله (4) ، حكم ابن الجوزي بوضعه ، وقال الحافظ : له شواهد تدل على صحته ، وحديث نعم الشئ الهدية امام الحاجة ، وحديث اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ، وحديث وصية النبي صلى الله عليه وآله لانس بن مالك ، وحديث الموت كفارة لكل مسلم ، وحديث إذا ولى احد كم أخاه فليحسن كفنه فانهم يتزاورون في أكفانهم (5) . (فصل) : فان قيل : قد تقرر في علم الحديث ان الضعيف إذا تعددت طرقه إنما يرتقي إلى درجة الحسن ولا يبلغ رتبة الصحيح ، وقد قال النووي في كلامه على بعض الاحاديث : وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعضه بعضا ويصير الحديث حسنا ويحتج به ، وسبقه إلى ذلك البيهقي وغيره .


(1) راجع الجامع الصغير للسيوطي ، اللآلئ المصنوعة 1 : 100 . (2) كتاب فند فيه احاديث صحيحة كثيرة المنفق على صحتها فزيفه جمع من الحفاظ رجال الفن وتكلموا عليه . (3) تهذيب التهذيب 5 : 130 . (4) المستدرك 2 : 12 . (5) المستدرك 1 : 369 . (*)

[ 63 ]

(قلنا) : الجواب من وجهين : (الوجه الاول) : ان ذلك ليس مطردا في كل الطرق الضعيفة بل هو خاص بنوع منها ، وهو ما اشتد ضعفه وكان منكرا فان طرقه إذا تعددت أوصلته إلى درجة المستور السئ الحفظ فإذا وجد له طريق اخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك من كونه منكرا إلى درجة الحسن كما نص عليه الحافظ وغيره ، واما ما كان في كل طرقه أو اكثرها ضعف قريب فانه يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحيح كالاحاديث المذكورة ، لان الطريق الذى فيه الضعف القريب قد يكون بمفرده حسنا على مذهب كثير من المحدثين كما قدمناه وكما نص عليه ابن الجوزي في " مقدمة الموضوعات " فقال : والاحاديث ستة اقسام ، الاول : ما اتفق على صحته البخاري ومسلم وذلك الغاية ، الثاني : ما تفرد به البخاري أو مسلم ، الثالث : ما صح سنده ولم يخرجه واحد منهما ، الرابع : ما فيه ضعف قريب محتمل وهذا هو الحديث الحسن ، الخامس : الشديد الضعف الكثير التزلزل ، فهذا تتفاوت مراتبه عند العلماء فبعضهم يدنيه من الحسان ويزعم انه ليس بقوي التزلزل ، وبعضهم يرى شدة تزلزله فيلحقه بالموضوعات فصرح بأن الحسن هو ما فيه الضعف القريب المحتمل ، فإذا تعددت الطرق به ارتقى إلى الصحيح . (الوجه الثاني) : ان هذا الاختلاف في اللفظ لا في المعنى لان الحسن من قسم الصحيح حتى كان المنقدمون يدرجونه في انواعه ولم يكن الحسن عندهم معروفا ولا اسمه بينهم شائعا ، وأول من نوه باسمه واكثر من ذكره الترمذي في جامعه (1) وان وجد من صرح به من طبقة شيوخه فهو قليل نادر ، بل الذى كان متعارفا بينهم ان الحديث قسمان :


(1) اكثر الحافظ الترمذي في جامعه من قوله : صحيح حسن . فيدل هذا على ان الحسن من قسم الصحيح عنده . (*)

[ 64 ]

صحيح وضعيف ، والصحيح عندهم على طبقات متفاوتة بحسب تفاوت رواته في درجات الضبط والاتقان ، حتى أوصلوه إلى خمس طبقات أو اكثر يشمل جميعها اسم الصحيح ، فجاء المتأخرون منهم ووضعوا للاقسام الاخيرة اسما يخصها وتتميز به عند التعارض والترجيع ، فمنهم من يتشدد فيطلق على القسم الوسط حسنا ، ومنهم من يتساهل فيطلق على القسم الاخير صحيحا . قال الذهبي في " الموقظة " (1) : من أخرج له الشيخان أو احدهما على قسمين : احدهما من احتجا به في الاصول ، وثانيهما من خرجا له متابعة واستشهادا واعتبارا ، فمن احتجا به أو احدهما ولم يوثق ولم يمرض فهو ثقة حديثه قوي ، ومن احتجا به أو احدهما وتكلم فيه فتارة يكون الكلام تعنتا والجمهور على توثيقه فهذا حديثه قوي ايضا ، ويكون تارة الكلام في حفظه فهذا حديثه لا ينحط عن درجة الحسن الذي من أدنى درجات الصحيح ، فما في الكتابين بحمد الله رجل احتج به أحدهما وروايته ضعيفة بل حسنه أو صحيحه (اه‍) . فصرح بأن الحسن من قسم الصحيح وان احاديث الصحيحين منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن . وقال ابن الصلاح : من الناس من لا يفرد نوع الحسن ولا يجعله منفردا ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهو الظاهر من كلام الحاكم ابي عبد الله (2) " اه‍ " . ولهذا استشكل ابن دقيق العيد في " الاقتراح " (3) هذه التفرقة بين اسم الحسن والصحيح ، فقال : ان ها هنا أوصافا يجب معها قبول


(1) لم يذكر هذا الكتاب للذهبي في ضمن مؤلفاته . (2) معرفة علوم الحديث ص 59 . (3) الاقتراح في اصول الحديث : للشيخ تقي الدين محمد بن علي بن دقيق العيد المنفلوطى الشافعي المتوفى 702 ، كشف الظنون 1 : 135 ، طبقات الشافعية 6 : 2 . (*)

[ 65 ]

الرواية إذا وجدت في الراوي فاما أن يكون هذا الحديث المسمى بالحسن مما قد وجدت فيه هذه الصفات على أقل الدرجات التي يجب معها القبول أو لا . فان وجدت فذلك صحيح . وإن لم توجد فلا يجوز الاحتجاج به وإن سمي حسنا ، اللهم إلا ان يرد هذا إلى أمر اصطلاحي وهو أن يقال : ان الصفات التي يجب معها قبول الرواية لها مراتب ودرجات فأعلاها هو الصحيح ، وكذلك اوسطها وادناها هو الحسن ، وحينئذ يرجع الامر في ذلك إلى الاصطلاح ويكون الكل صحيحا في الحقيقة (اه‍) فرجع الامر إلى ان الحديث صحيح على كل الفروض والاحتمالات ، وهذا إنما سلكناه تنزلا وإلا فقد علمت من المسلك الاول ان الحديث بمفرده على شرط الصحيح وبالله التوفيق . (المسلك التاسع) : انه قد تقرر ان من علامة صدق الراوي وصحة حديثه مطابقته للواقع وصدق مخبره ، وعلي بن ابي طالب عليه السلام كان أعلم الصحابة على الاطلاق كما هو معلوم مشهور ومستفيض متواتر حتى ضربوا باشتهار علمه المثل للتواتر المعنوي . فقال الحافظ موفق الدين بن قدامة (1) في اول كتابه " إثبات صفات العلو لله " : واعلم رحمك الله انه ليس من شرط صحة التواتر الذي يحصل به اليقين ان يوجد التواتر في جزء واحد ، بل متى نقلت اخبار كثيرة في معنى واحد من طرق يصدق بعضها بعضا ، ولم يأت ما يكذبها أو يقدح فيها حتى استقر ذلك في القلوب واستيقنه ، فقد حصل التواتر وثبت القطع واليقين فانا نتيقن وجود حاتم وإن كان لم يرد به خبر واحد مرضى الاسناد لوجود ما ذكرنا ، وكذلك عدل عمر وشجاعة علي وعلمه عليه السلام (اه‍) . وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين من


(1) عبد الله بن احمد بن قدامة المقدسي الدمشقي المتوفى 620 شذرات الذهب 5 : 88 . (*)

[ 66 ]

الشهادة لعلى بالعلم ما لم يأت لاحد قط ، فمن شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ما أخرجه الامام احمد في مسنده (1) قال : حدثنا أبو احمد ، ثنا خالد يعني ابن طهمان عن نافع بن ابي نافع عن معقل بن يسار قال : وضأت النبي صلى الله عليه وآله فقال : ألك في فاطمة رضي الله عنها نعودها ؟ فقلت : نعم ، فقام متوكئا علي حتى دخلنا على فاطمة " ع " فقال لها : كيف تجدينك ؟ قالت : والله لقد اشتد حزيى واشتدت فاقتي وطال سقمي . قال أبو عبد الرحمن : وجدت في كتاب أبي بخط يده هذا الحديث قال : أو ما ترضين اني زوجتك أقدم امتي سلما واكثرهم علما وأعظمهم حلما () ، رجاله ثقات ، وقد رواه الطبراني من وجه آخر باسناد صححه الحافظ نور الدين (3) في الزوائد من مرسل أبى اسحاق . قلت : وقد ورد موصولا من طريقه اخرجه ابن عساكر في ترجمة علي من تاريخه من طريق ابى عمر وعثمان بن احمد السماك ، انا عبد الله ابن ابى روح المدائني ، انا سلام بن سليمان المدائني ، انا عمر بن المثنى ، عن ابى اسحاق ، عن انس بن مالك قال : قالت فاطمة عليها السلام : زوجتني عليا خمش الساقين عظيم البطن قليل الشئ ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : زوجتك يا بنية أعظمهم حلما واقدمهم سلما واكثرهم علما (4) .


(1) مسند الامام احمد ط القاهرة 1306 . (2) مسند احمد 1 : 146 ، الغدير 3 : 95 . (3) هو الحافظ علي بن ابى بكر أبو الحسن الهيثمي الشافعي المتوفى 807 له كتابه الكبير مجمع الزواجر في عشر مجلدات ، وكتاب زوائد مسند عبد الرزاق . (4) ابن عساكر 37 : 77 ، مخطوطة في مكتبة الامام أمير المؤمنين - ع - العامة برقم 37 / 115 . (*)

[ 67 ]

طريق آخر لهذا الحديث : قال ابن عساكر في تاريخه : اخبرنا ابو القاسم عبد الصمد بن محمد بن عبد الله ، انا أبو الحسن علي ب‍ محمد ابن احمد ، أنا احمد بن محمد بن موسى ، ثنا احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ، انا احمد بن يحيى واحمد بن موسى بن اسحاق قالا : انا ضرار ابن صرد ، ثنا عبد الكريم بن يعقوب ، عن جابر ، عن ابي الضحى ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : حدثتني فاطمة عليها السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال لها : زوجتك أعلم المؤمنين وأقدمهم وأفضلهم حلما . قال ابن عساكر كذا ، قال : واسقط منه المعتمر ، ثم أخرجه من طريق ابن الاعرابي ، ثنا أبو عبد الله يحيى بن ابراهيم بن محمد بن كثير الزهري ، ثنا ضرار بن صرد ، انا المعتمر بن سليمان التيمي قال : انا عبد الكريم بن يعقوب الجعفي اخبرنا جابر عن ابى الضحى به (1) . طريق آخر لهذا الحديث : قال ابن عساكر : اخبرنا أبو غالب ابن البنا ، ثنا أبو محمد الجوهري ، ثنا أبو محمد عبد العزيز بن الحسن بن علي بن ابى صابر . انا أبو حبيب العباس بن احمد بن محمد البرتي ، ثنا اسماعيل بن موسى ، انا تليد بن سليمان أبو ادريس ، عن ابى الجحاف عن رجل ، عن اسماء بنت عميس قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام : زوجتك أقدمهم سلما وأعظمهم حلما واكثرهم علما (2) . طريق آخر لهذا الحديث : قال ابن عساكر : اخبرنا أبو نصر بن رضوان وابو غالب بن البنا وابو محمد عبد الله بن نجا قالوا : انا أبو محمد الجوهري ، انا أبو بكر بن مالك ، انا العباس بن ابراهيم القراطيسي ، ثنا اسماعيل بن محمد الاحمسي ، انا مفضل بن صالح ، ثنا جابر الجعفي


(1) المصدر السابق 37 : 80 . (2) المصدر السابق 37 : 81 . (*)

[ 68 ]

عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاط عليها السلام : أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلما واكثرهم علما وأفضلهم حلما ، والله ان ابنيك لمن شباب اهل الجنة (1) ، ومن هذا الوجه أخرجه الخطيب في المتفق والمقترق (2) . وللحديث طرق اخرى من حديث علي وابن عباس وابى هريرة وحديث علي صححه ابن جرير . (فائدة) : تقدم حديث معقل بن يسار من رواية احمد بن حنبل وقد قال الحاكم في المستدرك : حدثنا السيد الاوحد أبو يعلى حمزة بن محمد الزيدي رضي الله عنه ، ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن مهرويه القزويني القطان قال : سمعت ابا حاتم الرازي يقول : كان يعجبهم ان يجدوا الحديث في الفضائل من رواية احمد بن حنبل رضى الله عنه (3) . (حديث آخر) : قال أبو نعيم في الحلية ، ثنا أبو احمد الغطريفي (4) ، ثنا أبو الحسين ابن ابى مقاتل ، ثنا محمد بن عبد الله بن عتبة ، ثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي ، ثنا احمد بن عمران بن سلمه وكان ثقة عدلا مرضيا ، ثنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن ابراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم


(1) ابن عساكر 37 : 81 . وفيه : فلما ابصرت أباها ودمعت عينا ها قال : ما يبكيك يا بنية ؟ قالت : قلة الطعام وكثرة الهم وشدة السقم : قال : أما والله لما عند الله خير مما ترغبين إليه يا فاطمة أما ترضين . . (2) نسخة منه بتركيا في مكتبة فيض الله برقم 1515 . (3) المستدرك 3 : 134 . (4) أبو احمد الغطريفي له جزء في الحديث من اصول مسانيد السنة اخذ منه كثير من أعاظم الحفاظ في تآليفهم رواه الحافظ أبو الطيب الشافعي الثاني 1 ، توجد مصورته في مكتبة الامام أمير المؤمنين - ع - برقم 2614 . (*)

[ 69 ]

فسئل عن علي فقال : قسمت الحكمة عشرة اجزاء فاعطي علي تسعة اجزاء والناس جزءا واحدا (1) ء اه‍ . احمد بن عمران ذكره الذهبي في الميزان وقال : لا يدرى من هو (2) ، ثم ضعفه بهذا الحديث وتعقبه الحافظ في اللسان بما تقدم في السند من قول الوهبي أنه كان ثقة عدلا مرضيا قال : وفي هذا مخالفة لما ذكره الذهبي (3) . قلت : لو وثقه الناس كلهم لقال الذهبي في حديثه أنه كذب ، كما فعل في عدة احاديث اخرجها الحاكم بسند الشيخين وادعى هو دفعا بالصدر وبدون دليل أنها موضوعة وما علتها في نظره إلا كونها في فضل علي بن أبي طالب فالله المستعان . (حديث آخر) : قال أبو نعيم في الحلية : ثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا محمد بن يونس الكديمي ، ثنا عبد الله بن داود الخريبي ، ثنا هرمز ابن حوران ، عن ابي عون ، عن ابي صالح الحنفي ، عن علي رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله أوصني ، قال : قل ربي الله ثم استقم ، قال : قلت : الله ربي وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب ، فقال : ليهنك العلم ابا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلته نهلا (4) . (حدث آخر) : قال ابن بطة : ثنا أبو ذر احمد بن الباغندي ، أنا ابي ، عن مسعر بن يحيى ، ثنا شريك ، عن ابى اسحاق ، عن ابيه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من


(1) حلية الاولياء 1 : 65 . (2) ميزان الاعتدال 1 : 58 . (3) لسان الميزان 1 : 235 . (4) حلية الاولياء 1 : 65 . (*)

[ 70 ]

أراد ان ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في حكمته وإلى ابراهيم في حلمه فلينظر إلى علي ، مسعر بن يحيى الهدي ذكره الذهبي في الميزان وقال : لا أعرفه وأتى بخبر منكر (1) ، ثم ذكر هذا الحديث ، وقد عرفت ان النكارة عند الذهبي هي فضل علي بن أبي طالب . (حديث آخر) : قال الطبراني في المعجم الصغير : حدثنا علي بن جعفر الملحي الاصبهاني ، ثنا محمد بن الوليد العباسي ، ثنا عثمان بن زفر ثنا مندل بن علي ، عن ابن جريج ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ابن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أقضى امتي علي بن ابي طالب مختصر . وأخرجه البغوي في شرح السنة (2) من حديث أنس بن مالك به ورواه عبد الرزاق في مصنفه ، عن معمر ، عن قتاد عن النبي صلى الله عليه وآله مرسلا ، قال الحافظ في الفتح : ورويناه موصولا في فوائد ابى بكر محمد ابن العباس بن نجيح من حديث أبى سعيد الخدري . (حديث آخر) : أخرج الديلمي في مسند الفردوس (3) من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أعلم امتي من بعدي علي بن ابى طالب . وفي الباب عن معاذ بن جبل وعمر وابن عباس . (شهادة عمر بن الخطاب) : قال البخاري في تفسير البقرة من صحيحه : حدثنا عمرو بن علي ، ثنا يحيى ، ثنا سفيان ، عن حبيب


(1) ميزان الاعتدال 4 : 99 . (2) الامام حسين بن مسعود المتوفى 516 كشف الظنون 2 : 1040 . (3) تأليف الحافظ شهردار بن شيرويه الهمداني المتوفى 558 ، مخطوطة في مكتبة الامام امير المؤمنين عليه السلام برقم 2323 . (*)

[ 71 ]

سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قالعمر رضي الله عنه : أقرؤنا أبي وأقضانا علي (1) . وقال قاسم بن أصبغ في مصنفه : حدثنا أبو بكر احمد بن زهير ، ثنا ابو خيثمة ، ثنا أبو سلمة التبوذكي ، ثنا عبد الواحد بن زياد ، ثنا ابو جروة ، قال : سمعت عبد الرحمن بن ابى ليلى قال : قال عمر رضي الله عنه : علي أقضانا ، واخرجه ابن ابى خيثمة من وجه آخر ايضا قال : حدثنا ابى ، ثنا ابن عيينة ، عن ابن جريج ، عن ابن ابى مليكة ، عن ابن عباس قال : قال عمر : علي أقضانا . واسنده الذهبي في ترجمة الحافظ ابى بكر بن زياد من التذكرة من هذا الوجه وزاد وأبي أقرؤنا (2) . وقال ابن ابى خيثمة ، ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا مؤمل ابن اسماعيل ، ثنا سفيان الثوري ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن ، وكان عمر يقول : لولا علي لهلك عمر (3) . وقال ابن الاثير في اسد الغابة بعد إيراده آثارا في علم علي عليه السلام ولو ذكرنا ما سأله الصحابة مثل عمر وغيره رضي الله عنهم لاطلنا (4) . (شهادة عبد الله بن مسعود) : قال أبو نعيم في الحلية : ثنا ابو القاسم نذير بن جناح القاضي ، ثنا اسحاق بن محمد بن مروان ، ثنا ابى ، ثنا عباس بن عبيدالله ، ثنا غالب بن عثمان الهمداني أبو مالك ، عن


(1) صحيح البخاري 6 : 187 ط بولاق . (2) الاستيعاب 2 : 461 ط حيدر اباد . (3) الاستيعاب 3 : 39 ، الرياض النضرة 2 : 194 ، الغدير 3 : 91 ، ج 6 : 327 ، 328 . (4) اسد الغابة 4 : 23 . (*)

[ 72 ]

عبيدة ، عن شقيق ، عن عبد الله بن مسعود قال : ان القرآن انزل على سبعة احرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن وان علي بن ابى طالب عنده علم الظاهر والباطن (1) . (أثر آخر عن ابن مسعود) : قال الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة له : حدثنا يحيى بن آدم قال : ثنا ابن ابى زائدة ، عن ابيه ، عن ابى اسحاق ، عن ابن ميسرة قال : قال ابن مسعود : ان أقضى أهل المدينة علي بن ابى طالب (2) . (أثر آخر عن ابن مسعود) : قال الحلواني ايضا : ثنا يحيى بن آدم ، ثنا مبذو ، عن مطرف ، عن ابى اسحاق ، عن سعيد بن وهب قال : قال عبد الله : أعلم اهل المدينة بالفرائض علي بن ابى طالب (3) . (شهادة ابن عباس) : قال ابن عبد البر : ثنا خلف بن القاسم ، ثنا عبد الله بن عمر الجوهري ، ثنا احمد بن محمد بن الحجاج ، ثنا محمد ابن ابى السري ، ثنا عمرو بن هاشم الجنبي ، ثنا جويبر ، عن الضحاك ابن مزاحم ، عن عبد الله بن عباس قال : والله لقد اعطي علي بن ابى طالب تسعة اعشار العلم ، وايم الله لقد شارككم في العشر العاشر ، وروى طاووس عنه ايضا قال : كان علي والله قد ملئ علما وحلما (4) . (أثر آخر عن ابن عباس) : قال ابن ابى خيثمة : حدثنا فضيل عن عبد الوهاب قال : ثنا شريك ، عن ميسرة ، عن المنهال ، عن سعيد


(1) حلية الاولياء 1 : 65 . (2) تاريخ ابن عساكر 38 : 24 . (3) الغدير 3 : 91 ط ايران . (4) الاستيعاب 3 : 40 . (*)

[ 73 ]

ابن جبير ، عن ابن عباس قال : كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به (1) . (أثر آخر عن ابن عباس) : قال أبو نعيم في الحلية : حدثنا احمد ابن ابراهيم بن جعفر ، ثنا محمد بن يونس السامي ، ثنا أبو نعيم ، ثنا حبان بن علي ، عن مجاهد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس أن علي بن ابى طالب أرسله إلى زيد بن صوحان فقال : يا أمير المؤمنين إني ما علمتك لبذات الله عليم وان الله لفي صدرك لعظيم (2) . (شهادة عائشة) : قال ابن ابى خيثمة : ثنا محمد بن سعيد الاصبهاني ، ثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن قليب ، عن جابر قال : قالت عائشة : من أفتاكم بصوم عاشوراء ؟ قالوا : علي ، قالت : أما انه أعلم الناس بالسنة ، وكانت كثيرا ما ترجع إليه في المسائل (3) . (شهادة خزيمة بن ثابت) : قال الحاكم في المستدرك : ثنا أبو بكر ابن دارم الحافظ ، ثنا احمد بن موسى بن اسحاق التميمي ، ثنا وضاح ابن نحى النهشلي ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن ابى اسحاق ، عن الاسود ابن يزيد النخعي قال : لما بويع علي بن ابى طالب على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله قال خزيمة بن ثابت : (4) وهو واقف بين يدي المنبر : إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا * أبو حسن مما نخاف من الفتن وجدناه أولى الناس بالناس أنه * أطب قريش بالكتاب وبالسنن (5) (شهادة عبد الله بن عياش بن ابي ربيعة) : ذكر ابن عبد البر أن


(1) الغدير 3 : 91 . (2) حلية الاولياء 1 : 68 . (3) الاستيعاب 2 : 462 . (4) أخبار شعراء الشيعة : 36 . (5) المستدرك 3 : 114 . (*)

[ 74 ]

سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال : قلت لعبد الله بن عياش بن أبى ربيعة ، يا عم لم كان صفو الناس إلى علي ؟ فقال : يا ابن أخي أن عليا عليه السلام كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم ، وكان له البسطة في العشيرة ، والقدم في الاسلام ، والصهر لرسول الله صلى الله عليه وآله ، والفقه في السنة ، والنجدة في الحرب ، والجود في الماعون (1) . (شهادة معاوية) : ذكر ابن عبد البر أنه كان يكتب فيما ينزل به ليسأل على بن ابى طالب ، فلما بلغه قتله قال : ذهب الفقه والعلم بموت ابن ابى طالب (2) . (شهادة جملة الصحابة) : قال الحاكم في المستدرك : أخبرني عبد الرحمن ابن الحسن القاضي بهمدان ، ثنا ابراهيم بن الحسين ، ثنا آدم بن ابى اياس ح وقال ابن ابى خيثمة ، ثنا مسلم بن ابراهيم كلاهما قال : حدثني شعبة ، عن ابى اسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن علقمة عن عبد الله قال : كنا نتحدث ان أقضى اهل المدينة علي بن ابي طالب ، قال الحاكم : صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وتقدم عن ابن عباس قوله : كنا إذا اتانا الثبت عن علي لم نعدل به ، وقول سعيد بن عمرو بن العاص لم كان صفو الناس إلى علي مما فيه الاخبار بأن الجميع كان يرجع إليه لشهرته بالعلم بينهم (3) . (شهادة علي ابى طالب لنفسه) : قال الازرقي في تاريخ


(1) الاستيعاب 2 : 463 . (2) المصدر السابق 2 : 463 وفيه فقال له عتبة : لا يسمع هذا منك اهل الشام فقال له معاوية : دعني عنك . (3) المستدرك 3 : 135 .

[ 75 ]

مكة (1) : حدثنا سهل بن ابى الهدي ، ثنا عبد الله بن معاذ الصنعانى ، ثنا معمر عن وهب بن عبد الله بن ابى الطفيل قال : شهدت علي بن ابى طالب وهو يخطب وهو يقول : سلونى فوالله لا تسألونى عن شئ يكون إلى يوم القيامة إلا اخبرتكم به ، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما منه آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل ، فقام ابن الكوا وأنا بينه وبين علي وهو خلفي فقال : أرأيت البيت المعمور ما هو ؟ قال : ذاك الضراح فوق سبع سماوات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة ، ولهذا الحديث طرق متعددة (2) . (أثر آخر عن علي) قال أبو نعيم في الحلية : ثنا الحسن بن علي ابن الخطاب ، ثنا محمد بن عثمان بن ابي شيبه ، ثنا احمد بن يونس ، ثنا ابو بكر بن عياش ، عن نصير بن سليمان الاحمسي ، عن ابيه ، عن علي قال : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم انزلت واين انزلت ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا (3) . (أثر آخر عن علي) : قال الحاكم في المستدرك : اخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة ، ثنا الحسن بن علي بن عفان ، ثنا محمد بن عبيد الطنافسي ، ثنا بسام بن عبد الرحمن الصيرفي ، ثنا أبو الطفيل قال : رأيت أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه قام على المنبر فقال : سلوني قبل ان تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي ، قال : فقام ابن الكوا فقال :


(1) أبو الوليد محمد بن عبد الله بن احمد الازرقي ط بيروت 1964 ، المتوفى 244 / 250 / 223 فهرست ، ابن النديم 1 : 112 ، اللباب 1 : 37 ، هدية العارفين 2 : 11 ، كشف الظنون 306 ، 1684 . (2) اخبار مكة 1 : 18 . (3) حلية الاولياء 1 : 67 . (*)

[ 76 ]

يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا ؟ قال : الرياح ، قال : فما الحاملات ؟ وقرا ، قال : السحاب ، قال : فما الجاريات يسرا ؟ قال : السفن ، قال : فما المقسمات أمرا ؟ قال : الملائكة ، قال : فمن الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم ؟ قال : منافقوا قريش ، صححه الحاكم . وورد عنه من طرق متعددة في بعضها : لا تسألونى عن آية من كتاب الله تعالى ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله إلا انبأتكم بذلك (1) . (أثر آخر عن علي) : قال الموفق بن قدامة في كتابه إثبات صفات العلو : أخبرنا محمد ، انبأنا احمد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا ابو بكر احمد بن محمد بن الحارث ، ثنا الفضل بن الحباب الجمحي ، ثنا مسدد ، ثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن محمد بن اسحاق ، عن النعمان بن سعد قال : كنت بالكوفة في دار الامارة دار علي بن ابى طالب إذ دخل علينا عوف بن عبد الله فقال : يا امير المؤمنين بالباب أربعون رجلا من اليهود ، فقال علي : علي بهم ، فلما وقفوا بين يديه قالوا له : صف لنا ربك هذا الذي في السماء كيف هو وكيف كان ومتى كان وعلى أي شئ هو ؟ فاستوى علي جالسا وقال : معشر اليهود اسمعوا مني ولا تبالوا ان لا تسألوا أحدا غيري . . الحديث ، وهو في الحلية ايضا (2) . (أثر آخر عن علي) : قال أبو نعيم : ثنا حبيب بن الحسن ، ثنا موسى بن اسحاق ح وثنا سليمان بن احمد ، ثنا محمد بن عثمان بن ابى شيبة قال : ثنا أبو نعيم ضرار بن صرد ، وثنا أبو احمد محمد بن محمد ابن احمد الحافظ ، ثنا محمد بن الحسين الخثعمي ، ثنا اسماعيل بن موسى


(1) المستدرك 2 : 466 . (2) حلية الاولياء 1 : 72 . (*)

[ 77 ]

الفزاري ، قالا : ثنا عاصم بن حميد الخياط ، ثنا ثابت بن ابى صفية ابو حمزة الثمالي ، عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد قال : أخذ علي بن ابى طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان ، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال : يا كميل بن زياد ، القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، احفظ ما أقول لك ، الناس ثلاثة : فعالم ربانى ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيؤا بنور العلم ، ولم يلجؤا إلى ركن وثيق . العلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، العلم يزكوا على العمل ، والمال تنقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها ، العلم يكسب العالم الطاعة في حياته ، وجميل الا حدوثة بعد موته ، وصنيعة المال تزول بزواله ، مات خزان الاموال وهم احياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، اعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة هاء ان هاهنا - واشار بيده إلى صدره - علما لو اصبت له حملة . . إلى آخر الوصية ، وهي متداولة شهيرة (1) . (شهادة ابنه الحسن عليه السلام) : قال أبو نعيم : ثنا أبو بحر محمد بن الحسن ، ثنا محمد بن سليمان بن الحارث ، ثنا عبيد الله بن موسى ، ثنا اسماعيل بن ابى خالد ، عن ابى اسحاق ، عن هبيرة بن مريم ان الحسن ابن علي عليهما السلام ، قام وخطب الناس وقال : لقد فارقكم رجل بالامس لم يسبقه الاولون ولا يدركه الآخرون بعلم (2) . (شهادة سعيد بن المسيب) : قال الدولابى في الكنى والاسماء (3) :


(1) نهج البلاغة 3 : 186 ط الاستقامة ، حلية الاولياء 1 : 79 . (2) حلية الاولياء 1 : 65 . (3) محمد بن احمد بن حماد الدولابي المتوفى 310 ط حيدر اباد 1322 ، البداية والنهاية 11 : 145 ، لسان الميزان 5 : 41 ، الوافي 2 : 36 ، وفيات الاعيان 1 : 642 . (*)

[ 78 ]

ثنا محمد بن معاوية ، عن سعيد بن صالح وسعيد بن عنبسة قالا : حدثنا عباد بن العوام أبو سهل ، عن داود ، عن سعيد بن المسيب قال : ما كان أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أعلم من علي بن ابى طالب (1) . (أثر آخر عن ابن المسيب) : قال ابن ابى خيثمة : اخبرنا ابراهيم ابن بشار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : ما كان احد من الناس يقول : سلوني ، غير علي بن ابى طالب (2) . (شهادة عطاء) : قال ابن ابى خيثمة : اخبرنا يحيى بن معين قال : حدثنا عبدة بن سليمان عن عبد الملك بن ابى سليمان قال : قلت لعطاء : أكان في اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أحد أعلم من علي بن ابى طالب ؟ قال : لا والله ما أعلمه (3) . (شهادة الحسن البصري) : ذكر ابن عبد البر انه سئل عن علي ابن ابى طالب فقال : كان علي والله سهما صائبا من مرامي الله على عدوه ، ورباني هذه الامة وذا فضلها وذا سابقتها ، وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يكن بالنومة عن أمر الله ولا بالملومة في دين الله ولا بالسروفة لمال الله ، اعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة (4) . (شهادة مغيرة بن مقسم) : قال ابن عبد البر : حدثنا خلف بن


(1) الكنى والاسماء 1 : 197 . (2) الاستيعاب 3 : 1102 ط القاهرة ، الصواعق 125 . (3) استيعاب 3 : 1104 . (4) الاستيعاب 3 : 1110 . (*)

[ 79 ]

قاسم ، ثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد ، ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان الدمشقي ، ثنا عمرو بن حفص بن غياث ، حدثني ابى ، عن اسماعيل بن ابي خالد قال : ان المغيرة حلف بالله ما أخطأ علي في قضاء قضى به قط (1) . (أثر آخر عنه) قال الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة : حدثني يحيى بن آدم قال : ثنا أبو بكر بن عياش عن مغيرة قال : ليس احد منهم أقوى قولا في الفرائض من علي ، قال : وكان المغيرة صاحب الفرائض (2) . (شهادة ضرار بن حمزة) : قال الطبراني : ثنا محمد بن زكريا الغلابى ثنا العباس بن بكار الضبي ، ثنا عبد الواحد بن ابي عمرو الاسدي ، عن محمد بن السائب الكلبي ، عن ابى صالح قال : دخل ضرار بن حمزة الكنانى على معاوية فقال له : صف لي عليا ، قال : أو تعفيني ؟ قال : لا اعفيك قال : اما إذ لابد ، فانه كان والله بعيد المدى شديد القوى ، يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه . . وذكر بقيته ، أخرجه أبو نعيم في الحلية عن الطبراني (3) ، واخرجه ابن عبد البر من وجه آخر ، فقال : حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، ثنا يحيى بن مالك بن عائد ، ثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن سلمة البغدادي بمصر قال : ثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد ، قال : اخبرنا العكلي


(1) الاستيعاب 3 : 1102 . (2) تهذيب التهذيب 10 : 270 ، رجال الصحيحين 2 : 499 . (3) حلية الاولياء 1 : 84 ، والقصة طويلة ذكرها جل اصحاب السير والتاريخ من الفريقين بأسانيد ثابتة وصحيحة . (*)

[ 80 ]

عن الحرمازي رجل من همدان قال : قال معاوية لضرار : فذكر القصة (1) . والآثار بهذا كثيرة ويغني عنها ما هو متداول من حكمه العجيبة ، ومعارفه الغريبة التي لم ينقل مثلها عن غيره بحيث من وقف عليها رأى العجب العجاب ، وجزم بأنه البحر العباب ، وذلك أعظم دليل على صدق هذا الخبر ، وانه باب مدينة علم النبي عليه الصلاة والسلام . [ فصل ] : وإذ قد فرغنا من الكلام على صحة هذا الحديث وبينا وجوه ذلك ودلائله ، واوضحنا طرقه ومسالكه ، فلنتفرغ لا بطال كلام الطاعنين فيه ، وإفساد ما تعلقوا به في رده فنقول : قال الخطيب : في ترجمة عمر بن اسماعيل بن مجالد من تاريخ بغداد (2) اخبرنا الجوهري ، اخبرنا محمد بن العباس ، ثنا محمد بن القاسم الكوكبي ، ثنا ابراهيم بن الجنيد قال : سمعت يحيى بن معين وسئل عن عمر بن اسماعيل فقال : كذاب يحدث ايضا بحديث ابى معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهذا كذب ليس له اصل ، وقال : اخبرني محمد بن احمد بن يعقوب ، اخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال : سمعت احمد بن محمد العنزي يقول : سمعت يحيى بن احمد بن زياد يقول : سألت يحيى بن معين عن حديث ابى معاوية عن الاعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أنا مدينة العلم فأنكره جدا (3) ، ثم قال الخطيب : اخبرنا البرقاني ، حدثنا يعقوب بن موسى الاردبيلي ، ثنا احمد بن طاهر بن النجم ، ثنا سعيد بن عمرو قال : قال ابو زرعة ، حديث ابى معاوية عن الاعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس :


(1) الاستيعاب 2 : 463 . (2) تاريخ بغداد 11 : 204 . (3) تاريخ بغداد 11 : 205 . (*)

[ 81 ]

أنا مدينة العلم وعلي بابها ، كم من خلق الفتضحوا به ، ثم قال لي ابو زرعة : اتينا شيخا ببغداد يقال له : عمر بن اسماعيل بن مجالد فأخرج الينا كراسة لابيه فيها أحاديث جباد عن مجالد وبيان والناس فكنا نكتب إلى العصر فيقرأ علينا ، فلما أردنا ان نقوم قال : حدثنا أبو معاوية عن الاعمش بهذا الحديث ، فقلت له : ولا كل هذا بمرة فأتيت يحيى بن معين فذكرت ذلك له فقال : قل له : يا عدو الله إنما كتبت انت عن ابى معاوية ببغداد فمتى روى هو هذا الحديث ببغداد (1) . وقال الخطيب في ترجمة جعفر بن محمد الفقيه بعد ان اسند الحديث من طريق محمد بن عبد الله بن ابى جعفر الحضرمي عنه بسنده قال أبو جعفر : لم يرو هذا الحديث عن ابي معاوية من الثقات احد رواه أبو الصلت فكذبوه اه‍ (2) . وأورده ابن الجوزي في (الموضوعات) من أكثر طرقه ثم قال : لا يصح ولا أصل له . قال الدارقطني : حديث علي رواه سويد بن غفلة عن الصنايجي فلم يسنده وهو مضطرب وسلمة لم يسمع من الصنايحي والرومي لا يجوز الاحتجاج به ، وكذا عبد الحميد ومحمد بن قيس مجهول وطريق الحسن عن علي فيه مجاهيل وجعفر البغدادي متهم بسرقة هذا الحديث ، ورجاء ايضا وعمر بن اسماعيل وابو الصلت كذابان ، وابو الصلت هو الذي وضعه على ابى معاوية ، وسرقه منه جماعة ، واحمد بن سلمة يحدث عن الثقات بالاباطيل ، وسعيد بن عقبة مجهول غير ثقة ، والعدوي وضاع ، واسماعيل بن محمد بن يوسف لا يجوز الاحتجاج به يسرق ويقلب ، والحسن


(1) تاريخ بغداد 11 : 205 . (2) تاريخ بغداد 7 : 172 . (*)

[ 82 ]

ابن عثمان يضع ، والمكتب وابن طاهر كذابان . قال ابن عدى : الحديث موضوع يعرف بأبى الصلت ومن حدث به سرقه منه وإن قلب اسناده (1) ، وسئل احمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال : قبح الله ابا الصلت اه‍ . ولما صححه الحاكم في المستدرك وقال : أبو الصلت ثقة مأمون تعقبه الذهبي في التخليص فقال : بل موضوع قال : وابو الصلت ثقة (2) ، قلت : لا والله لا ثقة ولا مأمون اه‍ . وأورد الحديث في ترجمة جعفر بن محمد الفقيه من الميزان (3) وقال : هذا موضوع ، وفي ترجمة سعيد بن عقبة (4) واتهم به الراوي عنه احمد بن حفص السعدي ، وكذا فعل ابن طاهر المقدسي والنواوي ، وقد تقدم ان عبد السلام بن صالح قال فيه : الساجي يحدث بمناكير هو عندهم ضعيف وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال أبو حاتم : لم يكن بصدوق وهو ضعيف وقال ابن عدي : له احاديث مناكير في فضل اهل البيت وهو المتهم بها ، وقال الدارقطني : كان رافضيا خبيثا ، وكذا قال العقيلي وزاد انه كذاب لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (5) ، وقال ذاك الشامي الفضولي صاحب (اسنى المطالب) : حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها قال الترمذي : انه منكر ، وكذا قال البخاري وقال : انه ليس له وجه صحيح ، وقال ابن معين : انه كذب لا أصل له وأورده ابن الجوزي في الموضوع ووافقه


(1) الكامل 2 ورقة 318 ، الصواعق : 320 . (2) المستدرك 3 : 126 . (3) ميزان الاعتدال 1 : 415 . (4) ميزان الاعتدال 2 : 153 . (5) هذه الاقاويل موجودة برمتها في تهذيب التهذيب 6 : 319 . (*)

[ 83 ]

الذهبي وغيره ، قال : وهذا الحديث قد ولع العلماء به وذكره من دون بيان رتبته خطأ وذلك لا ينبغي ذكره في كتب العلم لا سيما مثل ابن حجر الهيثمي ذكر ذلك في الصواعق ، والزواجر وهو غير جيد من مثله (1) . (فصل) : إذا عرفت هذا فكلامنا مع طائفتين : طائفة المجرمين لعبد السلام بن صالح ، وطائفة المتكلمين في الحديث . أما الطائفة الاولى فانهم جرحوا عبد السلام بأمرين : احدهما التشيع ، وثانيها كونه منكر الحديث ، وهذا الجرح مردود من وجوه . (الوجه الاول) : ان الجرح بالتشيع ، ورد الحديث به باطل عقلا ونقلا ، أما الاول فان مدار صحة الحديث على أمرين لا ثالث لهما وهما بالضبط والعدالة ، فمن اتصف بهما وجب ان يكون خبره مقبولا وحديثه صحيحا ، لان بالضبط يؤمن الخطأ والخلل وبالعدالة يؤمن الكذب والاختلاق ، والضبط هو ان يكون الراوى حافظا متيقظا غير مغفل ولا متهور حتى لا يحدث من حفظه المختل فيهم ولا من كتابه الذي تطرق إليه الخلل وهو لا يشعر . وأما العدالة فالمراد بها في الحقيقة هو صدق الراوي وتجنبه للكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله خاصة لا لمطلق الكذب ولا لغيره من المعاصي ، لان العدالة تتجزأ فيكون الرجل عدلا في شئ غير عدل في غيره ، والمطلوب لصحة الحديث انما هو عدالته فيه ، وامانته في نقله إلا انه لما كان هذا القدر لا يتحقق في العموم ولا يمكن انضباطه ومعرفته إلا بملازمة التقوى واجتناب سائر المعاصي اضطروا إلى اشتراط العدالة الكاملة التي عرفوها بأنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى واجتناب


(1) راجع اسنى المطالب لابن درويش الحوت ، الصواعق المحرقة ص 120 ، 124 ط القاهرة 1375 . (*)

[ 84 ]

الاعمال السيئة ، وخوارم المروءة على خلاف في اشتراط الاخير ثم انجر بهم هذا التوسع إلى توسع آخر ، فصاروا يدخلون تحت كل من هذه القيود ما ليس منها كالتفرد والركض على البرذون وكثرة الكلام والبول قائما وبيع الزيبق وتولية أموال الايتام ، والقراءة بالالحان ، وسماع آلة الطرب المختلف فيها ، والتزي بزي الجند وخدمة الملوك واخذ الاجرة على السماع والاشتغال بالرأي وعلم الكلام والتصوف ، ومصاحبة الواقفة ورواية الاحاديث المخالفة لهوى المجرح ، أو موافقة المخالف له في بعض الفروع والتطفيل وابدال صيغ الاجازة بصيغ الاخبار والبدعة والخلاف في المعتقد كالا رجاء والقدر والنصب والتشيع ، وغيرها من النحل ، وهذا التوسع كاد ينسد معه باب العدالة وينعدم به مقبول الرواية خصوصا بالنسبة للشرط الاخير ، فان غالب ما جاء بعد الصحابة من رواة السنة وحملة الشريعة في الصدر الاول والثاني والثالث كانوا من هذا القبيل فلم يسلم من التعلق بأذيال نحلة من هذه النحل منهم إلا القليل ، غير انهم كانوا متفاوتين فيها بالتوسط والتغالي والافراط والاعتدال ، فمن كان غالبا في نحتله داعيا إليها عرف بها واشتهر ومن كان متوسطا غير داعية لم يشتهر ، فإذا جرح كل هؤلاء وردت رواياتهم ذهبت جملة الآثار النبوبة ، وكاد ينعدم معها المقبول بالكلية كما قال ابن جرير في جزء جمعه للذب عن عكرمة (1) مولى ابن عباس : لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الردية ثبت عليه ما ادعى فيه وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك اكثر محدثي الامصار لانه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه اه‍ .


(1) ذكره ملخصا ابن حجر في تهذيب التهذيب 7 : 263 - 273 ونص على ذلك ص 273 بقوله : وبسط أبو جعفر الطبري القول في ذلك ببراهينه وحججه ، وقد لخصت ذلك وزدت عليه كثيرا في ترجمته . (*)

[ 85 ]

وقال الذهبي في ترجمة ابان بن تغلب الكوفي من الميزان (1) : هو شيعي جلد لكنه صدوق ، قلنا صدقه وعليه بدعته ، وقد وثقه احمد بن حنبل وابن معين وابو حاتم وأورده ابن عدي وقال : كان غالبا في التشيع ، وقال السعدي : زائغ مجاهر ، فلقائل ان يقول : كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والاتقان فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة ، وجوابه ان البدعة على ضربين : فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق ، فهذا كثير في التابعين مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بينة انتهى كلام الذهبي (2) . وايضاح المقام : ان رد الخبر انما هو لكونه كذبا في حد ذاته لا لشئ آخر مضاف إلى الكذب ، كما ان قبوله انما هو لصدقه في حد ذاته لا لشئ آخر مضاف إلى الصدق ، فلو حدث الثقة السني بالكذب فهو مردود عليه واتصافه بالعدالة والسنبة لا يصير كذبه صدقا ، كما ان الكذاب المبتدع إذا حدث بالصدق فخبره مقبول ، واتصافه بالكذب والبدعة لا يصير صدقه كذبا ، بل ذلك محال عقلا إلا أنه لما كان الوقوف على الحقيقة فيهما متعذرا في الغالب وجب الا كتفاء فيهما بالظن ، وهو يحصل باتصاف الراوي بالصدق أو اتصافه بالكذب ، فمن اتصف بالصدق حتى عرف به حصل الظن بصدق خبره ومن اتصف بالكذب وتكرر منه حصل الظن بكذب خبره ، ولما كان الباعث على اجتناب الكذب هو خوف الله تعالى بامتثال أو امره واجتناب نواهيه كان ذلك الظن لا يحصل غالبا إلا بمن هذه صفته ، لان من ليس له خوف يحجزه عن المحارم قد يجترئ


(1) ميزان الاعتدال 1 : 5 . (2) المصدر السابق والصحيفة والمجلد . (*)

[ 86 ]

على الكذب في الحديث كما اجترأ على غيره فلا يحصل ظن الصدق بخبره وان كان هو في نفسه قد لا يجترئ على خصوص الكذب على رسو الله صلى الله عليه وآله ، فلذلك اشترطت العدالة التي هي ملازمة التقوى الحاجزة بين المرء وبين سائر المخالفات ، ولما كان الكذب قد يحصل عن وهم وخطأ كما يحصل عن قصد وتعمد أضيف إلى العدالة الضبط ليحصل به ظن انتفاء الكذب عن وهم وخطأ كما حصل بها ظن انتفائه عن قصد وتعمد ، اما اعتقاد الراوي ان الاعمال غير داخلة في مسمى الايمان أو ان الامور لا تجري بقدر من الله تعالى ، أو أن عليا أفضل من ابي بكر وعمر وأحق بالخلافة منهما أو انه إمام جور وظلم أو غير ذلك من المعتقدات فلا يحصل بشئ منها ظن صدق في الخبر ، ولا عدمه فاشتراط نفيها في قبول الخبر ظاهر البطلان . فان قيل : إنما اشترط ذلك لان الراوي صار بها فاسقا وقد دللت على ان الفاسق لا يحصل ظن الصدق بخبره ، قلنا : وهذا ايضا باطل لان الفسق هو الخروج عن أوامر الله تعالى بمخالفة حدوده وانتهاك محارمه والمبتدع لم يخالف حد الله ولا خرج عن أمره في معتقده ، حتى يكون فاسقا بل ما حمله على التعلق بمعتقده إلا امتثال أمر الله وطلب مرضاته ، باعتقاد ما هو الحق في نظره أو اجتهاده وان كان مخطئا في ذلك لانه بخطئه يكون ضالا لا فاسقا ، وفرق بين المقامين وعلى تسليم تسميته فاسقا وأن هذا اصطلاح لاهل السنة في تسمية من خالفهم ، فليست مادة فسق هي الموجبة لرد الخبر حتى يتصف بذلك كل من سمي بلفظ مشتق من مادتها ، بل ولا معناها الذي هو الخروج عن أمر الله هو الموجب لذلك ايضا في حد ذاته لانه غير منحصر في الكذب ولا الكذب من لوازمه ، فقد يكون الرجل زانيا ولا يكون كاذبا ، وانما الموجب


[ 87 ]

لرد الخبر هو الاقدام على ارتكاب المحرم الذي لا يؤمن معه الاقدام على الكذب لانه من جملة المحرمات ، فمن ليس له خوف يحجزه عن شرب الخمر وأكل مال الغير مثلا كذلك لا يحجزه عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو مطلق الكذب وليس المبتدع الذي سمي فاسقا بهذه المثابة ، لانه ما أقدم على محرم في نظره ولا اجترأ بالبدعة على مخالفة في نظره حتى يخشى ان يتسرب من جرأته على الكذب في الحديث ، بل في المبتدعة من يعتقد ان ارتكاب الكبيرة كفر وان صاحبها مخلد في النار مما صار به مبتدعا فاسقا فحكمتم برد خبره من أجل هذا الفسق الذي هو أعلى ما يطلب في إثبات الخبر ، كما ان في غير هم من طوائف المبتدعة من بلغ الغاية القصوى في الدين والورع والخشية والتقوى ، فتسمية بدعتهم فسقا يرد به الخبر ينافي ما اصلتموه من قبول خبر من وجدت فيه هذه الصفات ويقتصى مساواتهم بالمنهمكين في المعاصي وارتكاب المخالفات ، لان اسم الفسق الذي هو علة رد الخبر شامل لجميعهم فكما يرد خبر يزيد بن معاوية (1) ، والحجاج الثقفي (2) ، وابى نؤاس (3) ، كذلك يرد خبر عكرمة مولى ابن عباس (4) ، وجابر ابن زيد (5) ، والاعمش (6) ، وعبد الرزاق (7) ، وقتادة (8) ، ووكيع


(1) قال احمد بن حنبل : لا ينبغي ان يروى عنه . ميزان الاعتدال 4 : 440 . (2) تهذيب التهذيب 2 : 210 ، ميزان الاعتدال 2 : 466 ، خلاصة تذهيب الكمال 62 . (3) ميزان الاعتدال 4 : 581 . (4) تهذيب التهذيب 7 : 263 . (5) تهذيب التهذيب 2 : 38 توفي سنة 93 / 103 / 104 . (6) ميزان الاعتدال 1 : 422 . (7) ميزان الاعتدال 2 : 609 . (7) ميزان الاعتدال 3 : 385 ، لسان الميزان 4 : 469 . (*)

[ 88 ]

ابن الجراح (1) ، فهؤلاء بسوء رأيهم وفساد معتقدهم ، واولئك بفجورهم ومخالفتهم وهذا في غاية البطلان . (فان قيل) : إنما سميناهم فساقا لخروجهم عن أمر الله بمخالفة نصوص الشريعة وادلتها القاطعة وذالك يدل على تهاونهم الذى لا يؤمن معه الاجتراء على الكذب . (قلنا) : لا يخلو ردهم لتلك النصوص ان يكون عن انكار صدقها وعدم الاذعان لها مع اعترافهم بثبوتها ، أو ذلك إنما هو لعدم ثبوتها ، أو لتأويلها وصرفها عن ظاهرها ، فان كان الاول فمرتكبه كافر لا فاسق ولا كلام لنا مع الكافر ، وان كان الثاني فهم غير مختصين به بل جميع الامة حالهم مع النصوص كذلك فما من إمام إلا وقد خالف الكثير منها بتأويل رأى معه جواز تلك المخالفة كما قال القرافي (2) في التنقيح : لا يوجد عالم إلا وقد خالف من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله أدلة كثيرة ولكن لمعارض راجح عليها عند مخالفتها اه‍ . فان كان مناط الحكم بالفسق هو مخالفة النصوص بتأويل وجب ان يطرد هذا الحكم كلما وجدت المخالفة ، فيحكم بفسق جميع الائمة وهذا باطل ، فالحكم بفسقهم ايضا باطل وإن كان المناط هو مخالفتهم لما تعتقدون أنه الحق وإن كانوا في ذلك متأولين فهذا أبطل لانه تحكم لا دليل عليه ولان لهم ايضا مثل ذلك . * (ها مش) * (1) تهذيب التهذيب 11 : 123 ، خلاصة تذهيب الكمال : 356 . (2) شهاب الدين احمد بن ادريس القرافي المالكي المتوفى 684 كشف الظنون 1 : 499 ، الديباج 62 ، ايضاح المكنون 1 : 72 ، 127 ، 135 ، 161 ، 206 ، 732 . (*)


[ 89 ]

(فان قيل) : إنما أخرجنا أئمة السنة لصحة تأويلهم وفساد تأويل المبتدعة . (قلنا) : هذا لا يجدي نفعا من وجهين : أما الاول : فلانهم يدعون مثل هذا ويزعمون أن تأويلهم هو الصحيح ، ويبدون لذلك براهين وادلة وان تأويلكم هو الفاسد ، وأما الثاني : فلانكم قد صرحتم ببطلان كثير من تأويلات أهل السنة وأقمتم على فسادها الحجج والبراهين فالشافعية ابطلوا كثيرا من تأويلات مخالفيهم ، والحنفية كذلك ، وهكذا فعل كل فريق من اهل السنة مع مخالفه منهم بما أسفر عن مخالفة الكل ما ليس له تأويل مقبول من النصوص فاستوى اهل السنة والمبتدعة في ذلك فاما ان تطلقوا اسم الفسق على الجميع ، وإما ان ترفعوه عن الجميع . (فان قيل) : إنما حصل الخلاف بين اهل السنة في الفروع وأمرها قريب ، بخلاف ما حصل من المبتدعة فانه في الاصول وأمرها عظيم ، لان الخطأ فيها مؤد إلى الكفر . (قلنا) : وهذا أيضا ليس بنافع من وجوه : أما الاول فان الكلام في نفس المخالفة لا فيما يترتب عليها من حق أو باطل ، والمخالفة في حد ذاتها واحدة بالنسبة إلى عدم امتثال الآمر بها فلا تختلف سواء كانت في الفروع أو في الاصول ، فالراد لحديث في النكاح والطلاق كالراد لحديث في الاسماء والصفات ، والجاحد لآية في التوحيد كالجاحد لآية في الطهارة ، إذ المخبر بهما واحد والآمر بهما واحد ، والكل من عند الله . وأما الثاني : فانكم قد بدعتم ايضا بالمخالفة في الفروع وحكمتم بذلك على منكر المسح على الخفين حتى نقلتم مساءلته من كتب الفقه إلى دواوين الاصول ، وما ذلك إلا لمجرد المخالفة . وأما الثالث : فانكم قد اختلفتم ايضا في مسائل الاصول وخالفتم من آيات الصفات وأحاديثها كل ما لم يوافق رأيكم ، وأولتموها بأضعف


[ 90 ]

التأويلات ، وحملتموها على أبعد المحامل ، وأبيتم إلا الايمان بما يقبله عقلكم لا بما تقتضيه تلك النصوص ، وخالفتم السلف الصالح في ذلك ، فارتكبتم من المخالفة ما يكون اسم الفسق معه أولى من غيره من المخالفات ، حتى بدع بعضكم بعضا واطلق كل فريق منكم اسم الضلال على مخالفه ، فساويتم المبتدعة في جميع ما رميتموهم به من انواع المخالفات ، فتخصيصكم إياهم باسم الفسق تحكم خارج عن مناهج الدليل ، فلم يبق إلا أن التفسيق بالبدعة باطل وان رد الرواية بها غير معقول . (فان قيل) : إنما حكمنا برد رواية المبتدعة لانا وجدنا الكذب فيهم شائعا . وقد حكى ابن لهيعة (1) : انه سمع شيخا من الخوارج يقول بعد أن تاب : ان هذه الاحاديث دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم ، فانا كنا إذ هوينا أمرا صيرناه حديثا ، وكذلك أقر محرز أبو رجاء بعد أن تاب من بدعته بأنه كان يضع الاحاديث يدخل بها الناس في القدرة . وقال علي بن حرب : من قدر أن لا يكتب الحديث الا عن صاحب سنة فانهم لا يكذبون ، كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي (2) . وقال اشهب : سئل مالك عن الرافضة فقال : لا تكلمهم ولا ترو عنهم فانهم يكذبون (3) .


(1) أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة الحضرمي المصري المتوفى 174 ، احترقت كتبه سنة 196 ، تذكرة الحفاظ 1 : 237 . (2) تهذيب التهذيب 7 : 294 . (3) اشهب بن عبد العزيز بن داود بن ابراهيم القيسي الفقيه ، تهذيب التهذيب 1 : 359 ، لسان الميزان 1 : 10 . (*)

[ 91 ]

وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : لم أر أشهد بالزور من الرافضة (1) . وقال شريك احمل العلم عن كل من لقيت الا الرافضة فانهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا . وقال الذهبي في الميزان لما تكلم على البدعة الكبرى وحصرها في الرفض على مذهب اهل الشام قال : فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة ، وايضا فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادفا ولا مأمونا بل الكذب شعار هم والتقية والنفاق دثارهم ، فكيف يقبل من هذا حاله حاشا وكلا اه‍ (2) . فلما رأينا الكذب فيهم شائعا علمنا ان الحامل لهم عليه هو بدعتهم فرددنا الحكم إليها وشرطنا في قبول الرواية نفي البدعة . (قلنا) : وهذا باطل ايضا من وجهين : أما الاول : فان الرافضة الذين وصف الذهبي وهم السابون للشيخين رضي الله عنهما غير داخلين فيما نحن بصدده من الكلام على البدعة الناشئة عن رأي واجتهاد لان هؤلاء فسقة بتمالؤهم على ارتكاب المحرم من سب الشيخين رضي الله عنهما ، وانتقاصهما ونسبة العظائم اليهما بما لا دليل لهم عليه ولا مستند لهم فيه ، فان السب والتنقيص من مطلق المؤمنين ليس عليه دليل ، فضلا عن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لان ارتكاب المحرم المجمع عليه لا يدخله اجتهاد فهذا الضرب فسقة باجترائهم على المحرمات لا ببدعتهم ،


(1) حرملة بن يحيى بن عبد الله التحبيبي المتوفى 244 ، تهذيب التهذيب 3 : 229 الكفاية في علم الدراية ص 126 ، مرآة الجنان 2 : 143 ، ميزان الاعتدال 1 : 219 طبقات الشافعية 1 : 257 ، طبقات الفقهاء 80 . (2) ميزان الاعتدال 1 : 6 . (*)

[ 92 ]

ثم هم ايضا غير موجودين في اسانيد الاخبار المخرجة في دواوين اهل السنة الا على سبيل القلة والندرة ، وانما الموجود فيها اهل التشيع بغلو أو بلا غلو كما سبق عن الذهبي . وأما الثاني : فانا وجدنا الكذب شائعا ايضا في اصناف من اهل السنة كالمتعصبين من اهل الجمود في التقليد . وكذا القصاص والوعاظ ، بل وفيمن هو خير منهم كالزهاد والعباد حتى قال يحيى القطان : ما رأيت الكذب في احد اكثر منه فيما ينسب إلى الخير والزهد . واسند الذهبي في ترجمة جعفر المستغفري (1) من تذكرة الحفاظ عنه قال : سمعت ابن مندة الحافظ يقول : إذا وجدت في اسناد زاهدا فاغسل يدك من ذلك الحديث (2) . وقال ابن الصلاح : أعظم الوضاعين ضررا قوم من المنسوبين إلى الزهد وضعوا الحديث احتسابا فيما زعموا فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة بهم وركونا إليهم اه‍ . وقال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : لقد ادركت بالمدينة اقواما لو استسقى بهم القطر لسقوا ، وقد سمعوا من العلم والحديث شيئا كثيرا وما أخذت عن واحد منهم وذلك انهم كانوا قد ألزموا انفسهم خوف الله والزهد ، وهذا الشأن يحتاج إلى رجل معه تقى وورع وصيانة واتقان وعلم وفهم ويعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليه غدا في القيامة ، فاما زهد بلا اتقان ولا معرفة فلا ينتفع به ، وليس هذا بحجة ولا يحمل عنهم العلم .


(1) الحافظ المحدث النسفي المتوفى 432 ، تذكرة الحفاظ 3 : 283 ، تاج التراجم 15 ، شذرات 3 : 249 ، مرآة الجنان 3 : 54 . (2) تذكرة الحفاظ 3 : 1102 . (*)

[ 93 ]

وقال معن بن عيسى : سمعت مالكا يقول : كم أخ لي بالمدينة ارجو دعوته ولا أجيز شهادته (1) . ونقل الحافظ في ترجمة زكريا بن يحيى الوقار عن ابن عدي انه قال في المترجم : كان يتهم بوضع الاحاديث لانه يروي عن قوم ثقات أحاديث موضوعة قال : والصالحون قد رسموا بهذا أن يرووا احاديث في فضائل الاعمال موضوعة ويتهم جماعة منهم بوضعها اه‍ (2) . وفي ترجمة ابراهيم بن هراسة منه قال ابن حبان : كان من العباد غلب عليه النقشف فاغضى عن تعاهد الحفظ حتى صار كأنه يكذب ، وأطلق أبو داود فيه الكذب (3) . وفي ترجمة احمد بن عطاء الهجيمي الزاهد منه قال ابن المدايني : أتيته يوما فجلست إليه فرأيت معه درجا يحدث به ، فلما تفرقوا عنه قلت له : هذا سمعته قال : لا ولكن اشتريته وفيه احاديث حسان أحدث بها هؤلاء ليعملوا بها وارغبهم واقربهم إلى الله ليس فيه حكم ولا تبديل سنة قلت له : أما تخاف الله تقرب العباد إلى الله بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4) ؟ . وفي ترجمة بكر بن الاسود الزاهد قال ابن حبان : غلب عليه التقشف حتى غفل عن تعاهد الحديث فصار الغالب على حديثه المعضلات ، وكان يحيى بن كثير يروي عنه ويكذبه (5) . وفي ترجمة سليمان بن عمرو النخعي قال الحاكم : لست اشك في وضعه


(1) تهذيب التهذيب 10 : 252 . (2) ميزان الاعتدال 2 : 77 . (3) ميزان الاعتدال 1 : 72 . (4) المصدر السابق 1 : 119 . (5) المصدر السابق 1 : 342 . (*)

[ 94 ]

للحديث على تقشفه وكثرة عبادته (1) . وفي ترجمة عبد الله بن أيوب بن ابي علاج متهم بالوض‍ كذاب مع انه من كبار الصالحين قال ابن عدي : كان متعبدا يفتل الشريط والخوص ويتصدق بما فضل من قوته (2) . وفي ترجمة علي بن احمد ابي الحسن الهكاري أنه كان من العباد الزهاد ، وقال بعض اصحاب الحديث : كان يضع الحديث باصبهان (3) . وفي ترجمة معلى بن صبيح الموصلي قال ابن عمار : كان من عباد الموصل وكان يضع الحديث ويكذب (4) . وأوردوا في الضعفاء غالب الزهاد والعباد كابراهيم الخواص وسلم ابن سالم الخواص وسلم بن ميمون الخواص وغيرهم . وقال الامام احمد : أكذب الناس القصاص والسؤال . وقال محمد بن كثير الصغاني : القصاص أكذب الخلق على الله وعلى انبيائه ورسله (5) . وقال أبو الوليد الطيالسي : كنت مع شعبة فدنا منه شاب فسأله عن حديث فقال : أقاص انت ؟ قال : نعم ، قال : اذهب فانا لا نحدث القصاص ، فقلت له : يا أبا بسطام لماذا ؟ فقال : يأخذون الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا ، وقال أيوب : ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص .


(1) ميزان الاعتدال 2 : 216 . (2) ميزان الاعتدال 2 : 394 . (3) ميزان الاعتدال 3 : 113 . (4) الغدير 5 : 230 . (5) تهذيب التهذيب 5 : 352 . (*)

[ 95 ]

وقال ابن قتيبة في اختلاف الحديث (1) : الحديث يدخله الفساد من وجوه ثلاثة : الزنادقة واحتيالهم للاسلام بدس الاحاديث المستبشعة والمستحيلة ، والقصاص فانهم يميلون وجوه العوام إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير وغرائب الاحاديث ومن شأن العوام ملازمة القصاص ما دام يأتي بالعجائب الخارجة عن نظر العقول . وقال ابن الجوزي في الموضوعات : معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص لانهم يريدون احاديث ترفق وتنفق والصحيح فيها يقل . ويحكى عن ابي عبد الله النهاوندي أنه قال : قلت لغلام خليل : هذه الاحاديث التي تحدث بها في الرقاق ، قال : وضعناها لنرفق بها قلوب العامة ، قال : وكان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء صرفا غلقت الاسواق ببغداد يوم موته فحسن له الشيطان هذا الفعل القبيح . وسئل عبد الجبار بن محمد عن ابى داود النخعي فقال : كان أطول الناس قياما بليل وأكثرهم صياما بنهار وكان يضع الحديث وضعا . وكان أبو بشر احمد بن محمد الفقيه المروزي من أصلب اهل زمانه في السنة وأذبهم عنها وكان مع هذا يضع الحديث (2) . وقال ابن عدي : سمعت أبا بدر احمد بن خالد يقول : كان وهب ابن حفص من الصالحين مكث عشرين سنة لا يكلم احدا ، قال أبو عروبة : وكان يكذب كذبا فاحشا (3) . وقد نص السلف على أن القصص بدعة ، وأن التزهد والتقشف


(1) مخطوطة برقم 107 في مكتبة عاشر افندي بتركيا كما في فهرسها ص 9 . (2) الغدير 5 : 190 ط نجف . (3) الغدير 5 : 234 ط نجف . (*)

[ 96 ]

الخارج عن السنة بدعة ايضا . فكان مقتضى هذا ن ترد رواية كل زاهد ومذكر ويعلق ذلك بزهده وتذكيره لانه وحد فبهم الكذب شائعا ، ووصفوا بالبدعة كما هو حال الآخرين . (فان قيل) : لم يصدر الكذب إلا من جهلة الزهاد ومن لا تقوى عنده من القصاص والوعاظ . (قليا) : وكذلك المبتدعة فانا لم نجد الكذب شائعا إلا في فسقتهم ومن لا يخشى الله منهم . أما اهل الدين والتقوى فوجدناهم في نهاية الصدق وغاية التحرز من الكذب ووجدنا اصولهم كأصولنا في ان من كذب فهو مجروح مردود الشهادة والرواية حتى الخطابية الذين قال فيهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم كان هذا مذهبهم فكانوا يرون ان الكذاب مجروح خارج عن المذهب ، فإذا سمع بعضهم بعضا قال : شيئا عرف أنه ممن لا يجيز الكذب فاعتمد قوله لذلك وشهد بشهادته فلا يكون شهد بالزور لمعرفته انه محق وأنه لا يكذب ، وكتب رجالهم شاهدة بذلك بالزور لمعرفته انه محق وأنه لا يكذب ، وكتب رجالهم شاهدة بذلك كرجال الشيعة للنجاشي ، وابى الحسن بن بابويه ، وابن ابي طي . وعلي ابن فضال ، والكشي ، وعلي بن الحكم ، وابن عقدة ، والليثي ، والمازندراني ، والطوسي ، وغيرهم (1) فان فيها جرحا كجرح اهل السنة وتعديلا كتعديلهم ، وقد شهد اهل الجرح والتعديل قاطبة بوجود الصدق في المبتدعة كما سنذكر بعض نصوصهم بذلك وكما سبق عن الذهبي من قوله : ان التشيع كان شائعا في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فاستوى الحال وانقطع المقال (2)


(1) مصفى المقال في علم الرجال : 580 ، 12 ، 274 ، 548 ، 278 ، 54 ، 402 . (2) ميزان الاعتدال 1 : 5 . (*)

[ 97 ]

(فصل) وأما النقل : فقد ذهب جماعة من اهل الحديث والمتكلمين إلى ان اخبار اهل الاهواء كلها مقبولة وإن كانوا كفارا أو فساقا بالتأويل كما حكاه الخطيب في " الكفاية " (1) ، وذهب الشافعي وابو حنيفة وابو يوسف وابن أبي ليلى والثوري وجماعة إلى قبول رواية الفاسق ببدعته ما لم يستحل الكذب ونسبه الحاكم في المدخل ، والخطيب في الكفاية إلى الجمهور وصححه الرازي واستدل له في المحصول ، ورجحه ابن دقيق العيد وغيره من المحققين ، وقواه جماعة بما اشتهر من قبول الصحابة اخبار الخوارج وشهادتهم ومن جرى مجراهم من الفساق بالتأويل ، ثم استمر عمل التابعين على ذلك فصار كما قال الخطيب كالاجماع منهم . قال السخاوي : وهو اكبر الحجج في هذا الباب وبه يقوى الظن في مقاربة الصواب اه‍ . بل حكي ابن حبان : الاجماع على قبول رواية المبتدع إذا لم يكن داعية إلى بدعته فقال في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي (2) من ثقاته : ليس بين اهل الحديث خلاف أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها ان الاحتجاج باخباره جائز فإذا دعى إليها سقط الاحتجاج بخبره اه‍ . لكن اقتصر ابن الصلاح على عزو هذا المذهب إلى الكثير أو الاكثر فقال - بعد حكاية الخلاف - : وقال قوم : تتبل روايته ما لم يكن داعية ولا يقبل إذا كان داعية ، وهذا مذهب الكثير أو الاكثر من العلماء وهو اعدل المذاهب و اولاها ، والاول بعبد مباعد للشائع عن أئمة الحديث فان كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة وفي الصحيحين


(1) الكفاية في علم الدراية الخطيب البغدادي ط حيدر اباد 1357 . (2) تهذيب التهذيب 2 : 95 - 98 ، الثقات 2 : ورقة 124 . (*)

[ 98 ]

كثير من احاديثهم في الشواهد والاصول اه‍ . وسبقه إلى ذلك الحازمي في (شروط الائمة الخمسة) وتبعه كل من اختصر كتابه (1) ، وقد قال الامام الشافعي في الام (2) : ذهب الناس في تأويل القرآن والاحاديث إلى امور تباينوا فبها تباينا شديدا واستحل بعضهم من بعض مما تطول حكايته وكان ذلك متقادما منه ما كان في عهد السلف وإلى اليوم ، فلم نعلم من سلف الائمة من يقتدى به ولا من بعدهم من التابعين رد شهادة احد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم الله عليه فلا نرد شهادة أحد بشئ من التأويل كان له وجه يحتمل وان بلغ فيه استحلال المال والدم اه‍ (3) . وقال ايضا : أقبل شهادة اهل الاهواء إلا الخطابية لانهم يرون شهادة الزور لموافقيهم ، وكذا قال أبو يوسف القاضي : أجيز شهادة اصحاب الاهواء اهل الصدق منهم إلا الخطابية والقدرية الذين يقولون : لا يعلم الله الشئ حتى يكون ، رواه الخطيب في الكفاية (4) . وقال أبو بكر الرازي في الاحكام : ويقبل قول الفاسق وشهادته من وجه آخر ، وهو من كان فسقه من جهة الدين باعتقاد مذهب وهم اهل الاهواء فان شهادتهم مقبولة ، وعلى ذلك جرى أمر السلف في قبول اخبار أهل الاهواء في رواية الاحاديث وشهادتهم ولم يكن فسقهم من جهة الدين مانعا من قبول شهادتهم اه‍ . وقال الحازمي في (شروط الائمة الخمسة) لما تكلم على العدالة :


(1) كشف الظنون 2 : 1047 . (2) الام 1 : 48 - المقدمة - . (3) الكفاية ص 120 . (4) الكفاية في علم الرواية ص 126 . (*)

[ 99 ]

ومنها ان يكون مجانبا للاهوا تاركا للبدع فقد ذهب اكثرهم إلى المنع إذا كان داعية واحتملوا رواية من لم يكن داعية اه‍ . وقال العز بن عبد السلام في القواعد الكبرى (1) : لا ترد شهادة اهل الاهواء لان الثقة حاصلة بشهادتهم حصولها بشهادة اهل السنة أو أولى فان من يعتقد انه مخلد في النار على شهادة الزور أبعد في الشهادة الكاذبة ممن لا يعتقد ذلك ، فكانت الثقة بشهادته وخيره أكمل من الثقة بمن لا يعتقد ذلك ، ومدار قبول الشهادة والرواية على التحقق بالصدق وذلك متحقق في أهل الاهواء ، تحققه في اهل السنة والاصح انهم لا يكفرون ببدعتهم ، ولذلك تقبل شهادة الحنفي إذا حددناه في شرب النبيذ ، لان الثقة بقوله لا تنخرم بشر به لاعتقاده إباحته ، وإنما ردت شهادة الخطابية لانهم يشهدون بناء على أخبار بعضهم بعضا فلا تحصل الثقة بشادتهم لاحتمال بنائها على ما ذكرناه (2) . وقال ابن دقيق العيد : الذي تقرر عندنا أنه لا تعتبر المذاهب في الرواية إذ لا نكفر أحدا من اهل القبلة بذنب إلا بانكار قطعي من الشريعة ، فإذا اعتبرنا ذلك وانضم إليه الورع والتقوى فقد حصل معتمد الرواية ، وهذا مذهب الشافعي حيث يقبل شهادة اهل الاهواء اه‍ . وقال الحافظ في (شرح النخبة) : التحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعة لان كل طائفة تدعى أن مخالفتها مبتدعة وقد تبالغ فتكفرها ، فلو اخذ ذلك على الاطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف ، فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين


(1) عز الدين عبد السلام الشافعي الشامي المتوفى 660 كشف الظنون 2 : 1359 . (2) الكفاية ص 120 - باب ما جاء في الاخذ عن اهل البدع والاهواء والاحتجاج برواياتهم . (*)

[ 100 ]

بالضرورة فاما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما برويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله أصلا اه‍ (1) وقال في ترجمة ابان بن تغلب من التهذيب : التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان وأن عليا كان مصيبا في حروبه ، وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا فلا ترد روايته بهذا لا سيما ان كان غير داعية اه‍ (2) . وقال في مقدمة الفتح (3) : والمفسق ببدعته كالخوارج والروافض الذين لا يغلون وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لاهل السنة خلافا ظاهرا لكنه مستند إلى تأويل ظاهر سائغ ، اختلف اهل السنة في قبول من هذا سبيله إذا كان معروفا بالتحرز من الكذب مشهورا بالسلامة من خوارم المروءة موصوفا بالديانة والعبادة ، فقيل : يقبل مطلقا ، وقيل : يرد مطلقا والثالث : التفصيل بين ان يكون داعية لبدعته أو غير داعية فيقبل غير الداعية ويرد حديث الداعية وهذا المذهب هو الاعدل ، وصارت إليه طوائف من الائمة ، وادعى ابن حبان اجماع اهل النقل عليه ، لكن في دعوى ذلك نظر ، ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل فبعضهم أطلق ذلك وبعضهم زاده تفصيلا ، فقال : ان اشتملت رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته ويزينه ويحسنه ظاهرا فلا تقبل وان لم تشتمل فتقبل ، وطرد بعضهم


(1) شرح نخبة الفكر في مصطلح اهل الاثر ، كشف الظنون 2 : 1936 . (2) تهذيب التهذيب 1 : 94 . (3) هدي الساري مقدمة فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني ط القاهرة 1383 / 1963 في جز أين . (*)

[ 101 ]

هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعية فقال : ان اشتملت روايته على ما يرد بدعته قبل والا فلا ، وعلى هذا إذا شتملت رواية المبتدع ، سواء كان داعية أم لم يكن على ما لا تعلق له ببدعته أصلا هل ترد مطلقا أو تقبل مطلقا مال أبو الفتح القشيري إلى تفصيل آخر فقال : ان وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو اخمادا لبدعته واطفاء لناره ، وإن لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته اه‍ (1) . وقال في مقدمة اللسان : قال الذهبي في ترجمة ابراهيم بن الحكم بن ظهير : اختلف الناس في رواية الرافضة على ثلاثة اقوال أحدها : المنع مطلقا ، والثانى : الترخيص مطلقا إلا فيمن يكذب ويضع ، والثالث : التفصيل ، فتقبل رواية الرافضي الصدوق العارف بالحديث وترد رواية الرافضي الداعية ولو كان صدوقا (2) . قال الحافظ : فالمنع من قبول رواية المبتدعة الذين لم يكفروا ببدعتهم ذهب إليه مالك واصحابه والقاضي أبو بكر الباقلانى واتباعه والقبول مطلقا إلا فيمن يكفر ببدعته وإلا فيمن يستحل الكذب ذهب إليه أبو حنيفة وابو يوسف وطائفة وروي عن الشافعي ايضا ، وأما التفصيل فهو الذي عليه أكثر اهل الحديث ، بل نقل فيه ابن حبان اجماعهم ، ووجه ذلك : ان المبتدع إذا كان داعية كان عنده باعث على رواية ما يشيد به بداعته اه‍ (3) .


(1) مقدمة فتح الباري 2 : 144 . (2) لسان الميزان 1 : 49 . (3) ميزان الاعتدال 1 : 27 . (*)

[ 102 ]

وقال ايضا في ترجمة خالد بن مخلد القطواني من المقدمة : أما التشيع فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الاخذ والاداء لا يضره لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه اه‍ (1) . وقال الذهبي في ترجمة علي بن المديني من الميزان : ما كل احد فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه ، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوما من الخطايا والخطأ اه‍ (2) . وقال الامير الصنعاني في " إرشاد النقاد " (3) : اعلم ان هذه الفوادح المذهبية والابتداعات الاعتقادية ينبغي للناظر ان لا يلتقت إليها ولا يعرج في القدح عليها ، وقد اختار الحافظ وحكاه عن الجماهير غيره ان الابتداع بمفسق لا يقدح به في الراوي إلا ان يكون داعية وهذه مسألة قبول فساق التأويل وكفار التأويل ، وقد نقل في العواصم اجماع الصحابة على قبول فساق التأويل من عشر طرق ومثله في كفار التأويل من اربع طرق ، وإذا رأيت أئمة الجرح والتعديل يقولون : فلان ثقة حجة الا أنه قدري ، أو يرى الارجاء أو يقول بخلق القرآن أو نحو ذلك اخذت بقولهم ثقة وعملت به وطرحت قولهم قدري ولا تقدح به في الرواية غاية ذلك أنه مبتدع ، ولا يضر الثقة بدعته في قبول روايته لما عرفت من كلام الحافظ فان قولهم : ثقة قد أفاد الاخبار بأنه صدوق ، وقولهم : يقول بخلق القرآن مثلا أخبار بأنه مبتدع ولا تضرنا بدعته في قبول خبره اه‍ .


(1) مقدمة الفتح الباري 2 : 163 . (2) ميزان الاعتدال 3 : 141 . (3) البدر الطالع 1 : 396 ، نيل الوطر 2 : 97 . (*)

[ 103 ]

وقال ابن القيم في " الطرق الحكمية " (1) : الفاسق باعتقاده إذا كان متحفظا في دينه فان شهادته مقبولة وان حكمنا بفسقه كاهل البدع والاهواء الذين لا نكفرهم كالرافضة والخوارج والمعتزلة ونحوهم ، هذا منصوص الائمة ولم يزل السلف والخلف على قبول شهادة هؤلاء وروايتهم وانما منع الائمة كالامام احمد بن حنبل وأمثاله قبول رواية الداعي المعلن ببدعته وشهادته والصلاة خلفه هجرا له وزجرا لينكف ضرر بدعته عن المسلمين ففي قبول شهادته وروايته والصلاة خلفه واستقضائه وتنفيذ احكامه رضى ببدعته واقرار له عليها وتعريض لقبولها منه اه‍ (2) . وقال بعده بقليل : إذا غلب على الظن صدق الفاسق قبلت شهادته وحكم بها ، والله سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق فلا يجوز رده مطلقا بل يتثبت فيه حتى يتبين هل هو صادق أو كاذب ، فان كان صادقا قبل قوله وعمل به وفسقه عليه ، وان كان كاذبا رد خبره ولم يلتفت إليه ، وخبر الفاسق وشهادته لرده مأخذان أحدهما : عدم الوثوق به إذ تحمله قلة مبالاته بدينه ونقصان وقار الله في قلبه على تعمد للكذب ، الثاني : هجره على اعلانه بفسقه ومجاهرته به فقبول شهادته ابطال لهذا الغرض المطلوب شرعا ، فإذا علم صدق لهجة الفاسق وأنه من أصدق الناس فلا وجه لرد شهادته ، وقد استأجر النبي صلى الله عليه وآله هاديا يدله على طريق المدينة وهو مشرك على دين قومه ولكن لما وثق بقوله أمنه ودفع إليه راحلته وقبل دلالته .


(1) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ط القاهرة 1372 / 1953 تحقيق محمد حامد الفقي . (2) الطرق الحكمية ص 173 . (*)

[ 104 ]

وقد قال أصبغ بن الفرج (1) : إذا شهد الفاسق عند الحاكم وجب عليه التوقف في القضية وقد يحتج له بقوله تعالى (ان جاء كم فاسق بنبأ فتبينوا) (2) ، ومدار قبول الشهادة وردها على غلبة ظن الصدق وعدمه والصواب المقطوع به أن العدالة تتبعض فيكون الرجل عدلا في شئ فاسقا في غيره ، ومن عرف شروط العدالة وعرف ما عليه الناس تبين له الصواب في هذه المسألة اه‍ . (فصل) : وما سمعته في مطاوي فحاوي هذه النقول من الخلاف في اصل المسألة انما هو في لسان المخالف لا في عمله وفي مقاله لا في تصرفه فانهم مجمعون على توثيق المبتدعة وقبول روايتهم والاحتجاج بأخبارهم لم يخالف في ذلك احد منهم أصلا ، فهذا مالك يتشدد في الرواية عن المبتدعة وينهى عنها ، ثم يروي عن جماعة منهم ويحتج بأحاديثهم ، كثور ابن زيد الديلي (3) ، وثور بن يزيد الشامي (4) ، وداود بن الحصين (5) وهم خوارج قدرية ، وعدي بن ثابت (6) وهو شيعي بل قالوا فيه : رافضي ، والصلت بن زبيد (7) وهو مرجئ ، وغيرهم .


(1) الفقيه الحافظ الاموي المتوفى 225 ، تذكرة الحفاظ 2 : 457 ، مرآة الجنان 2 : 86 ، مختصر دول الاسلام 1 : 105 ، الديباج 97 . (2) سورة الحجرات 49 . (3) ميزان الاعتدال 1 : 373 . (4) تهذيب التهذيب 2 : 33 ، خلاصة تذهيب الكمال : 50 . (5) ميزان الاعتدال 2 : 5 أبو سليمان المدنى المتوفى 135 . (6) خلاصة تذهيب الكمال 123 ، تقريب التهذيب 2 : 16 . (7) تعجيل المنفعة ص 192 .

[ 105 ]

وقد حكى البرقي في " الطبقات " (1) : ان مالكا سئل كيف رويت عن داود بن الحصين ، وثور بن زيد ، وذكر غيرهما ، وكانوا يرمون بالقدر فقال : كانوا لان يخروا من السماء إلى الارض أسهل عليهم من أن يكذبوا كذبة ، كما قال الشافعي في حق ابراهيم بن يحيى (2) القدري الشيعي وقيل فيه ايضا : رافضي لما سئل عن الرواية عنه لان يخر ابراهيم من جبل أحب إليه من أن يكذب وكان ثقة في الحديث ، ولهذا كان يقول : حدثنا الثقة في حديثه المتهم في دينه ، كما كان ابن خزيمة يقول في عباد بن يعقوب (3) أحد رجال البخاري : حدثنا الصادق في روايته المتهم في دينه ، وهذا احمد بن حنبل يبالغ في التنفير من الرواية عنهم والتشديد فيها حتى كان يمنع ولده عبد الله من الكتابة عمن أجاب في المحنة كما سبق ، ثم يروي عن كثير منهم ويحتج لمذهبه بأحاديثهم حتى احتج بغلاتهم كعمران بن حطان ، وتلميذه صالح بن سرح ورشيد الهجري وجابر الجعفي واضرابهم من اهل الغلو وكم لهم من نظير في مسنده (4) . وقد روى عن عبد الرزاق ما لعله يبلغ نصف مسنده (5) وفي عبد الرزاق يقول ابن معين : لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه كما نقله الذهبي عن الحاكم في ترجمة ابن رميح من " طبقات الحفاظ " (6) وقد سأل عبد الله بن احمد أباه فقال له : لم رويت عن أبي معاوية الضرير


(1) محمد بن عبد الرحيم البرقى المتوفى 249 ، الديباج الذهب 233 . (2) اعيان الشيعة 5 : 511 . (3) ميزان الاعتدال 2 : 379 . (4) تهذيب التهذيب 8 : 127 ، اللسان 2 : 88 ، 460 وج 3 : 169 . (5) يعني ان احمد الامام روى نصف مسنده عن عبد الرزاق الصنعاني . (6) تذكرة الحفاظ 3 : 930 ، احمد بن محمد بن رميح النسوي النخعي المتوفى 357 . (*)

[ 106 ]

وكان مرجئا ولم ترو عن شبابة بن سوار وكان قدريا ؟ فقال : لان ابا معاوية لم يكن يدعو إلى الارجاء وشبابة كان يدعو إلى القدر ، وهذا من الامام احمد رحمه الله عذر غير مقبول فانه أكثر من الاحتجاج بأحاديث الدعاة الغلاة كمن سمينا وغيرهم ، وهكذا حال الباقين ممن نقل عنه كلام في منع الرواية عن المبتدعة كشريك فانا وجدناه يروى عن كثير منهم كالصلت بن بهرام (1) وغيره ، على أنه هو متهم ايضا بالقدر فهذا صنيع المتقدمين ، وأما المتأخرون فقد أجمعوا على صحة احاديث الصحيحين وتلقيها بالقبول مع إخراج صاحبيها للمبتدعة والاكثار من الرواية عنهم ، وقد ذكر الذهبي في ترجمة أبي احمد الحاكم من " الطبقات " (2) أنه قال : سمعت ابا الحسن الغازى يقول : سألت البخاري عن ابى غسان فقال : عما تسأل عنه ؟ قلت : شأنه في التشيع ، فقال : هو على مذهب أئمة اهل بلده الكوفيين ، ولو رأيتم عبيدالله بن موسى وابا نعيم وجميع مشأنحنا الكوفيين لما سألتمونا عن ابى غسان يعني لشدتهم في التشيع ، وقد جمع الحافظ اسماء من روى لهم البخاري منهم فسمى نحو السبعين وما أراه استوعب . وأما صحيح مسلم ففيه اكثر من ذلك بكثير حتى قال الحاكم : ان كتابه ملآن من الشيعة ، فهذا كما ترى اجماع على قبول رواية المبتدعة كما قال الحافظ في مقدمة الفتح : إن جمهور الائمة أطبقوا على نسمية الكتابين بالصحيحين وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيحين فهو بمثابة اطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما اه‍ (3) .


(1) تهذيب التهذيب 4 : 432 . (2) تذكرة الحفاظ 3 : 976 ، محمد بن محمد بن احمد المتوفى 378 . (3) مقدمة الفتح الباري 1 : 20 - 25 . (*)

[ 107 ]

وسبقه إلى ذلك ابن دقيق العيد فقال في مختصره : ان اتفاق الناس على تسمية كتابيهما بالصحيحين يلزم منه تعديل رواتهما اه‍ . ويلزم منه ايضا قبول رواية المبتدعة لكنهم خالفوا هذا الفعل بألسنتهم كما قال ابن القيم في (الطرق الحكيمة) عند تقرير رواية المبتدعة وشهادتهم : هذا هو الصواب الذي عليه العمل وإن أنكره كثير من الفقهاء بألسنتهم اه‍ . وقال الامير الصنعاني في (إرشاد النقاد) : قد يصعب على من يريد درك الحقائق وتجنب المهاوي والمزالق معرفة الحق من أقوال أئمة الجرح والتعديل ، بعد ابتداع هذه المذاهب التي طال فيها القال والقيل وفرقت كلمة المسلمين وأنشأت بينهم العداوة والبغضاء وقدح بعضهم في بعض وانتهى الامر إلى الطامة الكبرى من النفسيق والتكفير ، فترى عالما يقدح في راوية كان يقول بخلق القرآن أو بقدم القرآن والقول بالقدر والارجاء والنصب والتشيع ، ثم تراهم يصححون احاديث جماعة من الرواة قد رموهم بتلك الفوادح ، ألا ترى أن البخاري أخرج لجماعة رموهم بالقدر وكذلك مالك ومسلم ، وهذا من صنع أئمة الدين قد يعده الواقف عليه تناقضا ويراه لما قرروه معارضا وليس الامر كذلك ، فانه إذا حقق صنيع القوم وتتبع طرائقهم وقواعدهم علم أنهم لا يعتمدون بعد ايمان الراوي إلا على صدق لهجته وضبط روايته اه‍ . (فصل) : وكذلك ما اشترطوه في قبول رواية المبتدع من أن يكون غير داعية فانه باطل في نفسه مخالف لما هم مجمعون في تصرفهم عليه ، وان أغرب ابن حبان فحكى إجماعهم على اشتراطه فقال : ان الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا اه‍ .


[ 108 ]

ووافقه الحاكم فيما نقله ابن أمير الحاج (1) وإن تقدم عليه ما يخالفه فان هذا ناشئ عن تهور وعدم تأمل ، ويكفي في ابطاله ما تقدم عن جماعة من الائمة كالثوري وابي حنيفة وابى يوسف وابن ابى ليلى وآخرين ، من قبول رواية المبتدع مطلقا سواء كان داعية أو غير داعية ، وعن جماعة من اهل الحديث والكلام من قبول روايته ولو كان كافرا ببدعته ، فكيف وقد احتج الشيخان والجمهور الذين منهم ابن حبان والحاكم الحاكيان لهذا الاجماع بأحاديث الدعاة كحريز بن عثمان وعمران بن حطان وشبابة ابن سوار وعبد المجيد الحمانى واضرابهم ، بل قد فسروا الدعاية بالاعلان والاظهار وإن لم تحصل دعوة بالفعل لانه متى اعلن مذهبه ونشره بين الناس كان الغرض من ذلك الدعاية إليه بتحسينه وترويجه ، وحينئذ فكل مبتدع داعية إلا القليل النادر فما فائدة هذا الاشتراط ، ثم هو ايضا باطل من جهة النظر والدليل ، فان الداعية لا يخلو أن يكون دينا ورعا أو فاسقا فاجرا ، فان كان الاول فدينه وورعه يمنعانه من الاقدام على الكذب ، وإن كان الثاني فخبره مردود لفسقه وفجوره لا لدعوته ، فبطل هذا الشرط من أصله . (فصل) : وأما اشتراط كونه روى ما لا يؤيد بدعته فهو من دسائس النواصب التي دسوها بين اهل الحديث ليتوصلوا بها إلى إبطال كل ما ورد في فضل علي عليه السلام ، وذلك انهم جعلوا آية تشيع الراوي وعلامة بدعته هو روايته فضائل على عليه السلام ، كما ستعرفه ، ثم قرروا ان كل ما يرويه المبتدع مما فيه تأييد لبدعته فهو مردود ولو كان من الثقات ، والذي فيه تأييد التشيع في نظرهم هو فضل علي وتفضيله


(1) محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن علي بن سليمان شمس الدين الحنفي المتوفى 879 ، الضوء اللامع 9 : 210 ، شذرات 7 : 328 . (*)

[ 109 ]

فينتج من هذا أن لا يصح في فضله حديث كما صرح به بعض من رفع جلباب الحياء عن وجهه من غلاة النواصب كابن تيمية واضرابه ، ولذلك تراهم عندما يضيق بهم هذا المخرج ولا يجدون توصلا منه إلى الطعن في حديث لتواتره أو وجود في الصحيحين يميلون به إلى مسلك آخر وهو التأويل وصرف اللفظ عن ظاهره ، كما فعل حريز بن عثمان (1) في حديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وكما فعل ابن تيمية في أكثر ما صح من فضائله بالنسبة إلى اعترافه . وقد حكى ابن قتيبة وهو من المتهمين بالنصب لهذا المذهب عن قبله من المتقدمين ، كما انهم يفعلون ضد ذلك بالنسبة لاعدائه ، فيقول الذهبي في حديث : اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ودعهما في النار دعا أنه من فضائل معاوية ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم من سببته أو لعنته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة ، وقد راجت هذه الدسيسة على اكثر النقاد فجعلوا يثبتون التشيع برواية الفضائل ويجرحون راويها بفسق التشيع ثم يردون من حديثه ما كان في الفضائل ويقبلون منه ما سوى ذلك ، ولعمري انها لدسيسة ابليسية ومكيدة شيطانية كاد ينسد بها باب الصحيح من فضل العترة النبوية لولا حكم الله النافذ والله غالب على أمره " يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون " (2) ، واول من علمته صرح بهذا الشرط وإن كان معمولا به في عصره ابراهيم بن يعقوب الجوزجاني (3) المعروف بين اهل الجرح والتعديل بالسعدي وهو أحد شيوخ الترمذي وابي داود والنسائي وكان من غلاة


(1) الرحبي الحمصي المتوفى 163 ، تهذيب التهذيب 2 : 237 . (2) سورة التوبة 39 . (3) المتوفى 256 / 259 تذكرة الحفاظ 2 : 549 . (*)

[ 110 ]

النواصب بل قالوا : انه حريزي المذهب على رأي حريز بن عثمان (1) وطريقته في النصب ، وكان حريز المذكور يلعن عليا سبعين مرة في الصباح وسبعين مرة بالعشي فقيل له في ذلك ، فقال : هو القاطع رؤوس آبائي واجدادي ، ذكره ابن حبان (2) . وقال اسماعيل بن عياش (3) : عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسب عليا ويلعنه (4) ، وقيل ليحيى بن صالح (5) : لم لم تكتب عن حريز ؟ فقال : كيف أكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة (6) ، واخباره في هذا كثيرة . وقد ذكر الخطيب في ترجمته من تاريخ بغداد ، والحافظ في ترجمة محمد بن حريز من اللسان : ان الحافظ يزيد بن هارون قال : رأيت رب العزة في المنام فقال : يا يزيد لا تكتب عنه فانه يسب عليا (7) ، فالجوزجاني كان على مذهب هذا الخبيث وطريقته في النصب وزاد عليه بالتعصب في الجرح والتعديل ، فكان لا يمر به رجل ممن فيه تشيع إلا جرحه وطعن في دينه وعبر عنه بأنه زائغ عن الحق متنكب عن الطريق مائل عن السبيل ، كما نبه عليه الحافظ في مقدمة اللسان فقال : ومما ينبغي أن يتوقف في قبول


(1) تهذيب التهذيب 1 : 182 . (2) تهذيب التهذيب 2 : 240 ، ميزان الاعتدال 1 : 475 . (3) أبو عتبة العنسي الحمصي المتوفى 181 ، ميزان الاعتدال 1 : 240 . (4) تهذيب التهذيب 2 : 239 . (5) المتوفى 177 ، لسان الميزان 6 : 262 . (6) تهذيب التهذيب 2 : 240 . (7) تاريخ بغداد 14 : 337 . (*)

[ 111 ]

قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد فان الحاذق إذا تأمل ثلب ابى اسحاق الجوزجانى لاهل الكوفة رأى العجب ، وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة اهلها بالتشيع ، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة وعبارة طلقة حتى انه اخذ يلين مثل الاعمش وابى نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث واركان الرواية اه‍ (1) . ولما نقل عنه في مقدمة الفتح أنه قال في اسماعيل بن أبان الوراق : مائلا عن الحق ، قال ابن عدي يعني ما عليه الكوفيون من التشيع تعقب ذلك بقوله : كان الجوزجانى ناصبيا منحرفا عن علي فهو ضد الشيعي المنحرف عن عثمان والصواب موالاتهما جميعا ولا ينبغي أن يسمع قول مبتدع في مبتدع اه‍ (2) . ونص على ذلك في غير ترجمة منها : ترجمة المنهال بن عمرو فهذا الناصبي هو أول من نص على هذه القاعدة فقال في مقدمة كتابه في (الجرح والتعديل) كما نقله عنه الحافظ في مقدمة اللسان : ومنهم زائغ عن الحق صدوق اللهجة قد جرى في الناس من حديثه لكنه مخذول في بدعته مأمون في روايته فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا ان يؤخذ من حديثهم ما يعرف إلا ما يقوى به بدعتهم فيتهم بذلك (3) اه‍ . فانظر كيف اعترف بأنه صدوق اللهجة مأمون الرواية ثم اتهمه مع ذلك بالكذب والخيانة مما هو تناقض محض وتضارب صريح ، ليؤسس بذلك قاعدة التحكم في مرويات المبتدع الذي يقصد به المتشيع من قبول ما كان


(1) لسان الميزان 1 : 11 - خطبة الكتاب . (2) مقدمة فتح الباري 2 : 151 ، الكامل 1 : ورقة 108 . (3) لسان الميزان 1 : 11 . (*)

[ 112 ]

منها في الاحكام وشبهها ، ورد ما كان منها في الفضائل حتى لا يقبل في فضل علي حديث وهذا الشرط لو اعتبر لافضى إلى رد جميع السنة إذ ما من راو إلا وله في الاصول والفروع مذهب يختاره ورأي يستصوبه ويميل إليه مما غالبه ليس متفقا عليه ، فإذا روى ما فيه تأييد لمذهبه وجب أن يرد ولو كان تقة مأمونا لانه لا يؤمن عليه حينئذ غلبة الهوى في نصرة مذهبه كما لا يؤمن المبتدع الثقة المأمون في تأييد بدعته ، فكما لا يقبل من الشيعي شئ في فضل علي كذلك لا يقبل من غيره شئ في فضل ابي بكر ، ثم لا يقبل من الاشعري ما فيه دليل التأويل ولا من السلفي ما فيه دليل التفويض ، ثم لا يقبل من الشافعي ما فيه تأييد مذهبه ، ولا من الحنفي كذلك ، وهكذا بقية أصحاب الائمة الذين لم يخرج مجموع الرواة بعدهم عن النعلق بمذهب واحد منهم أو موافقته ، خصوصا وقد وجدنا في اهل كل مذهب من يضع الاحاديث ويفتريها لنصرة مذهبه . وحينئذ فلا يقبل في باب من الابواب حديث إلا إذا بلغ رواته حد التواتر أو كان منفقا على العمل به وذلك بالنسبة لخبر الآحاد وما هو مختلف فيه قليل ، وبذلك ترد اكثر السنة أو ينعدم المقبول منها وهذا في غاية الفساد فالمبنى عليه كذلك إذ الكل يعتقد أن مذهبه حق ورأيه صواب ، وكونه باطلا وبدعة في نفسه أمر خارج عن معتقد الراوي ، ولهذا لم يعتبروا هذا الشرط ولا عرجوا عليه في تصرفاتهم ايضا بل احتجوا بمارواه الشيعة الثقات مما فيه تأييد مذهبهم ، واخرج الشيخان فضائل علي عليه السلام من رواية الشيعة كحديث أنت مني وأنا منك اخرجه البخاري (1) من رواية عبيد الله بن موسى العبسى الذي اخبر البخاري


(1) صحيح البخاري 2 : 208 ط مصر 1304 . (*)

[ 113 ]

عنه انه كان شديد التشيع (1) ، وحديث : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ، اخرجه مسلم من رواية عدي بن ثابت وهو شيعي غال داعية (2) ، وهكذا فعل بقية الائمة اصحاب الصحاح والسنن والمصنفات الذين لا يخرجون من الحديث إلا ما هو محتج به وصرحوا بصحة كثير منها ، وذلك كثير لمتتبعه دال على بطلان هذا الشرط وغيره مما سبق وانه لا يعتبر في صحة الخبر وقبوله إلا ضبط الراوي وصدقه كما هو حال عبد السلام بن صالح راوي حديث الباب وكثير من متابعيه كما أوضحناه والله المستعان . (الوجه الثاني) : أنهم جرحوه بالكذب ونكارة الحديث ، وهذا الجرح بالنسبة له باطل مردود ، فان عبد السلام ما كان كذابا ولا منكر الحديث ، بل كان ثقة صالحا مأمونا صادقا كما قال : من خالطه وعرفه وعاشره وخبره ، وذلك أن الاعتماد في معرفة صدق الراوي وضبطه إنما هو على اعتبار أحاديثه وتتبع مروياته ، فإذا كانت موافقة لمرويات الثقات غير مخالفة للمعقول ولا للشائع المعروف من المنقول عرف أنه صادق في حديثه ضابط لمروياته ، وإن انفرد واغرب وخالف الثقات و + أتى بالمنكرات عرف أنه ضعيف غير صادق في خبره ولا ضابط لما يرويه ، كما قال ابن الصلاح : يعرف كون الراوي ضابطا بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات


(1) راجع التاريخ الكبير للبخاري ترجمة عبيد الله العبسي . (2) هذا الحديث غير موجود في صحيح مسلم على اختلاف طبعاته ولماذا . . ؟ أنا لست أدري . . وأخرجه بهذا الاسناد جمع حافل من أئمة الحديث والحفاظ الفطاحل كما في مسند الامام أمير المؤمنين عليه السلام من الغدير وهو الحديث الاول من المسند المذكور . (*)

[ 114 ]

المعروفين بالضبط والاتقان فان وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو موافقة لها في الاغلب والمخالفة نادرة عرفنا كونه ضابطا ثبتا وإن وجدنا كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه اه‍ . وكما قال مسلم في مقدمة صحيحه : وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من اهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها ، فان كان الاغلب من حديثه كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله (1) اه‍ . ولهذا تجد اهل الجرح والتعديل يجرحون الراوى أو يعدلونه وبينهم وبينه قرون عديدة كما قال يحيى بن معين : إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ مائتي سنة ذكره الذهبي في ترجمة ابن ابي حاتم من طبقات الحفاظ (2) وذلك أنهم يتتبعون مروياته ويعتبرون احاديثه فان وجدوها نقية ليس فيها ما يستنكر مع عدم انفراده بها أو بأكثرها علموا صدقه وضبطه ، وإن وجدوه يأتي بالمنكرات والغرائب نظروا فان تابعه عليها مثله أو أقوى منه حكموا ببراءته وصدقه ايضا ، وإن لم يتابعه احد نظروا في الرواة فوقه ودونه فان كان فيهم ضعيف أو مجهول احتمل ان تكون النكارة من أحدهم ، كما قال الحافظ في اللسان في ترجمة محمد بن نوح الاصبهاني الذي روى عن الطبراني عن مقدام بن داود عن عبد الله بن يوسف عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : طعام البخيل داء وطعام السخي شفاء ، ورواه عنه أبو العباس العدوي فقال القاضي عياض : الحمل فيه على العدوى أو على المقدام فتعقبه الحافظ بقوله


(1) صحيح مسلم 1 : 7 . (2) تذكرة الحفاظ 3 : 831 . (*)

[ 115 ]

ولا يلصق الوهم بسبب إلا بعد معرفة محمد بن نوح اه‍ (1) . وإن كانوا ثقات معروفين انحصرت التهمة وحكموا بأن الغرابة والنكارة منه فان كان ذلك منه على سبيل القلة والندرة احتملوه وعرفوا أنه قليل الضبط ، وإن تكرر ذلك منه حكموا بضعفه لسوء حفظه فردوا من حديثه ما انفرد به ، لاحتمال ان يكون قدوهم فيه أو انقلب منه السند أو المتن عليه وقبلوا ما تابعه عليه غيره لبعد احتمال الوهم والخطأ من الاثنين والثلاثة ، هذا إذا كان الحديث مما يحتمل اما إذا كان ظاهر الوضع واضح البطلان وانفرد به عن الثقات فانهم يحكمون عليه حينئذ بأنه كذاب وضاع ، كقول ابن عدي في ابراهيم بن البراء : ضعيف جدا حدث بالبواطيل واحاديثه كلها مناكير موضوعة (2) ومن اعتبر حديثه علم انه ضعيف جدا متروك الحديث . وقول ابن حبان في ابراهيم بن ابي حية (3) : روى عن جعفر وهشام مناكير وأوابد يسبق إلى القلب انه المتعمد لها ، وقول ابن ابى حاتم (4) في ابراهيم بن عكاشة : روى عن الثوري خبرا منكرا دل على أنه ليس بصدوق (5) ، وقول النباتي صاحب الحافل في احمد بن


(1) لسان الميزان 5 : 408 . (2) ميزان الاعتدال 1 : 21 ، الكامل 1 : ورقة 88 . (3) المصدر السابق 1 : 29 . (4) الحافظ عبد الرحمان بن ابى حاتم محمد بن ادريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي المتوفى 327 ، طبقات الشافعية 2 : 237 ، تذكرة الحفاظ 3 : 46 ، مرآة الجنان 2 : 289 ، طبقات المفسرين 17 ، البداية والنهاية 11 : 191 ، وطبع كتابه الجرح والتعديل في حيدر اباد سنة 1371 / 1952 . (5) لسان الميزان 1 : 83 ، الجرح والتعديل 1 ق 1 : 117 . (*)

[ 116 ]

الحسن الكوفي وقد روى حديثا منكرا : حق لمن يروي مثل هذا الحديث ان لا يكتب حديثه (1) ، وقول ابن حبان في احمد بن محمد الحماني : راودني اصحابنا على ان اذهب إليه فأسمع منه فأخذت جزءا لانتخب فيه فرأيته حدث عن يحيى بن سليمان بن نضلة عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : رد دانق من حرام أفضل عند الله من سبعين حجة مبرورة ، ورأيته حدث عن هناد عن ابى اسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : لرد دانق من حرام أفضل من مائة الف تنفق في سبيل الله ، فعلمت أنه يضع الحديث فلم أذهب إليه ، وقول مسلمة بن قاسم في بكر بن سهل الدمياطي : تكلم الناس فيه ووضعوه من اجل الحديث الذي حدث به عن يحيى بن سعيد بن كثير عن يحيى بن ايوب عن مجمع بن كعب عن مسلمة بن خالد رفعه : أعروا النساء يلزمن الخجال (2) . وقول الذهبي في جعفر بن حميد الانصاري وقد اسند حديثا من طريقه عن جده عمر بن ابان ما نصه : عمر بن ابان لا يدرى من هو والحديث إنما دلنا على ضعفه (3) ، وقول ابن ابى حاتم في الحسن بن رشيد : حديثه يدل على الانكار ، وذلك أنه روى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس : من جلس في حر مكة ساعة باعد الله عنه جهنم سبعين خريفا (4) . وقول ابن حبان في حميد بن على القيسي : أتيناه بالبصرة فإذا شيخ مظهر للصلاح والخير فأملا علينا عن عبد الواحد بن غياث عن حفص


(1) لسان الميزان 1 : 151 . (2) لسان الميزان 2 : 51 ، و 1 : 270 ، تاريخ ابن عساكر 2 : 56 . (3) ميزان الاعتدال 1 : 405 . (4) ميزان الاعتدال 1 : 490 ، الجرح والتعديل ق 2 ج 1 : 14 . (*)

[ 117 ]

ابن غياث عن الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة مرفوعا : الاذان والاقامة مثنى مثنى اللهم فارشد الائمة واغفر للمؤذنين فقلت : زدنا ، قال : ثنا يحيى بن حبيب ، ثنا خالد بن الحارث ، ثنا شعبة ، عن الاعمش ، عن ابي صالح ، عن ابي هريرة مرفوعا : انه كان يصلي حتى ترم قدماه ، حدثنا هدبة ، ثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعا : إذا كان يوم القيامة بعث الله على قوم ثيابا خضرا بأجنحة خضر فيسقطون على حيطان الجنة ، فيقول لهم خزنة الجنة : ما انتم أما شهدتم الحساب أما شهدتم الموقف ؟ قالوا : لا نحن عبدنا الله سرا فأحب ان يدخلنا الجنه سرا ، قال : فقمنا وتركناه وعلمنا أنه لم يتعمد فانه لا يدري ما يقول (1) . قال الذهبي : يعني ابن حبان أنه ما اتى بهذه الاحاديث بين يدي الطلبة الحفاظ إلا وهو لا يعي ما يخرج من رأسه (2) ، وقول الخطيب : في الرواة عن مالك في ترجمة الهيتم بن خالد الخشاب قال مطين : كان عبد الرحمن بن نمير قال : اذهب فاكتب عن هيتم الخشاب فذهبت إليه ثم جئت فألقيت عليه هذا الحديث فقال : هذا قد كفانا مؤنته . قال الخطيب : يعني ان رواية مثل هذا الحديث تبين حال راويه لانه باطل لا أصل له (3) . وذكر الذهبي في كتاب (العلو) له حديثا في فضل علي والعباس باسناد رجاله ثقات ثم قال : هذا موضوع في نقدي فلا أدري من آفته وسفيان بن بشر ثقة مشهور ما رأيت فيه جرحا فليضعف بمثل هذا اه‍ (4) .


(1) لسان الميزان 2 : 365 نقلا عن ابن حبان . (2) لسان الميزان 2 : 366 . (3) ميزان الاعتدال 4 : 322 ، تاريخ بغداد 14 : 62 . (4) لم اجد لهذا الكتاب اشارة في ضمن مؤلفات الذهبي . (*)

[ 118 ]

إلى غير ذلك . لكنهم قد يتهمون الراوي ويضعفونه بحديث يكون في الواقع بريئا منه لوجود المتابعين له أو وجود المجاهيل في السند فوقه أو دونه ، وكثيرا ما يقع هذا لابن حبان من المتقدمين ، ولابن الجوزي من المتأخرين ، وربما وقع ذلك للذهبي ايضا حتى قال الحافظ في ترجمة علي بن صالح الانماطي من اللسان وقد اتهمه الذهبي بحديث هو برئ منه ما نصه : ينبغي التثبت في الدين يضعفهم الذهبي من قبله اه‍ (1) . (فصل) : وأما ما يترتب عليه هذا الحكم وهو معرفة كون الحديث منكرا لا أصل له فذلك بأمور ، منها : ما هو واضح جلى يشترك في معرفته كل من له دراية بالحديث كركاكة اللفظ والمعنى واشتماله على المجازفات والافراط في الوعيد الشديد على الامر اليسير ، أو الوعد العظيم على الفعل اليسير ، وغير ذلك مما هو مذكور في كتب الموضوعات واصول الحديث ، ومنها : ما هو خفي لا يدركه إلا البزل في هذا الشأن وأهمها أمران : (الامر الاول) : التفرد من الراوي المجهول أو المستور أو من لم يبلغ من الحفظ والشهرة ما يحتمل معه تفرد ما يجب ان يشاركه غيره فيه ، أو في أصله تفردا باطلاق أو بالنسبة إلى شيخ من الحفاظ المشاهير كما قال مسلم في مقدمة صحيحه : ان حكم اهل العلم والذى نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من اهل العلم والحفظ في بعض ما رووا ولو أمعن في ذلك على الموافقة لهم فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند اصحابه قبلت زيادته ، فاما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة اصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو لمثل هشام بن عروة وحديثهما عند


(1) لسان الميزان 4 : 235 . (*)

[ 119 ]

اهل العلم مبسوط مشترك ، قد نقل اصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في اكثره فيروى عنهما أو عن احدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه احد من اصحابهما ، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس اه‍ (1) . ولهذا تجدهم يضعفون الراوي بقولهم : اتى بأحاديث لا يتابع عليها أو ينفرد ويغرب عن الثقات ونحو هذا من العبارات ، حتى انهم يحكمون بضعفه وكذبه في احاديث صحيحة أو متواترة لا غرابة في اسنادها وانفراده بروايتها عن شيوخ ليست معروفة من روايتهم ، كقول الدارقطني في غرائب مالك عقب ما رواه من طريق ابى داود وابراهيم بن فهد عن القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه : لا يحل لمسلم ان يهجر أخاه فوق ثلاث ، هذا باطل (2) . وقوله فيه ايضا عقب ما رواه احمد بن عمر بن زنجويه عن هشام ابن عمار عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه : البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته : هذا باطل بهذا الاسناد (3) . وقوله عقب ما رواه من طريق احمد بن محمد بن عمران عن عبد الله ابن نافع الصائغ عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة : الحديث لا يثبت بهذا الاسناد واحمد بن محمد مجهول (4) . وقوله فيه ايضا عقب ما رواه من طريق الحسن بن يوسف عن


(1) صحيح مسلم 1 : 7 ط القاهرة 1374 . (2) الموطأ ص 386 ط حيدر اباد . (3) سنن الدارقطني 1 : 34 . (4) صحيح البخاري 7 : 13 . (*)

[ 120 ]

بحر بن نصر عن ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه : اتقوا النار ولو بشق تمرة (1) : هذا منكر بهذا الاسناد لا يصح ، ولما نقله الحافظ العراقى في ذيل الميزان عقبه بقوله : رواته ثقات غيره فهو المتهم به عمدا أو وهما اه‍ . مع أن هذه الاحاديث كلها صحيحة مخرجة في الصحيحين ما عدا حديث البحر فانه في الموطأ (2) ، وله طرق متعددة صححه بعض الحفاظ من اجلها . ونقل الذهبي في ترجمة ابراهيم بن موسى المروزى عن الامام احمد انه قال فيما رواه ابراهيم المذكور عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : طلب العلم فريضة على كل مسلم : هذا كذب ، قال الذهبي يعني بهذا الاسناد وإلا فالمتن له طرق ضعيفة (3) . وقال في ترجمة اسحاق بن محمد البيروتى من مناكيره روايته عن مالك عن نافع عن ابن عمر قلت : يا رسول الله ارسل وأتو كل ؟ قال : بل قيد وتوكل : هذا بهذا الاسناد باطل ، ويروى هذا باسناد آخر فيه ضعف (4) . وقال الحافظ في ترجمة احمد بن محمد بن الصلت من اللسان : ومن مناكيره روايته عن بشر الحافي عن اسماعيل بن ابي اويس عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : ازهد في الدنيا يحبك الله ، الحديث رواه ابن عساكر في تاريخه (5) ، وهذا الحديث بهذا الاسناد باطل وانما يعرف من حديث


(1) سنن الدارقطني 2 : 125 . (2) الموطأ ص 286 ط حيدر اباد . (3) ميزان الاعتدال 1 : 69 . (4) ميزان الاعتدال 1 : 199 . (5) لسان الميزان 1 : 277 ، تاريخ ابن عساكر 2 : 56 . (*)

[ 121 ]

سهل بن سعد الساعدي باسناد ضعيف (1) . ونقل ايضا في ترجمة اسحاق بن مالك الحضرمي عن الازدي انه قال : فيما رواه اسحاق المذكور عن يحيى بن الحارث الدماري عن القاسم عن ابي امامة رفعه : السواك مطهرة للفم مرضاة للرب : لا يصح ، قال الحافظ : يعني بهذا الاسناد (2) . وقال الذهبي في ترجمة موسى بن ابراهيم الدمياطي خبره باطل عن مالك عن نافع عن ابن عمر : من بدل دينه فاقتلوه ، فكتب عليه الحافظ وليس المتن باطلا وانما اطلق المصنف ذلك بالنسبة لهذا الاسناد (3) . وقال الحافظ في (تعجيل المنفعة) في ترجمة الربيع بن مالك قال البخاري : لم يثبت حديثه ، وتبعه ابن ابي حاتم وهو في القول إذا نزل المسافر منزلا وهو حديث صحيح مخرج في الصحيح لكن من طريق سعد بن ابي وقاص عن خولة ، وإنما نفى البخاري ثبوته من جهة هذا الاسناد الخاص اه‍ (4) . ولما نقل الذهبي في ترجمة رزق الله بن الاسود عن العقيلي (5) انه قال : حديثه منكر ، وتعقبه بأن المتن صحيح تعقبه الحافظ في اللسان بقوله : استدراك الذهبي المذكور يلزمه في احاديث لا تحصى في كتابه هذا فانهم يضعفون الرجل برواية تتعلق بالاسناد دون المتن إما ان يكون مقلوبا أو مركبا أو نحو ذلك مما يدل على ضعف الراوي وسوء حفظه اه‍ (6) .


(1) لسان الميزان 1 : 272 . (2) المصدر السابق 1 : 370 . (3) المصدر السابق 6 : 112 . (4) تعجيل المنفعة ص 125 ، الجرح والتعديل 1 ق 2 : 468 . (5) ميزان الاعتدال 1 : 337 . (6) لسان الميزان 2 : 458 . (*)

[ 122 ]

وقال الحافظ السيوطي في كتاب المبتدأ من " اللآلئ المصنوعة " (1) اعلم انه قد جرت عادة الحفاظ كالحاكم وابن حبان والعقيلي وغيرهم أنهم يحكمون على حديث بالبطلان من حيثية سند مخصوص لكون راويه اختلق ذلك السند لذلك المتن ، ويكون ذلك المتن معروفا من وجه آخر ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به فيغتر ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن بالوضع مطلقا اه‍ ، إلى غير هذا مما قد ذكرت الكثير منه في حصول التفريج بأصول التخريج (2) . (الامر الثاني) : مخالفته للاصول والثابت المعروف من المنقول ، كما نقل ابن الجوزي عن بعضهم أنه قال : إذا رأيت الحديث يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الاصول فاعلم أنه موضوع اه‍ . فإذا وجدوا الحديث كذلك حكموا بوضعه ولو كان رجاله ثقات ، أو مخرجا في الصحيح كالحديث الذي رواه مسلم من طريق عكرمة بن عمار عن ابي زميل عن عبد الله بن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى ابى سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وآله : ثلاث خلال أعطيهن قال : نعم ، قال : عندي أحسن العرب وأجمله ام حبيبة بنت ابي سفيان أزوجكها ، قال : نعم . الحديث (3) ، فهذا مخالف لما ثبت بالتواتر ان ام حبيبة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل إظهار ابي سفيان للاسلام ، زوجها إياه النجاشي وهي في الحبشة ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله قبل ان يظهر ابوها الاسلام ، لا خلاف بين اهل


(1) في الاحاديث الموضوعة ط القاهرة 1317 في جز أين . (2) اللآلي المصنوعة 1 : 54 . (3) صحيح مسلم 4 : 1945 . (*)

[ 123 ]

السير والاخبار في ذلك (1) ، ولهذا صرح ابن حزم وجماعة بأنه موضوع وقد أجاب عنه جماعة بأجوبة متعددة ليس فيها ما يساوي سماعه أورد جميعها ابن القيم في " جلاء الافهام " (2) وبين بطلانها ، والحق انه موضوع حصل عن سهو وغلط لا عن قصد وتعمد ، والموضوع الذي هو من هذا القبيل موجود في الصحيحين كما نقل الحافظ شمس الدين ابن الجزري في " المصعد الاحمد " (3) عن ابن تيمية انه قال : ان الموضوع يراد به ما يعلم انتفاء مخبره وان كان صاحبه لم يتعمد الكذب بل أخطأ فيه وهذا الضرب في المسند منه بل وفى سنن ابى داود والنسائي ، وفي صحيح مسلم والبخاري ايضا الفاظ في بعض الاحاديث من هذا الباب اه‍ . وكحديث الاسراء الذي رواه البخاري ومسلم (4) من رواية شريك فان فيه زيادات باطلة مخالفة لما رواه الجمهور وهم فيها شريك إلا ان مسلما ساق اسناده ولم يسق لفظه ، وكالحديث الذي رواه البخاري من حديث ابى هريرة مرفوعا : يلقى ابراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة الحديث ، وفيه : فيقول ابراهيم : يا رب انك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي ، إلا بعد الحديث فقد طعنوا فيه بأنه مخالف لقوله تعالى : " وما كان استغفار ابراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه " (5) .


(1) صحيح مسلم - الهامش -) 4 : 1945 . (2) جلاء الافهام في فضل الصلاة والسلام على خير الانام - كشف الظنون 1 : 592 . (3) المصعد الاحمد في ختم مسند احمد ط القاهرة 1347 / 1929 . (4) مفتاح كنوز السنة 42 ، صحيح مسلم 2 : 217 ، شريك بن عبد الله بن أبى نمر . (5) سورة التوبة 114 . (*)

[ 124 ]

وقال الاسماعيلي : هذا خبر في صحته نظر من جهة ان ابراهيم علم أن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما صار لابيه خزيا مع علمه بذلك اه‍ . وان كان الحافظ قد أجاب عن هذا بما يطلب من تفسير سورة الشعراء من الفتح له (1) ، وكذلك طعن يعقوب بن سفيان في حديث زيد بن خالد الجهني أن عمر قال : يا حذيفة بالله أنا من المنافقين ، وقال : هذا محال اه‍ (2) . ولكن هذا غير وارد لانه صدر من عمر رضي الله عنه ، عند غلبة الخوف وعدم أمن المكر أو على سبيل التواضع كما أجاب عنه الحافظ في مقدمة الفتح (3) ، وكالحديث الذى رواه مسلم عن ابى هريرة : خلق الله التربة يوم السبت ، وذكر باقى الايام (4) فقد حكموا بوضعه لمخالفته نص القرآن في أن الخلق كان في ستة ايام لا في سبعة ، ولاجماع اهل الاخبار على ان السبت لم يخلق فيه شئ ، وقد بين علته البيهقي في " الاسماء والصفات " (5) ، واشار إلى بعضها ابن كثير في سورة البقرة (6) وانه مما غلط فيه بعض الرواة فرفعه ، وإنما سمعه أبو هريرة من كعب الاحبار إلى غير ذلك من أحرف وقعت في الصحيحين من هذا القبيل ترى الكثير منها في كلام ابن حزم على الاحاديث ، وأما ما هو خارج الصحيحين فكثير جدا ، من ذلك استدلال الذهبي على بطلان حديث المتعبد خمسمائة سنة على رأس جبل وفيه قول الحق سبحانه وتعالى :


(1) الفتح الباري 8 : 404 - 405 . (2) تهذيب التهذيب 3 : 410 . (3) مقدمة الفتح الباري 2 : 129 . (4) صحيح مسلم 8 : 127 . (5) ص 384 ط القاهرة 1358 . (6) تفسير ابن كثير 1 : 68 ، 69 . (*)

[ 125 ]

قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله فيجدوا نعمة البصر قد أحاطت بخمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسد له فيقول : ادخلوا عبدي النار . . الحديث ، بأنه مخالف لقوله تعالى : " ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون " (1) ، ذكر ذلك في ترجمة سليمان بن هرم من الميزان (2) . واستدلاله على بطلان حديث ميسرة : أن عليا عليه السلام نزل مسكنا فأمر بنبيذ فنبذ في الخوابى فشرب وسقى اصحابه فأخذ رجلا قد سكر ليحده ، فقال : يا أمير المؤمنين تحدني على شراب قد سقيتنيه ؟ فقال : ليس احدك على الشراب انما احدك على السكر ، بأن هذا من صور التكليف بما لا يطاق ، ذكر ذلك في ترجمة طالب بن عبد الله (3) . واستدلاله ايضا على بطلان حديث : من علق في مسجد قنديلا صلى عليه سبعون الف ملك ومن بسط فيه حصيرا فله من الاجر كذا وكذا ، بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يوقد في حياته في مسجده قنديل ولا بسط فيه حصير ، ولو كان قال لاصحابه هذا لبادروا إلى هذه الفضيلة ، وسبقه إلى ذلك ابن حبان ذكره في ترجمة عاصم بن سليمان (4) . واستدلاله ايضا على بطلان حديث : ان الله أحيا لي امي فآمنت بأنه مخالف لما صح انه عليه الصلاة والسلام استأذن ربه في الاستغفار لها فلم يؤذن له ، ذكره في ترجمة عبد الوهاب بن موسى (5) . واستدلال


(1) سورة النحل 32 . (2) ميزان الاعتدال 2 : 227 . (3) ميزان الاعتدال 2 : 333 ان الوقعة هذه كانت مع سيدنا عمر . . كما في الغدير 6 : 251 - 261 . (4) ميزان الاعتدال 2 : 351 ، الثقات 1 ورقة 175 . (5) المصدر السابق 2 : 684 . (*)

[ 126 ]

بعض الحفاظ على كذب حديث : ما أنا وأمة سوداء سفعاء الخدين عملت بطاعة الله إلا سواء بأن الله لم يجعل لنبيه عدلا من أمته ، نقله الحافظ في ترجمة شداد بن عبيد الله من اللسان (1) . وقال الحافظ أبو موسى المديني في خصائص المسند " (2) : ومن الدليل على ان ما اودعه الامام أحمد رحمه الله تعالى مسنده قد احتاط فيه اسنادا ومتنا ولم يورد فيه إلا ما صح عنده على ما اخبرنا أبو علي قال : ثنا أبو نعيم ح ، وانا ابن الحصين قال : انا ابن المذهب قال : انا القطيعي ، ثني عبد الله ، ثنى ابى ، ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن ابى التياح قال : سمعت ابا زرعة يحدث عن ابى هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : يهلك أمتي هذا الحي من قريش ، قالوا : فما تأمرنا يارسول الله قال : لو ان الناس اعتزلوهم . قال عبد الله : قال ابى في مرضه الذي مات فيه : اضرب على هذا الحديث فانه خلاف الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني قوله : اسمعوا واطيعوا ، قال أبو موسى : وهذا مع ثقة رجال اسناده حين شذ لفظه عن الاحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه (3) . واستدلال الحافظ على كذب ابن بطة الحنبلي الفقيه المشهور ، وعلى وضع زيادة زادها في حديث كلم الله موسى ، وهي قوله : من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة بأن كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين ، وسبقه


(1) لسان الميزان 3 : 140 . (2) محمد بن ابى بكر عمر بن احمد الاصبهاني المتوفى 581 تذكرة الحفاظ 4 : 1334 ، شذرات الذهب 4 : 272 ، وفيات الاعيان 2 : 615 ، طبقات الشافعية 4 : 90 ، الروضتين 2 : 68 ، طبقات القراء 2 : 215 . (3) مسند احمد 2 : 301 ط الاولى وج 15 : 161 ط الثانية . (*)

[ 127 ]

إلى ذلك ابن الجوزي واستدل هو والذهبي على بطلان حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر ، كان خاتم النبوة مثل البندقة من لحم مكتوب عليه محمد رسول الله ، بمخالفته الاحاديث الصحيحة في صفة ختم النبوة . واستدل الحافظ السيوطي على بطلان حديث من قال : أنا عالم فهو جاهل بورود ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وأفرد لذلك جزأ سماه " أعذب المناهل " (1) وأورد شواهده في الصواعق على النواعق (2) إلى غير ذلك . وقد أكثر ابن الجوزي في موضوعاته من الحكم على الاحاديث بالوضع من هذا الطريق ، وسبقه إلى ذلك الجوزقانى في موضوعاته (3) فانه بين فيه كما قال الذهبي : احاديث واهية بمعارضة احاديث صحاح لها وهذا موضوع كتابه لانه سماه (الاباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير) يذكر الحديث الواهي ويبين علته ثم يقول : باب في خلاف ذلك ، ثم يذكر حديثا صحيحا ظاهره يعارض الذي قبله ، قال الذهبي : وعليه في كثير منه مناقشات اه‍ . وكذلك بين صنيعه هذا الحافظ السيوطي في أول كتاب الايمان من اللآلي المصنوعة (4) . (فصل) : إذا تقرر هذا وعلمت ان جرح الراوي يكون بسبب


(1) اعذب المناهل في حديث من قال : أنا عالم فهو جاهل ، كشف الظنون 1 : 121 . (2) ميزان الاعتدال 1 : 2 - المقدمة - . (3) أبو اسحاق ابراهيم بن يعقوب بن اسحاق الجوزجاني المتوفى 259 / 256 تذكرة الحفاظ 2 : 117 ، البداية 11 : 31 ، تهذيب التهذيب 1 : 181 ، شذرات 2 : 139 . (4) اللآلي المصنوعة 1 : 18 - 19 . (*)

[ 128 ]

روايته للمنكرا ت والموضوعات وأن النكارة والوضع يعرفان بالتفرد ومخالفة الاصول ، فاعلم أن عبد السلام بن صالح لم يتفرد بشئ من مروياته ولا وقع فيها ما هو منكر مخالف للاصول حتى يجرح ويحكم بكونه منكر الحديث ، فانهم حكموا عليه بذلك من اجل روايته لحديث الباب ، وحديث الايمان إقرار بالقول ، فقد قال الخطيب في ترجمته من تاريخ بغداد : قد ضعف جماعة من الائمة ابا الصلت وتكلموا فيه بغير هذا الحديث ، ثم نقل عن الدار قطني أنه قال : روى عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : الايمان إقرار بالقول وعمل بالجوارح الحديث وهو متهم بوضعه لم يحدث به إلا من سرقه منه اه‍ (1) . وكذلك فعل ابن الجوزى فانه لم يورد له في الموضوعات سوى هذين الحديثين وهو منهم تحامل لا دليل عليه ولا موجب له سوى موالاته لاهل البيت كعادتهم مع غيره فانه لم ينفرد بهذين الحديثين حتى يتهم بهما ويتحامل عليه من أجلهما . أما حديث الباب فقد عرفت ما فيه ، وأما حديث الايمان فقد تابعه عليه جماعة منهم : احمد بن عامر بن سليمان الطائي (2) وعلي بن غراب وهو ثقة ، وثقة ابن معين والدار قطني ، وقال احمد : ما رأيته إلا صدوقا واحتج به النسائي (3) ، وكذلك تابعه محمد بن سهل البجلى (4) أخرج هذه المتابعات الثلاث الخطيب في التاريخ وتابعه ايضا داود بن سليمان بن وهب الغازي ، اخرجه أبو زكريا البخاري ففوائده .


(1) تاريخ بغداد 11 : 47 . (2) لسان الميزان 1 : 190 . (3) المتوفى 184 تهذيب التهذيب 7 : 372 . (4) تهذيب التهذيب 9 : 207 . (*)

[ 129 ]

وقال الحافظ أبو الحجاج المزي في " التهذيب " (1) : تابع ابا الصلت على هذا الحديث الحسن بن علي التميمي الطبرستاني عن محمد صدق‍ العنبري ، عن موسى بن جعفر ، وتابعه احمد بن عيسى بن علي ابن الحسين بن علي بن ابى طالب العلوي ، عن عباد بن صهيب عن جعفر اه‍ . قال الحافظ السيوطي : ومتابعتهما في فوائد تمام ، وتابعه ايضا احمد بن محمد بن ابراهيم البلاذري الحافظ (2) ، اخرجه الحافظ الشيرازي في " الالقاب " (3) ، وتابعه ايضا محمد بن زياد السهمى اخرجه الصابونى في المائتين ، وتابعه ايضا محمد بن اسلم اخرجه البيهقي في " شعب الايمان " (4) ، وتابعه ايضا عبد الله بن موسى بن جعفر اخرجه ابن السنى (5) في كتاب " الاخوة والاخوات " فهؤلاء تسعة متابعون ، وله مع هذا شواهد من حديث ابى قتادة وعائشة وأنس بن مالك وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله وآخرين . وقد قرأت في ترجمة محمد بن عبد الله بن طاهر ابى العباس الخزاعي من تاريخ الخطيب : اخبرنا محمد بن احمد بن يعقوب ، اخبرنا محمد بن عبد الله


(1) تهذيب الكمال في اسماء الرجال لجمال الدين يوسف بن عبد الرحمان المزي الدمشقي المتوفى 742 ، فهرس مخطوطات دار الكتب المصرية 1 : 185 . (2) تذكرة الحفاظ 3 : 892 . (3) القاب الرواة لابي بكر احمد بن عبد الرحمان الشيرازي المتوفى 407 كشف الظنون 1 : 157 . (4) الجامع المصنف - خ - في شعب الايمان : للبيهقي المتوفى 458 ، كشف الظنون 1 : 574 . (5) الحافظ احمد بن محمد بن اسحاق الدينوري المتوفى 364 ، تذكرة الحفاظ 3 . 142 ، طبقات الشافعية 2 : 96 ، شذرات الذهب 3 : 47 . (*)

[ 130 ]

ابن حمدويه النيسابوري ، حدثني علي بن محمد المذكر ، حدثنا محمد بن علي بن الحسين الفقيه الرازي ، حدثنا ابى ، عن محمد بن عبد الله بن طاهر قال : كنت واقفا على رأس ابى وعنده احمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وابو الصلت الهروي ، فقال ابى : ليحدثني كل رجل منكم بحديث فقال أبو الصلت : حدثني علي بن موسى الرضا وكان والله رضى كما سمي ، عن ابيه موسى بن جعفر ، عن ابيه جعفر بن محمد ، عن ابيه محمد بن على ، عن ابيه علي بن الحسين ، عن ابيه الحسين بن علي ، عن ابيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الايمان قول وعمل ، فقال بعضهم : ما هذا الاسناد ؟ فقال له أبي : هذا سعوط المجانين ، إذا سعط به المجنون برأ ، فأقره احمد بن حنبل واسحاق بن راهويه على ذلك ولم ينكراه (1) . وقد ذكر السخاوى في " المقاصد الحسنة " ، والحافظ السيوطي في التعقبات المفردة : ان الديلمي ذكر في " مسند الفردوس " ان علي ابن موسى الرضا عليه السلام لما دخل نيسابور خرج علماء البلد في طلبه ، يحيى بن يحيى ، واسحاق بن راهويه ، واحمد بن حرب ، ومحمد بن رافع ، فتعلقوا بلجامه فقال له اسحاق : بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من ابيك ، فقال : ثنا العبد الصالح ابى موسى بن جعفر وذكر الحديث ، فأفاد هذا أن الحديث مشهور عن الرضا عليه السلام وان عبد السلام بن صالح لم ينفرد به (2) ، ومن قلة حياء ابن حبان وابن طاهر المقدسي وعدم تعظيمهما لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله أنهما تكلما في علي بن موسى الرضا عليه السلام ، وعلى من لا يحترم


(1) تاريخ بغدا 5 : 418 . (2) مسند الفردوس ص 7 . (*)

[ 131 ]

العترة الطاهرة من الله ما يستحقه ، مع ان كلا منهما متهم مجروح ، بل رمي ثانيهما بالعظائم (1) ، نسأل الله ستره ومعافاته آمين . ومع عدم تفرده به فالحديث موافق لما جاء به القرآن ، ونطقت به السنة المتواترة وأطبق عليه السلف الصالح من ان الايمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح ، فأي شئ ينكر في هذين الحديثين حتى يكذب راويهما ، ويحكم عليه بكونه منكر الحديث ، وقد اعتبرنا من حديثه غير ما ضعفوه به فما وقفنا له على حديث منكر ولا وجدنا له حديثا تفرد به ، ولولا خوف الاطالة لاوردت من ذلك ما حضرني الآن مع بيان متابعاته وشواهده . فان قيل : إذا كان الامر على هذا فما الحامل لمن جرحه على جرحه مع أنه لم ينفرد ولم يأت بمنكر مخالف للاصول حتى يسوغ لهم ذلك . قلنا : الحامل لهم أمور : (الامر الاول) : أنه قد يحصل منهم أو من بعضهم تشديد وتغال في بعض الاحيان فيعدون كل تفرد منكرا ، أو يضعفون كل من حصل منه ذلك وقد يبالغ بعضهم فيكذب وذلك باطل مردود ، فقد ضعفوا بهذا من هو أشهر وأحفظ من عبد السلام بن صالح ، كالحسن بن على ابن شبيب المعمرى الحافظ (2) صاحب التصانيف ، كذبه فضلك الرازي وجعفر بن الجنيد وموسى بن هارون لنفرده بأحاديث بين هو سبب تفرده بها لما كثر عليه الانكار (3) ، وقال في حقه البرديجي (4) : ليس بعجب


(1) لسان الميزان 5 : 112 - 115 . (2) المتوفى 295 ، تذكرة الحفاظ 2 : 667 . (3) لسان الميزان 2 : 222 . (4) أبو بكر احمد بن هارون بن روح البرديجي البغداد المتوفى 301 / 303 . تاريخ بغداد 5 : 194 ، تذكرة الحفاظ 2 : 746 . (*)

[ 132 ]

أن ينفرد المعمرى بعشرين أو ثلاثين حديثا في كثرة ما كتب ، وقال الحافظ في اللسان : قد استقر الحال على توثيقه وغاية ما قبل فيه : أنه حدث بأحاديث لم يتابع عليها ، وقد قال الدارقطني : انه رجع عنها ، فان كان قد أخطأ فيها كما قال خصمه فقد رجع عنها وان كان مصيبا فيها كما كان يدعي فذاك أرفع له اه‍ (1) . وكذلك الطبراني تكلم فيه ابن مردويه وبعض معاصريه ، واجاب عنه الذهبي بقوله : لا ينكر له التفرد في سعة ما روى اه‍ . وكذلك عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى ، واجاب عنه الذهبي بقوله : لا ينكر له إذا انفرد بحديث بل وبعشرة يقال : كانت غلته في العام اربعين الفا ينفقها على اصحاب الحديث (2) . وكذلك عبد الله بن صالح كاتب الليث تكلموا فيه لانفراده بأحاديث عن الليث ، وقد ذكر الحافظ في مقدمة الفتح : ان أبن عبد الحكم قال : سمعت ابي وقيل له : ان يحيى بن بكير يقول في ابى صالح فقال : قل له : هل جئنا الليث قط إلا وابو صالح عنده رجل كان يخرج معه إلى الاسفار والى الريف وهو كاتبه ، فينكر على هذا ان يكون عنده ما ليس عند غيره اه‍ (3) . بل تكلموا فيمن هو أشهر وأوثق وأحفظ من جميع هؤلاء ، كعلي ابن المديني الذي قال فيه البخاري : ما استصغرت نفسي عند احد إلا عند علي بن المديني (4) والذى يقول عنه الحفاظ : انه كان أعرف بعلل


(1) لسان الميزان 2 : 221 . (2) ميزان الاعتدال 2 : 680 - 681 . (3) مقدمة فتح الباري 2 : 178 . (4) علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي المديني البصري المتوفى 234 تذكرة الحفاظ 2 : 428 . (*)

[ 133 ]

الحديث واحفظ له من احمد وابن معين ، ومع ذلك فقد ضعفه العقيلي وتكلم فيه بسبب لفظة تفرد بها في أثر عن عمر بن الخطاب ، وتنزل الذهبي للرد عليه فقال يخاطبه : أما لك عقل يا عقيلي أتدري فيمن تتكلم (1) . فاننا لو تركنا حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبد الرزاق ، وعثمان ابن ابى شيبة ، وابراهيم بن سعد ، وعفان ، وأبان العطار ، واسرائيل ، وأزهر السمان ، وبهز بن اسد ، وثابت البنانى ، وجرير بن عبد الحميد ، لغلقنا الابواب ، وانقطع الخطاب ، ولماتت الآثار واستولت الزنادقة ولخرج الدجال ، وكأنك لا تدري ان كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات ، بل أوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك ، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث وإنما اشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه ، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له واكمل لرتبته وأدل على اعننائه بعلم الاثر ، وضبطه دون اقرانه لاشياء ما عرفوها ، اللهم إلا ان يتبين غلطه ووهمه في الشئ فيعرف بذلك ، فانظر اول شئ إلى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الكبار والصغار ، ما فيهم احد إلا وقد انفرد بسنة فيقال له هذا الحديث لا يتابع عليه ، وكذلك التابعون كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم وما الغرض هذا فان هذا مقرر على ما ينبغي في علم الحديث ، وإن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحا غريبا ، وان تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا ، وان اكثار الراوي من الاحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو اسنادا يصيره متروك الحديث ، ثم ما كل احد فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه اه‍ . فلو فرضنا ان عبد السلام بن صالح انفرد بحديث أو حديثين فهو


(1) ميزان الاعتدال 3 : 140 . (*)

[ 134 ]

مثل هؤلاء خصوصا وقد تقدم في ترجمته (1) : انه كان كثير المال وكان يكرم المشايخ ويتطلب ما عندهم من غريب الحديث في فضل اهل البيت ، فكانوا يخصونه بها كما كان يفعل عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي (2) فكيف وهو لم ينفرد بها . (الامر الثاني) : انهم قد يجرحون الراوي لكونه روى حديثا منكرا وهو توسع باطل مردود ايضا ، فقد نفل الذهبي عن احمد بن سعيد ابن سعدان انه قال في احمد بن عتاب المروزي : شيخ صالح روى الفضائل والمناكير ، ثم تعقبه بقوله : ما كل من روى المناكير ضعيف (3) ، ثم ان الذهبي غفل عن هذا فذكر في الميزان الحسين بن الفضل البجلي وقال : لم أر فيه كلاما لكن ساق الحاكم في ترجمته مناكير عدة اه‍ (4) . فتعقبه الحافظ في اللسان وقال : ما كان لذكر هذا الرجل في هذا الكتاب معنى فانه من كبار اهل العلم والفضل ، ثم ساق ترجمته إلى أن قال : فلو كان كل من روى شيئا منكرا استحق أن يذكر في الضعفاء لما سلم من المحدثين احد لا سيما المكثر منهم ، فكان الاولى ان لا يذكر هذا الرجل لجلالته اه‍ (5) . ثم ان الحافظ غفل عن هذا ايضا فاستدرك في اللسان أئمة اجلاء لا موجب لذكرهم إلا الشره ، * وحب الاستكثار والكمال لله وحده ، وفي ترجمة ثابت بن عجلان من مقدمة فتح الباري قال العقيلي : لا يتابع


(1) فتح الملك العلي ص 28 . (2) لسان الميزان 4 : 88 ، تاريخ بغداد 11 : 18 . (3) ميزان الاعتدال 1 : 118 . (4) لسان الميزان 2 : 307 . (5) لسان الميزان 2 : 308 . (*)

[ 135 ]

على حديثه (1) ، وتعقب ذلك أبو الحسن بن القطان بأن ذلك لا يضره إلا إذا كثر منه رواية المناكير ، ومخالفة الثقات قال الحافظ : وهو كما قال اه‍ . وقال ابن دقيق العيد : قولهم روى مناكير لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته ، وقد قال احمد بن حنبل في محمد ابن ابراهيم التيمي : روى احاديث منكرة وهو ممن اتفق عليه الشيخان واليه المرجع في حديث انما الاعمال بالنيات اه‍ (2) . وقد تكلموا في الطبراني وابى نعيم وابن مندة والحاكم وجماعة من الحفاظ لاجل روايتهم المناكير ايضا ، واجيب عنهم بجواب آخر ذكرته في غير هذا الموضع ، فلو فرضنا ان عبد السلام بن صالح وقع في حديثه بعض المناكير فذلك لا يصيره منكر الحديث كما عرفت . (الامر الثالث) : انهم قد يظنون تفرد الراوي بالحديث فيعدونه في منكراته ويتكلمون فيه من أجله ، ويكون هو في الواقع بريئا منه لوجود متابعين له عليه لم يطلع عليهم المجرحون بحيث لو اطلعوا عليهم لما جرحوه ، وهذا موجود بكثرة يطول معها استيعاب أمثلته أو مقاربته وقد قال أبو حاتم في بيان بن عمرو : انه مجهول والحديث الذي رواه باطل (3) ، فتعقبه الحافظ في المقدمة بأنه ليس بمجهول وان العهدة في الحديث ليست عليه لانه لم ينفرد به كما قال الدارقطني في " المؤتلف والمختلف " اه‍ (4)


(6) مقدمة الفتح الباري 2 : 155 . (2) تهذيب التهذيب 9 : 7 ، لسان الميزان 5 : 20 . (3) الجرح والتعديل 1 ق 1 : 425 ، تهذيب التهذيب 1 : 507 . (4) مقدمة فتح الباري 2 : 155 . (*)

[ 136 ]

وضعف ابن طاهر فتح بن سلمويه بن حمران بحديث فتعقبه الحافظ بأنه لم ينفرد به وان ابن حبان ذكره في الثقات ، واتهم الحاكم أبا بكر الباغندي الحافظ بحديث ، وقال : لم يتابعه عليه احد في الاسلام ، وكان يظن ذلك إلى ان أخبره ابن المظفر الحافظ بأن البزار تابعه عليه (1) ، وكذلك تكلموا في مهننا بن يحيى السامي صاحب الامام احمد لظنهم انه انفرد بحديث في الجمعة وليس كذلك بل توبع عليه كما ذكره ابن عبد البر (2) ، وقد يجرح احدهم الراوي بناء على التفرد ثم يقف بعد ذلك على المتابع فيعرف براءة الذي جرحه ثم يوثقه كقول الحاكم في (المستدرك) في حديث قتل الحسين كنت أحسب دهرا أن المسمعي تفرد بهذا الحديث عن ابي نعيم حتى حدثناه أبو محمد السبيعي ، ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية ، ثنا حميد بن الربيع ، ثنا أبو نعيم به (3) . وقول ابن حبان في اسحاق بن يحيى : أدخلناه في الضعفاء لما كان فيه من الابهام ثم سبرت أخباره فإذا الاجتهاد أدى إلى أن يترك ما لم يتابع عليه ويحتج بما وافق الثقات (4) : وقول الخطيب : في حديث كنت أظن الحمل فيه على الفقاعي ، حتى ذكر عبد الغفار بن عبد الواحد الارموي ان محمد بن جعفر مشهور عندهم ثقة ، ثم بين علة الحديث إلى غير ذلك (5) ، وهكذا وقع منهم بالنسبة لعبد السلام بن صالح فانهم ظنوا انفراده بحديث الباب ، وحديث الايمان ، كما صرحوا به والواقع خلاف ذلك كما رأيت


(1) لسان الميزان 4 : 425 . (2) لسان الميزان 6 : 108 ، ميزان الاعتدال 4 : 197 . (3) لسان الميزان 4 : 93 . (4) كشف الظنون 1 : 3 ، ايضاح المكنون 1 : 11 . (5) ميزان الاعتدال 1 : 471 ، لسان الميزان 2 : 185 . (*)

[ 137 ]

وبهذا رد يحيى بن معين علي من اتهمه بحديث الباب فقال : ما تريدون منه فقد حدث به الفيدي وهو ثقة (1) . (الامر الرابع) : انهم قد يفعلون ذلك بناء على ان حديث الراوي منكر مخالف للاصول وهو على خلاف ذلك في الواقع ، والسبب فيه عدم اهتدائهم إلى طريق الجمع بين المتعارضين والحكم يوضع الحديث المعارض لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع ، كما هو منصوص عليه في الاصول ، أو لظنهم المعارضة مع انتفائها في نفس الامر ووقوع هذا ايضا منهم كثير جدا ومن أمثلته حكم ابن حبان بوضع حديث عبد الله بن عبد الله بن أبي : أنه اصيبت ثنيته يوم اخذ فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم باتخاذ ثنية من (2) ، وحديث ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نهى أن يصلى إلى نائم أو محدث ، فقال : هذان موضوعان وكيف يأمر المصطفى صلى الله عليه وآله باتخاذ الثنية من ذهب ؟ وقد قال : الذهب والحرير محرمان على ذكور امتي ، وكيف ينهى عن الصلاة إلى النائم وقد كان يصلي وعائشة بينه وبين القبلة ، وتعقبه الذهبي بقوله : حكمك عليهما بالوضع بمجرد ما أبديته حكم فيه نظر لا سيما خبر الثنيتين ذكر ذلك في ترجمة أبان بن سفيان المقدسي (3) ، وحكم الذهبي بوضع حديث ابن عمر : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وفي يده كتابان تسمية أهل الجنة وتسمية اهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ، بأنه يقتضي أن يكون زنة الكتابين عدة قناطر ، وتعقبه الحافظ في اللسان بقوله : وليس ما قاله من زنة الكتابين بلازم بل هو * (هام‍ ش) * (1) حديث سد الابواب جاء بأسانيد ثابتة اخرجها الحفاظ وأئمة الحديث من طرق تربو على التواتر جمع شتاتها الغدير 3 : 202 - 215 . (2) الثقات 1 : ورقة 103 . (3) ميزان الاعتدال 1 : 7 . (*)


[ 138 ]

معجزة عظيمة ، وقد أخرج الترمذي لهذا المتن شاهدا اه‍ ، ذكر ذلك في ترجمة عبد الوهاب بن همام الصنعاني (1) . قلت : والحديث تكلم عليه صاحب الابريز بما أزال اشكاله (2) . وأحسن منه وأقرب ما يستفاد من كلام ابن العربي في العارضة فان من وقف عليه وتدبره علم ان الحديث من قبيل العاديات ، وأنه ليس فيه اشكال أصلا . وحكم الذهبي ايضا ببطلان حديث : من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف ، بأن المصاحف إنما اتخذت بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وتعقبه الحافظ بقوله : هذا التعليل ضعيف ففي الصحيحين نهى ان يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة ان يناله العدو ، وما المانع أن يكون الله أطلع نبيه على ان اصحابه سيتخذون المصاحف ، ذكره في ترجمة الحر بن مالك (3) بل حكم في كتابه (العلو للعلى الغفار) بنكارة حديث : لو دلى أحد كم بحبل لهبط على الله ، مع الاعتراف بصحة اسناده لكونه لم يعرف وجهه ، وقال فيه ايضا في حديث تعدد الانبياء في كل أرض بعد تصحيح سنده : وهذه بلية تحير السامع كتبتها استطرادا للتعجب ، قال : وهو من قبيل اسمع واسكت اه‍ . وحكم ابن الجوزي بوضع حديث : سدوا كل باب في المسجد إلا باب على (4) ، بأنه مقابل لحديث ابي بكر عملته الرافضة ، وتعقبه الحافظ


(1) المستدرك 3 : 178 . (2) لسان الميزان 1 : 380 ، الثقات 2 : ورقة 96 . (3) تاريخ بغداد 11 : 117 . (4) المستدرك 3 : 127 . (*)

[ 139 ]

في (القول المسدد) بقوله : هذه دعوى لم يستدل عليها إلا بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين ، وهذا إقدام على رد الاحاديث الصحيحة بمجرد التوهم ولا ينبغي الاقدام على الحكم بالوضع إلا عند عدم امكان الجمع ، ولا يلزم من تعذر الجمع في الحال أنه لا يمكن بعد ذلك لان فوق كل ذي علم عليم ، وطريق الور ع في مثل هذا أن لا يحكم على الحديث بالبطلان بل يتوقف فيه إلى ان يظهر لغيره ما لم يظهر له وهذا الحديث من هذا الباب اه‍ (1) . وحكمه ايضا تقليدا للعقيلي ، بوضع حديث : من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر (2) . بأنه معارض بحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء (3) ، وحكمه ايضا بوضع حديث : من احتكر طعاما إربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه (4) ، بأن فيه وعيدا مشتملا على البراءة ممن فعل ذلك وهو لا يكفر ، وتعقبه الحافظ في القول المسدد بأن هذا من الاحاديث الواردة في معرض الزجر والتنفير وظاهره غير مراد (5) . وقد وردت عدة احاديث في الصحيح تشتمل على البراءة وعلى نفي الايمان وغير ذلك من الوعيد الشديد في حق من ارتكب امورا ليس فيها ما يخرج عن السلام ، كحديث ابي موسى في الصحيح في البراءة ممن حلق وسلق ، وحديث ابي هريرة لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، إلى


(1) القول المسدد : 18 . (2) سنن الدارقطني 1 : 395 ، وقال بعد ذكره الحديث : انه متروك . (3) صحيح مسلم ج 5 : 217 ، سنن الدارقطني 1 : 388 . (4) المستدرك 2 : 12 . (5) القول المسدد : 22 . (*)

[ 140 ]

غير ذلك فما كان الجواب عنها كان هو الجواب عن هذا الحديث ، ولا يجوز الاقدام على الحكم بالوضع قبل التأمل والتدبر اه‍ . وحكمه ايضا بوضع حديث من تزوج أمرأة لعزها لم يزده الله تعالى إلا ذلا ، ومن تزوج امرأة لما لها لم يزده الله تعالى إلا فقرا ، الحديث بأنه مخالف لما في الصحيح تنكح المرأة لما لها ولحسبها وجمالها (1) ، وتعقبه الحافظ السيوطي بأن الحديث ليس مخالفا لما في الصحيح لانه ليس المراد الامر بذلك بل الاخبار بما يفعله الناس ، ولهذا قال في آخر الحديث : فاظفر بذات الدين تربت يداك (2) . وحكمه ايضا بوضع حديث : ولد الزنى لا يدخل الجنة ، بأنه مخالف للاصول وأعظمها قوله تعالى : (ولا تزر وازرة وزر اخرى) ، وتعقبه الحافظ السيوطي بما نقله الرافعي في " تاريخ قزوين " (3) عن بعض الائمة من أن معناه : أنه لا يدخل الجنة بعمل أصله بخلاف ولد الرشدة فانه إذا مات طفلا وابواه مؤمنان لحق بهما ، وبلغ درجتهما بصلاحهما على ما قال تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بايمان ألحقنا بهم ذرياتهم (4) ، وولد الزنى لا يدخل الجنة بعمل أصله ، أما الزانى فنسبه منقطع ، وأما الزانية فشؤم زناها وإن صلحت يمنع من وصول بركة صلاحها إليه اه‍ إلى غير ذلك . وحديث الباب ايضا من هذا القبيل فانهم توهموا منه ان فيه تفضيلا لعلي على ابى بكر وذلك مخالف لاصول اهل السنة كما صرح به كثير


(1) تيسير الوصول 4 : 226 . (2) المنتقى من اخبار المصطفى 2 : 3423 . (3) التدوين في أخبار قزوين لابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني المتوفى 622 . مخطوطة في مكتبة آية الله السيد الحكيم العامة . (4) سورة الطور 21 . (*)

[ 141 ]

منهم فبادروا إلى تكذيب رواته والامر بخلاف ذلك كما سأذكره . (الامر الخامس) : كون الحديث في فضل علي وراويه متهم بالتشيع بل مجرد كون الحديث في الفضائل من اكبر اسباب الطعن عندهم في الرواة ، ولو لم يتهموا بتشيع فان من روى ذلك لا يتوقفون في طعنه ولا يتورعون عن جرحه ولو كان أوثق الثقات وأعدل العدول ، وقد تقدم عن ابي زرعة أنه قال : كم من خلق افتضحوا بهذا الحديث يعني ان كل من حدث به يحكمون علبه بالضعف ولو كان معروفا عندهم انه ثقة ، فدليل الضعف هو التحديث بفضل على عليه السلام ، حتى انهم ضعفوا به جماعة من الحفاظ المشاهير ورموهم بالرفض والتشيع كمحمد بن جرير الطبري ، تكلموا فيه لتصحيحه حديث الموالاة ، والحاكم صاحب المستدرك لتصحيحه فيه حديث الطير وحديث الموالاة (1) والحافظ ابن السفا (2) لاملائه حديث الطير ، ووثبوا إليه ساعة الاملاء وأقاموه وغسلوا موضعه (3) ، والحافظ الحسكاني لتصحيحه حديث رد الشمس (4) ، والحافظ ابن المظفر لتأليفه في فضائل العباس ، وابراهيم بن عبد العزيز بن الضحاك لكونه املى مجالس في فضائل ابى بكر وعمر رضي الله عنهما فلما فرغ قال : نبدأ بعلي أو بعثمان فتفرقوا عنه وضعفوه ، مع أن المسألة خلافية لا تستوجب ذلك كما قال الذهبي ، بل نسبوا الدارقطني إلى التشيع وما أبعده منه لحفظه ديوان السيد


(1) المستدرك 3 : 130 - 132 . (2) الامام أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي المتوفى 371 ، شذرات الذهب 3 : 81 . (3) تذكرة الحفاظ 3 : 966 ، وفيه : فمضى ولزم بيته فكان لا يحدث احدا من الواسطيين . (4) الغدير 3 : 127 . (*)

[ 142 ]

الحميري (1) ، بل تكلموا في الشافعي ونسبوه إلى التشيع لموافقته الشيعة في مسائل فرعية أصابوا فيها ولم يبدعوا ، كالجهر بالبسملة ، والقنوت في الصبح ، والتختم في اليمين ، وموالاته لاهل البيت وقد اشار هو رضي الله عنه إلى ذلك في ابياته المشهورة ، وضعفوا المسعودي (2) وحكموا بتشيعه لقوله في مروج الذهب : والاشياء التي استحق بها اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الفضل هي السبق إلى الايمان والهجرة والنصرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والقربى منه والقناعة وبذل النفس له ، والعلم بالكتاب والتنزيل ، والجهاد في سبيل الله ، والورع والزهد والقضاء والحكم والعفة والعلم ، وكل ذلك لعلي عليه السلام منه النصيب الاوفر والحظ الاكبر إلى ما ينفرد به من المؤاخاة والموالاة والمنزلة (3) الخ . مع ان كل ما قاله : حق لا شك فيه . وضعفوا برواية حديث الطير خلائق ، منهم : ابراهيم بن باب البصري (4) ، واحمد بن سعيد بن فرقد الجدي (5) ، وحماد بن يحيى ابن المختار (6) ، وابراهيم بن ثابت القصار (7) ، واسماعيل بن سليمان الرازي (8) . والحسن بن عبد الله الثقفي (9) ، وحمزة بن خراش (10) ،


(1) تذكرة الحفاظ 3 : 991 ، تاريخ بغداد 12 : 34 ، اخبار السيد الحميري 12 . (2) علي بن الحسين بن علي المسعودي المتوفى 333 . (3) مروج الذهب 2 : 39 ط بولاق . (4) ميزان الاعتدال 1 : 21 . (5) ميزان الاعتدال 1 : 100 . (6) ميزان الاعتدال 1 : 602 . (7) ميزان الاعتدال 1 : 25 . (8) ميزان الاعتدال 1 : 232 . (9) ميزان الاعتدال 1 : 501 . (10) ميزان الاعتدال 1 : 607 .

[ 143 ]

ودينار أبو مكيس (1) ، وسليمان بن حجاج (2) ، وعبد الله بن زياد ابو العلاء (3) ، وعمران بن وهب الطائي (4) ، ومحمد بن احمد بن عياض (5) ، ومحمد بن سليم (6) ، ومحمد بن شعيب (7) ، وميمون بن جابر أبو خلف (8) وغيرهم ، وقد أورد هؤلاء الذهبي وضعفهم تبعا واستقلالا بحديث الطير مع اعترافه بثبوته في التذكرة ، وضعفوا بحديث الباب جماعة ايضا ، منهم : احمد بن عمران بن سلمة ، واحمد بن سلمة الكوفي ، واحمد بن عبد الله بن يزيد ، واسماعيل بن محمد بن يوسف ، وسعيد بن عقبة ، وجعفر بن محمد الفقيه ، وعثمان بن عبد الله الاموي ، وعمر بن اسماعيل بن مجالد ، ومحفوظ بن بحر الانطاكي ، ويحيى بن بشار الكندي ، في آخرين ، وضعفوا بحديث الشمس وغيره أمما لا تحصى كالحسن بن محمد بن يحيى ، واسماعيل بن إياس بن عفيف ، وصالح بن ابى الاسود الكوفي ، ومالك بن مالك ، ومحمد بن سليم الوراق ، ومحمد ابن الحسن الازدي ، ومحمد بن الخطيب الانطاكي ، وجعفر بن محمد العوسجي ، ومحمد بن المظفر ، ومسعر بن يحيى ، ويحيى بن ابراهيم


(1) ميزان الاعتدال 2 : 30 . (2) ميزان الاعتدال 2 : 198 . (3) ميزان الاعتدال 2 : 424 . (4) ميزان الاعتدال 3 : 244 . (5) ميزان الاعتدال 3 : 465 . (6) ميزان الاعتدال 3 : 573 . (7) ميزان الاعتدال 3 : 580 . (8) ميزان الاعتدال 4 : 232 . (*)

[ 144 ]

السلماسي ، ومحمد بن علي بن النعمان (1) وهو الذي وقعت له مناظرة مع ابى حنيفة إذ قال له كالمنكر عليه : عمن رويت حديث رد الشمس لعلي فقال : عمن رويت أنت عنه يا سارية الجبل ، فأفحمه . وابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب ضعفه الذهبي لروايته حديث الشمس ولم يتنبه الحافظ لذلك فقال في تعجيل المنفعة ذكره الذهبي في المغني ولم يذكر لذكره فيه مستند (2) ، وتكلم يحيى بن معين في الحافظ ابي الازهر النيسابوري الثقة لروايته حديثا في الفضائل عن عبد الرزاق ، كما سبق إلى غير هؤلاء ممن ضعفوهم ، وليس لهم على اكثرهم دليل سوى رواية الفضائل ، والسبب في ذلك : أن الرفض كان شائعا في عصورهم فكانوا يتوهمون ان قبول مثل هذه الاحاديث فيه ترويج لبدعة الرفض فيبالغون في الانكار على من أتى بشئ من ذلك سدا لهذا الباب مع أن الكثير منهم كان فيه أيضا بدعة النصب فكان ينتقم لنحلته وهواه من حيث لا يشعر غيره ممن يظن به أنه من اهل السنة فيقلده في ذلك والكلام في عبد السلام ابن صالح من هذا القبيل ، فما اجيب به عن الحافظ ابن الازهر وابن جرير والحاكم وابن المظفر وابن السفا والحسكاني وابن عقدة وامثالهم فهو الجواب عنه ايضا . (الوجه الثالث) : أن هذا الجرح على ما عرفته من بطلان أساسه صدر مبهما لم يفسره أصحابه ولا بينوا مستندهم فيه ، والجرح المبهم إذا عارضه تعديل كان مردودا باطلا والعمل على التعديل بالاجماع من فعلهم وان خالفه فريق في مقالهم نظير ما سبق في التضعيف بالبدعة ، وذلك لاختلاف انظار الناس في أسباب الجرح مع غلبة الهوى والعصبية على النفوس . فقد تحمله العداوة


(1) تجد الاشارة إلى تراجمهم في ميزان الاعتدال 1 - 4 . (2) تعجيل المنفعة ص 14 . (*)

[ 145 ]

والمنافسة على الجرح في عدوه وقرينه بلا موجب كما وجد ذلك بكثرة بين الاقران وبين المختلفين في النحل والعقائد . وقد يبنى جرحه على كون الراوي تفرد بالحديث المنكر وعلى ان حديثه مخالف للاصول ويكون الواقع خلاف ذلك كما رأيت ، وقد يبنيه على امور ليست هي من باب الجرح أصلا كجماعة ضعفوا رواة فلما سئلوا عن ذلك أبدوا من الاسباب ما لا دخل له في الجرح ، كشعبة بن الحجاج (1) ضعف راويا فسئل عن السبب فقال : رأيته يركض على برذون ، وضعف المنهال بن عمرو ايضا لسماعه من داره صوت القراءآت بالتطريب ، وضعف الحكم بن زاذان ، فسأله شعبة عن السبب فقال : كان كثير الكلام ، وضعف جرير ابن عبد الحميد سماك بن حرب لانه رآه يبول قائما ، وضعف بعضهم اسماعيل بن عبد الملك لكونه كان يبيع الزئبق ، وصف العجلي اسحاق ابن اسماعيل والد اسماعيل القاضي لانه كان أمينا علي أموال الايتام ، وضعف ابن ابى حاتم راويا سمعه يقرأ بالتلحين ، وضعف وكيع ويحيى بن سعيد ابراهيم بن سعد لتجويزه سماع الملاهي ، ورده الذهبي بأنه كان لا يجد دليلا ناهضا على التحريم فأداه اجتهاده إلى الرخصة فكان ماذا ، وضعفوا الزهري لكونه لبس زي الجند وخدم هشام بن عبد الملك ، وفي حقه يقول الذهبي : إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث . وضعفوا بأخذ الاجرة على السماع جماعة يطول عدهم ، كابن الاعرابي والحسن بن سفيان ، وعلي بن عبد العزيز البغوي ، والحارث بن أبي اسامة ، وأبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي ، وابى شعيب عبد الله بن الحسن الحرابى في آخرين مع ان كثيرا من الائمة صرحوا بجواز ذلك عند


(1) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الازدي المتوفى 160 ، تهذيب التهذيب 4 : 338 - 346 . (*)

[ 146 ]

الضرورة ، وضعفوا أبا ثور لانه كان يتكلم في الرأى ، وقال الفريابى في ابراهيم الجرجاني كان شيخ اصحاب الرأي وأنا لا أكتب عن اصحاب الرأي ، وتكلم الكثير منهم في اكثر اصحاب ابى حنيفة لاجل الرأى ايضا ، وضعف احمد بن حنبل الحارث المحاسبي لاشتغاله بعلم الكلام ، وضعف غيره الكثير من علماء الكلام بذلك بل جعلوا الاشتغال بعلم الكلام من البدعة الموجبة لضعف كل من وجدت فيه كما نص عليه الحافظ السلفي في " معجم السفر " (1) ، والحافظ ابن رشيد في " الرحلة " (2) ، وعلى هذا فرأس المبتدعة الضعفاء هو أبو حسن الاشعري ، وضعف أبو داود الحافظ احمد بن منصور الرمادي صاحب المسند (3) ، لكونه صحب الواقفة ، وتكلم يحيى بن معين في الشافعي لمجرد تعصبه لمذهب الحنفية الذي كان غالبا فيه ، وضعفوا زكريا بن منظور لزعم بعضهم أنه كان طفيليا ، وقد جمع الذهبي في الثقات المجروحين بمثل هذا جزأ لكنه ما استوعب ولا قارب بحيث يستدرك عليه اضعافه ، وقال في أوله : قد كتبت في مصنفي الميزان عددا كثيرا من الثقات الذين احتج بهم البخاري أو مسل م أو غيرهما لكون الرجل منهم قد دون اسمه في مصنفات الجرح وما أوردتهم لضعف فيهم عندي بل ليعرف ذلك ، وما زال يمر بى الرجل الثبت وفيه مقال لا يعبأ به ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة


(1) احمد بن محمد بن احمد بن ابراهيم بن سلعة السلفي الاصبهاني المتوفى 576 . ايضاح المكنون 2 : 508 . (2) محمد بن عمر بن رشيد الفهري المتوفى 721 في ست مجلدات . كشف الظنون 1 : 836 . (3) مسند بغداد المتوفى 265 ، تذكرة الحفاظ 2 : 564 ، تاريخ بغداد 5 : 151 . (*)

[ 147 ]

من الصحابة والتابعين والائمة (1) . فبغض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما والله يرضى عن الكل ويغفر لهم فما هم بمعصومين ، وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا أصلا وبتكفير الخوارج لهم انحطت رواياتهم ، بل صار كلام الخوارج والشيعة فيهم جرحا في الطاعنين ، فانظر إلى حكمة ربك نسأل الله السلامة . وهكذا كثير من كلام الاقران بعضهم في بعض ينبغي أن يطوى ولا يروى ويطرح ولا يجعل طعنا ويعامل الرجل بالعدل والقسط اه‍ ، ومعاملته بالعدل والقسط لا تعرف من الجرح المبهم وانما تعرف من الجرح المفسر فيقبل من الجارح ما هو جرح حقيقة كقوله فلان كذاب لانه حدث عن فلان وادعى السماع منه وقد مات قبل ولادته أو قبل دخوله لبلده أو سئل الشيخ عن الحديث فأنكره وأبدى دليلا على عدم سماعه له أو أقر على نفسه بالكذب ، أو زاد في النسخة ، أو أدخل نفسه في الطباق ، أو كان يترك الصلاة ، ويقيم الدليل على ذلك كما فعل بعضهم مع بعض الحفاظ ، حيث لم يروه يصلي وهم يسمعون عليه فوضعوا في اطراف رجله حبرا ثم رجعوا إليه بعد ثلاثة ايام والحبر في رجله ، أو رؤيتهم أياه سكران أو نحو ذلك ، ويطرح له ما ليس بجرح كالاشياء التي ذكرناها وأما على الابهام المحتمل لهذا فلا يقبل خصوصا مع معارضه التعديل ، وعلى هذا استقر صنيع جميعهم وصرح به اكثرهم في أصول الفقه والحديث كما هو معروف . وقد قال النووي في الجواب عن اخراج مسلم لجماعة ضعفاء في أو ل شرحه ما نصه : ولا يقال : الجرح مقدم على التعديل لان ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتا مفسر السبب وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذا ، وقد قال الامام الحافظ أبو بكر احمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي


(1) لسان الميزان 1 : 6 - 8 . (*)

[ 148 ]

وغيره ما احتج به البخاري ومسلم وابو داود من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنه لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب (1) اه‍ . وقال الحافظ في الجواب عن اخراج البخاري لجماعة ضعفوا أيضا في مقدمة الفتح ما نصه : ينبغي لكل منصف أن يعلم ان تخريج صاحب الصحيح لاي راوي كان مفتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته فإذا وجدنا لغيره في احد منهم طعنا فذلك الطعن مقابل بتعديل هذا الامام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه ، لان الاسباب الحاملة للائمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح اه‍ (2) . ولما نقل عن الدار قطني انه قال في سعيد بن سليمان الواسطي (3) يتكلمون فيه تعقبه بقوله : هذا تليين مبهم لا يقبل ، وكذلك تعقب ابن سعد على قوله في عبد الاعلي بن عبد الاعلى : لم يكن بالقوي فقال : هذا مجروح مردود غير مقبول ، وتعقب الخليلي على قوله في عبد الملك ابن الصباح : كان متهما بسرقة الحديث ، فقال : هذا جرح مبهم ، وتعقب الدارقطني على قوله في يزيد بن ابى مريم : ليس بذاك فقال : هذا جرح غير مفسر فهو مردود ، وقال في ترجمة محمد بن بشار البصري : ضعفه عمرو بن علي الفلاس ولم يذكر سبب ذلك فما عرجوا على تجريحه ، وقال الحافظ نور الدين في مجمع الزوائد في الكلام على حديث في ترجمة معاوية فيه شيخ الطبراني لم يوثقه إلا الذهبي وليس فيه جرح مفسر اه‍ (4) .


(1) شرح النووي على صحيح مسلم 1 : 25 . (2) مقدمة الفتح الباري 2 : 144 . (3) تهذيب التهذيب 4 : 43 . (4) مجمع الزوائد 9 : 355 . (*)

[ 149 ]

وقال ابن دقيق العيد في " شرح الالمام " (1) : مقتضى قواعد الاصول عند أهله انه لا يقبل الجرح إ مفسرا اه‍ . وقال الكمال الادفوي في " الامتاع " (2) : ومن ذلك قولهم فلان ضعيف ولا يبينون وجه الضعف فهو جرح مطلق وفيه خلاف وتفصيل والاولى أن لا يقبل من متأخري المحدثين لانهم يجرحون بما لا يكون جرحا اه‍ . وقال الحاكم في المستدرك : هؤلاء الذين ذكرتهم في هذا الكتاب ثبت عندي صدقهم لانتي لا أستحل الجرح إلا مبينا ولا اجيزه تقليدا ، والذي اختاره لطالب العلم أن لا يكتب حديث هؤلاء أصلا اه‍ (3) . وذكر الذهبي في الميزان ان البخاري ذكر أرقم بن شرحبيل في الضعفاء ، ثم تعقبه الذهبي بقوله : لم يذكر أبو عبد الله مستندا لذكره في كتاب الضعفاء وقد وثقه أبو زرعة وغير واحد (4) اه‍ . وقال اللكنوي في " الرفع والتكميل " (5) : قد زل قدم كثير من علماء عصرنا في مسألة كون الجرح مقدما على التعديل لغفلتهم عن التقييد والتفضيل توهما منهم ان الجرح مطلقا مقدم على التعديل ، وليس الامر كما ظنوا بل ذلك مقيد بأن يكون الجرح مفسرا فان الجرح المبهم غير مقبول مطلقا على المذهب الصحيح فلا يمكن أن يعارض


(1) تذكرة الحفاظ 4 : 1481 ، كشف الظنون 1 : 158 . (2) كمال الدين جعفر بن تغلب الادفوي الشافعي المتوفي 749 ، كشف الظنون 1 : 167 ، شذرات الذهب 6 : 153 ، حسن المحاضرة 1 : 320 ، البدر الطالع 1 : 182 ، الدرر الكامنة 1 : 535 . (3) المستدرك 4 : 74 . (4) ميزان الاعتدال 1 : 171 . (5) الرفع والتكميل في الجرح والتعديل تأليف محمد بن عبد الحي الهندي اللكنوي المتوفى 1304 ، ايضاح المكنون 1 : 581 . (*)

[ 150 ]

التعديل وإن كان مبهما اه‍ . ونصوصهم في هذا كثيرة ذكرت بعضها في " ابراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون " (1) وبسطتها ايضا في غيره ، وإذا عرفت هذا فالجرح في عبد السلام بن صالح كله من هذا القبيل ، لم يذكر احد من الجارحين له سببا لجرحه حتى ينظر فيه هل هو مقبول أو مردود ، على أن قرائن احوالهم دلت على سبب جرحهم إياه وقد ابطلناه بما لا مزيد عليه إن شاء الله ، ومن هذه الوجوه تعرف صحة حكم الحافظ في التقريب حيث اعتمد أنه صدوق (2) وطرح كل ما قيل فيه فالحمد لله رب العالمين . [ فصل ] وهنا أمور يجب التنبيه عليها : (الاول) : زعم الدار قطني أن عبد السلام بن صالح كان رافضيا خبيثا ، وهذا منه غلو وإسراف فان الرافضي هو من كان يحط على الشيخين كما ذكره الذهبي في الميزان ، والحافظ في التهذيب (3) وغيرهما ، ولم يكن عبد السلام بن صالح كذلك فقد تقدم عنه أنه كان يقدم ابا بكر وعمر ويترحم على علي وعثمان ولا يذكر اصحاب النبي صلى الله عليه وآله إلا بالجميل ، وصرح بأن هذا مذهبه الذي يدين الله به ، فكيف يكون هذا رافضيا وقد نقل الحافظ في اللسان عن ياقوت أنه قال في احمد بن طارق الكركي : كان رافضيا ، ثم تعقبه بقوله : وياقوت متهم بالنصب فالشيعي عنده رافضي اه‍ (4) . (الثاني) : قال العقيلي : إنه كذاب ، وهذا القول لم يسبقه إليه


(1) من كتب المؤلف غير المطبوعة . (2) تقريب التهذيب 1 : 506 . (3) ميزان الاعتدال 1 : 6 ، تهذيب التهذيب 1 : 94 . (4) لسان الميزان 1 : 188 . (*)

[ 151 ]

احد ممن عاصر عبد السلام ، وقد تقدم عن الحافظ انه قال : هذا إفراط من العقيلي ، وتقدم ايضا كلام الذهبي فيه ومجازفته في حق علي بن المديني ، وقد اعترض الحافظ أبو زرعة العراقى على من جرح راويا لم يعاصره كما نقله عنه تلميذه الثعالبي في " غنيمة الوافد وبغية الطالب الماجد " (1) . (الثالث) : انه قال : لا يجور الاحتجاج به إذا انفرد وعبد السلام ابن صالح لم يتفرد ، ثم هو تهافت من العقيلي فان الكذاب لا يجوز الاحتجاج به مطلقا . (الرابع) : زعموا أنه كان يروي احاديث في المثالب ، وهذا ليس بجرح فقد جرحوا به ايضا الفضيل بن عياض وذكروا انه روى احاديث تزري على عثمان واجاب عنه الذهبي في الجزء الذي جمعه في الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم فقال : إنه روى ما سمع ولم يقصد غضا ولا أزرى على عثمان ففعل ما يسوغ اه‍ (2) . وبمثل هذا اجاب اسحاق بن راهويه عن عبد السلام بن صالح ايضا كما سبق ، ولو كان هذا جرحا لجرح جميع الائمة والحفاظ فما منهم إلا وقد روى من ذلك ما بلغه أو صح عنده ، وهذا احمد بن حنبل أورعهم قد خرج كثيرا من ذلك في مسنده كحديث : اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ودعهما في النار دعا ، لكنه أبهم اسم عمرو بن العاص ومعاوية فقال : فلانا وفلانا ، وكخبر شرب معاوية للخمر في امارته وغير ذلك يطول ذكره ، وخرج مالك والبخاري ومسلم حديث الحوض الذي حكي عن مالك انه قال : ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ


(1) لم اجد ذكرا لهذا الكتاب ولا لمؤلفه في المعاجم . (2) ميزان الاعتدال 3 : 361 . (*)

[ 152 ]

إلا هذا الحديث (1) ، وعن الشافعي أنه قال : ما علمنا في كتاب مالك حديثا فيه إزراء على الصحابة إلا حديث الحوض ووددنا انه لم يذكره ، وكذلك في الصحيحين حديث الرؤيا وما شابهه وشاكله فلو كانت روايتها تجرح لثبت جرح جميع الرواة ، وأغرب من هذا ما ذكره الذهبي في ترجمة عبد المجيد بن عبد العزيز بن ابي رواد من الميزان فقال ما نصه : نقم على عبد المجيد انه أفتى الرشيد بقتل وكيع لكونه روى عن اسماعيل بن ابي خالد عن عبد الله البهي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما مات لم يدفن حتى ربا بطنه وأنتنت خضراه ، قال قتيبة : حدث وكيع بمكة وكان سنة حج فيها الرشيد فقدموه إليه ، فدعا الرشيد سفيان بن عينية وعبد المجيد ، فأما عبد المجيد فقال : يجب ان يقتل فانه لم يرو هذا إلا وفي قلبه غش للنبي صلى الله عليه وآله ، فسأل الرشيد سفيان فقال : لا يجب عليه القتل رجل سمع حديثا فرواه ، والمدينة شديدة الحر وتوفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين فترك إلى ليلة الاربعاء فمن ذلك تغير ، قال الذهبي : قلت : النبي صلى الله عليه وآله سيد البشر وهو بشر يأكل ويشرب وينام ويقضى حاجته ويمرض ويتداوى ويتسوك ويتطيب فهو في هذا كسائر المؤمنين ، ولما مات بأبي هو وامى صلى الله عليه وآله عمل به كما يعمل بالبشر من الغسل والتنظيف والكفن واللحد والدفن لكن ما زال طيبا مطيبا حيا وميتا وارتخاء اصابعه المقدسة وانثناؤها وربو بطنه ليس معنى نص على انتفائه والحي قد يحصل له ريح وينتفخ منه جوفه فلا يعد هذا إن كان قد وقع عيبا (2) ، ثم اندفع الذهبي في تقرير كلام يدل كسابقة على جهله


(1) الموطأ 1 : 40 ط مصر 1369 . (2) ميزان الاعتدال 2 : 649 . (*)

[ 153 ]

بمنصب النبوة وانصباغه بصبغة تيمية وما الغرض هذا فان بطلانه ضروري عند كل مؤمن ولكن الغرض تبريتهم ساحة من رواه من الجرح (الخامس) : نقلوا عن عبد السلام بن صالح انه قال : كلب للعلوية خير من بني امية (1) ، قيل له : فيهم عثمان ، قال : فيهم عثمان ، وهذا إن صح عنه فهو مبالغة لا تدل على ضعف حديثه ، وربما استخرجها بعضهم منه في حال الجدال والمناظرة والغضب قد يستفز المناظر لاكثر من هذا ، وعلى كل حال فأين هو من حريز بن عثمان الذي كان يلعن عليا عليه السلام سبعين مرة في الصباح ، وسبعين مرة في المساء (2) ، وعرفوا منه هذا وتحققوه ثم قالوا عنه : أنه من اوثق الثقات ، فما اجيب به عن حريز فهو الجواب عن عبد السلام والله الموفق . (فصل) : وأما الذين طعنوا في الحديث فالكلام معهم على قسمين قسم إجمالي وقسم تفصيلي ، أما الاجمالي فانهم بنوه على أصول باطلة : (الاصل الاول) : كون عبد السلام بن صالح شيعيا ضعيفا منكر الحديث (3) . وقد علمت بطلان هذا بما لا مزيد عليه . (الاصل الثاني) : إبطال كل ما ورد في فضل علي عليه السلام أو اكثره والحكم على من روى شيئا من بالتشيع والضعف والنكارة ولو بلغ الحديث مبلغ التواتر بحيث من تتبع صنيعهم في ذلك رأى العجب العجاب ، والسبب فيه : ما ذكره ابن قتيبة في كتابه في الرد على الجهمية (4) فقال :


(1) ميزان الاعتدال 2 : 166 . (2) تهذيب التهذيب 2 : 240 . (3) ميزان الاعتدال 2 : 616 . (4) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة لابي محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة المتوفى 276 ط مطبعة السعادة بمصر سنة 1349 . (*)

[ 154 ]

وقد رأيت هؤلاء ايضا حين رأوا غلو الرافضة في حق علي وتقديمه وادعائهم له شركة النبي صلى الله عليه وآله في نبوته وعلم الغيب للائمة من ولده وتلك الاقاويل والامور السرية التي جمعت إلى الكذب والكفر إفراط الجهل والغباوة ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرأهم منهم قابلوا ذلك أيضا بالغلو في تأخير على كرم الله وجهه وبخسه حقه ولحنوا في القول ، وإن لم يصرحوا إلى ظلمه واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حق ونسبوه إلى الممالاة على قتل عثمان واخرجوه بجهلهم من أئمة الهدى إلى جملة أئمة الفتن ، ولم يوجبوا له اسم الخلافة لاختلاف الناس عليه وأوجبوها ليزيد بن معاوية لاجماع الناس عليه ، واتهموا من ذكره بغير خير ، وتحامى كثير من المحدثين ان يحدثوا بفضائله كرم الله وجهه أو يظهروا ما يجب له وكل تلك الاحاديث لها مخارج صحاح وجعلوا ابنه الحسين عليه السلام خارجيا شاقا لعصا المسلمين حلال الدم ، وسووا بينه وبين اهل الشورى ، لان عمر لو تبين له فضله لقدمه عليهم ولم يجعل الامر شورى بينهم ، وأهملوا من ذكره أو روى حديثا في فضله حتى تحامى كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية يعني الموصوعة ، كأنهم لا يريدونها بذلك وإنما يريدونه ، فان قال قائل : أخو رسول الله صلى الله عليه وآله علي وابو سبطيه الحسن والحسين ، واصحاب الكساء ، علي وفاطمة والحسن والحسين ، تمعرت الوجوه وتنكرت العيون وطرت حسايك الصدور ، وإن ذكر ذاكر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه (1) ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى (2) * ، واشباه هذا التمسوا لتلك


(1) الغدير 1 : 294 . (2) 3 : 199 . (*)

[ 155 ]

الاحاديث المخارج لينتقصوه ويبخسوه حقه بغضا منهم للرافضة وإلزاما لعلي عليه السلام بسببهم ما لا يلزمه وهذا هو الجهل بعينه اه‍ (3) . فهذا أهم الاسباب الحاملة للمتقدمين الذين كانوا في عصر ابن قتيبة وقبله على الطعن في فضائل على عليه السلام ، وقد اشار الامام احمد إلى نحو هذا إذ سأله ابنه عبد الله بن علي ومعاوية فقال : اعلم أن عليا كان كثير الاعداء ففتش له اعداؤه شيئا فلم يجدوه فجاؤا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم له ، رواه السلفي في (الطيوريات) ، فمن كان بهذه الصفة كيف يقبل فضائل علي أو يصححها وقد انطوت بواطن كثير من الحفاظ خصوصا البصريين والشاميين على البغض لعلي وذويه ، وأشار ابن القيم في (اعلام الموقعين) إلى قريب من هذا أيضا لما تلكم على المفتين من الصحابة فقال : وأما علي بن ابى طالب عليه السلام فانتشرت احكامه وفتاويه ولكن قاتل الله الشيعة فانهم أفسدوا كثيرا من علمه بالكذب عليه ولهذا تجد اصحاب الحديث من اهل الصحيح لا يعتمدون من حديثه وفتواه إلا ما كان من طريق اهل بيته واصحاب عبد الله بن مسعود ، وكان رضي الله عنه وكرم وجهه يشكو عدم حملة العلم الذي أودعه كما قال : إن ها هنا علما لو أصبت له حملة اه‍ (2) . فهذا يشير إلى انهم تركوا من علمه كما تركوا من فضله معارضة للشيعة وإخمادا لهم والله المستعان . (الاصل الثالث) : انهم ظنوا انه مخالف للاصول الدالة على أفضلية ابي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وان فيه ما يدل على أفضلية على عليه السلام ولهذا زاد فيه بعض الكذابين ذكر ابي بكر وعمر وعثمان فذكر الحافظ


(1) الاختلاف في اللفظ ص 47 - 48 . (2) اعلام الموقعين 1 : 21 . (*)

[ 156 ]

في اللسان في ترجمة اسماعيل بن علي بن المثنى الاسترابادي الواعظ الكذاب انه كان مرة يعظ بدمشق فقام إليه رجل فسأله عن حديث : أنا مدينة العلم وعلي بابها فقال : هذا مختصر وانما هو : أنا مدينة العلم وابو بكر اساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها ، قال : فسألوه ان يخرج لهم إسناده ، فوعدهم به (1) . وفي هذا الرجل يقول ابن السمعاني في الانساب : كان يقال له كذاب ابن كذاب ، ويقول النخشبي : كان يقص ويكذب ولم يكن على وجهه سيما المتقين دخلت على ابى نصر السجزى بمكة فسألته فقال : هذا كذاب ابن كذاب لا يكتب عنه ولا كرامة ، وذكر هذه القصة ابن عساكر في التاريخ فقال : أنبأنا ابو الفرج غيث بن علي الخطيب حدثني ابو الفرج الاسفرايني قال : كان أبو سعد الاسترابادي يعظ بدمشق فقام إليه رجل فقال : أيها الشيخ ما القول في قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ؟ قال : فأطرق لحظة ثم رفع رأسه وقال : نعم لا يعرف هذا الحديث على التمام إلا من كان صدرا في الاسلام إنما قال النبي صلى الله عليه وآله وذكره ، قال : فاستحسن الحاضرون ذلك وهو يردده ، ثم سألوه ان يخرج لهم اسناده فأنعم ولم يخرجه لهم (2) . فانظر كيف انكروه عند الانفراد واستحسنوه لما ذكر فيه أبو بكر وعمر وعثمان ، وافتراه بعض الوضاعين ايضا فرواه من حديث أنس بلفظ أنا مدينة العلم وابو بكر وعمر وعثمان سورها وعلي بابها . فزاد في الحديث ما يؤيد مذهب اهل السنة من تفضيل الثلاثة على علي لظنه أن في الحديث ما يفضله عليهم بل ما رضى النواصب بهذا حتى أدخلوا فيه معاوية ، فذكره الديلمي من حديث انس بلفظه : * أنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية


(1) لسان الميزان 1 : 422 . (2) تاريخ ابن عساكر 3 : 34 . (*)

[ 157 ]

حلقتها ، وسلك بعضهم فيه مسلكا آخر فقال : ليس المراد به علي بن أبي طالب بل هو من العلو كأن النبي صلى الله عليه وآله قال : أنا مدينة العلم وأنا بابها العلي ، وليس في الحديث شئ مما توهموه بل هو كقول النبي صلى الله عليه وآله : أعلم امتي بالحلال والحرام معاذ ، وقوله : أقرؤكم أبى ، وقوله : ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء أصدق لهجة من ابي ذر (2) ، فقد نصوا على انه ليس فيها ما يدل على أفضلية معاذ وابي ذر على غيرهم من الخلفاء الراشدين . ولهذا قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " (2) بعد الكلام على بعض طرق حديث الباب : وليس في هذا كله ما يقدح في اجماع اهل السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على ان افضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله على الاطلاق أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما ، وقال الحافظ العلائي اثناء كلامه عليه ايضا : ليس هو من الالفاظ المنكرة التي تأباها العقول بل هو كحديث : أرحم امتي بامتي يعني المذكور فيه ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ اه‍ . وبهذا ايضا رد ابن حجر الهيتمي على من حكم عليه بالوضع فقال : وليس هو مقتضيا لافضليته على ابي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فهو حديث حسن بل قال الحاكم صحيح اه‍ (3) ، فهذا يدل على انهم إنما حكموا بوضعه لتوهمهم مخالفته للاصول ، ووهموا في ذلك كما وهموا في غيره من الاحاديث التي ظنوها مخالفة للاصول وحكموا بوضعها بناء على ذلك ، ورد عليهم غيرهم ممن عرف انها غير مخالفة واهتدى لطرق


(1) الغدير 8 ص 312 ط ايران . (2) المقاصد الحسنة ص 98 . (3) المستدرك 3 : 272 . (*)

[ 158 ]

الجمع بينها كما قدمنا كثيرا من أمثلته ، وقد قال بعض شراح الطريقة المحمدية الاولى ف‍ تفضيل الخلفاء الاربعة : أن كل واحد منهم أفضل من الآخر باعتبار الوصف الذي اشتهر به لان فضيلة الانسان ليست من حيث ذاته بل باعتبار أوصافه فنقول : إن ابا بكر افضل من الصحابة باعتبار كثرة صدقه واشتهاره فيما بينهم ، وعمر افضلهم من جهة العدل ، وعثمان افضلهم من جهة الحياة ، وعلي افضلهم من جهة العلم واشتهاره به اه‍ ، ونحوه لبعض الائمة الافراد في القرن العاشر وغيره . [ فصل ] : وأما الكلام التفصيلي فهو مع الافراد الذين طعنوا في الحديث أو نقل عنهم ذلك فنقول : أما يحيى بن معين فانه تكلم في ابى الصلت وفي حديثه قبل ان يعرف حال ابى الصلت ، وقبل ان يصله حديثه من غير طريقه كما قال الخطيب ، فانه لما نقل كلامه فيه وفي حديثه من رواية عبد الخالق بن منصور وغيره تعقب ذلك بقوله : أحسب عبد الخالق سأل يحيى بن معين عن حال ابى الصلت قديما ولم يكن يحيى إذ ذاك يعرفه ثم عرفه بعد فأجاب ابراهيم بن الجنيد عن حاله قال : وأما حديث الاعمش فان ابا الصلت كان يرويه عن ابى معاوية عنه فأنكره احمد بن حنبل ، ويحيى بن معين عنه فوجد غير ابى الصلت قد رواه عن ابى معاوية فقال : إنه صحيح ومراده أنه صحيح من حديث ابى معاوية ، وليس بباطل إذ قد رواه غير واحد عنه ، وقد سأله العباس ابن محمد الدوري عنه فوثقه ثم سأله عن الحديث فقال : ما تريدون من هذا المسكين أليس قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي (1) . وكذلك سأله ابن محرز عن الحديث فقال : هو من حديث ابى معاوية


(1) اخرجه الحاكم في المستدرك 3 : 127 . (*)

[ 159 ]

وكذلك روى عنه صالح بن محمد جزره غيرهم وهكذا وقع لاحمد بن حنبل فانه ما كان يعرف ابا الصلت ثم عرفه بعد ذلك وأمر ولده بالرواية عنه وهو لا يأذنه بالرواية إلا عن ثقة كما سبق (1) . ثم ان الامام احمد كثيرا ما ينكر احاديث ويحكم ببطلانها لكونها لم تصله كما نص عليه الحافظ . وأما أبو حاتم وابو زرعة فمعلوم تشديد هما في الحديث وحكمهما عليه بالبطلان بأدنى شبهة كما نص عليه الحافظ (2) ، وكم من حديث في الصحيح صرحا بأنه موضوع لا أصل له ، ومن رجع إلى (علل) ابن ابى حاتم و (التلخيص الحبير) للحافظ و (نصب الراية للزيلمي) (3) ، وتخريج احاديث الكشاف له علم ذلك وتحققه على انهما كانا يسرقان الجرح والكلام على الاحاديث من البخاري بل ظلماه في كتابه الكبير في الرجال ونسباه لانفسهما ، فأمرا عبد الرحمن بن ابى حاتم أن يأخذ نسخة من كتاب البخاري ويسألهما عن الرجال المذكورين فيه ، وهما يجيبانه بجواب البخاري حتى أتيا على جميع الكتاب وتشديد البخاري رحمه الله معلوم معروف . وأما ابن عدى والدار قطني فكلامهما دعوى مجردة لا دليل عليها وكل كلام لا دليل عليه فهو باطل ، فلكل واحد ان يأتي إلى حديث له طرق متعددة لا يوافق هواه ويطعن فيه بأن احد رجاله وضعه وسرقه منه الباقون كما يقول ابن عدي دفعا بالصدر وادعاء بغير دليل ، ولهذا قرر علماء الاصول أن من شرط صحة التواتر عند السامع أن لا يكون


(1) تعجيل المنفعة 16 . (2) تعجيل المنفعة ص 6 ، 4 . (3) نصب الراية لاحاديث الهداية لعبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي المتوفى 762 ط الاولى 1357 . (*)

[ 160 ]

متشبعا بضد الخبر المتواتر فانه إذا كان كذلك لا يقع منه موقع التواتر ولا يوجب عنده العلم ، فهؤلاء لما تعلق بذهنهم بطلان كل ما ورد في فضل علي عليه السلام ، وانه من وضع الرافضة صاروا يردون من ذلك ما بلغ حد التواتر بادعاء السرقة التى لا يقبلها العقل السليم . واما ابن الجوزي فهو مقلد لمن سبقه فلا ينبغي أن يمد في الحاكمين على الحديث بالوضع لانه لم يقل ذلك عن اجتهاد ، فهو بمنزلة العدم كحال كل مقلد ، ولو فرضنا انه حكم بذلك اجتهادا فتساهله وتهوره معلوم حتى قال الحافظ فيه (1) : انه حاطب ليل لا يدري ما يخرج من رأسه وقد كثر اعتراض الناس عليه ، وتعقبه فيما حكم عليه من الاحاديث بالوضع والتحذير من الاغترار بكلامه كما بسطته في غير هذا الموضوع ، وقد تعقبوه على هذا الحديث كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى . (وأما الذهبي) : فلا ينبغي أن يقبل قوله في الاحاديث الواردة بفضل علي عليه السلام فانه سامحه الله كان إذا وقع نظره عليها اعترته حدة أتلفت شعوره وغضب أذهب وجدانه حتى لا يدري ما يقول وربما سب ولعن من روى فضائل علي عليه السلام كما وقع منه في غير موضع من الميزان وطبقات الحفاظ تحت ستارة ان الحديث موضوع ، ولكنه لا يفعل ذلك فيمن يروي الاحاديث الموضوعة في مناقب اعدائه ، ولو بسطت المقام في هذا لذكرت لك ما تقضي منه بالعجب من الذهبي رحمه الله تعالى وسترنا عنه آمين . ويكفي في رد كلامه أنه قال في الميزان : عبد السلام بن صالح ابو الصلت الهروي الرجل الصالح إلا أنه شيعي جلد اه‍ (2) . فما وصفه بضعف ولا رماه بكذب ، تم عند ذكر الحديث في المستدرك أقسم بالله


(1) اللآلئ المصنوعة 1 : 334 . (2) ميزان الاعتدال 2 : 129 . (*)

[ 161 ]

أن عبد السلام بن صالح ما هو ثقة ولا هو مأمون ، فكيف الجمع بين هذا وذاك . وقد تعقبه الحافظ في حكمه على هذا الحديث بالوضع في ترجمة جعفر بن محمد الفقيه فانه أورد له هذا الحديث وقال : موضوع (1) ، فتعقبه الحافظ في اللسان بقوله : وهذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل احوالها أن يكون للحديث اصل فلا ينبغي أن يطلق عليه القول بالوضع (2) اه‍ ، وصرح الذهبي ببطلان حديث الطير في نحو عشرين موضعا من الميزان ، وضعف به خلائق ليس له على ضعفهم دليل سوى روايته ثم لم يجد بدا من اعترافه به لكثرة طرقه التي تغلبت على نصبه سامحه الله فصرح بثبوته في تذكرة الحفاظ (3) . وأما النووي رضي الله عنه : فانه قال ذلك عن تقليد لمن سبقه من الحفاظ ، ولو نظر في طرق الحديث وحكم باجتهاده لما أمكن ان يصدر عنه القول بوضعه فانه حكم بصحة احاديث لا تبلغ رتبة هذا ولا تقاربه ، وكم أوقعه التقليد في مزالق الاوهام التي كثر بها تعقب المتأخرين عليه فيما حكم به على الاحاديث ردا وقبولا وتصحيحا وتضعيفا (4) . وأما صاحب " أسنى المطالب " فليس هنالك حتى ينتصب في مصاف الرجال وينتظم في سلك هؤلاء الابطال ، وإنما ذكرته لانبه على سقوط كتابه المتداول بين العامة فانه اكثر الكتب خطأ وأقلها فائدة ونفعا ، وما أدرى ما الذي دفع صاحبه لتأليفه مع بعده عن معرفة الحديث وصناعته ، والعجب


(1) ميزان الاعتدال 1 : 415 . (2) لسان الميزان 2 : 122 . (3) مرت الاشارة إلى هؤلاء الخلائق ص 11 - المقدمة - . (4) شرح النووي على مسلم 1 : 22 - 23 . (*)

[ 162 ]

منه إذ يقول في خطبة كتابه : ان عمدته فيه على الشيخ عبد الرؤف المناوي ، مع ان المناوي كتب في التيسير على هذا الحديث ما نصه : وهو حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف فضلا عن كونه موضوعا ووهم ابن الجوزي اه‍ . ويزعم انه رأى كتاب الحافظ ابن حجر في الاحاديث المشتهرة على الالسنة (1) ، ويجعل في المحدثين سخاويين سخاويا كبيرا ، اختصر كتاب شيخه الحافظ ابن حجر ، وسخاويا صغيرا اقتصر منه على مجرد الموضوع وكل هذا لا أصل له ، ويقول في حديث : إذا اتاكم كريم قوم فأكرموه : له طرق كلها ضعيفة ، وحكم عليه ابن حجر والعراقي بالوضع اه‍ (2) . مع أن اصله الذي هو تمييز الطيب من الخبيث يقول : له طرق ضعيفة ، وقد انتقد الحافظ ابن حجر وشيخه العراقى الحكم عليه بالوضع اه‍ . فعكس هو القضية ، ويقول في حديث : بني الاسلام على النظافة : ذكره في الاحياء بلا سند قال مخرجه العسقلاني : لم أجده (3) ، ويقول في حديث : الحبة السوداء شفاء من كل داء : رواه أبو نعيم والطبراني ، وقول الاصل رواه البخاري لعله تعليق اه‍ (4) . مع أن الحديث مسند في صحيح البخاري في باب الحبة السوداء من كتاب الطب (5) ، ويقول : قد صنفت كتب في الحديث وجميع ما احتوت عليه موضوع منها موضوعات


(1) أسنى المطالب ص 8 - 9 . (2) اسنى المطالب ص 26 . (3) المصدر السابق ص 79 . (4) المصدر السابق ص 94 . (5) صحيح البخاري 7 : 13 ط القاهرة 1357 . (*)

[ 163 ]

القضاعي (1) اه‍ . وهذا بالهذيان أشبه منه بالكلام ، إلى غير هذا مما لعل نصف كتابه من قبيله ، مع انه مجرد ناقل لكنه يتصرف فيخطئ بل يخطئ في النقل بدون تصرف كما مضى ، والمقصود ، ان الرجل وكتابه ساقطان عن درجة الاعتبار والله المستعان .


(1) اسنى المطالب ص 266 للشيخ محمد بن درويس الحوت المتوفى 1276 ط بيروت 1319 . (*)

[ 164 ]

خاتمة [ في ذكر بعض نصوص المتأخرين في هذا الحديث ] قد سبق قول الحافظ السيوطي في " الجامع الكبير " : كنت اجيب دهرا عن هذا الحديث بأنه حسن إلى ان وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في (تهذيب الآثار) مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس فاستخرت الله تعالى وجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحيح اه‍ . ونقل في (اللآلئ المصنوعة) عن الحافظ العلائى أنه قال في اجوبته عن الاحاديث التي تعقبها السراج القزويني على (مصابيح البغوي) وادعى انها موضوعة ما نصه : حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها قد ذكره ابو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات ، من طرق عدة وجزم ببطلان الكل ، وكذلك قال بعده جماعة منهم الذهبي في الميزان وغيره ، والمشهور به رواية ابي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي عن ابي معاوية عن الاعمش عن ابن عباس ، وابو الصلت مختلف فيه لكنه توبع فبرئ من عهدته ، وابو معاوية ثقة مأمون من كبار الشيوخ وحفاظهم المتفق عليهم ، وقد تفرد به عن الاعمش فكان ماذا وأي استحالة في ان يقول النبي صلى الله عليه وآله مثل هذا في حق على رضي الله عنه ، ولم يأت كل من تكلم في هذا الحديث وجزم بوضعه بجواب عن الروايات الصحيحة عن ابن معين في توثيقه وتصحيح حديثه ، ومع ذلك فله شاهد رواه الترمذي في جامعه وسنده حسن فكيف إذا انضم إلى حديث


[ 165 ]

ابى معاوية ولم يأت ابو الفرج ولا غيره بعلة قادحة سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر اه‍ باختصار (1) . وسئل الحافظ عن هذا الحديث فأجاب بقوله : هذا الحديث اخرجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح (2) ، وخالفه ابو الفرج ابن الجوزي فذكره في الموضوعات ، وقال : إنه كذب والصواب خلاف قولهما معا (3) ، وأن الحديث من قسم لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب ، وبيان ذلك يستدعي طولا ولكن هذا هو المعتمد في ذلك اه‍ . قلت : لا أشك أن الحافظ لم يستحضر ساعة كتابة هذا الجواب إلا الطرق الموجودة في الحاكم ، ولو استحضر غيرها لجزم بارتقائه إلى درجة الصحة ، فانه جزم بصحة احاديث في (القول المسدد) لا تبلغ هذا ولا تقاربه (4) ، ثم انه بنى حكمه بالحسن على قاعدة ذكرها في اللسان ولكنها غير مطردة ولا لازمة ، كما بينته في اصول التخريج . وقال الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " (5) بعد ايراد كلام الحفاظ فيه وبعض طرقه الواهية وألفاظه الموضوعة التي فيها ذكر ابى بكر وعمر وعثمان ومعاوية ما نصه : وبالجملة فطرقه كلها ضعيفة وأحسنها حديث ابن عباس بل هو حديث حسن اه‍ (6) .


(1) اللآلئ المصنوعة 1 : 329 - 334 ط الاولى . (2) المستدرك 3 : 127 . (3) اللآلئ المصنوعة 1 : 332 . (4) القول المسدد 16 . (5) في بيان كثير من الاحاديث المشتهرة على الالسنة ط القاهرة 1375 / 1956 . (6) المقاصد الحسنة ص 98 . (*)

[ 166 ]

وعلى هذا درج جميع من جاء بعدهم من المقلدين الذين لا استجيز الاستدلال بكلامهم فان كلام المقلد بمنزلة العدم ، وقد ذكرت نصوصهم في جزء جمعته قبل هذا وسميته " سبل السعادة وابوابها بصحة حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها " (1) ، ولنا عودة إلى الكلام عليه في جزء ثالث إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين .


(1) من كتب المؤلف . (*)

مكتبة يعسوب الدين عليه السلام الإلكترونية