الدرس السادس : أهل القرآن الكريم

أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لأجزاء الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ، وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللهِ فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ.

دور القرآن الكريم
إن القرآن الكريم أراد الله تعالى له أن يكون كتاب علم وعبرة وتربية، فهو يزود القارئ له بالمعارف والعلوم والأحكام ليصلح بها عقله، كما أنه يقدم له الدروس والعبر ليحافظ على توازن مسيرته في الحياة الدنيا، إضافة إلى أنه يسعى لتربيته روحياً.
وهذا كله تختصره كلمة الهداية التي وردت في وصف القرآن الكريم في العديد من آياته : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (1).
والقرآن الكريم يهدي الإنسان سبل السلام مع النفس، ومع الأهل ومع الأولاد، ومع الجيران، ومع الأصدقاء، ومع من يلوذ به : (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) (2).

الأثر المعنوي للقرآن

القرآن يرفع المعنويات :
هل يعقل أن يحزن الإنسان المؤمن ، وهو يقرأ قوله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) (3).
أو يحزن والله سبحانه وتعالى يقول:(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (4).
وكذلك قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (5).
وكيف يحبط من يعلم أن الله تعالى يدافع عنه ؟
(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (6).
ولا سبيل لتحقيق ذلك كله إلا من خلال الاستفادة الصحيحة من القرآن الكريم, فترتيله مدخل للمعرفة, والمعرفة مدخل للعمل, وللانتفاع ببيانه والاتعاظ بمواعظه, والعيش في قلب حقائقه .

قراءة القرآن ترتيلاً
يأمر القرآن المؤمنين بان يقضوا بعض أوقات الليل بتلاوة القرآن، وأن يرتلوا القرآن في صلواتهم عندما يتوجهون إلى الله، وفي خطاب للرسول يقول:
( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) (7).
والترتيل هو قراءة القرآن بحيث تخرج الكلمات من الفم بسهولة واستقامة وهو بمعنى الوضوح في القراءة مع التأني كما في الرواية الواردة عن رسول الله(ص)في تفسير هذه الآية: «بيّنه تبياناً ولا تنثره نثر الرمل ولا تهذه هذ (8). الشعر».
وعن الصادق (ع) إنه سئل عن هذه الآية فقال قال أمير المؤمنين (ع) بينه بيانا ولا تهذه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن أفزعوا قلوبكم القاسية ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
وهذا هو حال المتقين : أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لأجزاء الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً.

التأمل في الآيات والمعاني
لا ريب بضرورة مطالعة القرآن بهدف دراسته وتعلمه، يصرح القرآن في هذا المجال بقوله: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (9).
إن فهم القرآن الكريم ومعانيه مهم جداً عند تلاوته، وبالإضافة إلى فهمه ينبغي تدبّره ثم العمل بمضمونه.
فقد ورد عن الإمام الحسين (ع) : «آيات القرآن خزائن العلم فكلما فتحت خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها» (10).
إن مراعاة هذه الأمور يمكن أن يساهم في إيصال القارئ إلى الهدف الأساسي من القراءة، ويتحقق للقرآن الكريم دوره في حياة الفرد والمجتمع وعلى رأس ذلك التعلم والاعتبار والتربية.

القرآن .... خطاب العقل والوجدان
إن التعليم والتذكير من أهداف القرآن الكريم، ومن هذه الجهة يخاطب القرآن الكريم عقل الإنسان، ويتحدث معه بالاستدلال والمنطق، غير أن للقرآن الكريم لغة أخرى أيضاً، والمخاطب فيها بالإضافة للعقل، القلب، وهذه اللغة الثانية تسمى: «الإحساس».
فالذي يعرف لغة القلب ويخاطب الإنسان بها، يحرك الإنسان من أعماق وجوده، وعندئذ لا يبقى الفكر الإنساني تحت التأثير فحسب، بل ويتأثر كل وجوده. وربما استطعنا أن نضرب الموسيقى مثلا، كنموذج عن لغة الإحساس
ومعلوم مدى تأثير الأناشيد والمعزوفات العسكرية وقوتها حين تنشد وتعزف في ميادين القتال بحيث تجعل الجندي الذي لا يخرج من خندقه خوف الأعداء تجعله يتقدم إلى الأمام بكل اندفاع ويحارب الأعداء رغم الهجوم الثقيل للعدو. وهناك نوع آخر من الموسيقى يرتبط مع الشهوة فيعرض الإنسان إلى الخمول والانقياد نحو الشهوات، ويدعوه ليستسلم للفساد.
القرآن بنفسه يوصينا أن نقرأه بصوت حسن لطيف. وبهذا النداء السماوي يتحدث القرآن الكريم مع الفطرة الإلهية للإنسان ويسخرها.
عن رسول الله(ص): «قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب» (11).
إن النداء السماوي للقرآن الكريم، أوجد في مدة قصيرة من (الجاهلين)، في شبه الجزيرة العربية شعباً مؤمناً مستقيماً، استطاعوا أن يحاربوا أكبر القوى الموجودة في ذلك العصر.
فالمسلمون لم يتخذوا القرآن كتاب درس وتعليم فحسب، بل، كانوا ينظرون إليه بمثابة غذاء للروح ومنبع لاكتساب القوة والارتباط بالله تعالى. فكانوا يقرؤون القرآن بكل إخلاص في الليل ويشير الإمام السجاد (ع) إلى هذه النقطة بقوله في دعاء ختم القرآن: «واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنسا» (12).

المتقون والقرآن
إن شدة يقين المتقين وتأثرهم العميق بالقرآن الكريم جعلهم يتجاوزون الوجود اللفظي للقرآن على الألسنة, والوجود الذهني للمعاني في العقول والافهام, إلى الوجود الحقيقي في قلب الحقائق كما يقول الإمام :«فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون», فصاروا في مقام الرّجاء والشوق إلى الثواب وقوّة اليقين بحقائق وعده سبحانه بمنزلة من رأى بحسّ بصره الجنّة و سعادتها ، فتنعّموا فيها و التذّوا بلذائذها، و في مقام الخوف من النار والعقاب وكمال اليقين بحقائق وعيده تعالى بمنزلة من شاهد النّار وشقاوتها فتعذّبوا بعذابها وتألّموا بآلامها، « فإذا مرّوا بآية فيها تشويق» إلى الجنّة «ركنوا» مالوا واشتاقوا «إليها طمعا وتطلعت» أشرفت «نفوسهم إليها شوقاً وظنّوا أنّها نصب أعينهم» فأيقنوا أنّ تلك الجنّة الموعودة معدّة لهم حتى صارت كأنها نصب أعينهم. « وإذا مرّوا بآية فيها تخويف» وتحذير من النار «أصغوا» وأمالوا «إليها مسامع قلوبهم وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها» صوت توقدها «في أصول آذانهم».
و قد روى في الكافي عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: إنّ رسول اللّه (ص) صلّى بالنّاس الصبح فنظر إلى شاب في المسجد و هو يخفق ويهوي برأسه مصفرّاً لونه قد نحف جسمه و غارت عيناه في رأسه ، فقال له رسول اللّه (ص) :
كيف أصبحت يا فلان ؟ قال: أصبحت يا رسول اللّه موقناً، فعجب رسول اللّه (ص) من قوله، وقال: إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ فقال: إنّ يقيني يا رسول اللّه هو الذي أحزنني وأسهر ليلى وأظمأ هواجري (13) فعزفت نفسي عن الدّنيا وما فيها، حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم، و كأني أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون على الأرائك يتكئون، وكأني أنظر إلى أهل النّار وهم فيها معذّبون مصطرخون، وكأني الآن أسمع زفير النّار يدور في مسامعي، فقال رسول اللّه (ص) : هذا عبد نوّر اللّه قلبه بالإيمان ثمّ قال (ص) له: الزم ما أنت عليه، فقال الشّاب: ادع اللّه لي يا رسول اللّه أن ارزق الشهادة معك، فدعا له رسول اللّه(ص) فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النّبي فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر (14).

القرآن شفاء النفوس
قال تعالى: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا ) (15) فالقرآن شفاء ورحمة لمن غمر الإيمان قلوبهم وأرواحهم، فأشرقت وتفتحت وأقبلت في بشر وتفاؤل لتلقى ما في القرآن الكريم من صفاء وطمأنينة وأمان، وذاقت من النعيـم ما لم تعرفه قلوب وأرواح أغنى ملوك الأرض. إنه حقاً سد منيع يستطيع الإنسان أن يحتمي به من مخاطر كل الهجمات المتتالية على نفسه وقلبه، فيقي القلب من الأمراض التي يتعرض لها كما أنه ينقيه من الأمراض التي علقت به، كالهوى والطمع والحسد ونزغات الشيطان والخبث والحقد... فهو كتاب ومنهج أنزله رب العالمين على قلب محمد (ص) ليكون لعباده هادياً ونذيراً وشفاءً لما في الصدور.
وهذا دأب المتقين كما قال الإمام علي (ع) « وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ» فهم يلتمسون الدواء لكل داء كداء الذّنوب الموجب للحرمان من الجنّة و الدّخول في النّار، بدواء القرآن عبر التّدبّر والتفكّر.
ويستجيبون لندائه «فاستشفوه من أدوائكم واسـتعينوا به على لأوائكم , فان فيه شفاء من اكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغي والضلال» فكانوا المتسمين بطهارة النفوس ومكارم الأخلاق ومرضيّ الصفات «تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ، قَلِيلاً زَلَلُهُ، خَاشِعاً قَلْبُهُ، قَانِعَةً نَفْسُهُ، مَنْزُوراً أَكْلُهُ، سَهْلاً أَمْرُهُ، حَرِيزاً دِينُهُ، مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ، مَكْظُوماً غُيْظُهُ....».

إن القرآن الكريم أراد الله تعالى له أن يكون كتاب علم وعبرة وتربية، فهو يزود القارئ له بالمعارف والعلوم والأحكام ليصلح بها عقله، كما أنه يقدم له الدروس والعبر ليحافظ على توازن مسيرته في الحياة الدنيا، إضافة إلى أنه يسعى لتربيته روحياً.
الأثر المعنوي للقرآن
يأمر القرآن المؤمنين بان يقضوا بعض أوقات الليل بتلاوة القرآن، وأن يرتلوا القرآن في صلواتهم عندما يتوجهون إلى الله.
لا ريب بضرورة مطالعة القرآن بهدف دراسته وتعلمه، يصرح القرآن في هذا المجال بقوله: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (16).
إن فهم القرآن الكريم ومعانيه مهم جداً عند تلاوته، وبالإضافة إلى فهمه ينبغي تدبره ثم العمل بمضمونه.
إن التعليم والتذكير هما من أهداف القرآن الكريم، ومن هذه الجهة يخاطب القرآن الكريم عقل الإنسان، ويتحدث معه بالاستدلال والمنطق، غير أن للقرآن الكريم لغة أخرى أيضاً، والمخاطب فيها بالإضافة للعقل، القلب، وهذه اللغة الثانية تسمى: «الإحساس».
القرآن شفاء ورحمة لمن غمر الإيمان قلوبهم وأرواحهم، فأشرقت وتفتحت وأقبلت في بشر وتفاؤل لتلقى ما في القرآن الكريم من صفاء وطمأنينة وأمان، وذاقت من النعيـم ما لم تعرفه قلوب وأرواح أغنى ملوك الأرض. إنه حقاً سد منيع يستطيع الإنسان أن يحتمي به من مخاطر كل الهجمات المتتالية على نفسه وقلبه.
1. ما هو دور القرآن في حياة المؤمنين ؟
2. ما معنى ترتيل القرآن , ولماذا كان المطلوب ذلك ؟
3. من يخاطب القرآن , العقل أم القلب أم كلاهما , بين ذلك ؟
4. ما المقصود من كون القرآن شفاء ؟
5. أذكر حال المتقين مع كتاب الله .
عن الإمام علي (ع) :
“ أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لأجزاء الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ، وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللهِ فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ”.
إلهي أذقني طعم عفوك يوم لا
بنون ولا مال هنالك ينفعُ
إلهي لئن لم ترعني كنت ضائعا
وإن كنت ترعاني فلست أضيعُ
إلهي إذا لم تعف عن غير محسن
فمن لمسيء بالهوى يتمتعُ
إلهي لئن فرطت في طلب التقى
فها أنا إثر العفو أقفو وأتبعُ
إلهي أقلني عثرتي وامح حوبتي
فإني مقر خائف متضرعُ
إلهي أنلني منك روحا ورحمة
فلست سوى أبواب فضلك أقرعُ
إلهي لئن أقصيتني أو أهنتني
فمن ذا الذي أرجو ومن ذا أشفعُ
إلهي لئن خيبتني أو طردتني
فما حيلتي يا رب أم كيف أصنعُ
يقول أحد تلامذة العلامة الطباطبائي رحمه الله :
كان المرحوم السيد علي القاضي -أستاذ العلامة الطباطبائي في الأخلاق - والذي يُعتَبَر من الناحية العملية آية عجيبة .. ويَعرفُ أهل النجف وخصوصاً أهل العلم الكثير من قصصه.. في منتهى الفقر، وكانت عائلته كبيرة، وكان في منتهى التسليم والتفويض والتوحيد، بحيث لم تخرجه هذه العائلة ذرة عن مساره. ـ
حدثني أحد أصدقائي في النجف، وهو فعلاً من أعلامها فقال: ذهبت ذات يوم إلى دكان بائع الخضار، رأيت المرحوم علي القاضي منحنياً ينتقي الخس إلا أنه على عكس المتعارف، كان يختار الخس الذابل ذا الأوراق الخشنة. ـ
وقفت أتأمله بدقة إلى أن نهض من الإنتقاء، وقدم الخس لصاحب الدكان ليزنه.. ووضعه السيد تحت عباءته ومضى، وكنت عندها طالباً شاباً، وكان المرحوم القاضي رجلاً مسناً.. فتبعته وقلت له: مولاي!.. لدي سؤال.. لماذا اخترت بعكس الجميع الخس غير المرغوب فيه؟
قال: عزيزي، هذا الرجل بائع فقير، وأنا أساعده أحياناً، ولا أريد أن أعطيه شيئاً بلا عوض لأحفظ له عزته وماء وجهه أولاً، ولا يعتاد على “الأخذ” مجاناً فيتكاسل في الكسب ثانياً
وبالنسبة لنا لا فرق بين الخس الطري والناعم أو هذا الخس، وأنا أعلم أن هذا الخس لن يشتريه منه أحد، وعندما يقفل دكانه ظهراً سوف يلقي بها بعيداً، ومنعاً لتضرره وخسارته فقد اشتريت هذا منه....

 

1) الاسراء: من الآية9
2) المائدة: من الآية16
3) فصلت:30 - 31
4) النحل:97
5) الجاثـية:21
6) الحج: 38
7) المزمل/4
8) الهذ : سرعة القراءة.
9) سورة ص - 29
10) الشيخ الكليني- الكافي- دار الكتب الإسلامية , آخوندي- الطبعة الثالثة - ج 2 ص 609
11) المجلسي- محمد باقر - بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء , الطبعة الثانية المصححة –ج 82 ص 50
12) الصحيفة السجادية دعاء ختم القرآن
13) الهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس.
14) الشيخ الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية ,آخوندي-الطبعة الثالثة - ج 2 ص 53
15) الإسراء 82
16) سورة ص -29