في بيعة الحسن

بويع في رمضان سنة أربعين، وأول من بايعه قيس بن سعد بن عبادة، وكان على مقدمة أهل العراق، وكانوا أربعين ألفاً.

وسار الحسن إلى الشام فكان مع قيس المذكور عشرة ألف، ومع عبد اللَّه بن العباس كذلك، ومع قثم بن العباس كذلك، ومع الحسين بن علي بن أبي طالب كذلك، وهؤلاء كانوا مقدمة عسكر الحسن، وكان مع الحسن مائة ألف فارس، ولما وصل الحسن إلى قنطرة ساباط وثب عليه الجرّاح الأسدي
___________________________________
وهو من الخوارج الذين خرجوا على إمام زمانهم علي بن أبي طالب عليه السلام، أنظر: المستدرك: 174 / 3.
فضربه على فخذه بمعول كان بيده وقال له: يا مذل المؤمنين، أتريد أن تلحد كما ألحد أباك من قبل؟ ونزل بالمدائن، وتداوى للضربة أربعين يوماً، وبعث إليه معاوية بكيس مملوء من كتب أصحابه يتضمن: أنك إذا التقيتنا سلّمنا الحسن بعنقه.

وعلم الحسن أنهم يخذلونه، فأجاب معاوية للصلح، فكان معاوية يعطيه لذلك في كل سنة مائة ألف دينار غير الهدايا والتحف.

وقيل: إنه اجتمع به وصالحه في شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين. فمذهب الشيعة: أنه إمام منصوص عليه، فلا يجوز له أن يخلع نفسه، ولا صحّ عندهم أنه فعل ذلك.

وقال الجمهور: إنه رأى من المصلحة حفظ نفسه وأهله فخلع نفسه من الخلافة طلباً لصلاح المسلمين، وأسقط حقه للَّه رب العالمين.
___________________________________
قال القاضي المغربي: فلما لم يجد الحسن غير ذلك أجابه إلى ما لم يجد بداً به، وما ليس يقطعه عن حقه ولا يدفعه عن الإمامة له، لأن الإمامة حق من حقوق اللَّه عزوجل وأمر من أمره، ليس يوجبها لغير أهلها ترك أهلها، لا تسليم إياها لمن تغلب عليهم فيها، كما لم يجب ذلك لمن تقدم المستأثرين بها لتسليم صاحبها إياها لمن توثب عليها واغتصبها، وذلك مثلما لا خلاف بين الأمة أن الإمام إذا استقضى قاضياً أو استعمل عاملاً فسلم ذلك القاضي القضاء أو ذلك العامل العمال إلى غيرهما أو خرجا فما جعل من ذلك لهما، إن ذلك لا يوجب لمن خرجا من ذلك إليه أخذه بخروجهما وتسليمهما عن رضا ولا عن كره. والإمامة أعلى وأجل من ذلك وأوجب أن لا يكون إلّا لمن جعلها اللَّه له وأقامه لها، وليس التغلب على ظاهر أمرها مما يزيل من جعلت له عنها سلمها أو لم يسلمها، وعلى الأمة ألاّ يأتمون إلّا بمن جعل اللَّه عزوجل الإمامة له بنص الرسول صلى الله عليه وآله. أنظر: شرح الأخبار: 122 / 3. وعن سدير عن أبيه عن أبي سعيد عقيصا قال: لما صالح الحسن بن علي ليه السلام معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته فقال عليه السلام: 'ويحكم ما تدرون ما عملت، واللَّه الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنني إمامكم مفترض الطاعة عليكم وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله علي؟' قالوا: بلى. قال: 'أما علمتم أن الخضر عليه السلام لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند اللَّه تعالى حكمة وصواباً...' أنظر: كمال الدين: 316 / ح 2، كفاية الأثر: 225، الاحتجاج: 9 / 2. وفي رواية أخرى عن أبي سعيد أيضاً قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام: يابن رسول اللَّه لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فقال: 'يا أبا سعيد ألست حجة اللَّه على خلقه وإماماً عليهم بعد أبي عليه السلام؟'. قلت: بلى. قال: 'ألست الذي قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لي ولأخي: هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا؟'. قلت: بلى. قال: 'فأنا إذن إما لو قمت وأنا إمام لو قعدت، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد إذا كنت إماماً من قبل اللَّه تعالى لم يجر أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً، ألا ترى الخضرصلى الله عليه وآله لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه السلام فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضى، هكذا أنا، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحداً إلّا قتل'. أنظر: الطرائف: 197.

فكان مبلغ خلافته ستة أشهر وأياماً، وبها تمت ثلاثون سنة لقول النبي صلى الله عليه وآله: 'الخلافة بعدي ثلاثون ثم تصير ملكاً'.
___________________________________
سنن أبي داود: 211 / 4 ح 4646، سنن الترمذي: 503 / 4 ح 2226، والرواية في المصادر تنتهي بسعيد بن جهمان، ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن معين: روى عن سفينة أحاديث لا يرويها غيره. وقال البخاري: في حديثه عجائب. أنظر تهذيب التهذيب: 14 / 4، والضعفاء لابن عدي: 1237 / 3، والضعفاء والمتركين لابن الجوزي: 315 / 1 ترجمة 1373، فهي ضعيفة سنداً ناهيك عن المتن والمعنى.

في بيان مدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان

فكان مولد أبي بكر رضى الله عنه بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلّا يومان، وقيل: بثلاث سنين.
___________________________________
أنظر: تاريخ دمشق: 19 / 30، أسد الغابة: 223 / 3.

وبويع يوم وفاة النبي لأربع عشر ليلة من شهر ربيع الأول من سنة إحدى عشر.
___________________________________
أنظر: تاريخ دمشق: 19 / 30.

واختلف في ولايته، فقيل: سنتين ونصف، وقيل: سنتين وأربعة أشهر، وقيل: سنتين.

وقال الحسن البصري: ولي عشرين شهراً. وقيل: سنتين وثلاثة أشهر وثمانية أيام.
___________________________________
أنظر: تاريخ اليعقوبي: 106 / 2، صفة الصفوة: 88 / 1، أسد الغابة: 224 / 3.

واختلف في وفاته، فقيل: يوم الإثنين لثمان بقين من جمادي الآخر سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وقيل: ليلة الثلاثاء، وقيل يوم الجمعة لتسع بقين من الشهر،
___________________________________
أنظر: حلية الأولياء: 267، تاريخ دمشق: 409 / 30.
وعمره إذ ذاك ثلاث، وقيل: خمس وستون،
___________________________________
أنظر: حلية الأولياء: 267، تاريخ دمشق: 409 / 30.
وكان أسن من النبي صلى الله عليه وآله، وقيل بقدر سنين خلافته.

وكان مولد عمر رضى الله عنه قبل الفجار الأعظم الأخير بأربع سنين.
___________________________________
الطبقات الكبرى: 369 / 3، تاريخ خليفة: 109، تاريخ دمشق: 16 / 44.

وبويع سنة ثلاث عشر من الهجرة.
___________________________________
تاريخ دمشق: 475 / 25، تاريخ خليفة: 81.
واختلف في ولايته، فقيل: عشر سنين، وقيل: عشرة وخمسة أشهر، وقيل: ستة أشهر وأربعة أيام، وقيل: عشرة أيام، وقيل: عشر سنين وخمسة أشهر وأحد وعشرون ليلة من متوفى أبي بكر على رأس اثنين وعشرين سنة وتسعة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً من الهجرة.
___________________________________
تاريخ خليفة: 110، الطبقات الكبرى: 365 / 3، تاريخ دمشق: 11 / 44، تاريخ المدينة للنميري: 943 / 3.

وطعن يوم الأربعاء، فمكث ثلاثاً، وقيل: توفى فيه، وقيل: في ليلته لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.

ودفن يوم الأحد غرّة المحرم وعمره إذ ذاك ستون سنة، وقيل: أحد، وقيل: ثلاث، وقيل: خمس، وقيل: ست وستون.
___________________________________
الطبقات الكبرى: 365 / 3، المعجم الكبير: 70 / 1، تاريخ دمشق: 12 - 11 / 44 و 464، البداية والنهاية: 155 / 7.

وكان مولد عثمان رضى الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وآله بسنتين. وبويع يوم الإثنين الثالث من موت عمر رضى الله عنه غرة المحرم.

ومدة ولايته إثنا عشرة سنة غير إثنا عشر يوماً.
___________________________________
تاريخ خليفة: 132، تاريخ دمشق: 513 / 39.
وقتل يوم الجمعة، وقيل: الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة أربع وعشرين، وقيل: سنة خمس، وقيل: أول سنة خمس وثلاثين، وقيل: أول ست وثلاثين.

وكان صائماً، وأول قطرة وقعت من دمه وهو يقرأ في المصحف على قوله: 'فسيكفيكهم اللَّه وهو السميع العليم'.
___________________________________
سورة البقرة: 137 / 2.

___________________________________
تاريخ خليفة: 131، تاريخ دمشق: 517 - 514 / 39، تهذيب الكمال: 454 / 19.

وكان عمره اثنين وثمانين سنة، وقيل: سبع، وقيل: ثمان وثمانون سنة، وقيل: خمس وتسعون.
___________________________________
تاريخ خليفة: 132، تاريخ دمشق: 515 / 39.

وخلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام قد ذكرت أولاً، وبها تمت الثلاثون فلا نعده ثانياً.