الصفحة 54
في آية سأل) فقال: فأما قوله: من كنت مولاه. فقال علماء العربية: لفظ المولى ترد على وجوه (ثم ذكر من معاني المولى تسعة (1) فقال): والعاشر بمعنى الأولى قال الله تعالى: فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأويكم النار هي مولاكم. ثم طفق يبطل إرادة كل من المعاني المذكورة واحدا واحدا فقال:

والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة فتعين الوجه العاشر وهو: الأولى و معناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به، وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى ب " مرج البحرين " فإنه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي عليه السلام فقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه. فعلم أن جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر، ودل عليه أيضا قوله عليه السلام: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: وأدر الحق معه حيثما دار وكيفما دار. ا هـ.

5 - قال كمال الدين ابن طلحة الشافعي المتوفى 654 في " مطالب السئول " ص 16 بعد ذكر حديث الغدير ونزول آية التبليغ فيه: فقوله صلى الله عليه وسلم. من كنت مولاه فعلي مولاه. قد اشتمل على لفظة من وهي موضوعة للعموم، فاقتضى أن كل إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاه كان علي مولاه، واشتمل على لفظة المولى وهي لفظة مستعملة بإزاء معان متعددة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارة تكون بمعنى أولى قال الله تعالى في حق المنافقين: مأويكم النار هي مولاكم. معناه: أولى بكم. ثم ذكر من معانيها: الناصر والوارث والعصبة والصديق والحميم والمعتق، فقال: وإذا كانت واردة لهذه المعاني فعلى أيها حملت إما على كونه أولى كما ذهب إليه طائفة، أو على كونه صديقا حميما فيكون معنى الحديث: من كنت أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإن عليا منه كذلك. وهذا صريح في تخصيصه لعلي عليه السلام بهذه المنقبة العلية وجعله لغيره كنفسه بالنسبة إلى من دخلت عليهم كلمة

____________

(1) وهي المالك. المعتق بالكسر. المعتق بالفتح. الناصر. ابن العم. الحليف. المتولي لضمان الجرير:. الجار. السيد المطاع.

الصفحة 55
من التي هي للعموم بما لا يجعله لغيره.

وليعلم أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى في آية المباهلة: قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا نسائكم وأنفسنا وأنفسكم. والمراد نفس علي على ما تقدم فإن الله تعالى لما قرن بين نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين نفس علي وجمعهما بضمير مضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت رسول الله لنفس علي بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموما فإنه صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين، وناصر المؤمنين، وسيد المؤمنين، وكل معنى أمكن إثباته مما دل عليه لفظ المولى لرسول الله فقد جعله لعلي. عليه السلام وهي مرتبة سامية، ومنزلة سامقة، ودرجة علية، ومكانة رفيعة خصصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأولياءه.

تقرير ذلك وشرحه وبيانه: إعلم أظهرك الله بنوره على أسرار التنزيل، ومنحك بلطفه تبصرة تهديك إلى سواء السبيل، إنه لما كان من محامل لفظة المولى (الناصر) وإن معنى الحديث: من كنت مولاه فعلي ناصره، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد وصف عليا بكونه ناصرا لكل من كان النبي ناصره فإنه ذكر ذلك بصيغة العموم، وإنما أثبت النبي هذه الصفة وهي الناصرية لعلي لما أثبتها الله عز وجل لعلي فإنه نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي يرفعه بسنده في تفسيره إلى أسماء بنت عميس قال: لما نزل قوله تعالى: وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. فلما أخبر الله فيما أنزله على رسوله وإنه ناصره هو الله وجبريل وعلي، يثبت الناصرية لعلي فأثبتها النبي صلى الله عليه اقتداء بالقرآن الكريم في إثبات هذه الصفة له.

ثم وصفه صلى الله عليه وسلم بما هو من لوازم ذلك بصريح قوله رواه الحافظ أبو نعيم في حليته (ج 1 ص 66) بسنده: إن عليا دخل عليه فقال: مرحبا بسيد المسلمين، و إمام المتقين. فسيادة المسلمين وإمامة المتقين لما كانت من صفات نفسه صلى الله عليه وسلم وقد عبر الله تعالى عن نفس علي بنفسه ووصفه بما هو من صفاته. فافهم ذلك.

ثم لم يزل صلى الله عليه وسلم يخصصه بعد ذلك بخصايص من صفاته نظرا إلى ما ذكرناه حتى روى الحافظ أيضا في حليته (ج 1 ص 67) بسنده عن أنس بن مالك قال: قال

الصفحة 56
رسول الله لأبي برزة وأنا أسمع: يا أبا برزة؟ إن الله عهد إلي في علي بن أبي طالب:

إنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة؟

علي إمام المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك. فإذا وضح لك هذا المستند ظهرت حكمة تخصصه صلى الله عليه وسلم عليا بكثير من الصفات دون غيره ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (1).

6 - قال صدر الحفاظ فقيه الحرمين أبو عبد الله الكنجي الشافعي المتوفى 658 في " كفاية الطالب " ص 69 بعد ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: لو كنت مستخلفا أحدا لم يكن أحد أحق منك لقدمتك في الاسلام، وقرابتك من رسول الله، وصهرك عندك فاطمة سيدة نساء العالمين. وهذا الحديث وإن دل على عدم الاستخلاف لكن حديث غدير خم دليل على التولية وهي الاستخلاف، وهذا الحديث أعني حديث غدير خم ناسخ لأنه كان في آخر عمره صلى الله عليه وسلم.

7 - قال سعيد الدين الفرغاني المتوفى 699 - كما ذكره الذهبي في العبر - في شرح تائية ابن الفارض الحموي المتوفى 576، التي أولها.

سقتني حميا الحب راحة مقتلي * وكأسي محيا من عن الحسن جلت

في شرح قوله:

وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا * علي بعلم ناله بالوصية

: وكذا هذا البيت مبتدأ محذوف الخبر تقديره: وبيان علي كرم الله وجهه و وإيضاحه بتأويل ما كان مشكلا من الكتاب والسنة بوساطة علم ناله بأن جعله النبي صلى الله عليه وسلم وصيه وقائما مقام نفسه بقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. وذلك كان يوم غدير خم على ما قاله كرم الله وجهه في جملة أبيات منها قوله:

وأوصاني النبي على اختياري * لأمته رضى منه بحكمي
وأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم

وغدير خم ماء على منزل من المدينة على طريق يقال له الآن: طريق المشاة إلى مكة، كان هذا البيان بالتأويل بالعلم الحاصل بالوصية من جملة الفضائل التي

____________

(1) نقلنا هذا الكلام على علاته وإن كان لنا نظر في بعض أجزائه.

الصفحة 57
لا تحصى خصه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فورثها عليه الصلاة والسلام. وقال:

وأما حصة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من العلم والكشف، وكشف معضلات الكلام العظيم، والكتاب الكريم الذي هو من أخص معجزاته صلى الله عليه وسلم بأوضح بيان بما ناله بقوله صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وبقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه.

مع فضائل أخر لا تعد ولا تحصى.

8 - قال علاء الدين أبو المكارم السمناني البياضي المكي المتوفى 736 في - العروة الوثقى - وقال لعلي عليه السلام وسلام الملائكة الكرام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي. وقال في غدير خم بعد حجة الوداع على ملأ من المهاجرين والأنصار آخذا بكتفه: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. وهذا حديث متفق على صحته فصار سيد الأولياء، وكان قلبه على قلب محمد عليه التحية والسلام، وإلى هذا السر أشار سيد الصديقين صاحب غار النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر حين بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى علي لاستحضاره بقوله: يا أبا عبيدة؟

أنت أمين هذه الأمة أبعثك إلى من هو في مرتبة من فقدناه بالأمس، ينبغي أن تتكلم عنده بحسن الأدب.

9 - قال الطيبي حسن بن محمد المتوفى 743 في " الكاشف " في شرح حديث الغدير، قوله: إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم. يعني به قوله تعالى. النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أطلق فلم يعرف بأي شئ هو أولى بهم من أنفسهم، ثم قيد بقوله: وأزواجه أمهاتهم. ليؤذن بأنه بمنزلة الأب، ويؤيده قرائة ابن مسعود رضي الله عنه: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم. وقال مجاهد: كل نبي فهو أبو أمته. ولذلك صار المؤمنون إخوة، فإذن وقع التشبيه في قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. في كونه كالأب، فيجب على الأمة احترامه وتوقيره وبره، وعليه رضي الله عنه أن يشفق عليهم ويرأف بهم رأفة الوالد على الأولاد، ولذا هنأ عمر بقوله: يا بن أبي طالب؟ أصبحت و أمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

10 - قال شهاب الدين ابن شمس الدين دولت آبادي المتوفى 1049 في " هداية السعداء ": وفي " التشريح " قال أبو القاسم (رح) من قال: إن عليا أفضل من عثمان

الصفحة 58
فلا شيئ عليه لأنه قال أبو حنيفة رضي الله عنه وقال ابن مبارك: من قال: إن عليا أفضل العالمين، أو: أفضل الناس، وأكبر الكبراء فلا شيئ عليه لأن المراد منه أفضل الناس في عصره وزمان خلافته كقوله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. أي في زمان خلافته ومثل هذا الكلام قد ورد في القرآن والأحاديث وفي أقوال العلماء بقدر لا يحصى ولا يعد.

وقال أيضا في " هداية السعداء ": وفي حاصل التمهيد في خلافة أبي بكر ودستور الحقايق: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من مكة نزل في غدير خم فأمر أن يجمع رحال الإبل فجعلها كالمنبر فصعد عليها فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. وقال الله عز وجل: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.

قال أهل السنة: المراد من الحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه. أي في وقت خلافته وإمامته (1)

11 - قال أبو شكور محمد بن عبد السعيد بن محمد الكشي السالمي الحنفي في - التمهيد في بيان التوحيد -. قالت الروافض: الإمامة منصوصة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله وصيا لنفسه وجعله خليفة من بعده حيث قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. ثم هارون عليه السلام كان خليفة موسى عليه السلام فكذلك علي رضي الله عنه. والثاني:

وهو: أن النبي عليه السلام جعله وليا للناس لما رجع من مكة ونزل في غدير خم فأمر النبي أن يجمع رحال الإبل فجعلها كالمنبر وصعد عليها فقال: ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: نعم. فقال عليه السلام: من كنت مولاه فعلي موه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والله جل جلاله يقول:

____________

(1) قصدنا من إيراد هذا القول وما يأتي بعده محض الموافقة في المفاد، وأما ظرف الولاية والأفضلية فلا نصافق الرجل عليه، وقد قدمنا البحث عن ذلك مستقصى وسيأتي فيه بياننا الواضح.

الصفحة 59
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، الآية. نزلت في شأن علي رضي الله عنه دل على أنه كان أولى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال في الجواب عما ذكر: وأما قوله: بأن النبي عليه السلام جعله وليا، قلنا: أراد به في وقته يعني بعد عثمان رضي الله عنه، وفي زمن معاوية رضي الله عنه ونحن كذا نقول. وكذا الجواب عن قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا.

الآية. فنقول: إن عليا رضي الله عنه كان وليا وأميرا بهذا الدليل في أيامه ووقته وهو بعد عثمان رضي الله وأما قبل ذلك فلا.

12 - قال ابن باكثير المكي الشافعي المتوفى 1047 في - وسيلة المآل في عد مناقب الآل - بعد ذكر حديث الغدير بعدة طرق: وأخرج الدارقطني في الفضايل عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول: علي بن أبي طالب عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: الذين حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بهم، والأخذ بهديهم فإنهم نجوم الهدى من اقتدى بهم اهتدى، وخصه أبو بكر بذلك رضي الله عنه لأنه الإمام في هذا الشأن، وباب مدينة العلم والعرفان، فهو إمام الأئمة، وعالم الأمة، و كأنه أخذ ذلك من تخصيصه صلى الله عليه وسلم له من بينهم يوم غدير خم بما سبق، وهذا حديث صحيح لا مرية فيه ولا شك ينافيه، وروي عن الجم الغفير من الصحابة، وشاع واشتهر، وناهيك بمجمع حجة الوداع.

13 - قال السيد الأمير محمد اليمني المتوفى 1182 في - الروضة الندية شرح التحفة العلوية - بعد ذكر حديث الغدير بعدة طرق، وتكلم الفقيه حميد على معانيه وأطال وننقل بعض ذلك (إلى أن قال): ومنها قوله: أخذ بيده ورفعها وقال: من كنت مولاه فهذا مولاه. والمولى إذا أطلق من غير قرينة فهم منه أنه المالك المتصرف، وإذا كان في الأصل يستعمل لمعان عدة منها: المالك للتصرف ولهذا إذا قيل: هذا مولى القوم سبق إلى الأفهام أنه المالك للتصرف في أمورهم. ثم عد منها: الناصر وابن العم والمعتق والمعتق. فقال: ومنها: بمعنى الأولى قال تعالى: مأويكم النار هي مولاكم. أي أولى بكم وبعذابكم. وبعد فلو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة

الصفحة 60
مولى السابق المالك للتصرف لكانت منسوبة إلى المعاني كلها على سواء وحملناها عليها جميعا إلا ما يتعذر في حقه عليه السلام من المعتق والمعتق فيدخل في ذلك المالك للتصرف ، والأولى المفيد ملك التصرف على الأمة، وإذا كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان إماما ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: من كنت وليه فهذا وليه. والولي المالك للتصرف بالسبق إلى الفهم، وإن استعمل في غيره، وعلى هذا قال صلى الله عليه وسلم: والسلطان ولي من لا ولي له. يريد ملك التصرف في عقد النكاح يعني أن الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة بطريق الحقيقة، فإن يجب حملها عليها أجمع إذا لم يدل دليل على التخصيص.

14 - قال الشيخ أحمد العجيلي الشافعي في - ذخيرة المآل شرح عقد جواهر اللآل في فضائل الآل - بعد ذكر حديث الغدير وقصة الحارث بن نعمان الفهري: و هو من أقوى الأدلة على أن عليا رضي الله عنه أولى بالإمامة والخلافة والصداقة والنصرة والاتباع باعتبار الأحوال والأوقاف والخصوص والعموم، وليس في هذا مناقضة لما سبق وما سيأتي إنشاء الله تعالى من أن عليا رضي الله عنه تكلم فيه بعض من كان معه في اليمن فلما قضى حجه خطب بهذا تنبيها على قدره وردا على من تكلم فيه كبريدة فإنه مكان يبغضه ولما خرج إلى اليمن رأى جفوة فقصه للنبي صلى الله عليه وسلم فجعل يتغير وجهه ويقول: يا بريدة؟ ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من كنت مولاه فعلي مولاه. لا تقع يا بريدة في علي فإن عليا مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي. (1)

وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا
إلى صراط الحميد

((سورة الحج 24))

____________

(1) مر الكلام حول هذا الحديث وأمثاله ص 383 و 384.

الصفحة 61

* (توضيح للواضح) *

في ظرف مفاد الحديث

دعانا إليه إغضاء غير واحد (1) ممن اعترف بالحق في مفاد الحديث، حيث وجده كالشمس الضاحية بلجا ونورا، أو تسالم عليه (2) عن لازم هذا الحق، وهو: أنه إذا ثبتت لمولانا أمير المؤمنين خلافة الرسول صلى الله عليه وآله فإن لازمه الذي لا ينفك عنه أن تكون الخلافة بلا فصل كما هو الشأن في قول الملك الذي نصب أحد من يمت به ولي عهده من بعده، أو من حضره الموت أوصى إلى أحد، وأشهدا على ذلك، فهل يحتمل الشهداء أو غيرهم أن الملوكية للأول والوصاية للثاني تثبتان بعد ردح من الزمن مضى على موت الملك والموصي؟ أو بعد قيام أناس آخرين بالأمر بعدهما ممن لم يكن لهم ذكر عند عقد الولاية، أو بيان الوصية؟ وهل من المعقول مع هذا النص أن ينتخبوا للملوكية بعد الملك، ولتنفيذ مقاصد الموصي بعده، رجالا ينهضون بذلك؟ كما هو المطرد فيمن لا وصية له ولا عهد إلى أحد؟ أللهم لا. لا يفعل ذلك إلا من عزب عن الرأي، فصدف عن الحق الصراح.

وهلا يوجد هناك من يجابه المنتخبين " بالكسر " بأنه لو كان للملك نظر إلى غير من عهد إليه وللموصي جنوح إلى سوى من أفضى إليه أمره فلماذا لم ينصا به وهما يشهدانه ويعرفانه؟ فأين أولئك الرجال؟ ليجابهوا من مرت عليك كلماتهم من أن الولاية الثابتة لمولانا بنص يوم الغدير تثبت له في ظرف خلافته الصورية بعد عثمان.

أو ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعرف المتقدمين على ابن عمه، ويشهد موقفهم، ويعلم بمقاديرهم من الحنكة؟ فلماذا خص النص بعلي عليه السلام؟ بعد ما خاف أن يدعى فيجيب، وأمر الملأ الحضور أن يبايعوه، ويبلغ الشاهد الغايب (3)

____________

(1) راجع من كتابنا هذا ص 397 و 398.

(2) راجع شرح المواقف 3 ص 271، والمقاصد ص 290، والصواعق ص 26، والسيرة الحلبية 3 ص 303.

(3) تجد هذه الجمل الثلاث في غير واحد من الأحاديث فيما تقدم.

الصفحة 62
ولو كان يرى لهم نصيبا من الأمر فلماذا أخر البيان عن وقت الحاجة؟ وهو أهم فرايض الدين، وأصل من أصوله، وبطبع الحال أن الآراء في مثله تتضارب [ كما تضاربت ] وقد يتحول الجدال جلادا، والحوار قتالا، فبأي مبرر ترك نبي الرحمة أمته سدى في أعظم معالم الدين.

لم يفعل نبي الرحمة ذلك، ولكن حسن ظن القوم بالسلف الماضين العاملين في أمر الخلافة، المتوثبين على صاحبها لحداثة سنه وحبه بني عبد المطلب كما مر ص 389 حداهم إلى أن يزحزحوا مفاد النص إلى ظرف الخلافة الصورية، ولكن حسن اليقين برسول الله صلى الله عليه وآله يلزمنا بالقول بأنه لم يترك واجبه من البيان الوافي لحاجة الأمة. هدانا الله إلى سواء السبيل.