الدرس التاسع : المتقون والناس

الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ.
يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ. بَعِيداً فُحشُهُ، لَيِّناً قَوْلُهُ، غَائِباً مُنْكَرُهُ، حَاضِراً مَعْرُوفُهُ، مُقْبِلاً خَيْرُهُ، مُدْبِراً شَرُّهُ. لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ. يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ.
لاَ يُضَيِّعُ مَا اسْتُحْفِظَ، وَلاَ يَنْسَى مَا ذُكِّرَ، وَلاَ يُنَابِزُ بِالألْقَابِ، وَلاَ يُضَارُّ بالْجارِ، وَلاَ يَشْمَتُ بالْمَصَائِبِ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ، ولاَ يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ. إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتّى يَكُونَ اللهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ. نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاء، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة. أَتْعَبَ نفسه لآخِرَتِهِ، وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ. بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزاهَةٌ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنَهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ، لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْر وَعَظَمَة، وَلاَ دُنُوُّهُ بِمَكْر وَخَدِيعَة.

هذه جملة خصال الخير في التعامل مع الناس, ذكرها أمير المؤمنين (ع) في وصف المتقين وقد أجملها حفيده الإمام زين العابدين (ع) في دعاء له معروف بدعاء مكارم الأخلاق «أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَسَدِّدْنِي لأنْ أعَـارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْـحِ، وَأَجْـزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ وَأُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ وَأُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ وأُخَـالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إلَى حُسْنِ الذِّكْرِ، وأن أشكر الْحَسَنَةَ وأغضي عَنِ السَّيِّئَـةِ.أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ وَحَلِّنِي بحلية الصالحين، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ فِيْ بَسْطِ الْعَدْلِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَإطْفَاءِ النَّائِرَةِ وَضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَإصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإفْشَاءِ الْعَارِفَةِ، وَسَتْرِ الْعَائِبَةِ، وَلِينِ الْعَرِيكَةِ، وَخَفْضِ الْجَنَـاحِ، وَحُسْنِ السِّيرَةِ، وَسُكُونِ الرِّيـحِ، وَطِيْبِ الْمُخَالَقَـةِ، وَالسَّبْقِ إلَى الْفَضِيلَةِ، وإيْثَارِ التَّفَضُّلِ، وَتَرْكِ التَّعْبِيرِ وَالإفْضَالِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَالـقَوْلِ بِالْحَقِّ وَإنْ عَـزَّ وَاسْتِقْلاَلِ الخَيْـرِ وَإنْ كَثُـرَ مِنْ قَـوْلِي وَفِعْلِي، وَاسْتِكْثَارِ الشَّرِّ وَإنْ قَلَّ مِنْ قولي وفعلي».
ومعظم الصفات المذكورة في كلام أمير المؤمنين (ع) – إن لم يكن جميعها – المذكورة في كلامه بعنوان صفات المتقين، في الواقع هي من صفات و مقتضيات إنسانية الإنسان، فمقتضى الإنسانية و الطبع الإنساني السليم أن يكون الإنسان متصفاً بمكارم الأخلاق ومرضي الصفات . وقد ذكر أمير المؤمنين الكثير من فضائل المتقين , لا سيما في ما خص علاقتهم بالناس من حولهم , فما هو ديدنهم وسبيلهم الذي سلكوه ؟
في هذا المجال يمكن الوقوف عند عناوين عديدة هي:

الخير مأمول والشر مأمون
وهذا الأمر من أولى مقتضيات الإسلام والإيمان, فعن رسول الله(ص):»المسلم من سلم الناس من يده ولسانه» (1) , فكيف بمن ارتقى درجات في اليقين والتقوى، بل هذه من خصوصيات إنسانية الإنسان قبل ان تكون من خصوصيات وإقتضاءات التقوى.
فالإنسان الذي يكون حقاً إنساناً الخير منه مأمول، و الشر منه مأمون، فلا يضر غيره بغير حق، و لا يشوه سمعته، و لا يتعدى على ماله، و لا يغشه، و لا يبهت عليه، و لا يزور عليه، و لا يبيّن و لا يفضح معائبه أمام الناس، هذا مقتضى إنسانية الإنسان، فمن لا يتمتع بهذه الخصال و الصفات الحميدة، و الإنسان الذي لا يؤمن شره فليس إنسان، حيث انه لم يتخلق بالأخلاق الإنسانية فمن يكون واقعاً إنساناً يجب أن يكون بهذه المثابة: «الخير منه مأمول»، إذا راجعته و أردت منه حاجة فالخير منه مأمول، و يحتمل فيه و منه ان يشفع لك شفاعة بحق، أن يعينك، ان ينصحك، ان يقدم لك ما في وسعه ...، تأمل منه الخير، الإنسان الذي يكون إنساناً هذه طبيعته.
ومن مفردات الخير المأمول والشر المأمون :
«لا َ يُضَيِّعُ مَا اسْتُحْفِظَ، وَلاَ يَنْسَى مَا ذُكِّرَ وَلاَ يُنَابِزُ بالألقاب» وذلك لملاحظته النهي في الذكر الحكيم: (وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) (2) والسرّ في ذلك النهي كونه مستلزماً لإثارة الفتن والتباغض بين الناس و الفرقة المضادّة لمطلوب الشارع.
«وَلاَ يُضَارُّ بالْجارِ» لوجوب كفّ الأذى عن الجار كما صرّح به العديد من الروايات.
عن الإمام محمد الباقر (ع) :«قرأت في كتاب عليّ (ع) انّ رسول اللّه(ص)كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب: انّ الجار كالنفس غير مضارّ و لا اثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه».
ولأهمية حقوق الجار نجد أن الله تبارك وتعالى قد أكد عليه في القرآن الكريم: (وَالْجَار ذِي القربى وَ الْجَار الجُنُبِ) (3) ، حتى وصل الاهتمام إلى درجة قال فيها النبي (ص)– كما في الرواية - :«أوصاني ربّي بالجار حتّى ظننت أنّه يورّثه » (4).
«وَلاَ يَشْمَتُ بالْمَصَائِبِ». لأنّ المصائب النازلة إنما هي بقضاء من اللّه عزّ وجلّ وقدره، والشامت بسبب نزولها بغيره في معرض أن تصيبه مثلها فكيف يشمت ويفرح بمصيبة نزلت به .
عن الإمام أبي عبد اللّه جعفر الصادق (ع) :«لا تبدِ الشماتة لأخيك فيرحمه اللّه و يصيّرها بك» (5).
إن عدم وقوع المصيبة عليك هو رحمة إلهية تستوجب الشكر، والشكر يكون بالطاعة، وإظهار الشماتة أذية ومعصية، فهي في الحقيقة كفران بالنعمة لا شكرٌ لها، وقد قال تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (6) ، وكان الأولى أن يقول ما ورد في الرواية عن الإمام الصادق (ع) :«من نظر إلى ذي عاهة أو من قد مثل به أو صاحب بلاء فليقل سراً في نفسه من غير أن يسمعه: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، ولو شاء لفعل بي ذلك، ثلاث مرات، فإنه لا يصيبه ذلك أبداً» (7).
العفو والصفح
قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (8) ، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (9) ، (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (10).
هذه الصّفات الثلاث «يعفو عمّن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه» من مكارم الأخلاق ومحامد الخصال ، فالاولى مندرجة تحت الشجاعة، والثانية مندرجة تحت السخاء، والثالثة مندرجة تحت العفّة.
وعن رسول اللّه(ص)في خطبة: ألا أخبركم بخير خلايق الدّنيا والآخرة : العفو عمّن ظلمك وتصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك.
ومعنى هذه الأمور الثلاثة:
1 -  من صفات الكرام العفو عن الظّلم والتّجاوز عن المسي‏ء، ومن صفات اللّئام الانتقام و طلب التّشفي و المعاقبة لدفع الغيظ و هي آفات نفسانية تصيب الجهّال والنّاقصين.
2 -  إعطاء من حرمك، والمقصود به أنّه إذا أحسنت إلى أحد و لم يقابل إحسانك بإحسان أو قابلك بالإساءة والكفران، فلا ترغب عن إحسانه بكفرانه، فانّه إذا لم يشكرك فقد يشكرك غيره، ولو لم يشكرك أحد فانّ اللّه يحبّ المحسنين كما نطق به الكتاب المبين، وكفى شرفا وفضلا بأن تخاطب بخطاب أين أهل الفضل يوم حشر الأوّلين والآخرين .
3 -  صلة من قطعك والمراد بها وصله بالمال واليد واللسان ومراقبة أحواله بقدر الإمكان لاسيما إذا كان من الأرحام.
وستظهر هذه الصفات في الآخرة لتعزّ صاحبها بين الخلائق وتجعله من أهل الجنة، فعن الإمام عليّ بن الحسينL:«إذا كان يوم القيامة جمع اللّه تبارك وتعالى الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ثمّ ينادى مناد أين أهل الفضل، قال: فيقوم عنق من النّاس فتلقّاهم الملائكة فيقولون : وما كان فضلكم ؟ فيقولون: كنّا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا، قال: فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنّة» (11).

علاقة أساسها النزاهة والرحمة
إنّ تباعد التقي و تدانيه عمّن تباعد عنه و دنا منه من باب المواظبة على الوظائف و الآداب الشرعيّة، فليس تباعده بكبر و عظمة و لا دنوّه بمكر و خديعة، كما قد يكون من أبناء الدّنيا و ذوي الأغراض الفاسدة، ومن شأن أهل النفاق الذين يخادعون اللّه ولا يخدعون إلا أنفسهم ، (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) (12).
فالمخالطة للناس أو النأي والابتعاد عنهم لا تحكمه المصالح الضيقة أو الأهواء والنوازع النفسية بل يقومان كما يذكر الإمام علي (ع) :«بعده عمّن تباعد عنه زهد و نزاهة» فبعده عن أهل الدّنيا وعن مجالسهم من باب الزّهد والتباعد عن مكروههم وأباطيلهم. التزاماً بقوله تعالى : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (13) وقول النبي(ص)ـ كما في الرواية عنه ـ : «جالسوا من يذكركم بالله رؤيته, ويزيد في علمكم منطقه» (14).
وإن من عوامل بناء النفس مجالسة من رؤيتهم تذكر بالله - عز وجل - فمجالستهم تريك ما في نفسك من قصور وضعف وعيوب، فتصلحها وتهذبها، يذكرونك إن نسيت، ويرشدونك إن جهلت، يأخذون بيدك إن ضعفت، مرآة لك ولأعمالك، إن افتقرت أغنوك، وإن دعوا الله لن ينسوك ،هم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، من جالسهم وأحبهم أذاقه الله حلاوة الإيمان التي فقدها الكثيرون.
وعن أبي عبد الله (ع) أنه قال: «إياك ومخالطة السفلة فإن السفلة لا يؤول إلى خير» (15).
قال الشيخ الصدوق في شرح معنى السفلة :«جاءت الأخبار في معنى السفلة على وجوه:
فمنها: أن السفلة هو الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له.
ومنها: أن السفلة من يضرب بالطنبور.
ومنها: أن السفلة من لم يسره الإحسان ولا تسوؤه الإساءة. والسفلة: من ادعى الإمامة وليس لها بأهل. وهذه كلها أوصاف السفلة، من اجتمع فيه بعضها أو جميعها وجب اجتناب مخالطته» (16).
كما ان دنوّه ممّن دنا منه لين و رحمة و من باب التعاطف و التواصل كما قال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (17).
عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق (ع) يقول لأصحابه :«اتّقوا اللّه و كونوا أخوة بررة متحابّين في اللّه متواصلين متراحمين تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه».

المتقون هم أهل العدل
فالواحد منهم كما قال الإمام علي (ع) :«لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ. يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ». وهم المصداق البارز والأجلى لقول أمير المؤمنين (ع) الذي رسم منهاج العدل الاجتماعي بإيجاز وبلاغة، قائلاً لابنه:«يا بُني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلَم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وأرض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك» (18).
وقد أوصى (ع) ابنه الكريم أن يكون عادلا في ما بينه وبين الناس كالميزان، ثم أوضح له صور العدل وطرائقه إيجابا وسلبا.
هذا, وللعدل صور مشرفة تشع بالجمال والجلال، وإليك أهمها:
1ـ عدل الإنسان مع الله عز وجل، وهو أزهى صور العدل، وأسمى مفاهيمه، وجماع العدل مع الله تعالى يتلخص في الإيمان به، وتوحيده، والإخلاص له، وتصديق سفرائه وحججه على العباد، والاستجابة لمقتضيات ذلك من حبه والتشرف بعبادته، والدأب على طاعته، ومجافاة عصيانه.
2ـ عدل الإنسان مع المجتمع، وذلك برعاية حقوق أفراده، وكف الأذى والإساءة عنهم، وسياستهم بكرم الأخلاق، وحسن المداراة وحب الخير لهم، والعطف على بؤسائهم ، ونحو ذلك من محققات العدل الاجتماعي.
3 – عدل الإنسان مع نفسه ، بفعل الطاعة وترك المعصية ، والالتزام بالحكم الشرعي، لأن مخالفة الحكم الشرعي ظلم للنفس ونقلها من ساحة الرحمة الإلهية لتصبح في معرض الغضب الإلهي مستحقة للنار. (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) (19).

محاسن العدل
فطرت النفوس السليمة على حب العدل ، وبغض الظلم واستنكاره. فالعدل هو سر حياة الأمم، ورمز فضائلها، وقوام مجدها وسعادتها، وضمان أمنها ورخائها، وأجل أهدافها وأمانيها في الحياة.
وقد كان النبي(ص)وأهل البيت(ع) المثل الأعلى للعدل، وكانت أقوالهم وأفعالهم دروسا خالدة تنير للإنسانية مناهج العدل والحق والرشاد.
وإليك نماذج من عدلهم، بل هي في الحقيقة نماذج من رحمتهم :
قال سوادة بن قيس للنبي(ص)في أيام مرضه: يا رسول الله إنك لما أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء، وبيدك القضيب الممشوق، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة، فأصاب بطني، فأمره النبي أن يقتص منه، فقال: اكشف لي عن بطنك يا رسول الله فكشف عن بطنه، فقال سوادة: أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك، فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص من رسول الله من النار، فقال(ص): يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتص؟ فقال: بل أعفو يا رسول الله. فقال: اللهم أعف عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيك محمد (20).

مقتضى الإنسانية و الطبع الإنساني السليم أن يكون الإنسان متصفاً بمكارم الأخلاق ومرضي الصفات . وقد ذكر أمير المؤمنين الكثير من فضائل المتقين , لا سيما في ما خص علاقتهم بالناس من حولهم.
الخير مأمول والشر مأمون
فالإنسان الذي يكون حقاً إنساناً الخير منه مأمول، و الشر منه مأمون، فلا يضر غيره بغير حق، و لا يشوه سمعته، و لا يتعدى على ماله، و لا يغشه، و لا يبهت عليه، و لا يزور عليه، و لا يبيّن و لا يفضح معائبه أمام الناس، هذا مقتضى إنسانية الإنسان.
العفو والصفح
علاقة أساسها النزاهة والرحمة
إنّ تباعد التقي و تدانيه عمّن تباعد عنه و دنا منه من باب المواظبة على الوظائف و الآداب الشرعيّة فليس تباعده بكبر و عظمة و لا دنوّه بمكر وخديعة، كما قد يكون من أبناء الدّنيا وذوي الأغراض الفاسدة، ومن شأن أهل النفاق الذين يخادعون اللّه ولا يخدعون إلا أنفسهم.
المتقون هم أهل العدل
فالواحد منهم كما قال الإمام علي (ع) :«لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ. يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ».
وللعدل صور مشرفة تشع بالجمال والجلال، وإليك أهمها:
1ـ عدل الإنسان مع الله عز وجل
2ـ عدل الإنسان مع المجتمع
3 – عدل الإنسان مع نفسه
محاسن العدل
فطرت النفوس السليمة على حب العدل ، وبغض الظلم واستنكاره. فالعدل هو سر حياة الأمم، ورمز فضائلها، وقوام مجدها وسعادتها، وضمان أمنها ورخائها، وأجل أهدافها وأمانيها في الحياة.
1. ما هو المأمول والمأمون من المتقين؟
2. ما هي خير خلائق (أخلاق) الدنيا والآخرة بحسب قول النبي(ص)؟
3. ما هي الأسس التي تحكم علاقة المتقين بالناس ؟
4. ما معنى العدل , بين أهمية ذلك من كتاب الله ؟
5. كيف يتجلى عدل المتقين , ومن خلال ماذا ؟
عن الإمام علي (ع) :
«الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ.
يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ. بَعِيداً فُحشُهُ، لَيِّناً قَوْلُهُ، غَائِباً مُنْكَرُهُ، حَاضِراً مَعْرُوفُهُ، مُقْبِلاً خَيْرُهُ، مُدْبِراً شَرُّهُ. لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ. يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ.
لاَ يُضَيِّعُ مَا اسْتُحْفِظَ، وَلاَ يَنْسَى مَا ذُكِّرَ، وَلاَ يُنَابِزُ بِالاْلْقَابِ، وَلاَ يُضَارُّ بالْجارِ، وَلاَ يَشْمَتُ بالْمَصَائِبِ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ، ولاَ يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ. إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتّى يَكُونَ اللهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ. نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاء، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة. أَتْعَبَ نفسه لآخِرَتِهِ، وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ. بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزاهَةٌ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنَهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ، لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْر وَعَظَمَة، وَلاَ دُنُوُّهُ بِمَكْر وَخَدِيعَة».
ألا يا خائضا بحر الأماني
هداك الله ما هذا التواني
أضعت العمر عصيانا وجهلا
فمهلا أيها المغرور مهلا
مضى عصر الشباب وأنت غافل
وفي ثوب العمى والغي رافل
إلى كم كالبهائم أنت هائم
وفي وقت الغنائم أنت نائم
وطرفك لا يرى إلا طموحا
ونفسك لم تزل أبدا جموحا
وقلبك لا يفيق عن المعاصي
فويلك يوم يؤخذ بالنواصي

قال أحد كبار العلماء من تلامذة الشيخ مرتضى الأنصاري. رأيت في المنام شخصاً يشبه الشيطان وعلى كتفه مجموعة حبال!
سألته: من أنت؟
قال: أنا الشيطان.
وسألته: إلى أين ذاهب أنت أيها الشيطان؟
قال: أبحث عمّن أقلّد حبالي في عنقه، فأجرّه إليّ، ولقد حاولت بالأمس أن أجرّ الشيخ الأنصاري حتى أخرجتُه من حجرته إلى نصف الطريق ولكنه قطع الحبال وعاد إلى البيت!
يقول العالم: عندما استيقظت، تشرفتُ بزيارة الشيخ ونقلت له رؤياي هذه.
فقال الشيخ: نعم، كاد الملعون بالأمس يخدعني، لأني كنت احتاج إلى مبلغ بسيط من المال (ما يعادل درهماً) إذ لم يكن لدي شيء للعيال، فقلت في نفسي: اقترض من مال المسلمين الموجود بيدي وأسدّ به حاجتي الآن، ثم أسدّد القرض فيما بعد.
فأخذت منه وأنا متردد في ذلك، خرجت من الحجرة إلى الطريق وأنا أفكر في المسألة، وفجأة، قررتُ إرجاع المال، فعدت به إلى محله سريعاً!

 

1) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة –ج1 ص 113
2) الحجرات: من الآية11
3) النساء : 36
4) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة –ج64ص 341
5) الشيخ الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية ,آخوندي-الطبعة الثالثة - ج2 ص 359
6) ابراهيم:7
7) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة –ج 90، ص 217.
8) النور: من الآية22.
9) آل عمران: من الآية134.
10) البقرة: من الآية237.
11) الشيخ الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية ,آخوندي-الطبعة الثالثة - ج 2 ص 108
12) البقرة:14
13) القصص:55
14) الشيخ الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية ,آخوندي-الطبعة الثالثة - ج1 ص 39
15) الشيخ الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية ,آخوندي-الطبعة الثالثة - ج 5 ص 159
16) من لايحضره الفقيه ج3 ص165
17) الفتح: من الآية29
18) نهج البلاغة ج3 وصيته عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام .
19) هود:101
20) سفينة البحار ج1 ص671 .