مقدمة المصنف

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

قال الراجي عفو اللَّه تعالى عمر بن محمد بن عبد الواحد خادم الصوفية برباط المجاهد:

الحمد للَّه البديع صنعه، المحكم بناؤه ووضعه، الباهر عطاؤه ومنعه، بعث محمداً بأنوع الصلات والقربات، وأيده بالبراهين والمعجزات، وخصه بالخلائق الزاكيات الطاهرات، صلوات اللَّه عليه ما دامت الأرض والسموات، صلاة فائحة النشر، دائمة البشر. وبعد: فإني جلت البلاد، وبلوت العباد، وطالت مجاورتي، وكثرت مهاجرتي، وشاهدت الناس في أهوائهم، وتشعب عقائدهم وآرائهم، ورأيت لكل منهم مستمسكاً وعقيدة، يزعم أنها صحيحة المسلك، وصحبت جمعاً من العباد الأقطاب الأوتاد، وكنت بخفي أسرارهم بالمرصاد، دائم البحث منهم والرغبة في الأخذ عنهم، ولم أر مخلصاً للَّه حقاً سوى الفقراء أرباب القلوب، فكانوا بأسرهم يتمسكون بالسبب الأقوى، والكنف الأحوى، موالاة الأئمة الأطهار، السادة الأبرار، أبناء البحر الغزير، والليث ذي الزئير، أبي شبّر وشبير، لأنهم باب الذريعة، وحماة الشريعة، ومنهج القاصدين، ومشرب الواردين والصادرين.

فهم الوسيلة لقضاء الحاجات، وإبانة المعضلات، ودفع الملمات، فحذوت حذوهم في أفعالهم ونسجت على صحة منوالهم، وكنت ضنيناً بكشف الحجاب ورفع النقاب لفصل الخطاب، فساقتني المقادير لزيارة المشهدين، وإجازة الشرف بحضرة الإمامين، فوجدت آثار مولانا السلطان، العالم، العادل، المؤيد، المظفر، المنصور، المجاهد، بدر الدنيا والدين، غياث الإسلام والمسلمين، ذي العدل السائر، والفضل الباهي الباهر، والبر الموصوف، والبر المعروف، الملك العقيم، والخير العميم، أبي الفضائل الملك الرحيم، جمع اللَّه تعالى له من الفضائل ما فرق في الأواخر والأوائل. فمناقبه للمناقب غرر، وأوصافه للأوصاف الشائعة الرائعة درر، وما أخذ به نفسه النفيسة من إنشاء المشاهد، والمساجد، والمدارس، والمعابد إنشاء أولياً ومعاداً روحانياً، ومواصلة المشاهد المعظمة المكرمة المبجلة بالمبار المتقبلة فهو السلطان الذي عقم النساء أن يلدن مثله، وعجز الفضلاء أن يحصوا فضله.

البحر دون نواله++

وكذى الغيوث الهاطلة

وله الفتوة والمرؤة++

والمعالي الفاضلة

جعل اللَّه دولته منصورة الأعلام على الدوام، محددة على تعاقب الليالي والأيام، وبلغه في ذريته وذويه غاية المحاب والمرام بمحمد وآله الطيبين الطاهرين الكرام، فأحببت أن أخدم خزانته الشريفة بمختصر لطيف الحجم، كثير العلم، عميم النفع، عظيم الوقع، وضمنته نخبة أذكار، ونبذ أفكار، وغوامض أسرار، استمدتها من علماء الأمصار، فكأنّ العبد قام عن مواليه بشكر ما أسداه، بصحة الفضل الذي توخاه وتولاه، وما أجراه بذلك وما أولاه.

إن ظن أن يحكي نداه الحيا++

جهلاً فلا واخذه اللَّه

لأن شكر المنعم واجب الوقوع، والإقرار بحقوق النعم فرض مشروع، فجمعت المجاميع، واطلعت على القول البليغ البديع، ثم لخصت من لبابها، وأتيت بالعنوان من كتّابها، من كتب ثقة مصنفها، مشهور بالصحة مؤلفها، فاتبعت قول من فضائله لا يحصرها عد، كل شي ء ليس عليه أمرنا فهو رد، وكان المحرك لعزمي الساكن، أياديه البادية بتلك الأماكن، وسلكت فيه مسلك الاختصار الخالص من الإسهاب والإكثار، ليسهل رصعها في صحائف الخواطر، ويتيسر إيرادها على لسان الذاكر والحاضر، لأنّه لا يعلم مطالعه إلّا مطالعه، ولا يرى مصابيحه إلّا مصاحبه، وقد سميته: "بالنعيم المقيم لعترة النبأ العظيم"، وبخزانة السلطان الملك الرحيم.

دامت له الدنيا تراثاً والورى++

خولاً وجانب ظله المحذور

وحركت خلائقه وشرف رأيه++

قدساً وساعد أمره المقدور

حتى يقال هو الكليم وهذه++

الحدباء من أثر الخطاب الطور

لأن الملوك اشتملوا على نفوس أبية، وهمم علية، فإذا حسنت سيرهم، وحمد أثرهم، كفاهم قليل الطاعات، ويسير القربات؛ لقول النبي عليه أفضل الصلوات: 'عدل يوم واحد يعدل عبادة سبعين سنة'
___________________________________
كشف الخفاء: 58 / 2 ح 1721.
فكيف لمن طلب معالي الأمور، وراقب في ولائهم رضوان العزيز الغفور، كان ذلك المقصد الأنسى، والغاية القصوى. ورتبته ثلاثة أبواب، في كل باب عدة فصول، واللَّه الميسر لدرك المأمول، واستخيره وأسأله أن ينفع به من تأمله، وجعلته وسيلة إلى جزيل الثواب، وذريعة إلى الفوز يوم المعاد والمآب.

وإذا افتقرت إلى الذخائر++

لم تجد ذخراً يفيد كصالح الأعمال
___________________________________
الشاهد لابن مقبل، أنظر: تاريخ الطبري: 29 / 5، ونسب للأخطل كما في هامش الامامة والسياسة: 227 / 2، ونسبه المبرد في الكامل: 525 للخليل بن أحمد.

فيما يختص بفضائل النبي الأمي وبمولده