في ذكر وفاته الركع السجود الموفين بالعهود صلاة دائمة إلى يوم الخلود
وهو ما أجازني كمال الدين المذكور أنه لما مرض صلوات اللَّه عليه قال: 'إن اللَّه تعالى خيرني في الدنيا والآخرة، فاخترت الآخرة'.
___________________________________
صحيح البخاري: 191 / 4، السنن الكبرى للبيهقي: 48 / 7، بتفاوت.
فبكى المسلمون لذلك، وانقطع ثلاثة أيام - وقيل: سبعة عشرة صلاة - واستأذن نساؤه أن يتمرض في بيته عائشة بعد أن كان في بيت ميمونة، فأذنوا له فخرج تخط رجلاه الأرض فكان يقول: 'أين أنا غداً' يريد القسمة بينهن.
وقيل: مدة مرضه ثلاثة عشر ليلة، وقيل: إثنا عشر يوماً، وقيل: أربعة عشر يوماً.
وأعتق أربعين نفساً.
وأمر عائشة ثلاث دفعات أن تنفد إلى علي عليه السلام سبعة دنانير كانت عنده ليتصدق بها، وكانت تشتغل بمرضه ثم بعثتها.
___________________________________
أنظر: الطبقات الكبرى: 239 / 2، المعجم الكبير: 198 / 6.
وخرج قبيل مرضه إلى البقيع، فاستغفر لهم جميعاً وبكى طويلاً وقال: 'ليهنئكم ما أصبحتم فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، ولقد أعطيت يا أبا المويهبة خزائن الدنيا والخلود في الجنان، ولم أختر إلّا لقاء ربي'.
___________________________________
مسند أحمد: 488 / 3، سنن الدارمي: 37 / 1، المستدرك: 56 / 3، شرح نهج البلاغة: 27 / 13، تاريخ بغداد: 217 / 8، تاريخ دمشق: 299 / 4، تاريخ الطبري: 432 / 2، والمقصود بأبي المويهبة هو علي عليه السلام.
ثم رجع، واشتكى واشتد وجعه يوم الأحد، فأرسلت عائشة بمصباحها إلى امرأة تطلب سمناً؛ لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أمسى في جديد الموت، وعادته فاطمة - وكانت تمشي كمشيته - فرأته يتقلب في عبايته، وكرب الموت يتغشاه، وهو يقول: 'الرفيق الأعلى' فبكت، وضمته إلى صدرها، وقالت: 'واكرباه لكربك يا أبتاه'. فقال: 'لا كرب على أبيك بعد اليوم' ثم رحّب بها، وأجلسها عن يمينه، وأسرّ إليها حديثاً فضحكت.
وقالت لما سئلت: 'قال لي: إن جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كل عام مرة، وأنه عارضني به العام مرتين، ولا أراه إلّا حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقاً بي، ونعم السلف أنا لك'.
فبكيت لفراقه، ثم قال: 'ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة، أو نساء المؤمنين' فضحكت.
___________________________________
فضائل الصحابة لابن حنبل: 77، السنن الكبرى: 96 / 5، مناقب أمير المؤمنين للكوفي: 209 / 2.
وقال: 'ادعوا لي خليلي'.
فجاء علي عليه السلام، فاعتنقه وأسرّه في أذنه.
ثم استدعا الحسن والحسين، وقال: 'إني استودعتكم اللَّه وصالح المؤمنين'. فقالت فاطمة: 'يا رسول اللَّه هذان ولداك فوّرثهما شيئاً'.
فقال: 'أما الحسن فله سؤددي، وأما الحسين فله جرأتي وجودي'.
___________________________________
ترجمة الحسن بن علي من تاريخ دمشق: 55 / 51، المعجم الكبير: 423 / 22 ح 41، الاصابة: 316 / 4، أسد الغابة: 467 / 5، كفاية الطالب: 424.
وفي رواية: قال لعلي قبل موته بثلاثة أيام: 'السلام عليك أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قليل ينهد ركناك، واللَّه خليفتي عليك'.
فلما قبض قال: هذا أحد ركني، ولما قبضت فاطمة الزهراء قال: هذا الركن الثاني.
___________________________________
الفائق للزمخشري: 162 / 1، تاريخ دمشق: 167 / 14، النهاية لابن الأثير: 288 / 2، ذخائر العقبى: 56، نظم درر السمطين: 98، كنز العمال: 664 / 13 ح 37688.
'وإذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا، على شفير قبري، ثم أخرجوا عني ساعة، فإن أول ما يصلي عليّ إلهي، ثم الملائكة بأسرها، ثم ادخلوا فوجاً فوجاً حتى النساء، فصلوا عليّ وسلموا تسليماً، ولا تؤذوني بتزكية، ولا ضجة، ولا رنّة، واقرأوا مني السلام على من حضر وغاب من المسلمين، ومن دخل في ديني إلى يوم الدين'.
وصلى عليه فراداً بغير إمام، واختلف الناس في موته، فقال عمر: لئن سمعت أحداً يقول ذلك لأرجو أن تقطع أيديهم وأرجلهم.
وصعد أبو بكر المنبر فقال: معاشر المسلمين من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد رب محمد فإنّه حي لا يموت، وقرأ: 'وما محمد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل'
___________________________________
سورة آل عمران: 144. الآية.
ونادى عمر: خلوا الجنازة وأهلها صلى اللَّه عليه وعلى آله أفضل الصلوات.
وإن كان أجلهم++
من منازل الكرامة أعلاها
وقيل: استأذن عليه ملك الموت، فقال له جبرئيل: إنه لم يستأذن على أحد من قبلك. فأذن له، فوقف بين يديه وقال: السلام عليك يا رسول اللَّه.
فرد عليه السلام. وقال: إن اللَّه تعالى يقرؤك السلام، وقد أمرني بطاعتك. فقال: 'وتفعل؟'.
فقال: بذلك أمرت.
فقال جبرئيل: إن اللَّه تعالى قد اشتاق إلى لقائك.
فقال عندها: 'امض لأمر ربي'.
فقال جبرئيل: السلام عليك يا رسول اللَّه هذا آخر موطئي من الأرض. وسمعوا صوتاً في الهواء: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، إن في اللَّه عزاً من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل فائت، فباللَّه ثقوا، وإثاه فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب.
فقلنا لعلي: من هذا؟
فقال: 'هو الخضر عليه السلام'.
___________________________________
الطبقات الكبرى: 260 - 258 / 2، المستدرك: 57 / 3، تفسير القرطبي: 44 / 11، تفسير ابن كثير: 444 / 1، الدر المنثور: 107 / 2.
إن يوم الفراق أنحل جسمي++
ليتني مت قبل يوم الفراق
وتوفى يوم الإثنين لإثني عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من الهجرة. وهو الأصح.
___________________________________
الطبقات الكبرى: 272 / 2، تاريخ دمشق: 56 / 2، تاريخ الطبري: 455 / 2، البداية والنهاية: 276 / 5. وقيل: ثامن عشر ربيع الأول. وقيل: في يوم الاثنين عاشر ربيع الأول. وقيل: لليلتين خلتا منه.
___________________________________
أنظر: العلل لابن حنبل: 426 / 3، البداية والنهاية: 276 / 5.
ودفن ليلة الأربعاء أوسط الليل. وقيل: ليلة الثلاثاء. وقيل: يوم الثلاثاء.
___________________________________
مسند أحمد: 110 / 6، الطبقات الكبرى: 290 / 2، تاريخ الطبري: 455 / 2، البداية والنهاية: 276 / 5. وعمره:
قال ابن عبدة العبقسي:
___________________________________
هو أبو بكر محمد بن عبدة العبقسي الطرسوسي النسابة الذي انتهى إليه نسب العرب والعجم. مات مسموماً وهو ابن ثلاث وستون سنة. وهي أصح الروايات.
___________________________________
المجدي: 6.
وكان ذلك سنة "عشر"
___________________________________
في المخطوط: "عشرين"، وما أثبتناه للسياق والمصادر. من الهجرة.
وقيل: كان عمره خمساً وستين.
___________________________________
مسند أحمد: 215 / 1، صحيح مسلم: 89 / 7، سنن الترمذي: 252 / 5 ح 3701، مصنف ابن أبي شيبة: 437 / 8 ح 4.
وقيل: كان بعثه على رأس الأربعين، ونزل عليه الوحي عند تمامها، وقبض على رأس الستين حين زوال الشمس، وقيل: زوال الضحى.
أتضحك في الدنيا وقد مات قاسم++
وقد كنت تبكي ضحوة وهو راقد
وغسله: العباس، والإمام علي، والفضل بن العباس، وصالح مولاه.
___________________________________
الطبقات الكبرى: 301 / 2.
وفي رواية: أسامة بن زيد، وقثم بن العباس، وناداهم أوس: ناشدتك اللَّه إلّا ما أعطيتني حظاً من رسول اللَّه، فحضر ولم يباشر شيئاً من أمره.
___________________________________
السيرة النبوية لابن هشام: 1077 / 4، مسند أحمد: 260 / 1، تاريخ الطبري: 451 / 2، البداية والنهاية: 281 / 5. وأسنده علي عليه السلام إلى صدره وعليه قميصه، وكان العباس، والفضل، وقثم، يقلبونه مع علي، وأسامة وصالح يصبان الماء، وصالح هو شقران.
وقيل: كان العباس بالباب، ولم ير منه ما يرى من الأموات. وغسّل بالماء، والسدر، وأدرج في ثلاثة أثواب، ثوبين أبيضين وحبرة. وقيل: لم يعينوا مدفنه.
فقال أبو بكر: سمعته يقول: ما يقبرني إلّا حيث يموت.
فحفروا تحت فراشه، ونزل معه القبر علي، والعباس، والفضل، وشقران. وقيل: أسامة، وعبد الرحمن بن عوف، وأوس بن خولي. وقيل: عقيل بن |أبي| طالب، وقثم. وألقى المغيرة بن شعبة خاتمه ثم نزل فأخذه، وكان آخر الناس عهداً. وقيل: إن علياً أعطاه الخاتم ولم يمكّنه من النزول. وقيل: نزل القثم. وهو الثبت.
___________________________________
راجع: السيرة النبوية لابن هشام: 1079 - 1077 / 4، الطبقات الكبرى: 301 - 291 / 2، تاريخ الطبري: 452 - 451 / 2، البداية والنهاية: 283 - 281 / 5.
ومدفنه أظهر من أن يذكر.
والصحيح: أن علياً حل عند رأسه وقبّل وجهه، وقال: 'السلام عليك بأبي أنت وأمي يا حبيب اللَّه، طبت حياً وميتاً، ولقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنبياء وأخبار السماء، خصصت حتى صرت مسلياً عن غيرك، وعممت حتى صار الناس فيك سواء، واللَّه إن الجزع ليقبح إلّا عليك، وإن الصبر لحسن إلّا عنك، ولولا أمرك بالصبر ونهيك عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الجفون، ولكان الداء مخامراً، والكمد مخالفاً، ولكنه ما لا يستطاع رده ولا يمكن دفعه، فاذكرنا عند ربك، واجعلنا من بالك، والسلام عليك ورحمة اللَّه وبركاته'.
___________________________________
شرح نهج البلاغة: 24 / 13.
وقال عند خروجه:
ما غاض دمعي عند نازلة++
إلّا جعلتك للبكاء سببا
فإذا ذكرتك سامحتك به++
مني الجفون ففاض وانسكبا
___________________________________
دستور معالم الحكم لابن سلامة: 199، تاريخ دمشق: 282 / 54.
وكان عليه السلام ختام مائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي، والمرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر.
قال الشاعر:
إنما الدنيا عناء وقصارها مُناء++
لو نجا خلق من الموت لعاش الأنبياء
فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: 'كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على حبيبي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه والسلام يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه ومن جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه أتى جبريل ينعاه، يا أبتاه على من خلّفت الحسن والحسين'
وتندب بهذا وتقول:
ماذا على من شم تربة أحمد++
أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها++
صبت على الأيام عدن لياليا
___________________________________
ورد قول فاطمة عليها السلام في المصادر التالية: صحيح البخاري: 144 / 5، سنن الدارمي: 41 / 1، سنن ابن ماجة: 522 / 1 ح 1630، السنن الكبرى: 71 / 4، المعجم الكبير: 416 / 22، الطبقات الكبرى: 311 / 2، تاريخ بغداد: 259 / 6. وورد الشعر في: نظم درر السمطين: 181، سير أعلام النبلاء: 134 / 2، عيون الأثر: 434 / 2، سبل الهدى: 289 / 12.
ومكثت ثلاثة أيام لا تكلم أحداً، وعليها عباءة إذا هي غطّت بها رأسها انكشفت رجلاها، وإذا غطت رجلاها انكشف رأسها، وجاء لعزائها الحور العين، ومعهم رطب من جنة المأوى له عرف وليس له عجم فلما أكلته تمكنت.
وقال ابن عباس رضى الله عنه: لبثت بعد النبي صلى الله عليه وآله ستة أشهر لا ترقا لها دمعة حتى أقلقت المسلمين، وخرجت في أثنائه إلى البقيع وبنت فيه بيتاً - يعرف الآن ببيت الأحزان - ولم تزل تبكي فيه إلى أن ماتت.
وكنت إذا زرتها فيه أوافقها في البكاء على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ولسان حالي يقول:
ليس الأمان من الزمان بممكن++
ومن المحال وجود ما لم يمكن
___________________________________
نسب لأبي الفتح البستي، أنظر: تاريخ دمشق: 167 / 43.
في بركة اسمه و بركته على اللَّه تعالى
قال ابن عباس: ما من مسلم يموت فيقام على قبره ويقال:
اللهم إني أسألك بحرمة محمد وآل محمد أن لا تعذب هذه النفس إلّا رفع اللَّه عنه العذاب، وإذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا ليقم من اسمه محمد، فيدخل الجنة كرامة لسميه محمد،
___________________________________
ورد المقطع الأول في: أحوال أطفال المسلمين للبركوي: 229، أحكام الجنائز للألباني: 259، والمقطع الثاني في: سبل السلام للعسقلاني: 100 / 4، الشفا لعياض:176 / 1، مغني المحتاج: 295 / 4. وما من نبي أكرم على اللَّه من محمد؛ لأنه لم يقسم بحياة غيره.
وقال عليه السلام: 'إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه، وأوسعوا له في المجلس، ولا تقبّحوا له وجهاً، وما من قوم كانت لهم مشورة فحضر من اسمه أحمد أو محمد، فأدخلوه في مشورتهم، إلّا كان خيراً لهم، وما من مائدة وضعت فحضرها من اسمه أحمد أو محمد، إلّا قدّس ذلك المنزل في كل يوم مرتين'.
___________________________________
فضائل التسمية بأحمد ومحمد: 32، شرح نهج البلاغة: 369 / 19، تفسير القرطبي: 251 / 4، كنز العمال: 422 / 16 ح 45224.
وقال عليه السلام: 'إن أبا طالب في ضحضاح من النار، ولولاي لكان في الدرك الأسفل من النار'.
___________________________________
مسند أحمد: 206 / 1، صحيح البخاري: 47 / 4، صحيح مسلم: 135 / 1، مصنف ابن أبي شيبة: 98 / 8 ح 42، وفي الرواية نظر وتأمل.
وقال عليه السلام: 'لكل نبي دعوة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة'.
___________________________________
صحيح البخاري: 192 / 8، مسند أبي يعلى: 167 / 4، المعجم الأوسط: 203 / 2، تفسير ابن كثير: 17 / 4، تاريخ بغداد: 213 / 2، تاريخ دمشق: 203 / 6.
|وقال صلى الله عليه وآله|: 'والذي نفسي بيده لأشفعن يوم القيامة حتى أشفع لمن كان في قلبه مثقال جناح بعوضة من الإيمان، وأولى الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلّا اللَّه مخلصاً'.
___________________________________
مسند أحمد: 373 / 2، صحيح البخاري: 33 / 1، السنن الكبرى: 427 / 3، الطبقات الكبرى: 364 / 2، تاريخ دمشق: 336 / 67، بتفاوت في المصادر.
وقال صلى الله عليه وآله: 'آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة، وأنا أول من يفتح له باب الجنة'.
___________________________________
الجامع الصغير: 717 / 2 ح 9634، فيض القدير: 472 / 6 ح 9634، كنز العمال: 411 / 11 ح 31927.
وقال ابن عباس: ينصب لواءه في عرصة القيامة تجاه الصراط، وله ثلاث وسبعون شعبة، عموده من ياقوته حمراء، يستظل بكل واحدة من الشعب أهل ملة من الأمم على اختلافها كرامة لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله، مكتوب: هذه راية خاتم المرسلين وسيد المسلمين، فإذا فرغ من القضاء رفعت.
___________________________________
لم نجد قولاً كهذا في المصادر المتوفرة، واللَّه العالم.
جاد اللَّه تعالى علينا برضاه ومنّ علينا بعفوه يوم نلقاه ونسأله الجنة ونعوذ به من النار.