في توضيح حديثي السفينة والنجوم

|144| قال النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله سرج الدين وأئمة المسلمين: 'مثل أهل بيتي كسفينة نوح، وكمثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخلها نجا ومن تخلف عنها هلك'.
___________________________________
المعجم الكبير: 46 / 3 ح 2637، المعجم الصغير: 139 / 1 و 22 / 2، مجمع الزوائد: 168 / 9، ذخائر العقبى: 20.

وهذا الحديث مجمع عليه، والسر فيه للعارف بفضلهم ومحبتهم، والعالم بحقهم ومنزلتهم، والمنتمي إلى علي دوحتهم، أنه قد أخذ الحظ الأوفر والنصيب الأجزل، من النجاة والفوز في العاجلة والآجلة، فكيف من أخلص في الاقتداء والاتباع، وصدق في يقينه، وصحّح إلى نسبتهم دينه، كان معدوداً من السعداء، آخذاً بالعروة الوثقى.

وقال المفسرون في باب حطة أقوالاً: فمنها:

قول السدي ومجاهد: إنه الباب الثامن من بيت المقدس.
___________________________________
أنظر تفسير آية: 58 من سورة البقرة في: تفسير الطبري: 427 / 1، الدر المنثور: 71 / 1، البداية والنهاية: 378 / 1.

وقيل: هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى عليه السلام.
___________________________________
أنظر: تفسير القرطبي: 41 / 1، فتح القدير: 89 / 1.

وهو أولى من قول من قال: إنه باب القرية، لأنهم لم يدخلوها في حياة موسى عليه السلام.
___________________________________
أنظر: زاد المسير: 260 / 2، تفسير الجلالين: 130 و 140 و 217، فتح القدير: 256 / 2.

وقال ابن عباس: 'سجداً' أي: منحنين خاضعين متواضعين،
___________________________________
أنظر: تفسير الطبري: 428 - 427 1، تفسير القرطبي: 410 / 1، تفسير ابن كثير: 102 / 1.
ومعنى الحطة أي: تحط عنا خطايانا، وهو قول أكثر العلماء منهم الحسن، وقتادة.
___________________________________
تفسير القرآن للصنعاني: 47 / 1، تفسير الطبري: 428 / 1، تفسير ابن كثير: 102 / 1، الدر المنثور: 71 / 1.

وقال ابن عباس: أمروا بالإستغفار.
___________________________________
تفسير الطبري: 429 / 1، أحكام القرآن: 39 / 1، زاد المسير: 72 / 1، تفسير القرطبي: 411 / 1.

وقيل: أمروا أن يقولوا هذا حق وصدق.
___________________________________
تفسير الطبري: 129 / 1، زاد المسير: 72 / 1.

وقال عكرمة: أمروا بقول لا إله إلّا اللَّه وهي التي بقولها تحط الذنوب والخطايا، فعبّر عنها بحطة.
___________________________________
تفسير الطبري: 4291، أحكام القرآن: 39 / 1، زاد المسير: 72 / 1، تفسير القرطبي: 410 / 1.

وقال الزجاج: دخلوه سجداً حطة لذنوبهم.

وهذا المثال في أهل بيته حاصل؛ لأن ولائهم ومحبتهم والإخلاص في ذلك مسقط للذنوب، مكفّر للخطايا، كما سبق وحصل لداخلي الباب على الوجه المأمور والقول المشهور، ليشبه النظير النظير؛ لأن قوله جامع مؤيد بالحكمة، مقرون بالصحة لقوله تعالى: 'وما ينطق عن الهوى'.
___________________________________
سورة النجم: 3.

|145| وقال صلى الله عليه وسلم: 'من أحبنا أهل البيت فهو ممن إتخذ عند اللَّه عهداً، ومن أبغضنا بعثه اللَّه يوم القيامة يهودياً'.
___________________________________
لم نجد حديثاً بهذا النص، وورد الشطر الثاني من الحديث هكذا: 'من أبغضنا أهل البيت حشره اللَّه يوم القيامة يهودياً'. أنظر: شواهد التنزيل: 496 / 1 ح 524، تاريخ دمشق: 148 / 20، تاريخ جرجان: 369.

|146| وقال صلى الله عليه وسلم: 'ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم فرحوا واستبشروا، وإذا ذكر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم، والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً ما قبل اللَّه ذلك منه حتى يلقاه بولايتي، وولاية علي، وأهل بيتي'.
___________________________________
أمالي المفيد: 116 / ح 8، أمالي الطوسي: 140 / ح 229.

|147| وقال صلى الله عليه وسلم: 'ألا وإنّ ربي مثّل أمتي في الطين، وعلمني أسماءهم كما علم آدم الأسماء كلها، فمر بي أصحاب الديانات فاستغفرت لعلي وشيعته'.

|148|
___________________________________
تاريخ دمشق: 149 / 20، تاريخ جرجان: 369، ميزان الاعتدال: 116 / 2، لسان الميزان: 10 / 3.
وقال صلى الله عليه وسلم: 'النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض'.
___________________________________
فضائل الصحابة لأحمد: 671 / 2 ح 1145، فرائد السمطين: 253 / 2 ح 522، ذخائر العقبى: 17.

والأمان والأمن ضد الخوف، وكذلك الأمنة مثال الهمزة.
___________________________________
أنظر: لسان العرب: 21 / 13.

والمراد بقوله: 'النجوم أمان' أي أن السماء باقية بحالها ما بقيت النجوم فإذا زالت، زالت السماء بنجومها، ويقتضي خبر الصادق أن ذلك من مقدمات إمارات القيامة، كما قال اللَّه تعالى: 'إذا السماء انفطرت'.
___________________________________
سورة الانفطار: 1.
وهذا إخبار بالأمرين معاً. وقوله صلى الله عليه وسلم: 'أهل بيتي أمان' منه الحديث، بأن الدنيا وأهلها في أمان من الفناء والانتقال بالكلية إلى الآخرة ما دام بقاء أحد من أهل بيته يعني من الأئمة النائبين منابه، وذلك إشارة إلى المهدي وذريته المنصوص عليه بقوله:

|149| 'لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لبعث اللَّه رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً'.
___________________________________
سنن أبي داود: 106 / 4 ح 4282، المعجم الأوسط: 55 / 2، مطالب السؤول: 154 / 2، الجامع الصغير: 438 / 2 ح 7490.

|150| وفي رواية الحديث المقدم: 'لطول اللَّه ذلك اليوم، حتى يظهر رجل من ذريتي يوافق اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً'
___________________________________
صحيح ابن حبان: 237 / 15، المعجم الأوسط: 55 / 2، المعجم الكبير: 133 / 10 ح 10214،

مطالب السؤول: 154 / 2. الحديث المقدم ذكره. وأن الدنيا تختم به، فإذا ظهر وقام بما هو قائم وقبض، ذهبت الدنيا وحضرت الأخرى، وكان ذهاب سكان الأرض بذهابه عليه السلام.

وذريه الرجل: ولده وولد ولده. والجمع: الذراري والذريات.
___________________________________
أنظر: القاموس المحيط: 34 / 2، تاج العروس: 224 / 3.
حتى أن ولد الأناث ولده، فعلى هذا ذرية فاطمة الزهراء أولاد النبي صلى الله عليه وسلم.

وشاهد صحة ذلك لا يستطاع منعه ولا يمكن دفعه، وهو قوله تعالى: 'ومن ذريته داود وسليمان' إلى قوله: 'يحيى وعيسى'
___________________________________
سورة الأنعام: 85 - 84.
فعدّ عيسى من ذريته وألحقه به، ولا أب له ولا وصلة بينه وبين إبراهيم إلّا من جهة مريم عليهم السلام.

في التحذر من أذية أهل البيت

|151| ومما يعتقد أن أذيتهم أذية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والمتعرض لهم بسوء خصمه اللَّه؛ لوله صلى الله عليه وسلم وقد أخذ بعضادتي الباب، وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: 'أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم'.
___________________________________
مسند أحمد: 442 / 2، سنن الترمذي: 360 / 5 ح 3962، مصنف ابن أبي شيبة: 512 / 7 ح 7، تاريخ بغداد: 144 / 7.

|152| وقال صلى الله عليه وسلم: 'حربك يا علي حربي، وسلمك سلمي'.
___________________________________
مناقب ابن المغازلي: 238 / ح 285، شرح نهج البلاغة: 297 / 2 و 193 / 13 و 24 / 18، مناقب الخوارزمي: 29 / ح 143، ينابيع المودة: 392 / 1 ح 4.

|153| وقال صلى الله عليه وسلم: 'من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب اللَّه، ومن سب اللَّه أكبّه اللَّه على وجهه في النار'.
___________________________________
مناقب ابن المغازلي: 394 / ح 447، تاريخ دمشق: 132 / 14 و 179 / 30، كفاية الطالب: 82، مناقب الخوارزمي: 137 / ح 154، وورد مختصراً في: مسندأحمد: 323 / 6، المستدرك: 121 / 3.

|154| ومن سماعي المسلسل مرفوع إلى عمر بن خالد، قال: حدثني زيد بن علي وهو آخذ بشعره، قال: سمعت أبي علي بن الحسن وهو آخذ بشعره، قال: سمعت أبي |الحسين بن علي وهو آخذ بشعره قال: سمعت أبي| علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بشعره وهو يقول: 'من آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللَّه تعالى'.
___________________________________
شواهد التنزيل: 147 / 2 ح 776، تاريخ دمشق: 308 / 54، مقتل الحسين للخوارزمي: 97 / 2، نظم درر السمطين: 105، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصادر.

وهذا مبالغة في الزجر عن اتصال الأذى إليه بأذى ذريته، وتعظيم الأمر لأهل محبته وولايته، وأن أذاهم ولو بالقدر اليسير كالشعرة عنده موقع عظيم خطير، بل أذاهم كفر على الحقيقة، مشهور في الشريعة والطريقة ثم شدد الأمر وعظّمه وأكّده بقوله: 'من آذاني فقد آذى اللَّه تعالى' وإن كان اللَّه تعالى وتقدس أمنع وأعظم وأرفع من أن يؤذى، لكنه مبالغة في التشديد والزجر، وأذى اللَّه تعالى بأذى أنبيائه وأوليائه وأصفيائه، لقوله تعالى: 'إن الذين يؤذون اللَّه ورسوله'
___________________________________
سورة الأحزاب: 57.
الآية، وهذا أبلغ وأبين.

|155| وقال تعالى في كتبه السالفة: "من آذى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة."
___________________________________
السنن الكبرى للبيهقي: 346 / 3، المعجم الأوسط: 192 / 1، تاريخ دمشق: 35 / 37 و 285 / 41، تفسير القرطبي: 28 / 16.
وقال تعالى في كتابه العزيز المنزل على إبراهيم في الصحف: "هل أطعمتني أو سقيتني؟"

فقال: "يا رب وكيف أفعل ذلك؟"

فقال: "تحب لأجلي، وتطعم لأجلي، وتكسو لأجلي".

وإنما أضاف الأذى إلى نفسه تعظيماً وتبيناً ودليلاً؛ ولهذا استحق المخالف اللعن، ومعناه البعد من اللَّه، كقولهم: لعن اللَّه فلاناً، أي أبعده من رحمته.
___________________________________
أنظر: تفسير ابن كثير: 76 / 2، تفسير الجلالين: 118.

والأذى هو الإضرار، يقال: منه آذى فلان فلاناً يؤذيه أذى وأذاة. وتأذّى الإنسان بكذا إذا أصابه من جهة مخصوصة أذية.
___________________________________
أنظر: لسان العرب: 27 / 14.

|156| وقال عليه السلام: '|رأس| العقل بعد الدين التودد إلى الناس'.
___________________________________
الجامع الصغير: 670 / 1 ح 4366، كنز العمال: 9 / 3 ح 5174 و 7054، فيض القدير: 770 / 3، وفي بعض المصادر بدل: "بعد الدين": "الإيمان، أو الإيمان باللَّه" راجع: سنن البيهقي: 109 / 10، مصنف ابن أبي شيبة: 102 / 6 ح3، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصادر.

والعقل هو: الحجر والنهى. ويقال: رجل عاقل وعقول. وقد عمل بعقل عقلاً ومعقولاً أيضاً، وهو مصدر.
___________________________________
أنظر: الصحاح: 1769 / 5، لسان العرب: 458 / 11.
وأصل العقل علوم ضرورية، جعلها اللَّه في الإنسان ليدرك بها غوامض العلوم، ويستنبط بها الأحكام. وقد حكم أن "رأس العقل التودد" أي التحبب، ومنه وددت الرجل أودّه |وداً| إذا أحببته. ويقال: وددت لو فعلت كذا، وودت أني لم أفعله.

وللَّه در القائل:

وددت وما تغني الودادة أنني++

بما في ظهر الحاجبية أعلم.
___________________________________
البيت لكثير بن عبد الرحمن صاحب عزة، أنظر: شرح الرضي على الكافية: 31 / 4 رقم 623، وفيه "عالم" بدل: "أعلم".

|157| وقال صلى الله عليه وسلم: 'شر الناس من يبغض المؤمنين'.
___________________________________
أمالي الشيخ الطوسي: 462 / ح 1030.

والشر ضد الخير، ورجل شرير أي كثير الشر، مثل فسق أي كثير الفسق، وأشررت الرجل إذا نسبته إلى الشر.
___________________________________
أنظر: مفردات الأصفهاني: 257، لسان العرب: 400 / 4.
وقال طرفه:

فما زال شربي الراح حتى أشرّني++

صديقي وحتى ساءني بعض ذلكا
___________________________________
لسان العرب: 400 / 4.

والبغض ضد الحب، والمؤمنون جمع مؤمن، وهو المصدّق للَّه ولرسوله، وما أمروا به ونهوا عنه. وفي المعنى: من أذل مؤمناً أو حقره لفقره، وقلة ذات يده، شهره اللَّه تعالى على جسر جهنم يوم القيامة.

|158| وقال صلى الله عليه وسلم وقد ذكر عنده الدجال: 'إنما لغير الدجال أخوف عليكم من الرجال الأئمة المضلون وسفك دماء عترتي من بعدي'.
___________________________________
مسند أحمد: 145 / 5، مصنف ابن أبي شيبة: 653 / 8 ح 32، مسند أبي يعلى: 359 / 1 ح 466، الجامع الصغير: 201 / 2 ح 5782، ولم يرد ذيل الحديث في المصادر.

|159| وقال صلى الله عليه وسلم: 'الويل لظالمي أهل بيتي عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار'.
___________________________________
مناقب ابن المغازلي: 66 / ح 94، مقتل الحسين للخوارزمي: 83 / 2، ينابيع المودة: 326 / 2 ح 950.

ولبعض الأئمة عليهم السلام:

إلى اللَّه نشكوا ما نلاقي وإننا++

نُقتل ظلماً جهرة ونخاف

ويسعد أقوام بحبهم لنا++

ونشقى بهم والأمر فيه خلاف
___________________________________
نسبها ابن عنبة في عمدة الطالب: 289 إلى عيسى بن زيد، ونسبها أبو نصر البخاري في سر السلسلة العلوية: 65 إلى إبراهيم بن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن.

وقال المصنف: ولقد شاهدت الإمام علياً في بعض وقائعي، فاستعنته في أمري. فقال لي: يكفيك، ألا ترضى أن تجمع المناقب ولا تتعرض للمثالب.

فسقطت ساجداً للَّه شاكراً، وما جاهل شيئاً كمن هو عالم.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذكر علي عنده رُأي السرور في وجهه، والسرور ضد الحزن، وهو الفرح، وسرني فلان بكذى، وسر هو على ما لم يُسم فاعله.

|160| وفي الحديث: أن علياً سلم على النبي فرد عليه، وأشار إليه باصبعه، وقال: 'لن تفترقا حتى تردا علي الحوض'.
___________________________________
وهذا هو حديث الثقلين المتواتر، أنظر: مسند أحمد: 182 / 5، سنن النسائي: 45 / 5، المستدرك:109 / 3 و 148، مصنف ابن أبي شيبة: 418 / 7 ح 41، المعجم الكبير: 154 / 5 ح 4923 - 4922، الدر المنثور: 60 / 2، تاريخ دمشق: 220 / 42، كتاب السنة لابن أبي عاصم: 337 /ح 753.

يريد أن علياً ملازم له، والحق ملازمتهما في جميع أحوالهما حتى القيامة. وكفى بهذا شهادة لعلي عليه السلام، وهذا تكذيب للعائب، وأرغام للقادح، لأنه لا يفارق الحق إلى لقاء الحق، فالطاعن عليه في الدين طاعن، والمباين له وللرسول صلى الله عليه وسلم مباين.