خاتمة

وقد يعد الفتى ابن الأيام والشهور والأعوام والدهور، حتى يقول فيغنم أو يسكت فيسلم، وزبدة هذا الكتاب، بل خلاصة المخلصين في نص الكتاب تقوى اللَّه في القول والعمل، والإنصاف، وحسن النية والوجل، وإصلاح الباطن في سائر المواطن، ومراقبة اللَّه تعالى في السر والعلانية، والعدول عما سواه، والخروج عن هواه، والترقي بقواه إلى مولاه المطلع على سره ونجواه، ويتطهر من أنواع المخالفات، والموانع القاطعات، وسائر المظالم، ومحاكمة كل ظالم، لعله يلتحق بمقام الاقتداء بعترة الأنبياء، إذ من شرط ولائهم ومحبتهم اقتفاء سرهم وعلانيتهم، والوقوف على حسن سيرتهم، ويقصد ما قصدوه، ويعبد من عبدوه، فقد قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد ورمت قدمات أليس قد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: 'أفلا أكون عبداً شكوراً'.
___________________________________
مسند أحمد: 55 / 4، مسند أبي يعلى: 28 / 5 ح 2900، مصنف عبد الرزاق الصنعاني: 50 / 3 ح 4746، مصنف ابن أبي شيبة: 132 / 8 ح 47.

وقد فسّر الشكر بالعمل، وهو الركن المقصود، والشرب المورود، وعليه الآباء والجدود، حتى اليوم الموعود، ولما علم اللَّه سبحانه وتقدس شأنه جِدّه واجتهاده وضعفه عن مراده، تكرّم عليه بأن أوحى إليه: 'طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى'.
___________________________________
سورة طه: 2 - 1.

ذنبي إليك عظيم++

وأنت للعفو أهل

فإن جزيت فعدل++

وإن عفوت ففضل
___________________________________
نسب إلى إبراهيم بن المهدي، أنظر: الفرج بعد الشدة: 252 / 2.

'إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب'
___________________________________
سورة ق: 37.
وعبرة لمن تحقق أن له ذنباً ورباً لقوله تعالى: 'والذين يؤتون ما أوتوا وقلوبهم وجلة'
___________________________________
سورة المؤمنون: 60.
ولا يقنع بالاسم من ليس له رسم، ولا بالصورة من ليس له معنى. إن التخلق |يأتي| دونه الخلق.
___________________________________
الشاهد لسالم بن وابصة، أنظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: 271، تاريخ دمشق: 87 / 20، الصحاح: 1471 / 4، لسان العرب: 87 / 10، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصادر.

قطع العلائق علامة الاتصال بالحقائق، ورفض الخلائق دليل ظاهر على رضا الخالق.

على أنني راض بأن أحمل الهوى++

وأخلص منه لا علي ولا ليا
___________________________________
فتح القدير: 453 / 5، تحفة الأحوذي: 461 / 4.

هداية و رحمة

أخواني أدام اللَّه توفيقكم ومهّد إلى سبل الخيرات طريقكم، اعلموا أن من رام "معصية"
___________________________________
هذا الظاهر من المخطوط.
القلب ليصل إلى الرب، فعليه بحفظ الأصول لئلا يحرم الوصول، ولا يترك للحياء، ولا يعمل للرياء.

ما زلت أجري في ميادين الهوى++

لا سابق أبداً ولا مسبوق

قيل للحلاّج: كيف كان حال موسى عند المناجاة؟

فقال: بدا له باد من الحق فلم ينظر الخلق.

ثم أفنى موسى عن موسى فلم يبق له أثر، ثم كلمه، وكان المكلِّم هو المكلَّم، لحصوله في حال الجميع وفنائه عنه، وإلّا متى كان يطيق حمل الخطاب أو رد الجواب، لكنه قام باللَّه وسمع من اللَّه.
___________________________________
تاريخ دمشق: 123 / 61.

إذا تذكرت أيامي بذي سلم++

فقدت عقلي كأني شارب ثمل

لعل الرفيق يفيق لأنفاس الغريق فيرتحل عن مألوفاته، ويتوطن في اراداته لئلا يلتحق بإبليس في طاعته |...|
___________________________________
كلمة غير مقروءة.
ومخالفاته، ويكون غاية أمله ونهاية عمله.

دعوني وليلى تحكم الحب بيننا++

فتحكم فينا تارة وتجور

ولا يصل إليه إلّا أهل الشم والنفحات، ومصاحب المكروبين والروحانيات، فالمحجوب عن الشهوات البهيمية مطرود عن المقاصد السنية.

ومن لم يذق للهجر طعماً فإنه إذا++

ذاق طعم الوصل لم يدر ما الوصل
___________________________________
فيض القدير: 464 / 6.

ولرب شارب للرفيق يسمع حقيقة التحقيق، ولا يطمع عند شهوة، وثمل قهوة في الوصول، وشمسه في الأفول ولا يجوز وصفه بالاتصال، ولا يحكم عليه بالانفصال، لقول من قال جلّ جناب الحق عن أن يكون شريعة لكل وارد وعن أن يطلع عليه واحد بعد واحد.

إذا ناح الحمام على محب++

بكى طرباً على سعدي وغنّاء

ولرب سامع لهذه المعاني يرى صباح المتيم العاني فيعاني هذه المعاني، ويقول: إن بدت نظرة من جودك انقضت الأوطار، وإن هبت هابة من عاصفات قهرك دثرت الآثار.

لم يبق قيل لمشتاق إذا وقفا++

إلّا أذكار رسوم تبعث الأسفا

ما أحوج المشاق إلى سكرة تفنيه عن ملاحظة الأقوال وشائبة الأعمال، فيغيب عن وجوده ويوجد في فقده.

أيا جبلي نعمان باللَّه خليا++

نسيم الصبا يخلص إلي نسيمها

إلّا أن أداوي بليلي قديمه++

وأقتل أدواء الرجال قديمها

فانّ الصبا ريح إذا ما تنسمت ++

على قلب مكروب تجلّت همومها
___________________________________
وردت هذه الأبيات متفرقة، أنظر: تاريخ دمشق: 381 / 7، غريب الحديث لابن قتيبة: 84 / 1، مفردات الراغب: 501، فتح القدير: 53 / 3.

وشهود العبيد لصباح المعنى++

في المعني ما صفا لسر المعني

وهجرتني لما عرفت مودتي++

ما هكذا الأحباب للأحباب

وقال بعض العارفين: 'من وجد القلب فقد فقد الرب، ومن وجد الرب لم يفقد القلب على الحقيقة' إذ به وجدان ما سواه وهاهنا الاشتباه لأهل الانتباه.

تمنى أن يرى منكم خيالاً++

فمات ولم يرى ما قد تمنى

والمعنى سر لا يصل نظر الفهم إليه، ولا يقع ظل العلم عليه.

فللَّه در القائل:

عرفت بسري سرها وبغربتي تغرّبها والشكل بالشكل عارف. على أنها لم تدر ما بي وإنما قلوب الورى في الملتقى تتعارف.
___________________________________
تاريخ دمشق: 264 / 68، بتفاوت.
فعليك بكل دقيقة من الأزمنة دقائق من الفناء، وبكل ثانية من الساعات ثواب من البقاء، وعلى هذا أخوان الصفاء، فهذه مدارج الشريعة، وطرق أهل الطريقة، ومعارج أهل الحقيقة.

وقفت ببابها أشكوا إليها++

وقد بدلت من عزّي بذل

فقالت كيف أنت؟ فقلت: مضناً++

عليك ولا أرى أحداً كمثلي

ولا يحسن كشفه إلّا لمن أتلف نفسه ولا تفي العبارة مع الإشارة ببعض هذا المرام، فاصفح عنهم وقل سلاماً. وأهل هذه الإشارة التي لا تفي بها عبارة، هم الصوفية المشبّهون بالأولياء، الموصوفون بالفقر والرقة والصفاء، المنسوب إليهم العلم والعمل، فهؤلاء على الحقيقة أصحاب السفر الباطن، وأعني به القلب ما له الفكر الذي هو الممازج للعقل المساعد عليه بالنقل. وأول مسالك السفر لأهل الظاهر معرفة قواعد الشرع ومراتبه، فإذا قطعها المريد بباتر المقابلة وقواضب المجاهدة، وصل إلى البلد الأمين، والتحق بأهل عليين.

وفي هذا البلد طرق أخر، فإذا أراد النظر إلى عين حقيقته، واجتنى ثمرة شريعته وطريقته، ويكون من أهل حضرته، ويرى ما يرى منه ويصدر عنه، فلابد له |من| أسباب ولوازم غير مألوفة ومعروفة، لا يصل إليها إلّا من سبقت له من اللَّه الحسنى، فيشرف على ملك عظيم، وملك عقيم، ويشاهد الملكوت، ويرى ما هناك من الغرائب والعجائب، كاللوح الإلهي واللوح المحفوظ، والملائكة الطائفين حول عرش رب العالمين، وينظر إلى البيت المعمور، والسقف المرفوع، والبحر المسجور، والملائكة المقربين والقاصين، ويسمع اختلاف تسبيحهم وتقديسهم، إلى غير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا يخطر على قلب بشر 'ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء واللَّه ذو الفضل العظيم'
___________________________________
سورة الحديد: 21.
ولهذا كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت: 'اللهم ثبت قلب عبدك ونبيك'.
___________________________________
تاريخ دمشق: 143 / 43، تفسير الطبري: 257 / 3، بتفاوت.

وكان يقول صلى الله عليه وسلم: 'إني ليعان على قلبي، وإني لأستغفر اللَّه في كل يوم سبعين مرة'.
___________________________________
سنن النسائي: 116 / 6 ح 10277 - 10276، المستدرك: 511 / 1، المعجم الكبير: 302 / 1 ح 887، صحيح ابن حبان: 211 / 3، وفي المصادر: "مائة مرة" بدل: "سبعين مرة".

وذلك لما يشهد من عظمة اللَّه وكبريائه، ووحدانيته، وعلو شأنه، وقوة سلطانه، وعزته وجلاله، ورفيع مكانه، وظهور بيانه، وتدبيره في أنسه وجانه، وبسطه للبسطة، ورفعه الخضراء على الغبراء، إلى غير ذلك مما لا يدخل تحت العد والإحصاء. فلما عجز عن شكره والثناء عليه قال: 'لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك'.
___________________________________
مسند أحمد: 96 / 1، سنن أبي داود: 201 / 1 ح 879، سنن الترمذي: 187 / 5 ح 3562، سنن النسائي: 210 / 2.