سيرة الامام علي (ع)

أحمد بن محمد البكري

 

 

[ 1 ]

سيرة الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه

وفتحه السبعة حصون ومحاربته الهضام بن الحجاف بن عون بن غانم الباهلي

 

برواية المؤرخ القصصي الشهير ابي الحسن احمد بن عبد الله بن محمد البكري

طبع على نفقة البحاني المحمدي صاحب مطبعة ومكتبة المنار

مطبعة المنار - تونس

 


 [ 2 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي تفرد بقائه ونور بمعرفته قلوب اوليائه وطيب اسرار الصادقين يطيب ثنائه الحي القيوم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في ارضه وسمائه احمده سبحانه وتعالى حمدا تعرف بالعجز عن عدد آلائه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له الذي تفرد بعزه وبقائه واشهد ان سيدنا ونبينا ومحمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله خاتم انبيائه وسيد اصفيائه اللهم صلي وبارك على هذا النبئ الكريم والرسول السيد السند العظيم سيدنا ومولانا محمد وعلى اصحابه صلاة وسلاما دائمين متلازمين بدوام ارضه وسمائه تسليما كثيرا (وبعد) فقد روى أبو الحسن احمد بن عبد الله محمد البكري رضي الله عنه قال حدثنا يوسف بن عبد الله وخالد بن رفاعة الجهني قالا حدثنا خلق كثير يروي بعضهم عن بعض فاخذنا من ذلك ما نرجوه ان شاء الله تعالى تعليقة على قدر الروايات قالوا حدثنا صاحب الحديث عن علي بن ابي طالب كرم الله وجده ورضي عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده المبارك وكان ريح ومطر إذ سمعنا صوتا جهوريا من وراء المسجد يقول السلام عليك يا محمد ورحمة الله وبركاته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فالتفت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ردوا على اخواتكم السلام رحمكم الله فقلنا يارسول الله على من نرد ونحن لم نر احدا نرد على الملائكة ام على الجان فقال بل على اخوانكم الجان الذين آمنوا وصدقوا برسالتي ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم اظهر لنا ايها المتكلم لنراك فظهر لنا شيخ قال علي ارضي الله عنه وإذا به عرفطة بن شماخ وكنت به عارفا لان النبئ صلى الله عليه وسلم قد ارسلني معه الى قومه فاحرقت باسماء الله تعالى وبنوره منهم زيادة عن خمسين قبيلة من الجن وآمن منهم خلق كثير فسلم عرفطة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس النبئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حاجتك قال يارسول الله قد جئتك لاخبرك عما نحن فيه الحرب والوقائع وقتال القبائل الجواهل فقال النبئ صلى الله عليه وسلم مع من يا عرطفة فقال مع كفار الجن ومردتهم وكذلك مع عفاريتهم عبدة الاوثان فقال


[ 3 ]

رسول الله صلى الله عليه وسلم ديارهم قريبة منا ام بعيدة يا عرطفة فقال يا سيدي في جبال واوكار واودية شتى قد اهلكنا منهم خلقا كثيرا واهلكو ا منا خلقا كثيرا وان لهم صنعا يسمونه المنيع وقد تعالى الله عزوجل عن ان يمثل وهو السميع البصير فصنمهم هذا قائم بخدمة الملك الهضام بن الجحاف بن عوف بن غانم الباهلي الملقب بمراة الموت لعنه الله والصنم المنيع موكل به مارد يقال له عنريس بن دريس بن ابليس وله عشيرة عظيمة وقبيلة جسيمة ونحن في غزوهم وجهادهم وقد اشتدت بلية القوم وتعاظم امر الهضام وكفر بالله تعالى واتخذ من دون الله إلها يسمونه المنيع وجعل له جنة ونار وجعل له زبانية وسماهم الغلاظ الشداد وجعل له ملائكة وسماهم البررة الكرام وجعل في جنته الاشجار والانهار والاطيار وجعل فيها المخدرات المنعمات وسماهم الحور العين وجعل لها عرشا وكرسيا ومن العفاريت الطيارين وسماهم الملائكة المقربين وانت رسول الله لم يبلغك من ذلك كله وقد اشتد تمرد القوم وطغيانهم وكفرانهم لرب العالمين (قال الراوي) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفطة اشتد به الغضب حتى كاد يضطرب كالسفينة في الريح العاصف وسجد على الارض طويلا ثم رفع رأسه وقد سكن ما به من غيظ ولمع النور من بين عينيه صلى الله عليه وسلم حتى لحق عنان السماء ثم اقبل على عرطفة وقال له انصرف شكر الله سعيك واحسن اليك وانا ابعث إليهم رسولا وهو خليفتي ونقمتي على اعدائي فقال عرطفة يارسول الله إذا بعثت للقوم رجالا من الانس آبادوهم وقتلو هم فان عساكر الانس لن يطيقوا قتال الجن ومردتهم ولن يبلغك ما تريد الا الفارس الصنديد والبط الشديد قالع الحلقة والقصر المشيد ومبيد الانس والجن في البئر العميق مفرق الكتايب ومظهر العجايب والغرايب صاحب الحسام القاضب والغمام الساكب ابن عمك امير المؤمنين علي بن ابي طالب ثم غاب عرطفة عن اعين الناس فنظروا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تغير لونه وظهر غيظه واحمرت عيناه وتقوس حاجباه فعم ذلك على المسلمين وجلسوا حوله ينظرون الى الارض ويحدقون الى الامام علي كرم الله وجهه ويشيرونه عما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم والامام علي لا يتكلم ولم يرد عليهم (قال الراوي) فبينما


[ 4 ]

الناس في ذلك وإذا بجبريل عليه السلام قد نزل من عند رب العالمين فوثب له النبئ صلى الله عليه وسلم مسرورا وهو ينادي لبيك لبيك اللهم إنا نسالك الفرج منك يا مفرج كل كرب ومزيل كل هم وغم وخرج النبئ صلى الله عليه وسلم من المسجد وقال لا يقم احد فن مكانه حتى اعود اليكم وخرج فمكث قليلا ثم رجع الى اصحابه وهم جلوس كل واحد منهم في مقامه وقد تهلل وجهه صلى الله عليه وسلم فرحا وسرورا وجعل النور يشرق من بين عينيه صلى الله عليه وسلم فوثب الناس إليه يسالونه عن امره (قال الراوي) فقال النبئ صلى الله عليه وسلم اجلسوا بارك الله فيكم فجلس الناس جميعا وصمتوا فقال النبئ صلى الله عليه وسلم اين سلمان وعمار فأجاباه با لتلبية ها نحن بين يديك قل ما شئت يارسول الله فانا لكلامك سامعون ولامرك مطيعون فقال لهم النبئ صلى الله عليه وسلم سيروا في شوارع المدينة ونادوا الصلاة جامعة بمسجد المختار الله الواحد القهار فلما سمع الصحابة منه صلى الله عليه وسلم ذلك النداء جعلوا يهرعون إليه من كل جانب ومكان حتى امتلا المسجد بالنبئ بهم ثم صعد النبئ صلى الله عليه وسلم المنبر وخطب خطبة بليغة فشوق الى الجنة ونعيمها وحذر من النار وجحيمها (قال الراوي) قال النبئ صلى الله عليه وسلم معاشر المسلمين: ان الله جل وعلا تقدست اسماؤه ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا اله غيره بعد رفع السماء بلا عمد وارسى الجبال وتد وزين السماء بالنجوم الزهرات والافلاك الدائرات واجري فيها الشمس والقمر آيات لاولى الالباب وبسط الارضين بحكمه على تيار الماء وثبتها بالجبال الراسيات واضحك تغوير البقاع الجامدات بفيض دموع السحاب المسخرات وثبت الرياح العاصفات مخاليب الطيور الصافنات وقوى قبة الجبال الراسيات تلاطم امواج البحار الزاخرات وعلق استار واوراق الا غصاب النضرات (قال الراوي) ثم قال رسول الله صلى عليه وسلم ايها المسلمون: انا بشر منكم آكل مما تأكلون واشرب مما تشربون ولا اعلم ما كان ولايكون ولا يحيط بذلك علما الا من يقول للشئ كن فيكون ثم بعد ذلك اعلمكم انه قد وفد على عرفطة من اخوانكم في الدين وهو من الجن المؤمنين وقد اخبرنا عن اللعين الملك الهضام ابن الحجاف بزعوف بن غانم الباهلي لعنه الله قد اتخذ له صنما وسماه المنيع وصنع له جنة ونارا وملائكة وزبانية فيدخر من اطاعه واطاع صنمه


[ 5 ]

في جنة ويعذب بناره من عصاه وعصى صنعه وقد غره حكم ابليس اللعين واستدرجه وآهاله فلما سمعت ذلك سمعت ذلك كبر علي وعظم لدي ولاخفف عني ذلك الا حبيبي جبريل وقد آتاني واخبرني عن ربي عز وجل وهو يقول يا محمد الله يقرئك السلام ويخصك با لتحية والاكرام ويقول لك اني قد علمت بما في نفسك وما قد نزل بك واني مبشرك ان دمار القوم ودمار صنمهم على يد رجل يحبه الله والملائكة وهو سيف نقمتك وباب مدينتك التي ما سجد لصنم قط وهو زوج البتولي والمتولي لدعوتك وحامل رايتك الفتى الولي مفرق الكتائب ومظهر العجائب والغرائب الحسام الغاضب والليث المحارب والغيث الساكب لبني غالب امير المؤمنين علي بن ابي طالب كفر الله وجهه وهذه اشارة من عند ربي الاعلى ثم ان النبئ صلى الله عليه وسلم كشف عويدة فإذا فيها عربرة سوداء مكتوب فيها بقلم القدر لم يكتبها كاتب فلما نشرها صلى الله عليه وسلم ظهر لنا نور له شعاع عظيم فقال الصحابة يارسول الله خبرنا بما فيها مكتوب بمشيئة الجبار امر من الطالب الغالب الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وقالوا لقد فارمن الجبار وقربه برسول صلى الله عليه وسلم وعلى الله الا خيارا حزن بذلك للكفار قال الراوي ثم ان الرسول صلى الله عليه وسلم اقبل على اصحابه وقال لهم معاشر المسلمين هل فيكم من وصل الى ديار اللعين الهضام بن الجحاف بن عون فيخبرنا بما شاهد من ابطاله واعوانه وكفره وطغيانه فقام عند ذلك رجل من المسلمين يقال له عبد الله بن انيس لجهني رحمة الله عليه فقال انا اخشى ان يداخل قلبك الوهم والهم عن وصفي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يا انيس فانا لا نخاف مع الله احدا فقال يارسول الله انت بابي وامي ان خبره عظيم ان الهظام ابن الجحاف لما نظر الى اصنام العرب التي يعبدونها من دون الله عزوجل وجعل في سماء القبة حجرامن المغناطيس وفي اسفل القبة حجرا اخرا وعن يسارها حجرا يوازن بعضها بعضا واوقف الصنم في وسطها في الهواء بجذبه كل حجر بقوته وذلك الصنم مرصع بالجواهر واليواقيت النفيسة وكساه بالحرير الملون ونصب له كرسيا مرتفعا


[ 6 ]

مكللا بالدر والجواهر وشده بقضبان الذهب الاحمر والفضة البيضاء فما كان من العاج الابيض كانت كواكبه من الذهب وما كان من الابنوس الاسود كانت كواكبه من الفضة البيضاء جعل لتلك القبة بابا عظيما من الذهب الاحمر وعلق على باب القبة سترا مزركشا وعلق من داخل القبة قناديل من اللؤلؤ بسلاسل من ذهب يوقد بطيب الادهان وبنى من خارج القبة بيتا عظيما مانعا بالعلو وجعل سقف القبة من خشب الصندل وفصل ارضها وحيطانها بالرخام الملون وجعل من ورائها بيتا آخر مثل البيت الاول ومازال كذلك حتى جعلها سبعة ابيات على بعضها بعضا ولها سبعة ابواب منها ما هو من العاج ومنها ما هو من الابنوس وغير ذلك وقدر ركب في تلك البيوت جامات من البللو ر المختلف الالوان فإذا طلعت الشمس على تلك الكواكب اشرق نور ها على تلك البيوت والقبة وجعل على كل باب حاجبا موكلا به فإذا ورد إليه واراد أو قصد إليه قاصد من بعض الملوك اوقفه الحاجب الاول والثاني كذلك حتى ينتهي الى الباب السابع وكلما جاوز بابا نظر الى غيره فإذا هو اعظم من الذي قبله فإذا وصل الى المكان فيه عدو الله الهضام وجده جالسا على سريره وقد احدقت به جنوده والحجاب حوله فإذا وقعت بين يديه امر الهضام بقلع ثيابه فيقلعها ويلبسونه ثيابا غيرها ويقولون له ان ثيابك هذه عصيت فيها فهي لا تصلح ان تدخل على الاله المنيع وانت تطلب منه الغفران ثم يدفع له خاتما من الحديد ويقولون له ان هذا الخاتم الذي تريد به عفوه عنك فإذا ثبت في يدك فقد عفا عنك وقبل توبتك ثم بعد ذلك يامر الملك الهضام بفتح القبة لذلك الشخص فإذا دخل على الصنم وشافي نفسه شيئا فيظن ان الصنم قد طالب رضاه وكلما قرب من الضم جذبته السلسلة الى ورائه فإذا كان لا ينقلع الخاتم من يده يامرونه با لسجود فيخر ساجد ولم يزل كذلك حتى يهتف به من جوف الصنم الشيطان الموكل به ويامره بالقيام قيقوم فينذر ذلك الشخص مما امكنه من الذهب والفضة أو جواهر أو جوار أو عبيد أو خبل قدر ما تصل إليه قوته وقد استولى


[ 7 ]

اللعين الهضام بهذه الحيل على اموال الناس فلما فرغ من ذلك خرج الى فلاة عظيمة ملءالارض فجمع الصناع وامر بحفر حفرة طويلة طولها اربعمائة ذراع وعرضها مثل ذلك ثم جعل لها اساسا وبناها بالصخور العظام واوقف عليها الف عبد اسود غلاظا وافرد ذلها الف بعير يحملونها الاحطاب والاخشاب والف عبد يجمعون لهم ذلك ويحملونه الى الحفرة والف يصرمون النار في الليل والنهار وسمى تلك الحفرة جهنم حتى إذا مربهم طائر احترق من شدة لهيبها وبنى لها درجات عاليات ولما فرغ من ذلك بنى دائرة واسعة طولها عشرون فرسخا وعرضها مثل ذلك وجعل طينها المسك والزعفران واحجارها من جميع الالوان مثل الاحمر والاصفر والابيض والاخضر والازرق وغرس فيها الاشجار وجمع فيها كامل الاوصاف والا طيار وبنى في وسطها دكة بيضاء من الرخام المختلف الالوان واتخذ فيها قصور وجعل سقوفها من الذهب الاحمر والفضة البيضاء وجعل فيها جواري ابكار كانهن الاقمار ونظم ذوائبهن بالدر والياقوت ووكل بابواب تلك المقاصير غلمانا مر داجردا وسماهم الملائكة عليهم حلل من انواع الحرير وعلى رؤوسهم عمائم خضر وجمع في هذه المقاصير من الفواكه الصيفية والشتوية من اطيب الاثمار وجعل فيها الاطيار تغرد على الا غصان بانواع اللغات وجعل فيها اصناف الطيب المعجون يماء الورد من حول تلك المقاصير وفيها الخمر مسكوب والعسل مصبوب واللبن محلوب يصب في قنوات فمن اطاع هذا الصنم ادخله هذه الجنة ولذذ بنعيمها ومن عصاه ادخله هذه النار يتلظى بجحيمها وقد تزايد امر هذا اللعين الجبار وشاع بين العرب بشجاعته وعظم شره حتى لقبوه بمرارة الموت (قال الراوي) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال ويا ابن انيس لقد حدثتني لم اسمع مثله قط واين ارضه وبلاده ومستقره قال يا رسول الله باطراف اليمن مائلا الى العمران في واد يقال له وادي القمر فنادى برسول الله صلى الله عليه وسلم اين امير المؤمنين وحامي حوزة الدين مفرق الكتائب ومظهر العجائب ومبدي الغرائب الليث المحارب والغيث الساكب والحسام القاضب ليث بني غالب امير


[ 8 ]

المؤمنين علي بن ابي طالب فلما سمع نداء رسو ل الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب وثب قائما على قدميه وانشد وجعل يقول شعر لبيك من داع ومن منادي لبيك نور الله في البلاد لبيك من داع الى الرشاد فرجت عني كربة الفؤاد قل ما تشاء يا اكبر العباد افديك نالا هلين والاولاد (قال الراوي) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم ضاحكا من قول الامام علي كرم الله وجهه ورضي عنه ثم اقبل الامام على النبئ صلى الله عليه وسلم ووقف بين يديه فضمه النبئ صلى الله عليه وسلم الى صدره وقبله بين عينيه وقال معاشر المسلمين هذا علي ا بن اعمي ووارث علمي وزوج ابنتي وحامل رايتي وسيف نقمتي من اساء إليه اساء الي ومن احسن إليه فقد احسن الي ومن احبه فقد احبني ومن ابغضه فقد ابغضني اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ثم قال عليه الصلاة والسلام اسمعت ما وصفه عبد الله بن انيس الجهني عن عدو الله هضام بن الجحاف وتجبره وكفره وجموحه قال نعم يارسول الله فقال رسول الله يا ابا الحسن ان الله امرني ان اخبرك بهذا الخبر وقد وعدني ربي بنصرك وحفظك ورجوعك الي سالما غانما فماذا تقول وامر لك عصابة من المسلمين وجماعة من المؤمنين تسير فيهم الى عدو الله الكافر وقد بلغني ب انه تكاسر من الورود وان اكثر منهم مددا وهو القادر على ان لا يبقي منها احدا (قال الراوي) فاطرق الامام علي راسه ثم رفع راسه الى النبي صلى الله عليه وسلم ونظر ولم يتكلم ثم عاد الى اطراقه ساعة ولم يتكلم ثم عاودها ثالثا فعظم ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وقد تبين في ذلك الوقت في وجوه المنافقين وقال بعضهم لبعض ان علي بن ابي طالب كره التوجه الى الهضام ويحق له ذلك ومن يقدر على وصف عبد الله بن انيس وتكلم المؤمنين على قد ما وصل إليهم وقال بعضهم لاشك انه يطلب جماعة يسير بهم الى عدو الله ولكنه اسيحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يذكر له ذلك وقال بعضهم ان عليا كره الخروج من غير جذع ولا فزع وكثرت الاقوال بين الناس وعظم على النبئ صلى الله عليه وسلم فقال يا ابا الحسن ما السكوت والتواني برد الجواب ما املت منك الا انك امر مبادر والى ما اخبر تك


[ 9 ]

مسارع فهل لك من حاجة فتقضى أو كلمة فتمضى (قال الراوي) فلما سمع ذلك الامام علي كرم الله وجهه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم ضاحكا وقال يارسول الله حاجتي تقضيها كائنة ما كان قال نعم اي والذي بعثني با لحق بشيرا ونذيرا اني اقضيها ان وجدت الى قضائها سبيلا فقال الامام علي رضي عنه الم تأتيك البشرى من عند المولى الكريم رب العالمين ان ترسلني لهذا الامر وضمن لك سلامي وحفظ رعايتي فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم يا ابا الحسن فقال الامام علي كر م الله وجهه إذا كان من يعصمني ويسلمني ويحفظني لا حاجة باحد غيره ولا تبعث لهذا الامر احد سواي فحسبي يا رسول الله نصر الله عزوجل وهو خير الناصرين واسال الله جلب المسرة الى فؤادك (قال الراوي) فلما سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تهلل وجهه فرحا مسرورا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا الحسن كفاك الله شانيك واهلك معاديك ثم كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمين جميعا عند ذلك فرحين بما كشف الله من قلوبهم من الهم والكرب وارغام انف المنافقين اعداء الله قال عبد الله بن ابي سلول لعنه الله وهو راس المنافقين بالمدينة هذه اعظم فرحة وحق اللاتي والعزى لنحرقن عظام علي بن ابي طالب بنار الهضام ولو خرج محمد إليه بجميع اصحابه ما قدروا عليه ولا بقيتم ترون علي بن ابي طالب بعد هذا اليوم ان هو خرج إليه ثم ان النبئ صلى الله عليه وسلم دعا بدواة وقرطاس وقلم ودفعها الى الامام علي ابن ابي طالب وقال له اكتب يا ابا الحسن الى عدوالله الهضام كتاب بالتحذير فكتب الامام علي كتابا يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن عبد مناف داعي الورى الى الانصاف وهاديهم الى طريق الخير والغفران الى الهضام بن الجحاف الباهلي اما بعد لقد اتصل الينا ما انت عليه من التكبر والتجبر والعتو على الله عزوجل وما صنعته من جنة ونار يا ويلك والويل ثم الويل لك تتخذ الحديد والجنادل اربابا من الله عز وجل ارايت ما صنعته من نارك لو انك امرت عبيدك الذين ينقلون الحطب والاخشاب ان يسكنوا عنه يوما واحدا لسكن لهيبها وانقطع


[ 10 ]

وهجها وخمد حرها يا ويلك والويل لقومك بل لوحملوا إليها الماء وسكبوه فيها لطفئت حرارتها وذهبت جمرتها فاين نارك من نار وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين لا يخمد حرها ولا يبرد لهيبها وهي لا توقد بحطب ولا بخشب بل توقد بسخط الله عزوجل فلا تخمد في ليل ولا في نهار عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون واعلم ان نارك التي توقدها انما هي جزء منها وهي اثنان وسبعون جزء واما جنة الخلد التي وعد المتقون ففيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين لا يفنى نعيمها ولا ينقص ثمرها ولا يصفر ورقها والمؤمنين فيها متنعمون في جوار رب العالمين وعلى الارائك متكئون واما جنتك التي احدثتها فلو امرت بمنع الماء عنها لجفت اغصانها وفسد ثمارها فاترك ما انت عليه من تكبرك على خالقك ورازقك ولا تنفعك نارك ولا جنتك فقل معي لا اله الا الله محمد رسول الله واشهد لي بالرسالة تكن من الفائزين والصديقين فان ابيت رميتك بسيف قاطع وبطل مانع (قال الراوي) ثم ان الامام عليا كرم الله وجهه قرأ الكتاب على النبئ صلى الله عليه وسلم فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب بيده الكريمة وطواه بعد ان ختمه بخاتمه الشريف ثم قال يا ابا الحسن خذ معك من المسلمين رجلا فإذا قربت من ديار عدو الله فقدمه امامك رسولا بهذا الكتاب فان اجابه الى ما دعوناه إليه وآمن با لله وصدق برسالتي فكف يدك فان الله حليم لا يجعل با لعقوبة على من عصاه وان ابي هو وعصى فانظر لنفسك وتدبر امرك واحذر من الحصون في مسيرك وتوكل على الله وقل لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم (قال الراوي) ثم اقبل النبئ صلى الله عليه وسلم على اصحابه وقال لهم من يمضي برسالتي مع ابن عمي وانا اضمن له الجنة ولا يكون الا عارفا بديار القوم فعند ذلك نهض جميل قائما على قدميه وكان جميل رجلا مشهورا لانه كان قريب عهد بالاسلام وكان لا يخفى عليه شئ من مياه العرب ولا من منازلهم فدفع له النبئ صلى الله عليه وسلم الكتاب وقال سر يا ابن كثير (قال الراوي) ثم قال له النبئ صلى الله عليه وسلم اخرج مع ابن عمي علي بن ابي طالب رضي الله عنه فعند ذلك قال ابن كثير يارسول الله دعني اتقدم امام ابن عمك فاني لا اطيق المسير معه واني ان شاء الله تعالى اسبقه الى ديار


[ 11 ]

عدوالله الهضام واسير إليه راجعا برد الجواب والاقيه واسرع له الخطاب فقال له النبئ صلى الله عليه وسلم يا جميل اصلح الله شأنك فقال يارسول الله ثم اتى الى داره واصلح شانه وشد راحلته واقبل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وودع من كان حاضرا من المسلمين فقال النبئ صلى الله عليه وسلم سر يا جميل وقل لا حول ولا قوة الا با لله العظيم. ثم ان جميل ركب على ناقته وخرج من المدينة وهو عدو الهضام هذا كان من حديث جميل واما ما كان من حديث امير المؤ منين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فانه اقام في المدينة بقية ذلك اليوم فلما دخل المساء اقبل النبئ صلى الله عليه وسلم فحدثه بخبر الذي مضى ثم قال النبئ صلى الله عليه وسلم يا ابا الحسن ايهما يخرج على مطيتك ام على جوادك بل المطية اصلح فانها تحمل الزاد وتصير على مشقة السير، وقد جعلت الامر اليك فقال له الامام انا موفق بحفظ الله ومتوكل على الله، ولو جعلت الامر الي فاني لا اسير من عندك الا رجلا فقال له النبئ صلى الله عليه وسلم يا ابا الحسن فكيف يكون لك طاقة بحمل الزاد فقال له الامام علي رضي الله عنه وحق الذي اختارك واصطفاك لاازال صائما حتى يردني الله اليك سالما. (قال الراوي) فلما سمع النبئ صلى الله عليه وسلم ذلك الكلام من علي كرم الله وجهه تغرغرت عيناه با لدموع ثم قال اللهم لا تفجعني بفقده ولا تحزني من بعده اللهم انه وديعتي اليك فاحفظه حتى ترده الي الا سالما يامن لا تخيب عنده الودائع ثم ان الامام عليا رضي الله عنه انصرف الى منزله وبات الليلة يتحدث مع اولاده فلما اصبح الصباح قام الامام علي رضي الله عنه فتوضأ وافرغ آلة حربه وتحزم بمنطقته وتنكب بجحفته وضم اولاده وجعل يقبل هذا مرة وهذا مرة ثم اقبل على فاطمة الزهراء رضي الله عنها وقبلها بين عينيها ثم خرج الى المسجد وصلى مع النبئ صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم قال يارسول الله منك القول ومني السمع والطاعة اتاذن لي با لخروج فقال له النبئ صلى الله عليه وسلم لله الامر من قبل ومن بعد فإذا عزمت فتوكل على الله ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على قدميه ونهض الناس معه ولم يبق احد الا خرج مع النبئ صلى الله عليه وسلم وهو يوصي الامام عليا كرم الله وجهه ويحدثه بما يجري به في طريقه والناس يتعجبون من سير الامام علي


[ 12 ]

وحده فلما بعد عن المدينة وقف النبئ صلى الله عليه وسلم وودع الامام علي ودعا للامام بدعوات تحجب عنه خلق الارض والسموات ثم امر الامام با لمسير، وقال سر بارك الله فيك الله خليفتي عليك (قال الراوي) ثم ان صلى الله عليه وسلم وامر الناس با لرجوع فرجع الناس وسار الامام طالبا بلاد اللعين الهضام وحيدا بنفسه ليس معه من يؤانسه الا الله وكان المنافقون قد خرجوا جميعا عند الوداع وهم يقولون اما ترون هذا علي بن ابي طالب إذ هو تعرض لمرارة الموت لم يبق لهذه الديار يعود وهو فرحون مسرورون يقولون قد فقد علي بن ابي طالب حين صار لمرارة الموت والنبئ صلى الله عليه وسلم والصحابة يدعون للامام بالنصر والتاييد على اعدائه فهذا ما كان من امر المنافقين والنبئ صلى الله عليه وسلم (قال الراوي) واما ماكان من امر الامام علي كرم الله وجهه فانه سار واستقام به المسير واسلم نفسه لله عزوجل وانشد شعرا اسير وحدي الى ما قد اراجيه إذ كل ما قدر الله من امر الاقيه لا تكره الموت في بدو ولا حضر ان يدن منك فكن انت مدانيه اسير مستلما لله معتمدا عليه في كل احوالي اناجيه به الود سواء ومالي عنه مصطبر وكيف وكيف عبد يرجي من مراجيه صلى الاله على طه وعترته مادام طير على غصن يناجيه (قال الراوي) فبينما الامام سائر وقد غاب عن المدينة وإذا بصائح من وراه ينادي يا ابا الحسن سألتك بالله ورسوله ان تقف لي حتى الحقك فوقف الامام والتفت ورائه وإذا برجل طويل السواعد عريض المناكب وهو يسرع في خطائه ويرول في مشيه فتأمله الامام علي رضي الله عنه فاذاهو رجل من اشرار المنافقين يقال له ورقة بن خضيب من اقارب ابن ابي سلول المنافق لعنه الله وكان الملعون يتجسس الاخبار لعدو الله الهضام بن الجحاف ويظهر الاسلام ويكتم النفاق ويريد بذلك انه يظهر برسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه فلم يجد لذلك سبيلا فلما نظر الامام خرج في ذلك اليوم وحيدا فريدا اقبل ذلك الرجل على قومه للنافقين فرحا مسرورا وقال لهم الان قد بلغت مرادي وبلغت امنيتي


[ 13 ]

وها انا اريد ان ارافق علي بن ابي طالب الى ان اجد فرصة أو غفلة عند قومه أو سيره فاقطع راسه وامضي به الى الملك الهضام لانال عنده المنزلة العليا وعند الاله المنيع الرفيع واتقرب إليهم واصير عندهم صاحب قدر واشفي قلبي من العلل فقال اخوته المنافقين نشكر اللاتي والعزى وفرحوا بذلك فرحا شديدا لما يعلمون من شجاعته وقوة قلبه فما منهم الا وقد وعده بصلته وجعل له جهل ان وصل الى ذلك (قال الراوي) فعند ذلك خرج ورقة من خضيب ولحق امير المؤمنين علي ابن ابي طالب رضي الله عنه معارضا له سالكا طريقا قال فالتفت الامام إليه وقال من انت ومن اين اتيت والى اين تريد فقال ورقة اتيت اريد مرافقتك ومصاحبتك ومساعتك على اعدائك لانني مبتهج بمحبتك ومجتهد في خدمتك عند ذلك قال امير المؤمنين كرم الله وجهه من احبنا لقي بحبنا نعيما ومن ابغضنا لقي ببغضنا جحيم وكان الله بما قضى عليما ارجع يا ورقة لا انس لي بك والله اعلم بما اضمرت فجزاك عليه يوم يقوم الناس لرب العالمين فقال ورقة يا ابا الحسن اني ما اتيت حتى استاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموافقة والمسير معك والمساعدة لك على اعدائك ثم انه الج عليه في السؤال بالمخادعة والحيلة عنه الى ناحية من الطريق وسمح له با لمسير معه (قال الراوي) ثم سارعدو الامام متجانبا متباعدا عنه وسارعدو الله الى جانبه ولم يبدله شيئا وكتم امره فقال له الامام ان كان ولابد من مصاحبتي فلا تسألني عن شئ حتى يحدث لك منه ذكرا فاجابه ورقة الى ذلك وقال با بي انت وامي وكيف اتعرض لك في شئ وانت من بيت النبوة ومعدن الرسالة واقتبس منك ومن علمك ولا انازعك في صنعك ولا امانعك قي امرك وانما انا مساعدك في سفرك ومعاونك على اعدئك فعند ذلك خلى الامام سبيله وجعل يقول: من صاحب الليث يرجو منه خدعته يسقى من اظفاره كاس الزي جرما من يشرب لا يامن عواقبه لو كان يعلم عقبى السم لامتنعا من اضمر الشر ياتي نحوه عجلا مسارعا قاصدا قد جاء متبعا


[ 14 ]

(قال الراوي) فلما سمع ورقة هذه الابيات من الامام لم يرجع عما اضمره بل انه سمع غيظا وثم يزالا سائرين والامام علي يقول حسبي الله ونعم الوكيل حتى وجب عليهما فلم يجد الامام ماء يتوضا منه فسار الى ان قرب العصر فاشرف الامام على رجل واقف على بئر وقد ملا سقيه والى جانبه مائدة منصوبة وعليها صحف مملوة بالطعام واقراص من العيش فلما نظر ذلك الرجل الامام وورقة قال هلما الى الطعام الفاخرة والماء البارد بلا ثمن ولا جزاء فاسرع إليه الامام ولم يمهله حتى قبض على اطواقه وجلد به الارض وجلس على صدره وحز راسه ثم عمد الى الماء فاراقه ثم حفر حفرة كبيرة وجعل فيها الطعام ورد عليه التراب حتى غيبه وسار كانه لم ينبه شيئا فقال له ورقة يا ابا الحسن قد قد تجارات على فعلك واسرفت في صنعك وظلمت في حكمك بما فعلت بهذا الرجل الذي يبرد الماء لعابر هذا الطريق وينصب للجيعان من غير ثمن ولا جزاء وتقدمت إليه وذبحته والى طعامه فدفنته والى مائه فارقته وتركتنا نلتهب عطشا فوالله لقد تجارات في فعلك واسرفت في صنعك فقال له الامام ألم اقل لك لا تسألني عن شئ حتى احدث لك منه ذاكر ارجع الان فانك لن تستطيع معي صبرا (قال الراوي) فازداد اللعين كفرا وامتلا غيظا وقال في نفسه كيف ارجع واداع ابن ابي طالب وحق اللا دتي والعزى لا ارجع حتى اقطع راسه وامضي بها الى الملك الهضام وابرد قلبي واشفي غليلي ثم اقبل على الامام بمكره وخداعه وقال يا ابا الحسن انتم اهل الجود والكرم والاحسان والعفو والامتنان ولست اعود الى شئ تكره فسمح له الامام بالسير معه فسار الى الى وقت العصر ثاني يوم فاشرف الامام على حوض مملوءة وبجانبه مسجد قد طرح النحل على جدرانه وإذا بشيخ كبير جالس الى جانبه وعنده جارية حسناء وعليها اثواب الزينه وثياب مزعفرة فلما وصل إليها الامام حل منطقته ووضع سلاح واخرج زنادا كان معه وقدح منه نارا واطلقها في المسجد فا حترق المسجد سريعا وتساقطت حيطانه ثم انه حفر حفرة وعمد الى الصبية فجعلها فيها ورجمها حتى حتى ماتت ثم عمد الى الشيخ فقطع يديه ورجليه وتركه مخضبا بدمائه ثم عمد الى الماء فتوضأ وصلى وانصرف كانه لم يفعل شيئا


[ 15 ]

(قال الراوي) فلما راى ذلك ورقة ثار وامتلا غيضا وحمقا على الامام لكنه خشى من صولته وهجومه عليه قال له وهو يلين له الكلام يا ابن ابي طالب والله ما امرك الله ولا رسوله ولا نطق بذلك القرآن عمد الى المسجد فا حرقته وهدمته والان عاد خرابا وعمدت الى الشيخ فقطعت يده ورجليه من غير ذنب ولا جناية سبقت منه اليك ثم عمدت الى صبية من حسن الناس وجها فرجمتها حتى ماتت وهي كانت تصلح لمثلك والله لانصرت وهذه الفعال فعالك فتبسم الامام وقال والله لولا اني اريد ان اظهر لك بيان بما رايته والا كنت عجلت بروحك ولا كذبت على وعارضتني لي فاهلكت وتدبر امرك وانظر الى ما انت له صانع وسيظهر لك يا ويلك اما رايت وعاينت وان سالت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبرك به فارجع عني واستغنم السلامة واكرم الناس من إذا قد عفا وهذه الثانية صحبتي وعدت الى الثالثة جازيتك بعلمك يا ويلك الم اقل لك ما قاله العبد الصالح لموسى بن عمران انك لن تستطيع معي صبرا فقال يا ابا الحسن اعف عما قلت ولست اعود الى ما تكرهه ودخل على الامام بمكروه وخداعه وهو يظن ان يظفر به فسمح له الامام بالمسير معه ولم يزالا فيه عين ماء كبيرة المياه وبجانبها حظرة واسعة وعلى بابها عبد عظيم الخلقة احمر العينين عريض المنكبين مفتول الساعدين فلما نظرهما قال للامام اعدلوا الى هذا المنزل فقد ولى النهار واقبل الليل فقال الامام سرولا تتعرض لما ليس لك به علم فقال ورقة والله ما بك خوف من هذا الاسود حيث رايته يطيل النظر اليك فلما سمع الامام ذلك تغير وجهه وقال لورقة ويلك امثلي يفزع من ابيض واسود وانا من اهل العلم والتاويل والدلالة والتفصيل ثم عطف الامام ناحية العبد فلما رآه العبد مقبلا إليه ورحب به وفتح له باب الحظيرة فدخل الامام ودخل الاسود في


[ 16 ]

نحوهما واغلق باب الحظيرة فلما وصل الامام وسط الحظيرة وإذا هو بجماجم مقطوعة وعظام مهشومه فوقف ينظر الى ذلك ويتفكر ويتعجب وإذا هو بسبعين عظيمين قد خرجا من جانب الحظيرة وقصد احد منهما الى نحوي الامام والاخر الى ورقة فالسبع الذي وصل ورقة هدر وزمجر فلما عاين ذلك قصد نحو الامام وهو يرتعد كالسعفة في مهب الريح واصطكت اسنانه واهتزت ركيتاه من شدة ما نزل به من الخوف والفزع وهو ينادي برفيع اصواته ادركني يا ابا الحسن خالفتك فهلكت فبالله عليك يا ابا الحسن خلصني مما انا فيه ولا تؤاخذني بسوء افعالي قالت من اهل الكرم والجود فتبسم الامام ضاحكا من مقالته واما الامام فلم يعتن بالسبع الذي وصل إليه ولم يلتفت الى مبتله فلما قرب السبع من الامام صرخ صرخته المعروفة الهاشمية فتضعضع السبع من شدتها ووقف مكانه وخمدت قوته من صوت الامام وجعل ينادي انا السيف المسلول انا ابن عم الرسول انا مفرق الكتائب انا مظهر العجائب انا الحسام القاضب حامل ذو الفقار انا البحر الساكب القاضب انا ليث بني غالب انا امير المؤمنين علي بن ابي طالب ثم وثب على السبع بقوته وضربه ضربة عظيمة فمات ثم حمل على ورقة فوثب عليه ونادى انا الليث التمام انا البطل المقدام انا قاتل اللئام انا مفرج الزحام فعند ذلك فر السبع داخل البيت عندما نظر ما حل باخيه وجعل العبد يحد النظر الى الامام ويتعجب مما فعل فجرد صحيفة هندية وتقدم الى السبع يحرضه وهو شدة غيظة على قتل اخيه فحرضه على الامام فغمد السبع الى الامام وعمد الاسود الى ورقة يريد قتله قبل قتل الامام فقال ورقة للاسود مهلا وقيت الردى وكفيت شر العد فانني معين لك على امرك لعلي اقتله واخذ راسه الى الهضام لانال المرتبة العليا والان اختلطنا بعد الملك الهضام فان قتلناه فنكون لنا اليد العليا عند الملك الهضام وعند الاله الرفيع فعند ذلك فرح الاسود من مقاله ومال علي الامام وورقة معه وقال يا ابن ابي طالب الى اين طالب فانظر الى نفسك وتدبر امرك فلم يلتفت الامام وهجم على السلع وضربه ضربة


[ 17 ]

هاشمية بين عينيه فلما نظر الاسود ذلك انذهل وعلم انه ان اقدم على الامام ارداه فرمى صفيحته من يده ونادى يا ابن ابي طالب ارفق على اسيرك واحسن الي فاني لم اعلم بك ولا بمكانك حتى سمعت ذكرك من رفيقك احسن الي يا ابا الحسن احسن الله اليك فلما سمع ذلك منه الامام قال اعتزل حتى افرغ من عدو الله واعود اليك فيقضي الله بحكمه ما هو قاض ثم عمل على الامام الى ورقة وقال يا راس النفاق قد اظهرت يا عدو الله ماكنت له سائرا وما انت عليه عازم وضامر فانظر الان لنفسك وتدبر امرك فقد آن اوان قتلك ثم نادى ورقة يا ابن ابي طالب سألتك بحق محمد ابن عمك الا ما ابقيت علي واحسنت بكرمك الي فقال له بعد نفاقك وكفرك ما ابقى عليك هيهات هيهات فلما ايقن اللعين بالهلاك قال يا ابن ابي طالب الظلم لا يفارقك ولا يفارق ابن عمك فحدثني عما ظهر لك انت في طريقك هذا من سوء فعليك مما لا يرضاه الله ثم افعل ما بدالك فاني اشهد انك انت وابن عمك ظالمان ساحران فغضب الامام من مقاله ورقة غضبا شديدا وقال له يا عدو الله تبارك وتعالى قد باعد بيننا وبين الظلم والعدوان وجعلنا من اهل الكرم والاحسان ويل لك ولقومك فانا اكشف لك ولقومك جميع ما رايته في طريقنا اما الرجل الذي اقبلنا عليه وعنده الماء والطعام فانه كان مسموما وانما صنعه للناس حيلة فإذا اكل احد الطعام وشرب من الماء هلك لوقته فيأخذ ماكان معه وقد اهلك بهذه الحيلة خلقا كثيرا فلما اتيته قتلته عمن قتل من الناس واهرقت الماء ودفنت الطعام لئلا ياكل منه الطير والوحوش فيهلكوا واما الشيخ الذي اتيناه بالمسجد وعنده الجارية فانها بنته وهو ينكحها للصادر والوارد فإذا نزل عبد سالك طريق عرض عليه بنته فان اجابه الى ذلك كان والا يتركه حتى ينام ويسرق منه جميع ما معه فلما قدمت عليه قطعت يديه ورجليه لا جل سرقته ورجمت الجارية لزناها حتى ماتت واحرقت المسجد واما هذه الحظيرة وهذا الاسود وهذان السبعان فيقتل بهما جميع من اتى إليه في هذ ه الحظيرة وياخذ ماكان معه ثم ان الامام تقدم الى ورقة وضربه بذي الفقار على راسه ففلقه نصفين ووصل 2 سيرة علي


[ 18 ]

الى الارض وعجل الله روحه الى النار فلما نظر الاسود الى ذلك حار عقله ونادى يا ابن ابي طالب امدد يدك فاني اشهد ان لا الله الا الله ان ابن عمك محمد رسول الله واني كنت في لجج الضلالة سارج فلا زلت لك منذ هذا اليوم الا مواليا فعند ذلك تبسم الامام علي كرم الله وجهه وقال له خذ سلب عدو الله وامض حيث شئت مصاحبا للاسلام فقال يا امير المؤمنين اني لا اكون معك وبين يديك فقال له الامام هذا جبل بعيد لا يصل إليه كل ضامر سلول فقال الاسود هذا الوصف لا اجده الا لك يا ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم انت زوج البتول وابن عم الرسول سيف الله الرسول الا يا امير المؤمنين سألتك بحق ابن عمك الا اخبرتني الى اين تريد فقال له اني والله اريد الهضام بن الحجاف وصنمه المنيع وحصنه الرفيع لاذيقه السم الفقيع فقال الاسود وقد تحول سواد وجهه الى الاصفرار لما سمع بذكر الهضام فقل له يا امير المؤمنين لا تعرض نفسك للهلا ك فطريق ما ذكرته غير سالك فكيف تصل إليه وبينك وبينه وسبعة قصور وفيها حصون وكلها مملوءة با لرجال والابطال لا يطير عليهم طائر الا منعوه من الجواز حتى يستخيروه ووصولك الى صنمه ابعد من ذلك وان له جنة ونار ويدخل في جنته من اطاعه ويدخل في ناره من عصاه وانا اخشى عليك مما اعده من الاهوال فقال الامام امض انت الى حال سبيلك ومعي ربي تعالى ينصرني وهو معي اينما توجهت فهو حسبي ونعم الوكيل ثم قال له ما اسمك فقال له اسمي هولب فقال الامام اكتم امري ولا تبيح بسري وامض الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدد اسلامك على يديه فقال هولب يا سيدي هذا الذي ضمرت عليه (قال الراوي) فعند ذلك ودع امير المؤمنين وسار الى المدينة قاصدا النبئ عليه السلام امير المؤمنين ساير بلاد الهضام حتى ولى النهار واقبل الليل فعبد غروب الشمس صلى المغرب والعشاء ثم سافر طول ليلته حتى لاح الفجر فصلى الصبح ثم سار وطاب له السير وقرب الله البعيد وسهل عليه كل صعب شديد (قال الراوي) حدثنا امير المؤمنين رضي الله عنه قال كنت ارى الجبال الشاهقة امامي فبينما انا اتفكر في الوصول إليها فما ادري بنفسي الا وانا قد وصلت إليها وعولت


[ 19 ]

عليها بحول الله وقوته ولا ادري بتعب ولا الم كل ذلك بحول الله سبحانه وتعالى وبركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انشد وجعل يقول شعرا طاب المسير بنور الله إذ لمعا وبان ضوء الفجر إذ طلعا (قال الراوي) وسار الامام علي رضي الله عنه يطوي المنازل ولا يعوج المناهل الى ان وصل الى ارض اليمن جعل يكن بالنهار ويمشي بالليل الى اطراف البلاد وشرف على العمران حتى وصل الى واد الظل وهو اول الاودية السبعة وهو واد معشب اخضر نعمه عظيمة كثيرة النبات والاشجار والمياه والظل المديد واختلاف الالوان وحسن الاطيار إذا فيه رعاة معهم اغنام ثم نظر الى صدر الوادي فإذا هو بحصن حصين وهو يسمى حصن حصن الوجيه وهو في صدر الوادي يلوح كانه لؤلؤة له نور ساطع واشراق لا مع فلما نظر إليه الامام حمد الله تعالى وشكره واثنى عليه على تيسير العسير الذي قرب إليه البعيد وسهل كل صعب شديد (قال الراوي) ثم انه انحدر الى ذلك الوادي وإذا عارضه نهر ماء جار يلوح صفاء بياضه والخيل والانعام والابل وسائر المواشي مرعاه البرالاخر مما يلي ديار القوم والرعاة مجتمعين ومعهم واحد بيده غابه يصفر بها وقد نظره القوم ويرتجزون الاشعار فنزل الامام رضي الله عنه الى جانب النهر وقد نظره القوم فلم يخاطبهم ثم انه حل منطقه وتوضأ وصلى فلما راه القوم يصلي بهتوا إليه ولم يدروا ما هو صانع وقد دهشوا من ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده فقطعوا ما كانوا فيه من لهوهم ولعبهم وقال بعضهم لبعض كان هذا من بعض كتب العرب فقال بعضهم انما هو جنة وقد اكثر القوم في الامام رضي الله عنه وهو مشغول بما هو فيه (قال الراوي) فلما فرغ من صلاته مال متكئا الى جحفته فقال بعض القوم من اين انت ايها الرجل فقال لهم من طين من حمأ مسنون خلقني وقدرني الذي يقول للشئ كن فيكون فقال لهم الراعي الم اقل لكم انه مجنون قذفته جنية الى هذا المكان فترك الراعي قول اصحابه وقالوا يا هذا من اين اقبلت فقال له الامام من عند مولاي الذي كفاني بنعمته ونعمني بفضله وكرمه فقال الراعي افقير مولاك ام غني فقال الامام مولى الموالي


[ 20 ]

علمه بحالي يكفي عن سوالي مالك المشرق والمغرب والبر والبحر والسهل والوعر والارض والسماء عليه توكلت وبه استعين فقال الراعي صدقت وبالحق نطقت اقدم علينا ايها الرجل فالطريق امامك هذه الصفة صفة الهناء المنيع وهو في احسانه بديع ثم انهم سروا سرورا عظيما وفرحوا به فرحا شديدا وقالوا له يافتى بلغت السلامة ومناك وادركت هواك فان احببت تاتي الينا فدونك والجسر عن يمينك واجعل راحتك عندنا لتسر بنا ونسر بك فقال لهم الامام من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واني ارجو ان اكون على الطريق متبع النبئ الناصح (قال الراوي) فاعرض الاعيان عنه لانهم لم يفهموا كلامه وقالوا له ان كلامك تخليطا وفي لسانك تفريطا ان كلامنا لك ضايع فاعرضوا عنه ورجعوا الى لعبهم ولهوهم واقام الامام رضي الله عنه مكانه الى ان وجب العصر فصلاه وإذا بالرعيان تصارخوا وتصايحوا فقال لهم الامام معاشر القوم ما صراخكم فقالوا ننظر الى قطيع الظبا منحدرا من الجبل فلما نظر الامام الى داره ووثب قائما على قدميه ثم نزع اطماره وسلاحه وقال لهم دونكم وحفظ اثوابي وسلاحي فقالوا واين تريد فقال اريد هذه الظباء لعلي انال ظبيا فلم يبق احدا منهم الا وقد ضحك من قوله واستهزا عليه ثم قال بعضهم لبعض الم اقل لكم ان الرجل هائم على وجهه مخبوط في عقله ثم تركهم الامام ومضى وهم ينظرون إليه ويظنون انه لا يبرح من مكانه لعظم خلقته وكبر بطنه ثم ان الامام قام حتى توارى عن اعين الرعاة وقد قطع الشعاب وهو يشب من ربوة الى ربوة ومن شجرة الى شجرة ثم ادركها وهي في شدة جريها فقبض على اثنين منها واحدة بيمينه واخرى بيساره واقبل كانه الريح الهبوب والظباء في يديه فلما راى الدعاة الظباء في يديه كبر الامام في اعينهم ولم يز ل الامام في اعينهم لم يزل الامام سابر حتى اتى سلبه واستخرج سكينا وذبحهما وسلخهما واجاد غسلهما ثم حفر حفرة والتفت يمينا وشمالا يطلب حطبا فلم يجد شيئا من ذلك الحطب ورمى في الحفرة حتى ملاها ثم قدح زناد وخرج نارا اضرمها في ذلك الحطب فتاججت صار جمرا فكشف الجمر عن الحصى واخذ الظبيين ورماهما في الحفرة وردم عليهما النار من فوقهما هذا والرعاة


[ 21 ]

ينظرون إليه ويتعجبون من فعله وهابوا ان يتقدموا إليه وامسكوا عن سؤاله فلما فرغ الامام مما اراد غسل يديه ولبس ثيابه وقعد ينظر غروب الشمس لانه كان صائما فقال الرعاة يافتى نحن ضيوفك الليلة لتطعمنا مما اقتنصت من الضبا فقال الامام انما يضاف من يكون قاطنا بالديار فقالوا له سالنك بالهك الذي تعبد الا ما عرفتا باسمك الذي تعرف به لاننا رأينا منك ما لم نره من احد من غيرك فقال لهم اسمي زيد وكانت امه سمته زيدا وسماه ابوه حيدر وسماه النبئ عليا لما امره الله ان يسميه بذلك الاسم الحسن فقالوا له يافتى لقد اعطاك الله من الشجاعة ما لم يعطيه لاحد وبقي القوم يتحدثون فيما بينهم كذلك إذ وقعت صيحة من الوادي وتتابع الصياح فجعلت الرعاة تمرد اغنامها يرومون ان يجمعوها واسرع بعضهم الى بعض الى اهل الحصن والامام ينظر إليهم وإذا بخيول مسرعة فظن الامام ان اهل الحصن فرحوا له فلم يكن من امره الا انه شد منطقه وقبض على جحفته فاقبلت الخيل افواجا في الوادي وكانت اربعة الاف حمية لاصحابهم ان يطرقهم طارق وفرت جميع الرعاة في جميع خبايا الوادي يبكون ويتصارخون فقالوا له يافتى انما نبكي على انفسنا لان سيدنا الاعضم الهضام إذا اخذ له مال رجع بالفيمة بمن كان قبلنا من الرعاة وقد رايت ما دهمنا كثرة الخيل فقالوا ولو كان مليكنا الهضام والهه المنيع لما وصلوا إليهم هؤلاء الاقوام ولم يخلصوا الغنائم من ايديهم لانهم قد عرفوا بالبلية وصاحبهم قد يتم العرب ولا تقتصر يده الاعن بلدة واحدة فقال الامام ما هذا البلد التي لا يضرب إليها فقالوا له مدينة بيثرب مسكن عبد الله بها فارس لا كالفرسان ويقال عنه انه مفرق الكتائب وهازم الجيوش ومفرق المواكب الجسام الغاضب والليث الغالب والبحر الساكب ليث بني غالب امير المؤمنين علي بن ابي طالب قال الراوي فلما سمع الامام هذا الكلام تبسم ضاحكا وقال ايها الراعي ما اسم هذا الرجل وما الذي يعبد واين مسكنه فقد حدثتني بعجيب فقال يعرف بالمغضب واما معبوده فانه


[ 22 ]

صنعه من الجزع اليماني وكانت العرب تاتي إليه والى صنمه ليخبرهم بجميع ما يسالونه عنه فلما كان يوم من الايام والناس محدقون به ويسالونه وقد شكوا الى ملكهم المغضب علي بن ابي طالب لما فعل بسادات العرب من القتل فقال لهم يا قومي تأخروا عني لا تقدم الى الهي العظيم واشاوره لكم في هذا الغلا م وفي المسير إليه فتأخروا عنه، (قال الراوي) فعند ذلك تقوم الملك المغضب الى الهه وهو معتمد فيه واستشاره في حرب علي بن ابي طالب وقال الهي قد سمعت ما ذكرته العرب من خبر هذا الغلام وشجاعته وشكوا من فعالك وقد شكونا الى واليك فهل لك ان تشير لنا ونسير إليه ويقاتله وانت اخبر منا بذلك فمهما امرتنا به امتثلناه (قال الراوي) فلما فرغ من كلامه دخل الشيطان في جوف الصنم ونهى المغضب عن ذلك وهو يظن ا ن الكلام من الصنم ثم تململ وارتجز وانشد يقول دع ما قصدت من ارتكاب مهالك ومكاره مقرونة ببلاء لاتطلبن لقاء علي انه وحش الفلاة كذا لسفك دماء قال الراوي) فلما سمع المغضب والعرب كلام الصنم حزنوا من كلامه فخاف الملك وخاف العرب ورجعوا عن عبادته وقالوا الهك يذل ولا ينصر فهو اولى بان يدك ويحرق فتفرقوا عنه فعند ذلك تسامعت العرب والقبائل بملكنا الهضام وصنمه المنيع الرفيع وقيامه على طول الايام معلقا في الهواء فعطفت العرب جميعهم إليه وراوا منه معجزات وكلمهم بالدليل ووعدهم بهلاك علي بن ابي طالب ودا ان يكفيهم مؤنته فانصرفت وجوههم إليه واقبلوا بجمعهم عليه فعظم ذلك على المغضب واستنجد العريان وبذل لهم الاموال فجرى بينه وبين صاحبنا الهضام حربا شديدا ما شهدت العربان مثله واقاموا مدة من الشهور يقتلون حتى فنى اكثر الجماعات وافترقوا على ماهم عليه من العداوة والبغضاء وبقي كل واحد منهم يغير على صاحبه كما ترى وكانت العربان سعت بينهم الصلح على انهم يجتمعون جميعا ويسيرون الى علي بن ابي طالب ولم يكن قد انفصل بينهم امر فتبسم الامام علي ضاحكا من قوله ثم اطرق براسه الى الارض ساعة وهو متفكر في امر الحصون التي بينه وبين عدو الله الهضام فاجمع امره على ملاقات المغضب وقومه واقبل


[ 23 ]

على الراعي المخاطب له وقال الى اين هؤلاء القوم سائرون فقال له يافتى اما هو فبيننا وبينه فرسخين في مضيق بين جبلين يجمعون السابجقي المضيق ثم يقع والشراء فيها لياخذ كل واحد ما يخصه وينصرف الى محل سبيله أو يقصد كل واحد منهم مكانه ومحل نومه فقال الامام يا ويلكم فما منع صاحب هذا الحصن عن لحاقهم فقالوا له يافتى تجلى الهنا با لبركة ان في كل حصن الف رجل ولو اجتمع كل من في الحصون لكان لكان هو كفئا للجميع فلما سمع الامام ذلك الراعي المخاطب له اخذ سيفه ودرقته وحزم وسطه بمنطقته ثم اتى الى جانب النهر الاخر وكان عرض ذلك النهر اكثر من عشرين ذراعا ففزع الرعاة بما عاينوه وذهلت عقولهم خوفا من الامام فقال لهم مهلا يا قوم ان ينالكم مني الاخير ان شاء الله تعالى فان غبت عنكم حتى جن الليل فاخرجوا ما في الحفيرة وكاوه فانتم احق به من النار فقالوا الى اين تريد فقال لهم اريد ان الحق القوم فعسى ان انال منهم خير فظن الرعاة انه يطلب منهم رفدا أو معاونة فقالوا له يافتى ان وقعت عينهم عليك لم يسمعوا كلامك دون ان يسفكوا دمك وهم اربعة الاف فارس وملكهم المغضب اعظم من الجميع واكثرهم اذية ومع ذلك ان وهبوك شيئا اخذ منك فلا تعرض نفسك للهلاك فقال لهم لامام لا صبر لي عن القوم لابد من اللحاق بهم فلم يكن غير قليل حتى لحق با لقوم ونظر الخيل والاسنة تلمع فقصر الامام في مشيه حتى دخل القوم في المضيق والسابعة معهم وليس لذلك المضيق منفذ غير هذا الذي دخلوا منه با جمعهم اتى الامام الى فم المضيق وجلس تحت درقته جائما من وراء صخرة قابضا بيده على سيفه وهو يسمع حديث القوم في بيعهم وشرائهم وقد غابت الشمس فصلى الامام المغرف في مكانه وقال اللهم ارزقني من عندك فطرا حلالا طيبا ولم يزل القوم كذلك الى ان دخل الليل وطلع القمر وامتلات الارض بنوره فبينما هو كذلك إذ سمع بعار غنم ورغاء ابل فإذا هو بشويهات وفرسين ومطيتين سرج وفارس معتقل برمحه ولامته فقال الامام يوشك ان هذا قسم هذا الفارس فكن الامام الى ان خرج الفارس وما معه من فم المضيق فلما قرب


[ 24 ]

الامام لم يمهل علبه وضربه فرفع على الارض قطعتين فاخذ الامام جميع ما معه وتركه ورجع الى مكانه فلم يكن الا هنيهات وقد اقبل على آخر على مثل وهو ينادي بصاحبه المعين قف حتى اجمع سهمي بسهمك ونسير جميعا فلم يرد عليه فما استم كلامه الا وقد وافاه الامام ولوى شماله الى يمينه وقبض عليه ودق عنقه في الارض وضم الجواد الى الجواد والماشية وجر الرجل الاول من الطريق الى خارج المضيق وجر صاحبه إليه ورجع الى مكانه فلم يستقر فإذا هو بصهيل خير ورعاة ابل وبعار غنم وثلاثة فوارس من وراء تلك الاغنام والابل والخيل فتفكر الامام فيما يحتال به عليهم ساعة حتى خرجوا من المضيق فاسف الامام من خروجهم وخاف ان ينبههم قبل ان يفرغ منهم فتقدم الامام الى احدهم وضربه بالسيف على مراق بطنه فسقط الى الارض نصفين فالتفت إليه صاحباه فوثب الامام عند التفاتهما وضرب احدهما فجندله واراد الثالث فسبقه الى داخل المضيق وهو صارخ مستغيث باصحابه ويقول ادركوني فقد هلك اصحابكم وهلكتم جميعا فاطلبوا لانفسكم الخلاص فقالوا باجمعهم يا ويلك ما الذي دهاك فقال يا قوم انه باب المضيق موت نازل وهو لكل من خرج منكم قاتل فصاح به المغضب وقال يا ويلك وساله عن حاله فاخبره بما راى وعاين من امير المؤمنين فقال له السيد رايت من شجات مزعجات لا تكون لبشر قط ولكنه سماوي الفعال فصاح به اللعين وقال لعل ان يكون معه جيش كثير فقال يا مولاي ما معه غيره وهو اسعى على اقدامه إذا وثب جاوز الفرس بالوثبة ويخلع الراس من الرقبة فصاح به المغضب وقال لا ام لك لعله يكون من بعض عمار هذا المكان ثم التفت الى رجلين من قومه عرفوا بالشدة والقوة والمراس فقال لهما المغضب انظر الى ما يقول الجبان فنهض على اقدامهما وركبا خيولهما وسلا سيوفهما الى ان قرب من باب المضيق فصارخا من الطارق لنا في هذا الليل الغاسق المعترض لنا فان كنت من الجن فنحن من مردة الجن وان كنت من الانس فنحن من عتاة الانس فمن انت يا ويلك انطلق قبل ان نرميك بالعطب ونحلك با لويل والغضب هذا


[ 25 ]

والامام ساكت لم يرد عليهما جوابا وهما على وجل الامام قد لصق بالارض الى ان وصلا إليه وحاذياه بفرسيهما فوثب اليهما كالاسد وقبض بيده على رجلين من الفرسين فاندفق الفرس مثاني واندق صاحبه وسلط الاول على ام راسه فانشج شجة عظيمة من حيث خرج من المضيق صارخا مستغيثا بقومه فبادروا إليه وقالوا له ما ورائك قال ورائي البحر المغرق والموت المفرق فقالوا صف لنا ما رايت قال فاني رايت ما لا يقدر القارئ على وصفه فقالوا ما هو لا ام لك فقال هل رأيتم رجلا يحمل فرسا براكبه، قالوا لا قال هذا الرجل لحمل فرسا براكبه ثم صدم به الاخر فدق الفرس وراكبه فلما سمع القوم ذلك ذهلوا وحاروا قالوا كيف يكون ذلك وكيف يتفق ان رجلا يفعل هذا الفعل فقال هاهو بباب المضيق فمن اراد ان يعلم الامر بالتحقيق فهذا بباب المضيق فينظر الى ما نظرته من التصديق فلما فرغ من قوله حتى وثب المغضب بنفسه وصاح عليه وضربه بسيفه فقتله وقال له قبحتك اللاتي والعزى تبا بك ولمن ذكرت من الرجال هذا من لا يخاف سطوتي ثم قال احتفظوا على انفسكم حتى اعود اليكم فقال له قومه ايها الملك معك اربعة الاف فارس من صناديد العرب والسادات وتقدم انت بنفسك دونهم ونحن نعلم ان فيك الكفاءة لاهل الارض في الطول والعرض ولكن تخشى عليه ان يكون هذا من عمار الجان اومن الجن الاشرار فنخاف عليك من طوارقهم فقال لهم بحق اللاتي والعزى لابد لي من الدنو إليه فان كان من الانس قتلته وان كان من الجن ابدته ثم انه حزم وسطه وجرد سيفه وكان عدو الله عظيم الخلقة كبير الجثة شديد الهمة فتوجه الا الى الامام وهو يبربر كالاسد وينشد ويقول ايها الطارق في ليل غسق وفاتكا فينا بسر قد سبق اني انا المغضب اسمي قد سبق اقطع الهامات في يوم قد سبق (قال الراوي) فلما سمع الامام قول المغضب علم ان كبير القوم ورئيسهم فقال هذا والله بغيتي ومرادي اللهم سهل ساعته قال واقبل عدو الله منفردا


[ 26 ]

بنفسه حتى وصل الى المضيق فنظر الي القتلى وهم مجندلون فتحقق الامر وارتعدت اوصاله وقال وحق اللاتي والعزى لقد صدق صاحبنا فيما قال وانما ظلمناه بقتلنا اياه ثم انه وقف بباب المضيق وهو ذاهل العقل وقد سمعه الامام رضي الله عنه تعالى عنه وهو يقول وحق اللاتي والعزى ما فعل هذه الفعال احد الامم السابق ولا قوم عاد وثمود ولا يقدر على ذلك الا الغلام الذي يقال له علي بن ابي طالب فلما سمع الامام مقالته تقدم إليه وهو على مهل فلما دنا منه ووصله إليه نظره عدو الله فتحير فبينما هو كذلك إذ وثب إليه الامام وهجم عليه ولوح بحمامه وقال ويل لك ولابائك واجدادك ابا المنعوت بهذه الفعال انا مبدي العجائب انا مظهر الغرائب انا البحر الساكب انا علي بن ابي طالب (قال الراوي) فلما سمع عدو الله ما قاله الامام علم انه لا محالة فارتعدت فرائصه وايقن بالهلاك فصرخ با على صوته وقال يا قوم ادركوني قبل ان اهلك فنهلكوا جميعا فلما سمع القوم صراخه اجابوه فلما نظر الامام سرعه القوم هجم على عدو الله وقد امسك جوارحه فلم يستطع فوافاه الامام بضربة هاشمية علوية على صدره فمسحب صدره وذراعيه فسقط عدو الله الى الارض قطعتين وقالوا وحق اللاتي والعز مالنا بقتال الجن من طاقة فقال رجل منهم اسكتوا حتى اخاطبه فان كلمني عرفته ايش يكون ان كان انسيا أو جنيا ثم تقدم الى ناحية فم المضيق وقال ايها الشخص المريد اخبرنا بما تريد (قال الراوي) فلما سمع الامام علي رضي الله تعالى عنه ذلك اجابهم وقال اريد منكم كلمة النجاح والفوز والصلاح وهي ان تقولوا معي باجمعكم لا اله الا الله محمد رسول الله فلما سمع القوم ذلك قالوا وحق اللاتي والعزى ماهذا الا جني وقال بعضهم ما هذا الا بشر مثلكم آدمي وما نرى من الراي الا ان نكون في مكاننا حتى يصبح الصباح فينكشف لنا هذا الامر فلما اجتمع رأيهم على ذلك تأخروا الى ورائهم في داخل المضيق فلما راى الامام رضي الله عنه تأخروا وماهم عازموا عليه تقدم الى عدوالله وجز راسه ثم قام فذبح كبشا من الغنم التي اخذها اولا وسلخه واضرم نار وشواه واكل حتى اكتفى وحمد الله وقام بين يدي الله تعالى راكعا وساجد حتى طلع الفجر فصلى صلاة الصبح ثم تحزم واخذ سيفه


[ 27 ]

وحجفيه ونزل الى فم الوادي فلما طلعت الشمس نظر إليه القوم با عينهم وهو في فم المضيق يرمق إليهم كالذئب إذا عاين قطيع غنم فقال بعضهم وحق اللاتي والعزى ما هو جني ولو كان جنيا لغاب عند انتشار الصباح وما هو الا منفرد بنفسه يريد ان يقتلنا ونحن اربعة الاف فارس والصواب ان نتقدم إليه عشرة عشرة (قال الراوي) فتقدم للامام عشرة من فرسانهم فلما وصلوا إليه حملوا عليه فقتل منهم سبعة وبقي ثلاثة فولوا منهزمين فقال لهم جنادة ابن عامر وكان قد تقدم عليهم بعد المغضب انطلقوا إليه عشرين فأتوا عليه وافترقوا العشرون فلم تكن الا ساعة حتى قتل منهم سبعة عشر وهزم الباقون فجعل الامام كلما قتل منهم رجلا يجره برجله حتى يخرجه من المضيق ليتسع له المكان وقد تزايد صيانة القوم وشاوروا بعضهم بعضا فاجمعوا على ان يحمل عليه مائة فارس فحملوا باجمعهم كحملة رجل واحد ومقدمهم جنادة ابن عامر فصاح على الامام الا اخبرنا وما الذي تريد فقال لهم اصم انتم لا تسمعون يا ويلكم ام عمي لا تبصرون الم اقل لكم اني عبد الله وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم انا مفرق الكتائب انا ليث بني غالب انا علي بن ابي طالب (قال الراوي) فلما سمع القوم بذكره خافوا ورجفت قلوبهم وقالوا يافتى عجبنا من ان تكون هذه الفعال لغيرك والان فانت صاحب هذه العجائب فاعلمنا بما تريد ونحن معك على ما انت عليه فقال لهم اريد منكم ان تقولوا باجمعكم لا اله الا الله محمد رسول الله وانا انصرف عنكم راضيا وفي الاخرة مستشفعا ولمن عاداكم معاديا قال فنظر بعضهم لبعض وهموا بالاسلام ولكن خشوا جنادة بن عامر المقدم عليهم فقال جنادة الذي ذكرته دونه بعيد ودونه ضرب شديد فلا نكون لك طائعين وانما نحن لك متقدمون ثم تقدم إليه جنادة وقال لعبده كن معي معينا على كتافه جردا اسيافها وحملا على الامام رضي الله عنه فلما قربا منه رفع الامام درقته وصدم بها صدر جنادة فادهشته الصدمة ثم على سراويله ومراق بطنه ورفعه في الهواء والتفت الى العبد وقد ولى هاربا فاخذ سيفه وقصده قال الى اين يا ابن السوداء فازغجه ثم بادره فضربه على راسه فسقط على الارض قطعتين (قال الراوي) فلما نظر القوم الى ذلك تأخروا الى ورائهم وقالوا لبعضهم


[ 28 ]

نحن نطاوله الى ان يضجر وليس معه ماء ولازاد فإذا انصرف عنا مضينا الى حال سبيلنا فسمعهم الامام وعرف ما قد عزموا عليه فقال لهم يا ويلكم ان كنتم ماتم مطاولتي حتى انصرف عنكم فذاك امل بعيد وعشاي اغنام تقوم بي اياما كثيرة ولم يقطع الله رزقي ما دمت حيا وان فرغت هذه الاغنام يرسل الله الي الطير فارميه بالنيال فاكل لحمه واشتق بالريح فيغنيني عن الماء وانا اظهر لكم بيان ذلك فاخذ نيله ووضعها في قوس ورمى بها طيرا طائرا فوقع الى الارض طريحا فاخذه وذبحه وازال ريشه وشواه واكله فلما راوا منه ذلك تيقنوا ان لا طاقة لهم به فالقوا اسلحتهم اجمعين واستسلموا الى امير المؤمنين ونادوا با جمعهم الامان الامان يا ابن ابي طالب ابق علينا واحسن بكرمك الينا فقال لهم ان كنتم صدقتم في قولكم فليكتف بعضكم بعضا حتى انظر حقيقة امركم قال فاقبل القوم يكتف بعضهم بعضا حتى اوثقوا انفسهم جميعا (قال الراوي) فعند ذلك تقدم الامام رضي الله عنه وقال لهم لكم واحدة من اثنين اما ان تقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله واما ان تموتون فاسلم مع الامام من القوم الف رجل وابو عن الاسلام سبعمائة رجل وقالوا القتل احب الينا فقال الذين اسلموا نحن نشهد ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله وقالوا له يا امام لولا ان الهك اله عظيم قدير لما فعلت ذلك بنا واما الان فقد رضيناه الهنا. فقال لهم الامام لا يصلح اسلامكم عندي حتى تضعوا السيف في اصحابكم الذين ابوا عن الاسلام فوضعوا السيف فيهم الى ان قتلوهم عن اخرهم فجمع الامام الاموال بعضها وحازها واقبل عليه القوم الذين اسلموا معه وقالوا له يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلنا معك نعينك على اعدائك فقال لهم الامام دعوني في شغلي وسيروا الى منازلكم ادعو من بقي منكم الى الاسلام فقالوا له سمعا وطاعة ولو امرتنا ان نطلب الهضام لما يكبر علينا في رضاء الله ورسوله ورضاك فقال لهم الامام رضي الله تعالى عنه انا له طالب وسترون من نصر الله ما يسركم فقالوا له يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وهذه الغنائم ما تصنع بها فقال اني سائر بها الى ما شاء الله يفعل فيها فقالوا له افعل ما تريد فما منا معترض لك فقال الامام رضي


[ 29 ]

الله عنه اريد منكم رجال يساعدوني على سوقها فما استتم كلامه حتى برز له خمسة رجال من شجعانهم وقالوا يابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن غلمانك وخدامك ومهما امرتنا به امتثلناه وتقدموا الى تلك الغنائم فساقوها بين يدي الامام رضي الله تعالى عنه وهو سائر مسرور بما فتح الله على يديه ولم يزالوا سائرين الى ان دخلوا وادي الظل الذي فيه الرعاة فعرفوا الامام رضي الله عنه ونظروا سائقة الغنم الخمس رجال وراس عدوالله المغضب مع الامام فلما تأملوا ذلك فرحوا فرحا شديدا وكانت الرجال لما اخذت مواشيهم كبرت بليتهم خوفا على انفسهم من اصحابها وايقنوا بالقتال وقال اهربوا وقال بعضهم كيف نهرب ونترك اهلنا وقال بعضهم على رسلكم حتى ننظر امر صاحبنا ولقد رأينا منه شجاعة عظيمة اما رأيتم كيف قفز وعدي النهر بوثبة واحدة الينا وقال بعضهم يا ويلكم تتوهمون الاباطيل من الاماني وتظنون ان رجلا واحد يصل الى اربعة الاف فارس شجاع عوابس لم يزل معموم على ذلك منقلبون الى ان ذهب النهار فباتوا قلقين بقية ليلتهم الى ان برق ضياء الفجر وطلعت الشمس فبينما هم كذلك الرجاء والامان إذ طلع من بطن الوادي طالع فناهوه فإذا هو امير المؤمنين علي بن ابي طالب والغنائم بين يديه والخمس رجال يسوقونها معه فلما راى القوم ذلك بهتوا وقالوا انه ما خلصها من المغضب وقومه الا بعد قتال شديد وصاروا في هذا ومثله الى ان قرب منهم الامام رضي الله عنه فلما وصل إليهم قام رجل من رجالها يقال له جنبل بن وكيع وقال انا اساله لان اللسان يقصر عن وصف هذا الانسان الجليل المقدار ولولا ارادنا ماكان نزل عندنا ولو كرهنا لقتلنا عن آخر نا واخذ سلبنا ومواشينا ولكن لابد ان اخاطبه واجاوبة القاصد للمقصود فان خاطبني لا يخفى على ما عنده فقالوا له افعل ما بدالك وما تريد (قال الراوي) فتقدم جنبل بن وكيع الى الامام رضي الله عنه ورحب به وقال يافتى الفتيان ان الذي بين يديك من الغنيمة هولك وانت احق به من غيرك لاننا يا مولانا تحت الرجاء لكرمك متطاولون ان مننت فلك ما احسنت وان فعلت


[ 30 ]

غيرذلك فيحق مافعتت لاننا يا مولانا لم نقم بشئ من واجبك ولم تكن لنا معرفة بك حتى عرفنا باسمك هاتف بالامس وزجرنا زجرا شديدا واخبرنا بك وباسمك واعلمنا بانك البطل الصبور زوج البتول وابن عم الرسول مفرق الكتائب ومظهر العجائب الحسام القاضب الاسد الطالب ليث بني غالب امير المؤمنين علي بن ابي طالب ثم ان جنبل بن وكيع انشد يقول انت الذي بفعالك يضرب المثل ومن قبالك يخشى السهل والجبل انت المنكس راس القوم من فزع بذي الفقار ونار الحرب تشتعل من سالموك ففي عيش وفي رغد ومن يعاديك مقضى دونه الامل فان عفوت فاهل العفو انت وان هلكت يا ضرغام يا بطل الحق لاح ينا لما حللت بنا وفي يديك رجاء الخوف والامل (قال الراوي) فلما سمع كلام جنبل بن وكيع تبسم الامام ضاحكا من قوله لانه فصيح اللسان وقال له يا ويحك من ذلك علي اسمي فاعلمه جنبل بقول الهاتف وما كان من امره فعند ذلك نظر الامام إليهم فراى احوالهم قد مالت الى الاصفرار من شدة ما اصابهم من الخوف من هيئة الامام رضي الله تعالى عنه فلما راى الامام كرم الله وجهه منهم ذلك قال لهم ابشروا يا قوم بما يسركم فنحن باب السلامة ولنا الشفاعة في الناس يوم القيامة دونكم وسايقتكم ولياخذ كل واحد منكم ما كان يرعاه لسيده وارجوه على مكانكم فعند ذلك ردت الوانهم الى الاحمرار ونهض كل واحد منهم واخذ ما كان يرعاه لسيده ثم قبلوا نحو الامام كرم الله وجهه وقالوا يا سيدنا الا تستعين بنا على امورك وتستنهضنا في حوائجك لنا جزيل على بعض وان كنا لا ندرك مداركك فصرفنا يا مولانا الى اين تريد والى من تكيد فقال لهم الامام يا قوم اني اريد صاحبكم الملك الهضام الجحاف وصنمه المنيع الذي فتن به العباد فنظر القوم عند ذلك بعضهم لبعض وقالوا يافتى من كانت هذه الفعال فعاله ما يبعد عليه ما يطلبه ولكن صاحب الهضام في جمع غفير وعسكر جسيم وحصون ما نعمه فدبر ذلك بحسن رايك وها نحن معك فيما تريد ان استعنت بنا اعناك لما وليتنا من الاحسان والتكريم


[ 31 ]

الذي بدانا به (قال الراوي) فتبسم الامام رضي الله عنه ضاحكا من قولهم وقال اني لا استعين الا با لله وبالمؤ منين قالوا له يا مولانا نفديك بالاباء والامهات اخبرنا عن ماهي كلمة الايمان قال هي كلمة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان وهي ان تقولوا معي با جمعكم لا الله الا الله محمد رسول الله قال جنبل بن ركيع اما انا فا قولها غير متأخر عنها لما قد ظهر لي من الايات والبراهين لولا ان لك الها واحدا عظيما وهو على كل شئ قدير ما وصلت الى ما وصلت وانا يا مولا نا اشهد ان لا الله الا الله وان ابن عمك ممحمدا رسول الله فلما نظر اصحابه الى اسلامه واسلموا جميعا وحسن اسلامهم كانوا واحدا واربعين رجلا رعاة ففرح الامام بهم وباسلامهم وقال لهم يا قوم لا يصح اسلامكم الابكف قناع الحق وبذل السيف في اصحابكم فقالوا والله يا سيدنا لو امرتنا ان نقتل آبائنا واولادنا في رضاء الله ورسوله ورضاك لفعلنا ذلك فشكرهم الامام ودعا لهم وقال يا قوم هل عند اهل الحصن علم باخذ سائقكم قالوا نعم وقد سبق الخبر من حصن الى حصن حتى انتهى الى الملك الهضام فارسل لنا هجانين واوعدنا بالعذاب وبعده القتال وقد اغتاظ غيظا ومع ذلك فهمو من بقية التباعية وان الملك المنتقم من جماعته وان له جثة يخاف من مكره فلذلك ابعده وجعله في اول حصونه فلما سمع الامام منهم ذلك الكلام تبسم ضاحكا وقال لهم إذا رجعتم سائقكم هذه الى حصنكم ووصلتم الى صاحبكم فلا تكشفوا له عن خبري ولا عن اسمي فعسى ان يخرج الي وان يقضي الله ما هو قاض فقال جنبل يا سيدي ان خرج معه قومه واصحابه وجميع عشائرهم وهم فرسان في القتال ونخاف ان يحول بينك وبينه حائل فتلومنا على ذلك فقال لهم الامام ان الله فعال لما يريد فإذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ثم اقام القوم بقية يومهم الى ان دخل المساء فرجعوا بالسابقة الى حصنهم وكان اهلهم قد قطعوا الصياح قي جميع جهات الحصن با ن السايقة رجعت فجاء القوم ولم يعلموا ما كان السبب في ذلك


[ 32 ]

فلما سمع القوم بذكر الخبر وكان المنتقم في هذا الوقت متكئا فاستوى جالسا وقال يا ويلكم ما هذا الامر العجيب فقالوا انه بلغنا عن الرعاة انه لما غار عليهم المغضب واخذ المال وساقه ومضى به كان عندهم رجل غريب عابر سبيل فما زال في اثر القوم حتى دخلوا المضيق فسد عليهم باب المضيق ومازال يقتل منهم واحدا بعد واحد حتى خرج إليه المغضب بنفسه فقتله وحز راسه وجاء بها معه واتى بالمال العظيم معه وقتل منهم خلقا كثيرا واتى بسايقنا سالمة ودفعها الى الرعاة باجمعها فلما سمع المنتقم هذا الكلام قهقه بالضحك الشديد حتى كاد ان يقع على قفاه وقالوا كذبو ا وسق اللاتي والعزى وحق الاله المنيع ولا اظن الا انهم هموا با خذ السايقة فسد عليهم الطريق الالهة المنيع فلم يجدوا لهم منفذا ينفذون منه فرجعوا الينا بهذه الحيلة ثم امر باحضار الرعاة فاحضروهم بين يديه وقال لهم باي حيل اردتم اخذ السايقة لانفسكم وضربتم عنا الحيلة وحق المنيع ان لم تخبروني وتصدقوني الا قتلتكم جميعا (قال الراوي) فعند ذلك نظر بعضهم الى بعض وتطاولوا الى جنبل بن ركيع لانه كان سر الجواب فقال اعلم ايها السيد العظيم ان من قطعت انامله سرى الالم في جسده جميعه ومن حاد عن طريق الحق وقع في المضيق وما كنا نخرج من بلا دنا ونترك اولادنا والهنا المنيع فيرمينا في المهلا ك والدواهي ويحرقنا بناره وليعلم الهنا المنيع حقيقة امرنا والخافي سرنا فلا تكذبنا ايها السيد في قولنا فان الذي طرقنا هو من عطفات المغضب الذي كان يطرقكم كل عام فلا بقيتم ترون له غراه ابدا مادام الجديدان وبقى الزمان فقد قتله وقتل معه خلق كثير من قومه فقال يا ويلكم ومن فعل بهم هذا الفعال ومن ذا الذي قدر عليهم قال فعل بهم رجل غريب من العرب وانا اصفه لك كانك تراه هو غلام بطين تجلس الوحوش حواليه للمباشرة وحسن منظره ومنطقه بالصواب ويقلع الشجرة الراسخة الازلية (قال الراوي) فلما سمع المنتقم وصف جنبل بن ركيع عظم ذلك عليه وصفه من شجاعة الامام رضي الله عنه ثم قال المنتقم ويحك يا جنبل واين يكون هذا


[ 33 ]

الغلام قال هو قريب من بلادنا فلما سمع ذلك المنتقم صرح في قومه وعشيرته فاجتمع إليه القوم وحضروا بين يديه فقال يا قوم ان هذا الرجل الذي رد سائقكم وقتل عدوكم قد انتهى من خيرة ما لم يسمع والطاعة يا ايها السيد نحن لكلامك مطيعون ثم توعدوا بالخروج إليه في غد وكانت تلك الليلة التي قدم فيها الرجال فلما تكامل القوم خرج خلفهم المنتقم وهو مشتهر بلبس الاحمر والاصفر فركب جواد من عناق الخيل وقد لبس افخر ما عنده من لامة حربه وخرج من حصنه بجميع قومه وسار المنتقم امام قومه وهو يرتجز وينشد ليس الهجوم على الرجال بعزة يدعي شجاعا مهلكا بمناجل بطل شجاع نازل بفنائنا اوفى العدة نائل أو نازل سيروا بنا نلق الغلام بجمعنا لنراه حقا مثل قول القائل (قال الراوي) فعند ما نظر جنبل الى ما عزم القوم قال يا قوم اني اريد ان اسبق القوم الى الامام رضي الله تعالى عنه فاخبره بذلك ثم سار جنبل وقد حاد عن الطريق وسار في بعض الشعاب الى ان وصل الى الامام فسلم عليه فرد عليه السلام وقال له الامام ما وراءك يا جنبل فقال سيدي حفظك الله وانعم عليك انظر الى امامك وقد اتاك المنتقم بجميع قومه فقال الامام انه غنيمتي ورب الكعبة ولكنه قد عظم عليك ما رأيت من الجيوش يا جنبل والذي بعث ابن عمي رسولا وبالحق بشيرا ونذيرا لو خرج الي ملككم بجميع جيوشه لكنت القاه بمفردي فقال جنبل يا سيدي ان الهضام إذا ركب يركب معه خمسمائة الف عنان سوايك في النزال قومه خاصة غير ما يتبعهم من الرقيق والغلمان والعبيد فكيف تلقاه ومعه هذا الجميع كله فقال له الامام والذي بعث ابن عمي بالحق بشيرا ونذيرا انه إذا برز الى الهضام اتلقاه وحدي ولو يكون معه جميع من في الارض من الطول والعرض فان ثقتي بربي جل وعز فقل واوجز 3 - سيرة علي


[ 34 ]

فقال سيدي المنتقم لم يترك في الحصن رجل يرجى بل خرج بهم اليك والمنتقم بعد يمثلهم فانظر ماذا ترى وما تأمرني به انا واصحابي فانا لكلامك سامعون فلما سمع الامام ذلك جازاه خيرا ثم قال له بل الذي امركم به ايسر مما ذكرت واقرب مما إليه اشرت فقال جنبل ما الذي تأمرني به قال الاما م رضي الله عنه يا جنبل خذ اصحابك الذين اسلموا معك وادخلوا الحصن واغلقوا الابواب واوثقوها من داخل ولا تدعوا احدا يدخل عليكم وانكرو ا امركم واتركوني انا وهذا الجيش وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم ينصر الله من يشاء وهو على كل شئ قدير فلما سمع جنبل ذلك من الامام التجم عن الخطاب فقال يا سيدي نخاف ان يسمع بذلك الملك الهضام فيأتينا بجيوشه فقال له الامام يا جنبل ان لك نفسا واجلا مقسوما فإذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون (قال الراوي) فلما سمع جنبل من قول الامام رضي الله تعالى عنه قال ان كان الامر كما ذكر فو الله لامتثلن لما امرتني به ثم قال جنبل لاتباعه ان كنتم آمنتم بالله ورسوله واتبعتم وليه فاطيعوه واسمعوا قول الامام من الخلود في جنات النعيم وهانت عليهم ارواحهم في مرضات ربهم وقالوا يا جنبل ما الذي تريد ان تصنع فقال جنبل ادخلوا الحصن على بركة الله ورسوله واغلقوا بابه واوثقوه وتحصنوا فيه ولو دهمكم الملك الهضام بجيوشه وعساكره ما وصل اليكم لانه حصن منيع الطعام والماء فان طال بكم الحصار تنالوا منه وان حدث في هذا الغلام حادث فان ابن عمه محمد صلى الله عليه وسلم (قال الراوي) فلما سمعوا مقالة جنبل وثبوا إليه وقالوا له انت علينا مشير فسر بنا على ما تحب وتختار ثم ان جنبلا اخذهم وتقدم بهم الى الحصن فلما وصلوا الى باب الحصن وجدوا عليه جمعا كثيرا من النساء ينظرون ازواجهن واولادهن وملكهم المنتقم فلما وصل جنبل وصحابه اليهن جعلوا يفسحوهن على الباب لداخل الحصن فاستحيت النساء من ذلك وقالت يا ويلكم من عبيد ما اقل ادبكم وما الذي نزل بكم حتى تفعلوا ذلك فقالوا يا ويلكن الم تعلمن ان هذا الغلام


[ 35 ]

الذي نزل بكن ودهمكن في ازواجكن واولادكن هو العذاب الواقع والسم النافع ابن عم الرسول امير المؤ منين علي بن ابي طالب قد اتى اليكم بجيش وقد كمنوا في الشعاب وقد نزل الى سيدكم المنتقم بجيشه وقد كمنوا في الشعاب وقد نزل الى سيدكم المنتقم بجيشه وقد امرنا بحفظ الحصن وما فيه والحماية عنه فمن كان عندها سلاح فتاتنا به واجمعوا الجنادل والاحجار (قال الراوي) فلما سمع النساء ذلك بادرن الى اماكنهن واتين بجميع الاسلحة ثم اقبل جنبل على اصحابه وقال يا قوم اني اخا ف ان يضرب الشيوخ علينا الحيلة ويمكروا بنا فقال اصحابه وما الذي ترى الراي عندي ان تمضوا إليهم وتقتلوهم فلا حاجة لنا بهم (قال الراوي) فمضى العبيد وقتلوا الشيوخ عن آخرهم قال فلما رات النساء ذلك تصارخن فقال جنبل لاصحابه اوثقوهن كتافا واطرحوهن في بعض زوايا الحصن ففعلوا وطابت خواطرهم ووقفوا على اعلى السور واشهروا سيوفهم ونصبوا الاعلام وفرقهم جنبل في جوانب الحصن فهذا ما كان من امر جنبل وقومه واما ما كان من خبر عدوالله المنتقم فانه قد سار بقومه حتى اشرف على امير المؤمنين الذي لم يكبر عليه عظم كثرتهم بل انه اظهر ميله الى الحرب وكان على شاطئ النهر مما يلي حصنهم وديارهم فوثب قبل وصولهم إليه وثبة عبر بها الى الجانب الاخر واقبل الى الجسر وتامله فإذا هو من الخشب مركب على اعمدة فضرب بيده على ما يليه من الاخشاب فقلعها من موضعها وازالها من مكانها وكان عليه كثير من التراب فنهال جميع ذلك في النهر وذهب به الماء وانقطع الجسر وعاد وعاد الامام مكانه وصار متكئا على جحفته غير مكترث ولم يزل الامام جا لسا مكانه إذ اشرف عليه القوم وما زالوا سائرين الى ان وصلوا إليه فنظروا الى النهر راوه وقد قطعه الامام وحده فعظم عليهم ذلك وتعجبوا منه وقالوا وحق زجرات المنيع ما يفعل هذا رجل واحد ثم انشد يقول يا ايها الرجل الجميل فعاله نعم المعارك قد فعلت صنيعا لك عندنا مال واحمال جزا اني لامرك في الامور مطيعا (قال الراوي) فلما سمعه الامام بادر بالغضب ووثب وثبة الاسد وتجرد من


[ 36 ]

اطماره ثم جرد سيفه واخذ جحفته وعدو الله باهت لا يدري ما هو عازم عليه ثم تقدم الامام الى شاطئ النهر بوثبة واحدة واجتمع وانفرد من الارض قعد النهر بوثبه وهجم على عدو الله وقال له انت عدوي وانا عدوك وانت طلبي وانا طلبتك يا ويلك افق من رقدتك انا العذاب الواقع انا الاسد الزؤر والوحش الجسور وزوج البتول وابن عم الرسول ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بني غالب علي ابن ابي طالب (قال الراوي) فمال إليه الفرسان من كل جانب ومكان ولما سمع المنتقم مقالته وعلم انه علي بن ابي طالب ارتعدت فرائصه وصرخ بصوت قوي وقال لقومه يا ويلكم ادركوني من قبل ان تفقدوني من بينكم فهذ ا الغلام الذي خرجت بكم إليه وقدمت بكم عليه هو علي بن ابي طالب فمالت الفرسان ووثب إليه الامام وضربة ضربة بسيفه عرضا فارمى عدو بنفسه الى الارض ونادى يا ابن ابي طالب ليس العجلة من شأنك فرمى الامام السيف عنه وقال يا عدو الله وعدو نفسك قل ما انت قائله فعند ذلك حمل عليه القوم حملة واحدة قوية وهجموا بكثرتهم ودهموا بجمعهم ثم قام عدوالله وحمل على الامام وقد قوي عليه قلبه وشد عزمه بانجاد قومه له وقال يا ابن ابي طالب هذا ما جنيته لنفسك وان لم ترد سائقتنا اكراما منك الى الينا بل اردت الخديعة والدخول حصننا والذي املته بعيد يا ابن ابي طالب يا عدو المنيع وعدو الالهة الهضام فما بقي محمد ابن عمك ينظر الى طلعتكك فان الحياة عادت حراما عليك بعد هذا اليوم فقال الامام كذبت يا ملعون ولا ازول عنكم حتى اذيقكم كاس الموت والحمام وانا الاسد الضرغام والبطل المقدام ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بني غالب علي بن ابي طالب فلما سمع المنتقم ذلك ثار من الغيظ وقال لقومه احملوا عليه بكثرتكم وميلوا عليه بكليتكم ثم صرخ جديعة بن كثير وكان غلاما كثير الجسارة وفارسا مشهورا فحمل عليه الامام ولم يمهله حتى ضربه عرضا فرمى راسه مع رقبته فلما نظر القوم ذلك حاروا ودهشوا من فعاله وهابوا ان يتقدموا الى ورائهم وهم ينادون الى اين يا ابن ابي طالب لنذيقك اليوم المعاطب وظنوا انهم قادرون على الامام (قال الراوي) فصرخ


[ 37 ]

فيهم الامام صرخة الغيظ المشهورة في القتال ثم حمل فيهم وصاح الى يا اولاد اللئام وحق رب الكعبة لا ازول عنكم حتى ابدد شملكم ثم حمل عليهم الامام ووضع درقته في صدر القوم وانشد يقول انا الخطاب والجزار ادعي امير المؤمنين فهل معاني انا قرم الهياج الهاشمي هدمت لخير بدء الزمان افيض على الارامل با لعطايا واكرم جيرتي في كل آن وهل نار الحروب سوى علي فدونكم تروني بالعيان (قال الراوي) فلما سمعوا ذلك نظر بعضهم الى بعض والمنتقم مطرق لكلام الامام كاطراق الحصان لصلصلة اللجام فعند ذلك اقبل عليه قومه قالوا له ايها السيد ما الذي تأمرنا به قال لهم تتبعوني قلوبكم مملوءة من الحزن والوجل شقيتم من قوم تتبعون الشعار وقد جللكم فما تم كلامه حتى برز الى الامام من القوم غلام رشيق وبيده عتيق وهو على مضر من الخيل العتاق فتقدم الى المنتقم وقال ايها السيد وحق المنيع لا تيك براسه سريع فقال المنتقم ابرز إليه فلك كل المكارم فلما خرج الغلام من بين القوم قال الامام ظهر لي شجاعته فاحببت ان يكون مثله الله ورسوله فنادته يا غلام ارى سيدك قدمك للمهالك فارجع فاني لك ناصح فلما سمع الغلام كلام الامام تبسم ضاحكا وقال انا ما نزعج من الامن نار المنيع فقال فعطف عليه الامام وضربه عرضا على صدره فخرج السيف من ظهره فسقط أبو الهراش (قال الراوي) فلما نظر المنتقم ذلك مشى الى الامام له جسم كالبعير ونادى برفع صوته يا ابن ابي طالب ان البغي مسرعة الرجال وسهام الابطال ومن زها بنفسه وعجب بشجاعته اورده ذلك موارد العطب ومن سل سيفه ظلما قتل به رغما (قال الراوي) ثم ان الامام حمل على عدوالله وحمل الآخر كذلك وتقارنا وتجاربا وشهد القوم منهم مشهدا عظيما ما روى الرواة مثله قال الامام فوجدت عدو الله صبور على الضرب جسور على الطلب ثم ان الامام جمع نفسه وقد كثر بينهم العراك والقلق وقد احمرت الحق فعلم الامام من عدوالله التفصير وقد اشرف على الهلاك فنادى


[ 38 ]

ابن ابي طالب وقال للمنتقم ارفق قليلا ارفق قلبلا حتى اخاطبك بكلام فيه المصلحة فتأخر عنه الامام وقد طمع في اسلامه وقال في نفسه والله اشتهيت ان يكون مثل هذا الاسد الاروع في الاسلام ثم تأخر عنه وقال له قل ما تشاء فقال ابن ابي طالب انا قد رحمك لحسن فعالك ورايت ان اعفوا عنك واطلق لك السبيل لاني علمت انك قد اشرفت على الهلاك فانا ابعث اليك بفرس ومطية وازودك الماء والزاد واهب لك من الامور ما يكفيك وترجع ابن عمك سالما غانما وانا اشهد لك بين القبائل والعربان با لشجاعة والبراعة ثم حمل الامام مع كلامه وقال يا ويلك اشر لنفسك واهلك واولادك وجميع قومك ان يقولوا لا الله الا الله محمد رسول الله ثم حمل الامام وطلب انجاز الوعد فنظر عدو الله الامام وقد عزم على قتله وصمم بعد ان ارتعدت فرائصه وصار يرتعد كا لسعفة في الريح البارد فنادى وقال يا ابن ابي طالب الصدق اوفي سبيل فبالله ابقني فان لي في القوم مالا واهلا واولا د فان ملت اليك يقطعها بيني وبين اهلي واولا دي وجمع مالي فخلى سبيل حتى اخاطب قومي فان اجابوا الى ما اريد كان الراي الحسن وان خالفوني دبرت امري وخالفتهم وفارقتهم فقال له الامام افعل ما بدالك وانت بين الجنة والنار فامض الى ايهما شئت وطمع الامام في اسلامه فخلى سبيله فرجع المنتقم الى قومه وقد تعضعضت اركانه وخمدت نيرانه فقالوا له ايها السيد الكريم ما فعلت بهذا الغلام فقال المنتقم وسطوة المنيع لقد نازلت الابطال فما رايت غلاما اصبر من هذا على القتال فما راى في امره وما تفعلون فقالوا نحن معك فالذي ترضاه لنفسك رضيناه لنا والذي يامرنا به فعلناه فقال يا قوم ان هذا الغلام يريد منا ان نرفض عبادة المنيع الاله الرقيع ونعبد الهه ونشهد لا بن عمه بالنبوة ونكون معيرة العرب في المحاصل قالوا وما نرى جوابنا الا اننا نمهله بقية يومنا هذا الى ان يتسبل الظلام فنسير الى حصننا ونتحصن فيه من داخله ونوفق اقفاله فلا يستطيع الوصول الينا ونرسل رسولا الى الملك الهضام فيأتيا بجنوده وعساكره واهله كل حصن يمدوننا بالنصر على عدونا فقالوا جميعا افلح الله رايتك ايها السيد هذا هو الراي السديد فا تفق رأيهم على ذلك ثم قالوا دبر هذا الامر بعفلك انه


[ 39 ]

لا يصلح الا لمبارزة كسرى وقيصر (قال الراوي) فلما اختلط الظلام نظر الامام الى جهة القوم وإذا هو برجل خارج من جيش المنتقم مسرعا الى جهة الحصن فظن انه رسول فلصق حذق وتامل فاذاهو باخر قد خرج من ورائه واخر في اثره وهم ينسلون واحدا بعد واحد هربا الحصن فلما راى ذلك الامام علم انهم عزموا على الهروب من الحصن فاخذ سيفه وجحفته وجعل يزحف على بطنه كالحية على وجه الارض الى ان وصل الى جانب النهر وجمع نفسه ووثب فعندي النهر ولم يعد عليهم بل عدل عنهم اسرع الى جهة الحصن يريد الوصول إليه قبل ان يصل إليه احد منهم فمازال الامام يسرع في سيره فلم يكن الا اقل من ساعة حتى وصل الى الحصن ولم يصل إليه احد قبله فنظر الى اعلاه فراى العبيد على اعلى السور وقد رفضوا الرقاد واداموا على السهر بكليتهم وقد جعلوا العذار في مرصاة الملك فلما نظر اسرع جماعة منهم وهموا ان يرموه بالاحجار فنادى الامام لا ترموا باحجار وافتحوا الى الباب شكر الله سعيكم وامنكم من عدوكم فعرف القوم صوته ففتحوا له الباب وفرحوا به فرحا شديدا وكانوا قد آسوا منه وقالوا يا سيدنا اقلقنا با بطائك وكثر خوفنا عليك ونوينا ان القتال الى ان نقتل عن آخرنا في مرضاة ربنا فجزاهم الامام خيرا ثم قالوا فما كان خبرك حتى ابطأت علينا فقال ما يكون الا الخير والسلامة وفي هذه الليلة ان شاء الله يظهر لكم تمام الكرامة ثم قال لهم الامام اخرجوا با جمعكم خارج الباب ولا تمنعوا احدا من الدخول وانا ابلغكم منكم المأمول فقال جنبل بن ركيع يا سيدي وما الذي عزمت عليه قال ان اضرب ارقابهم فذهل القوم من كلام الامام وخرجوا با جمعهم الى خارج الحصن فلم تكن الا ساعة وإذا با لقوم مقبلين وفي اوائلهم دؤيب بن ياسر الباهلي فقال له جنبل ما وراءك يا ذؤيب فقال لا تسألني عن الموت الفاصل ثم هم ودخل في الحصن والامام يسمع كلامه ثم ضربه ضربة قسمه نصفين ثم سكت واخفى خسه فبينما هو كذلك إذ دخل اخر فقاربه الامام وضربه ففلق راسه عن جسمه (قال الراوي) فبينما هو كذلك إذ دخل آخر فقاربه الامام وضربه فازال راسه عن


[ 40 ]

جثته وإذا بضجة عظيمة فتأملهم وإذا هو بعد والله المنتقم راكبا على بعيره وحوله غلمانه وشجعانه وقد احاطوا به من كل جانب فلما وصلوا الى باب الحصن اناخوا البعير ثم حملوا عدوالله وانزلوه فتقدم الى باب الحصن يريد الدخول فوقف والتفت الى اصحابه وقال لهم يا ويلكم الزموا با ب حصنكم الى ان تتكامل اصحابكم وادخلوا الحصن واغلقوا بابه وتحصنوا ثم ان عدو الله تركهم على الباب ودخل الحصن ومعه رجل من جماهير قومه فرفع جنبل صوته يسمع الامام وقال يا مولاي يبلغك الاله مأمولك واعطاك سؤالك لقد ابردت بعقلك قلبي وسررت خاطري فعند ذلك فهم الامام اشارة جنبل وكان للحصن بابان من داخل بعضهما فوقف الامام رضي عنه عند الباب الثاني من اطماره حتى بقي في سرواله واخذ سيفه وجحفته ثم اقبل على عدوالله المنتقم وحواليه السيوف مسلولة وهو في وسط القوم كعلو الفارس على الراجل فلما وصل الى الامام وثب عليهم وصاح صيحته المعروفة الهاشمية وقال الى اين يالئام الى اين المفر من ابن عم خير البشر فلما سمع القوم ذلك ولو اهار بين يمينا وشمالا وصار عدوالله وحده واقفا باهتا لا يدري مايصنع فنادى يا ابن ابي طالب احسن الي وابقي بكرمك علي فقال الامام اتخدعني يا عدو الله والله ان لم تقر بالوحدانية ولمحمد ابن عمي با لرسالة الا قتلتك اشر قالمة فقال له ابن ابي طالب بحق ابن عمك محمد الا ابقيت علي فعند ذلك اخذ الامام عمامته بعد ان القاه على الارض وكبه على وجهه واوثق كتافه وجمع يديه الى رجليه وتركه لايستطيع ان يتحرك وعمد الى القوم فقال لهم قولوا نشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله فقالوا باجمعهم نشهد ان لا اله الا الله وان بن عمك محمدا رسول الله فقال لهم الامام رضي الله عنه ما يتحقق عندي اسلامكم فقالوا له يا ابن عم رسول الله هذا حقيقة اسلامنا قال نعم (قال الراوي) فعند ذلك جردوا سيوفهم وعمدوا مع الامام الى الباب الذين هم داخله ففتحوه فوجدوا القوم قد دخلوا كلهم من الباب الاول واجتمعوا عند ذلك الباب الذي من داخله امير المؤمنين فخرجوا لهم وحطموا السيف فيهم واقبل جنبل وقومه من


[ 41 ]

خلفهم وصاحوا فيهم الله اكبر فتح ونصر هذا والامام رضي الله عنه يقول امروهم ان يقولوا لا الله الا الله والا نفنيكم عن آخركم فمن قالها ارفعوا عنه السيف ومن ابى فاقتلوه فما زالوا كذلك الى مضى ثلث الليل فنادى القوم با جمعهم الامان يا ابن ابي طالب ونحن اسراك وفي يدك فقال لهم رضي الله عنه لن يؤمنكم من سيفي الا ان تقروا لله بالوحدانية ولمحمد الرسالة والا افنيكم عن اخركم فصا حوا باجمعهم نحن نشهد ان لا اله الا الله وان ابن عمك رسول الله فامر القوم ان يرفعوا عنهم السيف فما مضى نصف الليل الاول الا وقد كفاه الله القوم ولم يبق عندهم من يقاتل ابدا واقبلت الرعاة وجنبل الى الامام وقبلوا يديه وهنئوه بالسلامة وبما فتح الله عليه في تلك الليلة فحمدوا الله تعالى واثنى عليه ثم خر ساجدا لله تعالى في وسط الحصن شكر الله تعالى (قال الراوي) فلما فرغ الامام من سجوده ورفع راسه واستوى قائما امر باحضار عدو الله المنتقم فاحضر بين يديه فامر بحل كتافه وقال يا عدو الله وعدو نفسك انك على شفا جرف هار اما الى النار واما الى الجنة يا ويلك اقر لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة تفز في الدنيا والاخرة واصرف عنك المحال ودع عبادة الاصنام فقال المنتقم يا ابن ابي طالب اجعل لك حملا ارسله اليك والى ابن عمك في كل عام من جميع ما تختاره من الصنوف المثمنة من الجواهر والذهب الاحمر وما اشبه ذلك فقال له الامام يا ويلك اما مالك وما قومك ومال ملكك ان شاء الله تعالى احمله كله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان اقتلك واكسر صنمك وانت والله ما يخلصك من سيفي الا قول لا الله الا الله محمد رسول الله فقال يا ابن ابي طالب اما هذه الكلمة لا اقولها ابدا وان عجلت قتلي فلي من ياخذ الثار وها هو المسمى بالخطاف هندي الحميري يقتص الوحوش في فلواتها والاسود في غاباتها فلما سمع الامام ذلك من عدوالله فار بالغضب وقال الذي اوصلنا اليك يوصلنا الى غيرك واما انت فقد عجل الله بروحك الى النار ثم قام الامام علي على قدميه وضرب عدو الله المنتقم بذي الفقار فازال راسه (قال الراوي) ثم الامام عليا رضي الله عنه امر باحضار النساء فاحضرت بين يديه فعرض عليهن الاسلام فمن اسلمت اقرها في مكانها ومن ابت وكل


[ 42 ]

بها من يقتلها فلما فرغ الامام من ذلك جمع الاموال وجمع ذلك كله في دار عدو الله المنتقم وقفل عليه وختمه واوصى بحفظه ثم اقبل الامام على القوم وقال لهم ان الله سبحانه وتعالى قد دعاكم للاسلام ومن عليكم بالايمان وانقذكم من ظلمات الكفر والطغيان واني ماض عنكم فالله في انفسكم فلا تكفروا بعد ايمانكم ولا تنافقوا في اسلامكم امل الله الرجعة اليكم عن قريب ان شاء الله تعالى بعد بلوغ ما اريد من ملككم الزميم واصرف شره وشر صنمه وشيطانه الرجيم فقالوا جميعهم يا ابن عم الرسول انا لن نؤمن الا بحقيقة امرنا وقد علم الله صدقنا واراد لنا الحياة واطمأنت انفسنا ونسير معك وبين فما يكبر علينا ان نقاتل بين يديك ملكنا واهلنا فلما سمع الامام منهم ذلك سر بمقالتهم وعزل لهم مائة رجل يمكثون في الحصن وامر عليهم جنبل بن خليل الباهلي واوصاه بالشفقة على من في الحصن ووصاهم بحفظ ما فيه وامر على الرعاة جنبل بن ركيع فقال جنبل يا امير المؤمنين بالذي بعث بن عمك با لحق بشيرا ونذيرا لا تأخرني عن المسير معك لحرب قومي وقتال عشيرتي يطول دهرنا وزماننا ولا اتركه حتى يشفي غليل قلبي وما قدمت من ذنبي قد جزأه الامام خير على كلامه وقال له يا جنبل فان الله كريم لا يعجل على من عصاه ثم ان الامام دعا بعبد يقال له حصن بن شنبش وامره على الرعاة واوصاه بحفظ السائقة والاموال واوصاه يروحها كل ليلة الى داخل الحصن ثم سار الامام واخذ معه الثلاثمائة فارس طالبين حصن رامق ووادي الحديق وصاحبه الامير عليه الخطاب بن هند الحميري الملقب بمروع الوحوش فساروا وقد اخفى الله امرهم وما جرى لهم فلم يعلم احد من اهل الحصون والاوديد واما الملك الهضام فقد اشتد كفره وطغيانه وتجبره وقد شاع في العرب ذكره وعظم خطره وكان يركب كل سنة ثلاث مرات الى صنمه فإذا دخل عليه خرله ساجدا من دون الله عز وجل فلا يرفع راسه حتى يهتف الشيطان بصنمه ويامره بالقيام (قال الراوي) فبينما عدو الله في تزايد كفره إذ ورد عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جميل بن كثير العابد فاستاذن في الدخول على الملك قيل له اصبر حتى نخبر الملك بقدومك ثم ان الحاجب


[ 43 ]

اخبر الوزير بقدوم ذلك القاصد فاخبر الملك بذلك فقال ايها الملك انه اتاك اليوم قاصد يذكر انه من عند محمد صاحب يثرب وابن عمه علي بن ابي طالب واستاذن في الدخول عليك والوصول اليك فاوقفه الحاجب واخبرني بخبره وها انا اخبرتك (قال الراوي) فلما سمع الملك الهضام بذلك عظم عليه وقال اوقد ذكرني محمد مع ذكر وعرض لي مثل ما عرض لغيري ايظن اني كغيري من العرب وان الهي كسائر الالهة ثم امر ببساط مجلسه فبسط وستوره علقت وبعث اكابر قومه فا قامهم حوله بالسلاح والنشاب وبايديهم العمد والحرب ولبس الملك تاجه الملع باليواقيت والجواهر واظهر نعمته واقام ترجمانه بين يديه لاجل ما يباع الكلام الى القاصد ثم امر باحضار قاصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه فتبادرت غلمانه وحجابه الى جميل من كثير فاتوا به اسرع من تكلم ثم دخلوا به الى ان وقف بين يديه فلما نظر جميل الى مملكته وسلطانه وحجابه وغلمانه وتاجه الذي على راسه يواقيته والقوم محدقون به التجم عن الكلام وتبلد عن السلام فغضب الملك لذلك وعرف الغضب في وجهه فاضطرب القوم لذلك وماج بعضهم ورفعوا العمد والسيوف وتوقوا خطاب الملك لكي يبادرهم بسوء فنظر الترجمان الى ذلك وكان صاحب عقل وادب وفضل فقال للملك اعلم ايها الملك ان هيبة المملكة ومرتبة السلطنة تلجم الناظر عن الكلام عن مقالته في النظم حتى تدهشه عن السلام (قال الراوي) فذهب عن الملك ماكان قال به ثم قال الترجمان بجميل ان الملك يقول لك ويلك من انت ومن اين اقبلت والى من قصدك ورسول من انت قال جميل ابن كثير انا رسول صاحب يثرب محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب وقد حملني هذا الكتاب وارسلته اليك لا طلب الجواب ولا طلب شرا ولا ضرا وقد فتقدم إليه جميل وناوله الكتاب ففكه وقراءه وفهم مضمونه ومعناه وقهقه حتى كاد ان يقع على قفاه (قال الراوي) ثم التفت الهضام الى جميل قال ويلك


[ 44 ]

صف لي هذا الغلام المذكور في الارض فقال جميل ايها الملك ان التكفر اقبح بالعبد الدنئ فكيف بالسيد فان احببت ان اصف لك فلي عليك شرطان احدهما ان وصفته لك فلا يكبر على الملك فيقتلني بغير ذنب وانت اغنى الناس عن ذلك والثاني اخاف ان اصفه لك شانه العظيم فيباع غيره فاكون كذابا وانا الان اسالك ايها الملك ان لا تسألني عن هذا السؤال فاني لا قدرة لي عليه فقال الملك ان قلت ما فيه على الحق فلا خوف عليك ان كنت صادقا فقال جميل ايها الملك انه غلام موصوف با لشجاعة معروف با لبراعة اخف من البرق إذا لمع واسرع من الفهد إذا وثب حسن اليقين (قال الراوي) فلما فرغ جميل من كلامه تبسم الهضام ضاحكا وقال وحق زاجرات المنيع لقد وصفت صاحبك واحسنت في وصفه فدع عنك هذا الكلام واقتصر على وصف هذا الغلام واعمل في خلاص نفسك قبل حلولك في رمسك وقل لا ي شئ اتبعت محمدا وامنت به فقال جميل على ان ينقذني من النار ويدخلني الجنة التي هي دار القرار فقال الهضام ومتى يكون هذا الامر فقال جميل إذا قامت القيامة وقامت الخلائق من التراب الى الاجتماع في دار الحساب فقال الهضام قد اخبركم صاحبكم محمد انكم تموتون وتصيرون رفاتا ويختلط اللحم هذا باللحم والعظم هذا بالعظم وتمضي عليكم الدهور والاعوام ثم تعودون باجساد وارواح ثم يكون بعد ذلك حساب وعقاب وجنة ونار فقال لهم نعم قال له والى اين هذه النار وهذه الجنة قال شئ لا يفنى ولا ينقضي فعجل يا ويلك بالعاجل ودع الاجل (قال الراوي) ثم التفت اللعين الى بعض اولاده وكان اسمه ناقد وقال له قم يا بني اكشف له عن الجنة والنار وخيره بين الدارين فاختار المقام في دار النعيم فدعه ياكل من فواكهها وثمارها ثم اخذ ناقدا جميل وذهب به الى الجنة وقد راى جميع ما فيها ثم قال ناقد اتبعني حتى اكشف لك عن دار هي احسن من هذه ثم اخرجه وعمد به الى النار وقد كان ارسل الى العبيد الموكلين بها الذين سموهم الزبانية فامرهم با ضرامها وتفويتها فلما ان قرب منها ناقد وجميل قربة واطلعه في درج عالي مبني من الرخام الملون حتى انتهى الى اعلى الدرج فقال ناقد لجميل اتختار اي


[ 45 ]

الدار اردت فلما اشرف جميل على النار ونظر الى قعرها وكثرة زفيرها وقال ابعدوني عنها وامضوا بي الى الجنة فلما دخل فيها جميل وتوسطها واستنشق ريحها وتصايحت به حورها وافتتن جميل واحتوى الشيطان على قلبه فسلب الله تبارك وتعالى منه الايمان ومال الى متلهم ورفض الاسلام (قال الراوي) فعدل من ورائها جميل لعنة الله عليه الى تلك الآلات والنور والآتية من الذهب والفضة فقال للجارية لمن هذه قالت لك وانا لك وجميع هذا لك حتى يمضي من وقته وساعته الى الاله المنيع فهو الهنا الاعظم فتخر له ساجدا وتقر له بالعبودية فقال لها حبا وكرامة انا اسجد له مائة سجدة ثم خرج جميل وناقد ابن الملك معه لانه كان يوصي الحور العين ان يخاطبه ويلقن له ذلك فلما خرج جميل قال ناقد الى اين تريد قال الى الاله المنيع والرب الرقيع اسجد له واقر له بالعبودية فقال له ناقد افلحت يا هذا ونجحت ثم اقبل ناقد راجعا الى الصنم فما زال كذلك حتى قرب من الابوا ب وما زالوا كذلك حتى دخلوه فيها وهمت المتنعمون في الجنة ان يدخلوا معهم فمنعهم الحاجب من الدخول فتصايحوا بناقد وقد قالوا له دعنا ندخل الى ربنا المنيع الهنا السميع فنظر الى معجزات ودلائله وآياته (قال الراوي) فاذن لهم ناقد با لدخول وهو امامهم قابض على يد جميل لعنه الله فما زال يدخل من باب الى باب ان الى دخل البيت الذي فيه الصنم فنظر القناديل توقد باطيب الادهان ونظر الصنم معلقا في الهواء لا يرقعه عمود من تحته ولا علاقة من فوقه فحار جميل واندهش واعطاه ناقد خاتما من الحديد الصني كبيرا فاخذه جميل بيده وتقدم الصنم فلما شم الصنم رائحة المغناطيس جذبه بالقوة المركبة من الحديد فلما نظر جميل الى ذلك حار فعلم ناقد ذلك منه فقال يا ويلك اسجد فان الاله قد قربك إليه فعند ذلك سجد جميل لعنه الله وسجد معه جميع القوم فاقبل الشيطان اللعين الموكل بالصنم فدخل جوفه وجعل يهذي بكلام التضليل (قال الراوي) فصاح به الخدم من كل جانب ومكان يقولون يا جميل ابشر بالخير الجزيل فقد جاد عليك المنيع بالكرم والفضيل وقد خرجت من ذنوبك كبير


[ 46 ]

الناس رؤسهم فلما فرغ تمسح القوم به تبركا وهنوه على ذلك وقبلوا يديه وكذلك ما قد ولم يزلوا من حوله محدقين الى ان اوصلوه الجنة التي يزعمونها فلما دخلها استقبله صاحبته الطاغية بكاس من خمر قالت له خذ هذا الكاس فهو تمام الفرح وزوال العمر ولم يبق بعد يومنا هذا ولا نصب فتناول الكاس من يدها وتجرعه وابعده الله تعالى عن با به وطرده عن نبيه ونام مع صاحبته وكفر بالله العظيم ثم ان ناقدا اتى الى ابيه واخبره بذلك ففرح الهضام فرحا شديدا وقال وحق المنيع لو وصل الينا علي بن ابي طالب لفعلنا به مثل هذا وكان نصير الى ما صار إليه صاحبه وينسى ابن عمه وهل يرى هذا العميم والعيش السليم ويتباعد عنه ومازال الملك في كفره وطغيانه قال فلم يمض الا يومان أو ثلا ثة بعد امر جميل والقوم في لهوهم وسرورهم والسدنة من حول الصنم قد هجع القوم في بعض الليالي إذ صرخ الصنم صرخة عظيمة فازدحم على الابواب وقام الملك من على سريره واولاده حواليه فقال الملك لولده الاصغر وكان اسمه غنام انظر يا بني المنيظع ولاشك انه وقع بنا امر فانظر ما هذا الخبر فمضى غنام ورجع وهو طائش العقل فقال يا ابت انه صراخ المنيع ولاشك انه وقع امر فركب الملك من وقته وركب اولاده من حواليه وسار بهم الملك حتى دخل الصنم بعد سكوته فلما دخل عليه الملك صاح واضطرب ونطق الشيطان من جوفه ينشد ويقول قد حل في ساحتكم بطل ورمى شجعانكم كلا بالخيل هذا على قريب قد وصل فادهموه بالسيوف والنبل ثم اقطعوا منه بعزمكم الامل فهو لكم وفي يديكم قد حصل (قال الراوي) وكانت هتفة الصنم قبل ان يصل الامام الى حصن الوجيه حين قتل المغضب وخلص السائقة وردها وتعوق بعد ذاك حتى فتح الحصن فلما سمع الملك من صنمه هذا الكلام قال يا الهي وياسيدي لا وقفته بين يديك ذليلا ثم ان الملك التفت الى ولده ناقد وكان اكبر اولاده فقال له يا ناقد اسجد لالهك فانك لعدوه قاصد وله قائد وعن قريب تاتي به حقيرا ذليلا فخر ناقد ساجد للصنم فسمع عنده ضاحكا واسيبشار وفرحا وسرورا امن الصنم يا ناقد ارفع امرك واسرع با الاستعجال وجمع الابطال وتاتي به في القيد والا غلال منسكا في


[ 47 ]

اسوا حال فلما سمع ناقد قام مسرعا ووقف مع ابيه الى منزله فقال الملك يا ابني انك وافر العقل تام الفضل وان الهك لا يحذر الا من امر عظيم وهذا الغلام المذكور علي بن ابي طالب وانه قد شاعت بين العرب اخباره وقد ظهر انه فارس صنديد وقرم عنيد الا ان الهك وعدك النصر عليه واخبرك انه وحيد فريد فامض إليه وخذ من تختاره من قومك وعشيرتك واوصيك إذا لقيته فحذره من ناري وشوقه الى جنتي فان ركن فجد العفو عليه وابسط جناح الاحسان وان ابى فاغتنم انفراده بانك آمن من ناصر ينصره ومعين يعينه ولا شك انك تجده حصننا الاقصى وهو حصن الوجيه نازع لامع الرعيان (قال الراوي) فعند ذلك قام ناقد على قدميه وجعل يخترق الصفوف ويتصفح وجوه الرجال وينتخب الابطال واحتار ان ياخذ من صناديد القوم الف فارس فلما لا ح ضياء الفجر خرج ناقد وقومه قد تزينوا بزينتهم المدخرة عندهم ولبسوا فوق رؤسهم التيجان المرصعة با ليواقيت والجواهر المثمنة وركبوا الخيول العربية وناقد بن الملك الهضام اكثر منهم زينة وله ذوائب تبلغ الى مؤخرة سرجه وهو مقلد بسيفين عن يمينه وعن شماله وبيده رمح خطي فلما تكامل اصحابه وعزموا على المسير ركب ابوه يشيعه ويوصيه ويحرصه على الامام رضي الله عنه الى ان يعدلوا عن الحصن فرجع الملك الى حصنه وصار ناقد وهو يجد المسير فبينما هو سائر إذ لاحت غبرة عظيمة فتأملها وقال لقومه ما تكون هذه الغبرة العظيمة فقالوا لعل ان تكون غبرة رمال اوظباء شاردة اوزوابع عاقدة فقال لهم ناقد لو كانت كما تقولون لكانت منفرجة وهذه عقدة معتقدة فتأملوها جميعا فقال بعضهم وحق المنيع ان هو الا جيش وقال بعضهم غير ذلك فتحير القوم من ذلك ووقفوا جميعا فبينما القوم وقفوا متحيرون إذا انكشف الغبار ولا حت الاسنة ولمعانها وهي تبرق كالبرق وكواكبها زاهية فذهل القوم من ذلك ولم يعلموا انه جيش الامام علي رضي الله عنه وكان الامام قد نظر من بعيد فقال لقومه يا قوم لا ترون ما ارى فقالوا يا ابن عم رسول الله ما ترى قال ارى جيشا كبيرا فتأمل القوم فنظروا جيش ابن الملك فقال يا معشر المسلمين لا شك ان اصحاب الحصون


[ 48 ]

قد بلغهم خبرنا فهل منكم من يسرع إليهم فتقدم إليه جنبل بن ركيع وقال له يا مولاي اني لكلامك سامع ولامرك طائع امرني بما تشاء وتختار فاني وحق ابن عمك محمد لا اخالف لك امر فجزاه الامام على ذلك خير وقال له انت لها يا جنبل فاسرع إليهم فان كانوا من اعدائنا فلا باس ان تخدعهم بخديعتك لا تذكر لهم انكم ظفرتم بي وامسكتموني واسرعوني وانكم سائرون بي الى الملك الهضام لتاخذوا منه الجزاء والاكرام ثم قال له الامام بادر وفقك الله الى مسيرك فمشى جنبل ابن ركيع الى ان قرب من جيش ابن الملك الهضام فوجدهم قد جردوا السيوف وعزموا على القتال والحرب فنظر جنبل إليهم وإذا هو ناقد بن الملك وكان اعرف صاحب خديعة كثير المكر والحيل فلما عرفه وتحققه وعرف ناهد بن الملك ترحل جنبل عن جواده واقبل يسعى على قدميه فلما قرب من ناقد خر ساجدا لله تعالى فلما نظر إليه ناقد عرفه وظن انه ساجد إليه فقال يا جنبل ارفع راسك فقال يا مولا ي عبدك وامتك فقال ناقد اركب جواده فركب جواده فقال له ناقد يا بن وكيع ما وراءك وما الذي بلغك من خبر هذا الغلام الكثير الا نتقام علي بن ابي طالب فقال جنبل اسمع يا مولاي بينما نحن سرحنا وغنمنا على ما جرت عادتنا ونحن في الظل مجتمعون نرتع ونلعب إذ حضر الينا غلام من اعلى الوادي وهو يهوي كالبرق يهرول في مشيه ويوسع في خطواته ثم اجتمع ووثب وثبة عدي النهر يثب كالارنب ويخطو كالاسد يقصر الليث عن وثبته في عظم خلقته وكبر جثته كبير الساعدين بعيد ما بين المنكبين فتحققناه وتقربنا منه وتصايح اهل الحصن ونزل إليه سيدنا المنتقم فنازله في ميدان الحرب فلم يزل به ومعه حتى عثرت برجله في حجر فوقع على وجهه فترامت عليه الرجال والابطال فاخذوه باقتدار اسيرا وملكوه وصار في ايديهم حقيرا ذليلا ثم كتفناه وحملناه بعد ان جندل منا جماعة كثيرة من الرجال والشجعان والابطال فاجمعنا على قتله فمنعنا عن امره المنيع الاله الرفيع فلم نجعر ان نسير به الا في عدة من الابطال والرجال


[ 49 ]

الفوارس وهذا يا مولاي جملة امرنا وغاية خبرنا (قال الراوي) فلما سمع ناقد ذلك ما قاله جنبل تهلل وجهه فرحا وسرورا ثم قال وحق المنيع لقد فرحتم بهذا الغلام واستوجبتم فعلكم الاكرام وما خرجت من مكاني لهذا الغلام الكثير الانتقام فحصل لكم بلا ملام لكن يا جنبل ارعيني وصفك لهذا الغلام فعد الى وامرهم ان يسرعوا الينا ويقدموا بهذا الغلام علينا فعاد جنبل راجعا وقال يا ابا الحسن لقد اتيتك بطير سمين وهو ابن الملك في الف فارس قال فسار الامام حتى وصل الامام عسكرنا فقال ناقد وجبت لك البشارة يا جنبل فاين هذا الغلام المسمى بعلي فلم يتم كلامه حتى تقدم الامام الى ناقد واسفرعن لثامه وقال له ها انا معدن المواهب انا المشهور في المناقب انا علي بن ابي طالب (قال الراوي) فلما سمع ناقد كلامه قمح جواده بالسوط وصرح في قومه وقال يا قوم ان جنبلا خدعكم ولم ينجيكم من القوم الا القتال الشديد فاقرنوا المواكب وصفوا الصفوف فنفرت الرجال للحملة فقال الامام لا صحابه احملوا بارك الله فيكم وعليكم وبقي ينظر لعلي ان يقع نظره على ناقد فيقبضه قال فحملت الرجال على الرجال واختلط الجمعان ووقفوا السيف بينهم قال فبينما الامام ينظر ناقد فإذا هو قد وجده حسن الوجه صغير السن فلما نظره الامام اشفف عليه ان يقتله وكان لا يرحم كافرا قط غيره فبينما الامام وناقد حملا على بعضهما وإذا بصياح عال فإذا هو صاحب حسن الرامق ويسمى الخطاف وكان قد ارسل إليها اصحاب ناقد وقالوا له الحق بن الملك فانه مع علي يشد القتال فلما اشرف عدو الله الخطاف على ناقد قال يا مولاي ما يكون للملوك قتال ارجع ودعني مع هذا الغلام ثم تقدم الخطاف الى الامام وهو ينشد ويقول مالي ارى القوم في كرب وفي حرج قد مر بلواجمهم بالويل والكفر وكلهم جزعوا من خوف سيف علي نسل الكرام المسمى من ذوي مصر القوم قوم اله يعرفون به من الحديد ومن جزع ومن صفر لا تركن عنا تحت ذلته حتى اطوف به في البدو والحضر 4 - سيرة علي


[ 50 ]

(قال الراوي) ثم حمل عدو الله وجعل يخوض المعممه بسيفه وقاتل في ذلك اليوم قتالا شديدا فبينما هو يكر على المسلمين وإذا صوت الامام رضي الله عنه وهو يقول انا ابن ابرار من نسل هاشم المختار انا ماحق الاشرار فلما سمع عدوالله صوت الامام ومهارته في الحرب وهو يخطف الفارس من سرجه ويضرب به الثاني فيقتل الاثنين فهابه القوم ولم يزل السيف يعمل والدم ينزل الى وقت العصر فافترقوا وقد ملئت عرضا الوادي با لقتلى وتراجع الفريقان في اماكنهم ورجع الامام الى عسكره يترنم ويقول شعر حرمه الحرب بغيتي ومرادي وطريقي الى فنا الاوغاد يا ابنة الطهر لو رايت حروبي وشهودي وشدتي وجلادي وولوج الحسام في منهل النقع لا شفى من اللئام فؤادي (قال الراوي) فاستبشر به وفرحوا وهنئوه با لسلامة فرجعت الطائفة الاخرى الى موضعها خاسرة فلما اصبح الصباح تراجع الفريقان وقام الحرب والطعان ثم قال الامام ان القوم اكثر منا عددا واقرب منا ديارا واني اخاف من نجدة تنجدهم فيكثر علينا الامر ويكثر علينا الشرواني ارى من الراي اننا نبادرهم قبل ان يبادرونا وذلك اهيب لنا في قلوبهم وارهب في نفوسهم ثم قال لاصحابه قفوا مكانكم حتى اسير بين الصفين واطلب البراز فعسى ان يخرج عدو الله الخطاف بلا تعب فقالوا يا سيدنا ان في القوم اسدان احدهما ناقد الملك الاخر الخطاف فاخذوهما وقد عرفتهما بالامس قال الامام حسبنا الله ونعم الوكيل ثم خرج الامام منفردا بنفسه واخذ رمحه وغير حلته فلما تمثل بين الصفين قال الخطاف لناقد من هذا الذي تعرض للقتال وطلب البراز قال ناقد هلا تعرفه قال لا هذا علي ابن ابي طالب فقال الخطاف اني اراك يا ناقد كثير الوصف له لعلك كثير الارتعاد منه قال نعم فبينما هم كذلك إذ زحف الامام عليهما حتى قاربهما ثم نادى هل من مبارز هل مناجز فلم يبرز إليه احد فحمل على الميمنة فقلبها على الميسرة وقال ما شاء الله تعالى ورجع الى مكانه ونادى هل من مبارز هل من رواح الى قابض الارواح فلم يجبه احد فحمل على الميسر فقلبها على


[ 51 ]

الميمنة وقال ما شاء الله ورجع صوب القلب ونادى اين من زعم انه كيف كريم فلم يتم كلامه حتى انقض عليه وهو على جواد اشقر وبيده رمع طويل حتى صار بين يدي الامام ونادى يا غلام الرفق بالمرء يوصله الى هناه فاكشف لنا عما تريد فلعل ان تكون الاجابة عندنا والانعام والان قد كشفت لنا عتابك ولعمري قد كنت متطاولا لرؤيتك فل ماا نت طالب وما مرادك فاعجب الامام من كلامه وقال له مرادي ان تقول لا اله الا الله محمد رسول الله فإذا قلت ذلك واقررت لله بالوحدانية فلك مالنا وعليك ما علينا واما صنمكم الذميم فسوف يظهر فيه العبر واكسره امامكم كسرة الحجر وترجعون الى عبادة الرحمن فتكونوا شركاء لنا واخواننا في الاسلام فقال له ناقد يا ابن ابي طالب دونك الى ام خاطر وموت باتر فقال له الامام دونك والقتال قال فوقف ناقد يتكلم في نفسه ويقول وحق المنيع وزجراته لو تركناه حيا لغشنا في منزلنا وطرقنا في مرقدنا ولعمري اني اجد في كلامه حلاوه ولمنطقه مراره اني ارغب واخشى ان يفعل ربي الاعظم ما يشاء فقال الامام يا ناقد اطلق بلسانك بالوحدانية لله تعالى واشهد بالرسالة محمد صلى الله عليه وسلم يمح عنك ما سبق قال ناقد ما انا بالذي يفعل ذلك ويبقى له العار والشنار فلما سمع الامام كلامه علم ان لابد له من لقائه فتقاربا وعظم الجدال والفريقان ينظران فما زال حتى مضى النهار واقبل الليل فخاف الامام ان يدركه الليل ولم ينل منه ما امله فحمل عليه الامام وكان قد ظهر له من ناقد التقصير فطمع فيه وجعل يدبر عليه الحيلة من اين ياخذه فتصارخت الابطال وتزاعقت الشجعان وإذا با لمشركين يصرخون ويقلون خرج الخطاف وانذهل العسكران والخطاف ينادي لا تعجل يا غلام علينا فنجعل ابق علينا نبق عليك فوثب الامام على ناقد وقبض عليه فتعلق به وتعاركا طويلا فادركهم الخطاف وقد همد وسمعنا عدوات الامام وزجراته ثم خمدت فلم يسمع لهما حس هذا والغبار متزايد وقد طال على الناس المطال ولم يبق احد من الفريقين الا وايس من الامام رضي الله عنه فقال جنبل نحن فرضنا في الامام إذا تركناه مع هذين الاثنين ولم نخرج إليه ولم نساعده


[ 52 ]

ولم ننجده بانفسنا واي عذر لنا عند الله فاجمعوا امركم واحملوا باجمعكم فعسى ان نخلص سيدنا واميرنا وانه قد وقع بين حجرين دامغين ولا خلاص له من بينهما الا ان يشاء الله وقد رام كل فريق ان يحمل على صاحبه وقد زاد القلق واشتد الارق وازرت الحدق وإذا بصرخة عالية وذا بالامام قد خرج من المعركة وهو يقول فتح ونصر وخذل من كفر هذا وناقد في يده كالحمام في مخالب الباز ونظروا وإذا بفارس هارب من تحت العجاج فتأملوه فإذا هو الخطاف واما ناقد فصار مثل العصفور في يد الباشق فسلمه الامام لا صحابه وقال يا معشر الناس ان القوم قد خمدت جمرتهم فاحملوا عليهم بارك الله فيكم وعليكم فقالوا يا اميرنا الليل قد اقبل والنهار قد ادبر فقال لهم الامام اضرموا النيران فانها ليلة كثيرة الاهوال والله اعلم بالمآل (قال الراوي) فعلوا ذلك واقبلوا على السهر والرصد وهم جلوس قابضون على اسلحتهم وتولى الامام حرس المسلمين الى ان اصبح الصباح واما المشركين فهربوا مع الخطاف الى الحصن فقال عسكر ناقد يا خطاف تمضي الى حصنك وتخلي ابن سيدنا في الاسر اما وحق المنيع فلا نسلمه لعلي الا ان قتلن عن آخرنا ولا لاي شئ خرجت معنا وقد رميت سيدنا ورجعت وانت سالم فقال الخطاف يا ويلكم لقد قاتلت ومانعت عن نفسي وسعيت في خلا صه فما استطعت ولو ان لعلي كفء لما خلصت من يديه فقالوا له امض الى حصنك ونحن إذا اصبح الصباح سعينا في خلاصه واما الامام فانه لما طلع الفجر اذن وصلى باصحابه صلاة الصبح ثم اقبل يحرض الناس على القتال ويقول معاشر الناس اعلموا انكم في غمرة ساهون وكنتم تعبدون الاوثان فا نقذكم الله واسعدكم بفعلكم وهذا عدوكم بازائكم ثم ان الامام دعا بناقد وقال له يا ناقد لقد نفذ فيكم القضاء وقيدك رب السماء وانت في امل فهل لك ان تبقي عليك قبل ان تسكن برمسك قال يا ابن ابي طالب اتنجي منك ناج بعد ان كان بيني وبينك من الوحشة والبغضاء والعداوة قال الامام يا ناقد إذا كان قلبي مبغضا على كافر واسلم واقر بالوحدانية لله ولمحمد رسوله بالرسالة بدلت البغضاء با لمحبة وانقلبت الوحشد بالمودة فإذا قررت بهما بطيب عيشك


[ 53 ]

وتفوز بخير الدنيا والاخرة قال يا ابن ابي طالب من يخلصني من المنيع قال له ان طول الله عمري لتنظرن صنمك المنيع بامر هائل شنيع وتراه في النار التي وصفتها ملقى حريقا فقال يا ابن ابي طالب لا شك فيك ولا فيما اظهرته وفعلته فقد وهبت نفسي لك في هذا اليوم ولا ابالي بما يلحقني من المنيع ولا من ابي وذوي حسبي وانا اقول اشهد ان لا الله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله وقد افلح من آمن بربكم وخاب من كذبكم وها انا اقاتل بين يديك في القوم لله ورسوله ولك ولا بغك الرضا (قال الراوي) فسر الامام سرورا عظيما وقال له البس آلة حربك واركب جوادك حتى تخرج الى قومك ثم امر المسلمين بالركوب فركبوا خيولهم وفعلوا ما امرهم به الامام فلما تقاربوا من المشركين قال الامام لناقد يا ناقد ابرز بين الصفين وادع قومك الى الاسلام فلعل الله يهديهم كما هداك فخرج ناقد فخرج وهو راكب على جواده ولا بس آلة حربه فلما نظروا إليه فرحوا فرحا شديدا ولم يبق احد منهم الا عرفه وقد ظنوا ان الامام اطلقه فلما قرب ناداهم باعلى صوته يا قومنا قد ظهر الحق وانكشف الغطاء وجاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا يا قوم عدوا عن الضلالات واعتذروا لرب البرايا يغفر لكم ما مضى وها هو آت يا معشر قومي وعشيرتي ليبلغ عني كبيركم وصغيركم اني قائل اشهد ان لا الله الا الله واشهد ان محمد رسول الله لااحول عنها ولا ازول وما انتم اشد مني باسا ولا اقوى مراسا وهذا باب قد فتح الله طريقه لكم ولا ح لكم بحقيقة فكونوا مثلي تفوزوا بالشهادة وتكونوا من اهل السعادة فما كان غير ساعه من الزمان حتى ظهر من القوم كردوس عظيم نحو الف فارس ولم يزالوا سائرين حتى وقفوا عنده وإذا هم من اصحابه الذين خرجوا معه من عند ابيه وهم يقولون يا سيداه لنا اسوة بك والذي تختاره احنا نرضاه ونحن نشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تصديق ايماننا ثم عطفوا على قومهم اصحاب الخطاف ووضعوا فيهم السيف البتار وحملت المسلمون معهم والامام في اوائلهم وناقد الى جانبه فلم تكن الا ساعة حتى ولت المشركون ولم يزل السيف الطعن واقعا فيهم وكان الخطاف على ساقه


[ 54 ]

العسكر فقاتل قتالا عظيما فلما ولت اصحابه ولى طالبا للحصن فدخل الحصن هو واصحابه ثم ان الامام جمع الغنائم وكثرت المسلمون واشتدوا بناقد وعزمه وقوته وصار المسلمون نحوا من الف وخمسمائة فارس وكلهم ابطال عوابس فتبعوا اصحاب الخطاف ولم يزالوا معهم الى باب الحصن فدخلوا الحصن واغلقوا بابه ونزلت المسلمون عليه بقية يومهم وقد امتلات الحصون بذكر الامام وقد قذف الله في قلوبهم الرعب (قال الراوي) ثم ان الخطاف لما دخل الحصن قال اصحابه يا سيداه ما وراءك وما الذي دهاك وبشره رماك فكان لا يقدر ان يرد جوابا من شدة الخوف فقال لهم اغلقوا الباب وحصنوا انفسكم ففعلوا ما امرهم به وهو جالس فلما سكن روعه سألوه ما دهاك قال يا قوم قد ذهب زمانكم فقالوا ايها السيد بين لنا ما وراء كلامك فقد ارعبت قلوبنا من خطابك فقال يا قوم قد دهمتكم المحمديون وهم ليوث ابطال يقدمهم الليث المغوار الذي كانه صاعقة من السماء قد نزلت واخذت قلوب الرجال مفلق الهام وقد احتوى على ناقد بن الملك واتباعه وقد خطفه من سرجه فانظروا لا نفسكم فان عليا لاحق بكم (قال الراوي) فلما سمع قومه ذلك ضجوا بالبكاء ضجا شديدا وتصارخوا بالويل والعويل فبينما هم كذلك في صراخهم إذ ظهر ابليس اللعين في صورة شيخ كبير قد افناه الزمان منحني تكاد جبهته تصل الى الارض وعليه جبة صوف في شكل الرهبان وبيده عكاز ووسطه مشدود بخيط من صوف وفي رجليه نعلا ن من خوص النخل فلما نظره القوم تنافروا يمينا وشمالا يصرخ بهم ما تنازكم وانا رسول المنيع ارسلني اليكم حتى ارى ما بكم من الجزع وشدة القلق الفزع لاسكن قلوبكم وابرز لقتال عدوكم فازيل عنكم الشدة وابطال البكاء والحزن من الاعداء وإذا اشرف عليكم هذا الغلام اتولى انا قتاله دونكم ولا اريد منكم بصيرا ولا معيا أو إذا رأيتموني قد وصلت إليه واحتوية عليه وقد ظهر المنيع بجنوده ونيرانه ودخانه فمن اراد ان يسبق الى خيل القوم وسلاحهم فليبادر الى ما شاء فلما سمع القوم سجدوا للصنم ثم رفعوا وزاد فرحهم قال مروع الوحوش ايها الشيخ اني لا ظنك من جند المنيع


[ 55 ]

الهنا فقال له ابليس اجل وانا رسول بينه وبين عباده لا ني اسبق الناس الى عبادته وخدمته فجازاني بهذه الكرامة فكونوا في امامكم حتى تروا ما يسركم من قتل عدوكم فقالوا ايها الرسول انا لنراك اضناك الكبر وانا لا نوقن ان لا طاقة لك على الحرب والنزال وشدة القتال فقال لهم ابليس لعنه الله كيف تشكون في المنيع وتقولون انه لا يقدر على شئ فقالوا انا لا نشك في ذلك ابدا ونعرف ان المنيع له عزم عظيم ولكن نريد ان نرى شيئا من برهانك لنكون على علم وتطمئن به قلوبنا فلما سمع منهم ذلك قال لهم ان المنيع لو اراد هلاك هذا الغلام قبل وصوله اليكم لفعل ذلك ولكن يريد ان يستدرجه الى ان يوقعه في ايديكم حتى يذيقه العذاب والهوان وتنشرح صدور الرجال وتنالوا عنده المرتبة العليا والفخر الزائد العميم وبعد ذلك يهلكه فانه ذو عزم شديد وانا اريكم بيان ذلك وبرهان المنيع الاله الرفيع وشدة قدرته ثم بسط يديه واوما بها الى الحصن فخيل لهم انه قد رفع الحصن فوق اصبعه وشاله ثم عاد فوضع بين يديه فراى القوم الحصن كما كان في مكانه فخر سجدا للجميع فقال لهم ابليس يا قوم ارفعوا رؤوسكم ثم غاب عن اعينهم فلم يروه (فقال الراوي) فعند ذلك قال لهم مروع الوحوش ابشروا يا قوم فقد جاءكم الفرج فلما سمع القوم ذلك لبسوا سلاحهم وآلة حربهم وتفرقوا في جوانب الحصن وضربوا على سوره سرداقا من جلود الفيل ونصبوا الرايات والاعلام وعزموا على الحرب والقتا ل وقد اصلحوا شانهم فبينما هم كذلك إذ اشرف عليه الامام رضي الله عنه واصحابه معه على مهل وعليهم الهيبة والوقار فانحدر الامام الى الوادي واشرف على حصن رامق وقد اظهرت الحدائق والشمس قد اصفرت لغروبها ثم نزل وامر اصحابه با لنزول فنزلوا من حول الحصن وانسدل الظلام واضرموا النيران وتحارس الفريقان والامام رضي الله عنه متولى حرس قومه بنفسه يحوم عليهم كحومه الليث على اشباله (قال الراوي) فقال عدو الله الخطاف مروع الوحوش لا صحابه اني لم ار رسول المنيع صنع في ابن ابي طالب شيئا وها هو نازل با يذائنا بالسلامة


[ 56 ]

فقال له قومه لا تستبطل قول رسول المنيع فقال لهم احفظوا حصنكم وانزلوا من داخله لئلا ينقبوه عليكم ويدهموكم فابتدروا جماعة من القوم الى ذلك وعدو الله الخطاف يدور على سور الحصن لينظر ما وعده به رسول المنيع وهو قلقان شاخص الى جهة الامام رضي الله تعالى عنه لا يعلم بغير ذلك بينما الامام مع اصحابه إذ لاح لهم برق نار واضرام شرار وقد بان من ناحية الشرق ولاح البرق فحقق إليه الامام وقال لمعت نار مارد نراه يتعرض لي ولا صحابي (قال الراوي) ثم ان الامام رضي الله تعالى عنه ايقظ اصحابه وامرهم بالجلوس ورفض الامام فنظروا الى تلك الناروهي قاصدة وشرارها متوقدة فقال جنبل بن ركيع يا امير المؤمنين ما هذا النار فقال الامام يا قوم سكنوا روعكم وطمنوا قلوبكم فانها نار الشيطان ولا سبيل له على اهل القرآن وجنود الرحمن فبينما الامام يخاطب قومه إذ تزايد لهيبها فما نظر الامام الى ذلك اخذ رمحه وخط به خطا حول اصحابه وناداهم اجتمعوا ولا تتفرقوا واذكروا ربكم واصبروا ثم جعل الامام رضي الله عنه يقرا القران ويتلوا ايات الله العظام واسمائه الكرام عند الرسم الذي خطه برمحه وهو دائرية حول اصحابه ولم يبق احد من خارج الرسم غيره ثم قال معشر الناس اني ضربت عليكم حصنا حصينا فلا يخرج منكم احد ومن خرج لا يلومن الا نفسه واتركوني انا لهم والله المعين والناصر عليهم انه على كل شئ قدير فقال ناقد يا ابا الحسن فالتفت الامام رضي الله عنه مبتسما غير مكترث بما ظهر وقال يا ناقد انت اقدمك لمبارزة الرجال والابطال فليس عيك طاقد على قتال الجان فقال ناقد لا والله يا ابا الحسن لا انزع الله ما اعطاك واتم عليك ما اولاك (قال الراوي) فبينما الامام يخاطب ناقد إذ وصلت النيران إليه ثم اشتدت ودارت حوله اصحابه وصارت كالسرداق المنصوب عليهم وهي دائرة بهم من كل مكان وتزاعفت الجن با على اصواتهم وصار لهم نباح كنباح الكلاب ففزع كل من كان مع الامام وخافوا وايقنوا بالهلاك ويئسوا من انفسهم ومال الامام رضي الله عنه إليها بعضهم والتصقوا وامسكوا عن


[ 57 ]

الكلام هذا والنيران قد خمدت باذن الله تعال فبينما هم كذلك وسمع مروع الوحوش الخطاف اصوات وضجات وهو من داخل الحصن حتى نظر الى النيران وهي محاملة بالامام وقومه فنادى الخطاف قومه وقال لهم كيف رأيتم بصر الاله المنيع لقد خاب عن عاده وخالف امره ورضاه فدونكم الغنيمة الشاملة والمسرة الكاملة ان تدركوا ابن ابي طالب قبل ان تلهيه فتاتوا به ذليلا حقيرا الى الملك الهضام والاله المنيع فيحكم فيه بما يشاء ويختار وتكون لكم الخلع والاكرام والمراتب العظام ثم اسركم لهذا الغلام (قال الراوي) فقال له الرجل يسمى جندب بن عميرة الحميري وكان رجلا مكينا شجاعا رزينا له بصيرة وعقل وراي سديد يامروع الوحوش الزم مكانك فهو اصلح لك وقابل ابن ابي طالب وانت في حصنك فهو ايسر لك واعلم ان هذا ناره اعظم من هذه النار وسيف محمد يطفئ هذه النيران وانا اعرف ما لا يعرفه غيري انا محترق النيران فلما سمع الخطاف ذلك الكلام نهره وزجره وقال له اسكت لا ام لك لقد صرت شيخا كبيرا ولاعقل لك ولا سكن معك سرى الخوف من ابن ابي طالب حتى صار ممتلئا به قلبك وظهري من بين عينيك يا ويلك ايغلب ابن ابي طالب الهنا المنيع وجنده ويكذب رسوله فيما قال لنا ويعدنا بالمحال واني لااعلم ان ياتيهم الصباح الاوهم رمادا ويحك اما رايت رسول المنيع كيف رفع الحصن على يديه حتى كدنا ان نخر على وجوهنا لولا تضرعنا إليه ولو اراد ان يقلب عليهم هذا الجبل لقلبه عليهم ولو اراد ان ان يخسف بهم الارض لخسفها بهم قال له جندب اما انا فقد نصحتك وحذرتك وما قلت اليوم مالك امرنا واما انا فلا افارق مكاني ملازما لموضعي الى ان انظر ما يكون فقال له مروع الوحوش الخطاف كن مع النساء وعليك با لحرس ثم تركه نزل مغضبا وقال لقومه دونكم واعداكم فانحدر مع القوم مسرعين فلما خرجوا من الحصن امر جندب بغلق الباب خلفهم وابثاقه با لاقفال وقال لمن بقي معه في الحصن انظروا لا انفسكم واحفظوا حصنكم


[ 58 ]

فما اظن عدتم تنظرون قومكم بعد هذا اليوم ابدا فهذا ماكان من عدوالله الخطاف وقومه واما ماكان من امر الامام رضي الله عنه فانه لما احتاطت به النار من كل جانب ومكان نادى برفيع صوته يا معشر الجان باي شئ تتعرضون وعلى توهجون وانا عذابكم النازل وسهمكم مقاتل انا أبو الزلازل انا ابن عم الرسول الفاضل انا البحر الساكب انا المذكور عند المطالع والمواهب انا ليث بني غالب انا امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (قال الراوي) فاحترقت تلك النيران واهلك اشخاصهم وقتل مردتهم فولوا ناكسين ووصلوا الى الرسم الذي رسمه امير المؤمنين فلما وصلوا إليه تراجعوا عن اصحاب الامام ولم يستطيعوا إليه وصولا وصار الرسم حصنا بين الجان وبين اصحاب الامام ولم يصبروا على ما طرقهم فخرج منهم ناس هاربين والى الامام طالبين فمازالوا عن الرسم حتى كادوا ان يهلكوا ويحترقوا وكانوا سبعة انفار ومنهم جنبل ابن ركيع وناقد بن الملك من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دارت بهم النار وقبايل الجان نادوا برفيع اصواتهم يا سيداه يا علياه يا محمداه يا رباه فلما سمع الامام اصواتهم اسرع الامام إليهم وهجم عليهم فتسافر الجن عنهم يمينا وشمالا عند وصول الامام فخلص الامام قومه وقال لهم ما حملكم على ذلك ولم خالفتم امري فقال جنبل يا سيدي ضعف اليقين وصولة الجان فما هذا وقت ملام وكن مخلصا لنا ولنفسك من هذه الاهوال فتبسم ضاحكا من قوله وهو غير مكترث (قال الراوي) فبينما الامام كذلك إذ سمع صوت مروع الوحوش وهم ينادون الى اين يا ابن ابي طالب من عذاب المنيع الواصب لقد غرك الذي ارسلك الى المنيع انا مروع الوحوش الخطاف ثم تقدم الى الامام وهو يظن انه ظافر به فقال على دونك فافعل بي ما اردت فظن عدوالله ان امير المؤ منين قد اسلم نفسه فقصد نحو الامام وهو يقول إذ خلد القوم بذل اسرهم هذا علي قد اتى بشره وقومنا قد فزعوا من سحره لا ذيقه عذاب اسره (قال الراوي) فلما سمع قوم الامام قول الخطاف زاد اضطرابهم وكثر قلقهم


[ 59 ]

ثم صاح بعلو صوته لا يتداركني احد ولا يشاركني في ابن ابي طالب فسمع الامام وقومه ذلك من الخطاف وكان جهوري الصوت فلما سمع الامام واصحابه ذلك ارتخفت قلوبهم وتقدم مروع الوحوش الى الامام وهو يظن انه في قبضته فنظر إليه وهو كانه سابقة ريح عظيم فلما نظر مروع الوحوش الى الامام وهو على هذه الحالة اندهش وارتعش وندم على خروجه من حصنه ثم انه انقى سلاحه من يده وقال يا ابن ابي طالب ابق على اسيرك وحسن الي بكرمك فتقدم الامام الى مروع الوحوش واوثقه كتافا بعمامته واخذه اسيرا فما اخذ مروع الوحوش ولى اصحابه هاربين والى حصنهم طالبين وهم لا يصدقون بالنجاة يسلم الامام مروع الوحوش الى جنبل وناقد ثم سار الامام نحو النيران وهو يقول يا شرحبيل اسكنوا البراري وستوطنوا خلاء القفار لئلا ترموا بالدمار من عند رب قادر قهار انا علي لمرتضى الكرار وابن عم الصطفى المختار انا علي ولي الجبار مبيدكم بالحد والشفار ومحللكم بالويل والدمار فما اتم كلامكه حتى ولى الجن هاربين ووصل الامام الى اصحابه فاستبشروا بقدومه فاقبلوا يسالونه عن حاله وما كان ليلته وهو يحدثهم فبينما هم في الحديث إذ سمع صراخ جنبل وناقد وهم ينادون يا ابا الحسن ادركنا قبل ان تتركنا فلما وصل الامام الى ناقد وجنبل وجدهما يبكيان فقال لهما الامام ماهذا البكاء وقت الفرج فقال ناقد يا سيدي لما عمتنا الاهوال واشتغلنا عن مروع الوحوش بانفسنا فحل الخطاف وثاقه وفر هاربا الى حال سبيله فلما سمع الامام ذلك صعب عليه وكبر لديه ثم قال لا باس علكم طيبوا خواطركم فهو الذي بعث ابن عمي بالحق بشيرا ونذيرا لاورينكم فيه ما يسركم وانا اعلم ان لا ملجا لعدو الله غير حصنه فيا قوم الله سبحانه وتعالى قد كشف عنكم ما كنتم فانهضوا الى اصحابكم واخوانكم ولا تزولوا عن اماكنكم الى الصباح فاني متبع اثر القول وصاحبكم الخطاف فان صبح الصباح ولم آت لكم فاقصدوا انتم الى الحصن فتجدوني فيه فسار الامام الى ان وصل الى الحصن فراى القوم على اعلى الحصن وقد وقدوا نيرانهم فرآهم الامام في ضوء النار وهم لا يرونه وقد وصل القوم المنهزمون الى الحصن


[ 60 ]

وهم تحت الذلة فبينما هم كذلك تقدم الامام رضي الله تعالى عنه الى قريب من الباب والمنهزمون ينادوا لجندب بن عميرة الباهلي ويقولون افتح لنا الباب فلما فتح تقدم الامام واختلط بالقوم وصار من جملتهم ودخل القوم يكرشون بعضهم بعضا وهو لا يصدقون بنجاة انفسهم فدخل وجلس وهو قابض على سيفه فلما تكامل القوم في الحصن اغلقوا بابه ووقفوا في ازقة فاقبل عليهم الذين في الحصن وقالوا يا ويلكم ما الذي نزل بكم فاخبروهم بالذي جرى لهم مع الامام فلما سمع القوم ذلك ذهبت افراحهم وقال بعضهم لبعض ان انسانا وحده يغلب المنيع وجيشه فقال جندب بن عميره يا ويلكم اما سمعتوني وانا انصح صاحبنا مروع الوحوش فاني النصح فيا قوم وحق المنيع ان كانت يد ابن ابي طالب علقت بصاحبنا الخطاف فهو مخلص روحه من جسده فقال جندب يا قوم إذا اتاكم الى الحصن فاسألوه انتم في الحصن الامان فانه يأمنكم لا يخونكم وهو كريم (قال الراوي) فوثب الامام قائما في وسطهم وزعق بهم وقال ها انا قد جئتكم ووصلت اليكم ها انا ممزق الكتائب ها انا ليث بني غالب ها انا امير المؤمنين علي بن ابي طالب فلما سمع القوم ذلك من الامام انقطعوا عن الكلام فقال له جندب الحميري يا ابن ابي طالب انت من السماء نزلت ام من الارض خرجت ام من الباب دخلت فقال لهم من الباب دخلت فلا يخلو امركم من كلمتين اما ان تقولوا نشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واما ان تقولوا لا وتموتون جميعا (قال الراوي) فلما سمع القوم مقالته نظر بعضهم الى بعض فقال جندب يا ابن ابي طالب اني قد اشرت بذلك على قومي فابوا اما انا اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله آمنت بالله وبرسوله ثم التفت الى قومه وقال يا قوم ما يقعدكم عن رشدكم فنادى القوم عن لسان واحد قائلين لا الله الا الله محمدا رسول لله فلما سمع الامام رضي الله تعالى عنه منهم شكرهم وجازاهم خيرا وفرح با سلامهم فرحا شديدا ثم قال لهم يا قوم لا يتم اسلامكم ولا يكمل ايمانكم حتى تقاتلوا اباءكم واخوانكم وعشيرتكم فان قتالهم فرضا عليكم فقالوا با جمعهم يا ابن عم رسول الله انا نقاتل معك وبين يديك حتى نرضاك ونرضي الله ورسوله


[ 61 ]

فجزاهم الامام على ذلك خيرا وقال الحمد لله الذي جعلكم من اهل الايمان وحقن دمائكم ثم التفت الامام الى القوم وقال لهم يا قوم ان عدو الله الخطاف قد اخفى امره فهل عندكم منه خبر فقالوا لا والله يا امير المؤمنين لم يكن في الحصن غير الرغداء بنت الخطاف وهي بمنزلها ونحن نخشى سطوتها الا انها اشد من ابيها وهي من الجبابرة ونسل العمالقة من بنات حمير وقد اعتدت ركوب الخيل وخصوص الفرسان في الليل ولقاء الرجال وقتال الابطال على جسورة على القتال يحذر مكانها الفرسان فعند ذلك تبسم الامام ضاحكا وقال اني لا افزع من تهابه الابطال فكيف بذات الحجاب امضوا إليها واتوني بها لامضي امري معها فقالوا ايها الامير ما للنساء الا النساء فقال الامام بل يمضي إليها جميع النساء وهم يقولون باجمعهم لا اله الا الله محمد رسول الله فإذا سألتهن عن ذلك يخبر بخبري وما جرى لهم معي فطلعت النساء من وقتهم وساعتهم الى دار الخطاف وهن يقلن لا الله الا الله محمد رسول الله فاشرفت عليهن الرغداء من منظرتها وليس عندها اخبر باسلامهن فقالت لهن يا ويلكن ما هذا الكلام الذي لم اسمعه ابدا منذ ملكت عقلي ثم نزلت لهن فقلن لها يارغداء ان كنت نائمة فاستيقظي فان الحصن قد ملك قالت ومن ملكه فقالوا لها علي بن ابي طالب فقالت واين ابن ابي طالب فقلن لها هو في الحصن فقالت واين الخطاف فقلن اسره وانفلت من بعد الاسر فلا ندري اين سار وقد اسلم كل من في الحصن وهو يدعوك إليه لتدخلي في دينه فلما سمعت الرغداء منهم ذلك فارت بالغضب ثم كتمت غيظها سرا وقالت اين يكون الغلام الذي ذكرتموه فقلن لها ها هو في اقصى الحصن يبايع الرجال فقالت لهن على رسلكن حتى اسير معكن ثم دخلت منزلها واخذت خنجرها فشدته في وسطها من تحت ثوبها واظمرت الشر لامير المؤمنين وقالت في نفسها ان وصلت إليه لم ابق عليه واقبل النساء على امير المؤمنين وهي معهن وقد تأخرت عن النساء لتنظر كيف يبايعهن ويكون ذلك امكن لها من الامام ثم ان علي لما هم ان ياخذ البيعة على الرجال والنساء فإذا هو بباب الحصن يطرق طرقا خفيفا فقال الامام انظروا من الطارق وشرف بعضهم من


[ 62 ]

اعلى الحصن ونظر من يكون من خارج فإذا هو الخطاف وهو يقول افتحوا ياويكم قبل ان يدنو من صاحبكم لذهاب فقالوا من انت قال انا الخطاف (قال الراوي) فاقبل القوم على الامام واخبروه بقدوم صاحبهم فقال افتحوا له الباب وادخلوه ولا تمدوا إليه يدا بسوء ولا تكشفوا له عن مكاني ولا تخبروه بشأني فبادروا إليه مسرعين وفتحوا له الباب فوجده على آخر رمق من تعسعسه في الظلام بين الدكادك والاجام فلما نظروه قالوا ما الذي دهاك ايها السيد وما نزل بك فلم يجبهم ولم يرد عليهم جوابا ولم يبد لهم خطابا دون ان دخل مسرعا وقال يا ويلكم اغلقوا الباب واوثقوه بالسلاسل والاقفال فقالوا ايها السيد واين تركت ابن ابي طالب قال تركته وقد شغله عني وعنكم جند المنيع فازدادوا عجبا ثم قال يا قوم لا تستكثروا على مهلا حتى ادخل ويرد علي عقلي فدخل الحصن فانتظر القوم ما يكون منه مع الامام ثم التفت بعض القوم الى الرغداء بنت الخطاف وقالوا لها يارغداء ان اباك يكاد يبدو منه شر الى علي بن ابي طالب فيكون وباله عليك واعلمي يارغداء ان هذا الرجل لا يطلق من المزاق ولقد سمعت ما صنع بابيك منا فقالت الرغداء وما عسى ان اصنع في هذا الاله المنيع وجنده عجزوا عنه وعجز عنه الابطال من الرجال والنساء عجزوا عجزا (قال الراوي) ثم تركتهم وتقدمت الى قرب الامام وهي قابضة على خنجره واسبلت عليه ثيابها واضمرت انها تحول بين الامام وبين ابيها وان لا تدع الامام ان يصل الى ابيها وهي واقفة ترتعد من شدة الغيظ فبينما هي كذلك إذ اقبل ابوها والقوم في اثره حتى اتوا به المكان الذي فيه الامام والمصابيح تزهو حوله وهو يحدثهم بحديث الامام وغرائبه إذ نظر فراى الامام جاثما كجثوم الاسد الضرغام فحقق الخطاف نظره فرى الامام فعرفه فجعل كلما ينظر إليه يراه ويمسح عينيه ويعيد النظر إليه فتحققه فلما عرفه توقف عن المسير ووقعت الدهشة به وعاد كالسعفة ثم التفت الى القوم وقال من هذا الرجل الذي هو جالس فقالوا له ايها السيد من معارفك وهو مشتاق الى لقائك فعند


[ 63 ]

ذلك وثب إليه على من مكان وثبة الاسد إذا عاين فريسته وقال له انا من لا تنكرني إذا عرفت باسمي انا غريمك ومطلبك واني مشتاق الى لقائك انا ممزق الكتائب انا ليث بني غالب امير المؤمنين علي بن ابي طالب (قال الراوي) فلما سمع الخطاف كلام علي خرس لسانه وبطلت حركته فهم علي بسيفه وقال له ما ينجيك من سيفي هذا الا قول لا اله الا الله محمد رسول الله فعند ذلك تقدمت ابنته الى علي وارادت ان تمنعه عن ابيها فنظر إليها ابوها طمعا ان تحميه من الامام لما يعلم من شدتها وشجاعتها وقوتها فنظر إليها علي وصرخ عليها صرخته المعروفة فارعشها وادهشها بصرخته فارتعشت واضطربت ومالت وكادت ان تسقط الى الارض فوقع الخنجر من يدها فا ستغاثت بعلي وقالت اني اعوذ برضاك من سخطك يا ابا الحسن اني امرأة ضعيفة العقل واخذني ما ياخذ الاولاد على ولدهم من الشفقة واني سمعت ممن راى اليكم يقول انكم شفعاء الى رب السماء والارض والمنقذون لمن ينزل به الويل والبلاء مهلا فلا تعجل بالنقمة فسمع الامام كلامها فتبسم ضاحكا وزال عنه الغيظ وقال الامر كذلك عفونا عنك فقالت الرغداء يا ابن عم رسول الله انتم اهل الجود والكرم وحياتك ان حياتك عندي صارت قسما عظيما فامدد يدك فاني اشهد ان لا اله الا الله محمد رسول الله وانت ولي الله وسيفه ونقمته على اعدائه فانسر لذلك واما الخطاف فانه حين اسلمت ابنته الرغداء وعاين ذلك منها التفت إليها وقال لها لا نجوت عن البنات ولا بلغت من المشرات فقال علي رضي الله عنه يا عدو الله وعدو نفسك انظر الى نفسك وحل ابنتك وتوطا في مجلسك فلست اعجل اليك وعليك ولا اترك لله حجة الا واوضحها لديك فالحق كلمتك بكلمتهم يكن لك الذي وعليك الذي علينا (قال الراوي) فالتفت الخطاف الى قومه وقال لهم ما تكون كلمتهم فقالوا له اتينا قلنا جميعا رجالا ونساء كبارا وصغارا الا الله الله محمد رسول الله فقال الخطاف يا ابن ابي طالب اني اريد ان تريحني من النظر اليك فاني اكره ذلك فقال له الامام ولم ذلك يا ملعون يا عدو الله وعدو نفسه قال لا ني لا اشهد لك ولا لابن عمك الا بالسحر والكهانة فعند ذلك غضب الامام غضبا شديدا


[ 64 ]

وبادره بضربة فوقعت على ام راسه فعند ذلك اطمانت الناس وامنوا فعند ذلك قال يا معشر المسلمين اني تركت اصحابي اريد ان امضي إليهم ابشرهم بما من الله به علينا من فتح هذا الحصن وقتل عدوالله الخطاف فعند ذلك قال القوم يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابعث من تختاره منا إليهم يؤمنهم ويبشرهم ثم ان علي دعا رجلا منهم يقال له جابر بن هقيم الباهلي ليبعثه فقال لبيك يا امير المؤمنين اني امضي في حاجتك وابادر الى مرادك فشكره على وجازاه خيرا ودعا له ثم قال يا جابر خذ خاتمي معك وانطلق الى اصحابي واقرئهم السلام وبشرهم بما من الله علينا من الفتح والنصر وامرهم با لمسير معك الينا في مكاننا هذا ثم قال اسرع بما امرتك به بارك الله فيك فخرج جابر بن عقيم الى امر الامام فلما وصل إليهم ناداهم جابر فقالوا من انت فقال انا جابر بن عقيم الباهلي ارسلني اليكم امير المؤمنين فقالوا يا جابر اين تركت الامام فقال لهم في الحصن والقوم حوله بعد ان ملكه وسلمت الرغداء الخطاف وجميع النساء فلما سمع اصحاب الامام ذلك كبروا ثم ظهر لهم تكبير الفرح وفرحوا به فامرهم بالمسير فساروا الى ان اقبلوا على الحصن فنزل إليهم جميع من با لحصن فاستقبله الامام وسلم عليهم وعانق بعضهم بعضا وفرحوا باسلامه فلما اختلط الظلام دعا بجابربن عقيم وامره على مائة رجل يامرهم بحفظ الغنائم وامر القوم كلهم بالمسير معه فقالوا سمعا وطاعة يا ابن عم رسول الله ثم اخذ وا في اصلاح شانه وجهزوا سلا حهم وتقلدوا سيوفهم واتوا الامام فهم بالمسير ثم سار الامام رضي الله عنه واصحابه الى صحن الصخرة وقد طلب له المسير فالتفت الى القوم وقال يا معاشر الناس ان امرنا قد شاع في الحصون ولا بد ان تأتينا الجيوش فهل فيكم من ياخذ لنا خبر الطريق ويسال السالكين عن منتهى وحقيقة الاخبار فكان اول من تقدم الى الامام ناقد بن الملك فقال يا امير المؤمنين انا الى ما ذكرت مسارع وتقدمت إليه الرغداء بنت الخطاف وقالت يا ابن عم رسول الله ان البلاد بلادنا ونحن اعرف الناس بها وشجاعتي تعرفها الشجعان وإذا اردت ان ترسلني مع من تريد فافعل ثم انتخب لها الامام عشرة


[ 65 ]

وامر عليهم ناقد بن الملك فسار ناقد فلما وصل الى الحصن وجد اهله قد تأهبوا وعزموا على القتال فرجع ناقد ومن معه فلما وصل الى الامام سأله عن الحال فقال ناقد يا امير المؤمنين ان القوم في تحصنوا في حصنهم وعزموا على الحرب وتاهبوا للقتال فانظر يا سيدي ما انت له صانع فقال الامام إذا اراد الله سبحانه وتعالى بفتحه تهدمت اركانه قال ناقد يا امير المؤمنين ان في الحصن رجلا شديد القوة كثير الاذى واحذرك ان ياتيك من اذيته شئ فتبسم الامام وقال يا ناقد سر ثم سار ناقدا واصحابه الى ان وصلوا الى الحصن فلما نظر الامام الى مكنته وعلوه وارتفاعه قال اللهم سهل علينا فتحه ثم ان الامام فرق عسكره كتائب ليكون هذا اهب في قلوب المشركين لابهام كثرة جيوشه فلما اراد ذلك ارتجفت قلوب القوم الذين هم داخل الحصن وقالوا لبعضهم ما اكثر هؤلاء القوم فبينما هم كذلك إذ يشرف امير المؤمنين بجميع اصحابه فكبروا ونزلوا ولم يتعرضوا للقوم فما استقر الامام في مكانه حتى اشرف عليهم من الحصن رجل كانه قطعة من جبل لهوله وعظمه فلما نظرء الامام استعظم خلقته وقال تبارك الخلاق العظيم ثم اقبل الامام الى ناقد وقال له اتعرف هذا الرجل المهول فقال ناقد يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا صاحب الحصن وهو مصاهر لنا وهو زوج ابنة ابينا ومن خوف ابي منه دفع إليه ابنته بغير مهر معجل ولا مؤجل فبينما الامام يسمع كلام ناقد إذ سمع صراخ عدو الله من اعلى الحصن وهو كانه الرعد القاصف والريح العاصف وهو يناديه يا معشر الجهال وعصابة الارذال ارحلوا بانفسكم غانمين وبارواحكم سالمين فلما سمع الامام مقالته غضب غضبا شديدا فوثب من مكانه وافرغ عليه لامة حربه وقبض على سيفه وجحفته وقدم الرعاة الذين هم معه وهم نحو مأتي رام فانفذ لكل جهة من جهات الحصن واقرنهم بامثالهم من الرجال الذين هم بالدورق لكل رجل رام رجل يلقي بدرقته عنه ومال الامام بمن معه الى ناحية الباب وقدم الرماة امامه وقدم اصحابه الى القتال فتحاربوا با لاحجار فرمى المشركون بالصخور الكبار ورمي الرماة بالنبال 5 سيرة علي


[ 66 ]

فلما نظر الامام ذلك عظم عليه فتقدم بنفسه الى الباب وعدو الله يرمي بالاحجار والصخور وجعل الامام كلما وصل إليه حجر تلقاه بدرقته وارخاه متباعدا عنه ومازال القتال بين الفريقين الى وقت العصر فعطف الامام باصحابه وقال حسبكم من القتال فتراجعا الناس الى اماكنهم وعدو الله واصحابه يعطفون ويهزئون بهم فعظم ذلك على الامام وبا ت الفريقان يتحارسان واضرمت النار وتولى الامام حرس اصحابه بنفسه خوفا عليهم فبينما هم كذلك وإذا بشخص قد ظهر في الطريق فتأمله فنزل الامام عن جواده واتى الى صخرة وجلس مختفيا وراءها حتى وصل إليه ذلك الشخص وصار محاذيا له فوثب إليه الامام وامسكه من رجله ورماه الى الارض فقال ذلك الشخص للامام من انت الذي اوهنت عظامي فقال الامام انا ليث بني غالب امير المؤمنين علي بن ابي طالب فلما سمع الشخص باسم علي خرص لسانه فلم تكن الا ساعة والامام واقف على راسه حتى ردت إليه روحه وفتح عينيه وقال يا ابن ابي طالب سألتك بحق ابن عمك ان تبقي علي وتحسن الي بكرمك فقد كنت اتقيك واحذرك قبل ان اراك فعند ذلك عفا عنه الامام واوثقه كتافا واخذه الى عسكره فحل وثاقه وقال له يا هذا قل الصدق تنج واياك ان تقول غيره فتهلك فقال الشخص يا ابن ابي طالب اما قولي فصدق وهو الحق انا اشهد ان لا الله الا الله وان ابن عمك رسول الله واالآن فخذ حذرك فقد اتاك عسكر جرار وهم عشرة الآف فارس من كل بطل مداعس يقدمهم بطل مقدم العشرة آلاف وهو غنام بن الملك الهضام انه لما وصلت إليه اخبارك وما فعلت في حصونه اراد ان ياتي اليك بنفسه فا قسم عليه ولده غنام بقوة المنيع انه ياتي ويقبض عليك ويوصلك إليه حقيرا ذليلا اسيرا فتبسم الامام ضاحكا من قوله وقال له ما اسمك يا هذا قال اسمي القداح بن واثلة فقال له يا قداح اريد منك ان تمضي إليهم في هذا الليل وتجعل لي طريقا معك توصلني إليهم فقال القداح إذا وصلت إليهم يا مولاي ما الذي يكون فقال الامام افتح الحصن واقتل عدوالله كنعان على يديك فقال القداح ان كنت فاستيقظ فان الذي قتله بعيد (قال الراوي) فوثب إليه ناقد بن


[ 67 ]

الملك على القداح ونهره وقال له لا ام لك اعرف مكانك واعلم من تكلم فهذا الذي تكلمه فارس الفرسان هذا ليث بني غالب علي ابن ابي طالب فاقصر من كلامك والا رميت بهذا السيف فجزع مما سمع واخذته الرعشة والدهشة من كلام ناقد وغيره فقال الامام يا قداح قد وجب عليك الجهاد في سبيل الله فان اردت ان يمحوا الله ما سلف من ذنبك فهب لي نفسك لله ومرضاته في هذه الليلة فقال القداح اني اخاف من القتل وورائي اطفال وليس لهم قريب ولا حبيب ولا ام عجوز كبيرة فإذا قتلت فمن يكون لهم بعدي فقال له الامام لهم الذي خلقهم ورزقهم عليه وانا اضمن لك من الله السلامة فانه على ما يشاء قدير ثم اخذ الامام مطيته من اصحابه واقبل عليهم وقال ارتحلوا راجعين على اعقا بكم فإذ ا سمعتم التكبير فاطلقوا عنه الخيل واتوني مسرعين فارتحل القوم من وقتهم وساعتهم فقام الامام وركب مطيته وقال القداح اركب مطيتك فركب القداح وسار والامام معه الى ان وصل الى باب الحصن واحس بهم اهل الحصن فنادى كنعان من الطارق لنا في هذا الليل الغاسق فجاوبه القداح وقال ايها السيد العظيم انا رسول الله بشارة كنعان وقال لعلك يا قداح جئت من عند الملك قال نعم انه قد اتاك ابنه له عشر آلاف فارس فنزل كنعان بنفسه الى باب الحصن ليفتحه للقداح ونزل معه جماعة من قومه وقد امتلات قلوبهم بالفرح والسرور فتقدم الامام الى الباب وترك القداح وراءه لانه سمع المفاتيح عند افتتاحها فقبض بسيفه وطال وقوفه على الباب فلم يفتح وكان السبب في ذلك انه لما وصل عدو الله الى الباب ومن معه واراد ان يفتحه بنفسه من شدة الفرح ظهر له ابليس فلما نظر القوم شخصوا نحوه وذهلوا من منظره فاتى الى كنعان واخذ المفاتيح من يده وولى راجعا واشار الى القوم ان يتبعوه الى الحصن فلحقوا في اثره فلما بعد عن الباب قال ياو يلكم انا رسول المنيع جئت اليكم لا نظر ماذا تصنعونه با نفسكم حيث اردتم ان تسلموا حصنكم الى علي ابن ابي طالب بلا قتال ولا نزال فقال كنعان ايها الرسول الكريم واين علي بن ابي طالب فقال ها هو واقف على الباب مع القداح من حزبه ومن اهل دينه وقد ساقه اليكم


[ 68 ]

ليهجم عليكم فاندهش القوم من ذلك (قال الراوي) فلم يشعر الامام حتى نزلوا عن يمين الباب وعن شماله وبايديهم السيوف والجحف وجعلوا يتصارخون با لامام فاخذ عليهم الامام محاذيا الى الباب فلم يترك احد منهم يخرج إليه وناداهم بعلو صوته يا معشر اللئام لقد اخطاكم الامل فانا علي بن ابي طالب قاطع الاجل قوثب اللعين كنعان وعدو الله مداعس ومن معهم وكان كنعان معه جحفه منجية وهو واثق بجحفته وقوة ساعده فتقدم الى الامام وضربه ضربة شديدة فاخذها الامام علي جحفته ثم عطف عليه الامام وضربه بسيفه فتلقاها عدو الله بجحفة فقطع السيف فلما وصل إليه من الجحفة ورماها ولو ملكته لاهلكته وكان كنعان واثقا بها متمكنا منها فلما راى عدو الله ذلك من الامام اقبل على قومه وقال يا ويلكم ادفعوه حتى يبعد عن الباب الى الخلاء ليتسع عليكم الفضاء وتملكوا انفسكم فطلع من داخل من داخل الحصن اعلى الصور وارسلوا عليه الصخور والجنادل من اعلى الباب فنزلت عليه كالمطر فتأخر الامام عن الباب لهول ما لحقه (قال الراوي) فعند ذلك فرح الامام فرحا شديدا حيث خرج عدوا الله مداعس وخرج والده كنعان في اثره ومن كان معه من الرجال ولم يبق في الحصن الا القليل ثم امر اللعين كنعان بغلق الحصن وايثاقه من وراء القوم ثم نادى الامام برفيع صوته يا شرحبيل دونكم والقتال فان شئتم فواحد لواحد وان شئتم فكلكم لواحد برفيع بعث ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وسلم با لحق بشيرا ونذيرا ما انا براجع عنكم حتى اشبع الوحوش والطيور من لحومكم الخبيثة وانا واحد واثق بواحد فهو على ما يشاء قدير وبا لاجابة جدير اما تعرفوني انا ممزق الكتائب ليث بني غالب امير المؤمنين علي ابن ابي طالب فقال له كنعان لو لا يكون علينا عار لهجمنا عليك بكليتنا وانما يبرز اليك واحد منا قال الامام رضي الله عنه يا عدو الله ورسوله وعدو نفسه افعل ما بدالك وما تريد (قال الراوي) فعند ذلك تقدم رجل من المشركين يقال له سباع الى عدو الله كنعان وقال ايها السيد انت تجود لي بلبسة وما عليه من الثياب والعدة والسلاح وانا آتيك به اسيرا ذليلا حقيرا فقال كنعان لك ذلك يا سباع وحق


[ 69 ]

المنيع الاله الرفيع لئن آتيتني بابن ابي طالب لا زيدنك على الذي قلته باكثر فعند ذلك خرج سباع من بين المشركين فرحا مسرورا وظن انه يغلب الامام وياسره وجعل يرتجز وينشد يقول الق سلاحل يا غلام وآتني من قبل ان تردى بحد حسامي (قال الراوي) فلما سمع الامام ما قاله سباع تبسم ضاحكا وقال ها انا مقبل اليك وواقف لديك فقال له اسرع لنحوي فجاء الامام الى نحوه فظن عدو الله سباع ان الامام سلم نفسه إليه حتى يؤسره فتقدم سباع وهو يظن انه قادر عليه فلما عدو الله سباع وثب إليه الامام كانه اسد إذا عاين فريسته وضربه ضربة على راسه با لسيف فشقه السيف نصفين ونزل عدو الله الى الارض قطعتين فعند ذلك التفت الامام الى كنعان وقال له يا عدو الله وعدو نفسك دونك والقتال فقد مضى صاحبك الى الناس وبئس القرار فلما راى مداعس بن كنعان ذلك من الامام تقدم إليه وجعل ينشد ويقول انا الفتى المشهور في الفوارس انا الهمام الضغيم المداعس انا ابن كنعان المسمى يافتى انا مبيد البطل المحارس انا الذي احيا ليوم كريهة وخائض الغمرات في الغلامس (قال الراوي) فلما سمع الامام كلام مداعس تبسم ضاحكا وقال يا ابن كنعان دونك والضرب والطعان فانطلق إليه ومال نحوه فلما اتاه وثب إليه الامام وثبته المعروفة فوصل بها إليه وقبض بكلتا يديه ثم ضم الجواد إليه ليقلبه عليه فايقن مداعس با لهلاك واخذه الارتباك فصاح من شدة ما اصابه يا ابن ابي طالب بحق ابن عمك الا ما ابقيت علي واحسنت بكرمك الي فمد الامام يده وقبض عليه من سرجه وامسك راسه واوثقه كتافا بعمامته وقاده فرسه الى صخرة هناك ورماه ثم ركب جواده وتقدم على مهل من غير طيش ولا عجل الى ان اتى القوم وقال يا نسل اللئيم هل فيكم من يبرز الى القتال ويبادر للنزال فناداه يا ابن ابي طالب كن مكانك فاني قاصد اليك وهاجم عليكم ثم برز عدو الله كنعان وكان نسيم السحنة وبدت غره


[ 70 ]

القمر مع انه كان فئ اخر الشهر فنظر الامام الى كنعان وهو كانه الليث الجحود وهو راكب على برزون اشهب من البرازين العطام مهول لعظم خلقته فلما تقاربا نادى عدو الله كنعان يا ابن ابي طالب وطالت ولدي مداعس فقال علي قد كان ذلك وانت الآخر ان شاء الله تعالى فقال كنعان قتلته ام لا قال له الامام انما هو بقبضتي اسير فقال كنعان يا ابن ابي طالب لو كنت ما ابقيت عليه ما ابقيت عليك ولقد كنت اضمرت اني لا امتعك بالحياة بعد طرفة عين واعلم يا ابن ابي طالب انه ما ثم مخلوق على وجه الارض يقدر علي وليس له طاقة بي فسلم نفسك قبل ان ينزل بك الضمار ويحرقك الاله المنيع بالنار فلما سمع الامام ذلك حمل عليه وضربه بجحفته على راسه فنزل هاويا الى الارض مغشيا عليه وقد اندق منخره في الارض فبرك عليه كانه الاسد واوثقه كتافا ثم تركه على حاله وعمد الى القوم فكان يقول للرجل قل لا الله الا الله محمد رسول الله والا قطعت راسك هذا الحسام فمن اطاعه تركه ومن خالفه هلك فعندما راى القوم ذلك تصايحوا الامان الامان يا ابن ابي طالب واشرف من كان في اعلا الحصن من الرجال والنساء على قوم الامام وقالوا لهم انا نسالكم ان تأمنونا من امركم هذا ونحن مطيعون له فيما يامر به ففرح اصحاب الامام بذلك وزال عنهم الحزن والقلق وسمعوا الامام يقول يا قوم لا امان لكم عندي حتى يكتف بعضكم بعضا فلما سمعوا ذلك اقبلوا على بعضهم واوثقوا انفسهم عن اخرهم واقبلوا إليه اسارى فجمع اسلحتهم عنده ولم يبق في الحصن معاند ولا منازع غير النساء وهن خائفات واجلات مذعورات لما راوا من الامام وهالهن ذلك ثم ان الامام امر من كان اسلم في القتال ان يمضي الى النساء وان يوثقهن كتافا فمضى إليهم جماعد ففعلوا ذلك ثم ان الامام اقبل على عدوالله كنعان وكان قد افاق من غشيته وهز السيف في وجهه فقال يا ابن ابي طالب قل ما انت طالب وعليه عازم فقال له الامام يا كنعان قل لا اله الا الله محمد رسول الله تكن لنا ولك السعادة والنجاح واياك ان تنكر ها فيحل بك البلاء الفضاح وتخرج روحك من جسدك كخفة البرق إذا لا ح فقال يا ابن ابي طالب ومن


[ 71 ]

ينقضني من نار المنيع وسطوته فقال له الامام يا ويلك ان المنيع قد ولى زمانه وحان هوانه واتى بواره وقرب دماره فلم يمهله الامام وقد اشتد به الغضب دون ان يضربه ضربة هاشمية محمدية فوقعت الضربة على عاتقه الايمن فخرج السيف من تحت ابطه الايسر فوقع عدو الله كنعان واقبل بها الى الباب ففتحه وظهر بها الى القوم فوجدهم قد افنوا من عندهم من المشركين ولم يبق الا من قال لا الله الا الله محمد رسول الله وصفا وقت عشيهم في انتظار ان يخرج إليهم الامام عدو الله وراس كنعان في يده وفرحوا ثم ان علي قال لهم يا قوم اين مداعس بن كنعان فاقبلت إليه الرغداء بنت الخطاف وقالت يا سيدي انه لحق بابيه الى النار وبئس القرار فشكرها على ذلك وجازاها خيرا ثم ان علي امر القوم بدخول الحصن فدخلوا والامام في اوائلهم وهو يقول فتح الله ونصر الله وخذل من كفر ثم بعد ذلك امرهم با حضار الاسارى فاحضروا بين يديه فامر بحل كتافهم فحلوهم (قال الراوي) ثم ان علي اراد ان يرتحل من ذلك الحصن فا قبل عليه ناقد ابن الملك وقال يا ابن عم رسول الله اني اريد ان اسالك عن امر فان كان فيه معصية فاني اتوب الى الله سبحانه وتعالى منه وان كان فيه سماح فاسمح لي فيه فقال له الامام وما ذاك يا ناقد فقال يا ابا الحسن روحي لك الفدا ان لي في المأسورات من النساء التي هن في الحصن ماسورة المنى اسرها وها هي الامن بنات الملوك والعز والدلال كانت مقيمة تحت ذي الضلال وهي ابنة امي وابي اعز الخلق عندي ان الولد مولود والبعل موجود والاخ مفقود وهممت ان اخاطبها لادعوها الى ما دعوتنا إليه من هذا الدين البهي والاسلام النقي فان اردت ان تأذن لي في ذلك فالامر اليك فقد كبر علي والله ما نزل بها فعند ذلك تغرغرت عين علي بالدموع وقال يا ناقد امض إليها فانت املك بها واحق فتلطف بها وشوقها الى الاسلام وعبادة الملك العلام فخرج ناقد من القوم وسار الى اخته وكانت اسمها عليا فلما اقبل عليها وهي في جملة المأسورات صعب عليه ذلك فعزت عليه فامسك


[ 72 ]

عن السلام فلما نظرته اخته من بين الماسورات بكت واشتكت وتنهدت وقالت يا اخي تنساني في مثل هذا الوقت فتتركني مطروحة بين الاسارى وما عرفت منك الجفاء منذ حياتي فعرفني يا اخي ما انت عليه حتى اتبعك ولو كان فيه ذهاب روحي (قال الراوي) فلما سمع ناقد كلام اخته عليا سبقته العبرات فبكى وقال لها يا اختي ان شئت يا بنت امي وابي ان تسريني باسلامك وتقري بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم با لرسالة وان ابيت فهذا فراق بيني وبينك فلما سمعت عليا مقالة اخيها قالت يا اخي وقرة عيني اني كرهت مفارقتك وانا مسرورة بطاعتك وانني قائلة بمقالتك ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله فعانقها ناقد وضمها الى صدره وفرح با سلامها ثم عرض الاسلام على النساء التي معها فاسلمت ففرح ناقد فرحا شديدا ثم مضى الى علي واخبره بذلك ففرح باسلامهن واقرهم الجميع في منازلهم واجتمعوا على الاسلام بعد الاجتماع على الكفر وفرحوا فرحا شديدا ما عليه من مزيد ثم ان علي ضم الغنائم الى الحصن وامر علي على الحصن اميرا واوصاهم بحفظه وحفظ انفسهم الى ان ياتيهم ثم ارسل رجلا ينظر خبر الجيش الاتي مع ابن الملك الهضام فسار الرجل غير بعيد ثم رجع الى علي رضي الله عنه واخبره ان القوم وابن الملك قد اتوا إليه وزحفوا عليه وهو في عشرة الاف فارس ليوث عوابس قد انتخبهم من مائة الف فارس فقال علي نلقاهم قبل ان يلقونا فان ذلك اهيب لنا والله المعين ينصر من يشاء من عباده ولا حول ولاقوة الا با لله العلي العظيم ثم ارتحل من وقته وساعته وسار بعد ان بغله الله ما امله ثم سار بالقوم مؤيدا منصورا فما بعد عن الحصون غير ميل واحد أو ازيد حتى لاح له غبار قد سد الاقطار فالتفت الامام الى اصحابه وقال لهم يا قوم اني ارى عاكرا ولا شك انه غبار القوم واني ارى ان نكشف عنهم الاخبار فما انتم قائلون فقال ناقد يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الماء من وراءك والذي اراه من الراي ان ترجع بالقوم الى المكان الذي كنا فيه غير فرار ولا جزع فتكون من ذلك على حالتين احداهما كثير الماء وسعة الفضاء والثانية تجمع الرجال والاثقال وجميع ما معك وتدخله الحصن وتخرج للقائهم


[ 73 ]

مجردا بلا عائق وهذا الذي اراه ورائك اعلى واوفق فقال له ارشدك الله يا ناقد ووفقك الى الخير ثم قال للقوم ارجعوا بنا على بركة الله وعونه وحسن توفيقه فرجع القوم الى حصن الصخر وادلجوا رحالهم وثقالهم وجميع ما معهم ونادى علي يا معشر الناس من علم من نفسه تقصيرا وخاف من جواده أو كان له عذر يمنعه من القتال فليجلس في هذا الحصن فمن يحل فيه ما عليه ملام فلقد اتانا فوارس وابطال فنتلقاهم ببوادر النزال ثم ان علي طاف على القوم يتفقدهم رجلا رجلا فكان لا يمر بشيخ ولا طفل ولا احد ممن لم يقدر على القتال الا ادخله الحصن فمازال كذلك الى ان مر بالقداح بن وائلة وقد اشتد وتحزم واخذ في الصلاح فلما نظر علي تبسم ضاحكا وقال له يا قداح عليك بالحصن ولا تزال عنه فقال القداح لعلي رضي الله تعالى عنه والله يا سيدي مانديت بالاسلام دينا فلا تقعدني مع النساء وانا معروف بمبارزة الشجعان ومبارزة الفرسان فقال علي يا قداح هل لك ان تمحو ما قدمت وما نزل من بلائك واسلفت فقال نعم يا سيدي انا بين يديك امرني بما شئت فجزاه علي خيرا ثم قال يا قداح انه ليس فينا احد اقرب عهدا منك بالقوم وانهم قد ارسلوك رسولا لله حصن وتعود إليهم برد الجواب فهل لك ان تسير إليهم وتحدثهم بكلامك فينا وتذكر لهم انك لم تر لنا خبرا ولا اثر أو تبلغهم انك سمعت اننا ما وصلنا الى صاحبهم فاقتله وان بعد عليك ذلك فاهد يسير القوم الينا وهذا المكان يجمعنا فإذا نزل القوم واطمأنوا فها نحن جميعا نفتح الباب في اقرب وقت ونخرج إليهم وهم على غير اهبة ويفعل الله ما يشاء ويختار فلما سمع ذلك القداح اطرق براسه الى الارض ساعة ولم يرد جوبا ولم يبد خطابا فقال يا امير المؤمنين ما اراك الا تقدمني في المهالك انا ما اصلح الا للحرب والنزال والمبارزة والقتال ولست اصلح للمراسلة ولا المكاتبة فان اردت ان تعفو عني من هذا الحال وترسل الى هذا الامر غيري


[ 74 ]

من الرجال فدعني اكون امامك وبين يديك اقاتل من قاتلك واعادي من عاداك فقال له الامام يا قداح ان اتكلت على نصرتك فانا العاجز المؤبد لك اتخشى من قوم فارقتهم البارحة وقد ائتعنوا على سرهم ولا يضرك ان تعود إليهم وتذكر ما امرتك به فقال القداح يا سيدي فإذا انا فعلت الذي امرتني به وخدعت به القوم وسقتهم اليك ثم ظهرت انت من الحصن رجالك وابطالك فيعلم عند ذلك القوم ان مبتدا الامر والمكر والحيل مني ومنتهاه الي فيحملوني على اطراف الاسنة ثم يقطعوني قطاعا فما اظنك الا وقد كرهت مكاني وتريد ان تبعثني لهلاكي فتبسم الامام من كلامه وتضاحك جميع اصحابه فقال الامام اللهم ارزقنا عفوك يا ارحم الراحمين ثم اقبل على القداح وقال له يا ويلك اما يؤمنك منهم بعون الله طول ناعي وهجمتي واسراعي فيشغلون بي عندك لانني إذا نزلت في بيت فيه رجال شخصت اعينهم الي ورجفت قلوبهم هيبة من الله عزوجل القاها الله في قلوبهم فسر الى ما امرتك به فإذا سرت فقل لا حول ولا قوة الا با لله العلي العظيم فعند ذلك نهض القداح الى القيام فاقبل وهو لا يريد القيام فا قبل الى مطيته فشدها واستوى راكبا ثم التفت الى الامام وقال يا ابا الحسن ها انا اماض لامرك فإذا رايت القوم قد تبادروا الي وعطفوا علي باسلحتهم فلا يشغلك عني شاغل ولكن باسك الي واصلا وابدا بخلاصي قبل ان تبطش بهم فقال له الامام لك علي ذلك يا قداح امض وتوكل على الله فتوجه القداح سائرا فلما ولى تبسم الامام وقال لقد اعطاك الله يا قداح من الجبن نصيبا يا ويلك فلو كان لك قلب لكنت رجلا عظيما وجعل الامام يكررها مرارا ثم ان الامام التفت الى اصحابه وقال معاشر الناس لا تزالوا في اماكنكم حتى تنظروا ما يكون من امر صاحبكم القداح فاني اراه جبانا والجبن اقبح شئ (قال الراوي) ومازال القداح سائرا الى ان اشرف على القوم وهم سائرون نظر إليهم القداح حدث نفسه بالهروب ولكنه ثبت قلبه وقال والله اني لاحمل نفسي على المهالك ثم حرك مطيته الى ان وصل الى القوم فتبادرته الى نحوه الرجال وتاملوه فإذا هو القداح رسول الملك ففرحوا بقدومه ثم سألوه عن


[ 75 ]

حاله وعن خبره فلم يبد لهم جوابا فتسارع القوم الى صاحبهم غنام بالبشارة بوصول القداح إليه ففرح غنام بذلك وقال وحق المنيع لاطأن ابن ابي طالب ولو انه وصل الى مكانه بمكة لاسوقنه الى المنيع سوق الذليل ثم همز جواده الى ان وصل الى القداح ثم ناداه يا قداح ما وراءك وما لذي سمعته من الخبر فقال يا سيدي سمعت سمعت الخبر فقال غنام وما ذاك يا قداح فقال يا سيدنا وابن ملكنا الناس قد صبوا هذا الغلام من خوفهم منه حتى اني سالت النساء والصبيان فوجدتهم لا يتحدثون الا بحديثه ومقاله انه خرج من مدينة يثرب وحيدا فريدا وها هو قد جمع معه عسكر جرار عظيم بغير عطاء ولا وقد كأنهم كانوا لا يدري اين كانوا والموت بين يديه سائر وقد فتح حصن الوجيه وسار الى حصن الرافق وهو الان نازل بجيوشه وقد تركت اهل حصن الصخر حافظين له وقد اظهروا سلاحهم واعدوا للحرب مع ذلك الجيش وقد زاد الارق وكثر القلق واني لما بشرتهم بقدومك عليهم اطمانت قلوبهم وقد بلغني ان ابن ابي طالب سائر إليهم فقال غنام يا ويلك ما فعل بكنعان الذي كان يروع الوحوش والنساء في الاوطان والرجال في كل مكان فقال القداح واين كنعان وحق ابيك انه قد شغله عنك وعنهم شاغل ولا شك انه قد ولى وهو راحل فقال له غنام يا ويلك ما هذا انه نزل به الموت العاجل فصفق غنام بيديه ثم قال له يا قداح بشر بالخير فما فعل بولده مداعس فقال القداح وحق المنيع ان مداعس ادركه ما ادرك اياه فقال له يا ويلك يا قداح لا رجعت الى اهلك سالما يا ملعون فما لحقنا من ردك خيرا فهل طرقهما الموت جميعا ووصل اليهما سريعا فقال له القداح يا سيدي سنخبرهم وترى ماحل بهم فاعرض عنه بوجهه وقال له صرف وجهك عني فقال القداح سمعا وطاعة لقد سألتني عن امر فلم اقدر اكتم عنه شيئا ولم يزل غنام سائرا بقومه الى ان قرب الى حصن الصخر فقال جنبل بن ركيع جاء والله يا ابا الحسن عسكر جرار وقد لاح والله لمعان سيوفهم واني يا سيدي ارجو من الله ان يكونوا غنيمة لنا وكان صاحبنا القداح قد ساقهم الينا وهدن علينا ثم ان الامام امر الرجال والاثقال الى داخل الحصن


[ 76 ]

وان يدخلوا الخيل والرجال والجمال وكان ذلك الحصن كبيرا واسعا يغيب فيه العسكر الجرار ولا يرى له آثار فلم يبق احد خارج الحصن ودخل الامام واغلقوا الباب فلما استقر القوم في الحصن اقبل إليهم وقال يا معشر الناس ان القوم اضعافكم مرارا وقد بلغهم صاحبهم غنام انه افتك اخوته وابطشهم يدا واكثرهم باسا واني عزمت ان اقدم بكم إليهم واهجم عليهم ان شاء الله سبحانه وتعالى فانظروا امامكم واياكم ان تبقوا على اقاربكم وعشائركم وان كبر عليكم فلك فلا تستعينوا بالمخلوقين واستعينوا با لله رب العالمين (قال الراوي) ثم ان الامام قبل على من اسلم من اهل الحصن وقال لهم كونوا في اعلى حصنكم فان خاطبكم غنام فخاطبوه واظهروا له السيادة واسالوه النزول عندكم فيزل عنه الشك فقالوا حبا وكرامة ثم التفت الامام الى جنبل بن ركيع وقال له كن خليفتي على من في الحصن حتى ارجع اليك ان شاء الله تعالى فقال له جنبل وحق ما اعتقده من حبك وولائك ما كنت الا معك وبين يديك املى احظى بالسعادة واغتنم الشهادة فشكره الامام على ذلك ثم اقام مكان خالد بن الريان وتقدم امير المؤمنين وقال لاصحابه انا خارج امامكم في نفر قليل من قومنا لاننا إذا خرجنا جميعا نخشى ما يفوتنا ما عزمنا عليه ويبعد عنا ما املناه ويستيقظ القوم لنا فقالوا له يا سيدنا ومولانا افعل ما بدا لك فدعا الامام بناقد وجنبل والرغداء وغيرهم من الابطال المعروفة بالشجاعة فاقبلوا إليه ووقفوا بين يديه وقالوا له اؤمرنا بما تريد فقال علي يا ناقد ان انت وصلت الى اخيك غنام فلا تيأس عليه ولا تمدد يديك إليه بسوء وائتني به اسيرا واياك ان تأخذك لومة لائم في الدين فكن فيمن ذكرهم الله واثنى عليهم لما انهم عادوا في الله آباءهم وابناءهم وعشيرتهم فلما سمع ناقد ذلك تبسم وقال يا سيدي وحق ابن عمك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان غناما اشد مني باسا واقوى مراسا ولا اطيقه في الحرب ولكن انا واثق با لله تعالى ومتوكل عليه فقال الامام يا ناقد قل لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم ان الامام امر اصحابه ان يرتحلوا وقالوا يا معشر الناس إذا رايتموا ناقد فاشجا القوم بالحرب فاتونا بخيلنا مسرعين فبينما الامام كذلك وهو يوصي


[ 77 ]

اصحابه سمع صهيل الخيل وصياح الرجال عند نزولهم وقد ارتجت بهم الارض فقال الامام يا ناقد قد ظهر السرور والفرح فنظر إليه ناقد وهو مبتسم ضاحك فقال يا سيدي هؤلاء الجيوش قد ارتجت الارض لكثرتهم فقال لا يهولنك ذلك فان الله تبارك وتعالى معنا لا يخفى عليه من امرنا مثقال ذرة هو معنا اينما كنا وهو القادر عليهم بقدرته ينصرنا عليهم ان شاء الله تعالى قال ناقد يا سيدي لا افلح شانيك ولا خاب مواليك فشكره البطل الامال قال يا ناقد اني متشوق الى الضرب اشوق من الضمآن الى الماء البارد فنزل القوم وامتدوا بالوادي فملاوا الارض بالطول والعرض ونصبوا الخيام والمضارب فلما استقر بغنام الجلوس ولم يستقبله احد قال بن القداح بن وائلة فنودي به فاتى إليه ووقف بين يديه فقال له غنام يا قداح ماكان فيهم من يستقبلني ويخرج لي قبل وصولي إليهم فقال له القداح يا سيدي ان خوف بن ابي طالب قد تمكن من قلوبهم فيخشوا من حيلة تقع بهم فبينما هو يخاطب القوم وإذا بباب الحصن قد فتح وخرج منه الامام مسرعا ومعه قومه وقد تركوه مفتوحا وتقدم امير المؤمنين وهو غير مكترث بهم الى ان اخترق عسكر غنام ووصل إليه فوجده جالسا ومن حوله اكابر قومه القداح باذائه وغنام يحدثه فلما نظر القداح الى الامام اصفر لونه وتاخر الى ورائه فبقي غنام يحدثه وهو يقول يا ويلك قد اتاك الليث الغالب امير المؤمنين علي بن ابي طالب ثم اشهر سيفه وفعل اصحابه مثله وكبر الامام وكبر اصحابه الذين معه وسمعهم الذين الحصن فكبروا واطلقوا لهم الاعنة وقوموا الالسنة فلما نظر غنام ذلك اندهش وحار وذهل ونظر امير المؤمنين وقد يعلوه بالسيف فصرخ صراخا كبيرا منكرا فانكب عليه اصحابه من كل جانب ليمنعوا عنه الامام فلم يكبر ذلك على الامام وهو غير مكترث بهم بل صار يضرب يمينا وشمالا فيقطع بحسامه الدروع السائرة والبيض العادية فان ضرب طولا قد وان ضرب عرضا قطع فبينما القوم كذلك إذ خرج من عساكر المسلمين غلاما امرد رشيق الى جيش غنام وحمل عليهم فتأملوه فإذا هي الرغداء بنت


[ 78 ]

الخطاف فادركها وجازاها خيرا وامرها بان ترجع وقال لها نحن نكفيك هذا الامر بانفسنا ثم اقبل ابن الملك الى الامام رضي الله عنه وقال يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم اني عزمت على كشف القناع واريد ان اقدم الى اخي بالانذار فعسى ان يصلح الى من شانه وشان من معه فقال الامام لا امنعك من ذلك اخرج على بركة الله تعالى ورسوله وحسن توفيقه (قال الراوي) فتقدم ناقد الى اخيه ونادى برفيع صوته يا اخي قد ظهر الحق لطالبه وخسر صاحب الباطل في مذهبه قد ذهبت دولة الاصنام وجاءت دولة الاسلام وعبادت الملك العلام وظهر دين محمد عليه افضل الصلاة والسلام ثم نادى اخاه غناما وقال له مثل ما قال لاخيه فلما سمع غنام ذلك من اخيه ثار بالغضب واخذه الغيظ والحنق فقال لقومه هذا اخي الضال فإذا رأيتموني وصلت إليه فسارعوا نحوي عاجلا فقالوا له سمعا وطاعة ثم خرج من قبل المعسكر وهو ينشد يقول لبيك انت اخي ان كنت منقذي من الهلاك منجيني من النار لبيك يا ابن اخي ان كنت مسعدني فالسعد انجلى لي من ظلمة النار بادر الي وخلص مهجتي ودمي من المهالك واسمع بث اسراري (قال الراوي) فلما فرغ غنام من شعره اتى نحو اخيه بغير عدة ولا سلاح فلما راى ناقد اخاه وهو على تلك الحالة لم ينكر شيئا من امره فدنا منه ليعانقه ويستعطفه فلم يمهله غنام دون ان دكى بجواده ثم دخله وعاقصه وضرب بيده بيده على اطواقه وسحبه إليه فاقتلعه من سرجه فلما راى المشتركين من غنام وقد اقتلع اخاه ناقد من بحر سرجه اتوا إليه مسرعين مسرورين حيث اخذ ناقد من المسلمين فلما اخذه غنام اوثقه كتافا وسلمه الى اصحابه فمضوا به الى عسكرهم فلما راى الامام من المشركين لم يمهلهم دون ان حمل عليهم وحمل معه اصحابه ومالوا على المشركين فحمل غنام وحمل معه اصحابه ومنعوا الامام واصحابه الوصول الى القداح وناقد ولم يزالوا كذلك الى ان اقبل فا فترق القوم ورجع كل فريق الى اهله وقد حزن المسلمون لفقد ناقد بن الملك


[ 79 ]

حزنا شديدا ورجع الامام وهو يفور بالغضب وقال والله لا اكلت طعاما في ليلتي حتى انظر ما يكون من امر اصحابي ناقد والقداح فلا صبر لي عنهما (قال الراوي) ثم امر الناس باضرام النار وزيادة الحرس وجعل الامام يطوف من حول عسكره يحرسهم بنفسه وهو قلقان على ناقد والقداح فبينما الامام يحرس اصحابه إذ سمع هفيف الخيل وسمع صوب غنام وكان قد اثبت معرفته فلما سمع حسه اهيز فرحا وسمعه يقول لاخيه يا ناقد اما زعمت ان لك صاحبا بخصتك ومن الشدائد ينقذك فمالي اراه متباعدا عنك وللمهالك سلمك وناقد يقول يا ويلك ان لي صاحبين صاحب في السماء يراني وهو الكبير المتعال وصاحب في الارض لو علم بمكان لاتاني وخلصني من سجنك وسمع القداح يقول لا آخذ الله من اوقعني بالخلاص وعدني وضمن لي السلامة من كل شئ يؤلمني وما زالوا كذلك الى ان قربوا من الامام وغنام في اوائلهم فوثب الامام وثبة وصل بها الى عدوالله غنام وقال له اقلل من الكلام فيها انا امير المؤمنين علي ابن ابي طالب فسمع القداح صوته فصاح يا سيدي سألتك الا ما خلصتني قبل صاحبنا ناقد فقد عملت ما نزل بي اجلك وكان الامام لما وثب الى عدو الله غنام ووصل إليه مد يده وقبض على اطواقه وسحبه فاقتلعه من سرجه وقال له قد خلص اخاك صاحبه الاصغر بامر سيده الاكبر فمن ينقذك مني يا ويلك وهم ان يعلوه بالسيف فقال له يا ابن ابي طالب ابق علي كما ابقيت على صاحبك واحسن الي بكرمك (قال الراوي) فتقدم الامام الى ناقد وحله من وثاقه وامره ان يشد اخاه غناما شدا وثيقا وتقدم الى القداح وحله والعشرة ابطال الذين اتوا معه ينظرون الى فعل الامام فما جسر احد منهم ان يتكلم فلم يستطيعوا لن يتحركوا من اماكنهم فقال لهم الامام من قال منكم لا الله الا الله محمد رسول الله فلا امد يدي إليه الا بالخير ومن لم يقلها مددت يدي إليه وقطعت راسه بهذا السيف فقالوا باجمعهم نحن نشهد ان لا اله الا الله محمدا رسول الله ففرح الامام باسلامهم فرحا شديدا ثم اقبل الى غنام وقال له هل لك في كلمة تقولها تمحوا بها ما سلف من ذنوبك فقال غنام يا ابن ابي طالب وما هي الكلمة التي اقولها فتممحي


[ 80 ]

به ذنوبي فقال الامام تقول لا اله الا الله محمد رسول الله وتقر الله بالوحدانية ولمحمد ابن عمي بالرسالة فقال غنام يا ابن ابي طالب هذا شئ لا افعله ابدا وما انا بتارك دين ابائي واجدادي ولو قطعت اربا واعلم انك لم تكن من رجالي وانما اخذتني غضبا وغدرتني ولو كنت لك في الميدان لبعد عليك ما املته ولا كنت ملكتني (قال الراوي) فعند ذلك وثب الامام فحل وثاقه وهو يتململ من شدة غيظه ورمى إليه سيفه وجحفته واشتد غضب الامام غضبا وقال لغنام يا عدو الله وعدو نفسك خذ سيفك وجحفتك واشتد ومانع عن نفسك فقال يا ابن ابي طالب القتال اتحسبني كغيري من الرجال فلما سمع ذلك الامام غضب غضبا شديدا وقال يا عدو الله لقد تجرات في قولك فاعتزل الى ناحية اخيك لئلا يهوله بك يا عدو الله وعدو نفسك ثم ان الا مام جذب سيفه واخذ غناما واعتزل عن القوم ثم فاجاه مفاجاة الاسد لفريسته وضربه بالسيف ضربة هاشمية علوية فتلقاها عدو الله واستتر بجحفته على راسه فنزل السيف على الدرقة فقطعها ونزل على راسه من بين فخذيه وتجندل طريحا يخور في دمه وعجل الله بروحه الى النار فكبر الامر عليه واخذ ماكان عليه ودفعه الى اخيه ناقد وسرعلي بقتل عدو الله فقال ناقد يا ابا الحسن ما فعلت بعدو الله غناما قال يا ناقد انه صار الى النار فلا تأسف عليه فانه ليس باخيك ثم اقبل على القداح واخذ ما كان عليه وقال له يا قداح كيف رايت نفسك قال يا ابا الحسن خلصتني بعد الياس من الحياة والاشراف على الموت فقال له علي يا قداح ان الله قد انقذك من الموت وان شئت فارجع الى اهلك ودارك مصاحبا بالسلامة فقال القداح يا ابا الحسن وكيف امضي واهلي ودياري وقد انالني الله ما لم ينله احد من قومي قولا امضي حتى اخذ من الغنائم ما يسرني واسد به فقري واوسع منه على اهلي وينشرح به صدري (قال الراوي) فتبسم الامام رضي الله عنه ضاحكا من قوله وقال له يا قداح لاعطيتك من الغنائم ما يسر قلبك ويغني فقرك وترجع مجبورا الى اهلك ان شاء الله تعالى فقال القداح يا ابا الحسن هذا من فظلك وكرمك فعند ذلك عطف علي الى عسكره وهو مسرور بالقوم وخلاص اصحابه واخذ ماكان


[ 81 ]

وقتل عدو الله غناما فلما اتو الى عسكرهم في ساعة واحدة وقد مضى من الليل شطره وقد كان اصحاب علي تفقدوه في الليل فلم يجدوه فكبر ذلك عليهم فلما وصلوا إليه ونظروا الى ناقد والقداح والعشرة الذين اسلموا من جماعة غنام مع علي وقالوا له يا ابا الحسن هؤلاء القوم ما هؤلاء عصابة مالت الى الاسلام ورغبت في الايمان ففرح القوم بذلك وباتوا بقية ليلتهم فلما برق ضياء الفجر اذن علي وصلى بالناس صلاة الصبح فلما فرغ من الصلاة ناداهم يا قوم خذوا آلة حربكم واستعدوا للقتال رحمكم الله فاخذ كل منهم آلة حربه واتوا الى ان وقفوا بين يدي امير المؤمنين فوثب الامام وعزم على القتال ونادى برفيع صوته معاشر الارذال كم تدفعوا الحق بباطلكم والحق اغلب وها انا اشفق عليكم منكم على انفسكم واعلموا ان الله تعالى انقذ اصحابنا ناقد والقداح وقتل صاحبكم غنام واورده بحسامي موارد الحمام فهل لكم ان تقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله وهذا تصديق قولي لكم ثم نادى القداح وناقد فأجابوه واسروا إليه فقال لهم الامام نحن قوم لا نكذب ولا يليق بنا الكذب فما انتم قائلون (قال الراوي) فلما راى القوم ناقد والقداح والعشرة ابطال الذين خرجوا معهم تحققوا الامر وصدقوا الامام في قوله واتوا نحوه قائلين لا اله الا الله محمد رسول الله وكان عشرة الاف قتل منهم في المعركة ثلاثة الاف الذين اتوا نحو الامام واسلموا وحسن اسلامهم واختلط القوم بعضهم ببعض فخذهم الامام وقرب الى الحصن فخرج اهل الحصن إليهم واستقبلوا الامام وجيشه واسلموا على يديه واكرموه غاية الاكرام فاقام عندهم بقية يومه في وسعة وقد كثر الله جمعه واعلى نصرته ورفع قدره وجيشه من خارج الحصن من كثرتهم وقد ازداد فرحهم لكثرة جمعهم وانقاذهم من النار ثم ان الامام بعث طائفة وامر عليهم جنبل بن ركيع وارسله ليكشف له الاخبار وامره ان لا يعود إليه الا بخبر صحيح فسار جنبل من عند الامام فما عاد الا وقت الصباح فلما اقبل على الامام سلم كل منهم على صاحبه (قال الراوي) ثم ان الامام رضي الله عنه جمع عسكره وجميع قومه وقال لهم معاشر المسلمين ان الله تبارك وتعالى اكرمكم 6 سيرة علي


[ 82 ]

بكرامة الايمان وبعد ذلك فاني اريد ان القى بكم جميعا فيه عشائركم الا وان الله تعالى قد باعد ما بينكم وبينهم واني لاخشى ان يداخلكم الربى على قربائهم وهذا عسكر قد اجتمعا لصاحبك فيه خلق كثير من سائر جميع العربان ثم قال يا جنبل ما وراءك قال جنبل كل خير وسلامة يا امير المؤمنين لان الملك الهضام قد خرج الينا بجميع قومه وجميع عسكره وهم مائة الف فارس مامنهم يا سيدي الا كل بطل مداعس غير ما معهم من الصعاليك والعبيد من سائر قبائل العربان فقال امير المؤمنين يا جنبل لوانه يكون مع ذلك الكافر جميع اهل الارض ما كبر علي لقاؤهم ولقد كنت معولا على لقائهم وحدي يا جنبل فكيف اخشاهم اليوم وانا معي هذا الجيش والله المستعان وعليه سبحانه وتعالى الاتكال وهو حسبي ونعم الوكيل ثم ان الامام امر بالرحيل فتواثبت الرجال إليه كالاسود الكاسرة واحدقوا بالامام من كل جانب ومكان ثم نادى الامام فقال يا ناقد انت اعرف با لطريق وهي بلادك وانت اعرف بها من غيرك فسر بالقوم فقال حبا وكرامة يا امير المؤمنين ثم تقدم ناقد وبقي الامام وجنبل ابن ركيع والرغداء بنت الخطاف واكابر قومه محدقون به وقد اخر الى ما وراء القوم وهم سائرون في اثرنا قد بن الملك فما زال القم سائرين وحميت الشمس واشتد الحر وناقد في اول القوم والامام رضي الله عنه وجنبل والرغداء من وراء القوم متباعدين عنهم فبينما هم كذلك إذ نظرنا قد فراى فارسا مبادرا من وراء ربوة كانه طالب أو مطلوب وهو شاك في سلاحه فنظر الفارس فراى ناقد وهو اول القوم (قال الراوي) فلما رآه ناقد انقض عليه كانه الاسد إذ عاين فريسته وترك الناس وقوفا في انظاره فلحق بهم علي فقال علي فقال لهم يا قوم ما الذي اوقفكم عن السير فاخبروه بخبر ناقد فقال الامام ماكان يجب ان يهجم عليه وحده فلا يامن ان تكون طليعة القوم كامنين فيقع فيهم ثم فتقدم الى القوم وجعل يسير بهم على مهل لابطاء ناقد عنه فما كان الا ساعة من الزمن وإذا بناقد اقبل والفارس معه وهو يقوده اسيرا بعد ان اوثقه كتافا وشده من فوق راسه بالقيد ولم يزل سائرا به الى ان وصل الى الامام فلما نظره الامام رضي الله عنه تبسم وقال زادك الله يا ناقد خير فهل انت تعرف هذا الفارس قال نعم يا ابا الحسن انه من اكبر قومنا (قال الراوي) فقبل الامام الى ذلك


[ 83 ]

وقال له يا اخا العرب ما اسمك قال اسمي مضارب بن عراف الباهلي فقال له يا مضارب الصدق اوفى سبيل فاكشف لنا حقيقة امرك ولا تخفي علينا منتهى خبرك ولا تخادعنا فنحن حرثومة الخداع والمكر فقال مضارب يافتى ان فراسه العاقل لا تخيب وانا متيقن فيك انك صاحب الجيش ولكن يا اخا حسن اعطني الامان فلما سمع الامام من مضارب ذلك قال له لك الامان ولا تخشى ان قلت الحق واستعملت الصدق فقل ما انت قائل فقال مضارب يا ابا الحسن ان الملك العظيم الهائل الهضام لم بعث ولده غناما في العشرة آلاف فارس ظن ان ولده ياتي بك اسيرا فاقام يومه ذلك فلما جن الليل واختلط الظلام وآوى فراشه راى في منامه رؤيا قد انتبه منها فزعا مرعوبا فلما اصبح الصباح بعث الى حاشيته فقال لهم يا قوم اني رايت الليلة في منامي رؤيا أو عبتني فقال ليه قومه يا ايها الملك العظيم انعم المنيع لك الصباح بقومه ما رايت في منامك فقال اني رايت غناما جالسا بين يدي وانا احدثه فبينما انا كذلك إذ رايت طيرا عظيما قد انقض علي وله مخالب كمخالب السباع وكاني اخذت ولدي وضمنته الى صدري فهجم عليه الطير وهو في حجري فاختطفه بمخاليبه ولم اقدر على خلاصه منه واخاف ان يكون اصابه ضرر من ابن ابي طالب فلما سمعوا القوم منه ذلك قالوا ايها الملك العظيم انه داخلك وسواس احلام لاجل تعلقك بولدك ثم انه لما سمع ذلك امر بتجهيز الجيوش ليحارب وقد عزم على المسير بنفسه وهو منتظر قدوم الجيوش إليه وجهز جماعة وسيرهم وهم اربعة الاف فارس وامر عليهم رجلا يقال له جويثرة بن اسد الباهلي وهو بطلا شجاعا مشهور وامره بالسرعة لياخذ خبر ولده فلما وصلوا الى الحصن المشرف واعلموا بسير الامام إليهم كمنوا له في وادي الضباء بعد ان تفرقوا اربع فرق كل فرقة لها قائد منهم الف فارس وقد امرهم الملك انك إذا صرت بينهم ينقضون عليك بايديهم وان الوصية قد تقدمت الى صاحب الحصن المشرف خالد بن بسطام الملقب بهجام ان ينجدهم ان هم قد عجزوا عليك والقوم في مكان من الوادي ومضايقه والامير جويثرة بن الاسد امير الجمع وهو في الجهة التي قبلك من جهة عطفة الوادي وقال لي سر على عجل واشرف علي بن ابي طالب وانظركم معه من القوم واين


[ 84 ]

هو راجع الى مسرعا فخرجت في امرك مجدا ولم يعلم القوم انك قد تكامل معك هذا الجيش العظيم والعسكر الجسيم فلما قدمت من جانب الوادي اسرع الي ناقد وقبض على وقادني بين يديك فاصنع بي ما شئت فقد اخبرتك على حقيقة الحال وانا اقول قبل ان تصنع بي شيئا اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان سيدنا محمدا رسول الله فلما سمع الامام اسلامه سر سرورا عظيما ثم اقبل عليه الامام على اصحابه وقال لهم معاشر الناس ما تقولون فيما قال اخوكم وحبيبكم مضارب فقالوا يا ابا الحسن انت الامر ونحن المؤمرون وانت القائل ونحن السامعون فجزاهم الامام خيرا ثم التفت الى ناقد وقال له اتعرف هنا منفذا أو مخرجا نخرج منه وندور من وراء القوم حتى نخلي بينهم وبين الحصن ونترك منا جماعة ههنا يلاقون عليهم وندهمهم في مكانهم فقال ناقد يا ابا الحسن ان الطريق سالكا الى الوادي يمينا وشمالا فان شئت فاعزم فما من احد من قومك الا ويعرف البلاد ومسالكها ففرقنا على المكان ونحن ندهمهم من سائر الجهات فجزاهم الامام خيرا ثم افرد مع ناقد الف فارس وقال له خذ في عرض البرية الى ان تحاذي القوم من جهة الحصن واعطف على الجادة إليهم فانهم إذ نظروك وقد اتيت من جهة الحصن يظنون انها نجدة من صاحبهم الملك فاهجم عليهم وإذا قربت منهم فاحمل عليهم ومكن السيف فيهم حتى يقولون لا اله الله الا الله محمد رسول الله وها نحن سائرين من بين ايديهم واقروا بهذه الابطال الشهم فسار ناقد بالف فارس فلما بعد ناقد بمن معه دعا الامام بجنبل بن ركيع وقال له انني افراد له الف فارس وقال له يا جنبل خذ انت بمين معك الوادي الى ان تاتي لي به حيا ولا اريد من القوم فسار جنبل كما امر الامام وجد في المسير ثم دعا الامام بالرداء وافرد لها الف فارس وامرها عليهم وقال جدي بهم من يسار الوادي وهو مجد الى ان تاتي مكمن القوم فقالت له اسمع والطاعة فلما سارت الرغداء بمن معها تقدم الى ان انحدر من الوادي فوجد القوم جلوسا في اماكنهم فلما نظروا الى امير المؤمنين واصحابه قال جويرثة انا وحق المنيع ان القوم قد علما ممكاننا ولا انهم ظفروا بصاحبنا وارادوا قتله فكشف لهم عن حالنا وجملة امورنا


[ 85 ]

ولكن امهلوه الى ان يجوزنا واخرجوا عليهم وياتي قومك من جهة الحصن فيكونوا في وسطكم وندور عليهم با لسيف حتى نفرقهم جميعا (قال الراوي) فبينما القوم كذلك إذ اشرف ناقد بمن معه من جهة الحصن المشرف وقد ثار التراب الغبار من حوافر الخيل ففرح المشركون بذلك وظنوا انهم نجدة لهم من الحصن ليساعدهم عليهم وقد انحدرت الرغداء بمن معها فحملت وحمل قومه معها ونادوا باعلى اصواتهم واتى الامام وجنبل واحتشدوا القوم بجمعهم فعند ذلك علم المشركون انهم مكروا بهم وان اصحاب الامام قد دهموهم في اماكنهم فحمل عليهم اصحاب الامام حملة عظيمة وكشف الامام راسه في معمعة الحرب ونادى برفيع صوته يا معشر الناس ان الله سبحانه وتعالى مطلع عليكم وناظر اليكم والملائكة تتخلل صفوفكم فكان اعدائكم اكلا وازجرهم زجرا وتقاتل الناس في ذلك اليوم قتالا شديدا فلم تكن الا هنبهة وقد اخمدوا شكر الله المشركين وقذف في قلوبهم الرعب من امير المؤمنين وتزايد عليهم الامر فولوا منهزمين مهزومين فلما راى جيورثه ذلك علم انه لا طاقة له بالامر واصحابه وكان الامام لم يصادقه في الحرب في ذلك اليوم ولا وقع به فخرج جيورثه من معمعة الحرب وولى هاربا وتبعه اصحابه فاتبعهم المسلمون ووضعوا فيهم السيف من موضع المعركة الى الحصن فلما نظر اهل الحصن الى هزيمتهم امر هجان بفتح باب الحصن حتى دخلوا فيه واوصاهم بحفظ بابه وان يكونوا عنده للمحاماه من الابطال (قال الراوي) ثم نزل هيجان شاهرا سيفه وهو كانه البعير لعظم خلقته فبرك جاثما على الباب والمنهزمون داخلون الى الحصن وهو لا يوصدق بنجاة نفسه ثم ان جماعة من اصحاب الامام تقدموا بابن الملك وجندب بن ركيع والرغداء بنت الخطاف وقد اغلقوا الباب دونهم فقتلوهم عن آخرهم وما سلم من المشركين في ذلك اليوم الا من دخل الحصن ومنع عن


[ 86 ]

نفسه ثم اقبل الامام على اصحابه وسار على مهل لا ن الامام كان لايتبع منهزما فقط ولم يزالوا كذلك الى ان اجتمع بقية القوم من كل جانب وساروا الى ان وقفوا قريب الحصن متباعدين عنه يسيرا (قال الراوي) فلما رآهم هجام خاف قلبه واصفر لونه وارتعدت فرائصه فقال لاصحابه وقومه احتفظوا حصنكم فقد طرقهم علي بن ابي طالب برجاله وابطاله وكان مع جويرثه في طليعته اربعة آلاف فارس فدخل معه الحصن مائة وسبعون رجلا وقد قتلك بقية قومه ولم يبق منهم سوى هؤلاء من وادي الظباء الى الحصن وامر هجام سائر من في الحصن ان يعلو على السور وكان حصنا منعا لم يكن في تلك الحصون امتن منه ولا اوسع ولا ارفع بنا عنه وانما سمي بالمشرف لارتفاعه وعلو بنائه وطرزه وكان الرجل إذ طلع على اعلا السور ونظر يمينا يلاحظ حصن الصخر وإذا نظر شمالا يرى الحصن المنيع وكان الملك الهضام إذا طرقه طارق أو دهمه داهم أو عدو أو دار حرب بين قومه بعث باهله واولاده وماله الى الحصن المشرف لما يعلم من يمكنه قئته ومتانته وعلو بنيانه ومنعته (قال الراوي) ثم ان القوم لما دخلوا الحصن امتنعوا فيه وتاهبوا للقتال وعزموا عليه وحضهم وقال لهم يا قوم ان حصنكم هذا قوي ومنيع وطعامكم كثير وماءكم غزير ومع هذا فان الملك الهضام سائر الينا بنفسه وقام عليكم فكونوا مطمئنين في حصنكم الى ان تنظروا ما يكون من امر ملككم فأجابوه الى ذلك وقالوا له ايهاالسيد نحن معك وبين يديك نقاتل بدمائنا وبانفسنا عن حريمنا واموالنا فنحن لا نسلم حصنا للعدو ولو قتلنا عن آخرنا ففرح هجام بقولهم ثم اقبل على جويرثه وقال بكير عليك ما نزل بك لا تهتم بذلك فانا آخذ بثارك وان كنت تجزع من الملك الهضام والهك المنيع فسوف ارضيهما حتى ادفع لك ابن ابي طالب فتمضي به اليهما فاجابه جويرثه في هدوء وقال يا هجام اني رايت ابي طالب في شجاعة لم ارى مثلها في احد من العالمين ولا فعل مثله احد إذ كان انس ولاجن فقال هجام سوف ترى وتشوف حين املك قبابه فبينما القوم كذلك على السور يشدد بعضهم بعضا إذ تقدم الامام واصحابه فاقاموا بالنبال والصخور ورشقوهم بالنبال فقال الامام لا صحابه اتقوا الله عز وجل استروا با لجحف من حجارة المشركين فانهم عالون عليكم وليس هذا الحصن كسائر الحصون واني


[ 87 ]

اريد حصنا منيعا وان سهامها إذا اتت وصلت اثرت وسهامكم إذا وصلت إليهم كانت واهية ولكن النصر من عند الله ينصر من يشاء وهو على كل شئ قدير فقولوا على بركة الله لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وترجلوا عن خيولكم وضيقوا الموكب على عدوكم فنزلوا عن خيولهم ونزل الامام عن جواده وزحف بقومه وفرقهم من سائر جوانب الحصن فاشتد القتال وتراتشقوا بالنبال وتعالى القوم على اصحاب الامام فوصلت إليهم جنادلهم وسامهم فصبروا لذلك صبر الكرام فلما نظر الامام الى ذلك عطف وقال لقومه ارجعوا الى ورائكم بعضهم ببعض وانعطفوا عن القتال واجتمعوا الى امير المؤمنين ونزل الامام مباعدا وقومه معه فتوضأ وامر الناس بالوضوء ثم قام فاذن وصل بهم صلاة الظهر فلما اتم صلاته اقبل على قومه وقال لهم يا قوم هل لكم ان تشيروا علي برايكم فاني ارى ما املته من هذا الحصن متباعدا الا ان يأمرنا الله بفتحه وهو على كل شئ قدير ونخشى ان تطاول القوم في القتال فيدهمنا مليكهم الذميم وان الله حامي اوليائه الابرار وخاذل اعدائه الكفار واخشى ان يفوتنا هذان الاثنان ومن معهما فهل فيكم من يشير علي بحيلة وخديعة نصل إليهم بها فتكلم كل واحد بما معه وكثرت الاقوال من القوم والامام ساكت يسمع قول كل من قال (قال الراوي) فلما فرغ القوم من كلامهم وثب ناقد ابن الملك قائم على قدميه وقال يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم انك ان اشرت فأبت جرثومة الحيل والجالب لاعدائه الخبل وقد سمعت اقوال كل واحد من قومك فقل انت قولك فانت الموفق للصواب والفصيح في الخطاب ومنك يسمع القول والجواب فقال الامام للقوم اما لقاء الملك ومن معه فهذا شئ لابد منه لا محاولة ولو لاقيتهم وحدي أو يأتيني اليقين واصبر الى رب العالمين الا اني فكرت في حيلة ازجر بها هذا الحصن ان شاء الله عن قريب فقال له ناقد وماهي يا ابا الحسن وفقك الله قال يا ناقد نصنع المنجنيق كما صنعته ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عسر علينا حصن النظام فقال ناقد وما هو المنجنيق يا امير المؤمنين وكيف تكون هيئته ومن اي شئ يصنع فقال له الامام نحتاج الى اخشاب طوال قد قطعوا مده


[ 88 ]

اعوام وعدة يقطعها بها الخشب من مناشير وقواديم وفؤس ومسامير من حديد وحبال وكفة (قال الراوي) فقال ناقد بابي انت وامي ان في هذا الوادي من وراء هذا الجبل حبالا فخذ منها ما يوافقك فتبسم الامام ضاحكا وقال يا ناقد لقد تم الله بك امرنا ويسر عسرنا ثم التفت الى اصحابه وقد تبين لهم السرور في وجهه وقال لهم يا قوم اسرعوا مع اخيكم ناقد واطيعوه فيما يامركم واياكم ان تخالفوه في شئ فقالوا السمع والطاعة لله ولك يا امير المؤمنين فاخذ ناقد ومعه ثلاثة الاف فارس وساروا واهل الحصن شاخثصون لهم ما يدرون ما هم له صانعون الى ان وصلوا الى البستان فأمرنا قد فرقة منهم ان تجمع ليفا من النخل وامر فرقة تحمل الاخشاب على الجمال وامر فرقة تحمل ما هناك من الحديد والصفيح والمسامير واخشاب فلم تكن غير ساعة وقد جمعوا ما يحتاج إليه واتى به الى امير المؤمنين والقوم شاخصون الى ذلك من اعلا الحصن فقال هجام لجويرثة ويحك اما ترى هؤلاء القوم وماهم صانعون ارادوا ان يسندوا هذه الاخشاب الطوال الى جدران حصننا ويصعدوا لنا من فوقها ان ذلك امل بعيد وان مكانهم من وضع هذه الاخشاب الى جدران حصننا فنحن العا جزون فبينما هم كذلك وإذا بالامام لما نظر الى الليف والاخشاب والحديد ففرح فرحا شديدا وامر كل فرقة من قومه ان يشتغلوا بقية يومهم وليلتهم والامام يساعدهم بنفسه الى ان فرغ المنجنيق وجميع آلته فأمره بحمله فحملوه ومشوا به والامام معهم الى ان قربوا من الحصن وامرهم بنصبه فنصبوه وامرهم با يعقدوا آلته وحباله ففعلوا ذلك وامر القوم ان يحملوا الصخور فحملوا واتوا بها ووضعوا عند المنجنيق ولم يصبح الصباح الا وقد ركبوه وفرعنوا منه (قال الراوي) فلما اصبح الصباح ونظر اهل الحصن الى ذلك قال بعضهم لبعض يا ويلكم ما هذه الحيلة متى نصبت بايزائنا ليت شعري ما تكون هذه الحيلة وما يريد ان يصنع ابن ابي طالب فهذا قول هجام واما قول جويرثه حين سمع ذلك هجام فقال لاشك ان هذه حيلة نصبوها ليرتقوا عليها فيساوونا ثم يرموننا بنبالهم واعلم ياهجام ان كل من صعد من اعلاها فهو هالك لا محالة فانه إذا انتهى الى اعلاها رشقناه بنبالها


[ 89 ]

رشقا عنيفا متداركا فقال هجام صدقت في قولك ثم ان الامام افرد الف رجل بالدروق يمنعون عن اصحابهم واخذ فرقة وجعلهم حول المنجنيق يجرون الاحبال وامر بقية القوم ان يقفوا صفوفا با سلحتهم وعدتهم ثم انه اخذ حجرا عظيما ووضعه كفة المنجنيق وامر الرجال بجر الاحبال وتعلق بكفته وهو ينشد ويقول حجارة نازلة من ذا البطل دامعة ترمي الاعادي بالاجل صنعها الشهم ابن عم المطفى مدموم الكفار من كل بطل (قال الراوي) فلما فرغ الاما م من شعره صاح بالرجال وامرهم ان يسرعوا بشد الحبال والتكبير لذي العزة والجلال فكبر القوم بجمعهم وشدوا الحبال فارتفع الحجر في الهواء باذن الله وعلا علوا عظيما ثم انه امرهم ان يحطوا الحبال من ايديهم ففعلوا ما امرهم به فانقض الحجر من كفة المنجنيق وله دوي كدوي الرعد القاصف وازداد في الهواء ارتفاعا عظيما ثم وقع على الحصن فنزل على اثنين فهشمهما فلم يتحرك منها احد فذهل القوم عند ذلك وحار واندهشوا مما حل بهم والتفت هجام الى جويرثه وقال له الا تنظر الى هذه الحيلة العظيمة التي نصبت فبينما هم في الحيرة وإذا بالامام اخذ حجرا آخر ووضعه في كفة المنجنيق واوصى الرجال بجر الحبال ثم جرت الرجال الحبال وكبروا ثم ارسلوا الحجر من ايديهم فهوى الحجر الى السماء ثم سقط في الحصن فوقع على جماعة من النساء فاهلكهم فعلا في الحصن وكثر الصياح والصراخ فلما نظر هجام الى ذلك قال وحق المنيع لقد رمانا امرهم الغلام بداهية عظيمة فاين المنيع اليوم يمنعه عنا وعن نصرته فبينما هم كذلك حائرون إذ اخذ الامام صخرة عظيمة ووضعها في كفة المنجنيق ثم ان الامام امرهم ان يفعلوا بها مثل فعلهم اولا فما استطاعوا ان ينقلوها من محلها وما قدروا ان يحركوها فزادهم الامام رجالا وامرهم ان يكبروا فكبروا المسلمون وكبر الامام ثلاثا واطلقوا الحبال من ايديهم فانقض الحجر في الهواء وزاد ارتفاعا وله دوي كدوي الرعد وكان الامام قد قصد ناحية باب عدو الله الهجام وجويرثه فوقعت على الباب وكان ذاك الباب العظيم على قبة معقودة عظيمة قدمها وصارت حجارتها طائرة في


[ 90 ]

الهواء كأنها عصافير وعاد كل من صدمه حجر منه قتله فكل منهم جزع وقد ثار عدو الله هجام وجويرثه وقد تزيد بهم الخوف وصاحوا الا صبر لنا على هذا فقال هجام وحق المنيع ان دام علينا هذا الفعال ملكنا عن آخرنا ولقد كنا نرجزا الملك الهضام ان يرسل لنا احد قومه ويسير الينا بجيوشه فينصرنا على عدونا ولقد غلبنا وان غاب بقية يومنا هذا وليلتنا لاهلكنا علي بن ابي طالب ويملك حصننا بعد ان يقتلنا ولم يزل الامام يرمي عليهم بقية يومه فقتل منهم خلقا كثيرا فلما ولى النهار وقبل الليل وانسدل الظلام رجع الامام بمن الى اماكنهم وتركوا المنجنيق على حالته (قال الراوي) فالتفت الى اصحابه وقال يا قوم هذه الليلة حرس ثم ان الامام دعا بناقد وجنبل والرغداء وخالد بن الريان ووهم الحرس بالقوم واوصاهم بمداومة السهر فقالوا السمع والطاعة يا امير المؤمنين ثم قالوا يا ابا الحسن لو انك اخذت معك من قومك ولو مائة رجل لطارق يطرق أو مائك يعيق فافي الحصن حيات تلسع وعقارب تلدغ فقال له يا ناقد ان لنا رب يعيننا على تلك العقارب والحيات الاراقم ونهلك بمشيئة الله كل كافر ونحن فينا الكفاية ثم ودع القوم وسار الى ان وصل الى المنجنيق فوقف بازائه وهو مستقبل القبلة ولم يزل يصلي ويتضرع الى الله سبحانه وتعالى الى ان مضى من الليل اكثره والناس في طيب هجعتهم ولذة رقادهم فبينما الامام في صلاته إذ سمع صرير الباب وفتح الاقفال فلصق الاما بطنه على الارض وتحقق النظر الى باب الحصن فرآه فتح وإذا هو بالرجال قد خرجوا منه بعضهم وراء بعض وجعل الامام يعدهم واحد بعد واحد حتى انتهى الى مائتي رجل وقد كان عدو الله هجام قد تشاور في تلك الليلة على قطع المنجنيق وقطع حالة مشابة وقطع البستان حتى لا يبق فيه شجرة ولا نخل وهجام وجويرثه مع كل واحد منهم مائتي رجل من صناديد القوم وشجعانهم فلما خرجوا من باب الحصن امروا من بقي من قومهم ان يغلقوا باب الحصن من ورائهم ثم اقبلوا يمشون وقد احفتوا حسهم وحركتهم ولم يزالوا كذلك الى ان وصلوا المنجنيق والامام مراقب لهم وقد امتشق سيفه من جفيره وقبض عليه بيده وعلى جحفته وهو لاصق ببطنه علي الارض ولم يداخله هلع


[ 91 ]

ولاجزع وهجام وجويرثه في اوائل القوم فسمع جويرثه يقول وحق المنيع ياهجام انا لا نامل علي بن ابي طالب ان يعلم بمكاننا فلا بد ان ياتينا ويصل بشره الينا ثم انه امر طائفة ان يسيروا الى البستان فيحرقوه بالنار فتوجه جماعة من القوم إليه وتقدم الباقون الى المنجنيق جويرثة وهجام يقول وحق المنيع لا قصدن علي ابن ابي طالب اينما هو نازل ولا خذنه اسيرا ذليلا ولآتين به واوصله الى الملك الهشام والمنيع يفعل فيه ما يشاء ويختار كل هذا والامام يسمعه وهو صامت ولم يرد عليهما جوابه وهو صابر لاحكام الله تعالى ولم يزالوا كذلك الى ان وصلوا المنجنيق وهموا ان يقلدوه فعند ذلك وثب لهم الامام قائما على قدميه وصرخ عليهم صرخته المعروفة بين القبائل بالغضب فدوي منها الوادي وقال لهم الى اين يا اولاد اللئام فذهل القوم واندهشوا وبهتوا ولم يجدوا مفرا مما نزل بهم فبادرهم الامام رضي الله عنه بذي الفقار وجعل يضرب يمينا وشمالا ولم يزل الامام يقتل فيهم الى ان ولوا منهزمين على وجوههم هاربين والى حصنهم طالبين واما جويرثه فانه شخص ولم ينتقل من مكانه ولم يتحرك من موضعه من شدة ما اصابه واما هجام فانه لما عاين ذلك قلب جواده وعطف ركض الى جهة الحصن وصرخ بمن فيه افتحوا ففتحوا له وقتلهم فدخل الباب من خلفه وقد جرى الامام وراء من كان معه من القوم وقتلهم جميعا خارجا عن الحصن وكانت عدة القوم مائتي رجل فلم يدخلي الحصن غير اربعة وسبعين رجلا وقتل الباقون وقد كانوا دخلوا قبل هجام (قال الراوي) واما الامام فانه لما فرغ من قتل بقية القوم عند باب الحصن ورجع الى المنجنيق وجد جويرثه واقفا وقد امسك الله جوارحه فلم يستطع ان يتحرك بحركة فاعلن الامام بدعائه ليسمع قومه لما علم انهم مطاولون إليه فنادى يا معشر الناس لايضرتكم القلق ولا يداخلكم الارق فاني بعون الله سالم وبنصره غانم فاني قاتلت قتالا لا ارجو به الا رضا الجبار ودمار الكبار فاستبشر الناس بقوله وفرحوا بكلامه وعاد الامام رضي الله عنه الى صلاته وخشيته لمولاه وجويرثه باهت يراه ويسمع قراءته ونداه وينظر الى ركوعه وسجوده وتفرعه وتعفير وجهه من التراب ولم يزل الامام كذلك الى برق الفجر فاذن الامام في ذلك


[ 92 ]

المكان فعلم آذانه جميع عسكره فأجابوه من كل ناحية ومكان ثم ان الامام صلى صلاة الفجر في مكانه وجلس يذكر الله حتى طلوع الشمس واقبلت اصحابه فلما نظر اهل الاسلام الى جويرثه والامام وهما كالاسود الكسرة الهائلة ففرحوا بسلامة الامام فنزلوا حتى بادوا إليه فقال لهم الامام انزلوا حتى يتضاهى النهار بارك الله فيكم فنزلوا يتحادثون معه كيف صنع في ليلته وهو يتحدثهم بما وقع له في ليلته فبينما هو جالس وإذا بالشمس اشرقت وامتلا بنورها الارض فنظر الامام الى الحصن وإذا عليه عنة منصوبة واحبال مفتولة وكفات مظبوطة وجنادل موضوعه فبينما هم ينظرون الى ذلك إذ اخذتهم الاحجار من كل جانب وكان ابليس لعنه الله صنع للقوم المنجنيق واخبرهم انه رسول المنيع قال فلما راى الامام ماحل باصحابه قال يا ناقد اما تعلم هذا الحصن من مدخل قال يا امير المؤمنين لا اعلم له مدخلا الا من عين الظباء وهي ان تضع حجرا فيه ليحجز الماء عنا وندخل آمنين فامر الامام اصحابه بفعل ما امره ناقد ثم دخلوا واحد واحد قال فلما تكاملوا داخل الحصن هجموا على المنجنيق فحطموه فاتتهم جنود عدو الله ابليس وهجموا على القوم فنادى الامام لا تحاربوا مع الجن دعوني لهم ثم ان الامام هجم على الجن فسمعه الناس عند هجومه يقول بلوامع الابراق من نور الجبار اطفئ نا رالمردة الاشرار وازحهم باسماء الله الكرام الشريفة المنيعة وسر اقسام الله العالية يرسل عليكم شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ثم غاب في السرب فلم يسمع له احد كلام فلم تكن الا ساعة وقد سمعوا من السرب صياحا وضجة ولم يزل متماديا وقد خمدت الاصوات واقشع الدخان وزاد الشرار ولم يسمع الناس للامام كلاما بعد ذلك ولم يعرفوا له خبرا وقد انظر الناس رجوع الامام فلم يرجع فقلق الناس لذلك قلقا شديدا وماج العسكر والناس يسيرون من فم السرب الى المكان الذي فيه العسكر ولا يطيب لاحد منهم كلام ولا يقر لهم قرار وكل منهم قلق على الامام ولم يزالوا كذلك الا ان مضى من الليل الثلث فبينما القوم في اشد القلق (قال الراوي) وإذا هم يسمعون صوت الامام


[ 93 ]

ينادي من اعلى الحصن نصر من الله وفتح قريب فعد ذلك اجابه جميع اصحابه بالتكبير والتهليل وقد اطلقوا له الاعنة فلما قربوا من باب الحصن سمعوا اصوات من داخله تنادي عليهم الامان الامان يابن ابي طالب والامام يناديهم الى اين اللئام فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق بشيرا ونذيرا ما ارجع عنكم بمشيئة الله حتى ابدد فيكم الجميع واشتت منكم الشمل، ثم وضع فيهم السيف وصار يضرب يمينا وشمالا فتكاثر القوم عليه فصار يجمعهم بجحفته ويدفعهم فيكر دسهم فينزل الى الاسفل الحصن عند ذلك يصيرون هشيما فاهلك منهم خلقا كثيرا وراوا منه ما لا طاقة لهم به فعند ذلك صاح من بقي منهم الامان الامان يا ابن ابي طالب فقال لهم الامام لا امان لكم عندي يا اولاد اللئام حتى تقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكتف بعضكم بعضا ولم يبق منهم احدا الا اوثقوه كتافا فانحدر الامام من الحصن الى اسفله وعمد الى باب الحصن وفته وقال لا صحابه ادخلوا وكبروا معي على بركة الله وتوفيقه وعونه، فكبر القوم ودخلوا باجمعهم فرحين مسرورين ثم ان الامام جلس يحدث ناقد عن الذي جرى له في السرداب مع المردة ثم مع عدوالله هجام فإذا هو به قائم فوقف بين يدي الامام رضي الله تعالى عنه عند راسه ورفسه برجله ولكنه لم يعجل له بالقتل ولكنه ايقظه على مهل وقال له قم يا ويلك هل انت امنت وتحصنت بغرور الشيطان، ها انا علي بن ابي طالب قد اوصلني اليك الرحمن فقال له ومن اين جئت وما تصنع فقال له جئت اليك يا عدو الله لاقبض روحك ولا ازال الان حتى يوصلني الى الملك الهضام والهه المنيع واخرقهم في النار التي صنعوها بايديهم فقال هجام يا ابن ابي طالب من دخلت علي فقد زاد سحرك على السحرة ومكرك على المكرة فغضب الامام رضي الله عنه غضبا شديدا من هذا الكلام وتقدم إليه وقطع راسه واخذها وقال للقوم هذه يا قوم راس صاحبكم وكبيركم هجام وقد عجل الله بروحه الى النار فلما سمعوا من الامام هذا الكلام هاج بعضهم وحملوا جميعا على الامام رضي الله عنه فحمل رضي الله عنه عليهم


[ 94 ]

حملته المعروفة فتكاثروا عليه فناداهم الى اين يالئام فوالذي بعث ابن عمي بالحق بشيرا ونذيرا ما ارجع عنكم ان شاء الله تعالى حتى افنكم عن اخركم بالسيف أو تقولوا باجمعكم لا الله الا الله محمد رسول الله فلما سمعوا ذلك قالوا باجمعهم نحن نشهد ان لا اله الا الله محمد رسول الله فقال لهم الامام لا امان لكم حتى يكتف بعضكم بعضا فأجابوه واوثقوا بعضهم كتافا ودخل اصحاب علي رضي الله عنه فوجدوا اهله قد آمنوا فقال لهم رضي الله عنه تفرقوا في الحصن وجمعوا ماكان فيه فاخذوه ووضعوه في قلعة هجام بن اسد الباهلي وختم عليه ثم انه عمر الحصن بالمسلمين الذين معه وامر عليهم هون بن صفوان الباهلي واوصاهم بحفظ الحصن وحفظ ما فيه من الاموال والامتعة وغير ذلك واقاموا في الحصن الى آخر النهار ثم تفكر رضي الله عنه في العواقب فامر اصحابه بالخروج من الحصن فخرج علي وخرج اصحابه الى ان اتوا المكان الذي كانوا فيه اولا فلما نزلوا وتكاملوا تولى على حرس القوم فلما كان وقت السجر وهو يحول حول اصحابه مثل الراعي الشفوق على اغنامه وإذا هو بثلاث فوارس مقبلين على مادة الطريق فلما تحققهم رضي الله عنه ترك اصحابه وانطلق عنان جواده إليهم من قبل ان يصلوا الى عسكره فلما وصل إليهم قال لهم من انتم ياوجوه العرب ومن اين اقبلتم وقال اين تريدون فظنوا انه من الحصن المشرف فقالوا نحن طليعة من جيش الهضام قد قدمونا لنا خذلهم هذا الغلام علي بن ابي طالب وقد كان بعث قبلنا طلعة مع جويرثه بن اسد وهي اربعة الاف فارس لياخذوا له خبر هذا الغلام والى اين وصل فهل عندك منه خبر يا هذا فقال لهم رضي الله عنه بئس الاخبار واقبح الاثار، اما جويرثه فقد اسلم وقر لله تعالى بالوحدانية وها هو معنا مسلما وموحدا واما اصحابه فقد قتلوا عن اخرهم واما علي فهو انا الذي اكلمكم وانتم بين يديه فلما سمعوا ذلك ذهلوا وهموا بالفرار فلوى الامام علي رضي الله تعالى عنه واحد منهم وضربه بالسيف فوقعت الضربة على راسه ووصل السيف الى صدره فتكردس الى الارض ثم هم بالاثنين الاخرين فقالوا يا ابن ابي طالب ابق علينا فقال لهم علي رضي الله عنه لن يجيركم من سيفي الا ان تقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرح علي باسلامهم ثم سار الاثنين بين يديه فاتي بهم الى عسكره وسالهم عن الملك الهضام فاخبروه بخبره واقام علي رضي الله عنه بقومه بقية يومه


[ 95 ]

فلما برق ضياء الفجر اذن الامام وصلى بالناس صلاة الصبح ثم اقبل عليهم وقال معاشر الناس ان هذا عدو الله الهضام قد خرج اليكم بجنوده وعساكره وقد قرب منا ولم يبق بيننا وبينه غير مسيرة الراكب المجد يوم ومعه مائة الف فارس غير ما اجتمع إليهم بعد مسيرهم فما الذي ترونه من الراي هل نسير إليهم ام نمتهل حتى يسروا الينا مع ان سيرنا إليهم وهجومنا عليهم اهيب فاني لا لا افعل شيئا الا بمشورتكم ولا اخالفكم ولا احملكم ما لا تطيقون فقالوا باجمعهم يا ابن عم رسول الله افعل ما تريد ودبر امرك كيف شئت فانا لكلامك سامعون ومبادرون غير مخالفين (قال الراوي) فارتحل بالقوم وسار وجد في المسير الى ان وصل الى الحصن الاسود فنظر إليه الامام فإذا هو كانه قطعة من الليل الدامس فتأمله الامام فإذا المشركين قد تحصنوا فيه وشهروا سلاحهم ورفعوا رايتهم فلما اشرف عليهم عسكر الامام لم يكترثوا به لثقتهم بكثرتهم وان الملك الهضام سائر إليهم فعند ذلك نزل الامام بجيشه ثم سار الامام وحده وسار الى الحصن فلما قرب إليهم ناداهم معاشر الناس ان كان لكم شفقة على انفسكم ورغبة في حياتكم فافتحوا لنا باب الحصن فان ابيتم فنحن نسفك دماءكم بعد ان نقتلكم عن آخركم أو تقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله فان قلتموها فاكف عنكم الشر وياتيكم مني الخير (قال الراوي) فعند ذلك اجابه صاحب الحصن الاسود وهو مساور السماك الباهلي وقال يا ابن ابي طالب انا نعلم ان انصرام عمرك هو الذي اوصلك الى ما وصلت إليه وبلغك الى ما بلغت وقد وقعت في اوطاننا بهذه الشرذمة القليلة والعصابد اليسيرة فلما سمع الامام من عدو الله غضب غضبا شديدا وقال ستعلم يا ملعون فما على الرسول الا البلاغ ثم رجع عنه الى مكانه وقد اصفر وجهه من الغيظ فسأله الناس عن امره قالوا يا ابا الحسن مالنا نراك متغير اللون فقال لهم مما سمعت من عدو الله مساور السفاك من فوق جدار الحصن واني لا افارقه حتى ياذن الله سبحانه وتعالى واظنه صاحبهم الفا ثم يامر الحصن فو الله لو وصلت إليه لهان على فعله وكلامه ثم ذكر لاصحابه ما قال عدو الله ثم قال معاشر الناس اشيروا علي بما اصنع فاني اخشى من قدوم عدو


[ 96 ]

الله الهضام ان يملك هذا الحصن فانه حصن منيع وما فتحا حصنا الا والذي بعده اشد منه فقال جويرثه يا امير المؤمنين ان فتح هذا الحصن بعيد والوصول إليه صعب شديد لان حجارته اشد من الحديد والماء عندهم عزيز وطعامهم كثير وصاحبه المتولي عليه فارس عنيد ولذلك سموه السفاك فهو المعرف بالسفك بين قبائل العرب لفكه دماء الرجال ونزل الامام بجانب الحصن بحيث لا تصل إليهم سهامهم ولم يزل الامام قائما الى وقت الزوال فبينما هو كذلك إذ اشرف عليه رجل على مطية قد ارسل زمامها وطول حطامها وهي تخرق الارض خرقا وتقطع البيداء قطعا الى ان وصل الى عسكر المسلمين فنادى برفيع صوته معاشر الناس اني رسول اليكم فلما سمع الامام ذلك قال لك الامان فاناخ الرجل مطيته وقال له انت ظننت ان صاحب الجيش اوصلك من قريش فقال الامام نعم فتقدم الشيخ وناوله الكتاب (قال الراوي) فاخذ الامام الكتاب وقراه فإذا فيه مكتوب اسمك اللهم من صاحب الدار والقرار ملك الملوك المذل لهيبته كل سيد وصعلوك الهضام بن عون بن غانم الباهلي الملقب بمرارة الموت الى الحدث العصفور والطفل المغرور علي ابن ابي طالب اما بعد فان الذي فعلته ووصلت إليه وادركته فبقاء المنيع عليك واحسانه اليك فلا تغتر بفعلك والا زحفت عليك باسود زائرة وابطال للحرب متبادرة فيتركونك كشئ كان ولا بان وان انت اطلعت واتيت مع حامل هذا ابقينا عليك واحسنا اليك فانظر لنفسك وتدبر لامرك وقد اعذر من انذر فلما قرا الامام رضي عنه ذلك الكتاب صرخ في وجه موهوب صرخة المعروفة وقال قل له ليس عندي الا السيف فولى راجعا من حيث جاء وهو لا يصدق لنفسه بالخلاص من بين يدي الامام فصار يجد المسير الى ان وصل الى الهضام فلما نظره الهضام قال يا موهوب اخبرني ما قلت وما قيل لك فقال ايها الملك هو جاوز المقدار ويرمي من يخاطبه بالنار وما كنت مصدقا اني راجع من زجراته ونهراته واني قد جادلته مجادلة المطارد وارجوا بذلك رجوعه عما هو عازم عليه قاصد فما رايت يزداد الا غيظا وانه لم يكن اهلا لرد الجواب ولا ابقى موضعا للخطاب فانظر ما انت صانع


[ 97 ]

فان عذا الغلام همام واسد ضرغام وقضاء نازل لايرد ولا يقاوم فلما سمع الملك ما قال موهوب جعل يعض على انامله من شدة غيظه ثم خلع كبراء قومه وسادت عشيرته ووجوه اهل مملكته فلما اتوا إليه ووقفوا بين يديه قال لهم يا قوم ما تقولون في هذا الامر الذي وصل الينا من هذا الغلام وان الملوك والسادات تقول في شان من اتخذ لنا فاجابه كبراء قومه ان نذهب إليه وناخذ روحه بين جنبيه (قال الراوي) واما ماكان من الامام فالتفت الى ورائه وكان كثير الالتفات فنظر الى غبرة ثائرة وعجاجة متعلقة مرتفعة وخيول كثيرة وهي سائرة نحوه (قال الراوي) فلما رآهم الامام نادى معشر الناس قربوا من هؤلاء اللئام ودونكم والخيل يا بني الكرام فعطف الناس على الحصن فظلوا مسرعين والى الخيل مبادرين فاحتدت يهم العطفة والصياح من اعلا الحصن فظن اللئام ان الامام هارب باصحابه فقال له مساور الى اين تريد يا ابن ابي طالب وقد جاء لاستقبالك لما علم بقدومك فلم يرد عليه جوابا بل انه تقدم الى جواده واستوى عليه راكبا وكثر الطعن والضرب حتى دار المشركون حول الامام كالحلقة الدائرة فبينما هم كذلك وإذا بصائح يصيح بالامام فقصد نحوه فهو ناقد وقد كان ناقد قد قاتل في هذا اليوم قتالا شديدا فبينما ناقد في معمعة الحرب إذ عرفه عمه غمام راس القوم فصاح يا ناقد فقال ويحك يا ناقد ابن اخيه وقال لا خذنك قبل ابن ابي طالب ثم حمل عليه وهاجمه وهم ان يقتلعه من بحر سرجه فما امكنه فبادره بضربة وظن انه قد قتل منها فتلقاها ناقد في الدرقة ولوحها قبل ان تصل إليه ولم يصبه منها شئ فلما راى ذلك هجم عليه عمه غمام وهو لا يريد احد غيره فداخله واراد ان يقتلعه من سرجه وضرب الآخر يده على عمه وربطا بعضهما في سروجهما وتعاركا على جواديهما فبينما ناقد وعمه غمام على هذه الحالة إذ سمع صوته امير المؤمنين فصاح ناقد لاجل ان يعرف الامام مكانه وكان عدوالله رابطه فقصد الامام نحوه وإذا هو ناقد متشابك مع عمه غمام فناداه يا ناقد ابشر فقد اتاك الفرج من عند الله ومن امرك فلما نظر عدو الله هجمة الامام عليه وسرعته إليه سبق ناقد وتاخر الى ورائه وصرح بقدمه فمالت إليه الكتائب وخرج إليه مساور من الحصن بقومه 7 سيرة علي


[ 98 ]

وانجده وقال الامام الى اين يا ابن ابي طالب من يخلصك مني واين ابن عمك محمد هيهات ان عاد ينظر اليك بعد هذا اليوم فتقدم الامام إليه وضربه ضربة هاشمية علوية وقال مع ضربته الله اكبر خذها يا عدو الله من يد علي ولي الله فتلقاها عدوالله في درقته فقطع السيف الدرقة ونزل الى راس عدو الله فجرحه جرحا يسيرا فلما احس عدو الله بالضربة ولى هاربا وللنجاة طالبا فاستجار في قومه فتقدمت الرغداء بنت الخطاف الى الامام وقالت له يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم اتاذن لي ان احمل عليهم وابددهم فاذن الامام وكشف لثامها واطلقت عنان جوادها وحملت على القوم وحمل الامام معها وقال لها يارغداء لا تخافي ومعك اميرك فلما سمعت الرغداء ذلك من الامام صارت كالاسد إذا عاين فريسته وحطت في القوم فصارت كل من ملكته ترسل راسه عن جثته وجالت فيهم يمينا وشمالا حتى قتلت منهم مقتلة عظيمة فلما عاين المشركون ذلك منها قالوا لاصبر لنا على هذا ثم تأخروا الى ورائهم فصاحت بهم الى اين يا اولا د اللئام فتقدمت إليها الفرسان واحتاطت بها الشجعان وسار الامام في اثر الرغداء واحتاطت الرجال وكثر القتال ولم تزل الحرب بين الفريقين وازدادت العساكر وعلا الصياح بين الفريقين فقال الامام لاصحابه يا قوم في هذه الساعة ينصرنا الله عليهم فاحملوا بارك الله فيكم واصدقوا الحملة بالضرب ثم حمل الامام ومازال حتى صار في وسط المشركين فنظر علما كبيرا هائلا وقد نظم رمحه من اعلا ه الى اسفله با للؤلؤ الرطب وكان ذلك العلم هدية الى الهضام فقال يا اخي خذ هذا العلم معك لتفتخر به على ابن ابي طالب وليعلم ابن عمه محمد وجميع من معه لا يقدرون على مثله وكان إذا سار نصب ذلك العلم على راسه فاخذه غمام وسار الى الامام في ذلك اليوم ونظر الى حسنه ولمعان جواهره وكانت احباله من الا برسم موثوقة بجوانبه تحمله الرجال وتمسكه الابطال فلما نظر الامام ذلك العلم وصفته قال لا صحابه يا قوم احملوا عليهم فاني حامل على صاحب العلم فغمني ان املكه منه واقتلعه من يده ان شاء الله تعالى فتقدم إليه ناقد وقال وانا معك يا امير المؤمنين وتبادر القوم الى الامام وكل منهم يقول وانا معك يا ابن عم الرسول فلما وصل إليهم الامام رضي الله عنه تصارخوا باجمعهم وصاح كبيرهم يا للعرب انجدوني قبل ان ياخذ العلم فتصارخت الرجال بالامام من كل جانب ومكان ولم يرجع عن الذي معه العلم حتى ضربه


[ 99 ]

ضربة هاشمية عربية فقسمه قسمين ولم ينطق بكلام ولم يبرح من مكانه فمال العلم من يده فلما راه الذين هم ماسكون الاحبال تركوه وولو هاربين وللنجاة طالبين فبادر الامام رضي الله عنه الى العلم واخذه قبل سقوطه الى الارض وضمه بين يديه فاسرع القوم وهم يظنون ان لا يطيق بحمله الامام ولما حمل العلم وضمه بين يديه فاسرع القوم وهم يظنون ان لا يستطيع بحمله الامام ولما حمل العلم انطلق به ولوى عنان جواده الى قومه فلحقه غمام ومساور ويتصارخون بالامام وكان قد خرج الامام بالعلم من بين المشركين ولم يرمح جواده الى ان دخل الى وسط عسكر المسلمين وقال الله اكبر وكبر المسلمون معه وفرحوا فرحا شديدا في ذلك اليوم فلما اخذ العلم من المشركين تحسرت قلوبهم وانقهروا قهرا عظيما حتى كادوا ان يتفرقوا من شدة غيضهم ثم اقبل الامام على اصحابه وقيل لهم يا قوم ان هذا اليوم قد ولى بضيائه واقبل الليل بظلامه فاحملوا بنا على القوم حملة رجل واحد فانا لا نامن من ان القوم عندما ينسدل يذهبون الى حصن ويتعجبون فيه فيعظم علينا الامر فركب القوم خيوله وانشدوا با سلحتهم الى ان صاروا كالاسود المغلة الضاربة وقد اشتد عزمهم باخذهم العلم ونصرهم عليهم فعند ذلك قال لهم الامام عليهم بارك الله فيكم وعليكم فحمل الامام وحمل القوم في اثره فلم يكن الا كلمح والبصر وقد انهزمت المشركون فولوا الادبار وركنوا الى الفرار فاخذهم السيف من جميع الجهات والاقطار فتفرقوا يمينا وشمالا وقد عمد غمام ومساور الى الحصن ومعهم فيئة قليلة من قومهم والامام في اثرهم يحصد فيهم الى ان ايقنوا بالهلاك فدخلوا الحصن وهم لا يقصدون بالدخول فغلقوا الباب وتركوا اصحابهم من خارج الحصن وكان الحصن الاسود لا تعمل فيه المعاويل فلما اوثقوا الحصن بالترايس رجع الامام الى من كان بخارج الحصن ومكن السيف فيهم فقتلهم عن آخرهم وتفرق المسلمون الى وراء المنهزمين وصار كل من القوة قتلوه واخذوا سيفه وفرسه ثم اتى المسلمون الامام فوجدوه قد افنى من كان قصد باب الحصن عن آخرهم فاقبلوا من كل الجهات واتوا الى مكان المعركة واخذوا جميع ماكان على المشركين وقرنوا الخيل بالخيل وحملوا عددهم على الرواحل وقد اقر الله على اعين المسلمين بقتل ملكهم وعدوهم واخذوا الغنيمة ودفعوها الى الحصن المشرق وارتدوا سالمين ثم نزل الامام متباعدا عن الحصن


[ 100 ]

المشرق فجعل في حيلة يملك الحصن قبل وصول الجيش إليه وقد قدم الامام وامر اصحابه جميعا بالسهر وترك المنام فان هذه الليلة اعظم مما تقدم لكم من الليالي لاننا قريبون من جيش الملك ولا نامن ان يهجم علينا هذا الفاجر ان اللذان في هذا الحصن ومن معهم ويدهموننا في ظلام الليل وإذا هجم عليكم القوم فليحرص كل منكم الآخر حين ينام وها انا اطوف عليكم وجعل الامام رضي الله عنه يطوف با صحابه وقد مضى من الليل نصفه فبينما هو شاخص وإذا هو قد لاح على بعدو وهو يظهر تارة ويخفي تارة فتأمله الامام رضي الله عنه فلما تحققه الامام امسكه وقال اخبرني ما اسمك قال يا ابن عم الكرام الي الامان إذا قلت قال نعم وحق ابن عمي ان اصدقتني فلك الامان فقال الرجل يا ابا الحسن ان غماما اخا الملك لما هرب ودخل الحصن الزمني ان اكشف له خبر جرجس اخيه بذلك كرها لك وها انا بين يديك فامننت فطالما احسنت وان هلكت فما انا متعرض لك فيما فعلت فعند ذلك تبسم الامام من قوله وفرح فرحا شديدا وقال له من اين نزلت امن الباب خرجت فقال الرجل لا وحياتك يا مولاي انهم من حين دخلوا الحصن هربا منك واوثقوه بالاقفال والنرابيس وما جسروا ان يفتحوه خوفا منك وانما اوثقوني بالاحبال وارسلوني من اعلا الحصن فلما سمع الامام فلما سمع الامام ذلك قال وكيف تصنع حين يرفعوك إليهم إذا رجعت فقال يا ابا الحسن انهم عهدوا الي بعلامات جعلوها بيني وبينهم آخذ حجرا من الحجارة وانقر جدران الحصن ثلاث نقرات فإذا سمعوها علموا اني صاحبهم فيرسلوا الي الاحبال فاوثق بها نفسي ويبقى بيني وبينهم علامة اخرى وهو اني اجر الاحبال ثلاث مرات على الحائط فيرفعوني إليهم فقال الامام لما سمع ذلك اكبر نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ثم التفت إليه وقال ما اسمك يا هذا قال اسمي غالب فقال الامام قم يا غالب وانزع ثيابك فقال له وما تريد بثيابي فقال الامام ارى فيها رايا فعند ذلك نزع غالب ثيابه وهو يظن ان الامام يقطع راسه وقال له بحق ابن عمك لا تقتلني فقال له الامام يا غالب لك الامان ولا اهلك واولادك فطيب خاطرك وقر عينك فلا ينالك مني الا الخير فلما سمع غالب ذلك طابت نفسه وناوله ثيابه وكانت قديمة ونزع عمامته وناوله اياها فاخذها الامام ولبسها وتقلد بسيفه من تحت اطماره واقبل على اصحابه وسلم وامر عليهم ناقد وجنبل والرغداء وخالد واوصاهم بحقل


[ 101 ]

العسكر وجميع ما معهم ثم قال لهم يا قوم كونوا على خيولكم وتقربوا الى الحصن فإذا سمعتم نداء فاتوني مسرعين ولتكن منكم جماعة ينظرون صوب الطريق فإذا اشرف عليكم جيش ووصل اليكم فاعتنوا بالتهليل والتكبير فاني اسرع اليكم ان شاء الله تعالى ثم صار الى جهة الحصن والقوم يتعجبون مما عزم عليه فقال غالب يا امير المؤمنين انا اشهد ان لا الله الا الله واشهدوا ان محمدا رسول الله فسر الامام لذلك سرورا عظيما ثم سار الامام وهو غير مكترث الى ان وصل الحصن وكان غالب قد وصف له الموضع الذي نزل منه هذا واهل الحصن منتظرون من خبره فبينما هم كذلك إذ لاح لهم خيال الامام وهو مقبل فظنوه صاحبهم مساور يا غمام قد جاء رسولك ارجو ان يكون جاء بسرورك ومازال الامام سائر الى ان جاء الى الحصن فاخذ حجرا ونقر به جدران الحصن ثلاث نقرات متواليات فلما سمع القوم نقر الحصن ايقنوا انه غالب فارسلوا له حبلا من ليف النحل فاخذه الامام وشد به وسطه وهو يفكر كيف يطيقون حمله وخشى ان ينكروه لثقله فلما مكن الامام نفسه بالحبل صبر وحمد الله وحرك نفسه بالحبل ثلاث مرات فايقنوا انه صاحبهم غالب فجروه فلم يستطيعوا ان يحركوه فقالوا هذا ثقيل علينا اثقل من المرة الاولى فقال لهم مساور لاشك انه كسب من مكان الواقعة وحمل نفسه من الاسلحة والدروع فارسلوا إليه حبلا اخر واجمعوا عليه الرجال وقالوا طلعوه من قبل ان يسمع بنا علي بن ابي طالب فياتي الينا فلا حاجة به وارسلوا إليه حبلا ثانيا فخف نفسه معهم فهان عليهم وما زالوا كذلك الى ان وصل الى اعلى الحصن ووقف على رجليه فتقدم إليه مساور وقال ما ابطاك وما كان من امرك وخبرك يا غالب فرفع الامام راسه إليه وقال يا ويلك يا مساور بل انا علي بن ابي طالب فلما سمع القوم ذكر علي التجموا على الكلام ونظر بعضهم الى بعض من اعلى الحصن فتقدم الامام الى مساور السفاك ورفعه بين يديه والقى به من اعلى الحصن على راسه فهوى الى الارض فتهشم عظمه في لحمه فلم ينطق ولا يتحرك في مكانه وعجل الله روحه الى النار ثم التفت الامام الى غمام وجرد سيفه وقد وقف من دونه الرجال فصرخ فيهم صرخته المعروفة عنه ففرقتهم


[ 102 ]

يمينا وشمالا وتقدم الامام الى غمام وهم ان يعلوه بالسيف فقال يا ابن عم رسول الله كرهت ان اموت تحت السيف ولآن فانا اشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله فقال له الامام يا غمام لقد افلحت ونجحت وعمم الله بك السرور وفرح الامام باسلامه فرحا شديدا ثم ان غمام لصق جنبه الى جنب الامام وصاروا يضربون بالسيف في اهل الحصن الى ان قالوا باجمعهم نحن نشهد ان لا الله الا الله ففرح الامام باسلامهم فرحا شديدا ثم انحدر الى اسفل الحصن ليفتح الباب فلما فتح باب الحصن كان اول من لقيه من اصحابه الرغداء بنت الخطاف وسيفها مشهورا في يدها فرات غماما الى جانب الامام فقالت يا سيدي ما ابقالك على غمام وهو راس القوم فقال لها يارغداء انه قد اصبح اخا لك في الدين وصار من جماعة المسلمين فلما سمعت ذلك تقدمت الرغداء الى غمام وقبلت راسه وقالت له زادك الله فخرا على فخرك وعزا على عزك ثم اقبل ناقد ابن الملك فلما نظر الى عمه غماما وهو واقف بازاء امير المؤمنين قال يا امير المؤمنين هل باقي على كفره وغيه أو لا فقال له يا ناقد قبل راس عمك فانه صار شريكك في الدين فاقبل ناقد على عمه وقبل راسه وصافحه مصافحة الاسلام وفرح به فرحا شديدا ثم ان الامام امر الناى ان يجمعوا الاسلاب فجمعوها ووضعهم بين يديه فاخذ الاموال والامتعة ووضعها في دار عدو الله مساور وختم عليها واخذ جميع الخيول والمواشي وحصنهم في الحصن وجعل فيه اقواما مسلمين يحرسونه وامر عليهم من يحفظه واقام الامام ينتظر ما يكون من امر الله عزوجل (قال الراوي) وكان الملك هضام حين ارسل اخاه غماما ومعه السبعة آلاف المتقدم ذكرهم اوصاهم ان يقدموا بعلي بن ابي طالب الى بين يديه وجهزاخاه علقمة في سبعة آلاف اخر وامره ان يسير في الوادي حتى ياتي الى ابن بن ابي طالب من خلفه فهذا ماكان من امر غمام وقد هداه الله الى الاسلام وهذا ماكان من امر علقمة فقد اخفى الله امره وبطء غمام خبره وقد من الله على الامام بفتح الحصن وقتل صاحبه مساور واسلام جميع قومه ثم بعث الامام رجلا من قومه وقال له اكشف لنا الطريق عن عدو الله الهضام وانظر ما يظهر لك وعد الي بالخبر راجعا بلا تعويق وبعث رجلا وقد كل واحد ناحيته كما امره الامام وامر جنبل ان يذهب بالاسلاب الى الحصن المشرف وياخذ معه مائة عبد


[ 103 ]

فصار كما يهره الامام ولم يزلوا كذلك على ما امرهم الامام الى ان ولى نصف النهار وقد ابطا على الامام خبر الفارسين والطليعة فقلق الامام من ذلك قلقا شديدا وكان علقم لما خرج الى الحرب الامام حاد عن الطريق آخر لاجل ان يقطع خط الرجعة على الامام فتقابل مع جنبل واراد ان ياخذ عنه الاسلاب والاموال فبرز إليه فارس وصار ينادي يا ويلك الق حسامك وقف مكانك فقصر جنبل حتى كاد عدو الله ان يصل إليه فعطف عليه جنبل كانه شعلة نار وضربه بالسيف الى صدره ولم يزل حتى وصل الى السرج فتجندل عدو الله الى الارض صريعا يخور في دمه وعجل الله بروحه الى النار واخذ جنبل جواده ودفعه الى رجل من اصحابه ثم وقف وهز سيفه وقال ويلكم يا اعداء الله فانا رفيق ولي الله ابي الحسن (قال الراوي) فلما سمع عدو الله علقمة ذلك من جنبل اشتد غضبه حتى قام في سرجه وقعد من شدة قهره وقال وحق المنيع لقد كبر عارنا وزاد شرنا وصول هذا العبد اللئيم الى عبث صاحبنا ولقد غفل المنيع ورمانا بكل امر شنيع ثم عطف جنبل وسيفه بيده مخضب بالدم الى عدوالله علقمة ومازال كذلك الى ان اراد قتاله فنادى برفيع صوته يا اهل الكفر والطغيان هلموا الى اهل القرآن ومن رفضوا عبادة الاصنام والاوثان وعكفو على عبادة الله العظيم الملك الديان هل من مبارز هل من مناجز فانا الاسد الظمآن الى شرب دماء الابطال الشجعان فلما سمع عدو الله علقمه ذلك من جنبل نزع عمامته من فوق راسه غاضبا وجلد بها الارض في انفعال وقال وحق المنيع وزلاه بعد العز والملك تنادينا العبيد الاراذل ان هذا من اعظم النكال ثم قال وحق المنيع لازيلن عن المملكة حجابها ولاهدن من سورها ولا خرجن الى هذا العبد اللئيم بنفسي ولابردن بقتله كبدي ثم اصلبه واخذ عدة حربه وهم بالخروج الى ان جنبل فتعلق به رجل يقال له شكا وكان ذلك الرجل شجاع ومن اصحاب الملك الهضام وكان شديدا الباس قوي سريع الاختلاس فقال له ايها السيد اني وحق المنيع عازم على الخروج إليه وقاصد بالهجمة عليه وقد كنت اقسمت بالمنيع ان لا اقاتل احدا حتى اقاتل علي بن ابي طالب والآن قد هاجت شعوري ومروءتي ولا عاد لي مصطبر عن الخروج الا هذا العبد الذميم فخرج شكا كانه سهما غليظ من النار وهز سيفه وزاد رمحه الى ان دنا من جنبل ونادى ويحك يا جنبل لقد مت امجنون انت ام سكران وحمل عليه وارسل سنان رمحه


[ 104 ]

إليه فعطف على جنبل ولو ضربه بالسيف فقصفه من اعلاه باليسنتان وسار بقية العود في يده كالجريد فالقاه من يده الى الارض واراد ان يجرد سيفه فبادر جنبل بضربة قبل ان يمس حسامه وضربه بالسيف على راسه فقطع البيضة ونزو الى ان وصل السيف الى محارمه وسحب السيف منه فنكس عدو الله على راسه وعجل الله بروحه الى النار فلما نظر عدو الله علقمة الى ذلك لم يطق صبرا دون ان صرخ بقومه فاجتمعوا كلهم بين يديه وقالوا ما تريد ايها السيد اتريد ان نحمل عليه لجمعنا فقال لا وحق المنيع لا يخرج إليه غيري فكفاني هذا العار وكان علقمة جريئا على قتال الرجل لا يهاب الابطال يبادر الى النزال فلما نظر جنبل الى خروجه تهيا لقتاله وبادر بالخديعة قبل ان يصل إليه وقال يا سيدي طابت نفسك ان تخرج لقتالي وسفك دمي ونسيت ما واليتني واكرمتني وما كنت الذي امدد يدي اليك بسوء لقد قدمت على فعلي ولو علمت ما في قلبك علي من الغيض فلا آمر لك فصاح به علقمة عند ذلك وقال اليك عني فما اسواك من عبد لقد تعلمت الخداع يا ملعون دع هذا الكلام فلابد لي من قتلك وآخذك وارميك في النار المنيع بكل امر شنيع يقال جنبل وحق الذي من على بالاسلام وهو الذي خلق السموات والارض لئن اظفرني الله بك يالعين لاقطعن راسك هذا ماكان منهما واما كان من الملك الهضام لبس خلعة الغضب ولبس درع الغضب فالويل لمن لقيه من اعدائه ثم سار ولم تقدم إليه طليعة بل تقدم بنفسه امام القوم وتلاحقت به العساكر بالخيل والرايات والبنود واقبلت الكتائب تلو بعضها بعض قبيلة اثر قبيلة وساروا الى ان وقعت العين على العين فنظر الامام صفوف المشركين فصاح باعلى صوته معاشر المسلمين ان اعدائكم متاهبون لقتالكم فكونوا على صفوفكم ومراتبكم الى ان اعود اليكم ثم خرج امير المؤمنين بنفسه وتقدم الى القوم بالاعذار والانذار ولم يزل يتقرب إليهم حتى كاد ان يخالطهم وهو يسير على مهل من غير طيش ولا عجل فاضطربت الصفوف وتصارجت الرجال من حول الملك العظيم وقالوا له قف مكانك يا غلام فهذا محل الواقعة ومرتبة بالمملكة ومواقف السلطنة والملك بعينه يراك ويرعاك فان كنت رسولا فقل ما عندك هذا والامام لا يسمع كلامهم ولا يرد جوابهم الى ان دنا بهم (قال الراوي) ففرح الملك بذكل فرحا شديدا


[ 105 ]

وكان نيته ان يسير الامام تحت طاعته ثم قال يا مسطاح ولئن رغبت بن ابي طالب في جنتي حتى يدخل تحت طاعتي لاجعلنه الموكل بناري وجنتي واما انت يا مسطاح فلك عندي ما تطاولت إليه يدك من الاحسان فعند ذلك عطف مسطاح جواده نحو الامام فناداه الملك قف مكانك يا مسطاح فامسك جواده ووقف مكانه فمر له الملك بخلع الديباج وتاج مرصع الدر وعقد به قبة ثم قال يا مسطاح كن في هذه القبة ليراك بعين المهابة والفخار ويشاهد عليك من هذه المملكة آثار ثم خلع من اصبعه خاتما من ياقوت وقال خذ هذا الخاتم قل له هذا خاتم الامان من عند الملك وسيرى بين يديه العجائب عليها سروج الذهب الاحمر وقد نثر على راسه علمين زاهرين والعبيد يقودوا النجائب وسار مسطاح الى ان وصل الى الامام فنظر الامام إليه والى زينته فظن انه الملك الهضام فتاهب الامام فلما قرب منه الامام تقدم مسطاح وصاح به الامام قف مكانك واحبس زمامك واظهر كلامك فاللسان ترجمان الانسان فمن انت يا هذا وفيما اقبلت فناداه مسطاح يا مولاي انا راجل محبك ومن اجلك مجروح وانا بغير مطال وكثرة مقال اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله فناداه الامام سعدت يا هذا بالايمان فما الذي قدمت إليه فقال له مسطاح الاقرن يا مولاي ان لي امر اتيت اليك مساعدا ومسارعا انا صاحب حصن الفواكه وان معي رجالا في الحصن يسمعون قولي فان احببت ان ارجع إليهم وادعوه للاسلام وما من الله على من الايمان واكرههم في الكفر والفسوق والعصيان واتسبب ان اهذهم من ضلالة الكفر والطغيان واني يا مولاي آمن من الله تعالى ان يكون هلاك القوم وعد والله على يدي ان شاء الله تعالى فشكره الامام وجازاه خيرا وقال له يا مسطاح ارجع الى ان يحكم الله بما يشاء ويختار فرجع الى الملك الهضام وقد اشرق وجهه بنور الايمان فنظر إليه الملك فراى نور الهداية يلوح من وجهه وعليه هيبة الاسلام فاستقبل الملك وقال مسطاح ارى وجههك منيرا فقال ايها الملك اني لما سرت وتوجهت الى ناحية القوم مازلت سائرا الى ان اتيت رجل في الناس مثله لا يجوز عليه خديعة ولا يخفى عليه نكر واني ذكرت له مناقب الملك وكرمه ورغبته في جنتك وحذرته من نارك فلان واستكان


[ 106 ]

ودخل تحت الطاعة والامانة الا انه ذكر لي ان له معك خطابا وعتابا وامر ان يظهر عندك هناك في مشهد من قومك فلما سمع الملك الهضام من مسطاح ذلك الكلام فرح فرحا شديدا وظن ان ذلك حق وغرق في بحر التحير وامر الناس بالنزول فنزلوا وتفرقوا في تلك الليلة على القوم ما عمهم ودفع منها لمسطاح مائة ينحرها لاهل الحصن وقال يا مسطاح خذ هؤلاء النياق وانحرها لقومك ليكونوا معنا في السرور فقام مسطاح وقاد المطايا بين يديه الى ان وصل الى الحصن فجمع قومه وقام فيهم كالخطيب وشوقهم الى الجنة وحذرهم من النار ورغبهم في عبادة الملك الجبار ودعاهم الى الاسلام وشوقهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا سيدنا ما الذي تريد منا ان نفعله فقال لهم ان تقروا لله بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة فقالوا باجمعهم نحن نشهد ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله فعند ذلك خر مسطاح ساجدا شاكرا لله تعالى ثم قال لهم انحروا الآن الجزور على اسم الله تعالى فقد جمعت فرحتان ونحن مسرورون باخذ الامان من ابن ابي طالب فابشروا يا قوم فاني نجيتكم في الدنيا من العار فهذا ماكان من خبر الامام فانه حين رجع مسطاح من عنده نزل وامر الناس بالنزول ثم جمع اصحابه وقال هذه الليلة آخر الليالي مع الكفرة اللئام فاستبشروا بقوله فلما اتى الليل واسدل الظلام واضرمت المشركون النيران وتحارست الفئتان فلم ير الناس في تلك الليلة اكثر حرسا على القوم من الامام حذار من حيلة أو كسبة في ظلام الليل فكان يحوم بنفسه على اصحابه إذ لاح له فارس يركض جواده ركضا خفيفا فامتشق الامام سيفه بيديه ومازال سائرا الى ان وصل الى الفارس وهم ان يضربه فصاح به فإذا هو مسطاح فقال له اهلا وسهلا ومرحبا يا مسطاح ما الذي اتاك في هذا الوقت قال يا سيدي فرج عاجل وسرور شامل فيما انت إليه متطاول فقال الامام اتبشرني باسلام قومك فقال يا سيدي قومي اسلموا وابشرك بالوصول الى عدوك وعدوي الهضام وان قومي قد اسلموا اربعة الاف فارس والملك الهضام قد وصل الي في عسكر قليل من قومه وهو الان داخل الحصن واعلم يا مولاي ان القوم متحيرون فلما سمع الامام ذلك الكلام من مسطاح تقلد بسيفه وتمنطق بجحفته وركب جواده


[ 107 ]

وسار مسطاح بازائه فلما وصلوا الى الحصن وجدوا الناس جالسين في انتظارهم فقالوا اهلا وسهلا بسيد الشجعان فناداه الملك الهضام اين كنت يا مسطاح قال ايها الملك كنت عند صديق لي ولك دعوته ياكل معك الطعام ليشمله من الملك الاكرام فلما نظر الملك الى امير المؤمنين والى هول خلقته وكبر جثته وعرض مناكبه امتلا قلبه خوفا وفزعا وقال من هذا يا مسطاح فقال له امير المؤمنين علي بن ابي طالب ثم تقدم إليه امير المؤمنين فتوثب القوم واسرع مسطاح الى باب الحصن فاغلقه واخترط حسامه وقال الله اكبر فتح ونصر من آمن وخذل من كفر يالئام والتفت الى قومه وقال يا جند اظهروا سيوفكم فاظهروا سيوفهم ونادوا باجمعهم نحن نشهد ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله وما القوم باجمعهم الى ناحية الامام وهو مضيق على الهضام واصحابه فناداهم الامام ايها الناس امهلوا عليه وتفرقوا عنه وتركوه فرجع الناس عنه وسيوفهم مشهورة في ايديهم ثم ان الملك الهضام قال يا ابن ابي طالب عليك بالمهل وترك العجل فقد رفعت عندي منزلتك ولولا انه لاح لي من امرك الحق وبان الصدق قال هو فيه شئ غيرذلك فقال الامام لا يكون شئ من امرك الحق وبان الصدق قال وهو فيه شئ غير ذلك فقال الامام لا يكون شئ ذلك فقال الامام قم بنا الان ان كنت آمنت بالله ورسوله وادع قومك الى الاسلام وان كنت غيرذلك فانه اعلم ثم اتى الامام الى الهضام فقال لهم انتم قائلون فقالوا ما نحول عن ديننا ابدا فقال الامام لمسطاح وقومه دونكم واياهم فما استتم كلامه حتى عطفوا عليهم فقتلوهم عن آخرهم والهضام ينظر بعينه واصطكت اسنانه بعضها في بعض فالتفت إليه امير المؤمنين وقال دونك وقومك ياهضام امض إليهم واسرع بالجواد فقد امهلتك وامهلت قومك وجميع من معك الى الصباح فان اصبح الصباح واتيت مسلما فلك الامان ومن طلعت عليه وهو مصر على دينه فلا امان له عندي الا السيف فتقدم الهضام الى جواده فركبه حين اعطاه الامام الامان وكان لا يصدق بالخلاص فصار مسطاح وقومه يشيرون للامام ان يسمح له بالخروج لما يعلمون من كفره وخديعته فتبسم ضاحكا من كلامهم فلما خرج الهضام قال مسطاح يا امير المؤمنين لقد اطلقت من يدك اسدا عظيما وقل ان يعود وان يقع في يدك


[ 108 ]

مثل هذه المرة فقال امير المؤمنين يا مسطاح لقد حمى نفسه بقوله لا اله الا الله محمد رسول الله ولا سبيل لنا على من قالها والليلة آخر لياليه والله مهلكه وانكم سترون منه ومن صمته عجائب وغرائب ثم هم الامام بالخروج فقال مسطاح يا سيدي اما تأكل من طعامنا وتشرفنا وتسر قلوبنا قد ذبحنا على اسم الله تعالى فقال اني اخشى على اخوانكم ان يطرقهم طارق من هذا المنافق فجاء الاكل فاكل الامام وحمد الله واثنى عليه وركب جواده وهم بالخروج واوصاهم وقال اغلقوا حصنكم ولا تخافوا فاني راجع اليكم واطلق عنان جواده وخرج من الحصن فنظر الارض وهي تموج من اسطكاك الارض وصهيلها وزعيق الابطال فقال الامام لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم وكان عدو الله الهضام لما خرج من الحصن وفاز بنجاة نفسه اطلق عنان جواده حتى وصل الى معسكره وصرخ فيهم وقال يا ويلكم اركبوا الخيل واهجموا على القوم في الليل فقد حصدوا قومكم بالسيف وقد كاد ان يحصد صاحبكم لولا سبق الاجل فاغتنموا غفلة القوم لان الامام قد خلف اغنامه سائبة وقام عبد الله بنفسه الى اصحاب الامام الا وقد غشيهم جنود عدو الله الهضام وزحف عليهم الرجال وتزاعقت الابطال وكان اصحاب الامام متاهبين للقتال كما امرهم وقد تولى حرسهم ناقد بن الملك والرغداء وجنبل فلما سمعوا زعقة عدو الله على قومه فتواثبت اصحاب الامام كالاسود الزائرة واجتمعوا ولصقوا مناكبهم الى بعض والتفوا حتى صاروا كالحلقة الدائرة وقال بعضهم لبعض كونوا اشداء لان اميركم لا يغفل عنكم فاحتوت عليهم جنود الهضام من كل جهة وهم يظنون انهم ظافرون بهم فلما التقى الجمعان اصحاب الهضام ان ما املوا منهم بعيد والوصول إليهم صعب فاشتد القتال وازدحمت الابطال وصار الرجل لا يعرف صديقه من عدوه فبينما هم كذلك إذ سمع الفريقان زجرات وصرخات مزعجات وكان الامام قد اقبل وعلا صوته على جميع الاصوات فخمدت عند صرخته جميع الصرخات فلما سمعه اصحابه وهو يقول الله اكبر نصر من الله وفتح قريب يا معشر المسلمين اصبروا يا اولاد الكرام فقد آتاكم الاسد الضرغام ليث بني غالب علي بن ابي طالب ثم حمل الامام عقب كلامه وكبر تكبيرة عظيمة فاجابه قومه عند ذلك التكبير وخمدت اصواتهم


[ 109 ]

ولم يزل الامام يخترق المواكب ويشتتها ويضرب فيهم السيف الى ان وصل الى قومه وقد طحن الابطال وهلك فلما وصل الى اصحابه نادى معاشر الاصحاب قد اتاكم اميركم وحامي حومتكم احملوا بارك الله فيكم فحملوا وهو في اوائلهم وعمد الى الكافر الغدار المنافق راس الكفار وقال له هلم الى الموت والدمار من الفارس الكرار قاتل الفجار ومبيد الكفار وقامع الاشرار وسائقهم الى الويل والدمار ومفنيهم بالصارم البتار فلم يرله الامام خبر ولاوقع له على اثر وقد اختلط القوم في الظلام وإذا قوابعضهم الويل الى ان كلت الخيل من تحتهم وكانت ليلة يالها من ليلة ماراى الناس اعظم من قتالها ولا اشد من نزلها ولم ير مثلها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل كذلك الا ان طلع الفجر فافترق القوم عند الصباح وقد ملئت الارض اشباحا بلا ارواح الى ان غاصت الخيل في الدماء فلم يكن غير قليل من الليل حتى فقد المشركون صاحبهم الهضام وافتقد المسلمون اميرهم فلم يروه ولا علموا بغية الهضام ولا المسلمون علموا بغيبة الامام اما المسلمون فوضوا امرهم الى الله عزوجل وقد اجمعوا امرهم على ان يقاتلوا الى ان يفنوا عن آخرهم واما ما كان من امر امير المؤمنين فانه كان يدور من العسكر في القتال وهو يطلب عدو الله الهضام فلم يجده ولم يقع على خبره في وقت الحرب فبينما هو كذلك إذ نظر الى عدو الله الهضام وهو خارج من معمعة هاربا وعلى وجهة طالبا الى الحصن الذي هو حصن الحصون فخرج الامام في اثره الى ان وصل الى الحصن فإذا عليه الحرس الشديد فاراد ان يصل الى باب الحصن فلم يجد سبيلا فجعل يطوف حول الحصن يمينا وشمالا فاذاهو بخرق كانوا اصطنعوه لاجل خروج المطر منه إذا اجتمع في الحصن مكانه فنظر الامام فيه فوجده ضيقا فشبك في حجر وجذبه من مكانه وازاله عن بنيانه ثم اقطع آخر ولم يزل كذلك الى ان دخل الحصن والقوم لا يعلمون بشئ من ذلك بتوفيق الله تعالى واقبل الامام يمشي في الحصن كانه يعرفه سابقا ويعرف طرقه ومسلكه هدي من الله سبحانه وتعالى ولم يزل كذلك الى ان وصل الى القبة التي


[ 110 ]

فيها الصنم بتوفين من الله وهو متعلق في الهواء والقناديل موقودة لا تطفا ليلا ولا نهارا وليس عنده مساعد ولا خادم فنظر الامام إليه فماج الصنم واضطرب في القبة وتخبط في حيطانها ورمت المردة الموكلون به بنيرنه وارتفع الصنم حتى صار في سماء القبة ورمي الامام من اعلى القبة بالصخر والجنادل وخرج من فم الصنم لهيب النار وظهر للناس رؤوس بلا ابدان وابدان بلا رؤوس فلما نظر الامام الى تلك الفعال من الصنم والشياطين والمردة لم يكبر عليه شئ من ذلك بل تبسم ضاحكا وصاح بهم يا ويلكم انا من تعرفوه ولا تنكروه انا البلية انا الصاعقة عليكم انا مفنيكم جيلا بعد جيل فلما فرغ الامام من اوصافه ازداد الامر وكثر الشر وهجمت النيران وعلا الدخان وتصاعدت الزعقات وعظم الشان ودارت المردة والشيطاين حول الامام من كل جانب ومكان فلما نظر الامام ذلك عزم باسماء الله العظام فعند ذلك جمدت نيرانهم وذهب دخانهم وعاد الصنم المنيع ملقى صريع فاخذ الامام ووضعه في مكان آخر واما الهضام فانه لما سمع زعقات الامام خاف خوفا شديدا وولى هاربا من معمعة الحرب هاربا وركب جواده الى ان وصل الى الحصن الاقصى وكان قد ترك فيه سريه من الرجال فلما ان وصل باب الحصن صرخ بقومه فعرفوا صرخته فنزلوا إليه مسرعين وفتحوا له الباب وسالوه عن حاله فلم يرد عليهم غير انه قال اغلقوا بابكم واحفظوا حصنكم لئلا يدخل علي بن ابي طالب ومضى الى الصنم المنيع قاصدا فنزل عن جواده وجعل يهرول ويوسع في خطاه حتى فتح القبة ودخل للصنم مستغيثا ومستجيرا فلما توسط القبة وكان الصباح قد اصبح نادى الهه المنيع وقال الهي هل عندك ملاذ من سيف الامام علي ثم رفع إليه فلم يلقه فقال ما انا وانت الا في البلية سواء فكل منا هارب من علي بن ابي طالب فاما انا فموجود واما انت فمفقود ووقف وهو حائر واذ بقائل يقول له بل نزل البلاء من يد الامام المرتضى فلما سمع الهضام التفت الى ورائه فإذا هو بالامام واقف يخاطبه فاندهش من ذلك وجار وقال يا ابن ابي طالب انت من السماء نزلت ام من الارض نبعت فقال له الامام انا معك اينما توجهت ثم اني لصنمك اخذت وهو بى يدي فلما نظر الهضام الى صنمه وهو في يد الامام جعل يقبله ويقبله ويبكي عليه ويضرع إليه انقض عليه الامام وقبض عليه قبضة


[ 111 ]

مزعجة وجلد به الارض فقال يا ابن ابي طالب خذ الفداء عني وعن صنمي المنيع الاله الرفيع فقال له الامام تعسا بك وبصنمك ثم مد يده الى عمامته فحلها واوثقه كتافا وتركه لا يستطيع التحرك فبينما الامام كذلك إذ سمع صرخات قد علك وضجات فلم تحقق ذلك ترك الهضام في مكانه وصعد حتى صار على اعلى السور وتخلط بالقوم وها لا يعلمون ماحل بالهضام ولم يعرفوا الامام فبينما هو ينظر اعلى الوادي إذ راى المنهزمين من المشركين متوجهين من حصن الفواكه الى حصن الاقصى من يدي المسلمين والمسلمون من ورائهم ياخذونهم من كل جانب ففرح الامام بذلك فرحا شديدا وسمع مسطاح وهو ينادي الى اين يا ابناء الاوذال تمضون فلما نظر الامام زادت به الافراح وهذا والمشركون ينادون ياسرار بن طارق افتح لنا الباب فصرخ سرارا لانفتح لكم الباب لئلا يدركنا يدركنا علي بن ابي طالب كل هذا والامام بينهم ولم يرد عليهم جوابا ثم امتشق سيفه ووثب فيهم وقال يا ويلكم ان سلمتم لي انفسكم واستاسرتم باجمعكم والا محوتكم بهذا السيف عن آخركم فعند ذلك ساحوا باجمعهم الامان يا ابن ابي طالب فقال كتفوا بعضكم بعضا فاخذ القوم في تكتيفهم حتى لم يبقى احد منهم واماما كان من جيش الهضام والمسلمون فانهم قد قد احاطوا بالمشركين فبينما هم كذلك وإذا بعاج قد طلع من ناحية حصن الفواكه وبينهم فارس على جواد سابق فلما وصل حمل هو بقومه ففرحت به المسلمون حين نظروه وإذا هو مسطاح الاقرن وهو ينادي ويقول ابشروا بالنصر ياحزب الرحمن فانا مسطاح انا قاتل الفرسان فلما سمع المشركون ذلك ولت الادبار وتوجهوا نحو الحصن والديار فلما وصلوا الى الحصن نادوا ياسرار يا ابن طلوق افتح لنا الباب والمسلمون من ورائهم هذا والامام قد كتف الهضام في مكانه فسمع الضجات والصرخات وصعد الى اعلا الحصن فلما وصل المنهزمين نزل الامام من اعلا الحصن الى المكان الذي فيه الهضام وقال ويحك ما انت قائل فقال الهضام اشهد علي يا ابن ابي طالب انك اخذت بسحرك جميع اولاد الملوك فعند ذلك غضب غضبا شديدا فما صبر دون ان قام إليه ورفعه وجلد به الارض فادخل اضلاعه بعضها في بعض ولم يتحرك ولم ينطق وعجل لله بروحه الى النار وتقدم الامام الى الصنم واخذ صخرة عظيمة وضربه بها فقطعه قطعا وامر به الهضام ان يحملوهم ويطرحوهم في نارهم التي صنعوها وجعل على البيد زبانية واخذ جميع العبيد ودخل الجند وخذ كل شئ كان فيها من الذهب والجوهر واليواقيت فلما فرغ


[ 112 ]

الامام من ذلك ارسل الى جميع الحصون واحضر امراءهم بين يديه واقام عليهم ناقد سلطانا كما كان ابوه اولا واقام بينهم شرئع الايمان والاسلام وامر ببناء المساجد وتلاوة آيات الله واكرام الفقراء والمساكين والايتام وامر على حصن الحصون عمه غمام كعادته في حياة الهضام واقام ايام قلائل واراد ان يتوجه الى مدينة يثرب لمشاهدة بن عمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم فاقبل عليه ناقد ابن الملك وقال يا امير المؤمنين لي حاجة فقال له الامام اسال عما بذكل تعط كل ما تريد ان شاء الله تعالى فقال يا سيدي اريد ان اتزوج الرغداء بنت الخطاف فقال السمع والطاعة وارسل الى الرغداء واعلمها بذكل فقالت له السمع والطاعة فصنع لهم الامام رضي الله عنه وليمة عظيمة ولها بين العرب وزوجه امير المؤمنين بالرغداء في تلك الليلة وعطاها جميع ما تحتاجه النساء واقام معها في عيشة هنيئة ثم ان الامام رضي الله عنه وضع لهم الوليمة وارخيت عليهم سرادقات الخلوة وتجهز الى السير نحو مدينة يثرب فقام معه ناقد وكبراء المؤمنين لي حاجة فقال له الامام اسال عما بذكل تعط كل ما تريد ان شاء الله تعالى فقال يا سيدي اريد ان اتزوج الرغداء بنت الخطاف فقال السمع والطاعة وارسل الى الرغداء واعلمها بذكل فقالت له السمع والطاعة فصنع لهم الامام رضي الله عنه وليمة عظيمة ولها بين العرب وزوجه امير المؤمنين بالرغداء في تلك الليلة وعطاها جميع ما تحتاجه النساء واقام معها في عيشة هنيئة ثم ان الامام رضي الله عنه وضع لهم الوليمة وارخيت عليهم سرادقات الخلوة وتجهز الى السير نحو مدينة يثرب فقام معه ناقد وكبراء قومه ورؤساء حصونه ومن معه من اصحاب المسلمين وصار يودعون امير المؤمنين فكان كلما اتى الى حصن من الحصون يقيم يوم أو يومين وهو يعلمهم في شرائع دينهم حتى خرج من الحصون وناقد معه وقومه يتبعونه ويودعونه فامرهم الامام بالرجوع فسار وجد في السير وكان كلما اتى الى حصن يقسم غنائمه خمسة خماس ويعطي الامير الذي فيه هو وقومه خمسا ويجعل الاربعة اخماس الى بيت مال المسلمين وسار علم الانوار الذي غنمه منصوب على راسه الى ان اتى المدينة المنورة فلما قرب من المدينة هبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم سيد الانام ومصباح الظلام ورسول الله الملك العلام وبشر بقدوم الفارس الهمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه وبشره بما فتح على يده قتل عدو الله الهضام فامر رسول الله المهاجرين والا نصار الى البراز لملاقاة علي الكرار ففرحوا بذلك فرحا شديدا وركبوا خيولهم وركب النبئ صلى الله عليه وسلم الى ان تقابل معه وضمه الى صدره فضمه المسلمون والجيوش وفرحوا فرحا شديدا واخذ النبئ صلى الله عليه وسلم الغنائم والعلم الانوار الذي جاء به الامام وفرقها على اهل المدينة ولم يرك احد من المسلمين الا واعطاه نصيبه وكانت مدة غيبة الامام ورجوعه اربعين يوما وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (انتهى)

مكتبة يعسوب الدين عليه السلام الإلكترونية