الدرس الثالث:علامات المتقين وسيماهم فَمِنْ عَلاَمَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِين، وَحَزْماً فِي لِين، وَإِيمَاناً فِي يَقِين، وَحِرْصاً فِي عِلْم، وَعِلْماً فِي حِلْم، وَقَصْداً فِي غِنىً، وَخُشُوعاً فِي عِبَادَة، وَتَجَمُّلاً فِي فَاقَة، وَصَبْراً فِي شِدَّة، وَطَلَباً فِي حَلاَل، وَنَشاطاً فِي هُدىً، وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَع. يَعْمَلُ الأعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَل، يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ، يَبِيتُ حَذِراً، وَيُصْبِحُ فَرِحاً، حَذِراً لَمَّا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ. هناك علامات ذكرها الإمام (ع) للمتقين ، تدل عليهم ويعرفون بها ، فما هي تلك العلامات , وما هي حدودها ودلالاتها ؟ قوّة في دين ( فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوّة فى دين ) فتراه ثابتاً في دينه ، قوياً يقاوم وساوس شياطين الجن والإنس، لا يؤثّر فيه تشكيك المشكك و لا ينخدع بخداع المنحرفين . وعن الإمام الصادق (ع) : «المؤمن أشد من الجبل والجبل يستقل منه بالفأس والمؤمن لايستقل على دينه» (1) . وحزما في لين الحزم لا يعني العدائية. والسلوك الحازم ليس عدوانيا ولا توبيخيا ولا تهديديا ولا قاسيا ولا تهكميا. الحزم يختلف عن العدوانية، فأنت بالدفاع عن نفسك وإثبات وجودك لا تعتدي على حقوق الآخرين . الحزم يعني أن توصل ما تريد قوله إلى الآخرين بطريقة واضحة، مع احترام حقوقك ومشاعرك وحقوق الآخرين ومشاعرهم . الحزم ضرورة في الأمور الدنيويّة والدينيّة ولابد من التشبث به ممزوجا باللين للخلق و عدم الفظاظة عليهم و هي فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق. واللين قد يكون للتواضع المطلوب بقوله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنينَ) (2) . وقد يكون من مهانة و ضعف يقين، والأوّل هو المطلوب وهو المقارن للحزم في الدين ومصالح النفس والثاني رذيلة مخالف للحزم. وإيمانا في يقين عن الإمام الرضا (ع) : إنّما هو الإسلام و الإيمان فوقه بدرجة و التقوى فوق الإيمان بدرجة ، و اليقين فوق التقوى بدرجة ، و لم يقسّم بين النّاس شيء أقلّ من اليقين ، قال : قلت : فأي شيء اليقين ؟ قال : التوكّل على اللّه و التسليم للّه، والرّضا بقضاء اللّه ، والتفويض إلى اللّه (3) . فالمسلمون درجات في تدينهم يبدؤون بالإسلام ليصلوا إلى اليقين، واليقين هو الذي لا يساوره شك ولا تردد . حرصا في علم حرصا في طلب العلم النّافع في الآخرة والازدياد منه . وقد قص الله علينا قصة موسى (ع) ، كيف سافر في البحر وتحمل المشاق لكي يتعلم بعض المسائل من الخضر (ع) فقال «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا» (4) . والنبي(ص) قال: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) (5) . فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. ويقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (6) . فإن العلم نور وهداية والجهل ظلمة وضلالة وإنه مع الإيمان رفعة في الدنيا والآخرة .... وقصدا في غنى القصد في الغنى و هو فضيلة العدل في استعمال متاع الدنيا بحيث لا يقع في الإسراف أو التبذير . فهو مع غناه مقتصد فى حركاته و سكناته و مصارف ماله بل جميع أفعاله وغناه لم يوجب طغيانه و خروجه عن القصد و تجاوزه عن الحدّ كما قال تعالى:(كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (7) . وخشوعاً في عبادة وقد وصف اللّه المؤمنين بذلك في قوله ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (8) . قال في مجمع البيان أي خاضعون متواضعون متذلّلون لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم ولا يلتفتون يمينا و شمالا. وروي أنّ النّبيّ (ص) رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته فقال : أما انّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه (9) . وفي هذا دلالة على أنّ الخشوع في الصّلاة يكون بالقلب ويظهر على الجوارح، فأمّا بالقلب فهو أن يفرغ قلبه بجميع الهمّة لها والإعراض عمّا سواها فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود، وأمّا بالجوارح فهو غضّ البصر والإقبال عليها وترك الالتفات والعبث. وتجمّلا في فاقة يتعفّف ولا يظهر الحاجة في حال فقره، ويترك السّؤال ويستر ما هو عليه من الفقر. وقد مدح اللّه سبحانه أصحاب هذه الصفة بذلك في قوله (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (10) . وكانوا نحوا من أربعمائة من فقراء المهاجرين يسكنون صفّة مسجد رسول اللّه (ص) يستغرقون أوقاتهم بالتعلّم و العبادة و كانوا يخرجون في كلّ سريّة يبعثها رسول اللّه (ص) يظنّهم الجاهل بحالهم و باطن أمورهم أغنياء من التعفّف أي من أجل التعفّف و الامتناع من السّؤال و التجمّل فى اللّباس و السّتر لما هم عليه من الفقر و سوء الحال طلبا لرضوان اللّه و جزيل ثوابه تعرفهم بسيماهم بما يرى فيهم من علامة الفقر من رثاثة الحال و صفرة الوجه. وطلبا فى حلال قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (11) . وقد حث الشرع الحنيف على طلب الحلال وترك الحرام , والتقي هو الذي يطلب الرّزق من الحلال ويقتصر عليه ولا يطلبه من الحرام . وفي رواية أخرى عنه(ص): « العبادة سبعون جزءاً ، وأفضلها جزءاً طلب الحلال » (12) . روى في الوسائل ج 17ـ ص45 عن الكلينيّ بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبى جعفر (ع) قال : قال رسول(ص)في حجة الوداع : ألا إنّ الرّوح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتّقوا اللّه وأجملوا فى الطلب ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرّزق أن تطلبوه بمعصية اللّه، فانّ اللّه تبارك وتعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالا ولم يقسّمها حراما، فمن اتّقى وصبر آتاه اللّه برزقه من حلّه ومن هتك حجاب الستر وعجل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة. نشاطاً في هدى فيكون سلوكه لسبيل اللّه وإتيانه بالعبادات المشروعة الموصلة إلى رضوان اللّه سبحانه بطيب النفس وعلى وجه الخفّة والسهولة لا عن الكسل والتغافل، و ذلك ينشأ عن قوّة اليقين في ما وعد اللّه المتّقين من الجزاء الجميل والأجر العظيم. تحرجاً عن طمع في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (ع) :«أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع » (13) ، وعنه (ع) :« أزرى بنفسه من استشعر الطمع، ورضي بالذل من كشف عن ضره، وهانت عليه نفسه من أمّر عليها لسانه » (14) . واستشعار الطمع بمعنى اتخاذه ديناً له وديدناً بحيث لا يلتزم بشيء إلا على أساس منفعته الخاصة. ومن كان كذلك فقد حقّر نفسه لأن الإنسان يقاس بأهدافه وأمانيه. فلا يطمع المؤمن بما في أيدي الناس لعلمه بأنه من الرذائل النفسية ومنشأ المفاسد العظيمة، لأنه يورث الذل والاستخفاف والحقد والحسد والعداوة والغيبة وظهور الفضايح والمداهنة لأهل المعاصي وترك التوكل على الله والتضرع إليه، وعدم الرضا بقسمه... ومن هنا نلاحظ الرواية عن الإمام علي بن الحسين (ع) : «رأيت الخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع مما في أيدي الناس» (15) . وقد سأل أحدهم الإمام الصادق (ع) عن الذي يثبت الإيمان ، فقال (ع) : «الورع» وسأله عن الذي يخرجه منه، قال (ع) : «الطمع» (16) . |
![]() |
هناك علامات ذكرها الإمام (ع) للمتقين: قوّة فى دين ( فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوّة فى دين ) فتراه ثابتاً في دنيه ، قوياً يقاوم وساوس شياطين الجن والإنس، لا يؤثّر فيه تشكيك المشكك و لا ينخدع بخداع المنحرفين . وحزما في لين الحزم يعني أن توصل ما تريد قوله إلى الآخرين بطريقة واضحة ، مع احترام حقوقك ومشاعرك وحقوق الآخرين ومشاعرهم. وإيمانا في يقين فالمسلمون درجات في تدينهم يبدؤون بالإسلام ليصلوا إلى اليقين ، واليقين هو الذي لا يساوره شك ولا تردد حرصا في علم حرصا في طلب العلم النّافع فى الآخرة و الازدياد منه . وقصدا في غنى القصد في الغنى و هو فضيلة العدل في استعمال متاع الدنيا بحيث لا يقع في الإسراف أو التبذير . وخشوعاً في عبادة إنّ الخشوع في الصّلاة يكون بالقلب و يظهر على الجوارح ، فأمّا بالقلب فهو أن يفرغ قلبه بجميع الهمّة لها و الإعراض عمّا سواها فلا يكون فيه غير العبادة و المعبود ، و أمّا بالجوارح فهو غضّ البصر والإقبال عليها و ترك الالتفات و العبث وتجمّلا في فاقة يتعفّف ولا يظهر الحاجة في حال فقره، و يترك السّؤال و يستر ما هو عليه من الفقر. وطلبا فى حلال وقد حث الشرع الحنيف على طلب الحلال وترك الحرام , والتقي هو الذي يطلب الرّزق من الحلال ويقتصر عليه ولا يطلبه من الحرام. نشاطاً في هدى فيكون سلوكه لسبيل اللّه و إتيانه بالعبادات المشروعة الموصلة إلى رضوان اللّه سبحانه بطيب النفس و على وجه الخفّة و السهولة لا عن كسل وتغافل. تحرجاً عن طمع واستشعار الطمع بمعنى اتخاذه ديناً له وديدناً بحيث لا يلتزم بشيء إلا على أساس منفعته الخاصة. ومن كان كذلك فقد حقّر نفسه لأن الإنسان يقاس بأهدافه وأمانيه. |
![]() |
1ـ أذكر عدداً من علامات المتقين . 2ـ ما هو الفارق بين الحزم والعدوانية؟ 3ـ ما المقصود من الإيمان في يقين ؟ 4ـ ما هو المقصود من قوله عليه السلام ونشاطاً في هدى ؟ 5ـ لماذا كان الطمع سبباً للذلّ؟ |
![]() |
عن الإمام علي (ع) : « فَمِنْ عَلاَمَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِين، وَحَزْماً فِي لِين، وَإِيمَاناً فِي يَقِين، وَحِرْصاً فِي عِلْم، وَعِلْماً فِي حِلْم، وَقَصْداً فِي غِنىً، وَخُشُوعاً فِي عِبَادَة، وَتَجَمُّلاً فِي فَاقَة، وَصَبْراً فِي شِدَّة، وَطَلَباً فِي حَلاَل، وَنَشاطاً فِي هُدىً، وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَع. يَعْمَلُ الاْعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَل، يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ، يَبِيتُ حَذِراً، وَيُصْبِحُ فَرِحاً، حَذِراً لَمَّا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ ». |
![]() |
دع التكاسل في الخيـرات تطلبها فليس يسعد بالخيرات كسـلان لا تحسبنّ سروراً دائماً أبداً من سرّه زمـن ساءته أزمـان كلّ الذنوب فإن الله يغفرهـا إن شيّع العبد إخلاص وإيمان وكل كسر فإن الله يجبره وما لكسر قناة الدين جبران |
![]() |
درس العلامة الشيخ مرتضى الأنصاري(رحمه الله) في بداية شبابه عند
المرحوم شريف العلماء في حوزة كربلاء المقدسة، ثم عاد إلى بلدته -
شوشتر- الإيرانية فلم ترضَ أمه برجوعه إلى كربلاء لمواصلة الدراسة-
ولعل السبب الرئيس هو عدم تحمل الأم لفراق ولدها وخوفها عليه.
|
![]() |
1) صفات الشيعة للشيخ الصدوق ص32 ح47 2) الشعراء : 115 3) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة –ج 67 ص 138 4) الكهف: 66 5) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة –ج1 ص 177 6) يوسف: 108 7) العلق:6-7 8) المؤمنون/2 9) الطبرسي- المحقق النوري - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل- مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث -الطبعة الأولى – ج5 ص 417 10) البقرة : 273 11) المؤمنون/51 12) الصدوق – الشيخ - الوفاة : 381– معاني الأخبار- مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، ص 367، ح1. 13) نهج البلاغة الكلمات القصار , 219 14) نهج البلاغة الكلمات القصار , 2 15) الشيخ الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية ,آخوندي-الطبعة الثالثة - ج2 ص 148 16) الشيخ الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية ,آخوندي-الطبعة الثالثة - ج2 ص 320 |