الروض النضير في معنى حديث الغدير

الصفحة السابقة الصفحة التالية

الروض النضير في معنى حديث الغدير

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 201

وروى الكشي: بإسناده عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إن الحسن بن علي عليه السلام كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبره. وصوابه: الحسين بن علي عليه السلام، لأن الحسن بن علي عليه السلام توفي سنة تسع وأربعين أو خمسين. ومات أسامة بن زيد سنة (54 هـ) وهو ابن (75) عاما، خلاف في ذلك، فتعين أن يكون المكفن له الحسين عليه السلام، والله أعلم. يوجد حديثه في حديث الولاية و نخب المناقب . 14 - أسماء بنت عميس: ابن معد بن تيم بن الحارث بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن أفتل وهو جماع خثعم، هكذا ساق نسبها في الطبقات الكبرى . وفي الإستيعاب قال: ابن الحارث بن تيم بدل ابن تيم بن الحارث، وجماعة بدل جماع، وزاد بعد خثعم: ابن أنمار، وقال: على الاختلاف في أنمار، ثم قال: وقيل: أسماء بنت عميس بن مالك بن النعمان بن كعب بن قحافة بن عامر بن زيد بن بشير بن وهب الله الخثعمية من خثعم. وفي أسد الغابة : عن ابن مندة: عميس بن مغنم بن نسيم بن مالك بن قحافة بن تمام بن ربيعة بن خثعم بن أنمار بن معد بن عدنان، قال: وقد اختلف في أنمار، منهم: من جعله من معد، ومنهم: من جعله من اليمن وهو أكثر، قال: ولا

ص 202

شك أن ابن مندة قد أسقط من النسب شيئا فإنه جعل بينها وبين معد تسعة آباء، ومن عاصرها من الصحابة بل من تزوجها بينه وبين معد عشرون أبا كجعفر وأبي بكر وعلي عليه السلام، وقد يقع في النسب تعدد بزيادة رجل أو رجلين، أما إلى هذا الحد فلا. وأمها: ند، وهي خولة بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرش، وفي الإستيعاب : هي أخت ميمونة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وأخت لبابة أم الفضل زوجة العباس وأخت أخواتها، فأسماء وأختها سلمى وأختها سلامة الخثعميات هن أخوات ميمونة لأم وهن تسع وقيل: عشر أخوات لأم وست لأم وأب. تزوجها أولا: جعفر بن أبي طالب، وهاجر وهي معه إلى أرض الحبشة فولدت له هناك عبد الله ومحمدا وعونا، وقدم بها جعفر المدينة عام خيبر، ثم قتل عنها بمعركة مؤتة شهيدا في جمادى الأولى سنة (8) من الهجرة، فتزوجها أبو بكر فولدت له محمدا نفست به بذي الحليفة، وفي رواية: بالبيداء، وهم يريدون حجة الوداع فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تستثفر بثوب ثم تغتسل وتحرم وهي نفساء، ثم توفي عنها أبو بكر فتزوجها علي بن أبي طالب سلام الله عليه، فولدت له يحيى وعونا، وفي الإستيعاب : ولدت له يحيى ولا خلاف في ذلك، وزعم ابن الكلبي: أن عون بن علي أمه أسماء بنت عميس الخثعمية، ولم يقل هذا أحد غيره فيما علمت. قال السيد محسن الأمين في الأعيان : وإنما لم يتزوجها علي عليه السلام بعد قتل أخيه جعفر، لأن فاطمة الزهراء عليها السلام كانت حية، وفي أسد الغابة : قيل: إن أسماء تزوجها حمزة، وليس بشيء إنما التي تزوجها حمزة أختها سلمى بنت عميس، وكان لمحمد بن أبي بكر يوم توفي أبوه ثلاث

ص 203

سنين أو نحوها، فرباه أمير المؤمنين عليه السلام فهو ربيبه في حجره، ومن هنا جاءه التشيع وجاءه أيضا من قبل أمه. عدها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله : من الصحابيات، ونسب الميرزا في كتابيه إلى رجال الشيخ عدها من أصحاب علي عليه السلام أيضا، ولكن سائر النسخ خالية عن ذكره. روت عن النبي صلى الله عليه وآله ستين حديثا، وقال الدارقطني: انفرد بالإخراج عنها مسلم، ولم يذكر عدد ما أخرج لها. روى عنها ابناها عبد الله وعون ابنا جعفر بن أبي طالب، وحفيدها القاسم بن محمد بن أبي بكر، وحفيدتها أم عون بنت محمد بن أبي جعفر، وسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن رفاعة، وأبو بردة بن أبي موسى، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن أختها، وأبو زيد المدني، وعمر بن الخطاب، وعروة بن الزبير، وأبو موسى الأشعري. وأخرج لها الشيخ الصدوق في الفقيه رواية قال: فروي عن أسماء بنت عميس أنها قالت: فبينما رسول الله صلى الله عليه وآله نائم ذات يوم ورأسه في حجر علي عليه السلام ففاته العصر حتى غابت الشمس، فقال: اللهم إن عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد له الشمس، قالت أسماء: فرأيتها والله غربت ثم طلعت بعد ما غربت، ولم يبق جبل ولا أرض إلا طلعت عليه حتى قام علي عليه السلام وتوضأ وصلى ثم غربت. ومما لا يختلف فيه المؤرخون: أن أسماء بنت عميس حضرت وفاة الزهراء سلام الله عليها وصنعت لها نعشا، وهو أول نعش صنع في الإسلام،

ص 204

وحضرت تغسيلها أيضا. قال السيد الأمين: ومما يدل على اختصاص أسماء بأهل البيت عليهم السلام وشدة حبها لهم وللزهراء عليها السلام أنها كانت موضع سرها ومحل حوائجها، فلما مرضت أرسلت خلفها وشكت إليها أن المرأة إذا وضعت على سريرها تكون بارزة للناظرين لا يسترها إلا ثوب، فذكرت لها أسماء النعش المغطى الذي رأته بأرض الحبشة فاستحسنته الزهراء عليها السلام حتى ضحكت بعد أن لم تكن ضحكت بعد أبيها صلى الله عليه وآله غير تلك المرة ودعت لها. وحضرت أسماء وفاتها وأعانت عليا عليه السلام على غسلها، ولم تدع أحدا يدخل عليها من أمهات المؤمنين ولا غيرهن سواها، وروى ابن عبد البر في الإستيعاب : أن فاطمة عليها السلام قالت لأسماء بنت عميس: إذا أنا مت فغسليني أنت وعلي ولا تدخلي علي أحدا فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء: لا تدخلي، فشكت إلى أبي بكر فقالت: إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء فوقف على الباب فقال: يا أسماء، ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وآله أن يدخلن على بنت رسول الله صلى الله عليه وآله جعلت لها مثل الهودج؟ فقالت: أمرتني أن لا يدخل عليها واحد، وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع لها ذلك. قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف. وفي بعض الروايات: أن أسماء كانت عندها حين وفاتها، وأنها أمرتها أن

ص 205

تأتي ببقية حنوط أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وتضعه عند رأسها. ومما يدل على مكانتها فبالاضافة إلى ما مر من أحاديث ومواقف، هناك أحاديث ووقائع أخرى تدل على رفعة منزلة هذه المرأة وعلو مكانتها في الإسلام نذكر منها: روى في الإستيعاب : كان عمر بن الخطاب يسألها عن تعبير المنام، ونقل عنها أشياء من ذلك ومن غيره، وروى ابن سعد في الطبقات : أنه لما قدمت أسماء من أرض الحبشة قال لها عمر: يا حبشية، سبقناكم بالهجرة، فقالت: إي لعمري، لقد صدقت كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وآله يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم، وكنا البعداء الطرداء، أما والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله فلأذكرن له ذلك، فأتت النبي صلى الله عليه وآله فذكرت له ذلك، فقال: للناس هجرة واحدة ولكم هجرتان، وفي رواية أخرى لابن سعد: أنه صلى الله عليه وآله قال: كذب من يقول ذلك، لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلي (1).

(هامش)

(1) انظر ترجمتها في: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): 63 رقم (111) و(113)، أسد الغابة: 5 / 395، إعلام الورى: 217، أعلام النساء: 1 / 57، أعيان الشيعة: 3 / 300، أعيان النساء: 36، التهذيب: 469، الخصال: 363، الأعلام للزركلي: 1 / 306، الدر المنثور: 35، السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 275 و346، السيرة النبوية لابن كثير: 2 / 5، الإصابة: 4 / 231 رقم (51)، الطبقات الكبرى: 8 / 280، العقد الفريد: 3 / 337 و5 / 17 و7 / 300، الكامل في التاريخ: 2 / 78، الكاشف: 3 / 420، المناقب لابن شهرآشوب: 3 / 364، تاريخ الطبري: 2 / 331، تقريب التهذيب: 2 / 586، تنقيح المقال: 3 / 400، جامع الرواة: 2 / 455، رجال أبو علي: 368، رجال الشيخ: 34، رياحين الشريعة: 3 / 346، كشف الغمة: 1 / 351، لسان الميزان: 7 / 522، مجمع الرجال: 7 / 170، مستدرك الحاكم النيسابوري: 3 / 159، مشيخة الصدوق (من لا يحضره الفقيه): 4 / 28، معجم رجال الحديث: 14 / 230 و23 / 171، من لا يحضره الفقيه: 1 / 116 و130، نهج قال الم: 400، نقد الرجال: 412. (*) 

ص 206

15 - أم سلمة: أم المؤمنين هند زوجة النبي صلى الله عليه وآله بنت أبي أمية سهيل زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أمها: عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقة جذل الطعن بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة، زوجها الأول: أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، أنجبت له: سلمة وعمر ودرة وزينب، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله. كانت رضي الله عنها أفضل أمهات المؤمنين بعد خديجة بنت خويلد، وهي مهاجرة جليلة ذات رأي وعقل وكمال وجمال، حالها في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام أشهر من أن يذكر، وأجلى من أن يحرز، ولا يسعنا عبر هذه الأسطر القليلة والوريقات المتعددة أن نحيط بحياة هذه المرأة العظيمة، ونلم بكل ما لديها من صفات حميدة وأخلاق عالية، شهد الله سبحانه وتعالى بفضلها، ورسوله صلى الله عليه وآله، إنما هي لمحات عن سيرة حياتها المباركة قضت عمرها الشريف مهاجرة مدافعة عن عقيدتها ومبدئها. نراها تقر في بيت زوجها الأول أبو سلمة محبة له، لا تخالف له أمرا، وبعد وفاته رحمه الله تتزوج بخير الكائنات رسول البشرية محمد صلى الله عليه وآله، فتنال بذلك الشرف كل الشرف، فتروي عنه الحديث، وتعلم الناس ما تعلمته من أخلاقه الكريمة وطبائعه الحميدة، حاكية لهم كل ما رأته منه صلى الله عليه وآله، وبعد أن انتقل الرسول الأعظم إلى الرفيق الأعلى نراها تقف إلى جنب وصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وتدافع عن سيدتها ومولاتها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين البتول فاطمة الزهراء عليها السلام،

ص 207

وتصبح المؤتمنة عند ولديها الحسن والحسين سلام الله عليهما، ولا تترك نصيحة إلا وقد أبدتها لأولئك الذين اغتصبوا الولاية من أهلها، وجاروا على أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله. تعد أم سلمة رضي الله عنها راوية من راويات الحديث، عدها البرقي، والشيخ الطوسي رحمهما الله في كتابيهما من الراويات عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذا ابن عبد البر، وابن مندة، وأبو نعيم، وكل من ترجم لها (1). روت عن النبي صلى الله عليه وآله، وعن فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وعن أبي سلمة، وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين، منهم: ابناها عمر وزينب، وكاتبها، وأخوها عامر بن أبي أمية، وابن أخيها مصعب بن عبد الله بن أمية، ومواليها عبد الله بن رافع، ونافع، وسفينة، وأبو كثير، وابن سفينة، وخيرة أم الحسن البصري، وسليمان بن يسار، وأسامة بن زيد بن حارثة، وهند بنت الحارث الفراسية، وصفية بنت شيبة، وأبو عثمان النهدي، وحميد، وأبو أسامة ابنا عبد الرحمان بن عوف بن أبي بكر، وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام، وابناه عكرمة وأبو بكر، وعثمان بن عبد الله بن موهب، وعروة بن الزبير، وكريب مولى ابن عباس، وقبيصة بن ذويب، ونافع مولى ابن عمر، ويعلى بن مملك، وعبد الله بن عباس، وعائشة، وأبو سعيد الخدري، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وصفية بنت محض، والشعبي، وآخرون (2). ويبلغ مسندها (378) حديثا، أخرج لها منهما في الصحيحين (29) حديثا، والمتفق عليها منها (13) حديثا، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة

(هامش)

(1) رجال البرقي: 61، رجال الشيخ الطوسي: 32. (2) تهذيب التهذيب: 12 / 456. (*)

ص 208

عشر (1)، وهذه فضيلة من فضائلها الكثيرة، ومنقبة من مناقبها العظيمة التي امتازت بها من بين سائر زوجات الرسول صلى الله عليه وآله. وهي من رواة قول النبي صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه (2). روى عنها الصدوق مرسلا في الفقيه قال: وجاءت أم سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله، يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية فأستقرض وأضحي؟ فقال: استقرضي وضحي فإنه دين مقضي (3). وهي من رواة حديث آية التطهير، أخرجه الشيخ الطوسي في الأمالي (4). وهي من رواة حديث الثقلين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كأني

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء: 2 / 148. (2) رواه عنها ابن عقدة في حديث الولاية، وأخرجه عنه الآمرتسري في أرجح المطالب : 338 و389، والحضرمي في وسيلة المآل : 118، ورواه عنها أيضا الشيخ الطوسي في اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): 66 / 119، وعنه بحار الأنوار: 37 / 233 حديث (103)، وأخرجه القندوزي في ينابيع المودة : 40 عن جواهر العقدين للسمهودي، ورواه أيضا الجعابي في نخب المناقب . (3) من لا يحضره الفقيه: 2 / 138 حديث (591) باب فضائل الحج، وحديث (1447) باب الأضاحي. (4) الأمالي: 2 / 174، وانظر سنن الترمذي: 5 / 31 حديث (3258) و(328)، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي: 1 / 124 حديث (172) و2 / 16، صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام: 15 / 176 (ط / مصر) بشرح النووي، و2 / 360 (ط / عيسى الحلبي)، مستدرك الحاكم: 2 / 150 و152 و416، تفسير الطبري: 22 / 6 و7 و8، تفسير ابن كثير: 2 / 483 و484، مسند أحمد: 1 / 185، وغيرهم. (*)

ص 209

دعيت فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (1). لأم سلمة نهج خاص في حياتها مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فهي قبل أن تدخل بيته مشبعة بتعاليم الإسلام وبالحب لله ورسوله صلى الله عليه وآله، فهي قرينة رجل في طليعة المسلمين السابقين، هاجرت معه إلى الحبشة، وتحملت المشاق في سبيل إعلاء كلمة الله، وقد زادها الاقتران بالرسول صلى الله عليه وآله إيمانا وبصيرة، فهي حريصة على العمل بما يرضيه وتجنب ما يسخطه، وهي حريصة على حب من يحب وبغض من يبغض، وهي حريصة على استماع حديثه الشريف، فهي منصهرة به صلى الله عليه وآله انصهارا كليا، وهي عارفة بمكانتها ومكانة صويحباتها، وأنهن زوجات أعظم رجل خلقه الله سبحانه وتعالى. لهذا وغيره ساءها أن يتدخل بعض الصحابة في شؤونهن المتعلقة بزوجهن العظيم، فقد وقعت بينها وبين عمر بن الخطاب مشادة، وذلك أن عمر دخل على أم سلمة، فقال: يا أم سلمة، وتكلمن رسول الله وتراجعنه في شيء؟ فقالت أم سلمة: واعجباه! ومالك والدخول في أمر رسول الله ونسائه، والله إنا لنكلمه فإن حمل ذلك كان أولى به، وإن نهانا كان أطوع عندنا منك، قال عمر: فندمت على كلامي لنساء النبي لما قلت (2).

(هامش)

(1) أخرجه الآمرتسري في أرجح المطالب : 338 من طريق ابن عقدة، وأورده الأربلي في كشف الغمة : 2 / 34. (2) الطبقات الكبرى: 8 / 137. (*)

ص 210

وذكر الدكتور علي إبراهيم حسن، والدكتورة بنت الشاطئ أنها قالت له: عجبا لك يا ابن الخطاب قد دخلت في كل شيء حتى تبغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه (1). ومن الطبيعي أن تكون أم سلمة من الناقمين على عثمان، شأنها شأن كبار المهاجرين والأنصار وجمهور المسلمين، ولكنا نراها وهي ناقمة تجتمع بالخليفة محاولة توجيهه وإرجاعه للطريق المستقيم، فتقول له وهي تعظه: يا بني! مالي أرى رعيتك عنك نافرين، وعن جناحك ناقدين، لا تعف طريقا كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبها، ولا تقتدح بزند كان عليه السلام أكباه. ويجيبها عثمان: أما بعد، فقد قلت فوعيت، وأوصيت فقبلت، ولي عليك حق النصحة، إن هؤلاء النفر رعاع... (2). ولم يحدثنا التاريخ عن موقف لها مع عثمان استعملت فيه التهريج والتأليب عليه. وحينما عزمت عائشة على الخروج على الإمام علي سلام الله عليه ذهبت لاستمالة أم سلمة لعلمها بمنزلتها، إلا إن أم سلمة وعظتها وأرشدتها وذكرتها بأشياء تناستها، وأقامت الحجة الدافعة عليها، لذلك رجعت عائشة عن غيها، لولا أن عبد الله بن الزبير نفث في أذنها وأرجعها إلى رأيها الأول. قال المامقاني في تنقيح المقال : ومن فضائلها تسليم رسول الله صلى الله عليه وآله إليها تربة سيد الشهداء عليه السلام، وإخباره إياها بأنها متى

(هامش)

(1) نساء لهن في التاريخ الإسلامي نصيب: 38، موسوعة آل النبي: 315. (2) أعلام النساء: 5 / 224. (*)

ص 211

فاضت دما فاعلمي أن الحسين عليه السلام قد قتل، وكذلك فعل الحسين عليه السلام (1). اختلف في وفاة أم سلمة رضي الله عنها شأنها شأن الكثير من الصحابة، فقيل سنة (59 هـ)، وقيل سنة (61 هـ) ولها يوم ماتت أربع وثمانون سنة، وصلى عليها ابن أخيها عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية (2).

 16 - أم هانئ بنت أبي طالب: ويقال: اسمها هند والأصح فاختة ، من فواضل نساء عصرها، خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عمه أبي طالب قبل أن يوحى إليه، وخطبها معه هبيرة بن أبي وهب، فزوجها هبيرة. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا عم، زوجت هبيرة وتركتني، قال: يا ابن أخي، إنا قد صاهرنا إليهم، والكريم يكافئ الكريم. وأسلمت أم هاني رضي الله عنها عام الفتح ، فلما أسلمت وفتح الرسول

(هامش)

(1) تنقيح المقال: 3 / 72، البداية والنهاية: 8 / 199. وانظر مقدمة الملهوف الطبعة الجديدة ففيه عدة أحاديث في إخبار النبي صلى الله عليه وآله لأم سلمة عن استشهاد الحسين عليه السلام. (2) الطبقات الكبرى: 8 / 68، المستدرك على الصحيحين: 4 / 20. انظر ترجمتها في: أسد الغابة: 5 / 56 و590، إعلام الورى: 197، أعلا م النساء: 5 / 224، أعيان الشيعة: 10 / 272 و479، أمالي الطوسي: 2 / 174، أنساب الأشراف: 1 / 586، الاحتجاج للطبرسي: 106، الاختصاص للمفيد: 116، الإصابة: 4 / 423 و458، الأعلام للزركلي: 8 / 97 نقلا عن عدة مصادر، الإمامة والسياسة: 45، البداية والنهاية: 5 / 291 و6 / 131 و8 / 199، العقد الفريد: 3 / 178، السيرة النبوية لابن هشام: 5 / 113 و142، وغيرها من المصادر المعتبرة بين الخاصة والعامة. (*)

ص 212

صلى الله عليه وآله مكة هرب زوجها إلى نجران (1). وقال حين فر معتذرا من فراره: لعمرك ما وليت ظهري محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل ولكني قلبت أمري فلم أجد * لسيفي غناء إن ضربت ولا نبلي وقفت فلما خفت ضيقة موقفي * رجعت لعود كالهزبر إلى الشبل ولما بلغه إسلام أم هاني وكانت تحته، قال أبياتا منها: وعاذلة هبت بليل تلومني * وتعذلني بالليل ضل ضلالها وتزعم أني إن أطعت عشيرتي * سأردى وهل يرديني إلا زوالها وقال يخاطب أم هانئ: فإن كنت قد تابعت دين محمد * وقطعت الأرحام منك حبالها فكوني على أعلى سحيق بهضبة * ململمة غبراء يبس بلالها ولجأ الحارث بن هشام إلى منزل أم هاني رضي الله عنها يوم فتح مكة مستجيرا بها، فدخل عليها أخوها علي عليه السلام فخبرته الخبر، فأخذ السيف ليقتله. *

(هامش)

*(1) نجران: عدة مواضع منها: نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة. (*)

ص 213

فقالت أم هاني: يا ابن أم، قد أجرته، فلم يلتفت إلى قولها، فقبضت على يديه، وقالت: والله! لا تقتله وقد أجرته، فلم يقدر على أن يرفع قدمه عن الأرض، وجعل يتفلت منها فلا يقدر. فدخل النبي صلى الله عليه وآله، فقالت: يا رسول الله، ألا ترى أني أجرت فلانا فأراد علي عليه السلام أن يقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أجرنا من أجرت ولا تغضبي عليا عليه السلام فإن الله يغضب لغضبه أطلقي عنه فأطلقت عنه. فقال عليه وآله الصلاة والسلام: يا علي، غلبتك امرأة، فقال عليه السلام: والله، يا رسول الله، ما قدرت أن أرفع قدمي من الأرض، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: لو أن أبا طالبا ولد الناس كلهم لكانوا شجعانا. وفي سيرة ابن هشام : إن أم هانئ، قالت لما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله مكة: فر إلي رجلان من أحمائي من بني مخزوم، فدخل عليها علي بن أبي طالب عليه السلام أخوها، فقال: والله لأقتلهما، فأغلقت عليهما باب بيتها، ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو بأعلى مكة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: أهلا بأم هانئ، ما جاء بك؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت فلا يقتلهما. وخطبها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى نفسها لما فرق الإسلام بينها وبين زوجها هبيرة، فقالت: والله، إن كنت لأحبك في الجاهلية فكيف في الإسلام؟ ولكني امرأة مصبية وأكره أن يؤذوك.

ص 214

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: خير نساء ركبن المطايا نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده. وفي رواية أخرى: أنها قالت: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من سمعي وبصري وحق الزوج عظيم فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع بعض شأني وولدي، وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق الزوج. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على بعل في ذات يده. وروت أم هانئ رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله 46 حديثا، وروى عنها مولاها أبو مرة، وأبو صالح باذام، وابن ابنها هارون، وعبد الله بن عياش، وعبد الله الحارث بن نوفل، وابنه عبد الله، والشعبي، وعبد الرحمان بن أبي ليلى، وعطاء، وكريب، ومجاهد، وعروة بن الزبير، ومحمد بن عقبة بن أبي مالك (1). قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجته حتى نزل بغدير خم ثم قام خطيبا بالهاجرة فقال: أيها الناس، الحديث (2).

(هامش)

(1) راجع: طبقات ابن سعد، تهذيب التهذيب لابن حجر، الإستيعاب لابن عبد البر، مجموع رقم (31)، التذهيب للذهبي (مخطوط)، المستدرك للحاكم، العقد الفريد لابن عبد ربه، الإصابة لابن حجر، ذيل تاريخ الطبري، التاريخ الصغير للنجاري، جزء فيه من حديث هشام بن عمار السلمي (مخطوط)، سير أعلام النبلاء للذهبي (مخطوط)، وأعلام النساء لكحالة. (2) أخرجه عنها البزار في مسنده ، ورواه عنه السمهودي الشافعي - كما ذكره القندوزي الحنفي في ينابيع المودة : 40، وأخرجه عنها ابن عقدة في كتاب حديث الولاية بإسناده. (*)

ص 215

17 - البراء بن عازب: ابن الحرث بن عدي الأنصاري الأوسي، يكنى أبا عامر، صحابي ابن صحابي، استصغر يوم بدر وشهد أحدا ، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. قال صاحب الإستيعاب : شهد مع علي عليه السلام الجمل و صفين و النهروان ، ثم نزل الكوفة، ومات بها أيام مصعب بن الزبير. وقال العلامة الحلي رحمه الله: البراء بن عازب مشكور بعد إذ أصابته دعوة أمير المؤمنين عليه السلام في كتمان حديث غدير خم . روى عبد الله بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو مريم الأنصاري، عن المنهال بن عمر، عن ابن حبيش، قال: خرج علي بن أبي طالب عليه السلام من القصر فاستقبله ركبان متقلدون بالسيوف عليهم العمائم، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا، فقال علي عليه السلام: من هاهنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقام خالد بن زيد بن أيوب، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء، فشهدوا جميعا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم - غدير خم - قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال علي عليه السلام لأنس بن مالك، والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا فقد سمعتما كما سمع القوم؟ قال عليه السلام: اللهم إن كانا كتماها معاندة فابتلهما، فعمي البراء بن عازب، وبرص قدما أنس بن مالك. فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولا

ص 216

فضلا أبدا، وأما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله، فيقال: هو في موضع كذا وكذا، فيقول: كيف يرشد من أصابته الدعوة؟ وروى الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الإرشاد (1) عن إسماعيل بن صبيح، عن يحيى بن المساور العابد، عن إسماعيل بن زياد، قال: إن عليا عليه السلام قال للبراء بن عازب ذات يوم: يا براء، يقتل ابني الحسين عليه السلام وأنت حي لا تنصره، فلما قتل الحسين عليه السلام كان البراء يقول: صدق والله علي بن أبي طالب، قتل الحسين ولم أنصره، ثم يظهر الحسرة على ذلك والندم. (2) قال ابن حجر في التقريب : مات البراء بن عازب سنة (72 هـ).

 18 - بريدة بن الحصيب الأسلمي: بريدة - بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الدال المهملة وفي آخرها هاء - ابن الحصيب - بالمهملتين - مصغرا الأسلمي. صحابي مشهور أسلم قبل بدر ، وشهد أحدا . قال ابن شهرآشوب: غزى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ست غزوات. *

(هامش)

*(1) الإرشاد: 174. (2) انظر: مناقب ابن شهرآشوب: 2 / 270، إعلام الورى: 177، شرح نهج البلاغة: 10 / 15، كشف اليقين: 99 ح 91، نهج الحق: 243، منهاج الكرامة: 109، كشف الغمة: 1 / 279، المحجة البيضاء: 4 / 198، البحار: 41 / 315، وج 44 / 262 ح 18. (*)

ص 217

وقال الفضل بن شاذان: إنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين هو والبراء بن مالك. روى أحمد بن حنبل في مسنده ، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بعثين: على أحدهما علي بن أبي طالب عليه السلام، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإذا افترقتم فكل واحد منكما على جنده. فلقينا - بني زيد - من اليمن فاقتتلنا، وظهر المسلمون فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي عليه السلام من السبي امرأة لنفسه. قال بريدة: وكتب خالد بن الوليد معي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره بذلك، فلما أتيت النبي صلى الله عليه وآله دفعت الكتاب إليه، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، فقد بلغت ما أرسلت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يقع في علي عليه السلام فإنه مني، وأنا منه، وهو وليكم بعدي. وفي كتاب المناقب تأليف أبي بكر بن موسى بن مردويه - وهو من رؤساء المخالفين لأهل البيت عليهم السلام - هذا الحديث من عدة طرق. وفي رواية - بريدة - له زيادة، وهي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لبريدة: إيه عنك يا بريدة! فقد أكثرت الوقوع في علي عليه السلام، فوالله إنك لتقع برجل أنه أولى الناس بكم بعدي. وزيادة أخرى: إن بريدة قال: يا رسول الله، استغفر لي، فقال النبي صلى

ص 218

الله عليه وآله: حتى يأتي علي عليه السلام، فلما جاء علي عليه السلام طلب بريدة أن يستغفر له، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن تستغفر له أستغفر له فاستغفر له عليه السلام. وفي الحديث زيادة أخرى: أن بريدة امتنع من بيعة أبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وتبع عليا عليه السلام لأجل ما كان سمعه من نص النبي صلى الله عليه وآله بالولاية بعده. وفي حديث حذيفة بن اليمان، عن بريدة، أنه قال: كنت أنا وعمار - أخي - مع رسول الله صلى الله عليه وآله في نخيل بني النجار، فدخل علينا علي بن أبي طالب عليه السلام وسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله السلام ورددنا، ثم قال له: يا علي، اجلس هناك، فجلس فدخل رجال فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالسلام على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فسلموا وما كادوا، ثم دخل أبو بكر وعمر فسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: سلما على علي بإمرة المؤمنين، فقالا: الأمر من الله ورسوله؟ فقال: نعم. ثم دخل طلحة وسعد بن مالك فسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: سلما على علي بإمرة المؤمنين، فقالا: عن الله ورسوله؟ فقال: نعم، فقالا: سمعنا وأطعنا. ثم دخل سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري رضي الله عنهما - فسلما فرد عليهما السلام، فقال: سلما على علي بإمرة المؤمنين فسلما، ولم يقولا شيئا. ثم دخل عثمان وأبو عبيدة فسلما فرد عليهما السلام، فقال: سلما على علي بإمرة المؤمنين، قالا: عن الله ورسوله؟ قال: نعم.

ص 219

ثم دخل فلان وفلان، وعد جماعة من المهاجرين والأنصار، كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: سلموا على علي بإمرة المؤمنين، فبعض سلم ولم يقل شيئا، وبعض يقول: عن الله ورسوله؟ فيقول: نعم. حتى غص المجلس بأهله، وامتلأت الحجرة، وجلس بعض على الباب، وفي الطريق، وكانوا يدخلون فيسلمون ويخرجون. ثم قال صلى الله عليه وآله لي ولأخي: قم يا بريدة، أنت وأخوك فسلما على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فقمنا فسلمنا ثم عدنا إلى مواضعنا فجلسنا. قال: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم جميعا، فقال: اسمعوا وعوا إني أمرتكم أن تسلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، وأن رجالا سألوني أن ذلك عن أمر الله تعالى وأمر رسوله، ما كان محمد أن يأتي أمرا من تلقاء نفسه، بل بوحي ربه وأمره، أفرأيتم والذي نفسه بيده لأن أبيتم ونقضتموه لتكفرن ولتفارقون ما بعثني به ربي *(فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)*(1). قال بريدة: فلما خرجنا سمعنا بعض أولئك الذين أمروا بالسلام على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين من قريش، يقول لصاحبه - وقد التقت بهما طائفة الجفاةمن البطاء عن الإسلام من قريش: أما رأيت ما صنع محمد بابن عمه من علو المنزلة والمكان لو يستطيع والله لجعله نبيا من بعده؟ فقال له صاحبه: أمسك ولا يكبرن عليك هذا فإنا لو فقدنا محمدا لكان فعله هذا تحت أقدامنا.

(هامش)

(1) سورة الكهف: 29. (*)

ص 220

قال حذيفة: ومضى بريدة ودخل المسجد وأبو بكر على المنبر وعمر دونه بمرقاة، فناداهما من ناحية المسجد: يا أبا بكر، ويا عمر، فقالا: يا بريدة، أجننت؟ فقال لهما: والله، ما جننت، ولكن أين سلامكما بالأمس على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين؟ فقال له أبو بكر: يا بريدة، الأمر يحدث بعده الأمر، وأنك غبت وشهدنا، والشاهد يرى ما يرى الغائب. فقال لهما: رأيتما ما لم يره الله ورسوله، ولكن وفى لك صاحبك بقوله: لو فقدنا محمدا لكان قوله هذا تحت أقدامنا. ألا إن المدينة حرام علي أن أسكنها أبدا حتى أموت. فخرج بريدة بأهله وولده، فنزل بين قومه - بني أسلم - فكان يطلع في الوقت دون الوقت، فلما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام سار إليه، وكان معه حتى قدم العراق. فلما أصيب أمير المؤمنين عليه السلام سار إلى خراسان، فنزلها ولبث هناك إلى أن مات رحمه الله. وعن أبان بن تغلب، عن الصادق عليه السلام: أن بريدة قال لأبي بكر: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا لقي الحق من الباطل؟ يا أبا بكر، أنسيت أم خدعت أم خدعت نفسك وسولت لك الأباطيل؟ أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله من تسمية علي عليه السلام بإمرة المؤمنين والنبي صلى الله عليه وآله بين أظهرنا وقوله له في عدة أوقات: هذا أمير المؤمنين وقاتل القاسطين؟ اتق

ص 221

الله، وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها، وأنقذها مما يهلكها، وأردد الأمر إلى من هو أحق به منك، ولا تتماد في اغتصابه، وارجع وأنت تستطيع أن تراجع، فقد محضتك النصح، ودللتك على طريق النجاة فلا تكونن ظهيرا للمجرمين. وفي مناقب ابن شهرآشوب: جاء بريدة حتى ركز رايته في وسط أسلم حتى قال: لا أبايع حتى يبايع علي عليه السلام، فقال علي عليه السلام: يا بريدة، أدخل فيما دخل فيه الناس، فإن اجتماعهم أحب إلي من اختلافهم اليوم. وتوفي بريدة سنة (62 هـ)، وقيل: (63 هـ). وقال صاحب معجم البلدان : روي عن بريدة بن الحصيب - أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله - أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بريدة، إنه سيبعث من بعدي بعوث، فإذا بعثت فكن في بعث الشرق، ثم كن في بعث خراسان، ثم كن في بعث أرض يقال لها: مرو، فإذا أتيتها فأنزل مدينتها فإنه بناها ذو القرنين، وصلى فيها عزير، أنهارها تجري بالبركة على كل نقب، منها مالك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوء إلى يوم القيامة. فقدمها بريدة غازيا وأقام بها إلى أن مات، وقبره إلى الآن بها معروف عليه راية رأيتها. والأسلمي - بفتح الهمزة، وسكون السين المهملة، وفتح اللام، وكسر الميم - نسبة إلى أسلم بن قصي بن حارثة بن عمرو بن عمر القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. وهي قبيلة ينسب إليها جماعة من الصحابة، والله أعلم. قال الحاكم: عن محمد بن صالح بن هانئ، قال: ثنا أحمد بن نصر،

ص 222

وأخبرنا محمد بن علي الشيباني - بالكوفة -، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، ثنا محمد بن عبد الله العمري، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن يحيى، وأحمد بن يوسف، قالوا: ثنا أبو نعيم، ثنا ابن أبي غنية (1)، عن حكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عنه (2).

 19 - جابر بن سمرة السوائي: أبو عبد الله، حليف بني زهرة بن كلاب، ابتنى بالكوفة دارا في بني سواءة، وتوفي بها في خلافة عبد الملك بن مروان، قال ابن حجر: توفي في ولاية بشر على العراق سنة (74 هـ) (3). 20 - جابر الأنصاري: ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي، الصحابي الجليل، شهد

(هامش)

(1) كذا في المستدرك ، وفي الحلية لأبي نعيم: ابن عيينة، وفي بعض النسخ: ابن أبي عتبة، وفي بعضها ابن عينة، ويقال: الصحيح ابن أبي غنية. (2) مستدرك الحاكم: 3 / 110، وفي حلية الأولياء : 4 / 23، بإسناده من طريق ابن ينة عي المذكور، وفي الإستيعاب : 2 / 473 - في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - وعده في مقتل الخوارزمي، و أسنى المطالب : 3 للجزري الشافعي ممن روى - حديث الغدير - من الصحابة، وفي تاريخ الخلفاء : 114 رواه عنه من طريق البزار، وفي الجامع الصغير : 2 / 555 من طريق أحمد، وفي كنز العمال : 6 / 397، نقلا عن الحافظ ابن أبي شيبة، وأبي جرير، وأبي نعيم بأسنادهم عنه، وفي مفتاح النجا و نزل الأبرار : 20 من طريق البزار، عنه، وفي تفسير المنار : 6 / 464 - من طريق أحمد، عنه. (3) الإصابة، كنز العمال: 6 / 398، مقتل الخوارزمي: 4، حديث الولاية. (*)

ص 223

مع رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر غزواته، ومنها غزوة بدر. كان رضوان الله عليه منقطعا إلى أهل البيت عليهم السلام، ممدوحا من قبلهم، ويعد من أصفيائهم، أثنى عليه أصحابنا، وأوردوا روايات شتى في مدحه والثناء عليه، يعد رحمه الله تعالى في الطبقة الأولى من المفسرين. كان من أوائل الزائرين لقبر الإمام الحسين عليه السلام بعد فاجعة كربلاء المروعة. فقد عينيه في أواخر حياته، امتد به العمر طويلا حتى أدرك الإمام الباقر عليه السلام وأبلغه سلام رسول الله صلى الله عليه وآله. توفي عام (78 هـ) وهو ابن نيف وتسعين سنة (1).

 21 - جرير بن عبد الله بن جابر البجلي: أبو عمرو، ابتنى بالكوفة دارا في بجيلة، وتوفي بالسراة في ولاية النعمان بن قيس على الكوفة سنة (51 هـ)، وقيل: سنة (54 هـ) (2). أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بأربعين يوما، وكان حسن الصورة، وكان له في الحروب بالعراق والقادسية وغيرها أثر عظيم، وكانت

(هامش)

(1) انظر ترجمته في: أعيان الشيعة: 4 / 45، رجال ابن داود: 6 / 288، تأسيس الشيعة: 323، رجال الطوسي: 37 / 2، التاريخ الكبير: 2 / 207، مستدرك الحاكم: 3 / 564، أسد الغابة: 1 / 256، تاريخ الإسلام: 3 / 143، سير أعلام النبلاء: 3 / 189 / 38، العبر: 1 / 65، تهذيب الكمال: 182، تذكرة الحفاظ: 1 / 40، تهذيب التهذيب: 2 / 37، الإصابة: 1 / 213، شذرات الذهب: 1 / 84. (2) البداية والنهاية: 7 / 349. (*)

ص 224

بجيلة متفرقة فجمعهم عمر بن الخطاب وجعل عليهم جريرا، وكان جرير عامل عثمان على همدان ولما قتل عثمان وأتى علي بن أبي طالب عليه السلام الكوفة فاستدعى جريرا وأرسله إلى معاوية، ثم رجع إلى الكوفة وذهب إلى قرقيساء وسكنها ومات بها.

 22 - حذيفة بن أسيد الغفاري: أبو سريحة، من أصحاب الشجرة، شهد مع النبي صلى الله عليه وآله الحديبية، وهو أول مشهده معه. قال ابن حبان: مات سنة (42 هـ)، قاله ابن حجر في الإصابة (1).

 23 - حذيفة بن اليمان: واسم اليمان (حسيل) بمهملتين مصغرا، ويقال: (حسل) بكسر ثم سكون، ابن جابر العبسي بموحدة ثم الأشهل حليفهم يكنى - أبو عبد الله - وكان أبوه اليمان صحابيا أيضا استشهد ب‍ أحد . قال ابن هشام في سيرته ، قال ابن إسحاق: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أحد رفع حسل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان، وثابت بن وقش في الأطام مع النساء والصبيان وهما شيخان كبيران، فقال أحدهما لصاحبه: لا أبا لك ما تنتظر فوالله إن بقي لواحد منها من عمره إلا ظمؤ حمار وإنما نحن هامة اليوم أو غد فلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى

(هامش)

(1) أخبار الدول: 103، السيرة الحلبية: 3 / 301، الصواعق المحرقة: 25. (*)

ص 225

الله عليه وآله، فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما. فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما حسل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه، فقال حذيفة: أبي، قالوا: والله ما عرفناه وصدقوا، فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده عند ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا. قال ابن حجر العسقلاني في التقريب : كان حذيفة جليلا من السابقين، صحفي مسلم عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة. قال الذهبي في الكاشف : كان صاحب السر منعه وأباه شهود بدر استخلاف المشركين لهما. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن، وأبصركم بالحلال والحرام. وسئل أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقال: كان عارفا بالمنافقين. وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن المعضلات، فقال: فإن سألتموه وجدتموه بها خبيرا. وكان حذيفة يسمى صاحب السر وكان عمر لا يصلي على جنازة لا يحضرها حذيفة، ويقال: إن عمر سأله: هل أنا منهم؟ وأخرج الكشي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: ضاقت الأرض بسبعة: بهم ترزقون،

ص 226

وبهم تنصرون، وبهم تمطرون، منهم: سلمان الفارسي، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، وحذيفة، وكان علي عليه السلام يقول: وأنا منهم، وهم صلوا على فاطمة عليها السلام. وروى ابن شهرآشوب مرفوعا، عن حذيفة، قال: لو أحدثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لرجمتموني، قالوا: سبحان الله، نحن نفعل، قال: لو أحدثكم أن بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة: كثير عددها، شديد بأسها، تقاتلكم ما صدقتم، قالوا: سبحان الله، ومن يصدق بهذا؟ قال: تأتيكم أمكم الحميراء في كتيبة يسوق بها أعلاجها من حيث تسوء وجوهكم. وذكر أبو موسى الأشعري عند حذيفة بالدين، فقال: أما أنتم فتقولون ذلك، وأما أنا فأشهد أنه عدو لله ولرسوله وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. وروي أن عليا عليه السلام لما أدرك عمر بن عبد ود ولم يضربه فوقع الناس في علي عليه السلام، فرد عنه حذيفة، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا حذيفة، فإن عليا سيذكر سبب وقفته ثم إنه ضربه فلما جاء سأله النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك، فقال عليه السلام: قد كان شتم أمي، وتفل في وجهي فخشيت أن أضربه لحظ نفسي فتركته حتى سكن ما بي ثم قتلته في الله. أقول: وإنما ذكرنا هذا الحديث لما يعلم به من إخلاص حذيفة رضي الله عنه لأمير المؤمنين عليه السلام من زمن النبي صلى الله عليه وآله. وروى أبو مخنف، قال: لما بلغ حذيفة بن اليمان أن عليا عليه السلام قد قدم ذا قار واستنفر الناس دعا أصحابه فوعظهم وذكرهم الله وزهدهم 

ص 227

ورغبهم في الآخرة، وقال لهم: الحقوا بأمير المؤمنين عليه السلام وسيد الوصيين، فإن من الحق أن تنصروه، وهذا ابنه الحسن وعمار قد قدما الكوفة يستنفرون الناس، فانفروا، قال: فنفر أصحاب حذيفة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ومكث حذيفة بعد ذلك خمسة عشر ليلة وتوفي رضي الله عنه. وقال المسعودي في مروج الذهب : كان حذيفة عليلا بالمدائن في سنة (36 هـ) فبلغه قتل عثمان وبيعة علي عليه السلام، فقال: أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة، فوضع على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله، ثم قال: أيها الناس، إن الناس قد بايعوا عليا عليه السلام فعليكم بتقوى الله، وانصروا عليا وآزروه، فوالله إنه لعلى الحق أولا وآخرا، وإنه لخير من مضى بعد نبيكم صلى الله عليه وآله ومن بعد نبيكم، ومن بقي إلى يوم القيامة، ثم أطبق يمينه على يساره، وقال: اللهم إني أشهدك أني قد بايعت عليا، وقال: الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم، وقال لابنيه صفوان وسعد: إذا أنا مت احملاني وكونا معه فسيكون له حرب يهلك فيها كثير من الناس فاجهدا أن تشهدا معه فإنه والله على الحق، ومن خالفه على الباطل. ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام، وقيل: بأربعين يوما. هذا كلام المسعودي. أقول: وشهد ابناه المذكوران بعد ذلك صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام وقتلا بها شهيدين رحمهما الله. وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام: لما حضرته الوفاة، قال لابنته: أية ساعة هذه، قالت: آخر الليل، قال: الحمد لله الذي بلغني هذا المبلغ، ولم أوال ظالما على صاحب حق، ولم أعاد صاحب حق -.

ص 228

24 - حسان بن ثابت: الأنصاري الخزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد كان رسول الله ينصب له منبرا في المسجد يفاخر عن رسول الله، ويقول الرسول: إن الله يؤيد حسان بن ثابت بروح القدس ما نافح عن رسول الله. أخباره كثيرة ومات سنة (50 هـ). كان مواليا لأهل البيت عليهم السلام في بداية أمره وملازما لهم، حيث يقول في إحدى قصائده: وكن للذي عادا عليا معاديا، لكنه بعد ذلك أصبح عثماني الهوى.

 25 - الإمام الحسن بن علي عليه السلام:

 السبط الأكبر لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولد عليه السلام في شهر رمضان، وقيل: النصف من شعبان، وقيل: لخمس خلون منه، سنة ثلاث من الهجرة على الصحيح، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة خمس. وروى ابن الخشاب: أنه ولد بستة أشهر، ولم يولد بستة أشهر مولود فعاش إلا الحسن بن علي عليه السلام، وعيسى بن مريم (1) عليه السلام. وفي رواية غيره: إلا الحسن، ويحيى بن زكريا، والمشهور أنه ولد لتسعة أشهر (2).

(هامش)

(1) الفصول المهمة: 151، تذكرة الخواص: 193، نظم درر السمطين: 194، تهذيب التهذيب: 2 / 296، إسعاف الراغبين: 173، نور الأبصار: 119. (2) ابن شهرآشوب: 4 / 29. (*)

ص 229

ولما ولد أذن النبي صلى الله عليه وآله في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، وختنه يوم السابع من ولادته، وعق عنه كبشا، وفي رواية: كبشين، وقال لفاطمة عليها السلام: زني شعره، وتصدق بوزنه فضة، وأعطى القابلة رجل العقيقة (1). وأما حليته: فكان أبيض مشربا حمرة، دعج العينين، سهل الخدين، دقيق المشربة، كث اللحية، وأذفرها، كأن عنقه إبريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، مليحا من أحسن الناس وجها، وبدنا، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله، وكان جعد الشعر، يخضب بالسواد، وقيل: بالحناء (2). وكان يكنى - أبا محمد -، ويلقب: السيد، والتقي، والطيب، والزكي، والسبط، والولي، وغير ذلك (3).

(هامش)

(1) تاريخ الخلفاء: 188، وسيلة المآل: 326 - خ -، نور الأبصار: 119 وفيه: أخرجه الترمذي، ذخائر العقبى: ص 118، نظم درر السمطين: 194، تذكرة الخواص: 193، الفصول المهمة: 151، صحيح الترمذي: 1 / 286 بسنده عن أبي رافع، مسند أحمد بن حنبل: 6 / 9، 391، 179، صحيح النسائي: 2 / 188 وفيه: عق عن الحسن والحسين بكبشين كبشين، تاريخ بغداد: 10 / 151 وقال: كبشا كبشا، مشكل الآثار: 1 / 456، حلية الأولياء: 7 / 116، سنن البيهقي: 9 / 299، مستدرك الصحيحين: 4 / 237 بسنده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، كنز العمال: 7 / 107، وفيه: أخرجه الطبراني وابن عساكر. (2) الفصول المهمة: 153، نظم درر السمطين: 194، نور الأبصار: 119، صحيح الترمذي: 2 / 307، مسند أحمد بن حنبل: 1 / 99، 108، الإصابة: ج 2 ق 1 ص 15، كنز العمال: 7 / 106، وقال: أخرجه الطبراني وأبو نعيم، مستدرك الصحيحين: 3 / 168، صحيح البخاري: 2 / 271، 306. (3) ابن شهرآشوب: 4 / 29، الفصول المهمة: 152، مطالب السؤول: 2 / 3. (*)

ص 230

وكان كريما، حليما، زاهدا، ذا سكينة، ووقار، جم المناقب كثير الفضائل، حج ماشيا خمسا وعشرين سنة، والنجائب لتقاد بين يديه (1)، وخرج من ماله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرات، حتى أنه كان يعطي نعلا ويمسك نعلا، ويعطي خفا ويمسك خفا. وأخرج أحمد، والطبراني في الكبير ، والدارقطني في الإفراد والحاكم، والبيهقي، وابن عساكر، كلهم عن علي عليه السلام قال: لما ولد الحسن سميته حربا، فجاء النبي صلى الله عليه وآله، فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا: سميناه حربا، فقال: بل هو الحسن، فلما ولد الحسين سميته حربا، فجاء النبي صلى الله عليه وآله فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا: سميناه حربا، فقال: بل هو الحسين، فلما ولد الثالث سميته حربا، فجاء النبي صلى الله عليه وآله فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا: سميناه حربا، فقال: بل هو محسن، ثم قال: إنما سميتهم بولد هارون: شبر وشبير ومشبر (2). هذا لفظ أحمد، والآخرين، وهو لأحمد أيضا في رواية أخرى، أني سميت بني هؤلاء تسمية هارون بنيه: شبر، وشبير، ومشبر، وأخرج البغوي والطبراني عن سلمان رضي الله عنه مثله (3).

(هامش)

(1) مستدرك الصحيحين: 3 / 178، سنن البيهقي: 4 / 331، حلية الأولياء: 2 / 37، ذخائر العقبى: 137. (2) مسند أحمد بن حنبل: 1 / 98، سنن البيهقي: 6 / 165، و7 / 63، الأدب المفرد: 120، مستدرك الصحيحين: 3 / 165، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، أسد الغابة: 2 / 18 و4 / 308، الإستيعاب: 1 / 139، كنز العمال: 6 / 221 و7 / 105 وفيه: أخرجه ابن مندة، وأبو نعيم، وابن عساكر، مجمع الزوائد: 9 / 174 وقال: رواه الطبراني بإسنادين، ذخائر العقبى: 120، كفاية الطالب: 452. (3) الصواعق المحرقة: 115 وفيه: أخرج البغوي وعبد الغني في الإيضاح عن سلمان، مناقب ابن المغازلي: 379. (*)

ص 231

وفي القاموس : شبر كنقم، وبشير كقمير، ومشبر كمحدث، أبناء هارون عليه السلام، وبأسمائهم سمى النبي صلى الله عليه وآله، الحسن، والحسين، والمحسن (1). وأخرج الطبراني، والضياء، عن أبي أيوب رضي الله عنه، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله، والحسن والحسين عليهما السلام يلعبان بين يديه، فقلت: أتحبهما يا رسول الله؟ قال: وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا؟ أشمهما (2). وأخرج الترمذي، وصححه عن البراء رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله أبصر حسنا وحسينا عليهما السلام، فقال: اللهم وإني أحبهما هما فأحب (3). وأخرج أحمد، وابن ماجة، والحاكم، عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله

(هامش)

(1) القاموس المحيط: 2 / 55. قال الحافظ الگنجي الشافعي في كفاية الطالب : 413: إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي صلى الله عليه وآله ذكرا أسماه رسول الله محسنا، وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة، وقال ابن شهرآشوب في المناقب : 3 / 304: فولد من فاطمة عليها السلام الحسن والحسين والمحسن سقط. (2) كنز العمال: 6 / 222 وقال: أخرجه الطبراني والضياء المقدسي، عن أبي أيوب، مجمع الزوائد: 9 / 181 وفيه رواه الطبراني، حلية الأولياء: 3 / 301 بسنده عن جابر، خصائص النسائي: 124 بسنده عن أنس بن مالك، كنوز الحقائق: 165، وقال: للديلمي، كنز العمال: 7 / 110 بسنده عن سعد بن مالك، مجمع الزوائد: 9 / 181 وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، ذخائر العقبى: 124 عن سعد بن راشد، مستدرك الصحيحين: 3 / 165 عن فاطمة عليها السلام، الرياض النضرة: 2 / 232 عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها. (3) الجامع الصحيح: 5 / 661 حديث رقم (3782) وقال: هذا حديث حسن صحيح، مسند أحمد بن حنبل: 5 / 369. (*)

ص 232

عليه وآله قال: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني (1). وأخرج النسائي، والروياني، والضياء، عن حذيفة، وأبو يعلى عن أبي سعيد، وأحمد، والترمذي، وابن حبان، عن كليهما، وابن ماجة، عن ابن عمر، وابن عدي عن ابن مسعود، والحاكم عن كلا الأربعة، وأبو نعيم في فضائل الصحابة ، عن علي عليه السلام، والطبراني في الكبير عنه عليه السلام، وعن عمر، وحذيفة، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وجابر، والبراء، وأسامة بن زيد، ومالك بن الحويرث، والديلمي، عن أنس، وابن عساكر، عن علي عليه السلام، وابنه الحسين عليه السلام، وعائشة، وابن عمر، وابن عباس، وابن رمثة، وابن النجار، عن أبي هريرة، والحسين بن علي عليه السلام، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (2). وأخرج البخاري، عن عقبة بن الحارث، قال: صلى أبو بكر العصر، ثم خرج يمشي فرأى الحسن عليه السلام يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال: بأبي شبيه بالنبي صلى الله عليه وآله لا شبيه بعلي عليه السلام، وعلي عليه

(هامش)

(1) مسند أحمد: 2 / 288، سنن ابن ماجة: 1 / 51 حديث رقم 143 وفيه: إسناده صحيح، رجاله ثقات، مستدرك الصحيحين: 3 / 166 وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، تاريخ بغداد: 1 / 141، كنوز الحقائق: 134، مجمع الزوائد: 9 / 180، كفاية الطالب: 340. (2) خصائص النسائي: 123، حلية الأولياء: 5 / 71 بأسانيد عديدة، تاريخ بغداد: 9 / 731، مسند أحمد: 3 / 3، 62، 82، الجامع الصحيح: 5 / 656 حديث رقم (3768)، تهذيب التهذيب: 3 / 358، 4 / 274، أسد الغابة: 5 / 574، كنز العمال: 6 / 317، وقال: أخرجه الروياني وابن حبان في صحيحه عن حذيفة، مستدرك الصحيحين: 3 / 167، الإصابة: ج 1 ق 1 ص 266، وقال: أخرجه ابن مندة وأبو نعيم وابن عساكر، مجمع الزوائد: 9 / 182، وفيه: رواه الطبراني، كنوز الحقائق: 81، ذخائر العقبى: 129، وقال: خرجه ابن السمان في الموافقة ، ينابيع المودة: 164. (*)

ص 233

السلام يضحك (1). وأخرج أحمد، والبغوي، والنسائي، والطبراني، والحاكم، والبيهقي، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أبيه، قال: طرح علينا رسول الله صلى الله عليه وآله في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حسنا عليه السلام فتقدم النبي صلى الله عليه وآله فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو ساجد فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك؟ قال صلى الله عليه وآله: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته (2). وأخرج أحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، عن أبي بكرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله على المنبر، والحسن بن علي عليه السلام

(هامش)

(1) صحيح البخاري: 2 / 271، 306، مستدرك الصحيحين: 3 / 168، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، مسند أحمد: 1 / 8، فتح الباري: 8 / 97 بسنده عن ابن أبي مليكة قال: وكانت فاطمة عليها السلام ترقص الحسن وتقول: ابني شبيه بالنبي * ليس شبيها بعلي تاريخ الخلفاء: 188، الفصول المهمة: 152 وفيه: وعلي عليه السلام يبتسم، مستدرك الصحيحين: 3 / 168 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، مطالب السؤول: 1 / 190. (2 ) مستدرك الصحيحين: 3 / 165، صحيح النسائي: 1 / 171، مسند أحمد: 3 / 493، سنن البيهقي: 2 / 263، أسد الغابة: 2 / 389، كنز العمال: 7 / 109، بسندين و6 / 222 وقال: أخرجه البغوي والطبراني وسعيد بن منصور في سننه . (*)

ص 234

إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، وهو يقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (1). وفي رواية أخرى لأبي داود: إن ابني هذا سيد، وأني لأرجو أن يصلح الله به بين فئتين من أمتي (2). والترمذي بلفظ: إن ابني هذا سيد يصلح الله على يديه بين فئتين (3). ولفظه عند الطبراني في الكبير : إن ابني هذا سيد، وأن الله سيصلح على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين (4). وفي رواية أخرى له: إن ابني هذا سيد، وأنه ريحانتي من الدنيا، وأني أرجو أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين عظيمتين (5). وأخرجه يحيى بن معين في فوائده ، والبيهقي في دلائل النبوة ، والخطيب، وابن عساكر، والضياء، كلهم عن جابر رضي الله عنه، بلفظ: إن ابني هذا سيد، وليصلحن الله به بين فئتين من المسلمين عظيمتين (6).

(هامش)

(1) مسند أحمد: 5 / 44، صحيح البخاري: 2 / 71، 175، تاريخ ابن عساكر: 4 / 211، صحيح النسائي: 1 / 208، صحيح أبي داود: 29 / 173، حلية الأولياء: 2 / 35، تاريخ بغداد: 3 / 215، ذخائر العقبى: 125، مستدرك الصحيحين: 3 / 169، كنز العمال: 7 / 104، مجمع الزوائد: 9 / 178، كفاية الطالب: 340. (2) صحيح أبي داود: 29 / 173، أسد الغابة: 2 / 11. (3) الجامع الصحيح: 5 / 658 حديث رقم (3773) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (4) مجمع الزوائد: 9 / 178 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (5) ذخائر العقبى: 125، مسند أحمد: 5 / 51، حلية الأولياء: 2 / 35. (6) تاريخ بغداد: 3 / 215 و8 / 26، كنز العمال: 6 / 222، وقال: أخرجه يحيى بن معين في فوائده ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر، وسعيد بن منصور في سننه عن جابر، الصراط السوي: 92 - خ -. (*)

ص 235

وعند أبي نعيم في الحلية ، عن أبي بكرة، بلفظ: إن هذا ريحانتي، وإن هذا ابني سيد، وعسى أن يصلح الله تعالى به بين فئتين من المسلمين (1). وأخرج الحاكم، عن عبد الرحمان بن جبير بن نفير، قال: قلت للحسن عليه السلام: إنك تريد الخلافة؟ فقال عليه السلام: قد كان جماجم العرب في يدي، يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت، فتركتها ابتغاء وجه الله، وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وآله، ثم ابتزها أهل الحجاز (2). وأخرج أحمد، والهيثم بن كليب الشاشي، والحاكم، كلهم عن علي عليه السلام قال: لما ولد الحسن عليه السلام سميته حمزة، فلما ولد الحسين عليه السلام سميته باسم عمه جعفر، قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: إني أمرت أو رأيت أن أغير اسم ابني هذين، فقلت: الله ورسوله أعلم، فسماهما حسنا وحسينا (3). وهذا الحديث صحيح على رأي الحاكم. ولما استشهد أبوه أمير المؤمنين عليه السلام ولي الخلافة بوصية إليه، وقال بعض أهل الأخبار: بويع له بإجماع أهل الحل والعقد عليه، وكان ذلك لتسع بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فرتب العمال، وأمر الأمراء،

(هامش)

(1) حلية الأولياء: 2 / 35. وانظر الأحاديث الغيبية: 1 / 164 ح 94، فقد أوردنا لهذا الحديث عدة مصادر واحتملنا وضع هذا الحديث لما فيه من دعم للسياسة الأموية. (2) مستدرك الصحيحين: 3 / 170، وفيه: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (3) مسند أحمد بن حنبل: 1 / 159، مستدرك الصحيحين: 4 / 277 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. (*)

ص 236

ونظر في الأمور. ولما سمع معاوية بموت علي عليه السلام وبيعة الحسن عليه السلام أنفذ رجلا من حمير إلى الكوفة، وآخر من بني القين إلى البصرة ليطالعاه بالأخبار، ويفسدا على الحسن عليه السلام الأمر، ويغيرا عليه قلوب الناس، فعرف بهما الحسن عليه السلام فأخذهما وقتلهما، وكتب إلى معاوية: أما بعد: فإنك دسست الرجال، وأرصدت العيون، كأنك تحب اللقاء، ولو ترى العاقبة وما أوشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله تعالى (1). فلما بلغ معاوية كتابه، وقتل الرجلين، سار بنفسه إلى العراق، وتحرك الحسن عليه السلام، وبعث حجر بن عدي رضي الله عنه، واستعد الناس للقتال، فتناقلوا عنه، ثم حفوا مع أخلاطا في الناس... ثم سار حتى نزل ساباط القنطرة وبات هناك، فلما أصبح أراد عليه السلام أن يمتحن أصحابه، ويستبرئ أحوالهم في طاعته ليميز أولياءه من أعدائه، ويكون على بصيرة من لقاء معاوية، فأمر أن ينادي في الناس: الصلاة جامعة، فاستجمعوا، فصعد المنبر وخطبهم فقال: الحمد لله كلما حمده الحامدون، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له الشاهدون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق، وائتمنه بالوحي صلى الله عليه وآله. أما بعد، فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا أنصح

(هامش)

(1) تاريخ الخلفاء: 189، بسنده إلى علي بن زيد بن جدعان، الفصول المهمة: 156 وفيه: وكان عليه السلام يتمثل بهذا البيت: يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها * إن اغترارا بظل زائل حمق (*)

ص 237

خلق الله تعالى لخلقه، وما أصبحت محتملا على امرئ مسلم ضغينة، ولا مريد له بسوء، ولا غايلة، وإنما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، وإني ناظر لكم ولأنفسكم، فلا تخالفوا أمري ولا تردوا علي، وإني غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا ناظر لما فيه مصالحكم والسلام. فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا: ما ترونه يريد أن يصنع؟ قالوا: نظن أنه يريد أن يصالح معاوية، ويسلم إليه الأمر، فشدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ورداءه من عاتقه، فرجع وركب فرسه وتقلد بسيفه وأحدق به طوائف من خواص شيعته، فمنعوه وطافوا به، وأطاف به ربيعة وهمدان وجماعة من غيرهم وساروا معه. فبادر إليه رجل من بني أسد اسمه - الجراح بن سنان - في يده خنجر فطعنه به في فخذه فشقه حتى بلغ العظم، وحمل الحسن عليه السلام على سرير من تلك الضربة إلى المدائن ، فنزل بها، واشتغل بمعالجة جرحه. وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرا، واستحثوه على سرعة المسير نحوهم، وضمنوا له تسلم الحسن عليه السلام عند دنوه منهم، والفتك به. وبلغ الحسن عليه السلام ذلك، وتحقق فساد نيات أكثر أصحابه وخذلانهم له، ولم يبق معه ممن يأمن غايلته إلا خاصة شيعته وشيعة أبيه، وهم جماعة لا يقومون بحرب أهل الشام، فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح فأجابه إلى ذلك، وأنفذ إليه كتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك فيه، وتسليمه إليه. ووصل معاوية لصلح الحسن، فاشترط الحسن عليه السلام شروطا كثيرة

ص 238

كان في الوفاء بها مصالح شاملة منها: أن لا يتعرض عماله إلى سب أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر، ولا ذكره بسوء، ولا القنوت عليه في الصلوات. وأن يؤمن شيعته، ولا يتعرض لأحد منهم بسوء، ويوصل كل ذي حق حقه، فأجابه معاوية إلى ذلك كله، وكتب بينه وبينه لذلك كتابا (1) صورته هذا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام معاوية بن أبي سفيان. صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين، وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى، في شامهم، وعراقهم، وحجازهم، ويمنهم، وعلى أن أصحاب علي عليه السلام وشيعته، آمنون على أنفسهم، وأموالهم، ونسائهم، وأولادهم، حيث كانوا، وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وعلى أن لا يبتغي للحسن بن علي عليه السلام، ولا لأخيه الحسين عليه السلام، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، غائلة، سرا ولا جهرا، ولا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق.

(هامش)

(1) الفصول المهمة: 161 - 163، الغدير: 11 / 5 - 7، وسيلة المآل: 336، مطالب السؤول: 2 / 16. (*)

ص 239

أشهد عليه فلان وفلان وكفى بالله شهيدا (1). ولما أبرم الصلح، ودخل معاوية الكوفة، كلم عمرو بن العاص معاوية أن يأمر الحسن عليه السلام فيخطب الناس، فكره ذلك معاوية، وقال: لا حاجة لنا في ذلك، قال عمرو: لكني أريد ذلك ليبد وعيه، فإنه لا يدري هذه الأمور ما هي، فلم يزل بمعاوية حتى أمره أن يخطب، وقال له: قم يا حسن، وكلم الناس فيما جرى بيننا، فقام الحسن عليه السلام، فحمد الله وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله، ثم قال: أيها الناس، إن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور، ولو أنكم طلبتم ما بين جابلق و جابلص رجلا جده رسول الله صلى الله عليه وآله، ما وجدتموه غيري، وغير أخي الحسين عليه السلام، وقد علمتم أن الله تعالى هداكم بجدي محمد صلى الله عليه وآله، فأنقذكم من الضلالة، ورفعكم به من الجهالة، وأعزكم به بعد الذلة، وكثركم به بعد القلة. وأن معاوية نازعني حقا هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأمة، وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن أسالم لمعاوية، وأضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته ورأيت أن حقن الدماء

(هامش)

(1) الصواعق المحرقة: 81، تاريخ الطبري: 6 / 92، الكامل في التاريخ: 3 / 175، البداية والنهاية: 8 / 14، تذكرة الخواص: 113، شرح ابن أبي الحديد: 4 / 16 وفيه: فلما استقر له الأمر، ودخل الكوفة، وخطب أهلها، فقال: يا أهل الكوفة، أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج؟ وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم - إلى أن قال: - وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين. وقال أبو إسحاق السبيعي: إن معاوية قال في خطبته - بالنخيلة -: ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به، قال أبو إسحاق: وكان والله غدارا. مقاتل الطالبيين: 29. (*)

ص 240

خير من سفكها، ولم أرد بذلك إلا صلاحكم، وبقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم، ومتاع إلى حين (1). فلما فرغ جلس، وقال معاوية لعمرو بن العاص: ما أردت إلا هذا. ثم ارتحل الحسن عليه السلام بأهله وحشمه إلى المدينة النبوية، ولم يزل بها حتى مات بها سنة تسع وأربعين، على أرجح الأقوال، لخمس خلون من ربيع الأول على قول أهل السنة، أو في آخر صفر على قول الشيعة. كاد الحق أن يدال له من الباطل يوم - صفين - وأوشك محمد أن يبلغ المرمى من جيش أبي سفيان. وأدرك الخصم أن المحاكمة إذا كانت كلها إلى السيف فستظهر كلمة الله ولا ريب، وستكون نهاية الأحزاب الثانية عين نهايتهم الأولى. أدرك الباطل ذلك بدهائه، فجنح للمخاتلة، وأعد القذيفة، ورفع المصاحف، وقذف النار!! أجل، إنه قذف النار فهلعت قلوب، وعقدت ألسن، وأظلمت بصائر، ونقضت عهود، والتجأ الحق إلى أغماد السيف، وبدأ يعالج الحادث ويصد الغارة. وطال الموقف، ولا محيد للموقف من أن يطول، واغتيل القائد الأعلى

(هامش)

(1) وفي رواية: ثم نزل وتوجه بعد ذلك إلى المدينة الشريفة، وأقام بها، وروي: أنه لما تم الصلح لمعاوية، واجتمع عليه الناس، دخل عليه سعد بن أبي وقاص، وقال: السلام عليك أيها الملك، فتبسم معاوية وقال: ما عليك يا أبا إسحاق لو قلت يا أمير المؤمنين؟ قال: ما أحب إني وليتها بما وليتها به. الفصول المهمة: 164، وسيلة المآل: 333 - خ -، الحدائق الوردية: 1 / 101 - 105، مطالب السؤول: 2 / 16. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

الروض النضير في معنى حديث الغدير

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب