كتاب
شرح الخطبة
التطنجية
آية
الله
السيد
كاظـم
الـحسيني
الرشتـي (الأمجد)
الناشر
: جامع الإمام
الصادق عليه
السلام -
الكويت
سنة
الطبع : 1421 هـ 2001م
المجلد
الثاني
بسم الله
الرحمن
الرحيم
الحمد
لله رب
العالمين
والصلاة
والسلام على
أشرف جميع
الأنبياء
والمرسلين
العبد المؤيد
والرسول
المسدد
المصطفى
الأمجد المحمود
الأحمد حبيب
إله العالمين
أب القاسم محمد
وآله الطيبين
الطاهرين
الخيرين
المعصومين
الذين أذهب
الله عنهم
الرجس وطهرهم
تطهيرا ، أما
بعد فهذا
الجزء الثاني
من كتاب شرح
الخطبة
التطنجية ،
لمصنفها أعلم
العلماء
الراشدين
وأفضل
الفضلاء
الكاملين
ورئيس
المجتهدين
وقطب
الموحدين
جامع المعقول
والمنقول
حاوي الفروع
والأصول الذي
تغمده الله
برضوانه
وأصعده إلى
أعلى جنانه
المرحوم المبرور
المغفور فخر
الأعاظم جناب
الحاج السيد
كاظم الحائري
الحسيني
الرشتي أعلى
الله مقامه .
قال
عليه السلام : ((
أيها الناس
أنيبوا إلي
شيعتي
والتزموا
بيعتي
وواظبوا على
الدين بحسن اليقين
وتمسكوا بوصي
نبيكم الذي به
نجاتكم وبحبه
يوم الحشر
منجاتكم )) .
لما
وصف الحق سبحانه
على ما وصف
الله سبحانه
على قدر ما
نطيق وندرك
ونفهم إذا
عرفنا أنفسنا
ووصلنا إلى مقام
ذواتـنا
وحقائقنا من
بارئـنا
ومبدئنا وإدراكنا
بالعين التي
جعلها الله
سبحانه فينا
لنشاهد بها
جماله وجلاله
وعزه وقدسه ،
ولما كانت تلك
العين لا
نهاية
لإدراكها ولا
غاية لمعرفتها
ولا نفاد
لأمدها ولا
انقطاع
لمددها لأنها
ظهور من
ظهورات الوجه
الأعظم
وإشراق من
إشراقات
النور الأقدم
الذي لم يطرأ
ولا يطرأ عليه
العدم ولا
تزال له في
توحيد الحق
سبحانه قدم ،
فهي لم تزل في
الإرتفاع ولا
تزال في الوصل
والاتصال ،
فإذا كان
النهر منبعه
ذلك البحر
والكلام
مستمد من ذلك
النور والسر
فلا ينقطع ولا
يتكرر وإن ظهر
الكلام
والبيان بصورة
الحدود لكنه
متصل بذلك
البحر فدائما
يأتيه المدد
ودائما يتجدد
، ومع ذلك كله
لا يتبين المراد
لقصور
الاستعداد
فإن مقام
التعبير مقام
الحدود ومقام
التفهيم
والتصوير
مقام الكيف
والنهاية
ففهم ذلك
العالم منقطع
وإدراكه في مقام
العبارة
منعدم ، ثم إن
مراتب الناس
أهل الطبقة
الإنسانية
مختلفة إذا
بلغوا ذلك
المقام
وسمعـوا ذلك
الكلام من
الملك
العـلام الذي
هذه الخطبة
الشريفة قد
شرحت خافيها
وأظهرت ما
فيها لمن ورد
ذلك المنهل
وأدرك العل
والنهل ، فكل
أحد من هـؤلاء
الأخيار
يعرفون من تلك
الأسرار
المطوية في
هذه الكلمات
الشريـفة على
مقدار ظهور
ذلك النور
الذي ظهر لهم
من فاضل ظهور
صاحب هذه
الخطبة
المباركـة
فأبدا يـترفون
وفي بحر
الترقي
يسبحون ،
فكلما اشتدت
السباحة كثر
ظهور اللآلئ
ثم لا يلحقون
قعره ولا
يبلغون قدره .
وبالجملة
بأبي هو وأمي
كذلك وصف ربه لخلقه
في توحد ذاته
وظهور أسمائه
وبروز صفاته
ومواقع
تجلياته
وأفعاله
وإشراقات
أنواره وسطوع
عظمته وجلاله
وكيفية بدء
مخلوقاته واستداراتهم
على أقطابهم
واستدارات
الأقطاب على
أقطابها
وأقطاب
أقطابها
وهكذا إلى ما
لا نهايه له
على حد قوله
عز وجل (( ليس
لمحبتي غايه
ولا نهايه ))1 .
ثم وصف
أول ظهور
التجلي الأول
والتعين
الأول وقطب
دائره
الأكوار
والأدوار من
مبدأ الوجود
إلى آخر
نهايات ظهور
المعبود مقام السفارة
الحقيقية
مبدأ شكل
المثلث آدم
الأول ، ولذا
كان المثلث
أحسن الأشكال
وأبو الأشكال
وهو شكل آدم
النبي عليه
السلام في كل
مقام في كل
آدم من الآدميين
الألف ألف ،
ولكل آدم حواء
وهي أحد أضلاعه
وهي الضلع
الأيـسر ،
وظهر بيانه
عليه السلام
أن الشكل
المستدير هو
وجه من وجوه
المثلث الوجه
الأعلى ،
والشكل
المربع وجهه الأسفل
كالأحد
والواحد
الظاهرين من
الله ، ولما
كانت هذه
النقطة هي
المحبة
الأولية فلها
استدارات
تجمعـها
استدارتان ،
استدارة على الوجـه
الأعلى وهي
بذاتها
وكينونتها
وهي استدارة
ذاتية وحركة
جوهرية ،
واستدارة على
نفسها في
إظهار شئونها
وكمالاتها
ومراتبها ودرجاتها
ومشاهدةظهور
الجلال
والجمال
والكبرياء والعظمة
كالتدوير
للكوكب
بالنسبة إلى
الحامل ،
واستدارة على
غيرها
استدارة
إمداد وإيجاد وإظهار
وإرشاد ، ففي
الاستدارتين
الأخيرتين لا
بد لها من
ظهور في
مقامات
التفصيل عن
مقام الإجمال
وفي الانبساط
عن الوحدة
المطلقة إذ
بدون ذلك
يمتـنع
الظهور
لمراتبه
السافلة
أولآثاره
النازلة ،
ولما كان
___________________
1
إرشاد القلوب
199
مقام
الإجمال غير
مقام التفصيل
ومقام الانبساط
ظاهر الدلالة
واضح الحجة
غير مقام
الوحدة
المحتجبة
بشعاع نورها
عن نواظر
المخلوقين ،
وكانت
المراتب
والمقامات
والآثار
وروابط العلل
بالمعلولات
والأسباب بالمسببات
واللوازم
بالملزومات
والشرائط بالمشروطات
ومظاهر القدر
والقضاء
والإذن والأجل
والكتاب
وغيرها كلها
منتسبة إلى
المقام الثاني
لا المقام
الأول ، فظهور
الربوبية إذ لا
مربوب لا يمكن
إلا في تلك
النقطة التي
هي الربوبية الثانية
إذ لا مربوب
عينا وإذ
مربوب ذكرا،
وظهور هذه
الربوبية
يمتنع إلا في
مقام تفصيل
تلك الربوبيه
الثانية في
عالم الظهور
أي في مقام الربوبية
إذ مربوب عينا
وكونا وذكرا ،
فوجب معرفة
الربوبية
الثالثة أولا
للتوصل إلى
الثانية
للتوصل إلى
الأولى ، فمن
لم يعرف الثالثة
أو أنكرها فقد
أنكر الثانية
وجهلها ومن أنكر
الثانية
وجهلها فقد
أنكر الأولى
وجهلها ومن
أنكر الأولى
وجهلها فهو
كافر خارج عن
ربقة المسلمين
ومستحق
للخلود
الدائم في
العذاب المقيم
وعليه لعـنة
الله أبد
الآبدين ودهر
الداهرين ولا
يزكيه الله
ولا ينظر إليه
يوم القيامة
وله عذاب عظيم
.
ولما
كان السافل
جاهلا في حد
ذاته بل ليس
شيئا إلا
بظهور العالي
له به فلا
يعرف ولا يدرك
شيئا إلا بوصف
العالي
وبيانه له ،
ولما أن هذا
البيان
والوصف ليس في
مقام الذات
البحت لأنها
صمد لا يخرج
منها شيء ولا
يدخل فيها شيء
وليس في مقام
الربوبية
الثانية لأن
فيها ذكر
وإجمال وقدس وعزة
ووحدة وبساطة
، والبيان
يقتضي بسطاً
وكثرة
وانتشارا
ودعوة
وتفصيلاً
وظهوراً وليس ذلك
إلا في مقام
الربوبية
الثالثة ،
فوجب البيان
في هذا المقام
لعامة الخواص
والعوام ، ولما
كان آية
الربوبية
الأولى هي
النقطة وهي الوحدة
الأحديّة
المنزهة عن كل
اقتران
وانتساب ،
وآية
الربوبية
الثانية هي
الألف اللينة
المائلة إلى
الألف
القائمة بل
آخر مراتبها
الألف
القائمة ،
وآية
الربوبية
الثالثة في
مقام الظهور
هي الألف
المبسوطة
التي هي الباء قال
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم على ما رواه
ابن أبي جمهور
الإحسائي في
المجلي (( ظهرت
الموجودات من
باء بسم الله
الرحمن الرحيم
)) فإن مقام
الظهور
والانبساط
متميز الدرجات
والمقامات في
الباء ونسبة
الباء إلى
الألف نسبة
الكرسي إلى
العرش ونسبة
الحروف إلى
المداد، ولما
كان رسول الله
صلى الله
عليه وآله وسلم هو
الواقف مقام
الربوبية إذ
لا مربوب عينا
وإذ مربوب
ذكرا وصلوحاً
أي حامل
ظهوراتها
وآثارها
وتجلياتها
ومولانا علي
عليه السلام هو حامل
ظهورات
الربوبية إذ
مربوب ذكرا
وعينا وهو
عليه
السلامالواقف
في هذا المقام
قالعليه
السلام (( وكل
ما في البسملة
في الباء وكل
ما في الباء
في النقطة
وأنا النقطة
تحت الباء )) وهذه
هي النقطة
الظاهرة في
الباء ونسبة
هذه النقطة
إلى الباء
نسبة الكرسي
إلى البروج
والمنازل ،
ولما كان مقام
الربوبية
الثانية ليس فيها
إلا محض
التأدية إلى
الربوبية
الثالثة وفي
مقام
الربوبية
الثالثة
ينتشر الفيض
ويتميز وينال
كل أحد نصيبه
من الكتاب
ويعطى كل ذي
حق حقه ويساق
كل مخلوق إلى
رزقه إن خيرا
وإن شرا وإن
نورا وإن ظلمة
، قال عز وجل
خطابا لنبيه
{إِنَّمَا
أَنتَ
مُنذِرٌ
وَلِكُلِّ
قَوْمٍ
هَادٍ}1 وقال
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم ((
أنا المنذر
وعلي الهادي ))2
، لأن رسول
الله صلى
الله عليه
وآله وسلم صاحب
المقام
الثاني
ومولانا عليا
عليه السلام
صاحب المقام
الثالث ولما
كان الاختلاف
والامتياز
إنما هو في
المقام
الثالث دون
المقام
الثاني فـإن
فيه وحدة
نوعية وفي
الثالث الوحدة
الشخصية
المستلزمة
للكثرة
الشخصية ، وكان
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم في الأول
وعلي عليه
السلام في
الثاني كما مر
آنفا قـال
رسول الله
عليه السلام ((
ما اختلف في
الله ولا فيّ
وإنما
الاختلاف فيك
يا علي )) وقال
الله عز وجل
{عَمَّ
يَتَسَاءلُونَ
*
عَنِ
النَّبَإِ
الْعَظِيمِ * الَّذِي
هُمْ فِيهِ
مُخْتَلِفُونَ
كَلَّا
سَيَعْلَمُونَ
*
ثُمَّ كَلَّا
سَيَعْلَمُونَ}2
قال مولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
ما لله نبأ
هـو أعظم مني ))4 .
ولما
كان وصف الله
نفسه لخلقه
هدايته لهم
إلى ما فيه
صلاحهم وما
فيه هلاكهم في
كل مقام بمعنى
الإرادة في
المشيـئة
العزمية
وبمعنى الإيصال
في المشيئة
الحتمية ،
وكان صاحب
الهداية على
ما نص الله عز
وجل هوعلي
عليه السلام ، كان ذلك
الوصف إنما
أتى إليهم به عليه
السلام فرسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم إنما أدى
خطاب (( ألست
بربكم ومحمد
نبيكم وعلي
وليكم والأئمة
من ولده
وفاطمة
الصديقة
عليهم السلام
أولياؤكم )) عن
الله
___________________
1
الرعد 7
2 المناقب 3 / 84 3 النبأ
1 – 5
4
تاويل الآيات
733
سبحانه
ومكن
قابلياتهم
وأثبته في
هوياتهم ويسر
السبيل وسبب
التيسير لهم
ليقولوا بلى
أو نعم علي عليه
السلام ، فرسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم هو
المبلغ وعلي عليه
السلام هو
الكاتب
المثبت ، بل
هذه المبلغيه
ما ظهرت له
صلى
الله عليه
وآله وسلم إلا
بعلي عليه
السلام ، فكان
علي عليه
السلام هو
الواصف للخلق
حدود
الربوبية ،
ولما كان
الوصف وصفين
حالي ومقالي
وقد تحقق
بالأمرين كان
علي عليه السلام
هو مصور حقائق
الخلق على
فطرة التوحيد عن
الله عز وجل
كما كان مبين
شريعـته عن
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم عن
الله عز وجل ،
كما أن الله
لم يكن عاجزا
عن التأدية
والتبليغ في
التشريع كذلك
لم يكن عاجزا
في التكوين تعالى
عن ذلك ، كما
أنه جعل واتخذ
سبحانه رسلا
وسفراء في
التبليغ
التشريعي
كذلك في التكويني
لأن الاختلاف
في التدبير
ليس من شأن الحكيم
الخبير ، وقد
اتخذهم الله
سبحانه لخلقه
أعضادا
ووسائطا في
التكوين كما
أنه جعلهم واتخذهم
في
التشريع ،
كما أن السفير
والواسطة في
التشريع ليس
مستقلا كذلك
في التكوين كما
أن هنا {وَمَا
يَنطِقُ عَنِ
الْهَوَى *
إِنْ هُوَ
إِلَّا
وَحْيٌ
يُوحَى}1 كذلك هنا
{مَّا تَرَى
فِي خَلْقِ
الرَّحْمَنِ
مِن
تَفَاوُتٍ}2 ،
ولما كان
الإيجاد لا
يكون إلا في
مقام
الربوبية إذ
مربوب عـينا
وكونا ، ولا
يصح أن تكون
هذه الربوبية
ذات الله عز
وجل إذ لا تعـتور
على الله
حالتان فتكون
ربوبيتة إذ لا
مربوب
وربوبية إذ
مربوب
فـتنقسم تلك
إلى العدم
الكوني
والوجود
الذّكري
_______________________
1
النجم 3 - 4 2
الملك 3
والوجود
الكوني
والذّكري معا
لأن مختلف الأحوال
محدث ولا يصح
أن تعرض تلك
الحالتان
ذاته سبحانه
إذ نقول أنهما
حادثتان أوقديمتان
، فإن فكانتا
حادثتين تكون
ذاته محلا للحوادث
، وإن كانتا
قديمتين
تعددت
القدماء مع
أنها لا يفرض
ولا يتصور
سيما في
المقام ، فإذا
صحّ حدوث بين
الربوبيتين
فنقول لا يخلو
أنهما أمران
اعتباريان لا
محصّل لهما في
الوجود
الخارجي
وليسا إلا فرض
الذهن
والتصور على ما
يزعمون في
الأمور
الاعتبارية ،
أم لهما تأصّل
في الوجود
والتحقق في
الشهود .
فإن
قلت بالأول ،
نقول : إن قوام
الموجودات وأصولها
إنما نشأت من
الربوبية ،
فإن الأشياء كلها
ما سوى الله
مربوبون
والأصل في
المربوب هي
الربوبية
لأنها مادة
اشتقاقهم ،
فإذا كانت
الربوبية
أمرا
اعتباريا
فالمربوب
الاعتبارية فيه
أولى وأحرى
وأحق ، ألا
ترى أنك إذا
تصورت الضرب
واعتبرته
يكون المضروب
أمرا
اعتباريا ولا
يتحقق مضروب
متحقق موجود
في الخارج
بحيث تجري
عليه الأحكام
الخارجية
بمحض تصور
الضرب واعتباره
ولا يكون ذلك
إلا بإيجاد
الضرب في الخارج
فيكون
المضروب
حدودا عارضة
لذلك الضرب والضرب
أصل للمضروب ،
فلوكانت
الربوبية
أمرا اعتباريا
لم يوجد في
الخارج شيء
أبدا ، ثم إن الاعتبار
والوجود
الذهني هو أن
لا يحصل له
إلا باعتبار
المعتبر وفرض
الفارض وقبل
ذلك لم يكن له
وجود
أصلا ، فعلى
هذا يلزم أن
لا تكون لله
ربوبية إذ ما
فرضها أحد
وهذا كفر بالله
العلي العظيم
وعناد للدين ،
ثم إن
الربويبه إذا
لم تمكن
موجودة عينية
لكان وصف الله
عز وجل رب كل
شيء كذبا ،
كما إذا قلت
لك أنت سلطان
ولم تكن لك
سلطنة خارجية
كان كذبا نعوذ
بالله من ذلك
وأستجير به من
طغيان
الأفهام وزلل الأقدام،
فإن الحكم إن
كان ذهنيا لا
يشترط وجود
الصفة في
الخارج نعم
يشترط حضورها
في الذهن، وإن
كان خارجيا
يجب وجودها في
الخارج وإلا كان
كذبا وهذا لا
إشكال فيه لمن
له فهم وألقى السمع
وهو شهيد .
فإذا
وجب أن تكون
الربوبيتان
موجدتين في
الخارج فنقول
هل هما عرضان
أم جوهران
ذاتيان ، فإن
كان الأول فما
معروضهما فإن
كان هو ظاهر
الله يلزم
المحال وإن كان
خلق الله فهو
مربوب ،
فالربوبية
أصل له ولا
يصح أن يكون
الأصل عرضا
والفرع ذاتا
والمشتق ذاتا
والمشتق منه
فرعا
بحكم الضرورة
والبديهة ،
فإذا بطل
كونهما عرضان
ثبت أنهما ذاتان
إذ لا واسطة
بينهما
معقولة ، فإذا
أثبت أنهما
ذاتان فهل
تقدم عليهما
خلق أم
لا ، فإن
تقدم فهل هو
مربوب أم لا ،
والثاني يبطل
مخلوقيته
فيتعدد
القدماء
والأول يثبت
تقدم الربوبية
لما مرّ ،
فتكون
الربوبيتان
أقدم الخلق
ولسبقهم
فتكونان
أشرفهم وقد
انعقد
الإجماع الضروري
بين الفرقة
الناجية على
أن محمدا صلى الله
عليه وآله
وسلم أشرف
الخلق
وأقدمهم وكذا
علي بن أبي
طالب عليه
السلام أمير
المؤمنين بعد
رسول الله
صلى
الله عليه
وآله وسلم لم
يسبقهما سابق
ولا يلحقهما
لا حق ولا
يطمع في إدراكهما
طامع وكذلك
الطيبون من
أولادهما عليهم
السلام فإنهم
طينة واحدة
وحقيقة واحدة بإجماعنا
مع قطع النظر
عن الأخبار
الواردة من
الفريقين
البالغة على
حد التواتر ،
فإذا كانا
سلام الله
عليهما أسبق
الخلق لم
يسبقهما خلق وما
فاقهما
موجود، وقد
أثبتنا بالبرهان
القطعي الذي
لا ينكره إلا
جاحد معاند أن
الربوبية هي
أسبق الخلق
وأقدمها فوجب
أن يكونا إما
عين
الربوبيتين
أو محلهما
كالمضروب
الذي هو محل
للضرب
والحديدة
المحماة
بالنار والتي
هي محل للنار
والقلب الذي
هو محل
للحركات
القلبية
والخطورات
الذهنية
وأمثال ذلك ،
ولما كانت الربوبية
إذ مربوب ذكرا
أشرف وأعظم من
الربوبية إذ
مربوب كونا
وعينا لأن
الثاني مقام
للكثرة
المتمايزة
والأول مقام
الوحدة وهي
أشرف من
الكثرة
المتمايزة
وكان رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم أشرف من
علي أمير
المؤمنين
عليه السلام بإجماعنا
معاشر الشيعة
وفوق كل مقام تحت
مقام رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم ولذا قال
(( يا علي ما عرف
الله إلا أنا وأنت
))1 ، كان
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم هوحامل
الربوبية
الثانية وعلي
عليه السلام
هو
___________________
1
تأويل الآيات
145
حامل
الربوبية
الثالثة ،
وأما
الربوبية الأولى
لا ثاني لها
وهي الربوبية
إذ لا مريوب بوجه
من الوجوه هو
الحق سبحانه
وتعالى فلا
كلام فيها ولا
سبيل إليها
الطريق مسدود
والطلب مردود دليلها
آياتها و
وجودها
إثباتها .
ولما
كانت
الربوبية إذ
مربوب بها ظهر
الكون وبرز
الوجود وتحقق
الشهود
وامتاز العابد
من المعبود
وانتشرت آثار
الرحمة
الواسعة التي
عمت ووسعت كل
شيء وكانا
مولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام
هوالحامل لها
والقائم بها
والمقوّم لها
بتقويم الله
سبحانه إياها
له عليه
السلام ، كانت
تلك الأوصاف
كلها منتسبة إليه
وراجعة إليه
فهو عليه
السلام
الكتاب الناطق
على كل شيء
بالحق قال
تعالى {هَذَا
كِتَابُنَا
يَنطِقُ
عَلَيْكُم
بِالْحَقِّ}1
فنطق للخلق
بصفات
الأحدية
والواحدية
والنبوة والولاية
وألقى في
هويات
الأشياء هذا
المثال أي هذه
الصفات ،
وإليه أشار
بقوله عليه
السلام (( وألقى
في هويتها
مثاله فأظهر
عنها أفعاله ))2
وهذا التوصيل
وإلقاء
المثال
هوالرشح الذي
أشار إليه عليه
السلام لكميل
(( ولكن يرشح
عليك ما يطفح مني ))
فهو عليه
السلام
الهادي
والكاتب في
قلوب الخلق
الإيمان
والكفر ، ففي
كل شيء مكتوب
بقلم النور من
مداد السرور
والكاتب أمير المؤمنين
عليه السلام
باملاء رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم من الله
سبحانه لا إله
إلا الله محمد
رسول الله علي
أمير المؤمنين
ولي الله فما
تجد ذرة إلا
وهذه الكتابة
فيها ظاهرة في
ذاتها
وصفاتها
وشئـونات
أطوارها وهنادس
هيئاتها كما
دلت عليه
أخبارهم وشهدت
له آثارهم
مجملة وأنا
أذكر لك حديثا
تعرف نوع ما
ذكرنا ، في
الاحتجاج روى
القاسم بن معاوية
قال قلت لأبي
عبد الله عليه
السلام (( هؤلاء
يروون حديثا
في معراجهم
أنه لما أسرى
برسوله صلى
الله عليه
وآله وسلم رأى
على العرش لا إله
إلا الله محمد
رسول الله أبو
بكر الصديق ،
فـقال : سبحان
الله غـيروا
كل شيء حتى هذا ،
قلت : نعم ، قال
عليه السلام :
إن الله عز
وجل لما خلق
العرش كتب
عليه لا إله
إلا الله محمد
رسول الله علي
أمير
المؤمنين ،
ولما خلق الله
عز وجـل الماء
كتب في
___________________
1
الجاثية 29
2
المناقب 2/ 49 ,
الغرر والدرر
231 , البحار 40/ 165 ح 54
مجراه
لا إله إلا
الله محمد
رسول الله علي
أمير
المؤمنين ،
ولما خلق الله
عز وجل الكرسي
كتب على
قوائمه لا إله
إلا الله محمد
رسول الله علي
أمير
المؤمنين ،
ولما خلق عز
وجل اللوح كتب
فيه لا إله
إلا الله محمد
رسول الله علي
أمير المؤمنين
، ولما خلق
الله عز وجل إسرافيل
كتب على جبهته
لا إله إلا
الله محمد رسول
الله علي أمير
المؤمنين ،
ولما خلق الله
عز وجل
جبرائيل كتب
على جناحيه لا
إله إلا الله
محمد رسول
الله علي أمير
المؤمنين ،
ولما خلق الله
عز وجل
السماوات كتب
في أكنافها لا
إله إلا الله
محمد رسول
الله علي أمير
المؤمنين ،
ولما خلق الله
عز وجل
الأرضين كتب
في أطباقها لا
إله إلا الله
محمد رسول
الله علي أمير
المؤمنين ،
ولما خلق الله
عز وجل الجبال
كتب على
رؤوسها لا إله
إلا الله محمد
رسول الله علي
أمير
المؤمنين ،
ولما خلق الله
عز وجل الشمس
كتب عليها لا
إله إلا الله
محمد رسول
الله علي أمير
المؤمنين ،
ولما خلق الله
عز وجل القمر
كتب عليه لا
إله إلا الله
محمد رسول
الله
علي أمير
المؤمنين ،
وهو السواد
الذي ترونه في
القمر ، فإذا
قال أحدكم لا
إله إلا الله
محمد رسول
الله فليقل
علي أمير المؤمنين
ولي الله))1 .
ولما
كانت حقائق
الخلائق
وذواتهم
أمثلة ونقوش
لا إله إلا الله
محمد رسول
الله عليها
السلامعلي
أمير المؤمنين
ولي الله ،
وتلك النقوش
والصور إنما
حصلت في
الربوبية
الثالثة التي
كان أمير
المؤمنين
عليه السلام
حاملا لها و
مظهرا إياها
وهي آثار
ولايته أي
ولاية الله
الظاهرة فيه ،
ولما حكم الله
سبحانه أن
يقرن الوصف
الحالي بالوصف
المقالي
إتماما للحجة
وإكمالا
للنعمة وإيضاحا
للحجة وكان
حكم الله
سبحانه واحدا
لا يخـتلف من
ذاته وجب أن
يكون الـواصف
المبين المظهر
المعلن في
التشريـع
والتدوين هو
الواصف
_____________________
1
الاحتجاج 158
والمبلغ
في التكوين
ليطابق
العالمان
ويتّحد
الوصفان ،
ولما عرفت أن
الواصف في
التّكـوين
بالوصف
الحالي هو
مولانا علي
عليه السلام كان
الواصف في
التشريع
والتدوين
أيضا هو عليه السلام
ولذا اختصّ
عليه السلام
بإنشاء مثل هذه
الخطبة
الشريفة دون
محمدّ صلى
الله عليه وآله
وسلم ودون
سائر الأئمة
عليهم السلام على هذا
التفصيل
والتبـين ،
وإن ظهر منهم
علـيهم
السلام أمرا
أعجب وخطبا
أغرب لكن على
جهة الرمز
والتلويح
والإشارة وإن
كـانت في بعض
المواضع
بصريح
العبارة إلا
أنهم عليهم
السلام
صانوها عن
الجهّال وعن
أصحاب القـيل
والقال بجـعل
أغلب تلك
الأحاديث
مرفوعة السند
أوضعـيفه على
مصطلحهم
وأمثال ذلك من
الأمور التي
يطـغـون بها
في الحديث ولا
يعلمون به ،
وأما أهل تلك
الأحاديث
والأخبار
وشيعـتهم
المقتبسون من
تلك الأنوار
فما أخفوا
عليهم بل
أظهروها لهم
بل القرائن
القطعية
والأدلة
العلمية المسندة
إليهم عليهم
السلام
لقولهم عليهم
السلام (( لا
تمنعوا
الحكمة أهلها
فتظلموهم
واكتموها من
غير أهلها
لئلا تظلموها
))1 وكيفية
الكتمان من
بعض وجوهها ما
أشرنا إليها
آنفا من إخفاء
تلك الأحاديث
وعدم جعلها
مشهورة
متكررة في الكتب
والأصول وجهل
بعض الرواة
واستنادها إلى
الـذين يزعم
الذين ما
يعرفـون أنهم
غـلاة أو جعل
بعض الأحاديث
الدالة
بظاهرها على
خلافها
لتتعارض
عندهم
ليسكـتـوا
عـنها أو
يرجّح الأخبار
المعارضة على
الظاهر
ويقولوا
بمضمونها
ويتركوا تلك
الأحاديث
والأخبار إذ
اقتضى لمصلحة
ذلك .
وبالجملة
هم عليهم
السلام أعلم
بمصالح غنمهم ،
يدبّرونهم
حيث لا
يشعرون
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ
عَلَى حِينِ
غَفْلَةٍ
مِّنْ أَهْلِهَا
فَوَجَدَ
فِيهَا
رَجُلَيْنِ
يَقْتَتِلَانِ
هَذَا مِن
شِيعَتِهِ
وَهَذَا مِنْ
عَدُوِّهِ
فَاسْتَغَاثَهُ
الَّذِي مِن
شِيعَتِهِ
عَلَى
الَّذِي مِنْ
____________________
1
لم نقف على
هذه الرواية
بعينها وإنما
وجدنا مايقارب
منها في
البحار 36/217 ح 19
قوله عليه
السلام (( لا
تمنعوا
الحكمة أهلها
فتظلموهم
واكتموها من
غير أهلها
لئلا تظلموها
))
عَدُوِّهِ
فَوَكَزَهُ
مُوسَى
فَقَضَى عَلَيْهِ
قَالَ هَذَا
مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ
إِنَّهُ
عَدُوٌّ
مُّضِلٌّ
مُّبِينٌ }1 فافهم
.
ولما
كان مولانا
وسيدنا علي
عليه السلام
أمير
المؤمنين ،
والمؤمنون هم
الأئمة عليهم
السلام وهو
عليه السلام
أميرهم
وسيدهم
يميرهم العلم
وهو أمير
النحل في قوله
تعالى
{وَأَوْحَى
رَبُّكَ
إِلَى
النَّحْلِ}2
الآيه قـالوا
عليهم السلام
(( نحن النحل ))3
وهو عليه
السلام أصل
الولاية
وقطبها وكتاب
الله الأكبر
وولي الله
الأعظم وجب أن
ينطق على
الخلق بالحق
مما أودع الله
من سرّ هياكل
التوحيد الذي
أودعه عليه
السلام في أسرار
الخلق فقام عليه
السلام خطيبا
لسانا للحق
سبحانه لكن لا
في مقام ( هو هو
ونحن نحن ) ولا
في مقام ( نحن
هو وهو نحن ) بل
في مقام أنزل
من الثاني في
البساطة وأعلى
من الأول في
الكثافة
الإمكانية بل
هو في مقام ((
كنت سمعه الذي
يسمع به وبصره
الذي يبصر به ويده
التي يبطش بها ))4
ومقام {وَمَا
يَنطِقُ عَنِ
الْهَوَى *
إِنْ هُوَ
إِلَّا
وَحْيٌ
يُوحَى}5 ومقام
المفعول
المطلق
المنصوب لا
الفاعل الموفوع
ولا المضاف
إليه المجرور
، ومقام الكرسي
شارحا معلنا
عن المبهمات
البسيطة
العرشية
ومفصلا
للمجملات
الكلية
ومظهرا
للخفايا الغيبية
ومبينا
لمعرفته
بالنورانية
وكاشفا عن
حقيقة
الصمدانية
الإلهية
وموضحا لسر
الفاعلية
وشارحا
للتوحيد الحقيقي
بالوحدة
الحقيقية
ومنزها لربه
عز وجل عن جميع
الشوائب
الإمكانية
ومقدسا له
تعالى عن كل
القرانات
والإضافات
الخلقية
ومطهرا ساحته
عز وجل عن
الأوهام
الخيالية
والتصورات الإفكية
وواصفا لما
عليه
الكينونة
البشرية وحاصرا
جميع
المقامات
الخلقية
والحقية مما
يمكن الوصول
إليه لأحد من
البرية .
فقال
روحي فداه ((
أيها الناس ))
على جهة المشافهة
والخطاب طبقا
لذلك الكتاب
المستطاب
ألست بربكم
وبيانا لسر كن
فيكون ،
وتعليما على
__________________
1
القصص15
2 النحل 68 3 تفسير
القمي 1/387
4
عوالي اللآلئ
4/103 5
النجم 3 - 4
أن
للأشياء جهه
إنّيه متأخرة
عن الخطاب
فبلحوقها
إياه يكون
مخاطبا فإن
مخاطب كن هو
فاعل يكون مع
أن فاعل يكون
معمول له
ويكون إنما هو
أثر كن مع حرف
المضارعة
وحركة الآخر ،
فإن اقتضى
المقام نذكر
حقيقة الأمر
في ذلك فيما
بعد إنشاء
الله .
والمخاطب
بفتح الطاء كل
أكوار الموجودات
وأدوار
الكائنات
وأوطار
الروابط والقرانات
من العالم
الأعلى الأول
من آدم الثاني
إلى آخر
الآدميين
الألف ألف وما
وراءه إلى ما
شاء الله ،
وكلما يتصور
ويتخيل
ويتوهم ويتعقل
ويشاهد ويحس
ويجس من
الوجودات
القوية التامة
والوجودات
الضعيفة
الناقصة من
الأعراض والألوان
والأسقام
والأمراض
والآلام والممات
والحياة
والأنوار
والظلمات
والأصول والظلال
وكل شيء من
خلق ربنا مما
يرى و ما لا
يرى ، إما
للطافة ذاته
ولظلمة
ماهيته أو
لشدة نورانيته
أو لاستعلائه
عن مقامات
الإدراك
وهوعلى أقسام
من رتبة
الأعراض إلى
الأجسام إلى
النبات إلى
الحيوان إلى
الإنسان إلى
الملائكة إلى
الجن إلى
الأنبياء إلى
الكروبـيـين
إلى العالين ،
وفي نسبهم
وإضافاتهم
وقراناتهم
وروابط إنياتهم
وخصوصيات
مراتبهم من
أفئدتهم وعقولهم
وأوراحهم
ونفوسهم
وطبائعهم
وموادهم
وأجسامهم
وأجسادهم
وأفلاكهم
وعناصرهم
وأعراضهم غرائبها
وذاتيها ،
وخصوصيات كل
مرتبة من
مراتبهم من
نطفتهم
وعلقتهم
ومضغتهم
وعظامهم ولحمهم
وحياتهم ، ثم
خصوصيات
مراتبهم بعد
حياتهم من
لحومهم
ودمائهم
وأعصابهم
وعروقهم
وعضلاتهم
وأوردتهم
وشراسيفهم
وأضلاعهم
وجوانبهم
ورؤوسهم وأسماعهم
وأبصارهم
وألسنتهم
وحركات لفظ
ألسنتهم
ومغرز حنك
أفواههم
ومنابت
أضراسهم وأضراسهم
وحبائل
وتينهم
وأعناقهم
ومساغ مطاعمهم
ومشاربهم
وحمالة أم
رؤوسهم وأم
رؤسهم وتامور
صدورهم وحجاب
قلوبهم
وأفلاذ حواشي
أكبادهم
وأطراف أناملهم
وقبض عواملهم
وشعورهم
وأشعارهم
وجلودهم
وقوائهم و
مشاعرهم
وسائر
مداركهم
وشؤناتهم إلى
ما لا يحصى في
كل مرتبة من
المراتب ، وإنما
فصلت هذا
التفصيل مع أن
الكلية
المذكورة في
أول الكلام
تشمله إشعارا
على أنّا ما
نريد من هذه
الكلية
الكلية
العرفية حتى
يخرج منها
الأفراد
النادرة
الـتـي لا
ينصرف إليها
الإطلاق سيما
في مثـل هذا
المقام فـإن
أهل هذا
لزمان
لا يـرون
لهـذه
الأشياء في
أغلبها وجودا
وفي بعضها
شعورا حتى يصح
عليها الخطاب
سيما خطاب
أمير
المـؤمنين
عليه السلام
دون خطاب الله
سيما كونها
شيعة ومنقادة
لأمير المؤمنين
عليه السلام ،
ولما أنّـا في
هذا الـشرح
تبعا لإمامنا
وسيدنا روحي
فداه لم نسلك
مسلك أهل الظاهر
في الحكم
الظاهري كما
أن الإمام عليه
السلام أيضا ما
سلك هذا
المسلك بل
المطلوب منّا
هنا هتك
الأستار وكشف
الأسرار
فصلنا تلك
المجملات
الكلية
وأشرنا إلى
الأفراد
النادرة
الـتي ما كان
يخـطر
ببـالهم ولم
يتصوروا ذلك
{وَبَدَا
لَهُم مِّنَ
اللَّهِ مَا
لَمْ يَكُونُوا
يَحْتَسِبُونَ}1
.
وإنما
قلنا أن
المراد
بالناس
المخاطب كل
الخلق لأنهم
كلهم شيعـة
عـلي عليه
السلام وكلهم
مأمرون
بطاعته عليه
السلام ، وأما
الأنبياء
المرسلون
والملائكة
المقربون
وغيرهـما
منهما والجن والإنس
والوحوش
والطيور
والجماد
والنبات وغيرها
من الجواهر من
كل أنواعها
طاعـتهم لأمـير
المؤمنين
عليه السلام
كادت أن تبلغ
حد الضرورة
بين الشيعة
فإن أحاديث
عرض ولايته
على كافة
الخلق سيما
الجمادات
والنباتات
كادت أن تبلغ
حد التواتر ،
وأما عندي فمن
المـتواترات
، وأما
الأعراض فدلت
عليها جملة من
الأخبار والأدعـية
والزيارات
عموما وخصوصا
، وأما العمومات
فأكثر من أن
تحصى كـزيارة
الجامعة فإن
فيها هذا
المعنى كثير
مثل قوله عليه
السـلام (( حتى
لا يـبقى ملك
مـقرب ولا
نـبـي مرسل
ولا صديـق ولا
شهيد ولا
عالـم ولا
جاهل ولا دنـي
ولا فاضل ولا
مؤمن صالح ولا
فاجـر طالح
ولا جبار عنيد
ولا شيطان
مريد ولا خلق
فيما بين ذلك
شهيد
_______________
1
الزمر 47
إلا
عرّفهم جلالة
أمركم ))1 .
وأما
الخاص فكما في
الدعاء للحمى
عن رسول الله
صلى الله عليه
وآلـه وسلم ((
يا أم ملدم إن
كنت آمنت
بالله فلا
تأكلي اللحم
ولا تشربـي
الدم ولا
تـفوري من
الفم وانتقلي
إلى من يـزعم
أن مع الله
إله آخر فإني
أشهد أن لا
إله إلا الله
وحده لا شريـك
له وأن محمدا
عبده ورسوله ))2
والإيمان
بالله لا
ينعقد إلا
بالإيمان برسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم والإيما ن
به لا ينعـقد
إلا بالإيمان
بمـولانا علي
أمير
المؤمنين
عليه السلام
لأنه نفس رسول
الله صلى
الله عليه
وآله وسلم ومظـهر
ولايـته وباب
حطته ، وفي
الرواية المشهورة
أن مولانا
الحسين
علـيه السلام عـاد عبد
الله بن شداد
في مرضه فلما
دخل عليه
ارتـفعـت
الحمى عنه
فقام وقـال ((
رضيت بكم أئمة
وإن الحمى
لتهرب عنكم فـقعد
عليه السلام
فقال إن الله
سبحانه لم يخلق
خلقا إلا وقـد
أمره بالطاعة
لنا ثم قال
عليه السلام
يا كباسة
فسمعوا الصوت
ولم يروا الشخـص
يقول لبـيـك
فقـال عليه
السلام ألم يأمرك
أمير
المـؤمنين
عليه السلام
أن لا تـقربي
إلا
____________________
1
الزيارة
الجامعة
الكبيرة
2
مصباح
الكفعمي 161
عدوا
أو مذنبا
لتكون
كـفّارة
لذنوبه فما
بال هذا الرجل
))1 انظر في
صراحه هذا
الحديث على
المطلوب
وأمثاله
كثيرة .
وأما الأجزاء
فكما دلّت
الأخبار على
أن كل جزء من الإنسان
مكلف بما لا
يكلف به الجزء
الآخر ، وأما
الأدلة
العقلية في
هذا المعنى
فنذكرها إنشاء
الله فيما بعد
.
وإنما
قلنا أن الناس
يشمل كله ذرة
من ذرات
الوجود مع أن
الناس في ظاهر
اللغة لا يطلق
إلا على
الإنسان لأن
الصورة
الإنسانية
المعينة
للمادة الحيوانية
الخاصة بهذة
المرتبة
المعينة أي
مرتبة الرعية
صورة وآيه
للصورة
الإنسانية
التي هي مبدأ
وعلة لهذه
الصورة ، وهذه
إنما هي منها كالأشعة
بالنسبة إلى
الشمس إذ كل
سافل حكاية العالي
ودليله وآيته
، وكل المراتب
النازلة والمقامات
السافلة كلها
أمثال وقشور
لهذه الإنسانية
فإن اختلفت
الصورة
باعتبار كثرة
الاختلافات
والمناقضات
وظهور
الغرائب
والأمور الخارجة
والأعراض
المانعة
كالمقابل
بالنسبة إلى
المرايا
الكثيرة
المختلفة ،
ولما كانت الإنسانية
هي مقتضى
تعلّق
التكاليف
والأوامر
والنواهي والأحكام
الوجودية
والشرعية وهي
محل نظر العالي
أطلق اللفظ
الدال عليها
ليعمها في كل
مقام ورتبة
فإن الأثر من
حيث هو أثر
والنور من حيث
هونور على
مثال
____________________
1 لم
نجد هذه
الرواية كما
هي في هذا
الشرح وإنما
وجدنا ما يقرب
منها وهو ما
روي في البحار
44/183 ح 8 عن زرارة
بن أعين قال ((
سمعت أبا عبد
الله عليه
السلام يحدث
عن آبائه
عليهم السلام
أن مريضا شديد
الحمى عاده
الحسين عليه
السلام فلما دخل
من باب الدار
طارت الحمى عن
الرجل فقال له
: رضيت بما
أوتيتم به حقا
حقا والحمى
تهرب عنكم ,
فقال له
الحسين عليه
السلام :
والله ما خلق
الله شيئا إلا
وقد أمره بالطاعة
لنا , قال فإذا
نحن نسمع
الصوت ولا نرى
الشخص يقول
لبيك , قال :
أليس أمير
المؤمنين
عليه السلام
أمرك أن لا
تقربي إلا
عدوا أو مذنبا
لكي تكوني
كفارة لذنوبه
فما بال هذا ,
فكان المريض
عبد الله بن
شداد بن الهاد
الليثي )) .
المنـيـر
واسمه وصفته ،
فكل شيء إنسان
على اختلاف
المراتب كما
تـقول لجرم
الشمس الشمس
والأشعة أيضا
يقال لها
الشمس ، وكما
تقول أن محمدا
وأهل بيته
عليهم السلام
إنسان
والأنبياء إنسان
والمؤمنون
وغيرهم إنسان
كذلك غيرهم من
البهائم ، إلا
أن جهة الظلمة
لما غلبت
عليهم وجهة
النور لما
خـفيت خفي
الاسم النوري
الذي هو
الإنسانية
وظهر الاسم
المناسب
لمقامه من
الظلمة و نعم
ما قال مجنون
العامري
مخاطبا
للغزال :
أيـا
شـبه لـيلـى
لا نزاع
فإنني
أنـا لك من
دون الأنام
صديق
فعـيناك
عيـناها
وجيدك جيدها ولكن
عظم الساق منك
رقيـق
فافهم
وتفهّم.
فإن
قلت هب أن
الإنسانية
تطلق على محمد
وآله عليهم
السلام وعلى
الأنبياء
عليهم السلام
وعلى الطبقة
تحتهم على
الاشتراك
اللفظي أي
الحقيقة بعد
الحقيقة وعلى
غيرهم
بالمجاز إذ
لم يوضع لهم
هذا الاسم ،
لكن من أين
تحكم أن هذا
الخطاب
يشملهم أجمع
لأن الخطاب لا
يكون إلا
للحكم والحكم
يختلف
باختلاف
الموضوعات سيما
إذا كان
الاختلاف
ذاتيا أصليا
فما هذا شأنه
لا يحكم عليهم
بحكم واحد
لاختلافهم ،
ثم إذا كان
اللفظ مشتركا
معنويا يشمل
الحكم الجهة الجامعة
والمفروض
انعدامها
وإذا كان
مشتركا لفظيا
يبقى في زاوية
الإجمال حتى
تبين بالقرائن
فإن كان على
ما تزعمون أنه
حقيقة بعد
الحقيقة
فالحقيقة
الأولية
مقطوع بها
والباقي في محل
الشّكّ
فيتوقف مع أن
مقطوعيّة
الحقيقة الأولى
أيضا في محل
الشّكّ لجواز
أن المتكلم ما
أرادها وأراد
غيرها ، ومع
هذا كلّه كيف
يشمل الحكم
الوارد على
الحقيقة
المجاز لأنّ
الأصل حمل
الكلام على
الحقيقة ولا
يجمع الحقيقة والمجاز
مقام واحد حتى
يشملهما حكم
واحد فلا ينطبق
هذا القول
وهذا
التّعميم على
القواعد اللـفظية
.
قلت
قولكم وعلى
غيرهم
بالمجاز
ممنوع على مذاق
أهل الألفاظ ،
وأمّا على مذاق
أهل الأذواق
والإشراق
فالحقيقة هو
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم وأهل
بيته
الطاهرون عليهم
السلام
وكلّما سواهم
مجازات ، وهذه
مجازات
حقيقية لا
لفظيّة ولا
ارتباط لهذا
الحكم في عالم
الألفاظ
لأنّه فوق
مدلول
الألفاظ ، وأمّا
في عالم
الألفاظ فلما
كان الواضع
هوالله
سبحانه
والوضع لا
يكون إلا
لمناسبة
ذاتية بين
المعنى
واللفظ بحيث
لا يؤدى ذلك
اللفظ بتلك
الهيئة
الملتـئمة من
المادة
النوعية المناسبة
والصورة
الشخصية إلا
ذلك المعنى ،
فلما خلق الله
سبحانه تلك
اللطيفة
الإلهية
المسمى
بهـيكل
التوحيد التي
هي الصورة
الإنسانية التي
هي أكبر حجة
الله على خلقه
وهي الشاهد
على كل غائب
والحجة على كل
جاحد وهي
الكتاب الذي
كتبه الله
بيده وهي
الهيكل الذي
بناه بحكمته
وهي الصراط
المستقيم وهي
الصراط
الممدود بين الجنة
والنار
فاستدعت اسما
وظلت واقفة
على باب فوارة
النور فأعطاه
الله سبحانه
الإنسان مناسبا
لها ومقترنا
معها ، ثم لما
تشعشعت أنوار
تلك الحقيقة
خرجت الأشعة
من حيث هي
حاكية لذلك
المثال
وشاهدة على
حقيقة الحال ،
فـهي في نفسها
لا تدل إلا
على تلك
الحقيقة
وليست إلا تلك
اللطيفة في
مقامها فلا
تطلب من تلك
الحيثية إلا
اللفظ الدال
عليها ،
فالمناسبة الذاتية
وحكمة الحكيم
تـقـتضيان
بأن يكون لها ذلك
الاسم الذي
كان للأصل
بالدليل الذي
كان ذلك الاسم
للأصل إذ لا
فرق بين
الشعاع
والمنير في
مقام التعريف
أبدا، ألا ترى
أن السراج إذا
أشرق في
المرآة أو
غيرها من
الأجسام
الصيـقلية
كان ذلك النور
على مثال
السراج بل
هوالسراج لا
فرق بين
الأمرين في
الصورة
والدلالة أبدا
مع أن السراج
أصل وهذا فرع
ولا تسميه إلا
سراجاً ولكن
لا يجوز أن
يكون ذلك
اللفظ الذي للأصل
يكون هو بعينه
للفرع لمكان
التـناقض مع أن
فرض ذلك
مستحيل فيجب
أن يكون اللفظ
من شعاع اللفظ
الأول ويكون
مشتقا منه كما
أن المعنى من
شعاع المعنى
الأول وكان
مشتقا منه ، فكما
أن المعنى جزء
من سبعين جزء
من الأصل كان اللفظ
أيضا كذلك،
فالألف في
الإنسان الذي
يطلق على
الأنبياء
اشتقت من
الألف الذي في
الإنسان
المطلق على
محمد وآله
عليهم السلام
ونونه مشتق من
نونه وهكذا
بواقي حروفه
أي كل حرف من
الأصل أقوى من
الحرف الذي في
الفرع بسبعين
أوسبعين ألف
أوسبعمائة
ألف درجة ،
وأهل التجربة
الكاملون
الماهرون في
علم الحروف
إذا جربوا
الأمرين يرون
الذي قلت
واضحا ظاهرا
كالشمس في
رابعة النهار
، فذلك اللفظ
الثاني الموضوع
للمعنى
الثانى ليس
مجازا وإنما
هو وضع حقيقي
لكنه على هيئة
ذلك وصورته
لسر المناسبة
الذاتية وهذا
حكم الله
سبحانه في
الأشياء كلها
، فالأثر لم
يزل من حيث هو
أثر على هيئة
المؤثر وصفته
واسمه لا يطلب
إلا صفة
المؤثر لفظا
كان أم معنى ،
ولذا في
المفعول
المطلق يقولون
أنه تأكيد مع
أنه لفظ مشتق
من لفظ فعله
الواقع عليه
تقول ضربت
ضربا فضربا في
قوة قولك ضربت
ضربت وهذا ليس
بمجاز وإنما
هو حقيقة ،
ولكن لما كان
الأثر له
جهتان جهة من
مؤثره وجهة من
نفسه فالتي من
مؤثره هي
مثاله ودليله
وآيته لافرق
بينه وبينه
إلا أنه عبده
وخلقه ، والتي
من نفسه خلاف
مؤثره
والإدبار عنه ،
فالأولى تطلب
اسم المؤثر
والثانية
تطلب عكسه ،
فحين الضم
والتركيب فإن
كانت الجهة
الأولى غالبة
عالية والجهة
الثانية
مقهورة مضمحلة
فيظهر ذلك
الاسم الذي
للمؤثر
بالرشح والاشتقاق
وهواسمه
حقيقة كما أن
المعنى ذاته
حقيقة وليس
ذات المؤثر
حقيقة ، وإن
كانت الجهة الثانية
غالبة والجهة
الأولى
مقهورة
مستهلكة فانية
فلا يجري عليه
حكم المغلوب
فيوضع له لفظ
يناسب تلك
الجهه
الغالبة
باعتبار
حياتها وقراناتها
وإضافاتها
وأمثال ذلك
فحينـئذ ليس إطلاق
الاسم الأول
من جهة المؤثر
إذا أرادوا التنبيه
والإشعار
بتلك الجهة
حين يطلق على
ذلك الأثر من
تلك الحيثية
مجازا وإنما
هوحقيقة خفيت
باختفاء
مسماه وظهر
عند
ظهورها ، ولما
كان الغالب في
الأنبياء
ورعاياهم جهة
المؤثر لا جهة
أنفسهم إما
ظاهرا وباطنا
كما في الأنبياء
وخواص
المؤمنبن
الممتحنين ،
وإما ظاهرا
دون الباطن
كالكفار
والمنافقين
أطلق عليهم
الاسم الأول
ولم يوضع لهم
اسم آخر مناسب
للجهة الأخرى
، وأما
البهائم
وحشرات الأرض
وما سواهم لما
كان الغالب
فيهم الجهة
الإنية ولذا
كانوا ناكسوا
عند ربهم
واستقهرت
فيهم الجهة
الإلهية
الربانية وضع
لهم اسم يناسب
مقامهم
ومرتبتهم
ويوافق
كينونتهم
فخفي ذلك
الاسم ،
فإطلاق الإنسان
عليهم من جهة
تلك الجهة
التي من مؤثرهم
قد كتبت فيهم
حقيقة لا مجاز
أما سمعت قول
مولانا
وسيدنا أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
أنا الذي كتب
اسمي على
البـرق فلمع
وعلى الودق فهمع
وعلى الليل
فأظلم وعلى
النهار فأضاء
وتبسم
)) فكل شيء فيه
إنسانية يكون
إطلاق الإنسان
عليه حقيقة لا
مجازا فافهم
إن كنت تفهم
وإلا فأسلم
تسلم .
وأما
قولكم إن
الحكم يختلف
باختلاف الموضوعات
فلا يشمل
الخطاب،
فجوابه من
وجهين أحدهما
في الظاهر
والثاني في
مقام الحقيقة
.
أما
الأول فاعلم
أن حكم الله
سبحانه واحد
لا يختلف ولا يتكثر كما قال
عز وجل {وَمَا
أَمْرُنَا
إِلَّا
وَاحِدَةٌ}1
{مَّا
خَلْقُكُمْ
وَلَا بَعْثُكُمْ
إِلَّا
كَنَفْسٍ
وَاحِدَةٍ}2
{مَّا تَرَى
فِي خَلْقِ
الرَّحْمَنِ
مِن تَفَاوُتٍ}3
ونسبة الحق
سبحانه على كل
من سواه واحدة
والاختلاف
هذا من قبل
أنفس الخلق لا
من جهة الحق
فما من الله
عام كلي واحد
منبسط وما من
الخلق جزئي
خاص غير منبسط
، لكن قد يكون
للكلي أفراد
متواطئة في
الاقتضاءات
الكلية وقد
يكون فيها
أفراد
لقرانات أخر
تغير الحكم
الجاري على
الكل ، فإذا
كان كذلك فعلى
الله سبحانه
المطلع
بالاقتضاءات
والموانع أن
يخرج تلك الأفراد
كما أخرج
البلل
المشتبه
وغسالة
الحمّام
وغيبة
الحيوان عن
حكم لا ينقض
اليقين إلا بـيقـيـن
مثله فإذا سكت
عن الإخراج
فيحصل القطع
بأن الحكم عام
، ولا شك أن
الخطاب جهة
المخاطِب
ووجهه لا
المخاطَب
بفتح الطاء
فهوكلي وحكمه
عام جار منبسط
إلا إذا دلّ
دليل إلهي على
عدم جريانه
وإذ ليس فليس
، واختلاف
المخاطَبين
لا يستلزم عدم
عموم الخطاب
إذ قد يكون
بينهم جهة
جامعة
يتشاركون
فيها ، وقولي
جهة جامعة أعم
من أن تكون في
صقع واحد وفي
أصقاع
متعدّدة إلا
أن السافل رشح
وصفـة للعالي
فلا يخالفه من
تلك الجهة
فيتّحدان في
الحكم إلا أن في
أحدهما
بالأصالة وفي
الثاني
بالتبعية ، كما
في قولك جاءني
زيد القائم
فإن القائم
مرفوع
بتبعيّة زيد
ورفعه جزء من
سبعين جزء من
رفع زيد
فالفعل منسوب
إلى زيد
بالأصالة
وإلى القائم
أيضا لأنه
صفته ودليله
وآيته بالتبع
وهذا مرادي
بالجهة
الجامعة ،
فخطاب الله
سبحانه لا
يتخصّص ببعض
دون الآخر وفي
مقام دون
_____________________
1
القمر 50
2 لقمان 28 3 الملك 3
الآخر
إذ ليس لله
سبحانه نسبة
بأحد أزيد منه
إلى الآخر
فإنه سبحانه
استوى على
العرش فلا شيء
أقرب إليه من
شيء ، واختلاف
الأشياء إنما
هو بالنسبة
بعضها إلى بعض
، فلما كان
العالي قد
تقدّم في
الوجود وسبق
إلى الإجابة
وكان السافل
تابعا له
وأثرا منه و
متفرّعا عليه
كان حكمه سبحانه
على العالي
أولا وعلى
السافل ثانيا
إذ لم يرفع
الله سبحانه
نظره عن
مخلوقاته ،
وخطاب مولانا
علي عليه
السلام
هوخطاب الله
لأنه لا ينطق
عن الهوى ولا
يتطرّق إليه
الميل الداعي
إلى السهو
والغفلة ، كلا
بل هوعين الله
الناظرة ويده
الباسطة واسم
الله الحي القيوم
الذي لا تأخذه
سنة ولا نوم
أما سمعت أن النبي
صلى الله عليه
وآله وسلم
كانت تنام
عينه ولا ينام
قلبه وعلي عليه
السلام نفسه
وحكمه حكمه
قال عليه
السلام (( أنا محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
ومحمد صلى الله
عليه وآله
وسلم أنا ))
فافهم .
وأما
الثاني فاعلم
أن الاختلاف
متقوّم
بالخطاب
فلولا الخطاب
لم يكن شيئا
لا الاختلاف
ولا الائتلاف
، فبالخطاب
أنشأت الأحكام
وتميز الحلال
من الحرام ،
فمنهم من قال
بلى أصالة و
منهم من قالها
تبعا ومنهم من
قالها أثرا
ومتقوما
بالغير ومنهم
من أنكرها على
هذا التفصيل ،
فالخطاب يجري
في الأحكام
الشرعية
والتكوينية
مجرى الروح في
الأجساد فإذا
تحققت للشيء
شيئيّة فذلك
بوقوع الخطاب
عليه ، ولما
كان حكم الله
واحدا وخطاب
الله جهة الله
سبحانه وطلبه
من خلقه فيكون
واحدا جاريا
على كل شيء
مما جرى عليه
الإيجاد فافهم
وإلا فأسلم
تسلم .
وعلى
هذا البيان
ظهر الجواب عن
القول بأن
الحكم إذا
تعلّق
بالمشترك
اللفظي يبقى في
زاوية
الإجمال فإنا
نمنع
الاشتراك في
هذا المقام
بأن تكون المعاني
كلها في صقع
واحد و نظر
الواضع إلى
محض خصوصية
أحدها فوضع
اللفظ
المناسب لها
بإزائها، ثم
نظر إلى
الخصوصية
الأخرى ورأى
صلاحية اللفظ
بأحد وجوهه
فوضعه لها
وهكذا ، وهذا
دليل على أن
في المشترك
اللفظي لا
تلحظ إلا جهة
المباينة
والخصوصية مع
الاتحاد في
الحقيقة والذات
التي هي جهة
الحق سبحانه فالحكم لتلك
الخصوصية لا
للشيء من حيث
هو هو في
الحقيقة
الإلهيه ليعم
الحكم
والخصوصية من
جهة أنها مقام
الكثرة جهة
النكارة
فيحتاج إلى
معيّن ، فإن
اقتضى الحال التعيين
فعل الحكيم
فيـبقى في
زاوية الإجمال
إلى أن يأتي
أجله وذلك
مقدر عند الله
سبحانه ، ولا
كذلك الحكم في
الحقيقة بعد
الحقيقة
فإنها لا تكون
إلا لجهة
الموافقة لا
لجهة
المخالفة
وجهة الاتحاد
لا لجهة الاختلاف
، فلولا أن كل
واحد منهما في
صقع غير الآخر
لما قيل
بالفرق ، ولما
كان في عالم
آخر مشابه
مناسب للعالم
الأول سمي
باسمه وأجري عليه
حكمه كالقائم
المرفوع
بتبعيّة زيد
على ما مثّلت
لك سابقا،
فالحقيقة بعد
الحقيقة جهة
الموافقة ،
والاشتراك
اللفظي جهة
المخالفة
وبينهما بون
بعيد ، فإذا
جرى حكم على
أمر من الأمور
فكل المراتب
المتـنـزلة
التي نسبتها
إليه كالشعاع
من المنير
المستدعي
لإثبات الحقائق
المترتبة
المشتركة في
ذلك الحكم على
حسب مقامها و
مرتبتها
بالدليل الذي
اختصت به الحقيقة
الأولى فإن
الثانية هي
عين حكاية
الأولى بل عين
الأولى
للثانية لا
فرق بينه
وبينها إلا
أنها أثرها
وشعاعها ،
وهذه الجهة أي
الأثرية
مقطوع النظر
عنها وإلا لم
تكن مثالها
أما سمعت قوله
عليه السلام ((
لنا مع الله
حالات هو فيها
نحن ونحن فيها
هو إلا أنه هو
هو ونحن نحن )) ،
والمثال
التقريـبـي
لذلك أن الكلب
المعلم بشرائطه
صيده حلال
ويجوز الأكل
منه قال تعالى
{فَكُلُواْ
مِمَّا
أَمْسَكْنَ
عَلَيْكُمْ}1
لأنه حينئذ
ليس له جهة
إنية بوجه فلا
يتريّب على
جهته حكم أبدا ،
وكذلك الذمي
إذا غسل ميتا
بأمر المسلم
وإذنه فيطهر
الميت على
الأصح عن
نجاسة الحدث
وينجس بنجاسة
الخبث وهو من
مباشرة
الكافر ،
وكذلك أنت إذا
حكيت عن الله
وعن رسوله وعن
الأئمة
الطاهرين علـيهم
السلام
فالحكم
الجاري على
ماله حقائـق مترتبة
على كل تلك
الحقائق
مقطوع به لا
يشك فيه إلا
الجاهل
بالأمر وأما
المجاز فلا
يشمله الحكم
الوارد على
الحقيقة إلا
إذا دلّ دليل
قطعي عليه
وليس في هذا
المقام مجاز
فافهم ما
أسعدك لو
وفّقت لفهم
هذه الدقائق .
____________________
1
المائدة 4
وأما
كيفيّة شمول
الخطاب لكل
شيء فاعلم أن
الإمام عليه السلام
قطب لكل أكوار
الوجود
وأدواره ،
وكلما في
الوجود
المقيد من
شئـونات ذاته
وآثاره وأفعاله
وصفاته
وأحواله ،
والذات لها
قيوميّة على
كل الصفات
والآثار
والإضافات
والسبحات فكل
الكائنات
عنده عليه
السلام
كالدرهم بـين يدي
أحدكم
والمستقبل
والحال
والماضي عنده
بمنـزلة سواء
فأحاط بكل شيء
علما في مكانه
وزمانه ،
فخاطب كل شيء
في زمانه و
مكانه
بالخطاب الشفاهي
وإن
كان ذلك
بالنسبة
إلينا مستـقبل
فإن الزمان
عنده عليه
السلام منقطع
، فأحاط بالذي
يأتي بعد ألف
سنة فأشرف على
زمانه ومكانه
فخاطبه هناك
عند الخطاب
فشافه كل شيء
في وقته
ومكانه
ورتـبـته
وسيأتي إن شاء
الله في هذه
الخطبة عند
ذكر
بعض
المغيّبات عن
الخلق إلى أن
قال عليه
السلام (( كل
ذلك علم إحاطة
)) فلو لم يكن
الذي أخبر
حاضرا عنده
عليه السلام لم
يكن العلم علم
إحاطة بل ولا
علم عيان
وإنما كان علم
إخبار الذي
هوأدنى
المقامات وأخس
الدرجات وقد
روي ما معناه
أن النبي
صلى الله عليه
وآله وسلم صعد
المنبر وقال ((
أيها الناس
أتدرون ما في
يدي اليمنى ،
قالوا : الله
ورسوله أعلم
قال عليها
السلام : إن في
يدي أسماء أهل
الجنة وأسماء
آبائهم وما
يتوالدون إلى
يوم القيامة
وإن الرجل
ليعمل أعمال
أهل النار ثم
عند الموت
يختم له بالخـير فيدخل
الجنة ثم قال صلى
الله عليه
وآله وسلم : أتدرون
ما في يدي
اليسرى ،
قالوا : الله
ورسوله أعلم
قال صلى
الله عليه
وآله وسلم : إن في يدي
اليسرى أسماء
أهل النار
وأسماء آبائهم
وأمهاتهم وما
يتوالدون إلى
يوم القيامة
وإن الرجل
ليعمل عمل أهل
الجنة طول
عمره
ثم عند الموت
يختم له
بالسوء فيدخل
النار ))1 .
وروي
أيضا أنه صلى
الله عليه
وآله وسلم بلغ كل
أحد مشافهة ،
ولا شك أن هذا
العلم لا يكون
إلا بالمعلوم
وهو وإن لم
يكن شيئا كان
كذبا وإن كان
شيئا لا على
ما هوعليه
أيضا كان كذبا
لأن العلم
شرطه
المطابقة
بمعلومه وإلا
لم يكن علما به ،
ولما كان
المشخصات
الستة التي هي
الزمان
والمكان
والكم والكيف
والجهة
والرتبة لا
تنفك عن شيء
بل لا شيئية للشيء
إلى بهذه
الستة ولا
تخلتف
الموجودات في
السلسلة
العرضية إلا
بهذه ،
فالمعلومات
كلها مساوقة
لهذه الستة
وهي مختلفة
فيجب أن يكون
العلم
بالمعلوم في
زمانه ورتبته
لا في زمان الغير
ورتبته ، فأنت
حين تعلم أنك
غدا تفعل كذا فقد
أشرفت نفسك
على الغد
ورأتك فاعلا
له في غيبه
فإذا أوقعته
في شهادتك وهي
يوم تصورك إياه
في علمك به إذ
الأمس هوالغد
وبعد غد هو اليوم
عند نفسك لأن
الزمان
والزمانيات
كلها نقطة في
الدهر .
وبالجملة
فالعالي يرى
السافل في وقته
ومكانه وجهته
ورتبته
فيخاطبه
ويحكم عليه في
ذلك الوقت
وذلك المكان ,
فبقي ذلك
المخطاب واقفا
على باب فوارة
النور فيقع
عليه في وقته
ومكانه وهو
حين سماعه ذلك
الخطاب ، ألم
تر أن الـرجـل
إذا كان في
مجلس واحد يخاطب
أشخاصا
كثيـرة وهم
_____________________
1 ذكر
المصنف أعلى
الله مقامه
وأنار الله في
الدارين
أعلامه هذه
الرواية
بالمعنى ونحن
نذكرها هنا
بالنص تيمنا
ففي بصائر
الدرجات 192 عن
جعفر بن محمد
عليهما
السلام قال ((
خطب رسول الله
صلى الله
عليه وآله
الناس ثم رفع
يده اليمنى قابضا
على كفه قال :
أتدرون ما في
كفي , قالوا :
الله ورسوله
أعلم , فقال
فيها أسماء
أهل الجنة وأسماء
آبائهم
وقبائلهم إلى
يوم القيامة ,
ثم رفع يده
اليسرى فقال :
أيها الناس
أتدرون ما في
يدي , قالوا :
الله ورسوله
أعلم , فقال :
فيها أسماء
أهل النار
وأسماء
آبائهم
وقبائلهم إلى
يوم القيامة )) .
متفاوتون
في الاستماع
والإدراك لا
شك أنهم لا
يفهمون خطابه
دفعة واحدة بل
ولا يسمعون
كذلك فقبل
السماع
والفهم لا شك
أنهم ليسوا
مخاطبين وإن
وقع الخطاب
وإنما الخطاب
بعد السماع
والفهم فهناك
مخاطبون
حقيقة لا مجازا
وذلك ظاهر لمن
يفهم .
والأصل في
المسألة اعلم
أن الخطاب خطابان
خطاب وجودي
عيني ، وخطاب
وصفي لفظي ،
واللفظي لم
يزل تابعا
للمعنوي
الوجودي فإن
الألفاظ
أعراض لغيرها
فحسنها
وقبحها
والحكم عليها
كلها من جهة
المعاني
والحقائق كما
قال مولانا
أمير
المؤمنين عليه
السلام ونفسي
فداه (( إن
المعنى في
اللفظ كالروح
في الجسد ))
فالألفاظ
مرايا لظهور
المعاني
وحكايات لها
وإنما هي على
طبقها ووفقها
، وأما الوجودي
المعنوي فهو
وجه الشيء
للآخر وتوجهه
إليه ووجه
الشيء ليس إلا
ظهور فعله ، والمراد
بظهور الفعل
أثره وهذا
الأثر من حيث
هو والفعل من
عالم الوجود
المطلق ، أي
ليس لهما في
تحققهما شرط
خارج عن حقيقة
ذاتهما ولا
يفتقران إلا
إلى مبدأ
وجودهما
وهوالعلة
الفاعلية
خاصة ، وهذا
الأثر هو فيض
الفاعل ولا انقطاع
له أبدا إلا
أن ذلك غيب
يحتاج في
إظهاره إلى
قابل ، كالضرب
فإنه لا يظهر
إلا بالمضروب
وتلك
القابلية هي
حدود ذلك
الأثر وصورة
متقومة به
ومتحققة بعده
في الذات ومعه
في الظهور ،
فإذا تحققت
تلك القابلية
ظهر ذلك الأثر
الذي كان غيبا
في ظهور
المؤثر فلا
تزال توجد
القابلية
وتظهر أثر
الفاعل إلى ما
لا نهاية له ,
كالشمس إذا
قابلت نورها
مرايا لا
نهاية لها
مجتمعة أو
متفرقة
متعاقبة أم
متراخية يظهر في
كلها نور واحد
خاص بها من
الشمس وليس من
جهة ازدياد
مرآة يزيد نور
الشمس أو ينقص
عند نقصانها
بل النور على
ما هو عليه
إنما يختلف
ظهور وخفاء لا
ذاتا وحقيقة ،
وهذا النور خطاب
للشمس إلى
المرايا
والقوابل أي
تكليف لها الاختيار
في قبوله
أوعدمه
وأنحاء
القبول كثيرة
هي مختارة لها
، ولذا ترى
يظهر النور في
كل مرآة على
مقتضى تلك
المرآة فإن
كانت حمراء فالنور
أحمر وإن كانت
صفراء فالنور
أصفر وهكذا،
فلوكان الأمر
بالقهر لا
بالخطاب
والتكليف لما
اختلفت أحوال
نور الشمس التي
بيدها أزمتها
، ولا شك أن
المخاطَب
التي هي
الكثافة من
المرايا
وأمثالها
إنما هي
متأخرة عن
النور ولا أقل
مساوقة معه لا
أنها متقدمة عليه ،
فتحقق عندنا
ثلاثة مخاطِب
وهو المؤثر
الفاعل
ومخاطَب وهو
المفعول
وخطاب وهوالأثر
أي المصدر
والمفعول
المطلق ،
فلولا الخطاب
لم يكن
مخاطِبا
بالكسر ولا
مخاطَبا بالفتح
لأن الخطاب
ركن لهما لأن
المخاطِب بالكسر
هو الظاهر
بالخطاب فلا
يكون ذلك
الظهور الخاص
إلا في الخطاب
والمخاطَب
بالفتح هو حامل
الخطاب ولا
يكون ذلك من
حيث هو حامل
إلا
بالخطاب ،
وقد تقدم
الكلام في أن
الفاعل والمفعول
ليسا عين ذات
الشيء وإنما
هما أمثاله وصفاته
وأسماؤه
والاسم غير
المسمى
والصفة غير
الموصوف ،
وقد قلنا أن
تلك الصفة ما ظهرت
إلا بالخطاب
فيكون الخطاب
أصلا للمخاطَب
بالفتح في
المعنى كما
كان في اللفظ
فيوجد الخطاب
فيظهر بذلك
المخاطِب
بالكسر فإن
وجد المخاطَب
بالفتح يتعلق
به كالنور إذا
وجد له جسم
كثيف وإلا
فيبقى مخفيا
في عالمه ،
فالمخاطَب
بالفتح ليس
إلا موجودا ولا يصح
الخطاب
بالمعدوم ولا
يتصور ذلك ،
ولكن لا يلزم
أن يكون
المخاطَبون
في مكان واحد
وزمان واحد بل
يجوز أن يخاطب
زيدا في هذه
البلدة
وعمروا بهذا
الخطاب في
بلدة أخرى
وبكرا الآن
وخالدا بعد
سنه أو ألف
سنه كما أن
إبراهيم عليه
السلام أذن في
الناس بالحج
فكل من سمع
النداء حج وكل
من لم يسمع لم
يحج وذلك
الاستماع عند
الإحرام
بالحج حيث
يجيب نداء
إبراهيم عليه
السلام عن الله
ويقول لبيك
اللهم لبيك ،
وكذلك الملك
ينادي عند
الظهر أوغيره
من أوقات
الصلاة (( قوموا
إلى نيرانكم
التي
أوقدتموها
على ظهوركم فأطفئوها
بصلاتكم ))1 فهو
دائما ينادي
فكل من سمع
نداءه قام
يصلى ويقول في
افتتاح
الصلاة لبيك
وسعديك ،
فمنهم من يسمع
الآن ومنهم من
يسمع بعد ساعة
و منهم من
يسمع بعد
ساعتين وهكذا
على اختلاف
الآفاق في
الطلوع
والغروب ، فمن
الناس من يصلى
الظهر ومنهم
من يصلى العصر
في ذلك الوقت
ومنهم من يصلى
فيه العشاء و
منهم من يصلى
فيه الصبح ،
ولما كانت
أسماعنا مريضة
ثقيلة لم تسمع
خطاب الملك
ونداءه عين
حديد البصر
والسمع لنا
أوان حصول ذلك
النداء إلينا
فصدقنا قـوله
وقـلنا لبيك
وسعديك فمجرد
عدم السماع
لثـقل في
الأذن لا ينفي
______________
1
أمالي الصدوق
496 , البحار 82/209 ح 21
الخطاب
لأن المترجم
هو لسان الأصل
فقوله قوله
حقيقة ، وكذلك
عدم السماع
لبعد مسافتنا عن
المخاطِب
بالكسر لا
ينفي الخطاب
إذا سمعنا لأن
ذلك بعينه وصل
إلينا بحامل
وأمين مؤدٍّ ،
وذلك الحامل
حين التأدية
حاك محض
كاللسان بعينه
للمخاطِب فإن
المخاطِب ليس
هواللسان وإنما
هو الشخص وليس
هو الجسد لأنه
لا حراك وإنما
هو ذاتك
المجردة عن كل
السبحات
وإنما أوصل
خطابه إليك
بآلته
الخارجة وهو
اللسان ، وإنما
كان اللسان لا
تعتبر فيه إلا
جهة المخاطِب بالكسر
لأنه لا إنية
له تدعي لنفسه
فصار محض حكاية
غيره ، وكذلك
غيره إذا صار
منزلته منـزلة
اللسان كما
أنك إذا قرأت
القرآن وقلت {إِنَّنِي
أَنَا
اللَّهُ لَا
إِلَهَ
إِلَّا أَنَا
فَاعْبُدْنِي}1
لا أحد يعترض
عليك لأنك
حينئذ في هذا
المقام الخاص
لسان الله
تحكي عن الله
سبحانه فما
تقول أنت
هوكلام الله
حقيقة ولا
ينكره إلا
منكر ضروري
الإسلام ،
وكذلك إذا قلت
قال النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم ((
إني تارك فيكم
الثقلين كتاب
الله وعترتي ))2
فإنك حينئذ
لسان النبي
صلى الله عليه
وآله وسلم ولذا
نقبل منك إذا
عرفناك
صادقاً فيما
تدعي من أنك
لسان ، وأما
إذا أخبرت عن
نفسك بشيء مما
ذكرنا فأنت
كافر وجب قتلك
، انظر بين
المقامين من
الفرق الواضح
البين ، فإذا
كان الشيء
لسانا لا ينسب
الكلام أو
الخطاب إلى اللسان
حقيقة وإلى
صاحب اللسان
مجازاً وإنما النسبة
إلى صاحب
اللسان حقيقة
وإلى اللسان مجازاً
وإلا لكانت
الخطابات
القرآنية
كلها مجازات
لا حقائق لها
أبداً لأنه ما
وصل إلى القلم
إلا بعد أن
أتى إلى النون
وهو ملك يؤدي
إلى القلم وهو
ملك والقلم
أدى إلى اللوح
واللوح أدى
إلى ميكائيل
وميكائيل أدى
إلى إسرافيل وإسرافيل
أدى إلى
جبرائيل
وجبرائيل أدى
إلى النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم وهو
صلى الله عليه
وآله وسلم أدى
إلى الرعية
وهولسان الله
الناطق على
الخلق ولم يكن
ذلك مجازاً
لكونه صلى
الله عليه
وآله وسلم
لساناً لله مع
الملائكة
المتقدمة ،
فكذلك خطابات
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم
بالنسبة إلى
الرعية لأنهم
حين النقل
والحكاية بمنـزلة
اللسان بل
اللسان
حـقـيقة ولذا
قال صلى الله
عليه وآله
وسلم (( رحم
الله إمرء سمع
_____________________
1 طه 14 2
أمالي الصدوق
415
مقالتـي
فوعاها
وأداها كما
سمع ))1
وقال تعالى { * إِنَّ
اللّهَ
يَأْمُرُكُمْ
أَن
تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ
إِلَى
أَهْلِهَا}2
والفارق بـين
المقامين
مكابر مباهت
إذ ليس له
دليل لا من
العـقل ولا من
النقل ولا من
اللغة {قُلْ هَاتُواْ
بُرْهَانَكُمْ
إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ} 3
فقولهم إن
الخطاب توجيه
الكلام نحوالمخاطب
الحاضر مسلم
لكن هذا
الحضور يجب
عند الخطاب
ولا يجب
اجتماع
المخاطبين
كلهم أجمعين
في مشهد واحد
ومحضر واحد
ووقت واحد فإن
الخطاب لو وقع
الآن وأتى من
شأنه أن يخطاب
به بعد ألف
سنة و نطق
لسان
المخاطِب
بالكسر بذلك
الخطاب
فـخاطبه به
حقيقة ، أما
سمعت ما وردت
الأخبار
الكثيـرة
_____________________
1
دعائم
الإسلام 1/378
ولكن في آخرها
بعد كلمة ( وعاها
) قوله صلى
الله عليه
وآله (( وبلغها
إلى من لم يسمعها
))
2
النساء 58 3 البقرة
111
المتكترة
وشهد لها
العقل السليم
أن القارئ إذا
قال {قُلْ
هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ}1 يقول في
نفسه هوالله
أحد وإذا قال
{قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ}2
يقول يا أيها
الكافرون
وإذا قال
{يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ
آمَنُواْ}
يقول لبيك يا
رب وسعديك فإن
الله يخاطبه
بلسانه وقد
أجمع المسلمون
ظاهرا
والفرقة
المحقة يقينا
أن رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم قد
خلقه الله قبل
الخلق وقبل
آدم وقال صلى
الله عليه
وآله وسلم ((
كنت نبيا وآدم
بين الماء
والطين))3 وما
كان نبيا إلا
بالقرآن كما
في قوله تعالى
{وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ
رُوحًا مِّنْ
أَمْرِنَا
مَا كُنتَ
تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ
وَلَا
الْإِيمَانُ
وَلَكِن
جَعَلْنَاهُ
نُورًا
نَّهْدِي
بِهِ مَنْ
نَّشَاء مِنْ
عِبَادِنَا
وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي
إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ}4
وإذا كان
القرآن نازلا
عليه صلى الله
عليه وآله
وسلم جملة في
ذلك العالم
وكله أو جله
خطابات فأين
المخاطبون،
وكذا مولانا
أمير
المؤمنين
عليه السلام
يوم الذي تولد
قرأ القرآن من
أوله إلى آخره
ولم ينـزل في
ذلك اليوم حرف
واحد فكيف وجد
الخطاب من غير
المخاطب فلنقبض
الكلام فإن
ذيل هذه
المسئلة طويل
وقد توصل فيها
أصحاب القال
والقيل فما
أصابوا شيئا
من حقيقتها لا
كثيرا ولا
قيلا من
الطرفين من
القائلين
بعموم الخطاب
والنافين له
إلا أن فيما
أشرنا إليه إن
كنت علاّمة
تستبصر لمنتهى
المطلوب وعلى
الله قصد
السبيل ومنها
جائر .
فمولانا
وسيدنا أمير
المؤمنين عليه
السلام قد
خاطب أهل
الأكوار
الجسمية والأدوار
البشرية بذلك
الخطاب في ذلك
اليوم في الخطاب
اللفظي
المطابق
لخطابهم
بالخطاب الوجودي
الكينونتـي ،
وخاطب أهل
المثال
النورية والأبدان
النورانية
والأشباح
الظلية قبل خلق
السموات
والأرض في
الإقليم
الثامن من عالم
هورقليا ألف
سنة وكل سنة
ألف شهر وكل
شهر ألف أسبوع
وكل أسبوع ألف
يوم وكل يوم
ألف سنة مما
تعدون وكان
الموقف في ذلك
العالم بين
المدينة والكوفة
والخلق كلهم
مجتمعون في
صعيد واحد ،
وخاطب عليه
السلام أهل
الأظلة والذر
قبل خلق السموات
والأرض بألفي
عام على ذلك
التقدير وربما
يكون هنا أطول
وأشد ، وخاطب
عليه السلام أهل
الكثيب
الأحمر في
الكون الناري
قبلهما بثلاثة
آلاف سنة ،
وخاطب عليـه
____________________
1
الأخلاص 1 2
الكافرون 1 3
المناقب 1/214 4
الشورى 52
السلام
أهل الرفرف
الأخضر قبل
خلق السموات والأرض
بأربعة آلاف
سنة ، وخاطب
عليه السلام
أهل أرض
الزعفران قبل
خلقهما بخمسة
آلاف سنة وهم
حينئذ ذر على
هيئة ورق الآس
مكتوب في وسط
الورقة لا إله
إلا الله وفي
الجهة اليمنى
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم رسول
الله وفي
الجهة اليسرى
علي أمير المؤمنين
ولي الله عليه
السلام ,
وخاطبعليه
السلام أهل
الأعراف
الذين لا
تعتريهم وهجات
النوم أبدا
وقد تأخذهم
سنة خاطبهم
قبل خلق
السماوات
والأرض بستة
آلاف سنة
أوسبعة آلاف
سنة وكل سنة
دهر وهم حينئذ
أنوار بيض
قائمون
بعبادة الحق
المعبود جل
جلاله ، وخاطب
عليه السلام
أهل الأفئدة
الناظرين إلى
عالم اللانهاية
والسابحين في
تلك اللجة بلا
غاية يوم الذي
كان العرش على
الماء قبل خلق
السماوات والأرض
وقد سئل أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
كم كان العرش
على الماء قبل
خلق السموات
والأرض قال
عليه السلام :
أتحسن أن
تحسـب ، قال :
بلى ، قال
عليه السلام :
أخاف أن لا
تحسن ، قال :
بلى، فقال
عليه السلام :
لو صب خردل في
الهواء بحيث
سد الفضاء و
ملأ ما بين
الأرض والسماء
ثم لو عمرت مع
ضعفك أن تنقل
حبة حبة من
المشرق إلى
المغرب حتى
ينفد لكان ذلك
أقل من جزء من المائة
ألف جزء من
رأس الشعير
مما بقي العرش
على الماء قبل
خلـق السموات
والأرض
وأستغفر الله
عن التحديد
بالقليل))1 ، وخاطب
عليه السلام
أهل الرضوان
قال تعالى {وَرِضْوَانٌ
مِّنَ اللّهِ
أَكْبَرُ}2
إلا أنهم لا
______________________
1 لم
نعثر على هذه
الرواية بهذا
النص ولكن وجدنا
ما يقرب منها
وهي ما ذكر في
إرشاد القلوب
277 (( قال الرجل :
فكم مقدار ما
لبث عرشه على
الماء من قبل
أن يخلق الأرض
والسماء , قال
علي عليه
السلام : أتحسن
أن تحسب , قال
علي عليه
السلام :
أرأيت إن صب
خردل في الأرض
حتى سد الهواء
وما بين الأرض
والسماء ثم
أذن لك على
ضعفك أن تنقله
حبة حبة من مقدار
المشرق
والمغرب وفي
مد عمرك
وأعطيت القوة
على ذلك حتى
تنقله
وأحصيته لكان
ذلك أيسر من
أن أحصي عدد
أعوام ما لبث
عرشه على
الماء من قبل
أن يخلق
الأرضوالسماء
, وإنما وصفت
منقصة عشر عشر
لعشر من جزء
من مائة ألف
جزء , وأستغفر
الله عن
التقليل
والتحديد ))
2
التوبة 72
يوصفون
بالقبل
والبعد
والقرب
والبعد لأنهم
خارجون عن
حدود الزمان
والزمانيات
وانتفت
مقتضياتها
وخاطبهم
بباطن باطن
هذه الخطبة
الشريفة التي
هي سر التوحيد
وحقيقة
التفريد
والتمجيد
وخاطبهم من
غير لفظ ولا
إشارة ولا
عبارة ولا
تلويح ولا كيف
ولا كم بل ذلك
عين مقام
الخطاب وبطلان
وجود المخاطب
ليتحد الخطاب
والمخاطَب بالفتح
وذلك غير ما
الذي نريد من
شرح هذه الخطبة
فإننا بصدد
شرح ظاهرها
وبعض وجوه
باطنها وأما
باطن باطنها
فأغلبه ما
ندركه ولا
نعلمه والذي
نعلم لا يجوز
البيان لقول
الصادق عليه السلام
(( ما كل ما يعلم
يقال ولا كل
ما يقال حان
وقته ولا ما
كل ما حان
وقته حضر أهله
))1 ، وخاطب عليه
السلام
السموات قبل
ذلك المجلس
نسبة أو
خمسمائة سنة
أوسبعمائة
سنة
أوتسعمائة سنة
أوألف، وخاطب
عليه السلام
الأرضيين
بمراتبها من
الأولى
والثانية
والثالثة
والرابعة إلى
السابعة التي
كل أول
بالنسبة إلى
آخره كحلقة
ملقاة في فلاة
قيّ على ما
قال النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم
فيكون الخطاب
على كل أرض
وأهلها بعد
الأرض
المتقدمة
بألف سنة
تقريبا
للأفهام وإلا
فهو أزيد ،
وهكذا
المراتب النازلة
إلى أسفل
السافلين إلى
الثرى إلى ما
تحت الثرى
وهكذا إلى ما
شاء الله إلى
أن انقطع قلمه
إلا عن الله
سبحانه ومن
أطلعه على
مكنون علمه من
خلفائه وحججه
عليهم السلام
، وخاطب البهائم
بعد ذلك
المجلس في ذلك
المجلس بألف عام
، وخاطب عليه
السلام
النباتات
بعده بألف عام
، وخاطب عليه
السلام
المعادن
بعدها بثلاثة
آلاف عام ،
وخاطب عليه
السلام
الجمادات بعدها
بأربعة آلاف
عام ، وخاطب
عليه السلام الأعراض
والكيفيات
بعده بسبعين
ألف عام ، وكذلك
الصفات
والهيئات
والأمثلة
القارة والغير
القارة
وأنحاء
الروابط
والنسب
والأوضاع والمجازات
المجازية
والحقيقية
وسائر الأوطار
في نهايات
الأكوار
والأدوار
وهذه البعديات
هي عين تلك
القبليات
وتلك
القبليات هي
عين هذه البعديات
إذ ليس لربك
قبل ولا بعد
وكذلك وجه ربك
ذي الجلال
والإكرام ،
فإن الوجه إن
لم يكن على صفة
ذي الوجه أي
آيته ودليله
لم يكن وجها
وإنما هوحجاب
وقد دلت
أخبارهم
وشهدت آثارهم
على أنهم هم
وجه الله وما
وصل على الكل
إلا خطـاب
واحد و ما
______________________
1
البحار 53/115 ح 138
خاطب
عليه السلام
إلا بأمر واحد
ظهر ذلك الأمر
الواحد على كل
تلك المراتب
المتقدمة على
مقدار
قابليته وحسب
استعداده من
ذات أو صفة
لطافة أو
كثافة علو أو
سفل معنى أو
لفظ أو صوت أو
همهمة أو
إيقاع صوت كوقع
السلسلة في
الطست كلها
بخطاب واحد ،
ولما كان أمر
البدء كذلك
عند الخطاب أي
التكليف صار الأمر
في العود عند
مجازاة مواقع
التكليف عند
الحساب قال عز
وجل إشارة إلى
العود تصريحا
وإلى البدء
عموما وهو
أيضا نوع من
التصريح قال الله
عز وجل
{وَتَرَى
كُلَّ
أُمَّةٍ جَاثِيَةً
كُلُّ
أُمَّةٍ
تُدْعَى
إِلَى كِتَابِهَا
الْيَوْمَ
تُجْزَوْنَ
مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا
كِتَابُنَا
يَنطِقُ
عَلَيْكُم
بِالْحَقِّ
إِنَّا
كُنَّا
نَسْتَنسِخُ
مَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ}1
وقد تقدم ذكر
ذلك عن أهل العصمة
عليهم السلام
أن الكتاب
المشار إليه
هو أمير
المؤمنين
عليه السلام
فإنه يقف على
المحشر
والخلق كلهم
كتابهم
بيمينهم
وشمالهم فيقرأعليه
السلام بلفظ
واحد ينظر كل
أحد بكتابه
ويرى أنه عليه
السلام يقرأ
عليه أعماله خاصة
دون باقي
الخلق هذا حكم
العود وقد
قـال عز وجل
{كَمَا
بَدَأَكُمْ
تَعُودُونَ}2
فالخطاب عند
البدء بل
هوالبدء
وحقيقته فصار
خطابه عليه
السلام خطاب
واحد فسمع
المخاطبين
كلهم على
مقدار
أفهامهم
بلغاتهم
وإشاراتهم
وما يناسب
درجتهم إذ
اختلاف تلك
اللغات أيضا
من الله
سبحانه بولي
الأمر عليه
______________________
1
الجاثية 28 - 29 2
الأعراف 29
السلام
وروحي فداه
قال الله عز
وجل {وَمِنْ
آيَاتِهِ
خَلْقُ
السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافُ
أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوَانِكُمْ}1
قال أمير
المؤمنين عليه
السلام (( ما لله
آية أكبر مني ))2
وقال مولانا
الصادق عليه
السلام (( فأي
آية في الآفاق
غيرنا أراها
الله أهل
الأفاق ))3 في
قوله عز وجل
{سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا
فِي
الْآفَاقِ
وَفِي أَنفُسِهِمْ
حَتَّى
يَتَبَيَّنَ
لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ}4
ألا أنه بكل
شيء محيط وخلق
السموات
والأرضين
واللغات وما
ذكر في القرآن
من الآيات
كلها تفاصيل
ظهورات تلك
الآية الكبرى
والكلمة
الحسنى
والمثل
الأعلى فافهم
.
وكان
خطابه عليه
السلام للكل
في مشهد واحد
خاطب كل أهل
الوجود
المقيد دفعة
واحدة إلا
أنهم اختلفوا
في سماع هذا
الخطاب
والوصول
إليهم فجاءت
الأعداد
والسـنون
والحساب والقبل
والبعد كما
بينا فافهم
ولا
_______________________
1
الروم 22
2 المناقب 3/98 3 تأويل
الآيات
4 فصلت 53
تكذب
بما لا تحط به
علما والله
سبحانه يقول
{وَإِذْ لَمْ
يَهْتَدُوا
بِهِ
فَسَيَقُولُونَ
هَذَا إِفْكٌ
قَدِيمٌ }1
{إِنِ
افْتَرَيْتُهُ
فَعَلَيَّ
إِجْرَامِي
وَأَنَاْ
بَرِيءٌ
مِّمَّا
تُجْرَمُونَ}2
.
وهذا
الخطاب كان
بين المدينة
والكوفة في
البدء فإن هذا
الخطاب
والبيان إنما
كان بعد
استقرار
الإسلام
وظهور
التوحيد
والنبوة وظهور
شرف المدينة
والكوفة
وانتساب كل
فرع إلى أصله
وإن كان ذلك
الظهور أيضا
ما حصل إلا بهذا
الخطاب إلا أنه
على طور غير
طور هذا
الخطاب وهذا
التفصيل وإن
كان على هذا
التفصيل لكنه
ما أظهر لهم
ذلك هناك ،
ومثال ذلك أنك
إذا قابلت
مرآة تظهر صورتك
فيها وإن
قابلت مرآة
أخرى هذه
المرآة التي
انطبعت فيها
صورتك تنطبع
فيها صورة
مرآة وصورة ،
فالناظر في
الثانية له
نظران مرة ينظر
فيها لمشاهدة
المقابل
الخارجي
الأصلي وما له
التفات إلى
خصوص المرآة
والصورة والوسائط
وقلتها أو
كثرتها
فيتوجه إلى
المقابل بهذه
المرآة من غير
التفات إليها
مصون السر عن النظر
إليها ومرفوع
الهمة عن
الاعتماد
عليها , ومرة
أخرى ينظر إلى
حقيقة المرآة
والصورة والوسائط
والتوصيفات
التي وصف بها
المقابل هل هي
بلا واسطة أو
مع الواسطة
والوسائط
قليلة أوكثيرة
مغيرة للشيء
عما هوعليه أم
لا فهناك يلتفت
فيرى أن الذي
توجه إليه تحت
ستة حجب .
الحجاب
الأول الشبح
المتصل
بالمقابل ،
والثاني
الشبح
المنفصل عنه
الكلي ، والثالث
الشبح
المنفصل عن
الشبح
المنفصل وهو
الجزئي الذي
في المرآة
الأولى ،
والرابع
الشبح المتصل
بالصورة
والمرآة ،
والخامس
الشبح المنفصل
عنهما الكلي ،
والسادس
الشبح
المنفصل عن الشبح
المنفصل الذي
هو في المرآة
الثانية من الصورة
والمرآة ،
وهناك يعرف
مقامه
ومرتبته ولا
يدعي ما ليس
له به علم ولا
شك أن النظر
الأول ما حصل
والذي فهم
بالملاحظة
الأولى ما
تحقق إلا في
هاتين
المرآتين
والصورتين
فلهما هيمنة عليه
مع أنه إذا
ظهر بغيب
المرايا
والصور فافهم
، ولذا ترى
النّحاة
يقولون أن
الفاعل مشتق من
المصدر
المشتـق من
الـفعل ،
فالفعل له
هيمنة على
الفاعل لأنه
يؤثر فيه
____________________
1
الأحقاف 11 2 هود 35
ويعمل
عليه ويرفعه
مع أن الفاعل
يمحي ذكر الفعل
وحتى أن القوم
ما يتصورون
تأخر الفاعل
عن الفعل وإني
كررت هذا
المثال في هذا
الشرح تذكرة
لمن يتذكر
وتبصرة لمن
يستبصر .
فعلى
هذا فافهم ما
ذكرنا لك أن
هذا الخطاب
إنما كان بعد
ظهور التوحيد
والنبوة مع أنهما
ما ظهرا إلا
به لأن مقام
الولاية
الظاهرة تحت
مقام النبوة
المطلقة
وإليه
أشارعليه السلام
بقوله (( أنا
آية
محمدعليها
السلام )) فولايته
على الناس
إنما وجبت بعد
معرفة توحيد
الله سبحانه
والإذعان
بنبوة
محمدصلى الله
عليه وآله
وسلم ، وكان
ذلك الخطاب
بين المدينة
والكوفة في كل
عالم من
العوالم
الألف ألف إلى
آخر نهايات
الحركات في
الأكوار
والأدوار
فظهرت تلك
الفواصل
الدهرية
والسرمدية في
عالم الزمان
والمكان في
ذلك الوقت في
ذلك المكان
ولم يسمع هذه
الخطبة أحد
إلى يوم
القيامة و ما
بعده إلى ما
شاء الله إلا
في ذلك الوقت
وذلك المكان ،
وعلى هذا
المعنى قولهم
أن كل أرض
كربلاء وكل
يوم عاشوراء
وكل مكان وكل
وقت يوم
الغدير لأن
المدد لا
ينقطع وسر
الله لا ينفد
ولا يتبدد فافهم
.
قوله
عليه السلام
أنيبوا إلي
شيعتـي
اعلم
أن الأمر طلب
لا يقوم
المأمور إلا
به وذلك الأمر
على قسمين ،
أمر هو فعل ،
وأمر هو مصدر
أي المفعول
المطلق ،
والأمر
الثاني مشتق
من الأمر
الأول اشتقاق
الحركة عن
المتحرك
والصورة في
المرآة عن
الشاخص
والشعاع عن
المنير
وأمثال
ذلك ، والفعل
عند تمام
قابلية
المفعول ورفع
الموانع عنه
وسلب المنافي
والمعارض
لحكم التنجيز
أمر حاضر أمر
غائب ولذا كان
آخره ساكنا
وأوله متحركا
من غير دخول
عامل عليه ،
فالحركة
إشارة إلى
الاستدارة
على المفعول
للإمداد
والإحداث
والميل إلى
الصنع والإيجاد
وسكون الآخر
إشارة إلى
وقوفه وثباته
في مكانه وعدم
تعديه إلى
رتبة غيره ،
وأن المفعول
هوفاعل فعل
الفاعل
الظاهر
بالأمر ولذا
ترى الضمير
الفاعل في
الأمر أنت وقد
قال مولانا
الرضا عليه
السلام في
الإختراع أنه
(( خلق ساكن لا
يدرك بالسكون
))1 مع أنه
عليه السلام
قال (( إن
الإبداع
والمشيئة
والإرادة
___________________
1 عيون
أخبار الرضا 1/175
معـناها
واحد
وأسماؤها
ثلاثة ))1 وقال
عليه السلام (( فإرادته
إحداثه لا غير
))2 والله تعالى
فسر الأمر
والإرادة
بقوله عز وجل
{إِنَّمَا
أَمْرُهُ
إِذَا
أَرَادَ شَيْئًا
أَنْ يَقُولَ
لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ}3 فبين
سبحانه
وتعالى أن قول
كن هو أمره
وإرادته لمن
يعقل ويفهم ،
هذا هوالأمر
الفعلي والأمر
المفعولي
متقوم بهذا
الأمر تقوم
الصورة بالشاخص
قال عز وجل
{وَكَانَ
أَمْرُ
اللّهِ مَفْعُولاً}4
وذلك هو
المفعول
المطلق وهو
مادة المأمور
والمأمور
حدود ذلك
الأمر
وأعراضه مع
الأمر لأن
حقيقة
المأمور أمر
مع أمر خارج
فلا تقوم
للمأمور إلا
بالأمر ولذا
قال عز وجل {وَمِنْ
آيَاتِهِ أَن
تَقُومَ
السَّمَاء
وَالْأَرْضُ
بِأَمْرِهِ}5
وقال مولانا
الصادق عليه
السلام في
الدعاء (( كل
شيء سواك قام
بأمرك ))6 فأبان
أن قوله تعالى
السماء يريد
بها سماء المقبول
وأرض
القابليات
ليشمل كل شيء
، وقد أشار
سبحانه
وتعالى إلى
تفصيل هذا
الأمر وكيفية
تقوم السماء
والأرض به في
قوله عز وجل
{ثُمَّ
اسْتَوَى
إِلَى
السَّمَاء
وَهِيَ
دُخَانٌ
فَقَالَ
لَهَا
وَلِلْأَرْضِ
اِئْتِيَا طَوْعًا
أَوْ كَرْهًا
قَالَتَا
أَتَيْنَا طَائِعِين}7
فيريد بالأمر
الذي قامت به
السموات
والأرض
هوالمعبر عنه
بقوله ( ائتيا )
فلما قبلا
وأتيا طائعين
فتقوما
بالأمر الذي
هو من الله
وإلى الله
سبحانه ،
فالمأمور
إنما تقوم بالأمر
فيكون فعل
المأمور به
واجبا وتركه
حراما لأنه
يستلزم
إعدامه
فالأمر الكلي
يستلزم المأمور
به كليا
والجزئي
يستلزم ذلك
جزئيا فلا
ينفك المأمور
عن الأمر إلا
وقد
_________________
2,1 عيون
أخبار الرضا
1/175 3 يس 82 4 النساء
47
5
الروم 25
6 البحار 90/148 ح 10 7 فصلت 11
بطل
قال تعالى
{فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ
عَنْ
أَمْرِهِ}1 .
إن قلت
كيف يكون قوام
المأمور
بالآمر مع أن
ذلك خلاف
المحسوس
والواقع فـإن
الآمر هو الله
والمأمور هو
المكلف
والأمر هو
قـوله تـعـالى
{
وَأَقِيمُواْ
الصَّلاَةَ
وَآتُواْ
الزَّكَاةَ
وَارْكَعُواْ
مَعَ
الرَّاكِعِينَ}2
وأمثالها مع
أنه سبحانه
قال {وَكَانَ
يَأْمُرُ أَهْلَهُ
بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ}3
والأهل هو
المفعول
الواقع عليهم
الأمر ، قد
شاع وذاع أن
المفعول به
يجب أن يكون
موجودا ليقع
الفعل عليه
ولذا قالوا في
خلق السموات
والأرض أن
السموات
والأرض مفعول
مطلق لا مفعول
به .
قلت
الواقع كما
ذكرنا إلا أن
معرفة ذلك صعب
مستصعب
والإشارة
إليهما
للمؤمن الممتحن
أن الألفاظ
حكاية
للمعاني و
مرايا لها قال
مولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
المعنى في
اللفظ كالروح
في الجسد )) ،
وقد صح عندنا
وعند
العارفين أن
المشبه في
الكتاب
والسنة عين
المشبه به
فالمعنى هو
روح اللفظ ،
وإن لم تسلم
هذه المقدمة
يظهر المراد
من التشبه
أيضا لأن
الألفاظ
قوالب وتوابع
للمعاني فلا
يوصف بحكم إلا
باعتبار
المعنى ،
وتحقيق ذلك
فيما كتبنا في
أصول الفقه
وما قررنا في
أثناء البحث
ويطول الكلام
بذكره .
فإذا
صح ذلك فنقول
أن المأمور لا
شك ولا ريب
أنه ذات ثبت
أو وقع عليه
الأمر فقبل وقوع
الأمر هل كان
مأمورا أم لا
؟ ، والثاني
باطل وعلى
الأول ثبتت
مساوقية
المأمور مع
الأمر ، ثم
أقول أن هذه
المساوقة في
اللفظ فقط أم
في المعنى ؟ ،
فإن قلت في
اللفظ فقد
أبطلنا آنفا ،
مع أنا نقول
هل معناه كان
موجودا قبل
الأمر أم لا ؟
فإن قلت بلى ،
قلت إذاً ما
أثر الأمر
الجديد شيئا والضرورة
تقضي ببطلانه
، فإن قلت في
المعنى ، قلت :
هل المعنى هو
ذات الشخص في
رتبة ذاته أو
في مقام ظهوره
بآثاره ؟ ،
فإن قلت ذاته
في مرتبة ذاته
فلا يجـوز
سلبه عـنه ما
دام وجود ذاته
والبديهة
تشهد بخلافه
__________________
1
النور 63
2 البقرة 43 3 مريم 55
فتقول
زيد مأمور
وليس بمأمور
وذاته في كلا
الحالتين
باقية ، فإن
قلت في مقام
ظهوره بآثاره فلا
شك أن مقام
الذات غير
مقام الظهور
لأن الظهور
أثر الذات
وصفتها ولا
تجمع الصفة
والموصوف
حقيقة واحدة
لتجعل الذات
والظهور أي
الأثر شيئا
واحدا ثم تسمي
هذا المجموع
المركب اسما
واحدا فإن ذلك
مستحيل عقلا
فإن في
التركيب
يشترط تساوق
الأجزاء وتجامعها
في صقع واحد
ليصح ميل
أحدهما في
الآخر والآخر
فيه حتى يحصل
من المزج
والتعفين شيء
واحد ، ولا
يجوز ذلك في
الأثر
والمؤثر إذ
ليس بينهما
اتصال ولا
انفصال ولا
اقتران ولا
افتراق ولا
تناسب ولا
تباين ، فثبت
أن المأمور هو
ظهور الشخص
بتلك الصفة
وذلك الظهور
قابلية للأمر
وصورة له
والأمر هو
مادة له ،
فإذا تعلق
الأمر بذلك
الظهور ظهر
المأمور فقبل
الأمر ما كان
مأمورا ولا
أمرا ، فلما
تعلق الأمر ووجد
ظهر المأمور
فصح أن الأمر
والمأمور جهات
الآمر ، ولذا
قالوا أن
المصدر يأتي
بمعنى اسم
الفاعل
وبمعنى اسم
المفعول
ويستعمل في
معناه
المصدري وهذا
لا إشكال فيه
لمن تأمل و نظر
ثم أن قوله
تعالى كن لا
شك أنه فعل
أمر ، فمن كان
المأمور ؟ ،
فإن قلت كان
المأمور
موجودا وهوالأعيان
الثابتة في
غيب الذات على
ما يزعمه أصحاب
الجهالات
يلزم منه
مفاسد قبيحة
لا نطول
الكلام
بذكرها لأنّا
ذكرناها في
كثير من مباحثنا
ورسائلنا من
أن تلك
الأعيان إن كانت
شيئا غير الله
قديما مع الله
فيلزم منه تركيب
الذات وظهور
الكثرات فيها
وإن لم تكن
شيئا لم تكن
موجودة إذ لا
واسطة بين
الوجود والعدم
معقولة كما
قال مولانا
الصادق عليه
السلام إذ ليس
بين الإثبات
والنفي
منـزلة ، فإن
قلت لم يكن
المأمور موجودا
، قلت إذن صح ما
ذكرنا أن
المأمور إنما
يوجد بالأمر
والأمر مادة
له والتعلق
صورة له
والمجموع هو
المأمور وهو (
يكون ) فإن
الضمير فيه
يرجع إلى
المأمور بكن
لا إلى الأمر،
فإن قلت أن
هذا الكلام تعيبر
لفظي وليس في
الواقع لفظ
ولا كلام ولا
أمر وإنما هو
إيجاد وإحداث
، قلت هل
التعبير
مطابق للواقع
أم مخالف له ،
فإن قلت مطابق
صح ما قلنا
وإن قلت مخالف
والله أجل من
ذلك ، وإن قلت
أن هذا
التعبير مجاز
، قلت إن
المجاز لا
يصرف إليه إلا
بدليل قطعي
ومجرد عدم
المعرفة لا
يكون دليلا بل
الدليل على
نفي المجازية
قائم كما
ذكرناه وربما
نذكر فيما بعد
إنشاء الله .
فالأمر
أمران أمر
أولي وأمر
ثانوي،
وكلاهما تكويني
وتشريعي ،
والأمر
الثانوي على
قسمين أحدهما
ما يتعلق
بوجود الأمر
الأولي
وظهوره في
الكون ولولا
ذلك لم يظهر
ولم يوجد ،
وثانيهما
لتكميل الأول
وتتميمه في
مقام الكمال ،
فالأمر
الأولي هو
المقصود
لذاته وهوالذي
تعلقت به
مشيئة الله
العزمية
وإرادته
إرادة محبة
وهوالمجعول
بالأصالة
وعليه يدور
رحى التكوين
والتشريع ، أي
لولا ذلك لم
تتكون
الكينونة
الأولية ولم
يتقوم وجود
الخير ولم
يبلغ إلى
الغاية التي
خلق لأجلها
ولم يتم له ما
خلقه الله
سبحانه لأجله
، فهذا هو
الحتم المقضي
اللازم
الثابت الذي
لا مرد عنه
وإلا لانعدم
أي طرق باب
الإستغناء
فولى مدبرا
إلى جهنم وبئس
المصير على
حسب مراتبها
ومقاماتها ،
والأمر
الثانوي هو
المقصود
بالعرض وهو
شعاع من الأمر
الأولي ونوره
جزء من سبعين
جزء منه كالظل
للأصل ، وهذا
لا يكون إلا
لإظهار الأول
حقيقة وذاتا
أم كمالا
وصفاتا ، فإن
كان الأول فهي
الواجبات
الغيرية وإن
كان الثاني فهي
المستحبات ،
والأول إن
كانت فيه جهة
مطلوبية
ذاتية
وتأثيرات
حقيقية أو
لأنه ليس السر
الاستلزامي
فيه ظاهرا ولا
ينوط ذلك
الأمر به فعلى
حسب الظاهر
فيتعلق به
الأمر
الظاهري كالواجبات
الغيرية
كالطهارة
وإلا فلا يظهر
تعلق الأمر به
ظاهرا وإنما
هو متعلق به
حقيقة وذلك
كمقدمة
الواجب فإنه
واجب شرعا إلا
أنها ليست كذي
المقدمة
وإنما هي جزء
من سبعين جزء
منه فلا تجتمع
معه في صقع
واحد ، ولذا
إذا ندب الرجل
بأن يأتي
بواجبين فأتى
بالمقدمة
وذيها فلا
يكفي لأن
المتبادر من
الواجب الذي
تعلق به الأمر
الإلهي
الأولي لا
الثانوي
العرضي ، وبالجملة
الواجب
والمستحب
ليسا في صقع
واحد ولا
تجمعـهما
حقيقة واحدة
والواجب هو
الأصل والمستحب
هو الفرع ،
واللفظ إذا
أطلق على الأصل
والفرع فلا شك
أنه على الأصل
حقيقة وأما على
الفرع فهل هو
كذلك أم لا
ففي محل الشك
، ولما لم نجد
علامة
الحقيقة في
الإطلاق على
الفرع قلنا
أنه مجاز ،
ولما كان
الأمر الثاني
في الصورة على
مثال الأمر
الأول فإذا لم
يتميزه الناظر
فليحمل على
الواجب قطعا
لأن الله
سبحانه إذا
أراد منه
المندوب لنصب
له القرينة إذ
لم يفعل فلا
يريد إلا
الوجوب .
فقوله
عليه السلام ((
أنيبوا إلي ))
أمر وجوبي
حتمي إلزامي
زائدا على ما
ذكرنا من أنه
أمر يفـيد
الوجوب
والإلزام فيه
إشارة إلى تمام
ظهور الأمر
البدوي
الذي هو ( كن )
لأنه لما ظهر
بالتعلق أخذ في
التنزل
بالتعلق فكل
نزول لا بد له
من صعود وكل
عسر لا بد له
يسر قال عز وجل
{إِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ
يُسْرًا}1
فأشار عليه
السلام في هذه
الفقرة
الشريفة إلى
قوس الصعود
ليتم ظهور
استدارة
الكاف على
نفسها ذاتا وظهورا
ويظهر معنى
قوله صلى الله
عليه وآله وسلم
(( إن الزمان قد
استدار فهو اليوم كهيئة
يوم خلق الله
السموات
والأرضين ))2
فقوله عز وجل {
وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ
*
الَّذِينَ
إِذَا
أَصَابَتْهُم
مُّصِيبَةٌ
قَالُواْ
إِنَّا
لِلّهِ
وَإِنَّا
إِلَيْهِ
رَاجِعونَ}3
فقوله ( إنا
لله ) إشارة
إلى قوله تعالى
{كُنْ
فَيَكُونُ}4
و( إنا إليه
راجعون ) إشارة
إلى ما قال
الإمام
عليه السلام لأن الله
عز ذكره ذكر
في محكم كتابه
العـزيز { {وَأَنِيبُوا
إِلَى
رَبِّكُمْ
وَأَسْلِمُوا
لَهُ مِن
قَبْلِ أَن
يَأْتِيَكُمُ
الْعَذَابُ}5
قـال تعالى {*
مُنِيبِينَ
إِلَيْهِ}6
وقال تعالى
{أَلَا إِلَى
اللَّهِ
تَصِيرُ
الأمُور}7 { {وَلِلّهِ
غَيْبُ
السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ
وَإِلَيْهِ
يُرْجَعُ
الأَمْرُ
كُلُّهُ}8 {وَمَا
قَدَرُوا
اللَّهَ
حَقَّ
قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ
جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ
______________
1
الشرح 6
2 الخصال 487 3
البقرة 155-156
4 يس 82 5 الزمر
54 6 الروم
31 7
الشورى 53
8 هود 123
يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
وَالسَّماوَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ
سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى
عَمَّا
يُشْرِكُونَ}1
وأراد الإمام عليه
السلام شرح
هذه الآيات
وأمثالها في
مقام كشف
الأسرار
وإشراق
الأنوار على
أن هذه الإنابة
التي هي
الرجوع إلى
الله ليست هي
الرجوع إلى
ذات الله
سبحانه فإنه
تعالى أجل من
أن يقرن بساحة
جلاله
الاقتران أو
الاتصال أو
النسبة أو الارتباط
أو الإضافة أو
الوصل أو غير
ذلك من الأحوال
المستلزمة
للافتقار
والتركيب
والكثرة وساير
الأمور
القبيحة
المنكرة فلا
يصل أحد إليه
، إذ المحال
أن يكون
المراد
الرجوع الاتصالي
على ما تزعمه
الصوفية بأن
الخلق ليس إلا
الحق مع
التعيّن
فالرجوع إلى
الله على
دعواهم سلب
الكثرات ورفع
الإنيات
وإزالة
الماهيات
فيكون هناك حق
لا خلق فيه
فرجع إلى الله
فإن هذا
الاعتقاد كفر
بالله العلي
العظيم وخروج
عن الدين
القويم فإن
ذلك يستلزم
الاقتران والكثرة
الذاتية وقد
فصّلنا شناعة
هذا القول في
تفسيرنا على
آيه الكرسي
بما لا يزيد
عليه ، فإذا
بطل هذا القول
فما بقي إلا
القول بأن الخلق
أثر لفعله
سبحانه
والشيء لا
يجاوز مبدأه أي
ذاته لأنه فوق
ذاته عدم محض
لا ذكر له فرجوعه
عبارة عن
الرجوع إلى
مبدئه ، وهذا
الرجوع له
معنيان
أحدهما رجوع
ذاته وصفاته
وأحواله
وحركاته
وسكناته
وكلما له ومنه
وإليه وفيه
وعنه وبه
وعليه وعنده
ولديه كلها
إلى الله تعالى
بمعنى
اضمحلالها
وبطلانها
وفـقرها واستمدادها
من الحق
سبحانه بحيث
لا يجد لنفسه
شيئا كما أنه
لا يملك لنفسه
شيئا نفعا ولا
ضرا ولا موتا
ولا حياة ولا
نشورا ،
فالشيء في كل
أحواله طارق
باب فيضه
وقارع باب
رحمته بأنامل
قابلية فقره
وفي كل حاله
راجع إليه
فقير مضطر واقف
بباب الإذن
سائل منه
سبحانه المدد
، ولما كان
العالم يدور
بالأسباب
والمسببات
والعلل
والمعلولات
والأدلة
والمدلولات
واللوازم
والملزومات
والآثار
والتأثيرات
والشرائط
والمشروطات
وسائر
المتممات
والمكملات والإضافات
والقرانات
والجهات
والاعتبارات
وأمثالها من
الذوات
والصفات ،
والشيء لا يتم
إلا بتلك
الحالات وهي
كلها بـيد
قـهّار البـريات
فاطر السمـوات
بـارئ
الممسـوكات (
الممسوكات ) ،
فلا يـؤثر سبب
في مسببه ولا
ملزوم في
لازمه ولا شرط
في مشروطه ولا
علة في معلوله
ولا دليل في
مدلوله إلا
بمشيئته
_________________
1
الزمر 67
وإرادته
وقدره وقضائه
وإذنه وأجله
وكتابه فرجع
الأمر في كل
شيء في كل حال
إليه سبحانه
وتعالى ، هو
القاهر
المتسلط في
ملكه والمتصرف
في خلقه لا
إله إلا هو
العزيز
الحكيم ، وإليه
تشير الآيات
المتقدمة من
قوله عز وجل
{وَإِلَيْهِ
يُرْجَعُ
الأَمْرُ
كُلُّهُ}1 و {أَلَا
إِلَى
اللَّهِ
تَصِيرُ
الأمُورُ}2 و {إِنَّا
لِلّهِ
وَإِنَّا
إِلَيْهِ
رَاجِعونَ}3
وأمثالها مما
قدمنا شطرا
منها .
وثانيهما
اعلم أن في كل
شيء جهتان وكينونتان
، الكينونة
الأولى هي
التي من ربه
وهي متعلق
الجعل الإلهي
أولا وبالذات
وهي الغاية
والغرض في
الإيجاد وهي
المحبة التي
صارت علة
للخلق لمعرفة
الخالق وهي
مهابط
الأنوار الإلهية
ومجالي
إشراقات
لمعان الصفات
الفعلية ،
ونسبتها إلى
فعل الله عز
وجل وظهور
التوحيد له
نسبة الحديدة
المحماة
بالنار أي
النار
الظاهرة في
الحديدة وليس
فيها إلا صرف
ظهور النار
ولك أن تقول
أنها هي النار
ولك أن تقول
أنها غيرها لا
فرق بينها
وبين النار
إلا أنها أثر
النار وحدثها
ودليلها
وصفتها حكمها
حكمها وأمرها
أمرها ،
والكينونة
الثانية هي
التي من نفسه
وهي متعلق
الجعل
الثانوي
العرضي لم يتعلق
بها غرض بوجه
غير إظهار تلك
الكينونة وشأنها
شأن مقدمة
الواجب
ونسبتها إلى
الأولى كالظل
خلف الجدار
بالنسبة إلى
النور الذي في
وجه الجدار
وهذه هي
الإنية
والماهية
والتي تشير
بها إليك
وتقول أنا
وبها يمتاز
أهل السلسلة
العرضية
بعضها عن بعض
وهي منشأ
الكثرات و
مبدأ الاختلافات
ومحل الروابط
والإضافات
وتعدد الجهات
، والكينونة
الأولى جهة
الوحدة
والبساطة والنورانية
هي كظهور ربها
لا يشوبها صفة
من الصفات
الخلقية وحال
من أحوالهم
وإضافة من
إضافاتهم هي
كالسراج
الوهاج لكن
باعتبار
اقترانها
بالكينونة
الثانية
تكثّرت
ظهوراتها
وتعددت
جهاتها , فكل
الكمالات
المتشتتة في
كل مقامات
الشيء
ودرجاتها
ومراتبها
فإنما هي كلها
ظهورات تلك
اللطفية
الإلهيه
والكينونة
الحقية وكل الكمالات
والصفات فيها
شيء واحد
بذاته مصداق
كل الصفات وكل
واحد منها
هناك عين
الآخر ، وتلك
الكينونة هي
لله سبحانه إذ
كل ما سواه
منقطع لديـها
باطل عندها ،
فرجوع الأمر
إلى الله رجوع
الأعداد كلها
إلى الواحد
______________
1 هود 123 2
الشورى 53 3
البقرة 156
ورجوع
الواحد إلى
الأحد وجذب
الأحد بظهوره
كل صفات
الواحد
وفناؤها عند
ظهوره
وبطلانها عند
سطوع نوره ،
والأحد هوتلك
الكينونة
الأولية ،
ومنشأ كثرات
الأعداد هي
الكينونة
الثانية ،
فالواحد الذي
هو نور الأحد
وظهوره عادّ
العدد وترجع
كلها إليه , وكذلك
الأحوال
الخلقية
والإضافات
الحقيقية كلها
تفنى وتعدم
عند ظهور تلك
الحقيقة وهي
ظهور الله
سبحانه له به
، فرجعت
الكثرات كلها
إلى الوحدة
الحقيقية عند
كشف السبحات
وهتك الستر
ومحو الموهوم
وإطفاء
السراج فيظهر
هناك الجلال
والسر
والمعلوم
والنور الذي
أشرق من صبح الأزل
فيلوح على
هياكل
التوحيد
آثاره ، وهذا
الرجوع في
الجزئي
والكلي أي
العالم
الأكبر والعالم
الأصغر موجود
، والرجوع في
كل حال من أحوالهما
متحقق إلا أنه
يكون له ظهور
غالب ، ففي
الجزئي حين
موته لا بعد
إذ مات بالموت
الطبيعي أو
بغيره
المتحقق
بإزهاق الروح
وهو في تلك
الحالة لم
يشعر بشيء
أبدا وكذلك
عند دخوله في
النوم فإن
هناك أيضا
ظهور تلك
الوحدة وكذلك
عند خروجه منه
إلا أن في هذه
الأحوال لم تشعر
بتلك الوحدة
ولم تنظر إلى
تلك الكينونة
لأنه لم يكن
باختياره
ظاهرا ، كما
أنك كثيرا ما ترى
مطلوبك و
محبوبك وما
تعرفه أنه هو
فإذا رأيته
وأنت تعرفه
فهناك بلوغ
الآمال ومنتهى
الوصال وهذه
المعرفة
والرؤية إنما
تحصل في
الدنيا إذا
امتثل قوله
تعالى
{فَتُوبُواْ إِلَى
بَارِئِكُمْ
فَاقْتُلُواْ
أَنفُسَكُمْ
ذَلِكُمْ
خَيْرٌ
لَّكُمْ
عِندَ بَارِئِكُمْ
فَتَابَ
عَلَيْكُمْ
إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}1 وقوله
تعالى {وَلاَ
يَلْتَفِتْ
مِنكُمْ أَحَدٌ
وَامْضُواْ
حَيْثُ
تُؤْمَرُونَ}2 وقوله
عليه السلام ((
موتوا قبل أن
تموتوا ))3 فهناك
يظهر له معنى
قوله تعالى {
إِنَّا
لِلّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ
رَاجِعونَ }4 .
وأما
في الكلي
فتظهر تلك
الكينونة
الباقية عند
فناء كل شيء
واضمحلاله
ورجوع الأمر
إليها الذي هو
عين الرجوع
إلى الله
سبحانه
{وَنُفِخَ فِي
الصُّورِ
فَصَعِقَ مَن
فِي
السَّمَاوَاتِ
وَمَن فِي
الْأَرْضِ
إِلَّا مَن
شَاء
اللَّهُ}5
وذلك هي تلك
الكينونة
التي خاطب
الله سبحانه
آدم عليه
السلام (( يا
آدم روحك من
روحي
وطبيعـتك من
خلاف كينونتي
))6 فـهنـاك
____________________
1البقرة
54 2
الحجر 65
3 البحار 72/59 ح 1
4 البقرة
155-156 5
الزمر 68
6 علل الشرائع
10
جذب
الأحدية لصفة
التوحيد
تكوينا كما
كان تشريعا ،
فهناك يسأل
الله عز وجل أين
الجبارون أين
الذين يأكلون
رزقي ويعبدون
غيري لمن
الملك اليوم
لله الواحد
القهار فتجيب
تلك الكينونة
وتقول للواحد
القهار وذلك
كما تقرأ
القرآن
وتقول {يَا
أَيُّهَا
الَّذِينَ
آمَنُواْ} ثم
تقول لبيك اللهم
لبيك وهذا
معنى قولهم
عليه السلام ((
نحن السائلون
ونحن
المجيبون ))
فافهم .
ولهذا
الرجوع معنى
آخر إلا أنه
قريب من
المعنى الأول
، وهو أن الله
عز وجل لما
جعل هذه الدار
الدنيا دار
التكليف ،
والتكليف يستلزم
أن يمزج
سبحانه في
بنية
المكلفين بعض
الغرائب
والأعراض
الخارجة
لتمنعه عن
مشاهدة ملكوت
السموات
والأرض في أول
المرّة إلا
بعد التصفـية
لـئـلا يلزم
الإلجاء
والاضطرار
وهو قوله عـز
وجل {إِنَّ
السَّاعَةَ
ءاَتِيَةٌ
أَكَادُ أُخْفِيهَا
لِتُجْزَى
كُلُّ نَفْسٍ
بِمَا تَسْعَى}1 وتلك
الغرائب
والأعراض
وغفلته
والنظر إلى نفسه
تمنعه عن
التبصر
والاستبصار
بأن لا مؤثر
إلا الله ولا
مالك إلا هو
ولا مدبر غيره
ولا متصرف
سواه بل ينظر
إلى الأسباب
فيستدل عليه ذلك
الباب فيراها
مستقلة وهذه
الرؤيا تختلف
بحسب مراتب
الرّائين
فيها وجهات
الإنيات التي
يلاحظونها
وذكرها يحتاج
إلى بسط طويل
ولسنا بصدده ،
فإذا ماتوا
انتبهوا
ورأوا أن
الأمور كلها
بيد الله
وراجعة إليه
ومطيعة لأمره
ونهيه
ومنزجرة
لإرادته ،
فهناك يظهر
لهم رجوع الأمر
كله إلى الله
، ولذا استحب
إذا مات الإنسان
يقول الأحياء
إنا لله وإنا
إليه راجعون
فإن الله
سبحانه في
الدنيا ابتلى
بعضهم ببعض وعاملهم
بالأسباب
الجزئية
وأظهر لهم عن
أمره حسب ما
يظنون فإذا
ماتوا بدا لهم
من الله ما لم
يكونوا
يحتسبون .
هذا
معنى الإنابة
إلى الله
سبحانه وتفصيلها
في التكوين
والتشريع مما
يطول به الكلام
والإشارة
لأهلها كافية
شافية
ومولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام
حامل ظهورات
هذه المعاني
كلها لا يظهر
في الكون
والوجود معنى
منها إلا به ، أما المعنى
الأول فهو
إنما حصل عند
ظهور الرحمن على
العرش
واستوائه
عليه وإعطائه
كل ذي حق حقه وسوقه
إلى كل مخلوق
رزقه وقد بينا
ونبين إنشاء
الله أن
الرحمانية هي
الرحمة
الواسعة التي وسعت
كل شيء وهي
ــــــــــــــــ
1 طه 15
الولاية
المطلقة
الظاهرة
بالتدبر
والتصرف في كل
ذرة من ذرات
الوجود من
الأزل إلى
الأبد إلى
الأزل الذي هو
عين ذلك الأبد
، وأمير
المؤمنين
عليه السلام
هوحامل
الولاية
المطلقة ولذا قال
عليه السلام ((
لا يخطو ملك
خطوة إلا
بإذني وأمري ))
كما في حديث البساط
والملائكة هي
مظاهر
التدبير ،
فرجوع الخلق
إلى الله سبحانه
في كل أطوارهم
وأحوالهم
وأرزاقهم
وآجالهم
وسائر
مقتضياتهم
إلى الله
سبحانه عين
الرجوع إلى
علي عليه
السلام لأن
تلك القيومية
المحيطة
القهّارية
لكل شيء إنما
ظهرت في علي
عليه السلام
بل هي عينه
عليه السلام
فولايته عين
ولاية الله
قال تعالى
{وَالسَّمَاء
بَنَيْنَاهَا
بِأَيْدٍ
وَإِنَّا
لَمُوسِعُونَ}1
والأيدي هو
محمد وعلي
والطيبون من
أولادهما سلام
الله عليهم
_________________
1
الذاريات 47
وهم
أربعة عشر
بعدد يد وقال
عز وجل {بَلْ
يَدَاهُ
مَبْسُوطَتَانِ
يُنفِقُ
كَيْفَ
يَشَاء}1 وعلي
عليه السلام هواليد
الباسطة
بالنعم على كل
الأمم وقال مولانا
الصادق
عليه السلام على ما في
التوحيد في
الله أن ((
الألف آلاء
الله على خلقه
من النعيم
بولايتنا
واللام إلزام الله
خلقه ولايتنا
والهاء هوان
لمن خالف محمدا
وآل محمد ))2 ، فكانوا
مظاهر
التقدير
والتدبير
فعنهم بدأت الأشياء
وإليهم تعود،
ومثالهم
عليهم السلام كالسراج
فإنه يد النار
وقيّوميتها
للأشعة فبدء
الأشعة من
السراج
وعودها في كل
أحوالها على
ما فصلت سابقا
إلى السراج
ورجوع الأشعة
إلى السراج
عين الرجوع
إلى النار إذ
ليس للنار باب
إلى الأشعة
وللأشعة باب
إلى النار سوى
السراج فالأشعة
هي واقفة بباب
النار الذي
هوالسراج والفقراء
اللائذة
بجنابها، وهو
هو ولذا قال
عليه السلام (( إن إلينا
إياب هذا
الخلق ثم إن
علينا حسابهم
))3 وقد
ذكر شيخنا
وأستاذنا
أطال الله بقاءه
في بيان إياب
الخلق إليهم
عليهم السلام كلاما
شريفا مشتملا
على أسرار
شريفة أحببت أن
أورده هـنا
بلفظه الشريف
تيمنا وتبركا
.
قال
أطال الله
بقاءه ( أقول
قد تقرر في أدلة
الكتاب
والسنة في
بواطن
التفسير وفي
دليل الحكمة
أن الله
سبحانه لا
يجري أفعاله
في المفعولات
إلا على ما هي
عليه مما
ينبغي لها
ويمكن فيها
حين كونها
وذلك لا يجري
على جهة قسرها
بل تكون في
تكوينه لها
مختارة ،
ويلزم من ذلك
أن أفعالها
تصدر عنها على
جهة الاختيار
وما تراه في
بعضها من
الاضطرار أو الجبْل
بسكون الباء
فهو ما يظهر
لك في بادئ الرأي
ولو نظرت
بالعين
الحديدة ظهر
لك أنه ليس في
شيء من
الموجودات
قسر أصلا بل
كلها على
الاختيار في
صنع الله
تعالى لها وفي
صنعها
لأفعالها وما
يصدر عنها
وذلك شيء تكون
به وتكون فيه
وليست شيئا
قبل بدئها
وأول ذكرها
وهو سبحانه
ذكرها
بالاختيار ،
وإذا أردت
معرفة كونها
مختارة في كل
حال فعليك بما
كتبناه في
الفوائد
فاطلبه لتعرف
حقيقة ما
ذكرنا ، ثم أنه
جل وعلا نزلها
من منازل
ذكرها الأول
في مراتب
التكوين على
حسب قبولها من
عطائه لم تعدم
في جميع
أحوالها
أوامره
_______________
1
المائدة 64 2
التوحيد 23 3
تفسير فرات 551
بما
فيه نجاتها
ونواهيه عما
فيه هلاكها
وهي كما كانت
مختارة في
نفسها لأنها
صنع المختار
بالصنع
الاختياري ،
كذلك أفعالها
مختارة في
نفسها وفي
تعلقاتها لأنها
صنع
المختارين
بالصنع
الاختياري ،
ولما كان
الشيء
المختار إذا
لم يمنعه مانع
من مقتضى اختياره
لا يميل إلا
إلى ما يلائمه
، وكان لا
يلائم الشيء
إلا ما كان
أحدهما من
الآخر أو لازما
له أو متقوّما
به أو مستمدا
منه و مستعينا
به وكان كل ما
سواهم
عليهم السلام من سائر
الخلق إما
لازما لهم
متقوما بهم
مستمدا من فضل
خيرهم
مستغنيا بهم
أو متقوما
باللازم لهم
لازما له
كسائر
أعدائهم
فإنهم ما وجدوا
إلا بفاضل
وجود شيعتهم
من جهة
شمائلهم ، وجب
في الحكمة
رجوع الخلق
إليهم كل واحد
من الخلق يرجع
بحكم التمكين
والاختيار
إلى مبدئه
منهم عليهم
السلام ، ولما
ثبت بالدليل
كما أشرنا إليه
فيما تقدم وقد
يأتي أن
المخلوق من
حين ذكره
الأول الذي هو
مبدأ شيئيته
إلى أن يعود إليه
محتاج في
بقائه إلى
المدد وفي
جميع تلك المراتب
في كل ذرة
وحال هو مكلف
محصور
بالأوامر
والنواهي في
غيبته
وشهادته ،
وبينا سابقا أن
كل ذرة في
الوجود
التكويني
والتشريعي
إنما يوجدها
الله سبحانه
عنهم ولهم وقد
أنهى علمها
إليهم في كل
شيء من
الموجودين ،
وقد جعلهم
سبحانه
مانّين لكل ما
شاء أي
مقدّرين كما
تقدم عند ذكر
بعض دعاء شهر
رجب في بيان ((
ومناة وأذواد
)) وجب في
الحكمة
الإلهية أن
يكون حسابهم عليهم
وهذا بحمد
الله لمن وفقه
الله لفهم ما
كشفنا له من
السر واضح ليس
عليه غبار بل
ضروري لأولي
الأبصار
الذين يفرقون
بتوفيق الله
بين الليل
والنهار وذلك
لبيانهم لهذا المعنى
في أحاديثهم
في بواطنها
وفي ظواهرها )1
انتهى كلامه
أعلى الله
مقامه .
وأما
أمير
المؤمنين
عليه السلام فهو
عليه السلام لما كان
أميرهم
وكبيرهم
ورئيسهم
وفخرهم وسيدهم
عليهم السلام كان
هوالأصل
لأنهم عليهم
السلام تفرّعوا
عنه كتفرع
الأغصان من
الأصل وتفرع الحروف
من الألف ،
وأصل الولاية
هو عليه
السلام ونسبتهم
إليه كنسبته
إلى رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم نسب
الإنابه إلى
نفسه الشريفة
دونهم فقال عليه
السلام ((
أنيبوا
___________________
1 شرح
الزيارة
الجامعة الكبيرة
2/157 - 158
إليّ ))
إنما لم ينسب
إلى محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم مع أنه
أقدم وأشرف
لما ذكرنا
سابقا من أن
مقامه صلى
الله عليه
وآله وسلم مقام
الربوبية إذ
مربوب ذكرا
وإمكانا
ومقام أمير
المؤمنين
عليه السلام مقام
الربوبية إذ
مربوب عينا
وكونا ،
والأشياء في
مقام تفصيلها
وانبساطها
ترجع إلى
مبادئها
الخاصة بها من
وجوه ذلك
المبدء الكلي
الذي هوأمير
المؤمنين
عليه السلام .
وأما
المعنى
الثاني فاعلم
أن تلك اللطيفة
الإلهية التي
هي جهة العبد
من ربه هي مثال
جزئي قد اشتق
من المثل
الأعلى
كاشتقاق النور
من المنير
والمصدر من
الفعل فهو
متقوم بذلك
المثل الكلي و
متحقق به
وراجع إليه
رجوع الأشعة
إلى الشمس إما
على فنائها
عند ظهورها أو
فقرها واضمحلالها
عندها
واستمدادها
منها وكلا
المعنيين
مرادان ، وهذه
الكينونة وإن
كانت مثالا للحق
سبحانه في
الجزئي إلا
أنه معمول
للفعل كالفاعل
في قولك ضرب
زيد عمروا
فإنّ زيدا
فاعل مع أنه
معمول ومفعول
ومتأثر من ضرب
، فالمثل الأعلى
بمنـزلة ضرب
لا لكونه مثلا
بل لكونه فعلا
وتلك اللطيفة
بمنـزلة ضارب
من حيث أنه
مثال ، وإذا
اعتبرت
المثالية
المحضة في
المثل الأعلى
يكون المثل
الأعلى
بمنـزلة قولك
ضربت ضربا
فالمثل
الأعلى هو
ضربت وهذه
اللطيفة الجزئية
كقولك ضربا
الذي في قوة
ضربت تأكيدا
لضربت الأول
فيكون ضربت
الثاني
المتحصل من
ضربا مثال
المثال وآية
الآية ودليل
الدليل وشبح الشبح
كالمرآة
الثانية
بالنسبة إلى
المرآة الأولى
فافهم ، وقد
دل العقل
والنقل أنّ آل
محمدعليهم
السلام هم
الأمثال
العليا
والأسماء الحسنى
، وعلي
عليه السلام هو المثل
الأعلى من
الأسماء
الحسنى
والصفات العليا
فيكون
هوالمقامات
والعلامات
التي لا
تعـطيل لها في
كل مكان وكلما
في الخلق من
المظاهر
والمجالي
فكلها
متـقومة بتلك
المقامات قال
أمير
المؤمنين
عليه السلام (( نحن
الأعراف الذي
لا يعرف الله إلا بسبيل
معرفتنا ))1 أي
بمعرفتنا
ولذا قالوا
عليهم السلام (( لولانا
ما عـرف
ولولانا ما
عبد الله )) وفي
الـزيارة (( من
أراد الله بدء
بكم ومن وحده
قبل عنكم ومن
قصده توجه
إليكم ))2 فافهم
إنشاء الله .
_________________
1
الكافي 1/184 ح 9 2
الزيارة
الجامعة
الكبيرة
وأما
المعنى
الثالث فعلي
عليه السلام هوسلطان
الآخرة وإليه
وإلى الطيبين
من أولاده
يرجع أمر
الخلق في دار
الآخرة ، فهم
وإن كانوا
ملوكا في
الدنيا
والآخرة إلا
أنّ السلطنة
إنما تظهر في
الآخرة لا في
الدنيا لما
ذكرنا ، ففي
الكافي عن
مولانا الباقر
عليه
السلام (( إذا كان
يوم القيامة
جمع الله عز
وجل الأولين والآخرين
لفصل الخطاب
دعى رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم ودعى
أمير
المؤمنين عليه
السلام فيكسى
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم حلة
خضراء تضيء ما
بين المشرق
والمغرب
ويكسى علي
عليه السلام
مثلها ، ويكسى
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم حلة
وردية يضيء
لها ما بين
المشرق
والمغرب ويكسى
علي عليه
السلام مثلها
، ثم يصعدان
عندها ثم يدعى
بنا فيدفع
إلينا حساب
الناس فنحن
والله ندخل
أهل الجنة
الجنة وأهل
النار
النار ))1 .
وعن
الكاظم عليه
السلام ((
إلينا إياب هذا
الخلق وعلينا
حسابهم فما
كان لهم من
ذنب بينهم
وبين الله عز
وجل حتمنا على
الله في تركه
لنا فأجابنا
إلى ذلك، وما
كان بينهم
وبين الناس
استوهبناه
منهم وأجابوا
إلى ذلك
وعوضهم الله
عز وجل ))2 .
وفي
المناقب عن
الصادق عليه
السلام قال ((
إذا كان يوم
القيامة
وكّلنا الله
تعالى بحساب
شيعتنا فما
كان لله سألنا
الله أن يهبه
لنا، وما كان
لنا نهبه لهم ))3 .
وروى
في المناقب
أبوالحسن
محمد بن أحمد
بن علي بن
الحسين بن
شاذان في
كتابه الذي جمع
فيه مائة
فضيلة و منقبة
لأهل البيت
عليه السلام كلها من
طرق العامة
بإسناده إلى
الحارث وسعيد
بن قيس عن علي
بن أبي طالب
عليه السلام
قال : قال رسول
الله صلى
الله عليه
وآله وسلم (( أنا
واردكم على
الحوض وأنت يا
علي عليه
السلام الساقي
والحسن عليه
السلام الرائد
والحسين عليه
السلام الآمر
وعلي بن
الحسين عليه
السلام الفارط
ومحمد
_______________
1
الكافي 8/156 ح 154 2
الكافي 8/162 ح 167 3 المناقب
2/153
بن
علي عليه
السلام الناشر
وجعفر بن محمد
عليه
السلام السابق و
موسى بن
جعفر عليه
السلام محصي
المحبين
والمبغضين
وقامع
المنافقين
وعلي بن موسى
الرضا عليه
السلام مزين
المؤمنين
ومحمد بن علي عليه
السلام منـزل أهل
الجنة في
درجاتهم وعلي
بن محمد
عليه السلام خطيب
شيعتهم و
مزوجهم الحور
والحسن بن علي
عليه السلام سراج أهل
الجنة
يستضيئون به
والهادي
المهدي شفيعهم
يوم القيامة
حيث لا يأذن
إلا لمن يشاء
ويرضى ))1 .
وأيضا
بإسناده قال
حدثنا محمد بن
عبد الله بن
عمر بن الخطاب
قال قال رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم لعلي بن
أبي طالب عليه
السلام (( يا
علي أنت نذير
أمتي وأنت
هاديها والحسن
عليه السلام
قائدها
والحسين عليه
السلام
سائقها وعلي
بن الحسين
عليه السلام
جامعها و محمد
بن علي عليه
السلام
عارفها وجعفر
بن محمد عليه
السلام
كاتبها وموسى
بن جعفر عليه
السلام
محصيها وعلي
بن موسى عليه
السلام
معبّرها و
منجيها وطارد
مبغضيها
ومدني مؤمنيها
و محمد بن علي
عليه السلام
قائدها وساقيها
وعلي ابن محمد
عليه السلام
سائرها وعالمها
والحسن بن علي
عليه السلام
ناديها و معطيها
والقائم
الخلف عليه
السلام
ساقيها و ناشدها
وشاهدها إن في
ذلك لآيات
للمؤمنين
))2 .
والأخبار
المذكورة
والتي نذكرها
إنشاء الله
فيما بعد
صريحة في أنهم
عليهم السلام أولياء
الخلق إيابا
وابتداء وقـد
قال تعالى إشارة
إلى اتحاد حكم
__________________
2,1
المناقب 1/292
البدء
والعود
{كَمَا
بَدَأَكُمْ
تَعُودُونَ}1
وعلي عليه
السلام في كل
حال من
الأحوال له
الرئاسة
والسلطنة
والمكنة
والاقـتدار
فقوله عليه
السلام (( أنيبوا
إلي شيعتي )) هو
قوله تعالى
{وَأَنِيبُوا
إِلَى
رَبِّكُمْ
وَأَسْلِمُوا
لَهُ}2
وقـوله تعالى
{ذَلِكَ
بِأَنَّ
اللَّهَ هُوَ
الْحَقُّ
وَأَنَّ مَا
يَدْعُونَ
مِن دُونِهِ
هُوَ الْبَاطِلُ
وَأَنَّ
اللَّهَ هُوَ
الْعَلِيُّ
الْكَبِيرُ}3 .
وإنما
قال عليه السلام
(( أنيبوا إلي ))
مع أن الخلق
كلهم منيبون
إليه لا يخالف
أحد منهم
محبته
{وَتَحْسَبُهُمْ
أَيْقَاظًا
وَهُمْ
رُقُودٌ
وَنُقَلِّبُهُمْ
ذَاتَ
الْيَمِينِ
وَذَاتَ
الشِّمَالِ}4
تبعا لقوله
تعالى
{وَأَنِيبُوا
إِلَى
رَبِّكُمْ
وَأَسْلِمُوا
لَهُ} وإنما
قال الله ذلك لـدعوتهم
ليقابلوا
فـوّارة
النور ليفور
عليهم من
أنـوار القدس
ما
__________________
1
الأعراف 29 2 الزمر
54 3
الحج 62
4
الكهف 18
يشغلهم
عن أنفسهم
ولذا قال عز
وجل {تُوبُوا
إِلَى
اللَّهِ
تَوْبَةً
نَّصُوحًا}1
وقال عز وجل {إِنَّ
اللّهَ
يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ
وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ}2
فإن الطهارة
هي المحبة في ((
أحببت أن أعرف
)) وتلك لم تحصل
إلا بالتوبة
وهي الرجوع ،
فإن الرجوع
والإنابة على
قسمين إنابة
على مقتضى
المشيئة
الحتمية ولا يتخلف
عنها أحد من
الخلق {وَمَا
تَشَاؤُونَ إِلَّا
أَن يَشَاء
اللَّهُ
رَبُّ
الْعَالَمِينَ}3
{أَمْ حَسِبَ
الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ
أَن
يَسْبِقُونَا
سَاء مَا يَحْكُمُونَ}4 وهي إنما
ظهرت على باب
مدينة الحكمة
وسور بلد
المعرفة
بظاهر الباب
وباطنه قـال
عز وجل {فَضُرِبَ
بَيْنَهُم
بِسُورٍ
لَّهُ بَابٌ
بَاطِنُهُ
فِيهِ
الرَّحْمَةُ
وَظَاهِرُهُ
مِن قِبَلِهِ
الْعَذَابُ }5 .
والإنابة
الثانية هي
الإنابة على
مقتضى
المشيئة
العزمية وهي
المحبة
الأصلية المقصودة
لـذاتها
المستدعية
للـتكليف ،
ويراد بهذه
الإنابة
الرجوع إليه
والتمسك
بحـبله كما
قـال تعالى {وَاعْتَصِمُواْ
بِحَبْلِ
اللّهِ
جَمِيعًا
وَلاَ
___________________
1
التحريم 8 2
البقرة 222 3
التكوير 29
4
العنكبوت 4 5
الحديد 13
تَفَرَّقُواْ
وَاذْكُرُواْ}1
والاعتصام بالعروة
الوثقى التي
لا انفصام لها
بالكفر
بالطاغوت
والإيمان
بالله ليخرجه
الله تعالى من
الظلمات إلى
النور ولذا
خصّصها بالشيعة
فقوله عليه
السلام ((
أنيبوا إلي ))
هو قوله تعالى
{وَأَنِيبُوا
إِلَى
رَبِّكُمْ}2 و {
وأن استغفروا
ربكم ثم توبوا
إليه }3
وقوله {
وَأَنِيبُوا
إِلَى
رَبِّكُمْ }4
هو معنى قوله
عليه السلام ((
أنيبوا
إلي )) وكيفية
هذه الإنابة
زائدا على ما
ذكرنا نذكره
فيما بعد
إنشاء الله .
وأما
الشيعة فإنها
إما مشتقة من
الشعاع أو من
المشايعة
والأمران
مرادان و
مآلهما إلى
واحد، وقال
عليه السلام ((
إنما سموا شيعة
لأنهم خلقوا
من شعاع نورنا
))5 ، ومنه قول
الحجة عليه
السلام (( اللهم
إنّ شيعتنا
منا خلقوا من
فاضل طينتنا وعجنوا
بماء ولايتنا
))6 الدعاء ،
فإنّ الشعاع هو
من فاضل طينة
السراج ولا شك
في أن الشعاع
تابع للسراج
المنير
بتبعية
تكوينية
وتشريعية اختيارية
غير
اضطرارية، إذ
الشعاع صفة
والصفة
بذاتها
وطبعها مائلة
إلى الموصوف
غير مفارقة
عنه ومقترنة
به في مقام
ميلها إليه ،
ونسبة الشعاع
إلى المنير
كنسبة القائم
إلى زيد والصورة
في المرآة إلى
المقابل ، وقد
ظهر مما قررنا
أنّ محمدا صلى
الله عليه
وآله وسلم
وآله عليهم
السلام
اتخذهم الله
أعضادا لخلقه
مطلقا في كل
عالم من
العوالم
التكوينية
والتشريعية ،
وعضد الشيء
إنما هو مادته
وصورته إذ بهما
قوام الشيء
فلو فقدت
إحداهما فقد
الشيء وفنى ،
فالعضد القوي
إنما هو هما
لا غيرهما وإن
كانت المادة
أقوى من
الصورة وقد
قررنا سابقا أن
مواد
الكائنات
كلها من نور
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم وصورها
كلها من نور
مولانا علي
عليه السلام
والطيبين من
أولاده عليهم
السلام ،
فالأخيار
موادهم من
موافقة محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
وصورهم من
موافقة علي
عليه السلام ،
والأشرار
موادهم من
مخالفة محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
وصورهم من
مخالفة علي
عليه السلام ،
فالأشرار
أظلال وعكوس
للأخيار
متقومون بهم
فهم لوازم
ذواتهم
والمجموع من
الأمرين
متقوم بهما
عليهما
السلام كالسراج
المتقوم به
النور والظل
وإليـه
________________
1 آل
عمران 103
2 الزمر 54 3 هود 3
4
الزمر 54
5 البحار 25/23 ح 39 6
البحار 53/303
الإشارة
بقوله عز وجل {كُلاًّ
نُّمِدُّ
هَؤُلاء
وَهَؤُلاء
مِنْ عَطَاء
رَبِّكَ
وَمَا كَانَ
عَطَاء
رَبِّكَ مَحْظُورًا}1 فمقام
التضاد في
رتبة الشعاع ،
وأما في رتبة
المنير فلا
تضاد ولا
تناقض ولا
تعارض ولا
تمانع ، فلا
يقال أن الظل
ضد للشمس كيف
وإنما هو
والنور
نسبتهما إلى الشمس
في التقوم
متساويان إلا
أن النور جهة
موافقتها
ومقصود لها
بالذات ،
والظل جهة
مخالفتها
ومقصود
بالعرض ،
فلوقيل لهذا
المعنى ضد يلزم
أن يكون لله
سبحانه
وتعالى أيضا
ضدّا تعالى
الله عن ذلك
علوا كبيرا ،
فإن الطاعة جهة
موافقته و
محبته
والمعصية جهة
مخالفته لكن
الأمرين ما
يتحققان إلا
بسبعة بمشيئة
وإرادة وقدر
وقضاء وإذن
وأجل وكتاب
فمن زعم أنه
يقدر على نقض
واحدة فقد
أشرك ، وقد
علمت وستعلم أن
محمدا صلى
الله عليه
وآله وسلم
وآله عليهم السلام
محال مشيئة
الله وحملة
قدرته وألسنة
إرادته
وتراجمة وحيه
وأركان
توحيده ، فهم
العلة
الفاعلية
فليس لهم
حينئذ شعاع
وإنما هو في
مقام أنهم
أبواب
الإفاضة
والاستفاضة ،
وهم في ذلك
المقام العلة
المادية
والصورية للأشياء
كلها على ما
قال الإمام
الصادق عليه
السلام (( إن
الله خلق
المؤمنين من
نوره وصبغهم في
رحمته
فالمؤمن أخ
المؤمن لأبيه
وأمه أبوه النور
وأمه الرحمة ))1
ولا شك أن هذا
النور والرحمة
ليسا عين
الذات الحق
سبحانه فكانا
مخلوقين و ما
خلق الله
سبحانه خلقا
قبل محمد وعلي
والطيبين من
أولادهما
عليهم السلام
ولا يصح أن
يكون النور
الذي خلق
المؤمن عنه
هوعين ذاتهم
فتكون ذواتهم
كالبحر
والخلق
كالموج أو
كالخشبة
والخلق
كالسرير
والباب مثلا
فإن ذلك كفر
بالله وزندقة
عظيمة ، فيجب
أن يكون ذلك
النور عن شعاع
أنوارهم
وظهور آثارهم
وكذلك الرحمة
، ولما كانت
الرحمة هي
الواسعة
المعطية كل ذي
حق حقه وهي
مبدأ
الاختلاف
والتمايز والكثرات
وكان مولانا
علي عليه
السلام هو
مبدأ الاختلاف
ومحله ومنشؤه
وهو النبأ
العظيم الذي
هم فيه
مختلفون وعنه
يسألون وعليه
يعرضون ،
فكانت الرحمة
التي هي العلة
الصورية من
نور علي عليه
السلام ،
فبالنور
والرحمة
تحققت الأشياء
وتذوتت
وتأصلت،
والمادة هي
الأب وهي النور
والصورة هي
الأم وهي
الرحمة قال
رسول الله صلى
الله عليه
___________________
1
بصائر
الدرجات 80
وآله
وسلم (( أنا
وعلي أبوا هذه
الأمة ))1 أي أمة
الدعوة ، فإذا
كان كذلك
فكلما برأه
الله وذرءه من
شعاع أشعة
أنوارهم
وعكوسات
آثارهم فالظل
متقوم بنفس
النور من حيث
هو نور والنور
متقوم بهم
عليهم السلام
، فكل شيء في
الوجود
المقيد واقف
بباب فيضهم
ولائذ بمسألة
فقرهم
بجنابهم قال
الحجة
المنتظر عجل
الله فرجه ((
فما شيء منه
إلا وأنتم له
السبب وإليه
السبيل خياره
لوليكم نعمة
وانتقامه من عدوكم
سخطة فلا نجاة
ولا مفزع إلا
أنتم ولا مذهب
عنكم ياأعين
الله الناظرة
وحملة معرفته
و مساكن
توحيده في
أرضه وسمائه
))2 .
إلا
أن الأشياء
على قسمين نور
وظلمة ,
فالنور هو جهة
موافقتهم
ومتابعتهم
فهوالشيعة
والشعاع {
فَمَن
تَبِعَنِي
فَإِنَّهُ
مِنِّي}3 ، والظلمة
جهة المخالفة
والعداوة
والبغضاء وهي
العدوّ وأهل
البغض ،
فالظلمة
والمتكونون
فيها لا
يميلون إلى
النور أبدا ،
والنور
والمستنيرون
به لا يميلون
إلى الظلمة
أبدا ، فيسير
هؤلاء صاعدين
إلى نقطة
وجههم من
مبدئهم ويسير أولئك
هابطين إلى
نقطة وجههم من
مبدئهم من الظلمة
، وسير هؤلاء
على التوالي
وسير أولئك على
خلاف التوالي
ولا وقوف لهذا
السير أبدا ، ولكن
الله سبحانه
قارن بين
النور
والظلمة لكمال
قدرته وليعلم
أن لا ضد له ،
فصار المتحصل من
هذا القران
على أقسام ،
قسم بقوا على
صرافة
نورانيتهم
وصفاء طويتهم
لم تكدرهم
الظلمات ولم
تنجسهم درن
الجهالات
فبقوا على ما
هم عليه من
الصفاء
والنورانية
وهؤلاء هم
الأنبياء
والمرسلون
والملائكة
المقربون
والمعصومون
المطهرون
المنـزهون
فصاروا لا
يعصون ولا
يغفلون فحكوا
المثال
وبلغوا
الوصال حتى قال
فيهم ولي
الملك
المتعال (( أنا
آدم أنا نوح أنا
إبراهيم أنا
موسى أنا عيسى
)) لأنهم أمثلة
وأشعة ما غيرت
مرايا
قوابلهم
إياها فبقيت
تحكي الممثل
هو هو
بالحكاية
الواضحة ،
كصورتك إذا ظهرت
في المرآة
المستقيمة
تحكي مثالك من
غير تغيير
فتجري أحوالك
كلها عليها
وكلها صحيحة ،
ولذا قال عز
وجل إشارة إلى
عيسى بن مريم
لما قال
المنافقون إن
محمدا صلى
الله عليه
وآله وسلم
يـبالغ في مدح
ابن عمه حتى
يريد أنا نعبده
_______________
1 علل
الشرائع 127 2
البحار 94/36 ح 23
3
إبراهيم 36
كما
عبدت النصارى
عيسى بن مريم
وذلك حين قال
صلى الله عليه
وآله وسلم ما
معناه ( إن
لأخي فضائل لو
بينتها لكم
لقلتم فيه كما
قالت النصارى في
عيسى بن مريم )1 فأخبره
سبحانه عما
أسرّ
المنافقون {*وَلَمَّا
ضُرِبَ ابْنُ
مَرْيَمَ
مَثَلًا إِذَا
قَوْمُكَ
مِنْهُ
يَصِدُّونَ * وَقَالُوا
أَآلِهَتُنَا
خَيْرٌ أَمْ
هُوَ مَا
ضَرَبُوهُ
لَكَ إِلَّا
____________________
1 ذكر
المصنف هذه
الرواية
بالمعنى ونحن نذكرها
هنا بالنص
تيمنا وتبركا
ففي أمالي الصدوق
ص 96 قال رسول
الله صلى الله
عليه وآله ((
لولا أن تقول
فيك طوائف من
أمتي ما قالت
النصارى للمسيح
عيسى بن مريم
لقلت اليوم
قولا لا تمر بملإ
إلا أخذوا
التراب من تحت
رجليك ومن فضل
طهورك
يستشفوا به ,
ولكن حسبك أن
تكون مني وأنا
منك ترثني
وأرثك , وإنك
مني بمنزلة هارون
من موسى إلا
أنه لا نبـي
بعدي ))
والحديث طويل
أخذنا منه
مقدار الحاجة
جَدَلًا
بَلْ هُمْ
قَوْمٌ
خَصِمُونَ}1 (
إن هو ) أي عيسى
على نبينا
وآله وعليه
السلام إلا
عبد أنعمنا
عليه وجعلناه
مثلا لبني
إسرائيل وهم
آل محمد صلى
الله عليه
وآله وسلم وفي
زيارة أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
السلام على
إسرائيل
الأمة ))2 فعيسى
عليه السلام
مثل لهم عليهم
السلام وهم في
كل ما يتعلق
بأحوال الخلق
على حد سواء ،
والمثال لا
يخالف الممثل
ولذا قال صلى
الله عليه
وآله وسلم (( من
رآهم فقد رآني
)) إذ من رأى
الصورة في
المرآة أو نور
الشمس الظاهر
في الماء
أوغيره من
الأجسام
الصيقلية فقد
رأى الشمس
لعدم ظهور
الإنية لها من
دون الشمس
ويأتي إنشاء
الله زيادة بيان
لهذا في موضعه
، فهؤلاء هم
الشيعة
الحقيقي ، بل
الشيعة
الحقيقي
المخلصون
الكروبيون
الذين جعلهم
الله خلف
العرش بحيث
لوقسم نور
واحد منهم على
أهل الأرض
لكفاهم ولما
سأل موسى ربه
ما سأل أمر
رجلا منهم
فتجلى له بقدر
سم الإبرة فدك
الجبل وخر
موسى عليه
السلام صعقا ،
فهؤلاء هم
أفاضل الشيعة
المخلصون عين المثال
ليس فيهم شوب
وشبه وربط ،
لا جهة لهم
إلا ظهور
سيدهم و
مولاهم ، وهم
الخصيصون وأخص
الخواص لا
يضطربون ولا
يتحيرون إذا
ظهر لهم سر من
أسرار آل محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم ،
والأنبياء
تحتهم ودون
مقامهم
ومرتبتهم في مقام
التشيع ولذا
قد يحصل منهم
ترك الأولى الذي
هو تقصير في
حقهم وتكاهل
عن تأدية واجب
حقهم وأمرهم ،
كآدم عليه
السلام حيث
أخبر الله
سبحانه عنه في
كتابه
{وَلَقَدْ
عَهِدْنَا إِلَى
آدَمَ مِن
قَبْلُ} في
محمد وعلي
وفاطمة
والحسن
والحسين
عليهم السلام {فَنَسِيَ
وَلَمْ
نَجِدْ لَهُ
عَزْمًا}1 ، وكأيوب
لما كان عند
الانبعاث عند
المنطق شك وبكى
وقال هذا أمر
عظيم وخطب
جسيم فأوحى
الله إليه
أتشك في صورة
أنا أقمته إني
ابتليت آدم
بالبلاء فوهبته
له بالتسليم
له بإمرة
المؤمنين
وأنت تقول خطب
جسيم وأمر
عظيم فوالله
لأذيقنك من
عذابي أو تتوب
إليّ بالطاعة
لأمير
المؤمنين ،
وكيونس {إِذ
ذَّهَبَ
مُغَاضِبًا
فَظَنَّ أَن
لَّن
نَّقْدِرَ
عَلَيْهِ
فَنَادَى فِي
الظُّلُمَاتِ
أَن لَّا
إِلَهَ
إِلَّا أَنتَ
سُبْحَانَكَ
إِنِّي كُنتُ
مِنَ
الظَّالِمِين
*
فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ
وَنَجَّيْنَاهُ
مِنَ
الْغَمِّ
وَكَذَلِكَ
نُنجِي
الْمُؤْمِنِينَ}2
وهكذا غيرهم ،
___________________
1 طه 115 2
الأنبياء 87 – 88
وما
ثبت على
ولايتهم
وطاعتهم
والقيام
بواجب حقّهم
من الأنبياء
إلا الأربعة
وهم نوح وإبراهيم
وموسى وعيسى
عليهم السلام
.
أما
نوح عليه
السلام فقد
قال الله تعالى
ووصفه فقال
{إِنَّهُ
كَانَ
عَبْدًا شَكُورًا}1
.
وأما
إبراهيم فقال
سبحانه
وتعالى فيه { *وَإِذِ
ابْتَلَى
إِبْرَاهِيمَ
رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي
جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ
إِمَامًا}2
وتلك الكلمات
هي التي لا
يجاوزهنّ بر
ولا فاجر وقال
مولانا
الكاظم عليه
السلام (( نحن
الكلمات التي
لا تدرك
فضائلها ولا
تستقصى ))3
والمراد
بالإتمام هو
القيام بحقهم
لما كلفه الله
سبحانه من
طاعتهم حتى
تسمى بذلك
خليلا بمعنى
أن الفقر إلى
الله تخلل في
كل ذرة من
ذرات وجوده
وبذلك وصل إلى
مقام الخلّة
التي هي
المحبة وهو
مقام عظيم ما
نال ذلك إلا
بالتثبت في
ولايتهم
والإقرار
بفرض طاعتهم
كما قال عز
وجل { *وَإِنَّ
مِن
شِيعَتِهِ
لَإِبْرَاهِيمَ}4
، وذلك لأن
إبراهيم
عليه السلام لما أراه
الله ملكوت
السموات
والأرض رأى
الأشياء كلها
في أماكنها
وأوقاتها
ومحالّها ومراتبها
، فنظر إلى
ظهور رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم ووفاته
صلى الله عليه
وآله وسلم
واختلاف
الأوصياء
والخلفاء
المدعين ، وقد
أخبر الله
سبحانه عن
قصّته فقال عز
شأنه
{فَلَمَّا
جَنَّ
عَلَيْهِ
اللَّيْلُ} بعد
غروب شمس
النبوة
الأحمدية في
المرتبة الحتمية
وظهرت
الاختلافات
وظلمة
الشبهات وظهر
قـوله عز وجـل
{وَمَا
مُحَمَّدٌ
إِلاَّ
رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِن
قَبْلِهِ
________________
1
الإسراء 3 2
البقرة 124 3
المناقب 4/404
4
الصافات 83
الرُّسُلُ
أَفَإِن
مَّاتَ أَوْ
قُتِلَ انقَلَبْتُمْ
عَلَى
أَعْقَابِكُمْ}1 {رَأَى
كَوْكَبًا}
وذلك هو
الثالث وإنما
ابتدأ به لأن
النظر
الحقيقي لا
يكون إلا هكذا
فإن الأخبث
أسفل مكانا
ودركا ، ألا
ترى الجهل
الكلي فإنه في
تحت الثرى تحت
كل الظلمات
والنجاسات ،
فالعالي إذا
نظر إلى
السافل لا
يكون نظره إلا
بالترتيب من
الأسفل إلى
الأسفل إلى
الأسفل وهكذا
، كما إذا
نظرت في الماء
إلى ظلّك ترى
ظل رجلك أولا
وظل بطنك
ثانيا وظل
رأسك أخيـرا
وثالثا فافـهم
، {قَالَ
هَذَا رَبِّي}
أي صاحبي في
مقام الإنكار
فإن الله
تعالى أخبره
بأنه من شيعة
وصي النبي
الأمي
{فَلَمَّا
أَفَلَ} أي
رآه يعصي
وتغشاه ظلمة
العصيان
والكـفران
وذهب بـنوره
فرط الطغـيان
والعدوان
{قَالَ لا أُحِبُّ
الآفِلِينَ}2
فإني معصوم لا
يكون رئيسي وصاحبي
إلا معصوما
مطهرا ,
والعاصي بدت
بيني وبينه
العداوة
والبغضاء إلى
يوم القيامة
{فَلَمَّا
رَأَى
الْقَمَرَ
بَازِغًا}
وهو الثاني أي
قمر الضلالة
أبو الشرور
العـلّة
الصورية لكل
الكفار
والمنافقين
والخبائث
والنجاسات
والرذائـل
إلى يوم الدين
الشجرة التي
طعام
_________________
1 آل
عمران 144 2
الأنعام 76
الأثيم
طلعها كأنه
رؤوس
الشياطين وهو
المنكر {إِنَّ
أَنكَرَ
الْأَصْوَاتِ
لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}1
{كَانُواْ لاَ
يَتَنَاهَوْنَ
عَن مُّنكَرٍ
فَعَلُوهُ
لَبِئْسَ مَا
كَانُواْ
يَفْعَلُونَ}2
وهو المؤنث
{إِن
يَدْعُونَ
مِن دُونِهِ
إِلاَّ
إِنَاثًا
وَإِن
يَدْعُونَ
إِلاَّ شَيْطَانًـا
مَّرِيدًا
لَّعَنَـهُ
اللّهُ }3 قال الأول
( إن لي شيطانا
ليعتريني )
فلما رآه
إبراهيم
داعيا إلى
نفسه وإلى
عبادته من دون
الله وقد عبده
طائفة من دون
الله { قَالَ
هَذَا رَبِّي }
في مقام
الإنكار
والتعجّب
{فَلَمَّا
رَأَى
الْقَمَرَ
بَازِغًا
قَالَ هَذَا
رَبِّي
فَلَمَّا
أَفَلَ قَالَ
لَئِن لَّمْ
يَهْدِنِي
رَبِّي
لأكُونَنَّ
مِنَ
الْقَوْمِ
الضَّالِّينَ}2
حيث عبدوا
الشيطان
______________
1
لقمان 19
2 المائدة 79 3
النساء 117 - 118
4
الأنعام 77
وَاتَّخَذُوا
مِن دُونِ
اللَّهِ
آلِهَةً لِّيَكُونُوا
لَهُمْ
عِزًّا *
كَلَّا
سَيَكْفُرُونَ
بِعِبَادَتِهِمْ
وَيَكُونُونَ
عَلَيْهِمْ
ضِدًّا}1
{فَلَمَّا رَأَى
الشَّمْسَ بَازِغَةً
قَالَ هَذَا
رَبِّي } وهي
الأول وإنما
عبر عنه
بالشمس لأنه
أبو الدواهي
مواد الظلمات
وأصل الشكوك
والشبهات
ومنشأ
الضلالات كلها
منه وإليه وهو
النقطة التي
يدور عليها رحى
الجهل الكلي
بأحواله
وأطواره
وصعوده ونزوله
وهو وشيطانه
المعنيان
بقوله عز وجل
{الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ
بِحُسْبَانٍ}2
وهو طبقة من طبقات
جهنّم ، فلما
رأى إبراهيم
ما به من
الرسوخ في
الكفر والغي
والضلالة
لأنه الفحشاء
وشيطانه
المنكر في
قوله تعالى
{وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاء
وَالْمُنكَرِ
وَالْبَغْيِ}3
هو ثالثهم قال
{ هَذَآ
أَكْبَرُ }
أشد كفراً وضلالة
وبغيا وجهالة
عن الثاني
والثالث { فَلَمَّا
أَفَلَتْ } عصت
وولّت دبرها
وخرجت من
بيتها وخالفت
ربها ونبيّها
وتبرّجت
تبرّج
الجاهلية
الأولى وهـتكت
ستر النبوة
قال إبراهيم {
قَالَ يَا قَوْمِ
إِنِّي
بَرِيءٌ
مِّمَّا
تُشْرِكُونَ}4
حيث رآهم
{يَسْجُدُونَ
لِلشَّمْسِ
مِن دُونِ
اللَّهِ
وَزَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ
فَصَدَّهُمْ
عَنِ
السَّبِيلِ }5
أي ولاية علي
عليه السلام
قال مولانا
الصادق عليه
السلام (( من
أصغى إلى ناطق
فـقد عبده فإن
كان الناطق عن
الله عز وجل
________________
1 مريم 81
– 82 2 الرحمن
5 3
النحل 90
4
الأنعام 78 5 النمل
24
فقد
عبد الله ،
وإن كان
الناطق
عن إبليس فقد
عبد إبليس ))1 ثم لما
أعرض عنهم
واعـتـزلهم
وما يعبدون من
دون الله
توجّه وخلص له
التوجه فـقال
{إِنِّي وَجَّهْتُ
وَجْهِيَ
لِلَّذِي
فَطَرَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ
حَنِيفًا
وَمَا أَنَاْ
مِنَ
الْمُشْرِكِينَ}2
وقد توجّه إلى
فاطر السموات
بعلي عليه
السلام ،
لأنهم يتوجّهون
إلى رب عاجز
حقير ذليل
جاهل لشيوع
عجزهم وجبنهم
وفرارهم من
الزحف وجهلهم
في العلوم إذا
سئلوا مسألة ،
وعصيانهم فإن
العاصي ذليل حقير
، فإذا
توجّهوا إلى
الله بالتمسك
بحبل هؤلاء
الجهّال فقد
توجّهوا إلى
ما ذكرنا فإن
الوجه آية ذي
الوجه ليست
لها جهة سواه
، كما إذا نظرت
إلى المقابل
في مرآة سوداء
غبراء عوجاء
فإنك تصف
المقابل
بالاعوجاج
والسواد
والقبح ، وأما
إذا توجه إلى
الله سبحانه
بعلي عليه السلام
فقد توجه إلى
رب علي على كل
شيء مطهّر عن
كل رجس ونقص
وعيب لعصمته
عليه السلام
وطهارة ذيله
عن الشهوات
وخوفه وخشيته
من بارئ النسمات
، وعزيز غالب
قادر لشيوع
ظهور
المعجزات والكرامات
وخوارق
العادات التي
لا يشك العاقل
بل ولا الجاهل
أنه من فاطر
السماوات ، وعالم
حكيم لعدم
توقّفه عليه
السلام في
مسئلة من
المسائل وحكم
من الأحكام
ومشكل من
المشكلات ،
وسكوته عن
الاستيلاء مع
الاقتدار
عليها بياناً
لقوله تعالى {وَلَوْ
يُؤَاخِذُ
اللَّهُ
النَّاسَ
بِمَا كَسَبُوا
مَا تَرَكَ
عَلَى
ظَهْرِهَا
مِن دَابَّةٍ
وَلَكِن
يُؤَخِّرُهُمْ
إِلَى
_________________
1 عيون
أخبار الرضا 1/304
2 الأنعام 79
أَجَلٍ
مُّسَمًّى}1 وأمثال
هذه من
الأحوال
الظاهرية ،
وأما الأمور
الباطنية فقد
شرحنا شيئا
منها ونشرحها
إنشاء الله
فيما بعد ،
فالتوجه بعلي
عليه السلام
إلى الله هو
الدين الخالص
وهو التوحيد
الخاص وهو قول
لا إله إلا
الله من غير
استكبار قال
تعالى
{إِنَّهُمْ
كَانُوا
إِذَا قِيلَ
لَهُمْ لَا
إِلَهَ
إِلَّا
اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}2
وهي كلمة
التوحيد التي
أتمها إبراهيم
عليه السلام
فبذلك صار من
أولي العزم
وقد روي أن
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم جلس
ليلا يحدث
أصحابه فقال ((
يا قوم إذا
ذكرتم الأنبياء
الأولين
فصلوا عليّ ثم
صلوا عليهم وإذا
ذكرتم أبي
إبراهيم عليه
السلام فصلوا
عليه ثم صلوا
عليّ ، قالوا :
يا رسول الله
بما نال إبراهيم
ذلك ؟ ، قال
صلى الله عليه
وآله وسلم : اعلموا
أن ليلة عرج
بي إلى السماء
فرقيت السماء
الثالثة نصب
لي منبر من
نور فجلست على
رأس منبر وجلس
إبراهيم عليه
السلام تحتي
بدرجة وجلس
جميع
الأنبياء
الأولين حول
المنبر فإذا
بعلي عليه
السلام قد
أقبل وهو راكب
ناقة من نور
ووجهه كالقمر
وأصحابه حوله
كالنجوم ،
فقال إبراهيم
عليه السلام :
يا محمد هذا
أي نبي معظم
أو أي ملك
مقرب ، قلت : لا
نبي معظم ولا
ملك مقرب ،
هذا أخي وابن
عمي وصهري
ووارث علمي
علي بن أبي
طالب عليه
السلام ، قال :
و ما هؤلاء
الذين حوله
كالنجوم ، قلت
: شيعته فقال إبراهيم
عليه السلام
اللهم اجعلني
من شيعة علي
عليه السلام
فأتى جبرائيل
بهذه الآية {*
وَإِنَّ مِن
شِيعَتِهِ
_____________
1 فاطر 45
2
الصافات 35
لَإِبْرَاهِيمَ
}1 )) فكان
إبراهيم
عليه السلام بذلك
الثبات
والوقوف في
مقام التشيع
من أولي العزم
حتى قال
العلماء أنه
أفضل من نوح
عليه السلام ،
وأما موسى
وعيسى عليهما
السلام فلا شك
أنه أفضل
منهما ، وكان
شيخي أطال
الله بقاءه
يقول إن نوحا
أفضل وأما أنا
فعندي ترجيح
إبراهيم قوي
جدا لأن الذي
أعرف من
الأخبار ومن
لطائف الآثار
في بواطن
الأسرار أمور
عجيبة فيه على
نبينا وآله
وعليه السلام
والله سبحانه
أعلم .
وأما
موسى عليه
السلام فقد
قال فيه
مولانا الحسن
العسكري
عليه السلام في كتابه
بخطه الشريف ((
قد صعدنا ذرى
الحقائق بأقدام
النبوة
والولاية ))
إلى أن قال
عليه السلام ((
فالكليم ألبس
حلة الاصطفاء
لما عهدنا
_______________
1
الصافات 83
منه
الوفاء وروح
القدس في جنان
الصاقورة ذاق
من حدائقنا
الباكورة ))1 فلما عزم
موسى وثبت على
ولايتهم
وطاعتهم وفرض
حقهم وما شك
ولا ارتاب
وبقي على
العهد والوفاء
في كل الأئمة
الهداة عليهم
السلام وما
نسي مثل آدم
أبينا عليه
السلام وما
توقف في القائم
عليه السلام
مثله عليه
السلام فلما
عهدوا عليهم
السلام منه
الوفاء في
العوالم
المتقدمة وفي البشرية
الظاهرية
شهدوا له
بالوفاء
فحلاه الله
سبحانه حلة
الاصطفاء
فصار بذلك من
أولي العزم .
وأما
عيسى روح الله
عليه السلام
فقد أشار الحق
سبحانه إلى
تشيعه وبقائه
على صفائه
وعدم تغيير
فطرته
وحكايته
للمثال كما
تقدم من الآية
الشريفة { *وَلَمَّا
ضُرِبَ ابْنُ
مَرْيَمَ
مَثَلًا}2 الآية
على ما بينا ،
ولوح أيضا إلى
ذلك بقوله
الحق {بِكَلِمَةٍ
مِّنْهُ
اسْمُهُ
الْمَسِيحُ}3 وقوله عز
وجل {يَا
أَهْلَ
الْكِتَابِ
لاَ تَغْلُواْ
فِي
دِينِكُمْ
وَلاَ
تَقُولُواْ
عَلَى اللّهِ
إِلاَّ
الْحَقِّ
إِنَّمَا
الْمَسِيحُ
عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ
رَسُولُ
اللّهِ
وَكَلِمَتُهُ
أَلْقَاهَا
إِلَى
مَرْيَمَ
وَرُوحٌ مِّنْهُ}4
فتعبيره
سبحانه
بالكلمة مع
أنها إنما
أطلقت على
محمد وآله
عليهم السلام
في مواضع كثيرة
من
______________
1
البحار 26/264 ح 50 2
الزخرف 57
3 آل
عمران 45 4
النساء 171
القرآن
كقوله تعالى {
{فَتَلَقَّى
آدَمُ مِن رَّبِّهِ
كَلِمَاتٍ
فَتَابَ
عَلَيْهِ}1
{وَتَمَّتْ
كَلِمَتُ
رَبِّكَ
صِدْقًا
وَعَدْلاً}2 {
كَلِمَةً
طَيِّبَةً
كَشَجَرةٍ
طَيِّبَةٍ}3
و{لَنَفِدَ
الْبَحْرُ
قَبْلَ أَن
تَنفَدَ
كَلِمَاتُ
رَبِّي}4 .
ولما
كان إطلاق
الكلمة عليهم
وعلى عيسى
عليه السلام من باب
الحقيقة بعد
الحقيقة ، وقد
ذكرنا سابقا
أن الحقيقة
الثانية إنما
هي صرف ظهور
الحقيقة
الأولية
الغير المشوب
بشيء من أحوال
تعيّنها
وإنيتها علمنا
أن عيسى
عليه السلام قد بقي
على الصّفاء
الأصلي
الذاتي فهو
الشيعة
المخلص لأمير
المؤمنين
عليه السلام
والطيبين من
أولاده
وأحفاده
عليهم السلام
فبذلك صار من
أولي العزم ،
فهؤلاء
الأربعة من
أفاضل الشيعة
بعد الملائكة
الكرّوبيين ،
ثم بعدهم سائر
الأنبياء
وتختلف مراتبهم
في التشيع إلى
آخر طبقاتهم
في القرب والبعد
من أولي العزم
، وهذا الذي
ذكرنا مجمل أحوال
القسم الأول .
وأما
القسم الثاني
فهم الذين
غلبت جهة
نوريّتهم لكن
الظّلمة قد
تمكنت فيهم
وظهرت آثارها
عليهم وبرزت
جهة إنيتهم
وادعت ، وإن كانت
دعوى ضعيفة
إلا أن هذه
الدعوى
والظهور أخفت
المثال فلم
يبلغ الوصال
ولا يرى
الحقيقة في كل
الأحول
كالنور المتشعشع
الساطع على
الجدران وعلى
غيرها من الأجسام
الكثيفة
الغاسقة فإنه
نور تجري عليه
أحكام النور
حقيقة ولا
يحسب مع
الظلال والظلمات
إلا أنه ليس
نور يحكي مثال
الشمس
والسراج كما
إذا أشرقا على
المرايا
والمياه
وسائر الأجسام
الصيقليّة
الشفافة ،
وهؤلاء هم
الشيعة غير
المعصومين من
طبقة الرعية
ولهم مراتب كثيرة
في علمهم
وعملهم
وتجمعهم ثلاث
مراتب .
الأولى :
مقام الخصّيص
وهم الذين انقطعت
جهات إنياتهم
وذهبت
ماهياتهم
وماتوا قبل أن
يموتوا
ونظروا في
الآفاق
والأنفس حتى
يتجلى لهم
الحق تعالى
بساداتهم
ومواليهم
عليهم السلام
في كل شيء ،
فعرفوا الكيف
والكم
________________
1
البقرة 37 2
الأنعام 115 3
إبراهيم 24
4
الكهف 109
والحيث
واللّم
وعرفوا
مفصولهم
وموصولهم وما
يؤول إليه
أمورهم فبذلك
عرفوا باطن
باطن القرآن
والأخبار
والعلوم
والصنائع
والآداب
والحركات والسكنات
والأوضاع
والقرانات
وباطن باطن
التأويل
وهكذا
المراتب التي
فوقها إلى
السبعة أو إلى
السبعين على
مقدار مقامهم
وعملوا بمقتضى
قوله تعالى
{لَا تَجِدُ
قَوْمًا
يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ
يُوَادُّونَ مَنْ
حَادَّ
اللَّهَ
وَرَسُولَهُ
وَلَوْ كَانُوا
آبَاءهُمْ
أَوْ
أَبْنَاءهُمْ
أَوْ إِخْوَانَهُمْ
أَوْ
عَشِيرَتَهُمْ
أُوْلَئِكَ
كَتَبَ فِي
قُلُوبِهِمُ
الْإِيمَانَ
وَأَيَّدَهُم
بِرُوحٍ
مِّنْهُ}1 .
والثانية :
مقام الخواص
وهم الذين
فعلوا
الواجبات
والمستحبات
وتركوا
المحرّمات
والمكروهات
وتوجّهوا في
العبادة إلى
فاطر السموات
بأوليائه
سبحانه
وتعالى ،
وعرفوا باطن
القرآن
وتأويله وظاهر
ظاهره وعرفوا
عليا عليه
السلام
والطيبين من
أولاده
عليهم السلام
بالنورانية
واستدلوا في
أدلّتهم
بالموعظة
الحسنة .
والثالثة :
مقام العوام
وهم الذين فعلوا
الواجبات
وتركوا
المحرّمات
وتوجّهوا في
العبادة إلى
الله سبحانه
بولاية أمير
المؤمنين
عليه السلام
والطيبين من
أولاده عليهم
السلام ،
وعرفوا تنـزيل
القرآن
والأخبار
وظاهر
الأحكام وهم على
ثلاث طبقات .
الأولى أهل
القشر وهم
أصحاب الأشعار
, والثانية
أهل اللب من
أهل الظاهر
وهم أصحاب
الأصواف ,
الثالثة أهل
لب اللب وهم
أصحاب الأوبار
________________
1
المجادلة 22
قال
تعالى {وَمِنْ
أَصْوَافِهَا
وَأَوْبَارِهَا
وَأَشْعَارِهَا
أَثَاثًا
وَمَتَاعًا
إِلَى حِينٍ}1 .
والقسم
الثالث وهم
الذين بقوا
على صرف
الظلمة
ومخالفة الحق
المبدء
وأجابوا نعم عند
قوله تعالى {أَلَسْتَ
بِرَبِّكُمْ}2 ومحمد
نبيكم وعلي
وليكم
والأئمة
الأحد عشر من
ولده وفاطمة
الزهراء
عليها صلوات
الله وعليهم
أولياؤكم
فتلبّسوا
بلباس الكفر
والنفاق
وتصوّروا
بصورة الشيطانية
وعاندوا
الحقائق
الربّانية ،
فصاروا بتلك
الإجابة عين
الظلمة
{خَتَمَ
اللّهُ عَلَى
______________
1
النحل 80 2
الأعراف 172
قُلُوبِهمْ
وَعَلَى
سَمْعِهِمْ
وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ
غِشَاوَةٌ
وَلَهُمْ
عَذَابٌ
عظِيمٌ }1 فقوام
وجودهم بذلك
السؤال
المتقوّم
بنور علي
عليه السلام فهم
ناكسوا رؤسهم
عند ربّهم .
والقسم
الرابع هم
الذين تساوى
فيهم النور
والظلمة
فيتعادلان في
ظهور الآثار
حتى تتم
البنية وتكمل
الصبغة وهم
المرجون لأمر الله
إما يعذّبهم
إن مالوا بعد
إكمال الصبغة
إلى الظلمة
أويتوب عليهم
إن مالوا
بعدها إلى النور
{هُوَ الَّذِي
خَلَقَكُمْ
فَمِنكُمْ
كَافِرٌ
وَمِنكُم
مُّؤْمِنٌ}2 .
والأقسام
الثلاثة
الأخيرة
تتحقق في كل
صقع من
الأصقاع ونوع
من الأنواع من
الجن والبهائم
والطيور
والحشرات
والنباتات
والجمادات
والصفات والأعراض
والروابط
والقرانات
وكل شيء من
خلق الله على
القول المجمل
ولا يسعني
الآن تفصيل أحوالهم
فكلهم توابع
إما تابع
بالأصالة كالشيعة
أوتابع
بالعرض
كالأعداء
فرجوع الأقسام
كلها إليهم
عليهم السلام
.
وإنما
خص الشيعة
بالإنابة
والرجوع وترك
غيرهم لأنهم
المقصودون
بالأصالة
والمعنيون
بالذات وغيرهم
منسيّون
{نَسُواْ
اللّهَ
فَنَسِيَهُمْ}3
فإنابة كل
أنواع الشيعة
إليه عليه
السلام على
مقتضى
مقامهم
ومرتبتهم ،
فالسابقون
الأولون
الذين هم
الأنبياء
والمرسلون إنابتهم
إلى علي عليه
السلام
الثبات على
الأمر
والدوران حول
ربّهم ولم
يروا لهم
تذوّتا ولا
تأصلا ولا
يتركون الأولى
في مقامهم
ويمضون في
طاعة ربّهم
ولا يلتفت
منهم أحد ولا
يسبقونه
بالقول وهم
بأمره يعملون
، وإنابة
الكرّوبين
إليه عليه
السلام بدوام
الاستمداد
والوقوف على
باب المراد وحكاية
المثال وعدم
قول أنا في
حال من
الأحوال
______________
1
البقرة 7 2
التغابن 2
3
التوبة 67
{*وَمَن
يَقُلْ
مِنْهُمْ
إِنِّي
إِلَهٌ مِّن دُونِهِ
فَذَلِكَ
نَجْزِيهِ
جَهَنَّمَ كَذَلِكَ
نَجْزِي
الظَّالِمِينَ}1
أي يقول إني
أنا ، وإنابة
خصيص الشيعة
أن يحفظوا
سرهم ويعرفوا
إمامهم
وسيدهم بالنورانية
في أعلى
مقاماتها
ودرجاتها
وعدم التفاتهم إلى
مصائب الدنيا
وسيرهم إلى
الله سبحانه ،
وإنابة
الخواص إليه
عليه السلام
بالعمل
بقولهمعليهم
السلام (( حلال
بين وحرام بين
وشبهات بين
ذلك ))2 فمن
ارتكب
الشبهات ارتكب
المحرّمات
فهلك من حيث
لا يعلم
وقولهم عليهم السلام
(( الوقوف عند
الشبهات خير
من الاقتحام
في الهلكات ))3
وبالتسليم
إلى أئمة الحق
والرد إليهم
في كل الأحوال
من البدء
والمآل ،
وإنابة
العوام إليه
عليه السلام
قريب مما
ذكرنا في الخواص
، وإنابة
الأكوان في
الكينونات
التكوينيّة
أي تكون على
صورة الإنسان
لأنها هيكل
ولايته عليه
السلام
وإنابة تلك
الصورة أن
تظهر حسنة
جيّدة غير
متناكرة ولا
غير متناسبة
في التركيب
والترتيب وأن
تكون معتدلة خارجة
عن حدّي
التفريط
والإفراط في
الأحوال كلها
ولا تكون
قبيحة غير
ملائمة بل
تكون بحيث إذا
نظر إليها
الناظر تهشّ
إليها وتدهش
عندها ،
وتفصيل هذه
الإنابة
وكيفيّتها
التكوينيّة
الغير
التشريعيّة
ظاهرا يطلب في
علم الطب ، وإنابة
الحيوانات أن
تكون ذليلة
للإنسان على
اختلاف
مراتبها على
اختلاف مراتب
الذلّة في
جميع الحالات
، وإنابة
النباتات
إليه عليه السلام
أن تظهر
مستقيمة
مخضرّة مورقة
مثمرة طيّبة
الثمار على
اختلاف
مقاماتها
ومراتبها ، وإنابة
الجمادات أن
تظهر معادن
وما يقرب إليها
، وإنابة
الأعراض
والألوان
والهيئات
والصفات
وغيرها إليه
عليه السلام
أن تظهر عند
المحال
المناسبة لها
والمقتضية
إياها كلون
الصفرة عند
الحرارة
والرطوبة
مثلا ووجود
الحمى عند تعفّن
الاختلاط
وأمثالهما
وهذه
الاقتضاءات تختلف
وكذا الحال
المناسبة وقد
تتداخل وتتعارض
المناسبات
فتقتضي صفة
ثالثة إلى غير
ذلك من
الأحوال
والأوضاع
والإضافات
التي يطول بذكرها
الكلام ولسنا
بصدد ذلك ،
وإنابة الملائكة
إليه عليه
السلام أن
تجري على حد
ما قرر الله
سبحانه لها من
المقامات
المعلومة
فإذا تعدت عنها
أعرضت
واستحقت
الغضب والسخط
كالذين اعـترضوا
على الله عز
وجل
_______________
1
الأنبياء 29 2
عوالي اللآلي
3/548 3
الكافي 1/68 ح 10
حين
قال لهم
{إِنِّي
جَاعِلٌ فِي
الأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُواْ
أَتَجْعَلُ
فِيهَا مَن يُفْسِدُ
فِيهَا
وَيَسْفِكُ
الدِّمَاء
وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ}1 وقصتهم
مذكورة في
الأخبار وكذا
فطرس الملك الذي
تاب الله عليه
باللواذ بمهد
الحسين بن علي
عليهما
السلام ولذا
قال أميـر
المؤمنين على ما
في حديـث
البساط
المشهور (( إنه
لا يخطو ملك خطوة
إلا بإذني
وأمري )) قال
تعالى حكاية
عنهم {وَمَا
مِنَّا
إِلَّا لَهُ
مَقَامٌ
مَّعْلُومٌ}2 .
ومجمل
القول أن
الموجودات
كلها توابع
ولوازم له
عليه السلام
فالطيب
المعتدل
المستقيم
منها شيعة له
عليه السلام ،
والخبيث
المعوج
الباطل عدو له
عليه السلام ,
ولما كانت
الشيعة لهم
مناسبة نوعية
مع الأعداء
وتتقوى تلك
المناسبة
بتكور الميل
والالتفات
وذلك يستلزم
الغضب الإلهي
والسخط الرباني
كما أخبر الحق
سبحانه عنهم
أي المائلين عن
الحق إلى جهة
الأعداء بقوله
الحق {إِنَّ
الَّذِينَ
ارْتَدُّوا
عَلَى
أَدْبَارِهِم
مِّن بَعْدِ
مَا
تَبَيَّنَ
لَهُمُ الْهُدَى
الشَّيْطَانُ
سَوَّلَ
لَهُمْ وَأَمْلَى
لَهُمْ *
ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ
قَالُوا
لِلَّذِينَ كَرِهُوا
مَا نَزَّلَ
اللَّهُ
سَنُطِيعُكُمْ
فِي بَعْضِ
الْأَمْرِ}3
وهذه الإطاعة
في بعض الأمر
قد دعتهم
وجرتهم إلى
الإطاعة في
البعض الآخر
إلى أن يستوجب
الغضب
وإعراضه عليه
السلامإلى
الاستقامة
والاعتدال
وعدم الميل
إلى الأعداء
فقال عليه
السلام (( أنيبوا
إلي )) فإنّ
مرجع العبد
إلى سيده
ومعوله إلى
مولاه وقوله
هذا اختبار
وتنبيه على
قول الله الحق
عز وجل فيه
عليه السلام
حيث خاطبه
وقال {وَلَوْ
أَنَّهُمْ
إِذ
ظَّلَمُواْ
أَنفُسَهُمْ
جَآؤُوكَ} يـا
علي
{فَاسْتَغْفَرُواْ
اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ
لَهُمُ
الرَّسُولُ
لَوَجَدُواْ
اللّهَ
تَوَّابًا
رَّحِيمًا * فَلاَ
وَرَبِّكَ}
يـا علي {لاَ
يُؤْمِنُونَ
حَتَّىَ _________________
1
البقرة 30 2
الصافات 164
3 محمد 25
- 26
يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا
شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ
لاَ
يَجِدُواْ
فِي
أَنفُسِهِمْ
حَرَجًا
مِّمَّا
قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُواْ
تَسْلِيمًا}1
فأبان سبحانه
وتعالى عن
حقيقة
الإنابة إليه
روحي فداه فإن
حقيقة
الإيمان اسم
له عليه
السلام فلا
يكون مؤمنا
إلا
بالانتساب
إليه عليه
السلام ولا يكون
منتسبا إليه
عليه السلام
إلا إذا كان
مسلّما له ولا
يكون مسلّما
له إلا بأن لا
يجد حرجا في
نفسه مما قضى
به إمامه
وسيده
{رَبَّنَا لاَ
تُزِغْ
قُلُوبَنَا
بَعْدَ إِذْ
هَدَيْتَنَا
وَهَبْ لَنَا
مِن لَّدُنكَ
رَحْمَةً
إِنَّكَ
أَنتَ
الْوَهَّابُ}2
.
_______________
1
النساء 64 – 75
2 آل
عمران 8
قوله
عليه السلام
والتزموا
بيعتي
اعلم
أن الربوبية
لها خمس
مقامات المقام
الأول هو
الربوبية إذ
لا مربوب لا
ذكرا ولا عينا
ولا ظهورا وهي
الذات البحت
القديمة سبحانه
وتعالى ولا
كلام فيها ولا
بيان ولا عبارة
ولا إشارة
الطريق مسدود
والطلب مردود
، والمقام
الثاني دليل
تلك الربوبية
وصفتها وآيتها
أي العين التي
نستدل بها
إليها وهي أيضا
لا ذكر ولا
عين ولا ظهور
للمربوبين
فيها بوجه من
الوجوه لأنها
وجه الله
ودليله
فـلوكانت فيها
كثرة لعرفنا
الله بالكثرة
لأن معرفة الوجه
عين معرفة ذي
الوجه وهو
معنى قول أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
يا من دل على
ذاته بذاته وتنـزه
عن مجانسة
مخلوقاته
وجلّ عن ملائمة
كيفياته ))1 ،
والمقام
الثالث مقام
الربوبية إذ
مربوب ذكرا
وإذ لا مربوب
عينا وظهورا
وهو الهوية
أعلى مراتب
الواحدية
فهناك ذكر
إجمالي
للمربوبين
فيها إلا أن
جهة
الاضمحلال
والاستهلاك
أغلب ،
والمقام
الرابع مقام
الربوبية إذ
مربوب ذكرا
تفصيليا
مقارنة
للمربوب العيني
وغير واقعة
عليه العام
الواسع
الجامع المحيط
على الأفراد
كلها ،
والمقام
الخامس مقام
الربوبية إذ
مربوب ذكرا
وعينا ووقوعا
وظهورا ، وهنا
مقام سادس
وهوالربوبية
الواقعة الملقى
في هوية
المربوب
وإليها أشار
مولانا الصادق
عليه السلام ((
العبودية
جوهرة كنهها
الربوبية فما
فقد من
العبودية وجد
في الربوبية
وما خفي عن
الربوبية
أصيب في
العبودية قال
الله تعالى
{سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا
فِي الْآفَاقِ
وَفِي
أَنفُسِهِمْ
حَتَّى
يَتَبَيَّنَ
لَهُمْ
أَنَّهُ
الْحَقُّ
أَوَلَمْ يَكْفِ
بِرَبِّكَ
أَنَّهُ
عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ
شَهِيدٌ *
أَلَا
إِنَّهُمْ
فِي مِرْيَةٍ
مِّن
_______________
1 دعاء
الصباح
لمولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام
لِّقَاء
رَبِّهِمْ
أَلَا
إِنَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ
مُّحِيطٌ}1
أي موجود في
غـيـبتـك وحضرتك
))2 ، وهذه
الربوبية
السادسة وجه
للربوبية الخامسة
وهي وجه
للأولى فانقطع
عندها مقام
الذكر وجهة
الكثرة ،
فالأوّليتان
لا اسم لهما
ولا رسم ولا
عبارة ولا إشارة
، والثالثة
اسمها هو وهو
أعظم لأن هو
العلي الكبير
والعلي أول
الأسماء على
ما قال الإمام
الرضا عليه
السلام إنه
سبحانه (( فأول
ما اختار
لنفسه العلي
العظيم لأنه
أعلى الأشياء
كلها فمعناه
الله واسمه
العلي العظيم
وهو أول
أسمائه لأنه
علا على كل
شيء ))3 ،
والرابعة اسمها
الله لأنه اسم
للظاهر
بالألوهية
الجامعة
المحيطة لكل
الظهورات
والمظاهر
والمهيمنة
على كل
الأسماء
والصفات
هيمنة الواحد
على الأعداد
يعني أن كل
الأسماء ظهور
من ظهورات الاسم
الله وتجلي من
تجلياته فهو
في مقام نفسه واحد
وفي مقام
ظهوره متكثر
ومرجع
الكثرات كلها
إلى الوحدة
الحقيقية في
ذلك الاسم
المبارك
فافهم ،
والخامسة
اسمها الرحمن
المستوي على
العرش المعطي
كل ذي حق حقه
السائق إلى كل
مخلوق رزقه ،
ولما كان
المربوبون
متقومين بالربوبية
ولا قوام لهم
في حال من
أحوالهم إلا
بها وحكم الرب
سبحانه
بمقتضى
الربوبية أن
يعطيهم ما
سألوه
ويسألونه
بإراداتهم
واقتضاءاتهم
في كل أحوالهم
لا يتحقق ذلك
إلا بمعرفة
المسئول
وكيفية
السؤال عنه
وكانوا جهالا
لا يعرفون ذلك
لأنهم
معدومون من
دون ذلك وجب
في الحكمة على
الرب سبحانه
أن يعرفهم
نفسه ويعرفهم
أبواب
فيوضاته
ليأتونه
ويسألونه من
تلك الأبواب ،
والأبواب هي
تلك
الربوبيات
الأربعة المتأخرة
، ولما كان
محمد وعلي
والطيبون من
أولادهما
صلوات الله
عليهم حاملي
تلك الربوبية
ومظاهر تلك
القيومية وهم
أبواب
الإفاضة والاستفاضة
وأعضاد لكل
البرية ومناة
للعطية وبهم
قوام الخليقة
وجب أن يقرن
باسمه اسمهم
ومعرفته معرفتهم
وولايته
ولايتهم
لأنهم عليهم
السلام
فاعلوا فعل
اللازم الغير
المتعدي إلى
غير الفعل
الاسم
المستقر في ظل
الله الذي لا
يخرج إلى غيره
، ولذا اشتق
الله سبحانه
أسماءهم من أسمائه
ونوههم
بأسمائه ،
ولما كان
الفيض الإلهي
لا يجري إلا
على ________________
1 فصلت 53
– 54 2
مصباح
الشريعة
3
معاني
الأخبار 2 ,
عيون أخبار
الرضا 129
الاختيار
من غير جبر
واضطرار أبان
لهم من تلك المعـرفة
على جهة
السؤال
المستدعي
للإجابة إما بالإدبار
أو الإقبال
ليـجري عليهم
حكمه على مقتضى
الحالين في كل
الأحوال ،
ولما كان السؤال
المستدعي
لمعرفة
السائل بنفس
ذلك السؤال تكوينيا
وتشريعيا
والحقيقة أن
التكوين عين التشريع
والتشريع عين
التكوين
والشيء الواحد
يجمع الأمرين
، والخلق لهم
مراتب في
تكوينهم وكينوناتهم
وكل مرتبة في
عالم من عوالم
القدس والعزّة
أقامهم في تلك
العوالم بتلك
المراتب فسألهم
ألست بربكم و
محمد صلى الله
عليه وآله وسلم
نبيكم وعلي
عليه السلام
وأولاده
الأحد عشر
عليهم السلام
وفاطمة
الزهراء
عليها السلام
أولياؤكم
فأجاب من أجاب
وأنكر من أنكر
وتوقف من توقف
وتقدم من تقدم
وتأخر من تأخر
وتوسط من توسط
، فما بقي
ذرّة من ذرات
الوجود إلى ما
لا نهاية له
أبد الأبد
إلاّ وقد
سألهم الله سبحانه
بذلك السؤال
وأجابوا في
مرتبة من
مراتبهم إما
بكلّها أو
ببعضها أو
بأكثرها أو
بأقلها ولم
يخرج شيء من
الأشياء مما
يتصور أو
يتعقل أو
يشاهد أو
يتوهم أو
يتخيّل أو
يحسّ أو يعاين
من الأعيان
والذوات
والأكوان
والصفات
والاعتبارات
والإضافات
مما أحاطته
لجة الإمكان
إلا وقد
أجابوا ذلك
السؤال
وعرفوا حقيقة
الحال إما
أدبروا أو
أجابوا
بالإقبال وإليه
يشير قول
مولانا
الهادي عليه
السلام في الزيارة
الجامعة
الكبيرة (( حتى
لا يبقي ملك
مقرب ولا نبي
مرسل ولا صديق
ولا شهيد ولا
عالم ولا جاهل
ولا دني ولا
فاضل ولا مؤمن
صالح ولا فاجر
طالح ولا جبار
عنيد ولا
شيطان مريد
ولا خلق فيما
بين ذلك شهيد
إلا عرّفهم
جلالة أمركم
وعظم حظركم
وكبر شأنكم
وتمام نوركم
وصدق مقاعدكم
و ثبات مقامكم
وشرف محلكم و
منزلتكم عنده
وكراماتكم
عليه وخاصتكم
لديه وقرب منزلتكم
منه بأبي أنتم
وأمي ))1 .
إذ لا
يمكن أن يوجد
شيء من الأشعة
إلا بعد معرفة
السراج
والنور
الساطع
الساري منه فيها
، فلما أن
الله سبحانه
عرّف الخلق
السائلين
الواقفين
ببابه
الفقراء
اللائذين
بجنابه معرفة
المسئول أراد
أن يعرّفهم
كيفيّة
السؤال لجهلهم
وعجزهم
وقصورهم عن
إدراك ذلك من
دون تعريفه
سبحانه , ولما
كان السؤال
ليس إلا جهة
السائل إلى
المسئول وهي
جهة
الافـتـقار
والذل
____________
1
الزيارة
الجامعة
الكبيرة
والانكسار
والاستقامة
مع المسئول في
الإعلان
والإسرار
وهذه الجهة لم
تتم ولم تكمل
في كل الأحوال
إلا في محمد
وأهل بيته
الطاهرين
سلام الله عليهم
أجمعين وكان
كلهم وجزؤهم
وذاتهم
وصفتهم وقولهم
وفعلهم
وحركتهم
وسكونهم
ونومهم ويقظتهم
سؤال الله
سبحانه
واستمداد منه
تعالى وتوجّه
وإقبال إليه
عزّ ذكره أمر
الخلق كلهم
بطاعتهم
عليهم السلام
إذ ليس لهم
عليهم السلام جهة
غير وجه الله
، فكانت
طاعتهم طاعة
الله ومعصيتهم
معصية الله
وحبهم حب الله
وبغضهم بغض الله
وغضبهم غضب
الله ورضاهم
رضى الله ،
فطاعة الخلق
لهم عين
طاعتهم لله
وطاعتهم لله
ليس إلا
سؤالهم منه
سبحانه
الإفاضة
والاستمداد والاستعداد
لبلوغ المراد
، فأخذ الله
سبحانه في كل
عالم من
العوالم وكل
مرتبة من
المراتب عن كل
الخلق من
الأنبياء
والمرسلين
والملائكة
المقرّبين
وسائر الخلق
أجمعين من
الذوات والصفات
والإضافات
والأعراض ومن
الأسقام والأمراض
العهد
بطاعتهم وجعل
على أعناق كل
البرايا مبايعتهم
في الذرّات
كلها فأخذ لهم
البيعة عن كل
ذرّة من ذرات
الوجود إلى
أقصى نهايات
الشهود ، وجعل
ذلك العهد
والعقد
والبيعة
وديعة عند ملك
من الملائكة
كان شديد الحب
لآل محمد صلى
الله عليهم
أجمعين وكان
ذلك عنده إلى
أول مقامات
ظهور الطاعة
بكل وجوهها
وبروز مراتب
العبوديّة
بكلها وهو عند
خلقه أبينا
آدم عليه
السلام أبي
البشر ، ولما
كان أول مظهر
لإشراق تلك
الأنوار أمر
الله سبحانه
الملائكة كلهم
وسائر الخلق
أن يسجدوا لله
سبحانه
عبودية لآدم
عليه السلام
من حيث كونه
حاملا لتلك الأشباح
النورانية
هياكل
التوحيد
تعظيما وتجديدا
للعهد والعقد
والبيعة
المأخوذة
عنهم في تلك
العوالم من
العبودية لله
سبحانه والسؤال
منه تعالى
بالتوجه إلى
تلك الأشباح
المطهرة
المقدسة
اللاهوتية
وذل الطاعة
والانكسار
بالرقية لها
وهو قولهعليه
السلام (( من
أراد الله بدء
بكم و من وحده
قبل عنكم و من
قصده توجه بكم
)) وقوله
عليه السلام ((
طأطأ كل شريف
لشرفكم وبخع
كل متكبر
لطاعتكم وخضع
كل جبار لفضلكم
وذل كل شيء
لكم ))1 ،
ولما أن الله
سبحانه أنزل
آدم إلى الأرض
وكان مستودع
تلك الأنوار
نزل ذلك الملك
الذي عنده
الوديعة
وصحيفة عقد
العهد وأخذ
البيعة
____________
1
الزيارة
الجامعة
الكبيرة
على
كل الخلق من
الأنبياء
والرعايا
بالطاعة لآل
محمد
عليهم السلام
بالانكسار
لهم والتوجه
إلى الله بهم
والعبادة لله
بحبهم وبما
أسسوا من
إرشاداتهم
عليهم السلام
وذلك لشدة
استئناس ذلك
الملك بآدم عليه
السلام لكونه
حاملا لظهور
تلك الأنوار ،
وتنـزل بصورة
الحجر ليكون
قبلة مستمرة
لكل من أخذت
عنه البيعة
وتذكيرا لهم
عند توجههم
إلى ربهم في
حال صلواتهم
التي هي أصل
عباداتهم
وقوام أمرهم
وعماد دينهم ،
ثم أن الله
تأكيدا للعهد وإتماما
للحجة
وإكمالا
للنعمة أظهر
تلك الأرض
التي أخذ
البيعة عن
الخلق لآل
محمد عليهم السلام
بالولاية
ولنفسه
بالربوبية
وبنى عليه
بيتا مربعا
نسبه إلى نفسه
وعظمه وكرمه ،
فالركن الأول
بإزاء ألست
بربكم وهو
سبحان الله والركن
الثاني بإزاء
ومحمد نبيكم
وهو الحمد لله
والركن
الثالث بإزاء
علي وليكم
والأئمة الأحد
عشر من ولده
وفاطمة سلام
الله عليها
وعليهم
أولياؤكم
وأمناؤكم
وهولا إله إلا
الله ألا تراه
اثنى عشر حرفا
والركن
الرابع بإزاء
أوالي من
والوا وأعادي
من عادوا وهو
الله أكبر ،
والمجموع
تمام الاسم
الاعظم وهو
قول مولانا
الكاظم عليه
السلام (( إن
الاسم الأعظم
أربعة أحرف
الحرف الأول
لا إله إلا
الله والحرف الثاني
محمد رسول
الله عليها
السلاموالحرف
الثالث نحن
والحرف
والرابع
شيعتنا )) ، ثم
أوجب سبحانه
الطواف على
ذلك البيت
أسبوعا تذكيرا
لهم بعدد
الهياكل التي
أخذ لهم
البيعة عن الخلق
ثم أظهر تلك
السبعة في
الحمد فجعلها
في صلواتهم في
الأوليين ،
ولما كانت
الصلاة لا تنقص
عن الركعتين
أبدا أوجب
سبحانه عليهم
في كل منهما
الحمد خاصة
لتمام أربعة
عشر قياما بحقّهم
ووفاء
ببيعتهم ،
ولما كانت
الأخيرتين في
الصلاة قد
تنقص واحدة
منهما كما في
المغرب جعل
التسبيح في كل
منهما ثلاث
مرات لتمام الاثني
عشر فجـعل
الكل في
الكعبة فجعل
البيت مربّعا
والطواف
أسبوعا ، ولما
كان كل حج لا
يتم إلا
بالعمرة
منفردة أو
متمتّعا بها
وكليهما ما
يتمّان إلا
بالطواف
الأسبوع فيتم
أربعة عشر ،
ثم جعل سبحانه
الملك
المنـزّل
بصورة الحجر
المخزون عنده
ودائع العهد
والبيعة على ركن
من أركان
البيت وهو
الركن
العراقي
إشارة إلى
ظهور الأصل
والمولى وسيد
الملك في أرض
العراق أي
الكوفة ليكون
وجهه إليه
أبدا وأوجب على
كل الخلق
البدء
بالطواف من
محاذاة الحجر
وأوجب عليهم
استلامه
تجديدا
للبيعة لأنه
حامل الوديعة
والقراءة
عنده بالدعاء
المأثور (( أمانتـي
أدّيتها
وميثاقي
تعاهدته
لتشهد لي بالموافاة
)) وذلك موافاة
للعهد
المأخوذ عنهم في
العوالم
المتقدّمة،
ثم أوجب على
الخلق كلّهم
من أهل الأرض
من أهل المشرق
والمغرب التوجه
إلى الكعبة
عند الصلاة
التي هي أعظم
العبادات
وأشرف
الطاعات
وأوجبها على
البريات بحيث لا
ينفك عنهم في
حال من
الحالات من
الصحة والمرض
والسفر
والحضر
والخوف
والأمن
والشباب والشيب
والسعة
والضيق
والفقر
والغنى
والحرق والغرق
وسائر
أحوالهم ،
فجعلها التي
هي مثال لتلك
الحقائق
المقدسة
المطهرة
وذكرا للبيعة المأخوذة
لهم عن الخلق
وجها لكل
الخلق من الإنس
والجن
والطيور
والوحوش
والملائكة ،
إلا أن ملائكة
السموات
يتوجهون إلى
البيت
المعمور الذي
هوعلى محاذاة
الكعبة
ومقابلتها
وعلى وصفها
وهيكلها
وهيئتها ،
فصار الخلق في
كل يوم وليلة
يذكرهم الله
سبحانه العهد
الذي أخذ عنهم
في عالم الذر
والبيعة التي
أحكمها هناك
لأمير المؤمنين
عليه السلام
وليّه
وخليفته
بأوقات
الصلاة حيث
جعلها خمسة
أوقات لظهور
الهاء في هو
في أهل العباء
عليهم السلام
، فوقت الظهر
لكمال
الاستيلاء
وبدء الوجود
وهو إشارة إلى
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم ،
ووقت العصر
الذي هو بعد
الظهر بلا
فاصلة وهو
إشارة لأمير
المؤمنين
عليه السلام
لأنه ظهر في
جلال العظمة
بعد جلال
القدرة
فالثاني
للشمس والأول
للقمر ، ووقت
المغرب وهو
إشارة إلى
فاطمة الصدّيقة
روحنا فداها
عليها السلام
وهي أول وقت
بعد غروب شمس
النبوّة ولذا
كان وقت
المغرب ضيّقاً
جدا لأنها قد
توفّيت بعد
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم في
مدّة قليلة
الظاهر أنها
خمس وسبعون
يوما ، ووقت
العشاء وهو
إشارة إلى
مولانا الحسن
عليه السلام
إذ في زمانه وأوانه
اشتدّت ظلمة
النفاق
والكفر
والطغيان وانمحت
بالكلّية
ظهور آثار
النبوّة ،
ووقت الصبح
وهو إشارة إلى
مولانا
الحسين عليه
السلام {إِنَّ
قُرْآنَ
الْفَجْرِ
كَانَ
مَشْهُودًا}1
لعن الله
قاتله فإن
شهادة الحسين
عليه السلام
أذهبت الظلمة
أي الشكوك
والشبهات عن قلوب
المؤمنين
لكنه بعدما
طلعت الشمس
عجّل الله
فرجهم وسهّل
الله مخرجهم
وسنشرح الأمر
إنشاء الله في
ما بعد ، وهذه
الأوقات
الخمسة المتعلّقة
بهؤلاء
الطاهرين
وجبت فيها
الصلاة إشارة
إلى أن
التوجّه إلى
الله ما يمكن
إلا بهم صلوات
الله عليهم
______________
1
الإسراء 78
(( من
أراد الله بدأ
بكم ومن وحّده
قبل عنكم ))1 ، وكذا
ذكّر الله
سبحانه الخلق
ذلك العهد بكيفيّة
الصلاة من
أعدادها
وهيئاتها وفرائضها
ونوافلها ،
وكذا ذكرهم
الله سبحانه
إياها بقبلة
الصلاة التي
هي جهة الكعبة
لاستقرار
الحجر في ركن
من أركانها ،
وكذا غيرها من
شرائطها
ومقدّماتها
وأركانها
وأفعالها ومنافياتها
، وكل
العبادات
غيرها أيضا
تذكير للعهد
والبيعة
المأخوذين في
عالم الذر
لأمير المؤمنين
والطيّبين من
أولاده عليهم
السلام .
وإنما
خصّ عليه
السلام تلك
البيعة بنفسه
المقدّسة مع
أن الأئمة
عليهم السلام
كلّهم
مشتركون فيها
حيث قال عليه
السلام (( والتزموا
بيعتي )) لأنه
عليه السلام
قد مرّ مفصّلا
أنه حامل لواء
الرّحمانية
وحامل لواء
الحمد وسائر
الأئمة عليهم
السلام منه
كالبدل مع المبدّل
منه وهو الأصل
في هذا اللواء
كالألف وهم متشعّبون
منه كالحروف
المنقطعة من
الألف وكالأفلاك
المنشعبة عن
الكرسي
والكرسي
المنشعب عن
العرش فافهم
إنشاء الله ،
والروايات والآيات
في كل ما
ذكرنا كثيرة
لا تحصى من
الفريقين من
طرقنا وطرق
المخالفين
وذكر المجموع
يؤدّي إلى
التطويل وقد
مرّ ذكر بعضها
وسنذكر فيما بعد
إنشاء الله في
خلال الكلام
إذا اقتضى المقام
.
ولما
كانت طاعة
الله سبحانه
ليست إلا
العمل بمقتضى
الربوبيّة إذ
مربوب كونا
وعينا ،
ومقتضاها
أمران عبادة
وعبوديّة ،
والعبادة هي
فعل ما يرضي
والعبوديّة
هي رضا ما
يفعل ، فكل
عبد يلزمه
الطّاعة على
النهج المذكور
، وكان حامل
تلك
الربوبيّة
علي أمير المؤمنين
عليه السلام
فوجب أخذ
البيعة على
الكل بولاية
أمير
المؤمنين
عليه السلام
ويجب على كل
أحد الالتزام
ببيعته
والانقياد
عند دعوته حتى
أنفسهم
المباركة
المقدّسة في
مقام الطاعة
والعبوديّة ،
فتتحد
المقامات
هناك لأن الله
عز وجل لما
جعلهم محالّ
المعرفة
ومساكن
البركة
ومواقع
الربوبيّة ثم
أمرهم بالقيام
بمقتضى تلك
الربوبيّة
الظاهرة فيهم
بهم وذلك
الأمر إنما
تعلّق بهم بهم
قال عليه
السلام (( تجلى
لها بها وبها
امتنع منها ))1 فافهم ،
إذ لا يجوز
التصريح
بأزيد من ذلك
، فأول ما
______________
1الاحتجاج
204
أخذ
الميثاق
والعهد عن
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم فقال له
به ألست
بربّكم ومحمد
نبيّكم وعلي
وليكم فهو صلى
الله عليه
وآله وسلم أول
من أجاب وهي الاستقامة
التي أمر الله
نبيّه صلى
الله عليه
وآله وسلم بأن
يستقيم عليها
ثم أجاب أمير
المؤمنين
عليه السلام
ثم الحسن ثم
الحسين عليهما
السلام بذلك
ثم القائم
المنتظر عجّل
الله فرجه ثم
الأئمة
الثمانية
سلام الله
عليهم ثم فاطمة
الزّهراء
عليها السلام
فهؤلاء هم قصبة
الياقوت
وحجاب الملك
والملكوت
وأبواب اللاهوت
والجبروت لقد
التزموا هذه
البيعة وأجابوا
هذه الدعوة
أشد التزام
وأعظم إجابة
ما قام بها
أحد سواهم
ولذا ورد أن
في الصراط
عقبات كئود لا
يقطعها
بسهولة إلا
محمد وأهل
بيته الطيّبونعليهم
السلام فقد
قاموا بحقّها
وأدّوا واجبها
و ما التفتوا
إلى ما سوى
الله ووقفوا
وبقوا في مقام
( لنا مع الله
حالات هوفيها
نحن ونحن فيها
هو وهو هو
ونحن نحن ) ففي
عالم التوحيد
لا كلام ولا
مقام ولا مذهب
فإن بالبيان
يظهر عناد
المنافقين
وريبة
الجاهلين .
ومستخبـر
عن سرّ ليلى
أجبته
بعمياء من
ليلى بلا
تعيين
يـقولون
خبـرّنا وأنت
أمينـها وما
أنـا إن
خـبّرتهم بأمـيـن
ففي
عالم الأسماء
هم أسماء الله
الحسنى قال
عليه السلام ((
نحن والله
الأسماء الحسنى
الذين لا يقبل
من أحد إلا
بمعرفتنا قال
: فادعوه بها ))1 ، وفي
عالم المعاني
هم معاني الله
ومعادن
كلماتهم قال
عليه السلام ((
أما المعاني
فنحن معانيه
ونحن علمه
ونحن حقّه
وإذا شئنا شاء
الله ويريد
الله ما نريد ))
، وفي عالم
العظمة
والجبروت هم
عظمة الله
وجبروته وهم
قدرته وعلمه
وجنبه ورحمته
وكبرياؤه وهم
عرشه
والمستوي
عليهم السلام
أوالمستوى
عليه ، وفي
عالم
الربوبيّة هم
ربوبيّة الله سبحانه
وهم باب الله
وهم بيت الله
وهم روح الله
وهم نور الله
وهم ذات الله
وهم نفس الله
القائمة
بالسنن ، وفي
كل ذلك وقع
التصريح في
كلماتهم
عليهم السلام
يجده
المتفحّص
الفطن المتتبع
في الأخبار
بنظر
الاعتبار .
____________
1
تفسير
العياشي 2/42
وبالجملة هم
لما التزموا
هذه البيعة
اختصوا بالله
سبحانه قال
عزّ وجل (( لا
يزال العبد
يتقرّب إليّ
بالنوافل
والعبادات
حتى أحبه فإذا
أحببته كنت
سمعه الذي
يسمع به وبصره
الذي يبصر به
ويده التي
يبطش به ورجله
التي يمشي بها
إن دعاني
أجبته وإن
سألني أعطيته
وإن استعاذني
أعذته ))1 وقال
أيضا عز وجل ((
يا بن آدم
أطعني أجعلك
مثلي )) ، وأجمل
القول في ذلك
مولانا أمير
المؤمنين عليه
السلام كما
ذكر غير مرّة ((
أقامه
في سائر
عالمه في
الأداء مقامه
إذ كان لا
تدركه الأبصار
ولا تحويه
خواطر الأفكار))2
وهو كلام جامع
لجميع ما
ذكرنا وما لم
نذكر فتفطّن ،
فهم عليهم
السلام كل
أفعالهم وأقوالهم
حكم الله
الواجب عليهم
والمستحب لهم
وربّما
يرتكبون
المكروه وهو
واجب عليهم .
وأما
الأنبياء
عليهم السلام
فلما سمعوا
نداء الحق
سبحانه ألست
بربّكم وذلك
النداء نور قد
سطع من نور
النداء الذي
وقع على محمد
وآله عليهم السلام
فأخذ عنهم
البيعة لأمير
المؤمنين بالولاية
كما رواه محمد
بن جرير
الطبري من
العامة عن ابن
عباس في تفسير
قوله عز وجل
{وَاسْأَلْ
مَنْ
أَرْسَلْنَا
____________
1
إرشاد القلوب
91
2الإقبال
461
مِن
قَبْلِكَ مِن
رُّسُلِنَا}1 أن النبي
صلى الله عليه
وآله وسلم قال
(( لما عرج بي
إلى السماء
فاجتمعت مع
الأنبياء
بأجمعهم
فجاءني
جبرائيل فقال
يا محمد
واسألهم بماذا
بعثوا
فسألتهم
فقالوا بعثنا
بشهادة أن لا
إله إلا الله
وبنبوّتك
وبولاية أمير
المؤمنين
عليه السلام ))2 وكلّهم
عليهم السلام
أجابوا هذه
الدعوة والتزموا
البيعة إلا
أنه تختلف
مراتبهم في
ذلك ، فأولوا
العزم ثبتوا
واستقرّوا في
التزام البيعة
وما تردّدوا
وما شكوا وما
توفّقوا وقد مضى
قليل من
أحوالهم ،
وأما غيرهم
عليهم السلام
فوقعت منهم
بعض الهفوات
الموهمة
بالتردد
والشك كما في
أيّوب عليه
السلام أنه لما
كان عند
الانبعاث عند
المنطق شكّ
وبكى وقال هذا
أمر عظيم وخطب
جسيم فأوحى
الله إليه يا
أيّوب أتشك في
صورة أنا
أقمته إني
ابتليت آدم
عليه السلام
بالبلاء
فوهبت له
بالتسليم له بإمرة
المؤمنين
وأنت تقول خطب
جسيم وأمر عظيم
لأذيقنّك
عذابي أوتتوب
إليّ بالطاعة
لأمير
المؤمنين
عليه السلام ،
وذلك لما ظهر
لأيّوب نور
التجلي وسمع
الوحي من كل
جانب بكل المشاعر
وعلم أن ذلك
من مخلوق
مصنوع لا
يشغله شأن من
شأن استعظمه
عند ذلك إذ
غاية ما
يفرّقون بين
المخلوق
والخالق إنما
هو ذلك فلما
وجده منتفيا
في المخلوق
استعجب وبذلك
حدثت حرارة
باطنيّة
استلزمت
ذوبان
الجوارح
فاستعبر وبكى
وأخرج الدموع
المتحقق من
عصر القلب
الساري في
الجوارح كلها
بحرارة حركة
الباطن واضطرابه
، وإنما تخرج
الدموع من
العين لأنها
أقرب القوى
إلى الرطوبة
والرطوبة
فيها دائمة مستمرّة
كالأنف فميل
المناسب إلى
المناسب أشد
وأعظم
بالنسبة إلى
غيره ، ولما
كانت تلك
الحرارة الداعية
لذوبان
الباطن
المستـلزم
_______________
1
الزخرف 45
2
وجدنا ما يقرب
من هذا الحديث
في كتاب
الصراط المستقيم
1/244 أنه صلى الله
عليه وآله قال
(( لما أسري بي
إلى السماء
جمع الله
تعالى بيني
وبين
الأنبياء
وقال سلهم على
ما بعثتم
فسألتهم ,
فقالوا : على
شهادة ألا إله
إلا الله
والإقرار
بنبوتك
والولاية لعلي
بن أبي طالب
عليه السلام ))
للبكاء
لم تكن من جهة
الحق سبحانه
أحدثت الداء
فإن الدواء
ليس إلا اسم
الله وذكره ((
يا من اسمه
دواء وذكره
شفاء ))1 ،
ولما كانت تلك
الحرارة
مجتثّة لم يكن
لها أصل من
النور الإلهي
ذهبت وولّت
بعدما عفنت
القوى
والجوارح
وأذابت وما
أتى لها مدد
قوي لانعقادها
ونضجها اقتضت
دوام عفونة
البدن وتكوّن
الدّود بذلك ،
ولما كان ذلك
التردّد
والخطور ليس
أمرا حقيقيا قلبيا
من أيوب النبي
عليه السلام
ليقتضي الظهور
يوم القيامة
ظهرت تلك
العفونة
الرديئة المستلزمة
لتكوّن
الدّود في
ظاهر جسده ولم
يتسلّط على
قلبه اللّحم
الصّنوبري
لأنه لم يزل متصلا
بحرارة ظهور
الحق سبحانه
فافهم إنشاء الله
.
__________________
1 دعاء
كميل
وأما
آدم عليه
السلام فقد
ورد عن أبي جعـفر
عليه السلام
في قول الله
عز وجل
{وَلَقَدْ
عَهِدْنَا
إِلَى آدَمَ
مِن قَبْلُ
فَنَسِيَ
وَلَمْ
نَجِدْ لَهُ
عَزْمًا}1
قال (( عهدنا
إليه في محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
والأئمة من
بعده فترك ولم
يكن له عزما
فيهم
أنهم هكذا ،
وإنما سمّي
أولوا العزم
لأنهم عهد
إليهم في محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
والأوصياء من
بعده عليهم
السلام
والمهدي
عليه السلام
وسيرته
فأجـمع عزمهم
أن ذلك كذلك
والإقرار به ))2
، وعن أبي عبد الله
عليه السلام
في قـوله
تعـالى
{وَلَقَدْ عَهِدْنَـا
إِلَى آدَمَ
مِن قَبْلُ} ((
كلمات في محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
وعلي وفاطمة
والحسن
والحسين
عليهم السلام
والأئمة
عليهم السلام
من ذرّيتهم
فنسي كذا
أنزلت على
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم ))3 .
في
الكافي عن أبي
جعفر عليه
السلام في
حديث الطينة إلى
أن قال عليه
السلام (( ثم
أخذ الميثاق
على النبيّين
فقال ألست
بربّكم وأن
هذا محمد رسولي
وأن هذا علي
أمير
المؤمنين
عليه السلام
قالوا بلى
فثبتت لهم
النبوّة وأخذ
الميثاق على أولي
العزم إنني
ربّكم ومحمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
رسولي وعلي
أمير
المؤمنين
عليه السلام
وأوصياؤه من
بعد ولاة أمري
وخزان علمي عليهم
السلام وأن
المهدي أنتصر
به لديني وأظهر
به دولتي
وأنتقم به من
أعدائي وأعبد
به طوعا وكرها
قالوا أقررنا
يا رب وشهدنا
ولم يجحد آدم
ولم يقر فثبتت
العزيمة
لهؤلاء
الخمسة في المهدي
ولم يكن لآدم
عزم على
الإقرار به وهو
قوله عز وجل
{وَلَقَدْ
عَهِدْنَا
إِلَى آدَمَ
مِن قَبْلُ
فَنَسِيَ
وَلَمْ
نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}
قال إنما هو
، فترك ثم أمر
نارا فأحجبت
فقال لأصحاب
الشمال
ادخلوها
فهابوها وقال
لأصحاب
اليمين
ادخلوها
فدخلوها
فكانت عليهم
بردا وسلاما
فقال أصحاب
الشمال يا رب
أقلنا فقال قد
أقـلتكم
اذهبوا
فادخلوا
فهابوها
_________________
1 طه 115 2 علل
الشرائع 122
3
المناقب 3/320
فثم
ثبتت الطاعة
والولاية
والمعصية))1 .
ولما
كان الظهور
الكلي التام
الذي به
القوام إنما
يكون بالقائم
عليه السلام
صعب الإقرار
به كصعـوبة
الإقرار بعلي
عليه السلام
بالنسبة إلى
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم ولذا
قال عز وجل {
{وَاسْتَعِينُواْ
بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاَةِ}
فالصبر هو
محمد صلى
الله عليه
وآله وسلم والصلاة
هو أمير
المؤمنين
عليه السلام
{وَإِنَّهَا}
أي الصلاة
التي هي ولاية
أمير
المؤمنين
عليه السلام
{لَكَبِيرَةٌ}
عظيمة لصعوبة
أمرها وشدّة
ثقلها {
إِلاَّ عَلَى
الْخَاشِعِينَ
*
الَّذِينَ
يَظُنُّونَ
أَنَّهُم
مُّلاَقُو
رَبِّهِمْ}2
عند ظهور
القائم عليه
السلام فلذا
أقرّوا برسول
الله صلى
الله عليه
وآله وسلم ولم
يقرّوا بعلي
عليه السلام
فصار
المقرّين
بعلي عليه
السلام هم الخواص
، وترى كثيرا
ممن أقر بأمير
المؤمنين عليه
السلام في
الظاهر وجعله
إماما في
الاعتقاد بلا
فصل لكنه أنكر
القائم وكل من
أقرّ بالقائم
عليه السلام
واستقام فمن
أهل النجاة
يـقيـنا فهم
أخص الخواص
وإليهم
الإشارة
بقوله عز وجل
{وَمَا آمَنَ
مَعَهُ
إِلاَّ
قَلِيلٌ}3 وقـال عز
وجل
_________________
1
الكافي 2/8 ح 1 2
البقرة 45 - 46
3 هود 40
{وَقَلِيلٌ
مِّنْ
عِبَادِيَ
الشَّكُورُ}1
ولذا كان
توقّف
الأنبياء
عليهم السلام
كلّهم في
القائم عليه
السلام وهذا
التوقف
هوبعينه
التوقف في
غيره عليه
السلام كما سمعت
من الأخبار
المتقدّمة في
توقّف آدم على
المجموع وعلى
القائم عليه
السلام وذلك
حين أظهر الله
من أسرار
الربوبيّة
الظاهرة فيه
عليه السلام
ما لم
يتحمّلها آدم
عليه السلام
لعدم
الاعتدال
التام فيه
وغلبة
اليبوسة
الترابيّة
المانعة عن
الذوبان
والانتشار في
عوالم القدس
ليرى مقاماته
عليه السلام
الظاهرة فيه به
فتوقّف عن حمل
تلك الأسرار
والسير في
خلال تلك
الديار لا أنه
هل هو ولي أم
لا فإن هذا
التوقّف يؤدي
إلى الكفر
العياذ بالله
، وآدم عليه السلام
أجل شأنا من
ذلك وإنه
المخلص في ولائهم
{فَتَلَقَّى
آدَمُ مِن
رَّبِّهِ
كَلِمَاتٍ}2
وهم الأئمة
الأربعة عشر
المعصومين عليهم
السلام ، أو
أن عدم التزام
البيعة في آدم
كان من جهة
أكل الشجرة
المنهية
وأمثال ذلك من
الأمور التي
يطول بذكرها
الكلام ،
وهكذا كان تردد
يونس عليه
السلام {
{وَذَا
النُّونِ إِذ
ذَّهَبَ
مُغَاضِبًا
فَظَنَّ أَن
لَّن نَّقْدِرَ
عَلَيْهِ
فَنَادَى فِي
الظُّلُمَاتِ
أَن لَّا
إِلَهَ
إِلَّا أَنتَ
سُبْحَانَكَ
إِنِّي كُنتُ
مِنَ
الظَّالِمِينَ
*
فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ
وَنَجَّيْنَاهُ
مِنَ
الْغَمِّ
وَكَذَلِكَ
_______________
1
البقرة 37
2 سبأ 13
نُنجِي
الْمُؤْمِنِينَ
}1 وتردد
يعقوب لما
{قَالَ إِنِّي
لَيَحْزُنُنِي
أَن
تَذْهَبُواْ
بِهِ
وَأَخَافُ
أَن يَأْكُلَهُ
الذِّئْبُ
وَأَنتُمْ
عَنْهُ غَافِلُونَ}2
وتردد يوسف
عليه السلام
{وَقَالَ لِلَّذِي
ظَنَّ
أَنَّهُ
نَاجٍ
مِّنْهُمَا
اذْكُرْنِي
عِندَ رَبِّكَ
فَأَنسَاهُ
الشَّيْطَانُ
ذِكْرَ رَبِّهِ
فَلَبِثَ فِي
السِّجْنِ
بِضْعَ سِنِينَ}3
وهكذا الكلام
في غيرهم من
الأنبياء الكرام
عليهم السلام
الشامل التام
العام ، وهكذا
التردد إنما
هو حسنات
الأبرار التي
هي سيئات
المقربين ،
وبيعة أمير
المؤمنين
عليه السلام
هي الدين
الخالص في
قوله عز وجل
{أَلَا
لِلَّهِ الدِّينُ
الْخَالِصُ}4
فالتزام
البيعة لكل أحد
هو أن يقول لا
إلـه إلا الله
ولا نعبد إلا
إيّاه مخلصين
له الدين
ولوكره
المشركون .
وأما
الطبقة
الإنسانية
فلما سمعوا ذلك
النداء من نور
النداء
السّاطع من
نور نداء
الأنبياء
عليهم السلام
أجابوا ذلك
وقبلوا بيعة
مولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام
والتزموا
بيعته على
مقتضى
المشيئة
الحتمية ، لكن
ذلك الالتزام
ما يثمر لهم
النور ولا
يبلغهم إلى
عالم السرور
إذ لم يتخلف
عنها أحد إلا
فنى وعدم
واضمحل سواء
قبلها على جهة
الموافقة أو
على جهة
المخالفة لأن
عليّا عليه
السلام هو باب
السّور الذي
باطنه فيه
الرحمة
وظاهره من قبله
العذاب وكل
الوجود من
الغيبة
والشهود يجري
على البيعة
التي أخذها
الله عز وجل
له عليه
السلام عنهم
وتلك هي
البيعة
العامة
الشاملة ،
فالكافر إنما
دخل النار
بالتزامه
بيعة علي عليه
السلام
والمؤمن إنما
دخل الجنة بالتزامه
إياها ،
والمستقيم
إنما استقام
بالتزامها
والمعوج إنما
اعوج
بالتزامها ،
وهي البيعة
المطلقة
العامة
للمقصود
بالذات
والمقصود
بالغير .
وأما
البيعة
الحقيقية فهي
وفق المشيئة
العزمية وهي
صرف ما خلق
لما خلق أولا
بالذات لا
ثانيا
وبالعرض ، وهي
صورة الكينونة
الإلهية
واللطيفة
الربانية
وهيكل التوحيد
وشبح التفريد
والتمجيد ،
وهذا الهيكل
مركبة ملتئمة
عن حدود وخطوط
، حدّ التقوى
وحدّ الإيمان
وحدّ العمل
وحدّ الذكر
وحدّ الفكر وحدّ
التوجه
والإقـبال
إلى الله
سبحانه وحدّ الرضا
بقضاء الله
وقدره وحدّ
الصلاة وحدّ
الزكاة وحدّ
الصـيام وحدّ
الحج وحدّ
الجـهاد كلها
في
_______________
1
الأنبياء 87 -88 2 يوسف 13 3 يوسف 42
4
الزمر 3
الظاهر
والباطن وحدّ
الصبر وحدّ
الاطمئنان وحّد
التوكل وحدّ
الصمت عن
الخلق وحدّ
الانقطاع عن
المخلوقين
وحدّ الإخلاص
وحدّ الورع
وحدّ الزهد
وحدّ الخوف
وحدّ الرهبة
وحدّ العلم
وحدّ الخشوع
والخضوع
والمسكنة
وحدّ اليقين
وحدّ التواضع
وحدّ الرجاء
وحدّ السكون
وحدّ طمأنينة
القلب وحدّ
المعرفة وحدّ
المحبّة وحدّ الفقر
المحض
والفناء
الخالص
وأمثال ذلك من
الشرائط
الإنسانية ،
فالأخذ بكل
حدّ من هذه
الحدود هوالتزام
بيعة أمير
المؤمنين
عليه السلام والعاصي
لا يلتزم
البيعة حين
عصيانه بل
مخالف لها
وحاد
عنها قال {لَا
تَجِدُ قَوْمًا
يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ
يُوَادُّونَ
مَنْ حَادَّ
اللَّهَ
وَرَسُولَهُ
وَلَوْ
كَانُوا
آبَاءهُمْ
أَوْ
أَبْنَاءهُمْ
أَوْ
إِخْوَانَهُمْ
أَوْ
عَشِيرَتَهُمْ
أُوْلَئِكَ
كَتَبَ فِي
قُلُوبِهِمُ
الْإِيمَانَ
وَأَيَّدَهُم
بِرُوحٍ
مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ
جَنَّاتٍ}1 ,
وكل من أقبل
على أعداء
أمير
المؤمنين
عليه السلام في أمر من
الأمور وحال
من الأحوال في
المآكل
والمشارب
والملابس
والصحبة
الظّاهرية أو
أخذ المسائل
عنهم من دون
تقية أو
مراجعة كتبهم
ومطالعة
مصنّفاتهم
وتفحّص الحق
من أساطيرهم
وزبرهم أو
النظر في
تفاسيرهم
وأخبارهم
وسيرهم وعن كل
ما ينسب إليهم
فهو ممن ما
التزم بيعة
أمير
المؤمنين عليه
السلام وما
امتثل بقوله عليه
السلام ((
والتزموا
بيعتي )) ولذا
قال عليه
السلام (( إن
شيعتنا لا
يسألون
أعدائنا ولو
يموتون جوعا ))
والسؤال عام
شامل لما
ذكرنا كله وما
لم نذكر فإنه عليه
السلام وروحي
فداه عالم
مطلق وغنيّ
مطلق وكامل
مطلق جعله
الله سبحانه
أمينا على
خلقه وحافظا
لعباده وعينا
في بلاده
فعنده عليه
السلام جميع ما
يحتاج إليه
الخلق في
تكوينهم
وتشريعهم
وذواتهم
وصفاتهم ولا
فرق بين حياته
وموته فإنه
يتصرّف في
مماته كما
يتصرّف في
حياته ولا
يخفى عليه شيء
في الأرض ولا
في السماء
بفضل الله
وحوله وقوّته
لأنه عليه
السلام حامل
إرادته ومحلّ
مشيئته
_______________
1
المجادلة 22
والله
سبحانـه يقول
{عَالِمُ
الْغَيْبِ
فَلَا
يُظْهِرُ
عَلَى
غَيْبِهِ
أَحَدًا
إِلَّا مَنِ
ارْتَضَى مِن
رَّسُولٍ}1
والمرتضى من محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
هوعلي عليه
السلام فأحوال
الخلق كلهم
كلها عنده عليه
السلام كالدرهم
بين يدي أحدكم
فما طلبه أحد
إلا وقد وجده
وما استغاث به
أحد إلا وقد
أغاثه وما دعاه
مريض إلا وجده
طبيبا وعطشان
إلا وقد وجده
ساقيا وجوعان
إلا وقد وجده
معطيا ومظلوم
إلا وقد وجده
ناصرا ومكروب
إلا وقد وجده
كاشفا ومتوحّد
إلا وقد وجده
مؤنسا وغريب
إلا وقد وجده
صاحبا وسائل
إلا وقد وجده
معطيا ملبيا
ومتعلّم إلا
وقد وجده
عالما معلّما
، وبالجملة
هوغياث
المضطرّ
المستكين
وملجأ
الخائفين
وعصمة
المعتصمين
ولا تضرّه
غيبته عن
أبصار
الخلائق
وإنما هو
يراهم ولا
يرونه ويدبّرهم
ولا يشعرونه
فأنى يعدل عنه
وأنّى يسأل
غيره ، وكيف
تراجع كتب
المخالفين
المملوءة من
إلقاء
الشياطين
وشبهات
المنافـقين
وكيد الفاسقين
وضغن
الكافرين ،
والله لقد
ارتكب العار
والتزم
الشنار من
توهّم أن الحق
يطلب من غيره
والطيّبين من
أولاده عليه
السلام أو أنه
يحصل من كتب
الحكماء
الفاسقين
وخرافات
الصوّفية
الملحدين و
مخترعات
المشّائين
وهذيانات
المتكلّمين
وقياسات
أصحاب الظنّ
والتّخمين
واستحسانهم
بمجرّد الرأي
من دون بصيرة
ويقين لعنة
الله عليهم
إلى يوم الدين
، ما للشّيعة
ولهم وقد بدت
بينهم وبينهم
العداوة
والبغضاء حتى
يؤمنوا بالله
وحده فـكل من
تبعهم فإنه
_________________
1 الجن 26
- 27
منهم
{يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا
قَوْمًا
غَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ}1
{مَّا هُم
مِّنكُمْ
وَلَا
مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ
عَلَى
الْكَذِبِ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ}2
{وَيَحْلِفُونَ
بِاللّهِ
إِنَّهُمْ
لَمِنكُمْ
وَمَا هُم
مِّنكُمْ
وَلَكِنَّهُمْ
قَوْمٌ
يَفْرَقُونَ}3
ويأتي إنشاء
الله لهذا
الكلام زيادة
شرح فيما بعد
بعون الله
وقوّته .
وأما
البهائم من
أنواع
الحيوانات الغالب
عليهم التراب
كالفرس
والبقر
والغنم وأمثالها
مما يدبّ في
الأرض ،
والغالب
عليهم عنصر الهواء
كالطيور
والحيوانات
المتكوّنة في
الجو ،
والغالب
عليهم عنصر
الماء
كالحيتان والحيوانات
المتكوّنة في
الماء ،
والغالب عليهم
عنصر النار
كسمندر آكل
النار
وأمثاله ، والغالب
عليهم
الطّبيعتان
كالتراب
والماء كالحيوانات
التي تعيش في
الماء والأرض
معا ، وكالهواء
والماء
والتراب
كالحيوانات
التي تعيش في
الماء من
الطيور كالبط
وأمثالها ،
والحيوانات التي
هي برازخ بين
النبات
والحيوان
كالحشرات من
الحيّة
والوزغ
وأقسام
الدّود
وغيرها منها ،
وكذا غيرها من
الحيوانات
لما أتاهم
النداء
بالبيعة
قبلوا إلا أن
البيعة
وقبولها على قسمين
كما ذكرنا في
الإنسان حرفا
بحرف ، وهكذا
حكم النباتات
والجمادات
ويعرف أمرها
مما سبق في التوحيد
وقد جمع
مولانا
الحسين عليه
السلام كل ذلك في
حديث زرارة بن
أعين في ذكر
عبد الله بن
شدّاد
اللّيثي حين
مرض وعاده
الحسين عليه
السلام ، فلما
دخل من باب
الدّار طارت
الحمّى عن
الرجل فقال ((
قد رضيت بما
أوتيتم به حقا
حقا والحمى
لتهرب عنكم
فقال له والله
ما خلق الله
شيئا إلا وقد
أمره بالطاعة
لنا يا كبّاسة
قال فإذا نحن
نسمع الصّوت
ولا نرى الشخص
يقول لبّيك
قال أليس أمرك
أمير
المؤمنين عليه
السلام ألا
_______________
1
الممتحنة 13 2
المجادلة 14 3
التوبة 56
تقربي
إلا عدوّا أو
مذنبا لكي
تكوني كفّارة
لذنوبـه فما
بال هذا ))1
الحديث ، وقد
نطقت الحمى بلسان
عربي مبين حين
ناداها
الحسين عليه
السلام وهي ليست
في الظّاهر من
الجواهر
والكلام المسموع
منها فعل
الأجسام وقد
أقسم عليه
السلام وأخبر
أنه ما خلق
الله شيئا إلا
وقد أمره بالطاعة
لهم وأخذ
البيـعة لهم عليهم
السلام عنهم وقد
صرّح بذلك
مولانا
الصادق عليه
السلام في
تـفسيـر بسم
الله الرحمن
الرحيم قال عليه
السلام (( الباء
بهاء الله
والسين سناء
الله والميم ملك
الله والله
الألف آلاء
الله على خلقه
من النعيم بولايتنا
واللام إلزام
خلقه ولايتنا
والهاء هوان
لمن خالف
محمدا
________________
1 لم
نجد هذه
الرواية كما
هي في هذا
الشرح وإنما
وجدنا ما يقرب
منها وهو ما
روي في البحار
44/183 ح 8 عن زرارة
بن أعين قال ((
سمعت أبا عبد
الله عليه
السلام يحدث
عن آبائه
عليهم السلام
أن مريضا شديد
الحمى عاده
الحسين عليه
السلام فلما
دخل من باب
الدار طارت
الحمى عن
الرجل فقال له
: رضيت بما
أوتيتم به حقا
حقا
والحمىتهرب عنكم
, فقال له
الحسين عليه
السلام: والله
ما خلق الله
شيئا إلا وقد
أمره بالطاعة
لنا , قال فإذا
نحن نسمع
الصوت ولا نرى
الشخص يقول
لبيك , قال :
أليس أمير
المؤمنين
عليه السلام
أمرك أن لا
تقربي إلا
عدوا أو مذنبا
لكي تكوني
كفارة لذنوبه
فما بال هذا ,
فكان المريض
عبد الله بن
شداد بن الهاد
الليثي ))
وآل
محمد ))1 .
فلما
ألزم كل الخلق
ولايتهم فوجب
على كلّهم التزام
بيعتهم وإلا
فهوان عليهم
وبوار ودثور
وقوله تعالى
{إِنَّا
عَرَضْنَا
الْأَمَانَةَ
عَلَى
السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ
أَن
يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ
مِنْهَا
وَحَمَلَهَا
الْإِنسَانُ
إِنَّهُ كَانَ
ظَلُومًا
جَهُولًا}2
إشارة إلى هذا
الذي ذكرنا
فإنه قد
تواردت
الأخبار
والآثار عن
الأئمة
الأطهار
عليهم السلام
أن الأمانة هي
ولاية أمير
المؤمنين
عليه السلام
لقد عرض الله
سبحانه عرض
تحمّل فأبين
عن ذلك
وإبائهن
وإقرارهن
بالتابعيّة
للولاية إذ لا
واسطة بين
التابع
والمتبوع في
هذا المقام ، وقد
تقدّم حديث
عرض الولاية
على الخلق
لنذكره أيضا
إيضاحا للأمر
في حديث الرضا
عليه السلام
على ما رواه
السيد في
الإقبال في
وصف يوم
الغدير إلى أن
قال عليه
السلام (( في
يوم الغدير
عرض الله الولاية
على أهل
السموات
السبع فسبق
إليها أهل
السماء
السابعة
فزيّن بها
بالعرش ثم سبق
إليها أهل
السماء
الرابعة
فزيّنها
بالبيت المعمور
ثم سبق إليها
أهل السماء
الدّنيا
فزيّنها
بالكواكب ثمّ
عرضها على
الأرضين
فسبقت مكّة
فزيّنها
بالكعبة ثم
سبقت إليها
المدينة فزيّنها
بالمصطفى
محمد صلى الله
عليه وآله وسلم
ثم سبقت إليها
الكوفة
فزيّنها
بأمير
المؤمنين عليه
السلام
وعرضها على
الجبال فأول
جبل أقر بذلك
ثلاث جبال
أجبال العقيق
وجبل
الفيروزج وجبل
الياقوت
فصارت هذه
الجبال
جبالهن وأفضل
الجواهر ، ثم
سبقت إليها
جبال أخر
فصارت معادن
الذهب
والفضّة وما
لم يقرّ بذلك
ولم يقبل صارت
لا تنبت
شيئا ، وعرضت
في ذلك اليوم على
المياه فما
قبل منها صار
عذبا وما أنكر
صار ملحا
أجاجا ،
وعرضها في ذلك
اليوم على
النبات فما
قبله صار حلوا
طيبا وما لم
يقبل صار مرا ،
ثم عرضها في
ذلك اليوم على
الطير فما
قبلها صار
فصيحا مصوّتا
وما
_____________
1 التوحيد
230 2
الأحزاب 72
أنكرها
صار أخرس مثل
اللكن))1
الحديث ، وهو
ما ورد في هذا
الشأن من سائر
الأخبار
الصريحة فما ذكرنا
من أخذ البيعة
على كل مخلوق
ووجوب التزامها
عليهم إذ
للمخالف
الهوان
الأكبر العياذ
بالله
منه .
___________________
1
الإقبال 465
قوله
عليه السلام
وواظبوا على
الدين بحسن اليقين
تأكيد
وتثبيت للزوم
البيعة وبيان
أن تلك
الملازمة هي
دين الله
الخالص إلا
أنه عليه
السلام أشار
بهذه الفقرة
المباركة
الشريفة إلى
بيان مراتب
ملتزمي
البيعة
والمواظبين
على الدين أي
المعاهدين
والملازمين
والمداومين
عليه ورفع
العذر في عدم
تفرّده بجهاد
المنافقين
والكافرين
وتجنيد
الجنود وجمع
العساكر لذلك
وقطع شبهة
الجهّال حيث
ركنوا إلى كل
من ينتحل
الولاية
وقبلوا منه
كلّما يقول
ويختار .
وبيان
ذلك بالإجمال
اعلم أن الله
سبحانه لما
أقام الخلق في
الخلق الأول في
عالم {كَانَ
النَّاسُ
أُمَّةً
وَاحِدَةً}1
فسألهم عن
الولاية
الجامعة
للربوبيّة
والنبوّة
والإمامة
فصار الخلق
كلّهم في
الإجابة على
خمسة أقسام
وتجمعها
ثـلاث أقسام ،
الأول الذين
أجابوا
وقبلوا عن
معرفة وبصيرة
ويقين خالص
وهم الذين قال
الله سبحانه
{إِلَّا مَن شَهِدَ
بِالْحَقِّ
وَهُمْ
يَعْلَمُونَ}2
وهؤلاء خلقهم
الله سبحانه
في الخلق
الثاني من طينة
علّيين على
هيكل التوحيد
الصورة
الإنسانية ،
الثاني الذين
أنكروا
وعاندوا
وكفروا عن بصيـرة
ومعرفة قـال
الله سبحانـه
فـيهم {وَجَحَدُوا
بِهَا} أي
الولاية {
وَاسْتَيْقَنَتْهَا
أَنفُسُهُمْ
ظُلْمًا
_______________
1
البقرة 213 2
الزخرف 86
وَعُلُوًّا}1
وقال عز وجل
{يَعْرِفُونَ
نِعْمَتَ
اللّهِ ثُمَّ
يُنكِرُونَهَا
وَأَكْثَرُهُمُ
الْكَافِرُونَ}2
وهؤلاء خلقهم
الله سبحانه
من طينة سجّين
أسفل السافلين
وألبسهم صور
البهائم
والحيوانات
كالكلب والخنزير
والقرد
والسبع
والفيل
وأمثالها، لكن
لما كان
المنكرون في
غاية النفاق
ومنتهى مقامات
الشقاق
أظهروا
النفاق
وأقروّا
ظاهرا ليلتبسوا
على المقرّين
ويخرجونهم
عن الدّين
، والتلبيس لا
يمكن إلا
بتحقيق المناسبة
أما سمعت أن
إبليس كيف
توصّل إلى آدم
عليه السلام
وصعد إلى
السماء
بواسطة
الطّاووس والحيّة
فلو لم يكونا
لم يتوصّل
إبليس إلى آدم
عليه السلام
أبدا ، فهؤلاء
الأخباث
لإظهار النفاق
وإغواء
الخلائق عن
طريق الرشاد
أقروا بظاهر
اللسان
فعاملهم الله
سبحانه بظاهر
دعواهم
فألبسهم
الصورة
الإنسانية
كما قال مولانا
سيد الساجدين
في دعاء السحر
(( فإن قوما آمنوا
بألسنتهم
ليحقنوا به
دماءهم
فأدركوا أمّلوا
))3 الدعاء ، فهم
كلاب وخنازير
وقردة وسباع وغيرها
من صور
البهائم
ناكسوا
رؤوسهم عند ربّهم
وفي الظّاهر
إنسان في
الصورة ،
الثالثة الذين
توقّفوا
وتحيّروا ما
عرفوا الأمر
وما ظهر لهم
الحق لغلبة
الرطوبة
عليهم أو
لتمكّن شبه
المخالفين
فيهم بحيث
أوصلتهم إلى
مقام التوقّف
وعدم ترجيح
الأمر ، أو
لتعلّق
قلوبهم بأمراض
لم يشعر بما
سواه ولعدم
دخول البيت من
بابه لجهله أو
بأمور أخر
فهؤلاء
توقّفوا في الباطن
وتحيّروا
وأجابوا في
الظّاهر فخلق
ظاهرهم من
الصورة
الإنسانيّة
أي صورة
الإجابة وبقيت
بواطنهم لم
تخلق ، فمنهم
من تخلق بواطنهم
في الدّنيا
ومنهم في
البرزخ ومنهم
في الآخرة على
حسب رقّة
الموانع
وغلظتها ،
وهؤلاء الأقسام
كلّهم في
الصّورة
الظّاهرية
سواء قد قبلوا
الولاية حسب
دعواهم .
ولا
ينجو من هذه
الثلاثة إلا
الأولون
الذين واظبوا
على الدين
الذي هو ولاية
أمير المؤمنين
عليه السلام
على اليقين
وشهدوا بالحق
وهم يعلمون
ولا بد أن
تظهر هذه
الفرقة من بينهم
فلهم علامات ،
وعلة هذا
الظهور أمور
وأسبابه
أشياء نذكرها
إنشاء الله
عند قوله عليه
السلام فيما
بعد (( وبالأمس
تكفهر عليه
جنود أهل
الشام فلا يخرج
إليها )) .
ثم
والمواظبة
على الدين هي
المعاهدة
بتلك الحدود
السابقة
المتقدمة من
حدود الصورة
الإنسانية
وقد أشار إلى
المقامات
مولانا أبو
جعفر عليه السلام
قال (( إن
القلوب أربعة
قلب فيه نفاق
وإيمان وقلب
منكوس وقلب
ومطبوع وقلب
أزهر أنور ، فقلت : ما
الأزهر ؟ ،
قال : فيه
كهيئة السراج
، وأما
المطبوع فقلب
المنافق ،
أاما الأزهر
فقلب المؤمن
إن أعطاه الله
عز وجل شكر وإن
ابتلاه صبر ،
وأما المنكوس
فقلب المشرك
ثم قرأ هذه
الآية
{أَفَمَن
يَمْشِي
مُكِبًّا عَلَى
وَجْهِهِ
أَهْدَى
أَمَّن
يَمْشِي
سَوِيًّا
عَلَى
صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ}1
، أما القلب
الذي فيه
إيـمان ونفاق
فهم قوم كانوا
بالطائف وإن
أدرك أحدهم
أجله على
نـفاقه هلك
وإن أدركه على
إيـمانه نجى ))2
، وعنه عليه
السلام قال (( القلوب
ثلاثة قلب
منكوس لا يعي
شيئا من الخير
وهو قلب
الكافر ، وقلب
فيه نكتة
سوداء فالخير والشر
فيه يعتلجان
فما كان منه
أقوى غلب عليه
، وقلب مفتوح
فيه مصباح
يزهر ولا
يـطفأ نوره إلى
يوم القيامة
وهو قلب
المؤمن ))3 ،
فشيعة أمير
المؤمنين
عليه السلام
هوالثالث لأن
ذلك الانفتاح
وظهور تلك
المصابيح لا يتحقق
إلا بالإخلاص
، والإخلاص
مسبب عن اليقين
، واليقين
مسبب عن دوام
النظر والفكر
في الآفاق
والأنفس ،
ودوام النظر
مسبب عن الصمت
، والصمت هو
الإعراض
بالقلب عن كل
ما سوى الله
تعالى ، فلما
أوجب عليه
السلام
المواظبة على
الدين بحسن
اليقين أوجب
هذه الأمور
كلها إذ ما لا
يتم الواجب
إلا به وهو
مقدور واجب
فمن لم تجد
فيه هذه
الأمور فاعلم
أنه في
انتحاله ولاية
أمير
المؤمنين
عليه السلام
مدّع بغير حقيقة
ولذا قال
مولانا
أبوعبد الله
عليه السلام
لأصحابه ذات
يوم (( تجد
الرجل لا يخطي
بلام ولا
واوالا وتجده
خطيبا مصقعا
ولقلبه أشد ظلمة
من الليل
المظلم ، وتجد
الرجل لا
يستطيع يعبر
ما في قلبه
بلسانه وقلبه
يزهر كما
______________
1
الملك 22 3,2
معاني
الأخبار 395
يزهر
المصباح ))1 .
ولا
تتحقق
الموالاة
الكاملة
والعبودية
المحضة إلا
بحسن اليقين
واليقين له
درجات و
مقامات
وهوأقل ما قسم
الله بين
العباد ، وقد
سئل مولانا
الرضا عليه
السلام عن
الإيمان والإسلام
فقال قال
أبوجعفر عليه
السلام (( إنما
هو الإسلام
والإيمان
فوقه بدرجة والتقوى
فوق الإيمان
بدرجة
واليقين فوق
التقوى بدرجة
ولم يقسم بين
ولد آدم شيء
أقل من اليقين
، قال : قلت فأي
شيء من اليقين
، قال : التوكل على
الله
والتسليم لله
والرضا بقضاء
الله والتفويض
إلى الله، قلت
: ما تفسير ذلك
؟ قال هكذا
قال أبوجعفر
عليه السلام ))2 .
وعنه عليه
السلام قال ((
الإيمان فوق الإسلام
بدرجة
والتقوى فوق
الإيمان
بدرجة ولم
يقسم بين
العباد شيء
أقل من اليقين
))3 .
وعن
أبي بصير قال
قال لي أبوعبد
الله عليه
السلام (( يا
أبا محمد
الإسلام درجة
، قلت : نعم ،
قال :
والإيمان على
الإسلام درجة
، قلت :
نعم ، قال :
والتقوى على
الإيمان درجة
، قال : قلت نعم
، قال :
واليقين على
التقوى درجة ،
قلت : نعم ، قال :
فما أوتي
الناس أقل من
اليقين ،
وإنما
تمسّكتم
بأدنى
الإسلام
فإيّاكم أن
ينفلت من
أيديكم ))4 .
وأما
حقيقة هذا
اليقين الذي
أمر عليه السلام
بالمواظبة
على الدين به
فهي كما روي
عن أبي جعفر
عليه السلام
قال عليه
السلام (( بينا
رسول الله ذات
يوم في بعض
أسفاره إذ
لقيه ركب
فقالوا :
السلام عليك
يا رسول الله
، فالتفت
إليهم فقال :
ما أنتم ،
قالوا :
مؤمنون ، قال : فما
حقيقة
إيمانكم ،
قالوا : الرضا
بقضاء الله
والتسليم
لأمر الله
والتفويض إلى
الله ،
فقال رسول
الله عليه
السلام : علماء
حكماء كادوا
أن يكونوا من
الحكمة
أنبياء ، فإن
كنتم صادقين
فلا تبنوا ما
لا تسكنون ولا
تجمعـوا ما لا
تأكلون
واتقوا الله
____________________
1
مجموعة ورام
2/210 2 مشكاة
الأنوار 11 - 12
3
العدد القوية
299 4
البحار 70/137 ح 3
الذي
إليه ترجعون ))1 .
وعن
مولانا
الصادق عليه
السلام (( أن رسول
الله صلى
الله عليه و
آله وسلم صلى
بالناس الصبح
فنظر إلى شاب
في المسجد وهو
يخفق ويهوي
برأسه مصفرا
لونه وقد نحف
جسمه وغارت
عيناه في رأسه
ولصق جلده
بعظمه ، فقال
له رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم : كيف
أصبحت يا حارث
، فقال : أصبحت
يا رسول الله موقنا
، فقال : فعجب
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم من قوله ،
وقال له : إنّ
لكل يقين
حقيقة فما حقيقة
يقينك ، فقال :
إن يقيني يا
رسول الله هو
أحزنني وأسهر
ليلي واظمأ هو
اجري فعزفت
نفسي عن
الدنيا و ما
فيها حتى كأني
أنظر إلى عرش
ربي نصب
للحساب وحشر
الخلائق لذلك
وأنا فيهم ،
وكأني أنظر
إلى أهل الجنة
يتنعمون فيها
ويتعارفون
على الأرائك
متكئون ،
وكأني أنظر
إلى أهل النار
فيها معذبون
ويصطرخون ،
وكأني أسمع
الآن زفير
النار يدور في
مسامعي ، قال :
فقال رسول
الله صلى
الله عليه
وآله وسلم : هذا عبد
نوّر الله
قلبه
بالإيمان ، ثم
قال صلى
الله عليه
وآله وسلم : إلزم ما
أنت عليه , قال :
فقال له الشاب
: ادع الله لي
يا رسول الله
أن أرزق
الشهادة معك ،
قال : فدعا له
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم بذلك فلم
يلبث أن خرج
في بعض غزوات
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم فاستشهد
بعد تسعة نفر
وكان هـو
_________________
1
الخصال 146
العاشر
))1 .
ويقابل
اليقين
الظّنّ
والراجح والشك
والوهم والمرجوح
والريب
والوسوسة
والنجوى
والسفسطة ، أما
الراجح والظن
فإن كانا ممن
له الاستيضاح فهما
علم ويقين لا
أنهما ظاهر
وظن قائمان
مقام العلم ،
والفرق
بينهما مع
اشتراكهما في
الرجحان أن
الراجح هو ما
تظهر إمارات
تحققه في نفسه
بنفسه
وانتفاء
الطرف
المقابل له ،
والظن تظهر
إمارات تحققه
وانتفاء
الطرف
المقابل له في
نفس الظّان أو
من خارج غير
جهة المظنون ،
وأما الشك
فهوتردد
النظر في
الطرفين
وانتقاله من
واحد إلى
الآخر قبل
استقراره وإن
قوى ميله إلى
أحدهما دون
الآخر ما لم
يكن ذلك الميل
سببا لزهده
لذلك لأن مجرد
الميل لا
يخرجه عن
التساوي في
الجملة ، وأما
الوهم
فهوالطرف المرجوح
من الظن ،
والمرجوح وهو
الطرف المرجوح
من الرّاجح ،
وأما الريب
فهواحتمال
الطرف المقابل
للطرف
المتحقق
باستقرار
النظر القلبي
واطمئنانه
عليه ولا
تتحقق في
متعلقه إذا كان
الطرف
المتحقق من
علم أو لاحقا
بالعلم كظن المستوضح
بأدلة الحق
وترجيحه ،
ولوكان الطرف المتحقق
عن اعتقاد
بغير علم أو
عن علم وأنس
نظره بذلك
الريب فهو أول
مبادئ الشك
ولا يـزيد في
كل أحواله عن
الشك وفي
الحديث
النبوي صلى
الله عليه
وآله وسلم (( لا
____________________
1
مشكاة
الأنوار 14
ترتابوا
فتشكوا ولا
تشكوا
فتكفروا ))1 ، وأما
الوسوسة فهو
أن يلتفت
النظر إلى
الطرف المقابل
للحق أو إلى
ما نهي عن
الالتفات
إليه غير مريد
للالتفات ولا
محبا له وإنما
ذلك لأنه عوّد
نفسه
بالالتفات
إلى مثل ذلك
من خدع الشيطان
بواسطة
الغفلة عن ذكر
الله فتبعث
النفس نظرها
إلى ذلك بما
تعوّدته مما
علّمه
الشيطان ، وعلامة
هذا أنه إذا
وقع ذلك منه
تضجّر وتأوّه
وتألّم لأنه
لم يحب وقوعه
منه ولذا قال صلى
الله عليه
وآله وسلم لمن وقع
ذلك التأوّه
لأجل ما وقع
منه ذلك من محض
الإيمان ،
وكما أتاه ذلك
الرجل فقال ((
يا رسول الله
هلكت فقال له :
هل أتاك
الخبيث ، فقال
: لك من خلقك ،
فقلت : الله
فقال لك الله
من خلقه ،
فقال أي والذي
بعثك بالحق
لكن كذا ،
فقال رسول
الله صلى
الله عليه
وآله وسلم : ذاك
والله محض
الإيمان ، قال
ابن أبي عمير
فحدّثت بذلك
عبد الرحمن بن
حجاج فقال
حدّثني أبـو
عن أبي عبد
الله عليه
السلام أن
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم إنما عنى
بقوله هذا
والله محض
الإيمان خوفه
أن يكون قد
هلك حيث عرض
له ذلك في
قـلبه ))2 .
وأما
النجوى فهو أن
يذكره
الشيطان شيا
ينافي الحق
والمحبة في
اليقظة أو في
النوم وربّما
استجرّه إلى
ما يناسبه فيذكره
القائل به
وربما قاده
إلى أنه لو
كان القائل
كيف كان يكون
فيدخل هما من
ذلك عليه وربما
يكون ذلك
الهمّ شاغلا
عن حظّه من
ذكر الله وربما
يكون منشأ
للوسوسة ،
فمثال ما
ينافي الحق
كأن يذكّره
ولاية الغير
ويستجرّه إلى
أن تلك ولاية
تدعو إلى
النار
لمناسبتها
لدخول النار
ثمّ يذكره
فلانا الذي
تولى ذلك
الإمام الضال
المضل يقوده
إلى أن يفرض
نفسه لوكان هو
المستولي
فيدخل عليه من
ذلك همّا
شديدا يشغـله
عن ذكر الله ،
ومما ينافي
المحبة مثلا
أنه إذا كان
يقرأ في قوله
______________
1
أمالي المفيد
206 2
البحار 58/324 ح 13
تعالى
{وَلَكِن
تَعْمَى
الْقُلُوبُ
الَّتِي فِي الصُّدُورِ}1 يسبب له
سببا حتى يمس
صدره عند
قراءة هذه
الآية
فيذكّره أن
ذلك المسّ قد
يكون سببا لأن
يدخل قلبه في
إطلاق هذه
الآية فـيدخل
عليه من ذلك حزنا
يشغله عن ذكر
الله ، وفي
النوم كما
يصوّر له ما ينافي
الحق أو
محبّته بحيث
يحزنه كذلك
قال الله
تعالى
{إِنَّمَا
النَّجْوَى
مِنَ الشَّيْطَانِ
لِيَحْزُنَ
الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَيْسَ
بِضَارِّهِمْ
شَيْئًا
إِلَّا بِإِذْنِ
اللَّهِ
وَعَلَى
اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ}2
يعني بأن يذكر
الله كما
تقدّم سابقا
ويعتقد أن ذلك
لا يضرّه إلا
أن يشاء الله
فيستريح من
ذلك الهمّ
والحزن فيذهب
عنه طائف الشيطان
، والفرق بين
النجوى
والوسوسة أن
النجوى يقدر
المكلّف على
الخروج عنها
ما لم تعتد نفسه
بها فتكون من
الوسوسة لأن
الوسوسة بسبب اعتياد
النفس بها لا
يكاد يتمكن من
تركها لظهور
الشيطان في
النفس التي
تعوّدت بذلك
حتى ملك
قيادها فهو
يأمرها
وينهاها فهي
قطيعة كارهة
له ولطاعته .
وأما
السفسطة فهو
اعتقاد أن كل
ما يمكن
موجودا ويجوز
أن يوجد في
عالم الأجسام
على جهة
التمايز ولا
تزاحم بين شيء
منها بحيث يكون
ألف جبل مثلا
كل واحد منها
طوله خمسة
فراسخ وعرضه
فرسخ فدخلت كلّها
بيت حيوان
أصغر من
النملة فلما
كانت تلك الجبال
الجسمانية في
هذا المحل
الصغير الجسماني
بقي منه مكان
يسع أجرام
السموات
والأرض ويدخل
ذلك الحيوان
في بيته ولا
يحس بشيء من
تلك وهي أجسام
محسوسة في
مكان محسوس ،
ولا شك أن هذه
لا تتحقق بشيء
منها فهذا
الكلام ومثله في
هذه الأشياء
المذكورة على
الظاهر .
وأما
على جهة
الباطن فكل
شيء من هذه الأمور
فلها تحققات
لكل بنسبته
فكما أن المعلوم
متحقق كذلك
المعتقَد
بفتح القاف
والراجح والمظنون
والمشكوك
والموهوم
والمرجوح والمرتاب
فيه أوبه
والموسوس فيه
والمناجى فيه
أوبه والمسفسط
فيه فإن لكل
تحققا في محله
، وكذلك فعل
فاعله وكذلك
حكم فاعلها
معها وحكم
فعله لها وحكم
ما يترتب فيها
من
التكوينيات
بحسب ملائكتها
أوشياطينها
وحكم ثوابها
أوعقابها أوعدم
المؤاخذة بها
والتأثر
______________
1 الحج
46 2
المجادلة 10
بها
وعدمه كمّا
وكيفا في
الوجود وشرعه
وفي الشرع
ووجوده إلى
غير ذلك من
أحكام الذوات
والصفات
فافهم .
وأما
مراتب اليقين
فإنها تختلف
وتنقسم إلى
علم اليقين
وعين اليقين
وحق اليقين ، فالأول
للعامّي
الكامل في
مقامه ،
والثاني
للخواص ،
والثالث لأخص
الخواص ، وقد
كتبنا بعض
أحوال هذه
المراتب في
بعض ما كتبنا
من الفوائد في
العلم وذكرها
هنا يؤدي إلى
التطويل ،
وبالجملة
فاليقين في كل
مرتبه هو المطلوب
للمتوالي ثم
لما كان لهذا
المتوالي الشيعي
علائم
وإمارات تدل
على يقينه
وعدمه كما قال
عليه السلام ((
يقين المؤمن
يرى في عمله )) أشار
عليه السلام
إلى ظهور
مراتب اليقين
في كل أحواله
وأطواره
بقوله عليه
السلام ((
وتمسّكوا
بوصي نبيّكم
الذي به
نجاتكم )) .
أما
أنه وصي النبي
صلى الله
عليه وآله
وسلم وعليه
السلام فمما لا إشكال
فيه ولا خلاف
لأحد من
المسلمين فيه
وعلى مدعي
الغير الفاصل
بينه وبين
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم
البيان ، ولا
يحتاج في هذا
المقام إثبات
وصايته عليه
السلام ونفي
الغير فإن
علماءنا شكر
الله مساعيهم
الجميلة قد
تصدّوا لذلك فالكتب
المبسوطة
والمطولة
والمختصرة مع
أنه لا يحتاج
إلى البيان
والعميان لا
يرون الحق
بألف ميزان ،
ولما نصّ الحق
سبحانه على
علي عليه
السلام بأنه
نفس رسول الله
في قوله تعالى
{وَأَنفُسَنَا
وأَنفُسَكُمْ}1 دلّ على
أنه عليه
السلام حكمه
حكمه في كل عالم
من العوالم ،
فكل من أقر
لمحمد صلى
الله عليه
وآله وسلم
بالنبوّة أقر
لعلي عليه
السلام
بالوصاية إذ ليس
أقرب بين
الشيء ونفسه
ولوكان لقال
ذلك سبحانه
وتعالى في حقه
عليه السلام ،
فهو عليه السلام
كان وصيا في
البدء الأول
يوم الذي
استخلص الله
محمدا صلى
الله عليه
وآله وسلم لنفسه في
القدم على
سائر الأمم فكان
علي عليه
السلام أول من
آمن به ذلك
اليوم وأعطاه
لواء الحمد
وكذلك يوم
العود حين عرج
إلى الله عز
وجل لتمام
القوسين
الكوني
والشرعي والاسمي
فهناك ختمت له
الوصاية كما
في الكافي عن
علي بن أبي
حمزة قال (( سأل
أبو بصير أبا
عبد الله عليه
السلام وأنا
حاضر فقال :
جعلت فداك كم
عرج برسول
الله صلى
_______________
1 آل عمران61
الله عليه
وآله وسلم ، فقال :
مرّتين
فأوقفه
جبرائيل
موقفا فقال له
مكانك يا محمد
صلى الله
عليه وآله
وسلم
فلقد وقفت
موقفا ما وقفه
ملك قطّ ولا
نبي إن ربّك
يصلي ، فقال :
يا جبرائيل
وكيف يصلي ،
قال : يقول
سبّوح قدّوس
أنا رب
الملائكة
والروح سبقت
رحمتي غضبي ،
فقال : اللهم
عفوك عفوك ،
قال : وكان كما
قال الله قاب
قوسين أو أدنى
، فقال له أبو
بصير : جعلت
فداك ما قاب
قوسين أو أدنى
، فقال عليه
السلام : ما
بين سيتها إلى
رأسها ، فقال
كان بينهما
حجاب يتلألأ
يخفق ولا
أعلمه إلا وقد
قال زبرجد
فنظر في مثل
سم الإبرة إلى
ما شاء الله
من نور العظمة
، فقال الله
تبارك وتعالى
: يا محمد ، قال :
لبيك ربي ، قال
: من لأمتك من
بعدك ، قال :
الله أعلم ،
قال : علي بن
أبي طالب عليه
السلام أمير
المؤمنين
وسيد المسلمين
وقائد الغر
المحجّلين ،
قال : ثم قال
أبو عبد الله
لأبي بصير : يا
أبا محمد
والله ما جاءت
ولاية علي
عليه السلام من
الأرض ولكن
جاءت من
السماء
مشافهة ))1 وهذا
العود الذي
ذكرنا هو عين
البدء لأن
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم قد وقف
على كل شيء في
عروجه يوم
خلقه حين خلقه
ولذا نودي يا
محمد أدن من
الصاد وتوضّأ
لصلاة الظهر ،
والظهر هو
مبدأ الوجود
وأول الشهود
والصلاة لقاء
المعبود
ومناجاته
بالركوع
والسجود ، والمصلي
يناجي ربه
والنجوى هي
الكلام السري
والظهور
الأمري وهو
قوله عليه
السلام (( جاءت
من السماء
مشافهة )) فإن
السماء هي جهة
المبدأ والأرض
جهة السفلى
فكلما ينسب
إلى الله فهو
حق وصواب لقد
نزل من السماء
وكلما صدر عن
النفس وانتسب
إلى الشخص فهو
كذب وباطل لأن
الأول شجرة
طيبة أصلها
ثابت وفرعها
في السماء
والثاني شجرة
مجتثّة فهي
خبيثة ما لها
من قرار قال تعالى
{وَجَعَلَ
كَلِمَةَ
الَّذِينَ
كَفَرُواْ
السُّفْلَى
وَكَلِمَةُ
اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا}2
انظر إلى
مخالفينا حيث
أجمعوا على أن
الرسول لم
ينصّب خليفة
من بعده ولم
يجعل له وصيا
كالذين
جعلوهم خلفاء
لم يتّصل
سببهم إلى
السماء إذ لم
يصل إلى النبي
صلى الله
عليه وآله
وسلم
بزعمهم ، فإذا
انقطعوا عن
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم انقطعوا
عن الله إذ
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم باب
وسفير بين
الله وبين
خلقه فمن شذّ
عن الباب شذّ
إلى غير الله
ومن شذّ
________________
1
الكافي 1/424 ح 13 2
التوبة 40
إلى
غير الله فقد
شذّ إلى النار
، وأما استنادهم
إلى حديث لا
تجتمع أمتي
على الخطأ فإن
أريد منه مطلق
الاجتماع أو
الأغلب أوبما
يحصل القطع
بدخول
المعصوم أو
اجتماع الكل ،
فإن كان الأول
فيكذّبه
الحديث الآخر
عنه صلى
الله عليه
وآله وسلم المتّفق
عليه بين
الفريقين ((
ستفترق أمتي
على ثلاثة
وسبعين فرقة
فرقة منهم في
الجنة
والباقي كلهم
في النار ))1 وهذا
الحديث كذّب
مطلق
الاجتماع
وكذّب القول
بالأغلب أيضا
إذ الفرقة
الواحدة
بالنسبة إلى
اثنين وسبعين
فرقة قليلة
جدا ، ويكذّبه
أيضا قوله عز
وجل في ذمّ الأكثر
الأغلب في
مواضع عديدة
من كلامه عز
وجل
كقوله تعالى
{أَمْ تَحْسَبُ
أَنَّ
أَكْثَرَهُمْ
يَسْمَعُونَ
أَوْ
يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ
إِلَّا
كَالْأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ
أَضَلُّ}2
{بَلْ
أَكْثَرُهُمْ
لَا
يَعْقِلُونَ}3
{بَلْ كَانُوا
لَا يَفْقَهُونَ}4
{فَأَعْرَضَ
أَكْثَرُهُمْ
فَهُمْ لَا
يَسْمَعُونَ}5
{وَمَا
يُـؤْمِنُ
أَكْثَرُهُمْ
بِاللّهِ
إِلاَّ وَهُم
مُّشْرِكُونَ}6
وأمثـالها
______________
1 لم
نقف على هذه
الرواية
بعينها ولكن
وقفنا على ما
يقرب منها وهو
كثير منها ما
روي في الصراط
المستقيم 2/96
قوله (( ستفترق
أمتي على ثلاث
وسبعين فرقة
واحدة ناجية
والباقون في
النار )) .
2
الفرقان 44 3
العنكبوت 63 4 الفتح
5 5 فصلت 4
6 يوسف
106
من
الآيات ، ومدح
الله القلة في
كتابه وقال {وَقَلِيلٌ
مِّنْ
عِبَادِيَ
الشَّكُورُ}1 {
وقليل ما هم }
{وَمَا آمَنَ
مَعَهُ
إِلاَّ قَلِيلٌ
}2 وأمثالها من
الآيات
الكثيرة ، كيف
يذمّهم الله
سبحانه
والرسول شهد
بزعمهم على
صوابهم وعدم
خطئهم إذاً
أين قوله عز
وجل {وَمَا
يَنطِقُ عَنِ
الْهَوَى *
إِنْ هُوَ
إِلَّا
وَحْيٌ
يُوحَى}3
ويكذّبه أيضا
ما ورد عنه صلى
الله عليه
وآله وسلم وفاق
بيننا وبينهم
وتصديقا
لقوله تعالى
{لَتَرْكَبُنَّ
طَبَقًا عَن
طَبَقٍ}4
وقوله تعالى
{سُنَّةَ
اللَّهِ فِي
الَّذِينَ
خَلَوْا مِن
قَبْلُ وَلَن
تَجِدَ لِسُنَّةِ
اللَّهِ
تَبْدِيلًا}5
قال صلى
الله عليه
وآله وسلم (( كلّما
كان في الأمم
الماضية
والقرون
السالفة يكون
في هذه الأمة
حذوالنعّل
بالنعل والقذّة
بالقذّة حتى
أنهم لوسلكوا
جحر ضبّ
لسلكتموه ))
وكان موسى
عليه السلام
في بني
إسرائيل لما
أراد أن يذهب
إلى ميقات ربه
جمعهم في محل
واحد فكانوا
سبعين ألف
وأخذ عليهم العهد
والميثاق
عليه السلام
بولاية هارون
عليه السلام
واتباعه فلما
مضى إلى ميقات
ربّه نكث كلهم
بيعة هارون
عليه السلام
وخالفوا أمر
موسى وعبدوا
العجل وما بقي
مع هارون
إلا أربعة ،
فوجب أن يكون
في هذه الأمة
مثالها
ودليلها وقد
كشف رسول الله
صلى الله
عليه وآله
وسلم
عن هذا السرّ
حيث قال (( يا
علي أنت مني
بمنـزلة هارون
من موسى إلا
أنه لا نبي
بعدي )) وصرّح
الحق سبحانه
بالأمر لأهله
حيث قـال
{وَمَا
مُحَمَّدٌ
إِلاَّ
رَسُولٌ
قَـدْ خَلَتْ
مِن قَبْلِهِ
الرُّسُلُ
_____________
1 ص 24 2 هود 40 3 النجم
3 – 4
4
الانشقاق 19 5
الأحزاب 62
أَفَإِن
مَّاتَ أَوْ
قُتِلَ
انقَلَبْتُمْ
عَلَى
أَعْقَابِكُمْ
وَمَن
يَنقَلِبْ عَلَىَ
عَقِبَيْهِ
فَلَن
يَضُرَّ
اللّهَ شَيْئًا}1
ونصّ رسول
الله صلى
الله عليه
وآله وسلم على علي
عليه السلام
بالوصاية في
مخاطبته لعائشة
يا حميراء
إشارة إلى
أنها أخت
صفوراء التي
تدعى صفيراء
زوجة موسى بنت
شعيب حيث خرجت
من بيتها
وخالفت ربها
وخانت نبيّها
وأنكرت إمامها
وسيدها وخرجت
على يوشع بن
نون وصي موسى
وابن عمّه ،
وأشار إلى أن
حميراء أشد
منها عملا
وأقبح فعلا
وأشنع آثارا
فإن الحمرة
أشد من الصفرة
حرارة وشدّة
وغلظة وغضبا ،
وأشار إلى
تأويل ما روت
العامة أن نعل
موسى كان من
جلد حمار ميت
فإن النعل هي
الزوجة ولذا
من يرى في
المنام أن
نعله فقدت
تموت زوجته
فقال لها يا
حميراء إشارة
إلى قوله
تعالى {إِنَّ
أَنكَرَ
الْأَصْوَاتِ
لَصَوْتُ
الْحَمِيرِ}2
هذا كله في
تفسير ظاهر
الظاهر ، ولما
كانت الحمرة
إنما تنعقد من
خلط المرّة
الصفراء التي
هي طبع النار
مع البلغم ،
والمرأة
طبعها بارد
رطب والرجل
حار يابس
فأشار إليها
بالخلط واللطخ
إشارة إلى
خروجها الذي
هوفعل الرجال
وركوبها على
الجمل مرّة
وعلى البغل
أخرى ونعم ما
قال الشاعر
الشيخ مفلح
الصّيمري :
أبوها
يولّي الدبر
في كل موقف وابنتـــه
عند اللــقاء
تتقدّم
وفيه
إشارات أخر
أرادها صلى
الله عليه
وآله وسلم يطول
الكلام
بذكرها وربما
ينكرها بعـض
السفهاء ،
وبالجملة لا
يصحّ من هذا
الحديث (( لا
تجتمع أمتي
على الخطأ ))
إرادة مطلق
الاجتماع ، وأما
الاجتماع
الموجب للقطع
بدخول
المعصوم فهو
لم يتحقق أبدا
فإن العصمة ما
ادعيت لأحد من
الخلق إلا
لعلي عليه
السلام
والطيبين من
أولاده عليه
السلام وهم قد
اعترفوا أن
ذلك اليوم لم
يكن حاضرا ولم
يبايع إلا بعد
ثلاثة أيام
مكرها ، وأما
اجتماع كل
الأمة فما حصل
يقينا لا ذلك
اليوم ولا بعد
ذلك ، فثبت
أنهم مجتثّون
لا اتصال لهم
مع الله أبدا
بدليل
إجماعهم في عدم
اشتراط
العصمة في
الإمام
وجعلهم
أولياء الله
أولياء
الشيطان فإن
العاصي حين
المعصية ولي
الشيطان لا
ولي الرحمن
لأنه مدبر
معرض ولو لم
يكن في
اجتثاثهم إلا
هذا
_____________
1 آل
عمران 144 2
الفرقان 19
لكفى
، وكذا
تجويزهم
الصلاة خلف كل
بر وفاجر ،
فجاءت ولاية
كل إمام غير
علي عليه
السلام عن
الأرض من
مبدئها من تحت
الثرى إلى
الثرى إلى
الطمطام إلى
سجين إلى
جهنّم إلى نار
السموم إلى
ريح العقيم
إلى الماء
المالح
الأجاج إلى الأرض
السبخة إلى
البحر إلى
الحوت إلى
الصخرة إلى
بهموت إلى
الثور إلى أرض
الشقاوة إلى
أرض الإلحاد
إلى أرض الطبع
إلى أرض
الشهوة إلى
أرض الطغيان
إلى أرض
العادات إلى
أرض الممات
إلى الشياطين
إلى شياطين
الجن إلى
شياطين الإنس
الذين هم
أولياء
شياطين الجن {وَإِنَّ
الشَّيَاطِينَ
لَيُوحُونَ
إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ
لِيُجَادِلُوكُمْ
وَإِنْ
أَطَعْتُمُوهُمْ
إِنَّكُمْ
لَمُشْرِكُونَ}1 فتلك
الولاية
والوصاية هي
الشجرة
الخبيثة المجـتـثّة
الملعونة في
القرآن وهي
المثل السّوء
، وأما ولاية
مولانا علي
عليه السلام
ووصايته إنما
جاءت من
السماء من
الرب الأعلى
إلى الحجب
والسّرادقات
إلى بحر الصاد
والنون إلى
القلم إلى اللوح
إلى ميكائيل
إلى إسرافيل
إلى جبرائيل
إلى محمد صلى
الله عليه
وآله وسلم {فَأَيُّ
الْفَرِيقَيْنِ
أَحَقُّ
بِالأَمْنِ
إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ}2
.
والدليل على
أن ولايتهم من
الله إجماع
تابعيه على
أنه معصوم
مطهّر وأنه
منصوب من قبل
الله سبحانه
وأن الله
منـزّه عن أن
يجعل الأرض
خالية عن
الحجّة المعصوم
عليه السلام
وأن عند وليه
ووصي نبيه علم
البلايا
والمنايا
وفصل الخطاب
وكلما يحتاج
إليه الخلق من
أول الوجود
إلى آخره ،
فتكون ولايته
عليه السلام
ووصايته هي
الشجرة الطيبة
التي أصلها
ثابت وفرعها
في السماء
تؤتي أكلها كل
حين بإذن ربها
وهي الكلمة
العليا والمثل
الأعلى ، وقد
مرّ بعض ما
يدل على ذلك
من الآيات
والروايات .
__________________
1 121 2
الأنعام 81
وأما
التمسك به
عليه السلام
فاعلم أنه
عليه السلام
حكيم لقد وصفه
الله سبحانه
بذلك في كلامه
العزيز بقوله
تعالى {وَإِنَّهُ
فِي أُمِّ
الْكِتَابِ
لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ
حَكِيمٌ}1 والحكمة
هي الاستقامة
كما وصفه الله
سبحانه بها في
قوله تعالى
{قَالَ هَذَا
صِرَاطٌ عَلَيَّ
مُسْتَقِيمٌ}2
بقراءة الحسن
ويعقوب من غير
إضافة ، وإن
كان المقامان
واحدا إلا أن
في هذه
القراءة
تصريح بالأمر
، والحكمة هي
التي قال عز
وجل فيها
{وَمَن يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ
فَقَدْ
أُوتِيَ
خَيْرًا كَثِيرًا}3
وقد شرحها
سبحانه في
سورة بني
إسرائيل من
قوله عز وجل
{وَلاَ
تَجْعَلْ
مَعَ اللّهِ
إِلَهًا
آخَرَ}4 إلى
قوله تعالى
{وَلاَ
تَجْعَلْ
مَعَ اللّهِ
إِلَهًا
آخَرَ}
لأنه يقول
{ذَلِكَ
مِمَّا
أَوْحَى إِلَيْكَ
رَبُّكَ مِنَ
الْحِكْمَةِ
وَلاَ تَجْعَلْ
مَعَ اللّهِ
إِلَهًا
آخَرَ}5
فالتمسك به
عليه الصلاة
والسلام الذي
هو التمسك
بالعروة
الوثقى التي
لا انفصام لها
والله سميع عليم
، والمعتصم بحبل
الله جميعا هو
الراسخ في
الحكمة
بقسميها من
العلمية
والعملية ،
وإني أحب أن
أبين تلك
الآيات
القرآنية
الواردة
لبيان الحكمة
الحقيقية على
جهة الباطن
ليظهر للمؤمن
كمال التمسك
به عليه
السلام
ويتبيّن كذب
المنافق من صدق
الشيعي
الصادق والذي
نذكر إجمالا
إن شاء الله
كلها مأخوذة
من أحاديثهم
إذ التفسير
الباطني من
غير بيان عنهم
عليهم السلام
كذب وزور وباطل
وغرور ولا
تكذب بما لم
__________________
1
الزخرف 4 2
الحجر 41 3
البقرة 269
4
الإسراء 22 5
الإسراء 39
تحط
به علما { إِنِ
افْتَرَيْتُهُ
فَعَلَيَّ
إِجْرَامِي
وَأَنَاْ
بَرِيءٌ
مِّمَّا
تُجْرَمُونَ}1
.
قال
الله سبحانه
في بيان كيفية
التمسك بولاء
وصي النبي
الأمي صلى
الله عليه
وآله وسلم {*وَقَضَى
رَبُّكَ} أي
بوصي النبي
كما قال عز وجل
في علي عليه
السلام على ما
بيّنا مجملا {ثُمَّ
لاَ
يَجِدُواْ
فِي
أَنفُسِهِمْ
حَرَجًا
مِّمَّا
قَضَيْتَ}2
وهذا القضاء
في هذه الآية
في هذه السورة
من ذلك القضاء
ولما أني لست
بصدد بيان
باطن الباطن
أعرضت عن بيان
ما يقـتـضي
قوله تعالى {*وَقَضَى
رَبُّكَ
أَلاَّ
تَعْبُدُواْ
إِلاَّ
إِيَّاهُ} شرع
سبحانه في بيان
الحكمة
العلمية
لأنها مقدّمة
مع أن العلمية
والعملية
ليست إلا محض
الاصطلاح وفي
الحقيقة
الحكمة
العلمية
عملية
والعملية
علمية ، وشرع
في بيان
التوحيد لأنه
الأصل لكل
الأعمال إذ
أول مقام
الشيعي
الموالي هو
الإقرار بالتوحيد
في المراتب
كلها من توحيد
الذات والصفات
والأفعال
والعبادة ،
ترى المجموع
في أربعة مقامات
أي التوحيد
الحقيقي وهو
أخص الخواص ،
والتوحيد
الشهودي وهو
للخواص ،
والتوحيد الذاتي
وهو للعوام
أهل التحقيق ،
والتوحيد
العبادتي وهو
للعوام أهل
التقليد ،
والمجموع في ثمانية
مراتب في
مرتبة أهل
البيت عليهم
السلام والأنبياء
والإنسان من
الرعية
والملائكة والجن
والحيوان
والنبات
والجماد
فتبلغ المراتب
وقد شرحناها
على التفصيل
في تفسيرنا
على آية
الكرسي فلا
نعيدها هنا
خوفا للتطويل
، {وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا}
وهما والدا
العقول وذلك
الإحسان بعدم
إطاعة والدي
الشرور أي والدي
النفس
الأمارة
ووالدا الجسد
إن تبعا والدا
الشرور أي
النفس
الأمارة
يلحقان بهما
وإن تبعا
والدا العقول
بإحسان
يلحقان بهما
فإن الوالدين
ثلاثة كما
أشار إليهم
سبحانه
__________________
1 هود 35 2
النساء 65
في
قوله
{وَوَصَّيْنَا
الْإِنسَانَ
بِوَالِدَيْهِ}1
وهما والدا
العقول {وَإِن
جَاهَدَاكَ
عَلى أَن
تُشْرِكَ بِي مَا
لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ
فَلَا
تُطِعْهُمَا}
وهما والـدا
النـفس
الأمارة {
وَصَاحِبْهُمَا
فِي
الدُّنْيَا
مَعْرُوفًا}2
وهما ولدا
الجسد وهما
الأبوان
المعروفان ،
وأما والدا العقول
فهما محمد
وعلي عليهم
السلام قال
صلى الله عليه
وآله وسلم ((
أنا وعلي أبوا
هذه الأمة ))3 .
وأما
والدا النفس
الأمارة وهما
حبتر والأدلم
أي أبو
الدواهي وأبو
الشرور فإن الجهل
الكلي الذي من
أعظم مظاهره
إبليس هو جهلهما
فنشرت
ظلمتهما كل
الوجود وإلى شدّة
ظلمتهما
وقساوتهما
وظلمة
تابعيهما بالحقيقة
أشار سبحانه
وتعالى في
كتابه العزيز
{أَوْ
كَظُلُمَاتٍ
فِي بَحْرٍ
لُّجِّيٍّ} وهو
حبتر أبو
الدواهي
{يَغْشَاهُ
مَوْجٌ} وهو
أبوالشرور
{مِّن
فَوْقِهِ
مَوْجٌ} وهو
النعـثـل
{مِّن
فَوْقِهِ
سَحَابٌ} وهو
المنافـق الملعون
ألد الخصام أي
الرابع
_________________
1 لقمان 14 2
لقمان 15
3 البحار 16/95 ح 29
{ظُلُمَاتٌ
بَعْضُهَا
فَوْقَ
بَعْضٍ}1 وهي
فتن بني أمية
أو بنوا
العباس فوق
بني أمية ،
فالإحسان
بالوالدين
إنما يكون
بترك متابعة
الوالدين الآخرين
الذين
يجاهدان أن
يشرك بالله
وترك المتابعة
لا يكون إلا
بترك المعاصي
، {إِمَّا يَبْلُغَنَّ
عِندَكَ
الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ
كِلاَهُمَا
فَلاَ تَقُل
لَّهُمَآ أُفٍّ
وَلاَ
تَنْهَرْهُمَا
وَقُل
لَّهُمَا قَوْلاً
كَرِيمًا}2
المراد
بالكبر هو ضعف
الظهور لغلبة رطوبات
الجهل وزيادة
بلغم الحمق
والكفر بحيث
ضعف نور العقل
عن الظهور
وبقي في حجاب
الخفاء تحت
الستور،
أحدهما كما
كان رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم قبل
الهجرة
مختفيا مدّة متمادية
في شعب أبي
طالب إذ كان
صلى الله عليه
وآله وسلم ولم
يكن متمكنا
لإظهار الأمر
فالضعف
بالنسبة إلى
ظهور الأمر ،
أوكلاهما وذلك
بعد وفاته صلى
الله عليه
وآله وسلم
وثوران الفتنة
ورجوع القوم
قهقرى
وانقلابهم
على أعقابهم
وارتدادهم
كفارا فبلغهم
الكبر أي الضعف
فلم يقدرا
للمصلحة
والحكمة على
الإظهار فحينئذ
أنت يا أيها
الذي ظهر لك
الحق وعرفت
أمرهما وفهمت
قدرهما
وأنهما
المتبوعان {
فَلاَ تَقُل
لَّهُمَآ
أُفٍّ} ولا
تظهر التضجّر
والتكاسل عن
طاعتهما
والاعتقاد
الثابت
الجازم بأنهما
المدار في
عالم الأكوار
والأدوار ما
اختلف الليل
والنهار ، ولا
تقل عند ظهور
الغيبة ووقوع
التقية أنهما
لن يدبّراني
وعليّ أن أبذل
مجهودي وأنظر
كلمات
أعدائهما
وأطلب الحق فيها
فإن ذلك علامة
التضجّر عن
طاعتهما
وانقياد
سلطنـتهما
والإقرار
بذلّ
عبوديّتهما
كما قال سيد
الساجدين
عليـه
______________
1
النور 40 2
الإسراء 23
السلام
في الصحيفة ((
اجعلني
أهابهما هيبة
السلطان العسوف
))1 فلا
يمنعك عدم
ظهور أمرهما
فإن لهما مع
كل وليّ أذن
سامعة {وَلاَ
تَنْهَرْهُمَا}
بكثرة المعاصي
والسيّئات
وبارتكاب
القبائح
والخطيئات
فإن أعمالك كل
يوم وساعة
ودقيقة
وثانية وثالثة
تعرض عليهما
فإن وجدا فيها
قبائح حزنا صلوات
الله عليهما
وانتهرا وتأذّيا
وإن وجدا فيها
طاعات وحسنات
أسرّا صلوات
الله عليهما ،
{وَقُل
لَّهُمَا
قَوْلاً
كَرِيمًا}2 أي
عاملهم
معاملة العبد
الذليل مع
المولى
الجليل
الكريم
المليّ
الوليّ
الوفيّ ولذا قال
عز وجل
{وَاخْفِضْ
لَهُمَا
جَنَاحَ
الذُّلِّ
مِنَ
الرَّحْمَةِ
وَقُل رَّبِّ
ارْحَمْهُمَا
كَمَا
رَبَّيَانِي
صَغِيرًا}
إشارة إلى
قوله عز وجل
___________________
1
الصحيفة
السجادية في
الدعاء
لأبويه
عليهما السلام
2
الإسراء 24
{فَاسْلُكِي
سُبُلَ
رَبِّكِ
ذُلُلاً}1 أي
ذلّل
لطاعتهما
وأقم نفسك بين
يدي أمرهما
ونهيهما
واسلك سبيل معرفتهما
وطاعتهما
وانقطع في كل
الأمور إليهما
وادخل في كل
الشدائد
عليهما واحزن
لحزنهما
وافرح
لفرحهما وصلّ
في جمع أحوالك
عليهما واطلب
لهما من الله
الوسيلة
والفضيلة ،
حيث ما أنعم
الله عليك
بهما وربّياك
صغيرا في تكوينك
وتشريعك
وظاهرك
وباطنك وسرّك
وعلانيتك وأولك
وآخرك
وعلّماك ما لم
تعلم وأوصلاك
إلى ما لم تصل
إليه إلا بهما
، فأنت في يوم
الجهل والفقر
صغير وعند
العلم والغنى
كبير فهما
يزيلان الجهل
والفقر ، فكان
الجهل الثاني
عين العلم وفـقره
حقيقة الغنى
قال (( الفقر
فخري وبه أفتخر
))2 فأنت لم تزل
صغيرا وكبيرا
وهما صلوات
الله عليهما
يربّيانك في
الصغر إلى ما
لا نهاية له .
ثم
اعلم أن الله
سبحانه عطف
القول على
المؤمن
الموالي
الظاهر
بالتشيع
والتمسك بوصيّ
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم
وقال { رَّبُّكُمْ
أَعْلَمُ
بِمَا فِي
نُفُوسِكُمْ إِن
تَكُونُواْ
صَالِحِينَ
فَإِنَّهُ
كَانَ
لِلأَوَّابِينَ
غَفُورًا }3 أي
مربيّ
وجوداتكم
وكينوناتكم
ومقوّم
أحوالكم وصفاتكم
أعلم بما في
نفوسكم من حسن
السريرة وخبثها
والعمل بما
وصّيناكم من
التوحيد وطاعة
الوالدين قال
مولانا
الصادق عليه
السلام حيث
سأله المفضّل
(( قال كيف كنتم
حيث كنتم في
الأظلّة ؟
فقال : يا
مفضّل كنا عند
ربّنا ليس
عنده أحد
غيرنا في ظلّة
خضراء نسبّحه
ونقدّسه ونهلّله
ونمجّـده وما
من ملك مقرّب
ولا ذي روح غيـرنا
حتى بدا له في
خلق الأشياء
فـخلق ما شاء كيف
شاء من
الملائكة
________________
1
النحل 69 2
البحار 72/30 ح 26
3
الإسراء 25
وغيرهم
ثمّ أنهى علم
ذلك إلينا ))1 ، { إِن
تَكُونُواْ
صَالِحِينَ }
أي مخلصين لأمير
المؤمنين
الولاية
والمسلّمين
لأمره ونهيه
والمؤمنين
بسرّه
وعلانيته حيث
أمركم الله
بذلك وجعله من
شرط الإيمان
كما قال عز
وجل خطابا
لعليّ عليه
السلام {
فَلاَ
وَرَبِّكَ
لاَ
يُؤْمِنُونَ
حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا
شَجَرَ
بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لاَ
يَجِدُواْ
فِي
أَنفُسِهِمْ
حَرَجًا مِّمَّا
قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُواْ
تَسْلِيمًا }2 {
فَإِنَّهُ }
أي الرب {
لِلأَوَّابِينَ
} الراجعين
المنيبين
إليه على ما
قلنا في بيان
قوله عليه
السلام
(( أنيبوا إليّ
شيعتي )) {
غَفُورًا }
مجبرا للكسير
و مسهّلا للعسير
قال عليه
السلام (( إنا
لا ندخلكم إلا
فيما يصلحكم ))
وقال أيضا
عليه السلام (( راعيكم
الذي استرعاه
الله أمر غنمه
أعلم بمصالح
غنمه إن شاء
فرّق بينها
لتسلم وإن شاء
جمع بينها
لتسلم )) ، ثمّ
لما أن الله سبحانه
شرح الحكمتين
مجملا وأشار
إلى العلميّة
بقوله {* وَقَضَى
رَبُّكَ }
الآية وإلى
العملـية بقوله
{
وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا }
الآية ، عطف
القول على
محمد وآله
صلوات الله
عليهم أجمعين
فيبيّن له ما
أوجب له عليه
السلام
بالنسبة إلى
رعيّته وأظهر
ليفهم
الرعيّة
وتطمئن بذلك
نفوسهم
وتستقر عليه
عقولهم
فيصبرون في
البأساء
والنعماء
والضرّاء
واللأواء
فقال عز وجل {
وَآتِ ذَا
الْقُرْبَى
حَقَّهُ
وَالْمِسْكِينَ
_____________
1 الكافي 1/441
ح 7 2
النساء 65
3 الإسراء 25
وَابْنَ
السَّبِيلِ
وَلاَ
تُبَذِّرْ
تَبْذِيرًا }1 أمره
سبحانه
وتعالى أن
يؤتي كل ذي حق
حقّه من الامدادات
الوجودية
والشرعية لكل
شيء من الموجودات
بحسب
مقاماتها
الثلاثة
خصوصا الإنسان
لشرفهم
وتكرمتهم
خصوصا
المسلمين
منهم خصوصا
الفرقة الناجية
بمراتبهم
الثلاثة من
ذوي القربى
وهم أخص الخواص
الذين عرفوا
الوالدين
عليهما السلام
بالنورانية
وزادوا عليها
بالعمل
والإيمان
ووقفوا مقام
الإيقان
والاطمئنان
وعرفوا باطن
باطن القرآن
كما قالوا
عليهم السلام
(( سلمان منّا
أهل البيت ))2 و ((
سلمان من
العلماء ))3 و (( سلمان
محدّث كما أن
عليّا عليه
السلام محدّث
)) فآتاهم
عليهم السلام
من الأنوار الباطنية
والأسرار
الإلهية
والحقائق
اللاهوتيّة
بدليل
الحكمة،
والمساكين هم
المسكين ذو
متربة وهم
أهل
الأجساد
والأجسام { كَأَنَّهُمْ
خُشُبٌ
مُّسَنَّدَةٌ
__________________
1
الإسراء 26 2 عيون
أخبار الرضا 2/64
3
بصائر
الدرجات 25
يَحْسَبُونَ
كُلَّ
صَيْحَةٍ
عَلَيْهِمْ هُمُ
الْعَدُوُّ }1
وهم العوام
أهل المجادلة
بالتي هي أحسن
فآتاهم من
العلوم
الظاهرية
القشرية
بدليل
المجادلة ،
وابن السبيل
وهم الخواص
الذين يرجى
لهم الوصول
إلى الوطن الحقيقي
الواقعي وهم
أهل الموعظة
الحسنة فآتاهم
من الأنوار
القلبية
اليقينية
بدليل الموعظة
الحسنة ، وعدم
التبذير
إشارة إلى عدم
الزيادة من
إعطاء كل ذي
حق حقه فيعطي
للخواص ما للخصّيص
وللعوام ما
للمقرّبين
وهذا النهي
وارد لمعرفة
الخلق وظهور
العبودية
وإلا فهو عليه
السلام أجل من
أن يرد عليه
نهي وإنما هو
تعليم للمؤمن
مراتب ظهورات
الحق للخلق
بوليّه عليه السلام
يعرفه المؤمن
الصادق ، ثم
عطف القول سبحانه
على مبدأ
المعاصي
والإنكار
وبيان أن كل
ما ينسب إلى
الشيطان فهو
باطل زور
ومخالف ومناف
للتمسك بوصي
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم
فقال عز وجل {
إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ
كَانُواْ
إِخْوَانَ
الشَّيَاطِينِ
وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِرَبِّهِ
كَفُورًا }2
وهم الذين
أسرفوا
وتعدّوا حكم
الله وخالفوا
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم وهم
الذين قدّموا
المفضول على
الفاضل
وتبعوا سحر
الجن على ملك
سليمان {
وَاتَّبَعُواْ
مَا
تَتْلُواْ
الشَّيَاطِينُ
عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ
وَمَا كَفَرَ
سُلَيْمَانُ
وَلَكِنَّ
الشَّيْاطِينَ
كَفَرُواْ
يُعَلِّمُونَ
النَّاسَ
السِّحْرَ }3
والشياطين هم
سلسلة جهنّم
سبعون ذراعا
بذراع إبليس
والشيطان هو
الذي قال
الأول ( إن لي
شيطانا ليعـتريـني
) ، فنهى الله
عن اتباعهم
قولا وعملا
واعتقادا
وميلا و محبة
وإرادة ، وهذه
الأحكام من
الأوامر
والنواهي في
الحكمة
العلمية والعملية
إنما هي بحسب
الكينونات
الأوليّة من
الظاهرية
والباطنيّة
والقشريّة
واللبيّة ،
لكن لما كان
الحق لم يخلص
ولوخلص الحق
لم يخف على ذي
حجى ولكن أخذ
من هذا ضغث
ومن هذا ضغث فامتزجا
ليهلك من هلك
عن بيّنه
وينجو من سبقت
له من الله
الحسنى ، ووجب
تـقديـم
الظلمة لاجتـثاثها
وزوالها
وثبات الحق
واستمراره
كما قال عز
وجل { تِلْكَ
الدَّارُ
الْآخِرَةُ
نَجْعَلُهَا
لِلَّذِينَ
لَا
يُرِيدُونَ عُلُوًّا
فِي
الْأَرْضِ
وَلَا
فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ
___________________
1
المنافقون 4 2
الإسراء 27 3 البقرة
102
لِلْمُتَّقِينَ
}1 ولما كان
حكم الله
سبحانه يجري
على صفات المكلّفين
في التكوين
والتشريع
ويدور على
اختلاف
أحوالهم كما
قال عز وجل {
إِنَّ اللّهَ
لاَ
يُغَيِّرُ مَا
بِقَوْمٍ
حَتَّى
يُغَيِّرُواْ
مَا بِأَنْفُسِهِمْ
}2 فحين اختلاط
النور
بالظلمة وظهور
الظلمة وخفاء
النور وشيوع
الباطل يقتضي الحكم
الثانوي
الظاهري لا
الأولي
الواقعي وذلك
في مقام
التقيّة ومحل
الهدنة وغيبة
الحجة عجل الله
فرجه إما
مطلقا
أوظاهرا لحكم
نافذ الأمر
فأشار سبحانه
إلى حكم عالم
التقية
وإثبات الحكم
الثانوي وأن
ذلك لا يكون
إلا بنظر
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم
والإمام عليه
السلام
وبمرءً ومسمع
منهما قال عز
وجل {
وَإِمَّا
تُعْرِضَنَّ
________________
1
القصص 83
2
الرعد 11
عَنْهُمُ
ابْتِغَاء
رَحْمَةٍ
مِّن رَّبِّكَ
تَرْجُوهَا
فَقُل
لَّهُمْ
قَوْلاً مَّيْسُورًا
}1 أي إذا أعرضت
عنهم حيث لم
تتمكن من إجراء
الأحكام
الإلهية
الواقعية
الأولية عليهم
لعدم اقتضاء
كينوناتهم
لشوب الباطل
ولطخه
وتمكّنه فيهم
إما بنفسه
الشريفة كما
كان عليه
السلام
مختفيا في
مكّة أوبنفسه
الشريفة كما
كان علي عليه
السلام ساكتا
عن الأمر
الأولي
وكالأئمة
عليهم السلام
وكالقائم عجل
الله فرجه حيث
خرج وأعرض
خائفا يترقّب
، وذلك
الإعراض وعدم
الإيصال إلى
الأمر الواحد
الغير
المختلف
الغير المشوب بالشكوك
والشبهات
الظاهرية
والباطنيّة
من التكوينية
والتشريعية
ليس من جهة
الغضب والسخط
على المؤمنين
وإنما هو لأجل
ابتغاء رحمة الله
ورحمة الله
ترجى لهم
لتبقى بينهم
وأشخاصهم
تزكّى
وتستأهل
لوقوع تلك
الأحكام
عليهم { فَقُل
لَّهُمْ
قَوْلاً
مَّيْسُورًا
} أي لا تقطع نظرك
عنهم بل
أجرِهم إلى
سبيل اليسر
ولا تسلك بهم
سبيل الحكم
الأول حيث لا
يقدرون عليه
بل احملهم على
ما يسلمون به
من شر
المنافـقين
والكفار
الملحدين
ولذا قال عليه
السلام (( إنا
لا ندخلكم إلا
فـيما يصلحكم
)) و (( لوكشف لكم
الغطاء لما
اخترتم إلا
الواقع )) ،
فإذا كان الله
سبحانه أوصى
نبيّه صلى
الله عليه وآله
وسلم بأن لا
يهمل رعيّته
حال التقية
ولا يقطع نظره
صلى الله عليه
وآله وسلم
عنهم فهو صلى
الله عليه
وآله وسلم
أولى برعاية
وصيّة الله
سبحانه وأهل
بيته
الطاهرين
صلوات الله
عليهم أجمعين
أولى بمراعاة
وصيّته ،
فالمؤمن
الموحّد يجب
أن يمد عنقه
في كل حال من
أحواله إليهم
ويطلب الحق في
العلم والعمل
والاعتقاد
والديانة
والرشاد عنهم
فإنهم عليه
السلام لا
يهملون
رعاياهم
وغنمهم ولا
يجعلونهم في
حيرة وشدّة
كيف وهم غياث
المستغيثين
وملجأ الهاربين
، نعم ذلك لا
يكون إلا لمن
هرب إليهم ودخل
عليهم وتمسّك
بحبل ولايتهم
(( وإنك لا تحتجب
_________________
1
الإسراء 28
2 لم
نقف على هذه
الرواية بهذا
اللفظ ولكن
وجدنا ما يقرب
منها في وسائل
الشيعة 27/109 عن
أبي عبد الله
الصادق عليه
السلام قال ((
إنا والله لا
ندخلكم إلا
فيما يسعكم )) .
عن
خلقك إلا أن
تحجبهم
الآمال دونك ))1 .
ثم لما
كان الباطل لا
يقوم إلا
بالحق فلو جرى
حكم الباطل
كليا بطل
الكون وفسد
النظام {
وَلَوِ
اتَّبَعَ
الْحَقُّ
أَهْوَاءهُمْ
لَفَسَدَتِ
السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ وَمَن
فِيهِنَّ }2 ،
ولوجرى حكم
الحق أيضا
يلزم إما
بطلان الكون
كليّا لإجماع
أهل الباطل
على إبطال
الحق وإفنائه
وذلك يستلزم
اختفاء القطب
الكلي الذي هو
الغوث ومادة
الحياة عن
العالم فتسيخ
الأرض بأهلها
وتبطل
السموات ومن
عليها ، أوالجبر
والظلم
الممتنعان
على الله
سبحانه ، فوجب
الأمران معا
إذا امتنع
الجبر فيجري
الحكم الأولي
الواقعي تارة
حدّ الإمكان
لاقتضاء الأكوان
والحكم
الثانوي
الظاهري أخرى
مشيا على حد
التقية
والهدنة .
لما
كان الأمر
كذلك أمر
نبيّه صلى الله
عليه وآله
وسلم لتعليم
الرعية بذلك
فـقال عز وجل {
وَلاَ تَجْعَلْ
يَدَكَ
مَغْلُولَةً
إِلَى
عُنُقِكَ وَلاَ
تَبْسُطْهَا
كُلَّ
______________
1 دعاء
أبي حمزة
الثمالي
2
المؤمنون 71
الْبَسْطِ
فَتَقْعُدَ
مَلُومًا
مَّحْسُورًا
}1 أي لا تمنع
الخلق
المكلفين من
الأمور الإلهية
الواقعية من
الأسرار
والمعارف
والحقائق والإرشادات
إذا وجدت لها
حملة وحفظة ،
أو عن إجراء
الأحكام
الواقعية
الأولية إذا
اغتنمت الفرصة
بواسطة أو
بغير واسطة أي
بنفسك الشريفة
أو بأوصيائك ،
ولا تمنع
الحكمة من
أهلها فتظلمهم
ولا تظهر ولا
تبيّن لكل أحد
حتى يصل الذين
ما يستأهلون
لها فيكفرون
أو لا
يتحمّلون
فيقتلون ، أو
لا تظهر
الأحكام
الأولية كل
الإظهار {
فَتَقْعُدَ
مَلُومًا
مَّحْسُورًا }
ولذا قال
مولانا
الباقر عليه
السلام ما
معناه (( أن
أمير
المؤمنين
عليه السلام
إنما لم يسلّ
السيف ولم
يقاتل
الناكثين
لبيعة يوم الغدير
لأنهم كانوا
حديثوا عهد
بالإسلام فيردّون
كفارا )) وهو
قول هارون
لموسى عليه
السلام حين
قال { إِنِّي
خَشِيتُ أَن
تَقُولَ فَرَّقْتَ
بَيْنَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ
وَلَمْ تَرْقُبْ
قَوْلِي}2
فافهم .
____________________
1
الإسراء 29
2 طه 94
ثم
قال عز وجل {
إِنَّ
رَبَّكَ
يَبْسُطُ
الرِّزْقَ
لِمَن يَشَاء
وَيَقْدِرُ
إِنَّهُ كَانَ
بِعِبَادِهِ
خَبِيرًا
بَصِيرًا }1 فأبان عز
وجل أن هذه
السعة والضيق
في العلم والمعرفة
والمعيشة
الدنياوية
والأخراوية
لحكمة إلهية
جرى عليها قلم
التقدير بإذن
اللطيف
الخبير ،
فالتوسعة
بالله والضيق
به ولا يكونان
إلا بأوليائه
وأحبائه لأنه
عز وجل خاطبهم
بعدما منحهم
وقال { هَذَا
عَطَاؤُنَا
فَامْنُنْ
أَوْ أَمْسِكْ
بِغَيْرِ
حِسَابٍ }2
وقال { وَمَا
آتَاكُمُ
الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ
فَانتَهُوا }3 (( وكل
ميسّر لما خلق
له ))4 وكل عامل
بعمله ، فقد
كشف الله سبحانه
عن حقيقة
الحكمة في هذه
الآيات
المباركة وذكر
جميع مراتبها
بالإجمال ثم
أخذ في التفصيل
ونحن نكتفي
بما ذكرنا فإن
من عرف ما
أردت من هذه
الكلمات في
هذه الآيات
ظهرت له حقيقة
التمسك بوصي
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم وعليه
السلام
وكيفيته .
ومجمل
القول أن أمير
المؤمنين
عليه السلام
هو باب الله في
كل شيء لأنه
وليه وكل شيء
من آثار
الولاية وظهوراتها
وشئوناتها
وهو الوجه
الذي لا تعطيل
لهه في كل
مكان فالعارف
العاقل
يتمسّك في كل
أفعاله
وأقواله
وأعماله
ومعتقداته في
أصوله وفروعه
به
وبالطيّبين
من أولاده
عليهم السلام
، ومعنى هذا
التمسك
الإعراض عن كل
ما يخالفهم
وكل ما ينسب
إلى الأعداء
وإلى كتبهم
وزبرهم
وتصانيفهم
وإشاراتهم
علما وعملا ،
أما بالعلم
فبأن يكون
يأخذ علمه
عنهم فإن من
أخذ عنهم فقد
أخذ النصيب
الأوفر من
العلم
____________________
1
الإسراء 30 2 ص 39
3
الحشر 7 4
البحار 4/282 ح 16
قال
عليه السلام (( أنتم
أفقه الناس
إذا عرفتم
معاني كلامنا
))1 وقال
الله عز وجل {
فَلْيَنظُرِ
الْإِنسَانُ إِلَى
طَعَامِهِ }
قال عليه
السلام (( أي
إلى علمه ممن
يأخذ )) { أَنَّا
صَبَبْنَا
الْمَاء صَبًّا
} وهو ماء
المعرفة
والإيمان عن
سحاب كلمات
الأئمة عليهم
السلام {
ثُمَّ
شَقَقْنَا الْأَرْضَ
شَقًّا }2 أي
أرض قلب
المتعلم
والآخذ من
الإمام عليه
السلام قال
عليه السلام ((
نحن العلماء
وشيعتنا
المتعلّمون
وسائر الناس غثاء
))3 وإليه أشار
عز وجل { وترى
الأرض هامدة
فإذا أنزلنا
عليها الماء
اهتزت وربت }4 {
فَأَنبَتْنَا
فِيهَا
حَبًّا }5 وهو
علم صافي
المحبة وخالص
المودّة
وظهور أسرار (
أحببت أن أعرف ) {
وَعِنَبًا } سكر
المعرفة وعلم
معرفة الله
سبحانه
بأسمائه
وصفاته على
مراتبها
وأحوالها من
العلوم
والأمور والأحوال
الباطنية {
وَقَضْبًا }
من العلوم
الظاهرية المتعلّقة
بظواهر أفعال
المكلّفين {
وَزَيْتُونًا
} من علوم
الطريقة علم
الأخلاق
وتهذيب النفس
{ وَنَخْلًا }
علم الإيمان
والتقوى ، وجامع
العلوم
الثلاثة
الآية
المحكمة
والفريضة
العادلة
والسنة
القائمة ، {
وَحَدَائِقَ
غُلْبًا } من سائر
أنواع العلوم
المجملة
الكثيرة الملتفّة
بعضها ببعض
المنشعبة
كلها من الأصل
الواحد ولاء
أهل البيت
عليهم السلام
{ وَفَاكِهَةً
} وهي لذّة
الولاية {
وَأَبًّا } من
العلوم القشريّة
{ مَّتَاعًا
لَّكُمْ } وهي
الفاكهة وما
فوقها من
العلوم التي
كلّها تحـتها
_______________
1
معاني
الأخبار 1 2 عبس 24 - 26
4
بصائر
الدرجات 9 5 الحج 5
{
وَلِأَنْعَامِكُمْ
}1 وهي الأب أي
رعاياكم قال
عليه السلام ((
انظروا إلى
رجل منكم قد
روى حديثنا
ونظر في
حلالنا
وحرامنا وعرف
أحكامنا فلترضوا
به حكما فإني
قد جعلته
عليكم حاكما ))2 .
ثم
اعلم أن مدّعي
هذا المقام
كثير وكل من
هذه الفرقة
يدّعون أنا قد
أخذنا علومنا
عن أهل البيت
عليهم السلام
لكن للآخذين
علامات
يمتازون عن
غيرهم ، ومن
العلامات أن
لا يكونوا من
أهل العناد
والجدال
والعصبيّة بل
يكون مدارهم
مدار الحق فإن
وجدوا قبلوا ،
ومنها أن لا
يكون عندهم
قواعد
اعتمدوا
عليها مأخوذة
عن الناس غير
مصحّحة
بميزان أهل
الحق عليهم
السلام
فكلّما يوافق
قواعدهم
يقبلون وكل ما
يخالفها
ينكرون وإن لم
يكونوا من أهل
الجدال
والعصبيّة
فإن ذلك أيضا
مبعّد عن الحق
إذ قد يكون
الخطأ في تلك
القواعد التي
اعتمدوا عليها
، ومنها أن لا
يكونوا
مستأنسين
بطائفة ليميلوا
إليهم ويعموا
عن الحق فإن
حبّك للشيء
يعمي ويصمّ ،
ومنها أن لا
يكونوا ممن
غلبت عليهم
مادّة البلغم
فيؤول أمرهم
إلى البلادة فلا
يفهمون ولا
يعـقلون ،
ومنها أن لا
يكونوا ممن
غلبت عليهم
المرّة
الصفراء
فيؤول أمرهم
إلى الجربزة
فلا يستقيمون
على شيء
ويدورون مع كل
شبهة ويميلون
مع كل ريح ،
ومنها أن لا يكونوا
ممن غلبت
عليهم
الرطوبة
فـيؤول أمرهم إلى
النسيان فلا
يحفظون ما
يسمعون ،
ومنها أن لا
تكون قلوبهم
مشغولة بهموم
الدنيا إذ الدنيا
باطلة
وهمومها
زائلة باطلة {
مَّا جَعَلَ
اللَّهُ
لِرَجُلٍ
مِّن
قَلْبَيْنِ
فِي
_________________
1 عبس 27 – 32
2
عوالي اللآلي
3/192
جَوْفِهِ
}1 ،
ومنها أن لا
تكون قلوبهم متعلّقة
بأمور كثيرة
تميل إلى كل
جانب فتتعارض
الميول
والجهات
فتبقى
متوقّفة لا
إلى هذا ولا
إلى ذاك ولذا
قال عليه
السلام (( إن
حديثنا صعب
مستصعب شريف
كريم ذكوان
ذكي وعر
لا يحتمله
ملك مقرّب ولا
نبي مرسل ولا
مؤمن ممتحن ،
قلت : فمن
يحتمله جعلت
فداك ، قال
عليه السلام :
من شئنا ))2 وفي
رواية نحن وفي
الأخرى (( أو
مدينة حصينة
وهي القلب المجتمع
))3 ، ومنها أن لا
يكونوا
منهمكين في الدنيا
وطالبين
زخارفها
ومتشبّثين
بذيل قبائحها
وراغبين إلى
رآستها فإنهم
في هذا الوقت
منكسي رؤوسهم
إلى أسفل
السافلين
فأين يجدون الأنوار
المشرقة من
أعلى علّيين ،
ومنها أن يكونوا
باقين على
الفطرة
وطالبين للحق
الواقعي
مبتغين رضا
الله ودار
الآخرة من
الباب الذي قرّر
الله سبحانه
لهم ومخلصين
في ولاء أهل
البيت
الطاهرين
سلام الله
عليهم أجمعين
معتقدين على
أنه لا يخفى
عليهم شيء من
أحوالهم
وظواهرهم
وبواطنهم وأن
لهم عليه
السلام مع كل
ولي أذن سامعة
وأن الله
سبحانه لا يدع
الخلق متحيّرا
ضالا وأن من
طلبه بالتوجه
إلى أهل بيت العصمة
والطهارة
وجده ، ولا
يريدوا إلا
الإخلاص في
العبادة
والتوجه في
الطاعة غير
ملتفتين إلى
الشهوات
النفسانية
والميولات
الشيطانية
فإن هؤلاء هم
المحسنون إذ
ليس للإحسان
معنى سواه وهم
المجاهدون في
الله ، فوجب
أن يصلوا إلى
الصواب
ويعرفوا
الشيء على ما
هو عليه ، فإن
كان في حكم
الاعتقادات
فعلى الواقعي
الأولي وإن
كان في
الشرعيّات
فعلى ما تقتضي
كينوناتهم
وصفاتهم ولا
يخطئون من هذه
الجهة لأن الله
معهم وليس
الله مع
المخطئين
والله سبحانه وعد
أن يهدي
المجاهدين
فيه إلى
_________________
1
الأحزاب 4 2
بصائر
الدرجات 22
3
أمالي الصدوق
4
سبيله
{ وَمَنْ
أَصْدَقُ
مِنَ اللّهِ
قِيلاً }1 {
وَلَن
يُخْلِفَ
اللَّهُ
وَعْدَهُ }2
قال تعالى {
وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا
وَإِنَّ اللَّهَ
لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ
}3 ومنها أن لا
يخرجوا في
مسألة من
المسائل
الدينيّة من
الاعتقادية والعملية
عن الكتاب
والسنة ولا
يتّكلون على الآراء
الفاسدة
والعقول
الضعيفة
الناقصة ولا
يقولوا أن
الكتاب أغلبه
متشابهات
وظواهر فلا
يوصل إلى
القطع ، وأما
الأخبار فغير
المتواترات
كلها أخبار
آحاد لا يفيد
علما ولا عملا
فإن
المنافقين قد
كذبوا على
الله ورسوله
وافترقوا على
أولياء الله
ودسّوا في كتب
أصحاب الأئمة
ونـقلوا
الحديث
بالمعنى
وحذفوا بعض
الحديث
وذكروا الآخر
أنهم قالوا
عليهم السلام
(( إني لأتكلّم
بكلمة وأريد
منها أحد
وسبعين وجها
لكل منها
_________________
1
النساء 122 2 الحج 47
3
العنكبوت 69
المخرج
))1 وقالوا
عليهم السلام
(( أنتم أفـقه
الناس إذا عرفـتم
معاني كلامنا
))2 (( وإن
الكلمة من
كلامنا
لتنصرف إلى
سبعين وجها ))3 ،
فلو شاء إنسان
أن يصرف كلامه
إلى ما أحب لم
يكذب
وأمثالها فلا
يمكن لنا
الاستدلال
بها لأن الله
سبحانه قطع
حجة كل محتج
وشرح هذه
المسألة في
الكتاب
الكريم وأجاب
عنها حيث قال {
وَمَا
أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ
مِن رَّسُولٍ
وَلَا
نَبِيٍّ } وفي
قراءة أهل
البيت عليهم
السلام ولا
محدّث {
إِلَّا إِذَا تَمَنَّى
أَلْقَى
الشَّيْطَانُ
فِي أُمْنِيَّتِهِ
فَيَنسَخُ
اللَّهُ مَا
يُلْقِي الشَّيْطَانُ
ثُمَّ
يُحْكِمُ
اللَّهُ آيَاتِهِ
وَاللَّهُ
عَلِيمٌ
____________________
1 لم
نقف على هذه
الرواية بهذا
اللفظ ووقفنا
على ما يقرب
منها في بصائر
الدرجات ص 329
قوله عليه السلام
(( إني لأتكلم
بالكلام
ينصرف على
سبعين وجها
كلها لي منها
المخرج ))
2
معاني
الأخبار 1
3
البحار 2/184 ح 5
حَكِيمٌ
}1 والأمنية هي
القراءة قال
الشاعر :
تمنى
كتاب الله في
كل ليلة
تمني داود
الزبور على
الرسل
وإلقاء
الشيطان هي ما
ذكر من أنواع
الاحتمالات والشكوك
والشبهات
والاحتمالات
والافتراءات
والدس وأمثال
ذلك ونسخ الله
سبحانه هو إثبات
القرائن
الدالة على
المراد
النافية لغير المراد
فيقع عليها
المتصفّح
البالغ ويعرض
عنها الكسل
الجاهل ،
وهكذا
أولياؤه عليه
السلام ما ذكروا
شيئا بل لا
يوجد شيء وجهة
من جهات
العبارات ولا
نحو من أنحاء
النفوس ولا
مذهب من مذاهب
العقول إلا
وقد وضعوا لنا
عليهم السلام
عليه دليلا
يبيّنه من
صحّة أوفساد
وإمارة توصل
إلى المراد
وإلى ما فيه
السداد وحجّة
واضحة موضحة
لسبيل الرشاد
وذلك يحصل
بالعبارة أو بالإرشاد
أوبالإلهام
أو بالتنبيه
أوغير ذلك في
نص أو ظاهر
بخصوص أو عموم
أو تقييد أو
إطلاق أو
إيماء بعمل أو
تقرير أو مثل
وما أشبه ذلك ولهذا
قال عليه
السلام (( ما من
شيء إلا وفيه
كتاب أوسنة ))2
فإذا استفرغ
من له أهلية
الاستيضاح
وسعة في تحصيل
معرفة حكم
الإمام عليه
السلام وقع
عليه وعرف
قوله وحكمه
فيه لأنه عليه
السلام مهما
طلب من
النحوالذي
أمر بطلبه منه
وجد لأنه هو
القيم على هذه
الفرقة وهم رعيّته
وعليه
تسديدهم كما
أشارت إليه
النصوص، وأما
إرادة
السبعين وجه
في كلماتهم
فإذا أرادوا
عليهم السلام
معرفة كل
المعاني من
الرعية
يعلّمونها
إياه بنصب
القرائن وإلا
فعلى حسب ما
يريدون من تلك
المعاني .
وبالجملة
فالمتمسك بهم
ناظر إلى نور
ربه ومهتد إلى
صراط مستقيم
، فإذا
استقام في
التمسك
يعرّفونه
الحيث والكم
والكيف وإذ و
من وعن وعلى
وإلى و مذ وقد
، ويعرّفونه مفصوله
وموصوله وما
تـؤول إليه
أموره فهو لا
يخطئ حين يعرف
ويقول
ويـبـين حين
تمت له هذه
الشرائـط
وقوي نـظره
وتفكّره في
العالم في
الآفاق وفي
الأنفس لأن
الله عز وجل
أمر
بمتابعتهم
__________________
1 الحج
52 2
الكافي 1/59 ح 4
ولا
يأمر بمتابعة
المخطئ مع أنه
سبحانه نصّ
بصوابهم حيث
قال
{وَجَعَلْنَا
بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ
الْقُرَى
الَّتِي
بَارَكْنَا
فِيهَا قُرًى
ظَاهِرَةً
وَقَدَّرْنَا
فِيهَا
السَّيْرَ
سِيرُوا
فِيهَا لَيَالِيَ
وَأَيَّامًا
آمِنِينَ }1 قال عليه
السلام (( نحن
القرى التي
بارك الله فينا
والقرى
الظاهرة شيعتنا
))2 ، وإذا
كان الشيعة هي
القرية
الظاهرة لا
يكون السير
فيهم إلا
الأخذ عنهم
علوم أئمتهم
عليهم السلام
بالليالي أي
بالتقليد في
الأحكام الشرعية
الفرعية
والأيام هي
المعرفة
الموصلة إلى
المراد
ومعرفة
المأخذ
والدليل ،
والأمن هو
الأمن عن
الخطأ لأن تلك
البلدة والقرية
إنما عمّرها
الله سبحانه
فلا يسلّط عدوّه
الشيطان
الرجيم على
تخريبها
وتضييع أهلها
فلا يتطرّق في
كلام أهل الله
ما دام هم
ناظرين إلى
سبيل الله
الخطأ وسبيل
الله للخلق هو
أمير
المؤمنين
عليه السلام
والطيبون من
أولاده عليهم
السلام فمن
تبعهم فقد
انسلك في مسلكهم
واستنار
بنورهم
وأدركته نور
عصمتهم وولايتهم
كما قال أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
المتّبعون
لقادة الدين
الأئمة
الهادين
الذين يتأدّبون
بآدابهم
وينهجون
نهجهم فعند
ذلك يهجم بهم
العلم على
حقيقة
الإيمان
فتستجيب أرواحهم
لقادة العلم
ويستلينون من
حديثهم ما استوعر
على غيرهم
ويأنسون بما
استوحش منه
المكذّبون
وأباه
المسرفون
أولئك أتباع
العلماء صحبوا
أهل الدنيا
بطاعة الله
تبارك وتعالى
وأولياءه
ودانوا
بالتقيّة عن
دينهم والخوف
من عدوّهم
فأرواحهم
معلّقة
بالمحل
الأعلى
فعلماؤهم
وأتباعهم خرس
صمت في دولة
الباطل
منتظرون لدولة
الحق وسيحق
الله الحق
بكلماته
ويمحق الباطل
ها ها طوبى
لهم على صبرهم
على دينهم في
حال هدنـتهم
ويا شوقاه إلى
رؤيتهم في حال
ظهور دولتهم
وسيجمعنا
الله وإياهم
في جـنات عدن
ومن صلح من
آبـائـهم
وأزواجهم
_________________
1 سبأ 18
2 لم
نقف على هذه
الرواية
بعينها ولكن
وجدنا ما يقرب
منها وهو ما
روي في
الاحتجاج 327
حيث قال عليه
السلام (( فنحن
القرى التى
بارك الله
فيها وذلك قول
الله عز وجل ,
فمن أقر بفضلنا
حيث بينهم
وبين شيعتهم
القرى التي
باركنا فيها
قرى ظاهرة ,
والقرى
الظاهرة
الرسل والنقلة
عنا إلى
شيعتنا
وفقهاء
شيعتنا إلى
شيعتنا )) .
وذرّياتهم
))1 وقال
مولانا
الباقر عليه
السلام (( ما من
عبد أحبّنا
وزاد في حبّنا
وأخلص في
معرفـتـنا
وسئل مسألة
إلا ونفثنا في
روعه جوابا
لتلك المسألة
)) .
وبالجملة
فالذي تمسك به
عليه السلام
فقد فاز وبلغ
المنى (( سعد
والله من والاكم
وهلك والله من
عاداكم وخاب
من جحدكم وضلّ
من فارقكم
وفاز من تمسّك
بكم وأمن من
لجا إليكم
وسلم من صدقكم
وهدي
_______________
1الكافي
1/335
من
اعتصم بكم ))1 وهذا
الذي ذكرنا هو
كيفية التمسك
به عليه السلام
في العلم .
وأما
العمل فهو
الصدق مع الله
في كل المواطن
، وتختلف
مراتب الخلق
في هذا الصدق
، وجامع القول
في الصدق أن
لا يجدك الله
حيث نهاك عنه
، فللخصّيص في
فعل المباحات
وللخواص في
فعل
المكروهات وللعوام
في فعل
المحرّمات ،
وتفصيل
المقال يؤدي
إلى التطويل
وقد روى
مولانا
وسيّدنا علي
بن موسى الرضا
عليه السلام
عن أبيه
الكاظم عليه
السلام عن
أبيه الصادق
عليه السلام
عن أبيه محمد
بن علي الباقر
عليه السلام
عن أبيه علي
بن الحسين
عليه السلام
عن أبيه
الحسين بن علي
عليه السلام
عن أبيه علي
بن أبي طالب
عليه السلام
عن رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم عن
جبرائيل عن
إسرافيل عن
ميكائيل عن اللوح
عن القلم عن
الروح عن الله
سبحانه وتعالى
أنه تعالى قال
(( ولاية علي بن
أبي طالب عليه
السلام حصني
فمن دخل حصني
أمن من عذابي ))2
، فأشار عز
وجل إلى باطن
قوله { إِنَّ
أَوَّلَ
بَيْتٍ
________________
1
الزيارة الجامعة
الكبيرة
2
البحار 39/246 ح 1
وُضِعَ
لِلنَّاسِ
لَلَّذِي
بِبَكَّةَ }1 وهذا
البيت هو أول
بيت من البيوت
التي أذن الله
أن ترفع ويذكر
فيها اسمه كما
في قوله عز
وجل { {فِي
بُيُوتٍ
أَذِنَ
اللَّهُ أَن
تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ
فِيهَا
اسْمُهُ
يُسَبِّحُ لَهُ
فِيهَا } على
البناء
للمفعول {
بِالْغُدُوِّ
وَالْآصَالِ * رِجَالٌ
}2 على أنه خبر
مبتدأ محذوف
أي هم رجال والرجال
هم أولي
الأيدي
والأبصار بل
هم الأيـد
والأبصار {
وَالسَّمَاء
بَنَيْنَاهَا
بِأَيْدٍ
وَإِنَّا
لَمُوسِعُونَ
}3 والأيدي هم
مظاهر
الوهّاب
والجواد ووجه
الله الذي لكل
ذي روح من
الإنسان
والحيوان
والجماد وهم
آل محمد
الأمجاد
عليهم سلام الله
إلى يوم
التـناد
أولهم هو أمير
المؤمنين ،
ولما كان
الظاهر قد جرى
على طبق
الباطن صار تولّده
البشري عليه
السلام في مكة
فقال تعالى {
{إِنَّ
أَوَّلَ
بَيْتٍ
وُضِعَ
لِلنَّاسِ }
إماما وسيدا
وقبلة ووجها
لكل الوجود
والموجود
للذي ولد في
مكة التي هي
بكة {
مُبَارَكًا وَهُدًى
لِّلْعَالَمِينَ
}4 قال رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم (( أنا
المنذر وعلي
الهادي ))5 وهو
عليه السلام
رحمة الله
الواسعة نعمة على
الأبرار
ونـقمته على
الفجار وهو
المـاء
النازل من
القرآن
________________
1 آل عمران
96 2
النور 36 – 37
3 الذاريات 47
4 آل عمران
96 5
المناقب 3/84
{
وَنُنَزِّلُ
مِنَ
الْقُرْآنِ
مَا هُوَ شِفَاء
وَرَحْمَةٌ
لِّلْمُؤْمِنِينَ
وَلاَ يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ
إَلاَّ
خَسَارًا }1 {
فِيهِ آيَاتٌ
بَيِّنَاتٌ } قال
عليه السلام ((
ما لله آية هي
أكبر مني وما لله
نبأ هو أعظم
مني ))2 وقال
مولانا
الصادق عليه
السلام (( فأي
آية في الآفاق
غيرنا أراها
الله أهل
الأفاق )) في
تفسير قوله عز
وجل {
سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا
فِي
الْآفَاقِ وَفِي
أَنفُسِهِمْ
حَتَّى
يَتَبَيَّنَ
لَهُمْ
أَنَّهُ
الْحَقُّ }
الآية , {
مَّقَامُ
إِبْرَاهِيمَ
} إشارة إلى
الشجرة
الزيـتـونة
التي لا شرقية
ولا غربـية أي
شجرة إبراهيم
لا يهوديّة
ولا نصرانـية
، والمقام هو
المظهر والآية
كما في قوله
عليه السلام
في الدعاء ((
وآياتك
ومقاماتك
التي لا تعطيل
لها في كل
مكان يعرفك
بها من عرفك
لا فرق بينك
وبينها إلا
أنهم عبادك
وخلقك ))
الدعاء ،
وإبراهيم هو
إبراهيم الأول
قال عليه
السلام (( أنا
آية محمد صلى
الله عليه
وآله وسلم ))
لقد ظهر صلى
الله عليه
وآله وسلم به
على كل الوجود
فهو حامل اللواء
و مكلّم موسى
في الشجرة (
إني أنا الله ) {
وَمَن
دَخَلَهُ
كَانَ آمِنًا
}3 لأنه عليه
السلام حصن
الله المحكم
وذمامه
المنيع
الموقي عن شر
كل غاشم وطارق
، وهو النور
الذي كل من
قرب إليه
استنار ، وهو
الهداية التي
من تمسّك به
اهتدى ، وهو
الوجه الباقي
الذي كل من
توجّه إليه
خلص ونجى من
الفناء ، وهو
عين الله
الشاهدة على الورى ،
وهو يد الله الباسطة
{ وَلِلّهِ
عَلَى
النَّاسِ
_____________
1
الإسراء 82 2
تأويل إلايات
733
3 آل
عمران 97
حِجُّ
الْبَيْتِ
مَنِ
اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ
سَبِيلاً }2
وهو قوله
عليه السلام ((
وتمسّكوا
بوصيّ نبيّكم
)) وهو اللواذ
به والإتيان
بباب كرمه .
فعلى
ما ذكرنا اتضح
لك الأمر في
سر تقديم
الجار
والمجرور في
قوله عليه
السلام (( به نجاتكم
)) فإن النجاة
في الدنيا
والآخرة
منحصرة
بالتمسك به
وهو الحصر
المستفاد من
قوله عليه
السلام في
الزيارة ((
بموالاتكم
علّمنا الله
تعالى معالم
ديننا وأصلح
ما كان فسد من دنيانا
وبموالاتكم
تمت الكلمة
وعظمت النعمة
وائتلفت
الفرقة
وبموالاتكم
تقبل الطاعة المفترضة
ولكم المودّة
الواجبة))1
الزيارة فافهم
واغتـنم فإن
فيما ذكرنا
كفاية لأولي
الرشد والدراية
.
__________________
1
الزيارة
الجامعة
الكبيرة
قوله
عليه السلام
وبحبّه يوم
الحشر
منجاتكم
فإن
النجاة في
الحشر منحصرة
في محبّته
عليه السلام
كما دلّت عليه
النصوص
المتواترة
بيننا وبينهم
والأحاديث في
هذا الباب لا تكاد
تحصى وإنما
أقتصر على
واحد منها
تذكرة لأولي
الألباب ، روى
الكليني في
روضة الكافي
عن أمير المؤمنين
عليه السلام
أنه قال في
خطبة له عليه
السلام (( أيها
الناس إن الله
تعالى وعد
نبيّه محمدا
صلى الله عليه
وآله وسلم
الوسيلة
ووعده الحق
ولن يخلف الله
وعده ألا وإن
الوسيلة أعلى
درج الجنّة
وذروة ذوائب
الزلفة ونهاية
غاية الأمنية
، لها ألف
مرقاة ما بين
المرقاة إلى
المرقاة حضر
الفرس الجواد
مائة عام
( وفي نسخة ألف
عام ) وهو ما
بين مرقاة
درّة إلى
مرقاة جوهرة
إلى مرقاة
زبرجدة إلى
مرقاة لؤلؤة
إلى مرقاة
ياقوتة إلى
مرقاة زمرّدة
إلى مرقاة
مرجانة إلى
مرقاة كافور
إلى مرقاة عنبر
إلى مرقاة
يلنجوج إلى
مرقاة ذهب إلى
مرقاة غمام
إلى مرقاة
هواء إلى
مرقاة نور قد
أنافت على كل
الجنان ورسول
الله صلى الله
عليه وآله وسلم
يومئذ قاعد
عليها مرتدٍ
بريطـتين
ريطة من رحمة
الله وريطة من
نور الله عليه
تاج النبوّة
وإكليل
الرسالة قد
أشرق بنوره
الموقف ، وأنا
يوم إذ على
الدرجة
الرفيعة وهي
دون درجته
وعليّ ريطتان
ريطة من
أرجوان النور
وريطة من
كافور ،
والرسل
والأنبياء قد
وقفوا على المراقي
وأعلام
الأزمنة وحجج
الدهور عن إيماننا
وقد تجللّهم
حلل النور
والكرامة ، لا
يرانا ملك
مقرّب ولا نبي
مرسل إلا بهت
بأنوارنا وعجب
من ضيائنا
وجلالتنا،
وعن يمين
الوسيلة عن
يمين الرسول
صلى الله عليه
وآله وسلم
غمامة بسطة
البصر يأتي
منها النداء
يا أهل الموقف
طوبى لمن أحب
الوصي وآمن
بالنبي الأمي
العربي صلى
الله عليه
وآله وسلم ومن
كفر فالنار موعده
، وعن يسار
الوسيلة عن
يسار الرسول
صلى الله عليه
وآله وسلم
ظلّة يأتي
منها النداء
يا أهل الموقف
طوبى لمن أحب
الوصي وآمن
بالنبي الأمي
صلى الله عليه
وآله وسلم
والذي له
الملك الأعلى
لا فاز أحد
ولا نال الروح
والجنة إلا من
لقي خالقه
بالإخلاص
لهما
والاقتداء بنجومهما
فأيقنوا يا
أهل
ولاية الله ببياض
وجوهكم وشرف
مقعدكم وكرم
مآبكم وبفوزكم
اليوم على سرر
متقابلين ،
ويا أهل
الانحراف والصدود
عن الله عز
ذكره ورسوله
وصراطه وأعلام
الأزمنة
أيقـنوا
بسواد وجوهكم
وغضب ربّكم
جزاء بما كنتم
تعلمون ))1 الحديث .
وفي روضة
الكافي عدّة
من أصحابنا عن
سهل بن زياد عن
محمد بن
سليمان عن
أبيه قال كنت
عند أبي عبد الله
عليه السلام
إذ دخل عليه
أبوبصير وقد
حصره النفس
فلما أخذ
مجلسه قال له
أبوعبد الله (( يا
أبا محمد ما
هذا النفس
العالي ؟ فقال
: جعلت فداك يا
بن رسول الله
كبر سني ودقّ
عظمي واقترب
أجلي مع أنني
لست أدري ما
أرد عليه من
أمر آخرتي ،
فقال أبوعبد
الله عليه السلام
: يا أبا محمد
وإنك لتقول
هذا ، قال :
جعلت فداك
وكيف لا أقول
هذا ، فقال
عليه السلام :
يا أبا محمد
أما علمت أن
الله تعالى
يكرم الشباب
منكم ويستحيي
من الكهول ،
قال : قلت جعلت
فداك فكيف
يكرم الشباب
ويستحيي من الكهول
، فقال عليه
السلام : يكرم
الله الشبـاب أن
______________
1
الكافي 8/20 – 21
يعذّبهم
ويستحيي من
الكهول أن
يحاسبهم ، قال
: قلت جعلت
فداك هذا لنا
خاصّة أم لأهل
التوحيد ، قال
فقال عليه
السلام : لا
والله إلا لكم
خاصّة دون
العالم ، قال :
قلت جعلت فداك
فإنا قد نبزنا
نبزا انكسرت
له ظهورنا وماتت
له أفئدتنا
واستحلّت له
الولاة دماءنا
في حديث رواه
لهم فقهاؤهم ،
قال فقال
أبوعبد الله
عليه السلام :
الرافضة ، قال
: قلت نعم ، قال :
لا والله ما
هم سمّوكم
ولكن الله
سمّاكم به ،
أما علمت يا
أبا محمد أن
سبعين رجلا من
بني إسرائيل
رفضوا فرعون
وقومه لما استبان
لهم ضلالهم
فلحقوا بموسى
عليه السلام لما
استبان لهم
هداه فسموا في
عسكر موسى
الرافضة
لأنهم رفضوا
فرعون وكانوا
أشد أهل ذلك
العسكر عبادة
وأشدهم حبا
لموسى عليه
السلام وهارون
عليه السلام
وذرّيتهما
عليهم السلام
فأوحى الله عز
وجل إلى موسى
عليه السلام
إني أثبت لهم
هذا الاسم في
التّوراة
فإني قد سميّتهم
به ونحلتهم
إياه فأثبت
موسى عليه
السلام الاسم
لهم ثم
ذخر الله عز
وجل لكم هذا الاسم
حتى نحلكموه ،
يا أبا محمد
رفضوا الخير ورفضتم
الشر افترق
الناس كل فرقة
وتشعّبوا كل
شعبة
فانشعبتم مع
أهل بيت
نبيّكم صلى
الله عليه وآله
وسلم وذهبتم
حيث ذهبوا
واخترتم من
اختار الله
لكم وأردتم من
أراد الله فأبشروا
ثم أبشروا
فأنتم والله
المرحومون
المتقبّل من
محسنكم
والمتجاوز عن
مسيئكم من لم
يأت الله عز
وجل بما أنتم
عليه يوم
القيامة لم
يتقبل منه
حسنة ولم
يتجاوز له عن
سيّئة ، يا
أبا محمد فهل
سررتك ، قال :
قلت جعلت فداك
زدني ، فقال :
يا أبا محمد
إن لله عز وجل
ملائـكة
يسقـطون
الذنوب عن
ظهور
شيعـتـنا كما
يسقط الريح
الورق في أوان
سقـوطه وذلك
قوله عز وجل {
الَّذِينَ
يَحْمِلُونَ
الْعَرْشَ
وَمَنْ حَوْلَهُ
يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ
رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ
بِهِ
وَيَسْتَغْفِرُونَ
لِلَّذِينَ
آمَنُوا }1
استغفارهم
والله لكم دون
هذا الخلق يا
أبا محمد فهل
سررتك ، قال :
قلت جعلت فداك
زدني ، قال : يا
أبا محمد لقد
ذكركم الله في
كتابه فقال {
مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا
مَا
عَاهَدُوا
اللَّهَ
عَلَيْهِ فَمِنْهُم
مَّن قَضَى
نَحْبَهُ
وَمِنْهُم مَّن
يَنتَظِرُ
وَمَا
بَدَّلُوا
تَبْدِيلًا
}2 إنكم وفيتم
بما
________________
1 غافر
7 2
الأحزاب 23
أخذ
الله عليه
ميثاقكم من
ولايتنا
وإنكم لم
تبدّلوا بنا غيرنا
ولولم تفعلوا
لعيّركم الله
كما عيّرهم حيث
يقول جل ذكره {
وَمَا
وَجَدْنَا
لأَكْثَرِهِم
مِّنْ عَهْدٍ
وَإِن
وَجَدْنَا
أَكْثَرَهُمْ
لَفَاسِقِينَ
} يا أبا محمد
فهل سررتك ،
قال : قلت جعلت
فداك زدني ،
فقال عليه
السلام : يا
أبا محمد لقد
ذكركم الله في
كتابه فقال { إِخْوَانًا
عَلَى سُرُرٍ
مُّتَقَابِلِينَ
}1 والله ما
أراد بهذا
غيركم ، يا
أبا محمد فهل
سررتك ، قال :
قلت جعلت فداك
زدني ، فقال
عليه السلام :
يا أبا محمد {
الْأَخِلَّاء
يَوْمَئِذٍ
بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ إِلَّا
الْمُتَّقِينَ
}2 والله ما
أراد بهذا
غيركم ، يا
أبا محمد فهل
سررتك ، قال :
قلت جعلت فداك
زدني ، فقال :
يا أبا محمد
لقد ذكرنا
الله عز وجل
وشيعتنا
وعدوّنا في
آية من كتابه فقال عز
وجل { هَلْ
يَسْتَوِي
الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ
لَا
يَعْلَمُونَ
إِنَّمَا
يَتَذَكَّرُ
أُوْلُوا
الْأَلْبَابِ
}3 فنحن الذين
يعلمون
وعدوّنا
الذين لا
يعلمون
وشيعنتا
أولوا
الألباب يا
أبا محمد فهل
سررتك ، قال :
قلت جعلت فداك
زدني ، فقال :
يا أبا محمد
والله ما
استثنى الله
عز وجل بأحد
من أوصياء
الأنبياء ولا
أتباعهم ما
خلا أمير المؤمنين
عليه السلام
وشيعته فقال
في كتابه وقوله
الحق { يَوْمَ
لَا يُغْنِي
مَوْلًى عَن
مَّوْلًى
شَيْئًا
وَلَا هُمْ
يُنصَرُونَ * إِلَّا
مَن رَّحِمَ
اللَّهُ }4
يعني بذلك عليا
عليه السلام
وشيعته ، يا
أبا محمد فهل
سررتك ، قال :
قلت جعلت فداك
زدني ، قال
عليه السلام :
يا أبا محمد
لقد ذكركم
الله تعالى في
القرآن إذ
يقول { يَا
عِبَادِيَ
الَّذِينَ
أَسْرَفُوا
عَلَى
أَنفُسِهِمْ
لَا
تَقْنَطُوا
مِن رَّحْمَةِ
اللَّهِ
إِنَّ
اللَّهَ
يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ
جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ }5
والله ما أراد
بهذا غيركم
فهل سررتك يا
أبا محمد ،
قال : قلت جعلت
فداك زدني ، فقال
عليه السلام : يـا أبا
محمد لقد ذكركم
الله في كتابه
فـقال { إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ
__________________
1
الحجر 47
2 الزخرف 67 3
الزمر 9
4
الدخان 41 – 42 5
الزمر 53
لَكَ
عَلَيْهِمْ
سُلْطَانٌ }1
والله ما أراد
بهذا إلا
الأئمة عليهم
السلام
وشيعتهم فهل
سررتك يا أبا
محمد ، قال :
قلت جعلت فداك
زدني ، فقال :
يا أبا محمد
لقد ذكركم
الله في كتابه
فقال { فَأُوْلَئِكَ
مَعَ
الَّذِينَ
أَنْعَمَ
اللّهُ عَلَيْهِم
مِّنَ
النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاء
وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ
أُولَئِكَ
رَفِيقًا }2
فرسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم في
الآية
النبيّون ونحن
في هذا الموضع
الصدّيقون
والشهداء وأنتم
الصالحون
فـتسمّوا
بالصلاح كما
سماكم الله عز
وجل يا أبا
محمد فهل
سررتك ، قال :
قلت جعلت فداك
زدني ، قال : يا
أبا محمد لقد
ذكركم الله إذ
حكى عن عدوّكم
في النار
بقوله {
وَقَالُوا
مَا لَنَا لَا
نَرَى
رِجَالًا كُنَّا
نَعُدُّهُم
مِّنَ
الْأَشْرَارِ
*
أَتَّخَذْنَاهُمْ
سِخْرِيًّا
أَمْ زَاغَتْ
عَنْهُمُ
الْأَبْصَارُ
}3
والله ما عنى
ولا أراد بهذا
غيركم صرتم
عند أهل هذا
العالم شرار
الناس وأنتم
والله في
الجنة تحبرون
وفي النار
تطلبون يا أبا
محمد فهل
سررتك ، قال :
قلت جعلت
فداك زدني
، قال : يا أبا
محمد ما من
آية نزلت تقود
إلى الجنة ولا
تذكر أهلها
بخير إلا وهي
فينا وفي شيعتنا
، وما من آية
نزلت تذكر
أهلها بشر ولا
تسوق إلى
النار إلا وهي
في عدوّنا ومن
خالفا فهل
سررتك ، قال :
قلت جعلت فداك
زدني ، فقال
عليه السلام :
يا أبا محمد
ليس على ملّة
إبراهيم إلا
ونحن وشيعتنا
وسائر الناس
من ذلك براء يا أبا
محمد فهل
سررتك وفي
رواية أخرى
فقال
___________________
1
الحشر 42
2 النساء 69 3 ص 62 - 63
حسبي ))1 .
هاتان
الروايتان
مشتملـتان
على حـقيقة
البيان لقوله
عليه السلام ((
وبحبّه يوم الحشر
منجاتكم )) فلا
بيان أزيد من
ذلك ، بقي الكلام
في المحبة
وحقيقتها
وبيان
مراتبها ونحن
لوتصدّينا لشرح
جميع أحوالها
ومراتبها
ومقاماتها
لأدى إلى
تطويل المقال
زائدا عما
يقتضي الحال
لكني أشير إلى
بعض أحوالها حسب ما
ذكرته في
اللوامع
الحسينية
عليه السلام
في بيان قوله
تعالى في
الحديث
القدسي (( كنت
كنزا مخفيا فأحببت
أن أعرف فخلقت
الخلق لكي
أعرف ))2 قلت هناك
هل تجد في
ذاتك تجدد
وحركة أم لا ؟
فإن قلت لا صدقت
، وإن قلت نعم
كذبت ، فإن
الذات لا
تتوقّع شيئا
من حيث الكونة
والتحقق
غيرها فإن
توقّعت فلم
يكن ما فرضناه
هو وهذا خلف فإذأً ليس
في الذات إلا
هي وهي من حيث
هي ليست إلا
هي وكلما
يتأخر
فهوالمتأخر
ولا يكون إلا
المتأثر فإن
المتأخر
تأكيد
للمتقدّم في
السلسة
الطولية
كقولك ضربت
ضربا وقعدت
جلوسا فأنت في
كينونتك أنت
ثم تميل إلى
الشيء بحركة
قلبك إليه
لكنها في غاية
السرعة لأنها
في أعلى مراتب
اللطافة
بالنسبة إليك
وبالنسبة إلى
ما يصدر منك
وهو أول ذكرك
للشيء وذلك هو
المشيئة قال
عليه السلام (( أتـدري
ما المشيـئة ،
قلت : لا
، قال : هو
الذكر الأول ،
أتدري ما
__________________
1
الكافي 8/26 – 28 ح 6
2
البحار 87/199 ح 6
الإرادة
، قلت : لا، قال :
العزيـمة على
ما شاء الله ))1 قال
عـليه السلام
(( الإرادة من
الخلق الضمير وما
يبدو له بعد
ذلك من الفعل ))2
وهي الإختراع
قال عليه
السلام ((
المشيئة
والإرادة
والاختراع معناها
واحد
وأسماؤها
ثلاثة ))3 ومن
حيث أن الميل
لا يكون إلا
إلى الملائم
يسمى حبا
ومحبّة , فالمحبّة
هي ذلك الذكر
الأول وهي سر
الوجود وظهور
الحق المعبود
فيعبّر عنها
حسب الإرادات
بأسماء
مختلفة ، ولما
كان هذا الذكر
المسمى
بالإرادة
يختلف في
الشدّة
والضعف والزيادة
والنقصان وله
مراتب كثيرة
غير محصورة
لكن كلّياتها
تجتمع في تسع
مراتب على الترتيب
سمّيت كل
مرتبة باسم
يغاير الأخرى
وإن اجتمعت في
اسم المحبّة،
وكل ذلك مظاهر
ذلك الذكر
وشئونه
ومقاماته .
الأولى : تسمى
ميلا وهو
انجذاب القلب
إلى مطلوبه .
والثانية :
تسمى ولعا وهو
إذا قوى ودام
ذلك الانجذاب
.
والثالثة :
تسمى صبابة
وهو إذا أخذ
القلب في
الاسترسال
إلى من يحب
فكأنه انصب
كالماء إذا
فرِّغ
لا يجد بدا
من الانصاب .
والرابعة :
تسمى شغفا وهو
إذا تفرّغ له
بالكلّية
وتمكّن ذلك
منه .
والخامسة :
تسمى هوى وهو
إذا استحكم في
الفؤاد وأخذه
عن
الأشياء .
والسادسة :
تسمى غراما
وهو إذا
استولى حكمه
على الجسد .
والسابعة :
تسمى حبا وهو
إذا نمى وزالت
العلل
الموجبة
للمنع
للميل .
والثامنة :
تسمى ودّا
وهوإذا هاج
حتى يفنى
المحب عن نفسه
.
والتاسعة :
مقام فناء
المحبة
والمحب والمحبوب
قال مولانا
الصادق عليه
السلام (( المحبّة
حجاب بين
المحب
والمحبوب ))
وهذا مقام لا اسم
ولا رسم وهذا
مقام الدّنو
بلا كيف ولا
إشارة وفي هذا
المقام يرى
المحب محبوبه
ولا يعرفه ،
يعني ترتفع
جهة التمايز
في عالم
الظهور
فيتوجّه إلى
محبوبه لا من
حيث أنه كذلك
قال عليه
السلام (( كشف
سبحات الجلال
من غير إشارة ))
فإن _________________
1
تفسير القمي
1/24 2
عيون أخبار
الرضا 1/119
3 عيون
أخبار الرضا 1/173 ,
ولكن بدل كلمة
الاختراع ( الإبداع
) .
الإشارة
مبعدة ، وأهل
المحبة
المجازية
سمّوا هذا
المقام عشقا .
والوجه في
هذه المراتب
أن الشيء له شئون
ذاتية وشئون
عرضيّة وشئون
إضافية ووصفيّة
وحقيقة صرفة
لطيفة محضة
وهي المجرّدة
عن الشئون
المنزّهة عن
الإضافات ،
وتلك الشؤون
هي سبحاتها
وهياكل
تنزلاتها ،
وإذا التفت إليها
كانت في عوالم
غربتها
وهجرتها وعدم
الوصول إلى
مسكنها
وموطنها ،
فإذا غفلت
عنها فهي في
أنسها
وكمالها ،
وذلك الذهول
المطلوب لا يكون
إلا بالميل
إلى أعاليها
كما أنها ليست
إلا هو ، فإذا
مالت إلى
العالي أو إلى
المناسب ميلا
غريزيّا أخذت
تنجذب تلك
السبحات
وتنكشف تلك
الإضافات ،
فأولا يذهل عن
غيره من الشؤون
العرضية
وبينها تلك
المراتب
الأولية من الميل
إلى الهوى ثم
يأخذ في
الذهول عن
نفسه بمراتبه
من الغرام إلى
الودّ ثم يذهل
عن العالي
المنظور إليه
ويتّصل به
اتصالا
عيانيّا من حيث
فقدانه
{
وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ
عَلَى حِينِ
غَفْلَةٍ
مِّنْ
أَهْلِهَا }1 فإن
المحبة حجاب
بين المحب
والمحبوب
لاقتضائه
التثليث وهو
ينافي المحبة
.
فإذا
عرفت هذه
المراتب
فاعلم أن حبك للشيء
جهتك إليه واستدارتك
عليه ، فإن
كانت ذاتيّة
تدور لا إلى جهة
ولا وضع ولا
محور لها فإن
كانت
الاستدارة على
خلاف التوالي
كان ذلك عين
محبوبك لك
فإنه قد تجلّى
لك بك فهو
محبّك
ومحبوبك أحبك
بك وأحببته به
فنظرت إليه به
ونظر إليك بك
وهذه هي المحبة
الصادقة التي
لا زوال لها
ولا اضمحلال
بل هي باقية
ببقاء
المحبوب فيما
لم يزل ولا
يزال ، فلا
يزال هو متجلي
له به وجاذبه
عنه وهو فان
فيه ومنجذب
إليه كانجذاب
الحديد للمغناطيس
وهو مثال
تقريبي لا
تحقيقي ، وهذا
الانجذاب بلا
كيف ولا إشارة
وهذا
هوالاستئناس في
ظلال المحب
أحب محبّه
فأحبه بعين
محبّته له
فمحبّه
المحبوب في
هذه السلسلة أقدم ،
أحب جماله
بجلاله فنظر
جلاله إلى
جماله بعين
جماله كما نظر
إلى جلاله
بعين جماله
فافهم هذا
البيان
المكرر
المردد
بالفهم
المسدد فإن
هذا عكس ما
يزعمون فإن
جهة العالي
وميله إلى
السافل لوكان
في رتبة
العالي لكان
السافل عاليا
فيجب أن يكون
في رتبة
السافل لا
بحيث يلزم
العكس من كون
العالي
_________________
1
القصص 15
سافلا
بل العالي عال
والسافل
سافل
فالظهور
للسافل
بالسافل من
حيث كونه
عاليا وهوالمحبوب
المتقدّم
محبّته على
محبّه ومحبة السافل
للعالي
بالعالي من
حيث كونه
سافلا قال
الشاعر:
رأت
قمـر السماء
فـذكّرتني ليـالي
وصلـنا
بالـرقـمتـين
كلانـا
نـاظـر قمرا
ولكـن
رأيت
بعيـنـها
ورأت بعينـي
وأما حب
الشيء نفسه
عين نفسه وهذا
معنى محبة
الخلق للولي
عليه السلام
ومحبة الولي لهم
يحبّهم
ويحبّونه ،
فتام المحبة
من لا يرى سوى
المحبوب
وكاملها من
يفقد المحبوب بالإشارة
لأنه دخل
المدينة على
حين غفلة من أهلها
فاتحد
المحبوب
والمحب
والمحبة إلا
أنه هو هو
ونحن نحن ،
ولما كان
الإيجاد
بالمحبة سرت
وجرت المحبّة
في كل ذرات
الوجود فما
ثمّ شيء موجود
أو معدوم
جواهر أوعرض
لفظ أو معنى
إلا بها فهي
شمس عالم
الوجود لأنها
نار الشجرة
الغير
الشرقية ولا
الغربيّة
الماسّة زيت تلك
الشجرة
الصافية التي
يكاد زيتها
يضيء في عالم
الشهود ولولم
تمسسه تلك
النار في فلك
الاسم الودود
، فبحرارتها
استقام كل
مزاج وهي منشأ
كل سرور
وابتهاج فهي
مادة المواد
وصورتها
الاتصال
بالمراد
وببرودتها
ظهر ذلك النور
بما فيه من
القابلية
والاستعداد ،
فكل محبة تستلزم
الاتصال وكل
اتصال يلزمه الانفصال
، فبالاتصال
يسكن المحب
المحبة وبالانفصال
يتحرك سريعا ،
فلولا
الاتصال بطلت
المحبة
لكونها فرع
مشاهدة
الجمال فلا
محب ولا محبوب
، ولولا
الانفصال
تمّت وانتهت
وليس لمحبتي
غاية ولا
نهاية فهو
دائما يسير
إلى محبوبه ودائما
يتجلى له
محبوبه ، فإذا
سكن عنده تجلى
له في مقام
أعلى ويشتدّ
سيره ويعظم
ميله كلما جاء
كأس يأس مرير
جاء كأس من
الرجاء معسول
، فبالحب سكنت
السواكن
وتحركت
المتحركات ، فالساكن
لسرعته لا ترى
له حركة قال
عليه السلام
في المشيئة ((
خلق ساكن لا
يدرك بالسكون
))1 مع أنها
عين الحركة
وقال عز وجل {
وَتَرَى الْجِبَالَ
تَحْسَبُهَا
جَامِدَةً
وَهِيَ تَمُرُّ
مَرَّ
السَّحَابِ
صُنْعَ
اللَّهِ الَّذِي
أَتْقَنَ
كُلَّ شَيْءٍ
}2 وتلك الحركة
لتلك الحرارة
الداعية
المشوّقة
السارية في كل
الذرات من باب
الآيات وهي
أثر حب الله
قد
_____________
1
التوحيد 438 2
النمل 88
سرى
في خلقه ،
وذلك الأثر حب
الله قـد سرى
في خلـقه وذلك
الأثر هو
ظهورات
المولى من
العز في الحقائق
والذوات قال
عليه السلام ((
أنا ذات
الذوات أنا الذات
في الذوات
للذوات )) وسرى
ذلك الأثر في
الخلق ليكمل
به ميولاتهم
إليه مع تباين
أطوارهم ، وقد
ضجّت إليه
الأصوات
بفنون اللغات
واجتمعت لديه
العقول
المتخالفات،
وهوسر توحيده
وآية تفريده الظاهر
في كل شيء لكل
شيء بكل شيء
قال عليه السلام
وفي
كل شيء له آية تدل
على أنه واحد
وهي
تلك المحبة
السارية في كل
أقطار الوجود
، وهي سر
الإيجاد
وعلّة
الانوجاد وجهة
الاتصال
ومادة
الانفصال ،
تسرع
بالأشياء إلى
مبادئها
وتوصلها إلى
أصولها
وجواهرها وتعرّفها
مقامها
ورتبتها ،
أجمل لك
المقال بأنها
عين الكمال في
المبدأ
والمآل .
ثم
اعلم أن
العالي لا
يزال يحب
السافل
ويلتفت إليه
من حيث هو
كذلك ولولاه
لا سبيل للسافل
إليه ،
والسافل ليس
إلا عين محبة
العالي
ومحبوبيّته
له ومحبيّته
له ، فالقول
بأن العالي لا
يلتفت إلى
السافل
بظاهره باطل
إذ السافل ليس
إلا التفات
العالي فوجوده
نقض لقولهم ،
نعم التفات
الانتفاع
منتف وكذا
الذكر عند
الذات هذا في
السلسة
الطولية ، فكل
سافل سائر إلى
جهة العالي
ومشتاق إليه
وراغب فيما
لديه ومنقطع
إليه ولا يريد
سواه ولا يطلب
غيره
من حيث هو ،
وكذا العالي
بالنسبة إليه
إلا أن محبة
العالي
مقدّمة فأحبه
بما جعل فيه
من محبّته
فأحبه بمحبته
له لا العكس ،
ومحبة السافل
تقتضي
الدوران
والاستدارة
الأبدية على
نفسها لأنه
يطلب العالي
في سيره لفرط
شوقه فكلما
يصعد إليه
يرجع قهقرى
عند نفسه فيطلب
الغير في
مقامه ولا
يمكن الوصول
إليه ، فلذا
لم يزدد إلا
حبّا وشوقا
وشغفا وغراما
وولعا ، ولا
يزال يتجدد له
تجلي المحبوب
ولا ينزل إليه
أبدا .
قذفتهم إلى
الرسوم فكل دمعة
في طلوله
مطلول
فجمال
المحبوب له
ظهورات حسب
مراتب المحبين
المشتاقين
الولهين
الفانين، ثم
لجماله جمال
ولجمال جماله
جمال وهكذا،
وللكل طالب
ومشتاق لكن لا
يطلب جماله
إلا جماله ولا
يريد وصاله
إلا جلاله ولا
يبصر نوره إلا
طرفه ((
اعرفوا الله
بالله ))1 ، قال
الشاعر :
إذا
رام عاشـقهـا
نـظـرة
فلم يستطعهـا
فمن لطفها
أعارتـه
طرفـا رآهـا
بـه فـكان
البصير بهـا
طرفها
فافهم
.
وإذ قد
علمت أن
الوجود قام
بالحب وعاد
إليه ، فاعلم
أن المحبة
محبّتان
ذاتية وعرضية
، والذاتية
ذاتيتان
أحدهما هو
اللانهاية السائرة
الدائرة على
محبوبها
بالاستدارة الحقيقية
لا إلى جهة
وقد تقدم
حكمها ،
وثانيهما
مقامات النهاية
وكل نهاية
سيرها إلى جهة
فلا يكون الدوران
على القطب بل
على المحور
فتختلف مراتبها
في المحبة حسب
ميولاتها
التكوينية
المحضة
والتشريعة .
فأعلاها
المقامات
العقلية
فإنها من حيث
كينونتها لا
تسير إلا إلى
جهة تلك
المحبة وتميل
إلى الحدود
الغيبية المعنوية
وإلى المعاني
الكلية ،
وتقرّبها إلى
المحبة
الحقيقية
سريعة الوصول
بخرق حجب النهاية
لإدراك
اللانهاية ،
ولذا لا يميل
إلى ما ينافيها
ويضادّها ،
ولا يشتاق إلى
خدمة المحبوب
وملازمته
وامتثال
أوامره
ونواهيه
وإيثار
محبوبه على ما
سواه فهو لا
ينظر إلا إلى
تلك المحبة
لكنها في حجاب
رقيق يتلألأ
بخفق وهو من زبرجد
.
وأسفلها
المقامات
الصورية
المترتبة إلى
العشرين
وتجمعها
الصور
النفسية
والجسمية
والعرضية من
الكيفيات
والكميات
والجهات
والأعراض
وغيرها .
وأعلاها
الأعلى وهي
الأسفل
الأدنى فاقدة
للمحبة الحقيقية
لكمال بعدها
عنها
واحتجابها
بالغواشي حتى
تشغله
الكثرات
وتلهيه
الإضافات ،
والميل في هذه
المقامات لا
تكون لذاته بل
لجهة من الجهات
وحيث من
الحيثيات ،
وذاتية
هذا العرضي
تنبئ عن ميل
محبوبه إليه
لتآلفهما في
الذر الثالث
حين تفردهما
على دوحات
سدرة المنتهى
وتوجههما ،
وقد لا تنبئ
لجواز أن يكون
على ذلك الغصن
وجهه على
ظاهره ،
فأحدهما مقبل
والآخر مدبر
وهذه صورتهما
( دد ) ، وعرضي
هذا العرضي
يكون بـدواعي
اللطخ
______________
1
التوحيد 285
والخلط
، وقد ينبئ
ذلك عن ميل
الآخر إليه
إذا استحكم
اللطخ والخلط
بينهما ، فالواقف
في هذا المقام
لم يزل في
احتجاب عن وجه
المقصود
الحقيقي وعن
المحبة
الإلهية وهم
المشار إليه
في قوله عز
وجل { زُيِّنَ
لِلنَّاسِ حُبُّ
الشَّهَوَاتِ
مِنَ
النِّسَاء
وَالْبَنِينَ
وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنطَرَةِ
مِنَ
الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ
وَالْخَيْلِ
الْمُسَوَّمَةِ
وَالأَنْعَامِ
وَالْحَرْثِ
ذَلِكَ مَتَاعُ
الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا }1
فسيرهم أبدا
عرضي معكوس
وشمس مداد
حبهم في
الأفول والطموس
.
وأوسطها
الأوسط وهو
الأسفل
وهوالحجاب
الأسود لا
يدور إلا إلى
الجهة ، وهي
الجهات
الحسية
المتكثّرة
والمدارج
الرسمية حجاب غليظ
وميلها عكس
الميل الكلي ،
لا تميل إلا
إلى الصور
الجسمية ولا
يشتاق إلا
إليها ولا يهوى
إلا إياها ،
وفيها نسيان
المحبوب
الأول لأن كينونتها
على خلافه وإن
كان قوامها به
ودلالتها
عليه ، فشوقها
الغريزي
وميلها
الذاتي إلى
الجهات وذوات
الأوضاع
والحدود ،
وكذا الشوق
الوجداني
والشعور
الحيواني
فإنهما قد يتخالفان
عند احتجاب
الواقفين
بالحجب
الظلمانية
وإلا فلا
اختلاف كأهل
الجنة في
درجاتهم ومقاماتهم
حسب اقتضاء
كينوناتهم
بأعمالهم ودواعي
إقـبالهم ولا
يميلون إلى ما
ليس لهم ولا
يشتاقون إليه
ليكدر عليهم
صافي شربهم
كما في الدنيا
قال عز وجل {
أَمْ
يَحْسُدُونَ
النَّاسَ عَلَى
مَا آتَاهُمُ
اللّهُ مِن
فَضْلِهِ }2 {
وَلاَ
تَتَمَنَّوْاْ
مَا فَضَّلَ
اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ
عَلَى بَعْضٍ
}3 .
وأسفلها
السفلى وهي
مقامات
الأعراض ،
وتلك المحبة
حجاب أسود
غليظ كالليل
الدامس كثير
الحيّات
والعقارب فيه
أحوال مظلمة
ومقامات منكرة
، ولا تميل
إلا إلى
الحدود
الكثيفة وهي
عن المحبة
الحقيقية
بعيدة بعيدة ،
وفي هذا المقام
يحصل الميل
إلى الصور
المقدارية
الجميلة والشمائل
المستحسنة
والأصوات
المطربة كما هو
المعهود الآن
في أبناء هذا
الزمان من
لعبهم بالصبيان
وعشقهم
بالمردان
واستماعهم
لصوت الغناء
ومجالستهم
لأهل الشقاء
والعناء مدّعين
بأنها من
الكمالات
وعشقهم مجاز
يوصل إلى الحقيقة
فإن المجاز
قنطرة إلى
الحقيقة ،
وأنت إذا
أمعنت النظر
علمت أن هذا
الكلام ليس
إلا من جهة
التسويـل
والتمويه على
الجهال وإلا
فلا مناسبة
بينهما إلا
__________________
1 آل
عمران 14
2 النساء 54 3
النساء 32
باللفظ
، وها أنا
أنبهك ولا حول
ولا قوّة إلا بالله
على حقيقة
الأمر في ذلك
فاعلم أن
الحدود من حيث
هي حدود لا
تكون مجازا إذ
حركتها تبعيّة
وسيرها لظهور
الحقيقة
وحركتها ضدية
مجتثّة فتدور
على خلاف
جهتها فبطلت
المجازية ،
نعم المحدود
مجاز للمطلق
والنور مجاز
للمنير
والحركة مجاز
للمتحرّك لا
من حيث الحدود
، فإذا نظرت
إليها لا من
حيث هي بل من
حيث ظهور
العالي كان
مجازا فإذا
انطوت الحدود
واضمحل
الوجود
والشهود
فالواقف في
مقام المجاز حيث
لم يصل إلى
الحقيقة إن
كان صادقا لم
يكن نظره إلا
إليها فحيث لم
يصل إليها فهو
بعد في مقام
صحوه ورتبة
فعله وعالم فرقه،
ففي عالم
الفرق
للمحبوب ذكر
عند المحب كما
في عالم الجمع
محو وسكر
واتحاد بل
وحدة في مقام
الحب الحقيقي
الذي هو عين
المجازي الذي
هو عين الحقيقي
، فأهل المجاز
الواقفين في
عالم الأغيار
والأكدار حيث
فقدتهم العين
فأين هم من
الذكر ، ولما
كان ذكر
المحبوب
اللائق له لا
يمكن إلا بعد
الاتصال في
مقام ( هو نحن
ونحن هو ) ويتعذّر
ذلك لأهل
المجاز لأنهم
بعد طالبون
للجواز أبان
لهم المحبوب
في مستسرّات
الغيوب وجعل
لهم في عالم
البين والفرق
تلك الأذكار لتكون
موصلة لهم إلى
تلك الديار إذ
قد عرفت أن المحبة
في الرتبة
الأولى هي ذكر
المحبوب وذلك
الذكر هو ما
أسس الشارع
عليه السلام
من أنواع
الطلب وأقسام
الذكر لكونه
هو المحبة في
تلك المقامات
ولذا قال عز
وجل خطابا
لنبيه صلى
الله عليه
وآله وسلم {
{قُلْ إِن
كُنتُمْ تُحِبُّونَ
اللّهَ
فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ
اللّهُ }1
وقال عز وجل {
وَاذْكُرُوهُ
كَمَا
هَدَاكُمْ }2
ومن المعلوم
البيّن أن
المحب إن حرم
على المشاهدة
وهو صادق لم
يزل في ذكر المحبوب
وفكره فإذا
نسي الذكر
فهوكاذب في دعواه
و مفتر في
مدّعاه :
تعصي
الإله وأنت
تظهر حبــه هذا
لعمرك في
الفعال بديـع
إن
كنـت فيه
صادقا
لأطعتــه إن
المحب لمن أحب
مطـيـع
فالذي
نظر إلى
الحدود
واحتجب عن مشاهدة
المعبود
واشتغل بها عن
الركوع
والسجود ويدّعي
أنه من أهل
المجاز
فهوكذب وزور
وفرية وغرور
فإذا اشتـغل
بذكر المحبوب
ذكره المحبوب
{
فَاذْكُرُونِي
أَذْكُرْكُمْ
}3
___________________
1 آل
عمران 31
2 البقرة 198 3
البقرة 152
فجذبه
إليه وأخرجه
عن الحدود فلا
يرى شيئا إلا
ويرى لمحبوبه
فيه شهود فإن
كان ليس من أهل
المجاز يبكي
ويشتد حزنه
وبكاؤه وقلقه
واضطرابه
لفقدانه
الجلوس مع
المحبوب على
سرائر القرب
في عالم
الغيوب فإذاً
لا يتفاوت له
مظهر دون مظهر
وأثر دون أثر
إذا لا غاية
له إلا ملاحظة
المؤثر
المحبوب فكل
الأيام له يوم
واحد وكل
الأشياء عنده
شيء واحد وهو
ظهور المحبوب
، فلم يزل
ناظرا في
آثاره وآياته
ولاحظاً في
مقاماته
وعلاماته
وملتزما ذكره
وفكره كما كان
للأولياء
الصدّيقين
والأحباء
الراشدين
وأهل العرفان
واليقين مثل
ذلك الرجل
الهندي الذي
كان ينظر إلى
السماء فيبكي
وإلى الأرض فيبكي
وإلى الشرق
فيبكي وإلى
الغرب فيبكي
ولم يزل يشتغل
بتلك الأحوال
، ومثل سلمان
أعجوبة الزمان
وهؤلاء
قليلون وهم
عظيمون
جليلون ، فمن
فرّق بين مظهر
ومظهر وأثر
وأثر وقصر
نظره في واحد
دون الآخر فهو
محدود محجوب
ناسٍ لله عز وجل
قال تعالى {
نَسُواْ
اللّهَ
فَنَسِيَهُمْ
}1 فلا يريد في
قصده المحبوب
ولا يقصد إلا
ذلك الشيء
المطلوب ,
وجعل قوله
المجازي شبكة
لصيد الجهال و
مجازا إلى
الكفر
والضلال ، ألم
تنظر ما قاله
أهل الأصول
التي هي ظاهر
الوصول وباطن
الحصول أن
استعمال
الكلي في
الفرد حقيقة
إذا لم تلحظ
فيه الخصوصية
بوجه وإلا فهو
مجاز ،
ومرادهم
بالحقيقة هو
مجاز وبالمجاز
هو ظاهر
الجواز وهو
الحقيقة
الثانية المجتثّة
، يا إخواني
لا تغّترّوا
بأقوال بعض
المتسمّين
بالحكماء حيث
رخّصوا أهل
الدواعي النفسانية
الشهوانية في
عشق الصبيان
والغلمان
المردان وصرف
بضاعة العمر
في عشقهم الذي
هوعين
الطغيان
بادعائه أنه
المجاز
والمجاز قنطرة
الحقيقة ،
فاشتغلوا بها
عن الصلاة
والصيام والإقبال
على الله
والخضوع
والخشوع
والتضرّع له
والابتهال
إليه في السر
والإعلان ،
فلا يتوجّه
إلى الصلاة لو
وقف إليها ولا
يقوم لله بعبادة ونسك ،
فلو وقف
للصلاة فهو
مشغول بذلك
الأمرد بل
ربما يخاطبه
فإذا ناداه
وهو في الصلاة
قطعها ولبّاه
وإذا رآه شهق
شهقة ونعـق
نعقة {
كَأَنَّهُمْ
حُمُرٌ
________________
1 التوبة 67
مُّسْتَنفِرَةٌ
فَرَّتْ مِن
قَسْوَرَةٍ }1 ، كيف
يكون المجاز
مخالفا
للحقيقة مع أن
الصلاة وجه
المحبوب
وأعلى ما
يتوجّه به
المحب إلى
المحبوب
الحقيقي حتى
أنها صارت من
أعظم أصول
العبادة ،
فيهدم الصلاة
لأجل هذا
الغلام
ولحبّه ومع
ذلك يدّعي أنه
مجازا إلى
الحقيقة ، ولا
يبعد أن يكون
إرادتهم من
الحقيقة أمر
آخر بتكرّم
الإنسان عن
ذكره بئس ما
سوّلت لهم
أنفسهم،
والداهية
العظمى أنهم يجعلونه
مع هذا من
المحسنات
الإلهية حتى ،
قال صاحب
الأسفار أنه
من الأخلاق
الإلهية المحمودة
المترتبة
عليها غايات
شريفة وأنه فضيلة
نفسانية ، وما
أعجب ما استدل
على هذا الطريق
الباطل
والمسلك الهائل
بوجود هذا
العشق في
المبادئ
العالية مثل
أهل فارس وأهل
العراق وأهل
الشام والروم
وكل قوم فيهم
العلوم الدقيقة
والآداب
الحسنة
والصنائع
اللطيفة، وفقدانه
في مثل
الأكراد
والأعراب
والترك ، ويا سبحان
الله ما عرف
أن أكـثـر
الناس لا
يعقلون و
_________________
1
المدثر 50 - 51
{
أَكْثَرَ
النَّاسِ لاَ
يَعْلَمُونَ
}1 { وَلاَ
تَجِدُ
أَكْثَرَهُمْ
شَاكِرِينَ }2 {
أَمْ
تَحْسَبُ
أَنَّ
أَكْثَرَهُمْ
يَسْمَعُونَ
أَوْ
يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ
إِلَّا
كَالْأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ
أَضَلُّ
سَبِيلًا }3
وأن أهل الحق
قليلون { وَقَلِيلٌ
َمَا هُمْ }4 {
وَقَلِيلٌ
مِّنْ عِبَادِيَ
الشَّكُورُ }5 {
وَمَا آمَنَ
مَعَهُ إِلاَّ
قَلِيلٌ }6
والسر في ذلك
عدم اطلاعه
على حقيقة
الأمر .
وها
أنا أشير إلى
ذلك مجملا
فأقول اعلم أن
الله سبحانه
لما أمر
اللطيفة
الإلهية والحقيقة
السرمدية
بالإدبار
لتصحيح
الإقبال
فنـزل إلى
الجماد وكلما
كان بالفعل
كان بالقوة
وخفيت
المبادئ
العالية
والعوالم
الأولية فلما
أمرها
بالإقبال
لإتمام
الإدبار أخذ
في الصعود فكل
مقام وصل إليه
رآه حسنا
وحسبه منـزلا
لنسيانه تلك
النفحات
النورية
والعوالم
الغيبية ، وكل
سافل يظهر في
الصعود قبل العالي
إلى أن وصل في
صعوده إلى
مقام النفس
مقام الكثرة
ومقام
الاختلاف
والصورة ورأى
فضاء واسعا
وعالما فسيحا
أقام فيها
ومكّن النفس
في مدينة
حقيقتها
واستولت على
عرش سلطنتها
وإطاعتها
الحواس
والقوى
والمشاعر فهي
لا تشتهي إلا
المخالف
وبرهانه
فليطلب من
سائر رسائلنا
، فإذا ظهر
العقل بعد
تمكّنها
واستقرارها ودعى
القوى أن
تتوجه إلى
عالمه فإنه
أحسن وأوسع وأشرف
وفيه وجه
المحبوب عصت
النفس وصعبت
على القوى
إطاعتها
لتمكّنها
ومنعها ،
فأرسل الله الرسل
معينين
ومظاهرين
للعقل فكلّف
سبحانه الخلق
أي أمرهم
بالكلفة
والمشقة مع أن
الطاعات كلها
من مقتضيات
العقل وراحة
للملائكة العقليين
، ومشقّتها
لما بيّنّا من
صعوبة سلب ما
عادت النفس
عليه ولذا طلب
الأكثر
الراحة وما تقلّدوا
بهذه القلادة
وأقلّهم
الذين قبلوا أكثرهم
أنكروا ما
يدعوهم إلى
مخالفة النفس
كثيرا
كالولاية
وأقلهم الذين
قبلوا
اقتصروا على
الظواهر
وغمضوا عن
البواطن وما
قتلوا أنفسهم
إلا قليل قليل
قليل وقد قال
الإمام
الكاظم عليه
السلام ما
معناه (( لو
غربلت شيعتي
ما خلص من
الألف
واحد )) مع أن
كون هذا العشق
من مشتهيات
النفس في عالم
الأعراض مما
لا شك فيه لأن
الصورة هي
التي تدركها
النفس وتميل
إليها وليست
في العالم
العقلي صورة
ولا شهوة إلا
وجه الله
وطاعته ، وما
كان أهل فارس
والروم من
المبادئ
_____________
1
الأعراف 187 2
الأعراف 17 3
الفرقان 44
4 ص 24 5 سبأ 13 6 هود 40
العالية
إلا من جهة
شيوع
اشتغالهم
بالكثرات وغلبة
الفسق والكفر
فيهم ويجب أن
يقال الرشد في
خلافهم كما
قالوا عليهم
السلام ، وأما
علومهم فليست
مما يتعلّق
بالدين ولو
فرض ذلك فإنما
هي صناعات لأن
العلم يهتف
بالعمل فإن
أجابه وإلا ارتحل
، ولا عمل إلا
ذكر الله وليس
ذكر الله إلا
كما حدده الله
في الكتاب
وبيّنه رسله
وخلفاؤه فمن
تعدى ذلك
الحدّ فقد
استوجب الحدّ
واستحق الرد ،
وأما الأكراد
والأعراب
الذين أشار
إليهم فهم
بعدما ترقّوا
من عالم الحس
والجماديّة
كلّهم خشب
مسنّدة وما
التفتوا إلى ما
التفتت تلك
المبادئ
العالية من
تسخير سلطان
النفس إياهم
ولَيْتَهم
أيضا ما وصلوا
وما ترقّوا
وما التفتوا
ليسلم الناس
من شرّهم ، واعلم
أن شرافة
الكينونة هي
الصور
الإنسانية وحدودها
التقوى والحب
في الله
والاشتغال
بذكر المحبوب
كما أراد منه {
وَاذْكُرُوهُ
كَمَا هَدَاكُمْ
وَإِن كُنتُم
مِّن
قَبْلِهِ لَمِنَ
الضَّآلِّينَ
}1 فإذا نقص شيء
منها نقصت إنسانية
وجاءت
شيطانية وهل
تجد تلك
الحدود وخواصّ
الإنسانية
التي هي العلم
والحلم والفكر
والذكر
والنباهة
والنزاهة
والحكمة في
أهل فارس
والروم التي
أشار إليهم
وهل وجدت هذا
العشق عند أحد
من خواص
الأئمة سلام
الله عليهم في
مبادئ أمورهم
وأوساطهم أو
نهايتهم ، وما
كان ذلك إلا
دأب
العباسيين
وخلفاء الجور
وخلفاء الشياطين
، ولما كان
التصوف إنما
وضع لإطفاء نور
الله المبين
وصد الناس عن
أهل بيت
العصمة والطهارة
، وكانت رغبة
الخلفاء في
محبة الغلمان
والنسوان
واستماع
الغناء وكذلك
طبائع الناس
لكونهم في
مقام النفس
إلى هذه
الأمور أميل
رخصهم
الصوفية
الملحدون في
ذلك وحببوا
إليهم الكفر
والفسوق
والعصيان ثم
مّوّهوها ببعض
التمويهات
واستدلوا
عليها ببعض
المزخرفات ليجلبوا
الناس إليهم
فإنهم همج
رعاع أتباع كل
ناعق يميلون
مع كل ريح لم
يستضيئوا
بنور العلم
ولم يلجئوا
إلى ركن وثيق
، وجاء بعض
المتشبّثين
بالولاية حيث
لم يدخلوا
فيها بقدم
ثابت وقلب
مطمئن روي ولم
يردوا على حوض
ولاية أهل البيت
عليهم السلام
وإن ادّعوا
ذلك وقلوبهم ناشفة
عطاشى فوجدوا
هذا السراب
يلوح كأنه ماء
فولجوا
فاشتدوا ضماء
_________________
1
البقرة 198
وعطشا
{ وَأَلَّوِ
اسْتَقَامُوا
عَلَى الطَّرِيقَةِ
لَأَسْقَيْنَاهُم
مَّاء غَدَقًا
}1 .
قال
صاحب الأسفار (
وأما العناية
في هذا العشق
الموجود في
الظرفاء وذوي
لطافة الطبع
فلما ترتب
عليه من تأديب
الغلمان
وتربية
الصبيان
وتهذيبهم
وتعليمهم
العلوم
الجزئية
كالنحو
واللغة
والبيان والهندسة
وغيرها
والصنائع
الدقيقة
والآداب الحميدة
والأشعار
اللطيفة
الموزونة
والنغمات
الطيبة
وتعليمهم
القصص
والأخبار
والحكايات
الغريبة
والأحاديث
المروية إلى
غير ذلك من
الكمالات
النفسانية
فإن الأطفال
إذا استغنوا
عن تربية
الآباء
والأمهات فهم
بعد محتاجون
إلى تعليم
الأساتيذ
والمعلّمين
وحسن توجّههم
والتفاتهم
إليهم بنظر
الإشفاق
والتعطف فمن
أجل ذلك أوجدت
العناية
الربانية في
نفوس الرجال
البالغين
رغبة في
الصبيان
وتعشّقا
ومحبة
للغلمان والحسان
الوجوه ليكون
ذلك داعيا لهم
إلى تأديبهم
وتهذيبهم
وتكميل
نفوسهم
الناقصة
وتبليغهم إلى
الغايات في
إيجاد نفوسهم
وإلا لما خلق الله
هذه الرغبة
والمحبة في
أكثر الظرفاء
والعلماء
عبثا وهباء
فلا بد في
ارتكاز هذا
العشق النفساني
في النفوس
اللطيفة
والقلوب
الرقيقة الغير
القاسية ولا
الجافة من
فائدة حكمية
وغاية صحيحة ،
ونحن نشاهد
ترتب هذه
الغايات التي
ذكرناها فلا
محال يكون هذا
العشق في
الإنسان معدودا
من جملة
الفضائل
والمحسنات لا
من جملة
الرذائل
والسيئات )
انتهى كلامه .
قوله (
فلما يترتّب
عليه من تربية
الغلمان .. الخ )
، إن أراد كل
الغلمان وكل
الصبيان أو
بعضها ممن له
الشمائل
الحسنة
وتناسب الأعضاء
وجودة
التركيب قبل
أن يبلغوا
حدّ الالتحاء فإن
أراد الأول
فباطل بالضرورة
إذ غالب الغلمان
والصبيان
ليسوا ممن
يريده حتى بل
ليس فيهم إلا
القليل من
الكثير أقل من
الواحد بالألف
، بل أكثر
أفراد الناس
وأغلبهم بل كل
أهل السواحل
والبحر وبلاد
الحبش
والسودان
وأطراف اليمن
والمواضع
التي غلبت
فيها الحرارة
واليبوسة من
ذلك القبيل،
والمواضع
التي يمكن أن
يتحصّل من ذكر
لا يحصل إلا
قليل ، فعلى
هذا يلزم ألا
تتعلّق
العناية
الإلهية في
تربية أغلب
أفراد الناس
وأكـثرهم
وجلّ
الصبـيان
والغلمان
وتكون
العناية
خاصّة بمن
_______________
1 الجن 16
وجدت
فيهم الشمائل
اللطيفة ،
فعلى هذا لا
يبقى إلا
القول بأحد
الأمرين إما أن
الله سبحانه
أيضا يعشق
الصبيان حتى
جعل العناية
بالنسبة
إليهم أشد
وأكثر
بالنسبة إلى غيرهم
تعالى ربي عن
ذلك علوا
كبيرا ، أو
أنه رجح من
غير مرجّح ،
أو أن عدم
جودة الشمائل
يستلزم عدم
حسن الذات في
الواقع
وجودتها
تستلزم حسن
الذات حتى
تكون مرجحة ،
فعلى هذا يلزم
أن يكون أغلب
الأنبياء
مبغوضين عند
الله وكذا
لقمان الذي
آتاه الله
الحكمة وكذا
مؤمن آل فرعون
وأغلب
الأخيار
والصلحاء
والمؤمنين والعلماء
والمتقين من
القسم الأول
لا الثاني ، ويلزم
أن يكون صبيان
الكفار
وغلمانهم
ومعاندي الحق
كلهم محمودون
لأن حسن
ظاهرهم دليل
حسن باطنهم،
وقوله هذا في
الباطل أظهر
من أن يرد ولا
يشبه هذا
القول بقول
حكيم .
قوله (
والأشعار
اللطيفة
والنغمات الطيبة
.. إلخ ) ، فيه أنه
ليست تعليم
هذه الأمور من
العناية
الربانية فإن
العقل والنقل
دالاّن على
مذمّة هذه
الأمور ،
ولوفرضنا
إباحتها ينبغي
ترك هذه
الآداب
للصبيان
لأنها كلها
جهات النفس
الأمارة
بالسوء وهي
تعينها إلى
مطالبها من الشهوات
ولذا ورد
النهي عن
تعليم
النسوان سورة
يوسف عليه
السلام
والأمر
بتعليمهم
سورة النور
وكذا الصبيان
فإنهم في أول
الأمر لسذاجة
طبائعهم يجب
أن يعلّموهم
المواعظ
والنصائح وأحاديث
أهل بيت
العصمة
والطهارة
عليهم السلام
ويعلّمونهم
طريقة الزهد
والعبادة
والنسك والطاعات
ويزرون عنهم
الأشعار
والنغمات والقصص
والحكايات
ولذا قال عليه
السلام ما معناه
( إن البطن
يمتلئ قبحا
خير من أن
يمتلئ شعرا ) فإن
الناس ما
مالوا إلى
التصوّف وإلى
العشق وإلى
الزنا
واللواط إلا
من جهة
الأشعار
والنغمات
وأهل الأنس من
أهل الملاهي
وهو عند
المؤمن الممتحن
معروف وشرح
ذلك يحتاج إلى
تطويل المقال
والعاقل
تكفيه
الإشارة .
قوله (
وإلا لما خلق
الله هذه
الرغبة في
أكثر الظرفاء
والعلماء )
فيه إن هذه
الخلقة بسر
الأمر بين
الأمرين لا
تدل على حسن
ذلك لأن الله
خالق كل شيء
كتب الإيمان
في قـلوب
المـؤمنين بإيمانهم
وخلق الكفر في
قلوب
الكافرين
بكفرهم قال عز
وجل { بَلْ
طَبَعَ اللّهُ
عَلَيْهَا
بِكُفْرِهِمْ
}1 وخلق الشك
والوهم
والقساوة
والريبة في
القلوب على
حسب مقتضيات
طلباتها ، ولا
شك أن أغلب
الناس لو
تركوا
وشهوتهم لا شك
أن رغبتهم إلى
المعاصي
كأنواع
الفجور وشرب
الخمر وأمثال
ذلك أكثر من
رغبتهم إلى
الطاعات ، بل
أغلب الناس
ليست عندهم
رغبة إلى الطاعة
فيتكلّفون
لذلك ، فعلى
هذا يجب أن
تكون المعاصي
أحب إلى الله
وإلا لما خلق
الله هذه
الرغبة في
طبائع أكثر
الظرفاء
والعلماء ، فإن
قلت إن
العلماء لا
يرغبون ، قلت
عدم الرغبة
لنهي الله لا
لاقتضاء
طبائعهم إلا
قليل من المؤمنين
الممتحنين
الذين عرفوا
الحيث والكيف
واللّم
وعرفوا مبادئ
المعاصي
ومبادئ الطاعات
وسر الشريعة
وهؤلاء أعز من
الكبريت الأحمر
وهؤلاء أيضا
لا يرغبون في
هذا العشق
أبداً
ولا يلتفتون
أبدا لأنهم قد
صعدوا وتجاوزوا
عن مقام
الصورة ،
وبالجملة كل
مؤمن مراقب
لله وعظمته
وقيّوميته
مشتغل بطاعته
وعبادته معرض
عن هذا العشق
، ولذا ما نقل
عن أكابر الصحابة
من أحدهم هذا
الأمر ولو
فعلوا لوصل إلينا
كما وصل إلينا
مخفيات
أمورهم ، نعم
الظرفاء والعلماء
الذين استشهد
هو برغبتهم في
السابقين
بنوا أميّة
وبنوا العباس
لأنهم كانوا
شديدي الرغبة
في هذا العشق
ولقد قال يزيد
لعنه الله في
مدح غلام أمرد
:
دعوت
بماء في إناء
فجاءني غلام
بها خمر
فأوسعتـه
زجرا
فقال
هوالماء
القراح وإنما تجلى
له خدّي
فأوهمك
الخمرا
وهكذا
غيرهم يطول
الكلام بذكر
أحوالهم
وشدّة
انهماكهم في
هذا العشق ،
وظهور هذا الأمر
الشنيع في
الغاية
والنهاية
إنما
كان في دولة
بني العباس
حتى أنهم
كانوا يعقدون
المجالس فإذا
سمعوا شيئا
يذكرهم
معشوقهم
كانوا يشهقون
ويقطعون ثيابهم
ويغشى عليهم
وأمرهم مشهور
، وفي هذا الزمان
الظرفاء
الجامعون
لهذه الصفة
الطيبة هم
الحكام
وخدّام
السلاطين
والفسّاق
المتجاهرون
والذين لا
يبالون بصيام
ولا صلاة ولا
نسك ، وأما
العلماء
المشار إليهم
فهم ليسوا إلا
الصوفية ومن
تبعهم من
المنافقين
المذبذبين
بين ذلك لا
إلى هؤلاء ولا
إلى هؤلاء ،
وأما علماء أهل
البيت عليه
السلام الذين
كانت ترد
الـتوقيعات
في مدحهم
وجلالة شأنهم
عموما
وخصوصـا
________________
1
النساء 155
كالأبواب
الأربعـة حتى
قال بعض
العلماء أنهم
معصومون وكوالد
الصدوق علي بن
الحسين بن
بابويه الذي
ورد التوقيع
في حقّه
ويخاطبه
الإمام
الغائب عليه السلام
( شيخي وأبي
وثقتي )
وكالكليني
ثقة الإسلام
وكالمفيد
الذي ورود
التوقيعات
عليه خرق
الأسماع وما
بعدهم من
علمائنا
كالمقدّس الأردبيلي
والعلامة
والمحقق
والشهيدين
وأمثالهم من
الأكابر من
أهل الباطن
والظاهر فما
عهد منهم ظهور
هذا الأمر
الشنيع ولم
يزل دأبهم
وديدنهم الرد
عليه والنهي
عنه وهذا شيء
معلوم ، أتجوِّز
أن تقول أن
هؤلاء
وأمثالهم
أرباب القلوب
القاسية
والجافة ، فإن
قلت هكذا فلا
جواب لك عندنا
، وإن قلت قد
كان عندهم فلا
يظهرونه فلا
يمكن في
العادة إذ ما
من خصلة في
شخص تخفى فلا
بد أن تظهر
ولو بعد حين
مع أن هذا شيء
أقرب الأشياء
إلى الإظهار
كما أنه قد
ظهر من غيرهم
من العلماء
الذين يزعمون
أنهم أهل ورع
وتشمير ، وقد
ظهر ذلك من
الصوفية
وباصطلاحكم
من العارفين ،
وأنتم في ما
تزعمون أن أهل
الباطن أشد
احتمالا من
أهل الظاهر
فإذا ما احتمل
أهل الباطن
بزعمكم حتى
أظهروه فأهل
الظاهر أولى
بذلك مع أن
احتمال
الوجود
فيهم موهوم
مرجوح فلا
يصار إليه إلا
بدليل قطعي
فلو فتح هذا
الباب أي
المصير إلى كل
شيء ممكن
محتمل فيبطل
أساس الدين،
مع أنه ادّعى
ظهور ذلك في
العلماء وقد
ثبت أن أولئك
العلماء
ليسوا من
علماء أهل
البيت عليهم
السلام كما
أنه الآن
ديدنهم
وطريقتهم لا
ينكرون ذلك
ولو لم يكن شيء
في إبطال هذا
الأمر إلا
شيوعه عند
الصوفية والعامة
لكان كافياً
في إبطاله
وتزييفه لأن الرشد
في خلافهم وقد
قال الله عز
وجل{ إِنَّمَا
يَخْشَى
اللَّهَ مِنْ
عِبَادِهِ الْعُلَمَاء
}1 وقال علي
بن الحسين
عليه السلام
في الصحيفة (( لا
علم إلا خشيتك
ولا حلم إلا
الإيمان بك ،
ليس لمن لم
يخشك علم، ولا
لمن لم يؤمن
بك حكم ))2 والذي
يخشى الله لا
ينسى الله،
والعاشق حين
التفاته إلى
معشوقه لا
يذكر الله
أبدا، وقد ذكر
لي بعضهم أن
قد التهيت بمعشوقي
من أول الظهر
وفقدت شعوري
وإدراكي وما تنبّهت
إلا وقد رأيت
أن الدنيا قد
اظلمّت والسرج
قد علقت قلت
ما الخبر
قالوا جاء
الليل وأنا ما
صلّيت صلاة
الظهر والعصر
، هل هذا من
خشيـة الله {
سَيَجْزِيهِمْ
وَصْفَهُمْ
إِنَّهُ
حِكِيـمٌ
___________________
1
فاطر 28
2 مصباح
المتهجد 472 من
دعائه عليه
السلام يوم
الأربعاء
عَلِيمٌ
}1 .
ثم
قال صاحب
الأسفار (
ولكن ولعمري
هذا العشق ترك
النفس فارغة
عن جميع
الهموم
الدنياوية إلا
هم واحد، فمن
حيث يجعل
الهموم على
واحد ... إلى آخر
ما قال ) ، وأنت
خبير بأن الهم
الواحد إن كان
هوالله
سبحانه هو
المطلوب
والمنى ، وأما
غير الله فلا
حسن فيه بل
فيه قبح فإن
الشخص وإن كان
في عالم وقوفه
له شؤون كثيرة
لكنها ليست
بثابتة بحيث
لا تشغله عن
كل شيء
والكثرة دليل
عدم الثبات
فتساقط حال
التعارف
وينفق للشخص
التخلية
والإقبال إلى
الله في بعض
الأحيان وبعض
الأحوال بل في
أغلب الأحوال
لكنه في تلك
الحالة
الميشومة
المسماة
بالعشق لا يرى
لغير معشوقه
تحقق وتأصّل
لا يبوح في
ذكره وفكره في
الخلوات
وأوقات
الصلاة بل لا
يلتفت إلى الله
أبدا في تلك
الحالات
ويقطع الرحم
وكل شيء يقطعه
عن معشوقه وإن
كان طاعة لله
عز وجل شأنه
فيكون العاشق
في تلك
الأحوال
مشركا إلى أن
يخرج منها وهو
في محل الشك ،
والغالب أن
النفس إذا
تعودت بذلك لا
تفارقة أبدا
بل تنتقل إلى
الآخر إذ
ارتفع حسن
الأول كما قال
شاعرهم :
ورد كل
صاف لا تكن
عند مورود تنقل
فلذّات
الهــوى في
التنقل
نعوذ
بالله من
مضلات الفتن ،
يا أخي تنّبه
عن سنة الغفلة
واعلم أن الله
سبحانه لا يتوجّه
إليه من جهة
الغفلة عنه
ولا سبيل إليه
إلا بما دلوا
وأمروا عن
الله سبحانه
وهم المعصومون
المطهّرون
المنزّهون عن
الأخطاء والزلل،
ودع غيرهم إن
كنت آمنت بهم
فإنهم
الأعراف
الذين لا يعرف
الله إلا
بسبيل
معرفتهم
وطريق
هدايتهم، فحبك
للولي عليه
السلام هو عين
حبه لك بك
لأنك مثاله
وظهور جماله،
بل الإنسان
مثال المثال
وجمال
الجمال،
فحبّك له عليه
السلام هو
توجّهك إلى
جهته التي
ظهرت لك وتلك
الجهة هي نور
جماله الظاهر
فيك فأحبك
بذلك النور
لأنه مثاله
وآيته ودليله
فأظهر ذلك
المثال إن كنت
صادقا في حبه
في كل أطوارك
فيكون سمعك
وبصرك ويدك
ورجلك لأن هذه
القوى
والمشاعر
شئونات ذلك النور
والمثال
وحكايات له ،
فإن كان
___________________
1
الأنعام 139
الرجل
غير ملتفت إلى
المحبة وغير
ملتفت إلى
جهة
المحبوب
تستقل هذه
القوى
والمشاعر
بالاستقلال الاجتثاثي
، وإن كانت
ملتفتا و
ناظرا
ومنقطعا عن
وجدان نفسه
بدا الظهور
الذي هو ذات
الشخص ونفسه
فغيب الصفات
والشئون
فقال بي يسمع
وبي يبصر كما
تقول أنا سمعت
وأنا رأيت ،
ولا شك أن هذا
السماع الخاص
والإبصار
الخاص ليسا
عين ذاتك وإنما
هما ظهوران من
ظهورات ذاتك ،
ولما كان الظهور
فانيا مضمحلا
عند الذات
نسبتهما وأشباههما
إليك وكذلك
الحق عز وجل
كما قال في
الحديث
القدسي (( لا
يزال العبد
يتقرّب إليّ
بالنوافل
والعبادات
حتى أحبه فإذا
أحببته كنت سمعه
الذي يسمع به
وبصره الذي
يبصر به ويده
التي يبطش بها
ورجله التي
يمشي بها إن
دعاني أجبته
وإن سألني
أعطيته وإن
استعاذني
أعذته ))1 ، فإذا
عرفت أن
الكلام لا يقع
في ذاته تعالى
والمتكلم هو
صفته علمت بأن
المتكلم في
هذا الحديث
الشريف هو
مكلم موسى في
الشجرة بأني أنا
الله لا إله
إلا أنا
فاعبدني ،
وذلك المتكلم
عن الله رجل
من الكروبيين
وذلك يأخذ عن
رجل من
العالين وذلك
يأخذ عن نفس
دلالة الكلام
المتحصّلة من
الكلمة
المتحصّلة من
نفسها بالله
سبحانه ولا
يحسن التعبير
عن حقيقية
العبارة عن
حقيقة
الإرادة إلا
أن في الكلام
إشارة صريحة
إلى المراد
يعرفه أهل
الفؤاد
فـقوله عز
وجـل ( كنت
سمعه .. إلخ )
كقوله عز وجل (
الكعبـة بيتي
) { وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِن
_______________
1
إرشاد القلوب
91
رُّوحِي
}1 فيكون هذا
الذي يكون
سمعا وبصرا للمحب
هو الولي
بظهوره للشخص
لا بذاته وهذا
مقام الودّ ،
وأما في ( مقام
هو نحن ونحن
هو ) فهو أيضا
ذلك الظهور
لأن ظهور
الظهور من حيث
الظهور ظهور
وهو معنى قوله
عليه السلام ((
نحن الأعراف
الذي لا يعرف
الله إلا
بسبيل
معرفـتـنا ))2 على
أعلى المعاني
وقولهم عليهم
السلام (( بنا عرف
الله وبنا عبد
الله ))3 فيوم
الحشر إلى
الله في
الظاهر
والباطن
والحقيقي
والمجازي
تختصر فيه
النجاة في حب
عليّ أمير المؤمنين
عليه السلام
وأولاده
الطيبين الطاهرين
المعصومين
عليهم السلام
والصدّيقة
الطاهرة
عليها السلام
مع السيد
الأكبر صلى
الله عليه
وآله وسلم على
ما شرحت
وفصّلت ولا
حول ولا قوّة
إلا بالله
العلي العظيم
.
____________________
1
الحجر 29 2
تأويل الآيات
182
3
التوحيد 152
قال
عليه الصلاة
والسلام
وروحي له
الفداء
فأنا
الأمل
والمأمول
وأنا الواقف
على الطتنجين
أنا
الناظر في
المغربين
والمشرقين
اعلم أن
الرئاسة
الكبرى
والسلطنة العظمى
تقتضي أن يعطى
كل ذي حق حقة
من الإمدادات
الوجودية من
الذاتية
والوصفية على
اختلاف مقاماتها
وأن لا يهمل
شيء إلا وقد
أعطي ما تسد به
فاقته ، ويكون
ذلك مستمرا له
إلى الأبد ، والأشياء
لها مقامان
مقام وحدة
ومقام كثرة ،
وفي المقام
الثاني لها
مقامان مقام
كثرة ذاتية ومقام
كثرة عرضية ،
فالأول من
الأول مقام
فقرهم
وحاجتهم إلى
الله الحق
سبحانه
الفياض على الإطلاق
فهم في هذا
المقام كرة
واحدة
مستديرة تدور
لا على محور
بل على القطب
بدوا وعودا
وقابلا
ومقبولا ،
والثاني من
الأول مقام
ابتلاء بعضهم
ببعض
والتفاتهم
إلى جهاتهم
وأحوالهم قال
عز وجل {
وَلَوْلاَ
دَفْعُ
اللّهِ النَّاسَ
بَعْضَهُمْ
بِبَعْضٍ
لَّفَسَدَتِ
الأَرْضُ
وَلَكِنَّ
اللّهَ ذُو
فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
}1 والأول
من الثاني هو
مقام
الموجودات
ورتبتهم في
الطول ليكون
الآخر تابعا
وأثرا و
معلولا للأول
والأول
متبوعا
ومؤثرا وعلّة
من حيث
الحكايـة
للآخر والكل
يرجع إلى الله
____________________
1
البقرة 251
{
وَإِلَيْهِ
يُرْجَعُ
الأَمْرُ
كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ
وَتَوَكَّلْ
عَلَيْهِ
وَمَا رَبُّكَ
بِغَـافِلٍ
عَمَّا
تَـعْمَلُونَ
}1 ومعنى
ذاتية الكثرة
الذاتية فيهم
هو أن لا تجمعهم
حقيقة واحدة
وليس بينهم حد
مشرك أبدا فكل
واحد غير
الآخر وإن
بلغوا ما
بلغوا وإن صعد
السافل إلى ما
لا نهاية له
ونزل العالي
إلى ما لا
نهاية ،
والثاني من
الثاني هو
مقام الموجودات
ورتبتهم في
العرض ليكون
كل واحد منهم
تجمعهم حقيقة
واحدة ولا
تكون بينهم
تابعية ولا
متبوعية لا
أثرية ولا
مؤثّرية
ويتيسر لكل الوصول
إلى مقام
الآخر ،
والكثرة
العرضية هي اختلاف
قابلياتهم في
أنحاء القبول
واختلاف ميولاتهم
وطلباتهم
للفيض الواحد
الغير المتكثّر
الغير
المختلف ،
وعمدة
الاختلاف
إنما حصلت في
القوس
الصعودي بعد
نزولهم
وصيرورة
الأنوار
والأسرا كلها
بالقوة ،
فمنهم من وصل
إلى المقام
الأقصى الذي
أتى منه ،
ومنهم من بقى
إلى الأسفل
الأدنى ،
ومنهم من أدبر
مولّيا ولم يقبل أبدا ،
ومنهم من قرب
إلى الوصول
ومنعه عن
الوصول بعض
الفضول ،
ومنهم من استولت
عليه الأمراض
فقعدت به عن
السير ، ومنهم
من سافر ولم
يأخذ زاد
التوكل
وراحلة
الاستغـناء
فخلص زاده
وتلفت راحلته
وبقى متحيّرا
، ومنهم من أخذ
الزاد
والراحلة
بقدر ما يكفي
لكنه قطعه قاطع
الطريق وأخذ
ما كان معه
فبقي واقفا
تعبانا ،
ومنهم من توقف
ولم يسافر
لشدة الكسالة
وهكذا أمثاله
من القواطع
والموانع ،
وهذا في كل
شيء مما شملته
دائرة الكون
والوجود في كل
مرتبة من
المراتب وظهر
في كل مقام لأهله
، ففي رتبة
الإنسانية
ظهر للإنسان
وما للإنسان
خفي على
البهائم وما
لهم من
الأحوال والاختلاف
حسب صعودهم
إلى مبدئهم
خفي على النباتات
وهكذا حالها
بالنسبة إلى
الجمادات ،
ولا يعرف هذه
الاختلافات
في كل مرتبة
من أهلها إلا
الذي صعد إلى
الأعلى ودخل المسجد
الأقصى عودا
كما دخله بدوا
فـهنالك هو في
أعلى مقام
ينظر إلى
أحوال
السافلين
بعين اليقين
لا على جهة
الظنّ
والتخمين .
ـــــــــــــــــــ
1 هود 123
ألا
ترى الإنسان
فمنهم من هو
واقف في مقام
الجماد آخر
مراتب
النـزول مظهر
اسم الله
المميت وما
توفق للصعود
أبدا
بالتشريع وإن صعد
في ظاهر
التكوين
الصوري وأما
باطنه بعد في
مقام النـزول
ولقد أخبر
الله سبحانه
عنهم بقوله
الحق { ثُمَّ قَسَتْ
قُلُوبُكُم
مِّن بَعْدِ
ذَلِكَ فَهِيَ
كَالْحِجَارَةِ
أَوْ أَشَدُّ
قَسْوَةً }1
الآية ،
والتشبيه
ينبئ عما
ذكرنا على أنّا
نقول أن
المشبه عين
المشبه به في
القرآن والأخبار
.
و منهم
من هو واقف في
مقام النبات
لا هم له إلا
جذب الغذاء
إليه ودفعه
عنه قال رسول
الله صلى
الله عليه
وآله وسلم (( من كان
همه ما يدخل
في بطنه كان
قدره ما يخرج
عن بطنه )) ولقد
أخبر الله
سبحانه عنهم
بقوله الحق {
كَأَنَّهُمْ
خُشُبٌ
مُّسَنَّدَةٌ
يَحْسَبُونَ
كُلَّ
صَيْحَةٍ
عَلَيْهِمْ
هُمُ الْعَدُوُّ
فَاحْذَرْهُمْ
_________________
1
البقرة 74
قَاتَلَهُمُ
اللَّهُ
أَنَّى
يُؤْفَكُونَ
}1 قال أحدهم
عليه السلام ((
نحن العلماء
وشيعتنا
المتعلّمون
وسائر الناس
غثاء ))2 .
ومنهم
من هو واقف في
مقام البهائم
منكّس رأسه لا
يلتفت إلى
المبدأ الحق
سبحانه وتعالى
ولا هم له إلا
ما يؤول إلى
نفسه من أنواع
الملاذ من الظلم
والغشم وحب
الرئاسة
وأمثال ذلك
ولقد أخبر
الله سبحانه
عنهم بقوله
الحق { أَمْ
تَحْسَبُ
أَنَّ
أَكْثَرَهُمْ
يَسْمَعُونَ
أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ
إِلَّا
كَالْأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ
أَضَلُّ
سَبِيلًا }3
أولئك هم الغافلون
، وقال مولانا
الباقر عليه
السلام (( الناس
كلهم بهائم
إلا المؤمن
والمؤمن قليل
والمؤمن قليل
))4 .
ومنهم من هو
واقف في مقام
الإنسان هو
أقصى المقام ،
وهم الذين
ظهرت فيهم
الخواص الإنسانية
كما قال أمير
المؤمنين
عليه السلام في
الناطقة
القدسية أن ((
لها خمس قـوى
فكر وذكر وعلم
وحلم ونباهة
وليس لها
انبعاث وهي
أشبه الأشياء
بالنـفوس
الفلكية
ولهـا
خاصيتـان
النـزاهة
__________________
1
المنافقون 4 2
الخصال 123 3 الفرقان
44
4
البحار 2/200 ح 68
والحكمة
))1 وهؤلاء لهم
مراتب كثيرة
أسفلها
وأدناها مقام
النفس
المطمئنة
وأوسطها مقام
النفس
الراضية والمرضيّة
وأعلاها
وأفضلها مقام
النفس الكاملة
وهي التي
تشابه أوائل
جواهر العلل
وتشارك السبع
الشداد ، وسر
هذه
الاختلافات
والوقوفات هو
ما ذكرنا لك
من الموانع
المتقّدمة .
ولما
كان أهل كل
مرتبة فـقـراء
لائـذين
بـبـاب الله
سبـحانـه
الذي هو فناء
الولاية
يحتاجون إلى
الغذاء
المقوي ، والغذاء
قسمان روحاني
وجسداني يفاض
عليهم الأمران
من فوّارة
النور والقدر
بأمر مستقر { فَسَالَتْ
أَوْدِيَةٌ
بِقَدَرِهَا
}2 فيأتي لأهل
كل مرتبة الغذاء
المناسب له
الموافق
لطبيعته
ليعلم كل أناس
مشربهم ، ألا
ترى زرع
الحنطة
والشعيـر فإن
لبها لبني آدم
، وقشرها
وتبنها وما
يجمع منها
للبهائم
والتي لا تجمع
منها من
الصغار المطروحة
على الأرض
للطيور والتي
لا تـقدر على
جمعها الطيور
هي حظ الأرض
وهكذا غيرها
فهذه الأغـذية
بالنوع يقال
أنها واحدة
لكنها تختلف
هذا الاختلاف
الشديد ولما
كان الغذاء
الروحاني هو
العلم وهو
الزرع الذي
أشار إليه الحق
سبحانه في
كلامه الحميد
المجيد {
فَلْيَنظُرِ
الْإِنسَانُ
إِلَى
طَعَامِهِ }3 (
أي إلى
علمه )4 على ما
فسّره مولانا
الصادق عليـه
السـلام
_________________
1
البحار 61/83 2
الرعد 17 3 عبس 24
4 وهو
ما نقله صاحب
البرهان عن
الكافي وهو
قول مولانا
الصادق عليه
السلام لما
سئل عن هذه الآية
فقال (( علمه
الذي يأخذه
عمن يأخذه ))
البرهان 8/214 .
{
أَنَّا
صَبَبْنَا
الْمَاء
صَبًّا }1 وهو
العلم
اللّدني
والمعارف
الكشفية
الإلهية التي
لا كيف لها
ولا وضع ولا
إضافة ولا حدود
ولا صورة {
ثُمَّ
شَقَـقْنَا
الْأَرْضَ
شَقًّا }2 وهي
قلب الإمام
عليـه
السـلام
وصدره وخياله
عليـه
السـلام {
فَأَنبَتْنَا
فِيهَا
حَبًّا *
وَعِنَبًا
وَقَضْبًا *
وَزَيْتُونًا
وَنَخْلًا *
وَحَدَائِقَ
غُلْبًا *
وَفَاكِهَةً
وَأَبًّا *
مَّتَاعًا
لَّكُمْ
وَلِأَنْعَامِكُمْ
}3 وهي أنحاء
العلوم
والمقامات
والدرجات
وأظن أني قد
ذكرتها سابقا
، وهذه العلوم
تنقسم إلى هذه
الأقسام التي
كانت تنقسم
الحنطة
والشعير إليها
باعتبارٍ ،
فتحقق أولوا
الألباب
وأولوا
الأوبار أولوا
الأصواف
وأولوا
الأشعار ،
ولكل منهم حظ في
معرفة العلوم
الناشئة من آل
الرسول صلى الله
عليه وآله
وسلم وقد
قالوا عليـه
السـلام (( إنا
لا نخاطب
الناس إلا بما
يعقلون ))4 وهذه
كلمة جامعة ،
ثم أبانوا
عليـهم السـلام
أقسام
المخاطبين
وقالوا (( إن
حديثنا صعب
مستصغب لا
يحتمله أحد،
قيل فمن
يتحمّله
قالوا عليـه السـلام
في رواية نحن
وفي أخرى من
شئنا )) ، فعلمنا
أن هنا علوما
لا يخاطب بها
ولا يكلّف بها
غيرهم سلام
الله عليهم
يخاطبون بها
بعضهم بعضا
ليس لأحد فيها
نصيب سواهم
عليـهم السـلام
، وعلوما أخر
يخصّون بها من
شاءوا وأرادوا
بمشيئة خاصة
بخطاب خاص
وليست كلما
طلبت وجدت وإن
بلغوا في
العلم ما
بلغوا في
المقامات
الباطنية
والظاهرية
والظاهر في
رواية أخرى
قالوا عليـهم
السـلام أو
مدينة حصينه
وسئل عنها قال
عليـه
السـلام هي
القلب
المجتمع ، فيكون
ذلك فرعا آخر
منه العلم
يدرك بصفاء
القلب وسكون
الباطن
وطمئنينة
النفس وعدم
تطرّق إبليس
وجنوده
لإدخال
الشكوك
والشبهات
فيها وقد
قالوا عليـهم
السـلام (( إن
حديث آل محمد
صعب مستصعب
ثـقيل مقنع
أجرد ذكوان لا
يحتمله
إلا ملك
مقرّب أو نبي
مرسل أو عبد
امتحن الله
قلبه
_______________
1 عبس 25 2 عبس 26 3 عبس 27 - 32
4 لم
نقف على هذه
الرواية بهذا
اللفظ ولكن
وجدنا ما يقرب
منه في البحار
25/383 ح 38 عن رسول
الله صلى الله
عليه وآله أنه
قال (( أمرنا
معاشر الأنبياء
أن نخاطب
الناس على قدر
عقولهم )) .
للإيمان
))1 وهذه علوم
أسرار
كينونية تختص
بها الفرق
الثلاثة ولهم
فيها مادة
اجتماع ومادة افتراق
فيفترق النبي
المرسل بما لا
يحتمله المؤمن
الممتحن
والمؤمن
الممتحن بما
لا يحتمله
الملك المقرب
، ففي محل
الاجتماع
يخاطب بها
الفرق
الثلاثة خاصة
دون غيرهم فليس
أحد يراد
لفهمها سواهم
فلا يطمع لذلك
، وعلامة ذلك
أن ذلك حديث
موجود في كتب
الإمامية أو غيرها
وما انعقد
إجماع الفرقة
المحقة على نفي
ذلك عنهم
عليـهم
السـلام وإن
كان بظاهره ينافي
المذهب أو
ينافي العقل
حسب ما يفهمون
فإن العلم لا
يختص إلا بهم
عليـهم السـلام
ويريدون أحد
سبعين وجها من
كلماتهم كما
قالوا عليـهم
السـلام (( إني
أتكلم بكلمة
وأريد بها أحد
سبعيـن وجها
لي لكل
______________
1
البحار 2/191 ح 27
منها
المخرج ))1 ولذا
أجاب عليـه
السـلام ذلك
الرجل حيث قال
إن الناس
ينقلون عنكم
أمورا لا
يقبله العقل
قال عليـه
السـلام ((
يقولون أنا
نقول أن الليل
نهار والنهار
ليل قال لا
يقولون ذلك قال
عليـه
السـلام وإن
قالوا ذلك لا
تكذبوهم فإنكم
تكذبوني ))
فإذا كان
الأمر بهذه
المثابة فلا
يجوز طرح شيء
مما ينتسب
إليهم عليـهم
السـلام إلا
ما قام
الإجماع بوضع
ذلك الحديث
كما قالوا عن
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم ((
نحن معاشر
الأنبياء لا
نورث )) وأمثال
ذلك ، وأما ما
لا يكون كذلك
فلا يجوز طرحه
، نعم إن الذي
لم يعرف ليس
مخاطبا به ولا
مرادا منه كما
قال رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم (( رحم
الله امرئ سمع
مقالتي
فوعاها
وأدّاها كما
سمع فرّب حامل
فقه وليس
بفقيه ورّب
حامل فقه إلى
من هو أفقه
منه ))2 فإذا لم
يخاطب به فليس
مكلّفا
بمضمونه
فيذره في
سنبله لأن (( الأمور
ثلاثة أمر بين
رشده فيتّبع
وأمر بين غيه
فيجتنب وأمر
مشكل يرد علمه
إلى الله وإلى
رسوله
صلى الله
عليه وآله
وسلم ))3 وإلى
أهل بيته
عليهم السلام
لأن ( لهم
عليهم السلام
في كل خلف
عدولا ينفون
عن ديـنهم
تحريـف
الغاليـن
وانتحال
________________
1
لم نقف على
هذه الرواية
بهذا اللفظ
ووقفنا على ما
يقرب منها في
بصائر
الدرجات ص 329
قوله علسه
السلام (( إني
لأتكلم
بالكلام
ينصرف على
سبعين وجها
كلها لي منها
المخرج ))
2
دعائم
الإسلام 1/378
ولكن بدل
وأداها كما
سمع ( وبلغها
إلى من لم
يسمعها ) .
3 الكافي 1/67/10
المنتحلين
)1 فلوكان كل
خبر وحديث يرد
منهم عليهم
السلام
فيعرفه كل أحد
أين إذاً
صعوبة حديثهم
حتى يختص به
من هو مضاهٍ
للأنبياء
والمـرسلين
والملائكة
المقرّبين ،
والمؤمن
الممتحن هو
الذي يصدّق
قوله فعله فيتجافى
عن دار الغرور
وينيب إلى دار
الخلود ويستـعد
للموت قبل
نـزوله فإذا
وجدت هذه الصـفات
الثـلاثـة في
نفسك فـاعـلم
أنـك المـؤمن
الممتـحن
الذي يتحمّـل
أسرار أهل
البيت عليهم السلام
، والمدعون
لها كثير لكن
لها علامة وهي
أن يحصل العلم
من غير تعلم
فينفتح قلبه
ويشاهد الغيب
وينشرح (( ليس
العلم بكثرة
التعلم بل هو
نور من عند
الله يقذف في
قلب من يحب
فينفتح فيشاهد
الغيب وينشرح
فيتحمّل
البلاء قيل هل
لذلك من علامة
يا
رسول الله
قال صلى الله
عليه وآله
وسلم التجافي
عن دار الغرور
والإنابة إلى
دار الخلود
والإستعداد
للموت قبل
نزوله ))2 ، فهذا
هوالمؤمن
الممتحن وله
علامة أخرى أن
لا يجد تعارضا
في الأخبار
وفي كلمات
الأئمة الأطهار
عليهم السلام
مع
اختلافاتها ،
وأن لا يحتاج
لتصحيح
الأخبار
وتهذيبها إلى
تصحيح الرواة
والرجال فإن
ذلك لمن لم
يشاهد المطلوب
وهوبخلاف
سبيل المؤمن
الممتحن لأنه
عرف الحقيقة
الثانية التي
مع كل حق
والنور الذي
مع كل صواب ،
وله علامة
أخرى وهي
أعلاها أن
يستند في كل
أقواله إلى
أربعة
متطابقة لا يختلف
بعضها مع بعض
الكتاب
والسنة
والوجدان أما
الفؤاد لدليل
________________
1 بهذا
المعنى وردت
الرواية عن
إمامنا أبي
عبد الله عليه
السلام كما
روي في الكافي
1/32 ح 2 قوله عليه
السلام (( إن
العلماء ورثة
الأنبياء
وذاك أن
الأنبياء لم
يورثوا درهما
ولا دينارا
وإنما أورثوا
أحاديث من
أحاديثهم فمن
أخذ بشيء منها
فقد أخذ حظا
وافرا ,
فانظروا
علمكم هذا عمن
تأخذونه فإن
فينا أهل
البيت في كل
خلف عدولا
ينفون عنه
تحريف
الغالين
وانتحال
المبطلين
وتأويل
الجاهلين )) .
2 لم
نقف على هذا
الحديث بهذا
اللفظ ووقفنا
على ما يقرب
منه في البحار
68/236 لما سئل عن
شرح الصدر قال
صلى الله عليه
وآله (( نور
يقذفه الله في
قلب المؤمن
فيشرح صدره
وينفسح ,
قالوا :هل
لذلك إمارة يعرف
بها , فقال : نعم ,
الإنابة إلى
دار الخلود والتجافي
عن دار الغرور
والاستعداد
للموت قبل نزوله
)) .
الحكمة
أو العقل
لدليل
الموعظة
الحسنة أو النفس
والعلم لدليل
المجادلة
بالتي هي أحسن
وآية الآفاق
والأنفس ، فإن
لم يكن جامعا
للمجموع في
مجموع
المسائل فليس
من المؤمن
الممتحن الذي
يضاهي النـبي
المرسل
والملك
المـقرب ، وله
علامة أخرى
وهـو أن لا
يحصل
علمه من
الأقوال
وأفواه الرجال
إلا الرجال
الذين { لَّا
تُلْهِيهِمْ
تِجَارَةٌ
وَلَا بَيْعٌ
عَن ذِكْرِ
اللَّهِ
وَإِقَامِ
الصَّلَاةِ
وَإِيتَاء
الزَّكَاةِ
يَخَافُونَ
يَوْمًا
تَتَقَلَّبُ
فِيهِ الْقُلُوبُ
وَالْأَبْصَارُ
}1 ولا يأتي
بكلام الغير
لتتميم كلامه
إلاّ تأييدا
لرضاء الخصم
به أو إبطالا
لحججه فإذا
سألته عن شيء
يجيب عنه مؤسسا
لا ناقلا ،
وله علامات
أخر يطول
الكلام
بذكرها وأعظم
العلامات هو
ما ذكر
الإمام
عليه السلام
في هذه الخطبة
الشريفة لأن
هذه الخطبة من
الأحاديث
الصعبة
المستصعبة
التي لا يتحمّلها
إلا المؤمن
الممتحن ولا
يخاطب بها غيرهم
ولا حظ لأهل
البحث والجدل
فيها، ولذا
خصص عليه السلام
شيعته
بالخطاب فإن
هذا الخطاب
يقبح أن يقع
على غيرهم ،
ولما كان
منتحل
التشيّع
كثيرا وليس
كلّهم
مستأهلين
لهذا الخطاب
جعل لهم عليهم
السلام أولا
طريقة لتمكين
قابليّاتهم ليستأهلوا
للخطاب
ويقرعوا ذلك
الباب ، وتلك
الطريقة هي
التزام بيعته
عليه السلام
وهو الذي قال
مولانا
الصادق عليه
السلام في
تفسير الله أن
(( الألف آلاء
الله على خلقه
من النعيم بولايتنا
واللام إلزام
خلقه ولايتنا
والهاء هو ان
لمن خالف
محمدا وآل
__________________
1
النور 37
محمد ))1 ثم شرح
هذا الإلزام
والملازمة
للبيعة بالمواظبة
على الدين
بحسن اليقين
وعدم متابعة
الشياطين
والتوجه إلى
الله سبحانه
على الصدق
واليقين
والتمسك بحبل
الله المتين
ومتابعة
الوصي الأمين
ومحبته التي
بها تفتح
أبواب
المعارف
والحقائق والإشارات
الغيبية كما
قالوا عليهم
السلام (( ما من
عبد أحبنا
وزاد في حبنا
وأخلص في
معرفتنا وسئل
مسألة إلا
ونفثـنا في
روعه جوابا
لتلك المسألة
)) وقال أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
المتبعون
لقادة الدين
الأئمة
الهادين
الذين يتأدّبون
بآدابهم
وينهجون
نهجهم فعند
ذلك يهجم بهم
العلم على
حقيقة
الإيمان
فتستجيب أرواحهم
لقادة العلم
ويستلينون من
حديثهم ما استوعر
على غيرهم
ويأنسون بما
استوحش منه
المكذّبون
وأباه
المسرفون)2
الحديث ، فإذا
بلغ الشيعة
إلى هذا
المقام في
العمل فتفتح
عليه أبواب
الأسرار
الإلهية
المخزونة في
الخزينة
العلوية ، فلما
أبان عن
مقدّمات
الاستيهال
كشف الغطاء عن
وجه الإجمال
فقال عليه
السلام (( أنا
الأمل
والمأمول )) .
هذا
أول مقام
الأسرار وأول
مقام ظهور
الأنوار وأول
مقامات
معرفتهم
بالنورانية وأول
مظهر من
المظاهر
الربانية ،
لكنه اعلم أولا
أن جميع ما
يذكر في هذه
الخطبة
الشريفة من
جميع ما يـنسب
إلى نفسه
الشريفة فكل
الأئمة سلام
الله عليهم مشتركون
فيه { لاَ
نُفَرِّقُ
بَيْنَ
أَحَدٍ
مِّنْهُمْ وَنَحْنُ
لَهُ
_______________
1 التوحيد
230 2
الكافي 1/235
مُسْلِمُونَ
}1 ، فلا
تتوهم أنها
مخصوصة ، نعم
لهم مقامات اختصاص
نشير إليها في
مواضعها .
أما
بيان هذه
الفقرة
بالإجمال
فاعلم أن أول
مبادئ الكون
وأول جواهر
العلل هي
النقطة
البسيطة أمر
الله الواحد
الذي به قوام
الأشياء كما
قال عز وجل {
وَمَا
أَمْرُنَا
إِلَّا
وَاحِدَةٌ }2 {
وَمِنْ
آيَاتِهِ أَن
تَقُومَ
السَّمَاء
وَالْأَرْضُ
بِأَمْرِهِ }3 { إِنَّمَا
أَمْرُهُ
إِذَا
أَرَادَ شَيْئًا
أَنْ يَقُولَ
لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ }4
وهذه النقطة
لما خفيت عن
نفسها
وانقطعت عن
غير بارئها
فظهرت بظهور
الحي القيوم
الواحد الأحد
القائم على كل
نفس بما كسبت
، فحكت ذلك
المثال وظهرت
كعموم قدرة
الله عز وجل
متشأنة بكل
الشئونات
وحاملة لكل
الظهورات ،
فتنزّلت في مقامات
الإدبار
وصعدت درجات
الإقبال
فأظهرت تلك
الشئون
والأطوار
فكانت كل
الكثرات والإضافات
متقوّمة
ومتحصّلة
بتلك النقطة
الإلهية قيام
تحقق وعضد
وركن كقوام
الأعداد بالواحد
وقوام الحروف
بالألف
اللّينة
وقوام الكلمة
بالنفس ،
فمبدأ الوجود
كله واحد
والموجودات
الكثيرة كلها
أطوار ذلك
الواحد
وأكواره
وأدواره وأوطاره
وقوامها
وحياتها
وتقوّمها
وتحققها وفعلها
وتأثيرها
كلها بذلك
المبدأ
الواحد الذي
هو حامل الفيض
وباب الوجود
ووجه الله المعبود
، كالقلب
للشخص
الإنساني فإن
آلات البدن
وأحوالها
وأفعالها
وحركاتها
وسكناتها وتأثيراتها
وتأثّراتها
وانفعالاتها
وقابلياتها
وكلما لها
ومنها وإليها
وعنها وفيها
وبها وغيرها كلها
متقوّمة
بالقلب أي
حامل الحرارة
الغريزية ،
وتلك الحرارة
متقوّمه بما
لها وإليها وعنها
وبها بالروح
الحيوانية
الحساسة ،
وتلك الروح
متقوّمة
بالروح
الإنسانية ،
والروح الإنسانية
متقوّمة
بالعقل ،
والعقل
متقوّم بذلك
الأمر الواحد
الذي منه كل
شيء حي وهو
الماء الذي به
كل شيء حي ،
فكل حركات
الشخص وآثاره
من ذاته وصفاته
كلها منتسبة
إليه ،
فالصفات
والآثار كلها
لا تتوجّه في
جهات
استمدادها في
مقامات قابلياتها
إلا إلى ذلك
_________________
1 آل
عمران 84 2
القمر 50
3 الروم 25
4 يس 82
الأمر
فهو المأمول
لكل ما تحته ،
فكل ما تحته لا
يأملون شيئا
سواه لأن كل
أمل الشيء
ترجع إلى
مناسبات تقوي
ذاته
أوتلائمه،
وكل المناسبات
كائنة ما كانت
وبالغة ما
بلغت مجتمعة
في ذلك الأمر،
وتلك المناسبات
إنما صارت مما
يؤول لظهور
ذلك الأمر فيه
فليس مأمولا
في الواقع
للشيء إلا ما
به يتقوّم
وجوده
وحقيقته لأن
مرجع
المناسبات كلها
إليه ولا يكون
ذلك إلا قطب
دائرة وجوده
وينبوع خيره
ونوره وباب
استضافته من
المبدأ ، فإليه
تنتهي الآمال
وإليه ترجع
الأحوال وعنده
تنقطع
الأقوال فهو
مأمول كل آمل
من ظهوراته وشئوناته
وجهاته
وإضافاته ،
لأن الإنسان
مثلا الأصل
فيه القلب
وجميع أحوال
البدن كلها تنتهي
إليه فلا يشّذ
عنه شيء وإلا
انعدم لأن مبدأ
وجوده عنده بل
ليس البدن إلا
تطوّرات القلب
وظهوراتها به
وهو سار مع كل
البدن لا يفقده
شيء من البدن
في حال من
أحواله ،
فجميع طلباته
وآماله
وسؤالاته
كلها ترجع إلى
القلب ، هذا
إذا كان
المأمول
هوجهات
المناسبات من
الأحوال
المتمايزات
وجهات
الإمدادات
والإضافات
أوغيـرها من
الحالات ،
وأما إذا كان
المأمول هو
الذي ضجّت
إليه الأصوات
بصنوف اللغات
بارئ
المسموكات
وداحي
المدحوات
فكذلك أيضا
لأن الحق
سبحانه إنما
ظهر للخلق
بالخلق فتجلى
لكل شيء بكل
شيء فلا يصل
أحد إلى رتبة
حقيقة ذاته
تعالى وتقدّس
بل يتوجّهون
إليه سبحانه
بما أظهر لهم
فيهم من
أمثاله
وآياته ، وذلك
الظهور إنما
ظهر في تلك
النقطة التي
هي وجه المبدأ
لهم
بهم ، فكان
المأمول هو
تلك النقطة من
غير إشارة ،
فالمأمول
الواقع عليه
الأمل هو تلك
النقطة
والمقصود منه
هو الحق
القديم تعالى
شأنه وتبارك ،
فصحّ
أن ذلك الوجه
أو تلك النقطة
أو ذلك الأمر
هو المأمول
حقيقة لكل ما
تحته من
الشئون
والأطوار ،
فإذا كان ما تحته
شئوناته
وأحواله
وجهاته
وإضافاته فلا
شيئيّة لها
إلا بذلك
الأمر بل كل
مرتبة من مراتب
الشيء ليست
إلا ذلك الأمر
من حيث حدوده
بذلك الحد
الخاص ،
كالألف في
الحروف فإنها
ليست إلا
الألف لكن لما
ظهرت الألف في
كل مرتبة بحد خاص بها
سمّيت باسمها
لأن الأحكام
تدور مدار
الصور فقيل با
تا ثا جيم
وهكذا ،
وكالخشبة فإن
الصنم
والسرير
والباب
والصندوق
ليست شيئا سوى
الخشبة
والصور
المميزة
والحدود المشخّصة
لا قوام لها
إلا بها فلا
يستند إلى هذه
الأمور فعل
إلا وأصله
ومبدؤه هي
الخشبة ويلزم ذلك
المحدود
مقتضاه إن
خيرا فخيرا
وإن شرا فشرا
، فظهر لك أن
قوام أركان
البدن والقوى
والمشاعر
كلها بذلك
الأمر الواحد
الساري في الكل
، وتلك
المشاعر
والقوى حدود
معينة لا ذوات
فعّالة وإنما
يقدرون الفعل
، فالقدرة
والقوة والحياة
لذلك الأمر
وإنما
التقدير
والتكييف
والضعف
والقوة بتلك
الحدود ،
فيكون الأمل في
الحقيقة هو
ذلك الأمر وإن
ظهر في
المظاهر والمرايا
فذلك الأمر
الإلهي
الوحداني
الساري في كل
مراتب الشخص
هو الأمل
حقيقة وهو
المأمول حقيقة
لأن كل ما
سواه ميّت ولا
حياة له ولا
حراك ، فهو
روح وكل
المراتب
أجساد لا قوام
للجسد إلا
بالروح ولا
ظهور للروح
إلا بالجسد فكل
الأحوال
الظاهرة في
الجسد كائنة
ما كانت إنما
هي للروح لا
للجسد إلا أن
للروح حكم
التدبير
وللجسد حكم
التقدير
فافهم هذا
البيان المكرر
بالفهم
المسدد .
فإذا
فهمت هذا
فاعلم أنه قد
دلّ العقل
والنقل أن أول
الموجودات
وأشرفها هو
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم وأهل
بيته الطيبون
الطاهرون وأن
كل ما سواهم
عليه السلام
من فاضل نورهم
وزائد ظهورهم
على تفاوت
مراتبهم
ومقاماتهم
ودرجاتهم ، ولا
شك ولا ريب أن
النور لا
تقوّم له إلا
بالمنير فلا
تأثير له ولا
حكم عليه إلا
بالمنير ، فنور
المنير عضد
وركن لكل
الأنوار
المختلفة ،
فلا مأمول
للنور إلا
المنير ولا
مطلوب للأشعة
إلا الشمس وهو
قول علي ابن
الحسين
عليهما السلام
(( إلهي وقف
السائلون
ببابك ولاذ
الفقراء
بجنابك ))1
والأمل الذي
هو الميل إلى
المأمول المطلوب
لا يكون إلا
وجه المأمول
وظهوره له به
، فالمأمول
مأمول بالأمل
الذي جعله من
ظهوره في
الآمل وذلك
الظهور هو
الذي قد تعلّق
به الأمل ،
والآمل هو
الظاهر
بالأمل فيكون
ذلك هو عين
المأمول على
ما قلنا سابقا
في المحبة
بأنها عين
المحب
والمحبوب ،
لأن الآمل الذي
هو الظاهر
بالأمل لو كان
فيه جهة غير
جهة المأمول
لم يكن آملا
والمأمول
لوكان خارجا
عن حقيقة
الآمل لم يقع
عليه الأمل
فإذا لم يقع
عليه الأمل لم
يكن مأمولا ،
فثبت أن المأمول
ليس إلا ما
ظهر للآمل عند
الأمل لا عند
الخارج وذلك
الظهور ليس
إلا نفس الآمل
فيكون الآمل
هو نفس
المأمول وذلك
كالصورة في
المرآة فإن
ظهور المقابل
_________________
1 من
أدعية شهر
رمضان
المبارك
للصورة
بنفس الصورة
وتوجّه
الصورة إلى
المقابل بنفس
ما جعل
المقابل في
الصورة من
ظهوره الذي هو
عين الصورة ،
فالمقابل من
حيث هو مقابل
هو المتوجّه
إليه به
فالصورة وعاء
وحاملة لذلك
الظهور
والتوجه فإن
الصورة من حيث
هي صورة حدود
خارجة مباينة
دائرة على
خلاف التوالي
، فالتوجه إلى
المقابل لا
يكون إلا من
حيث هو مظهر
والمظهر لا يكون
إلا إذا تمحّض
في الظهور
والظاهر ليس
إلا ما ظهر
بالظهور
فاتحدت
المراتب كلها
، ولما كان
علي أمير
المؤمنين
عليه السلام
هو السراج الوهّاج
الذي استضاء
منه كل شيء
فيكون نوره
عليه السلام
مادة لكل
الذوات
الوجوديّة فتكون
الأشياء كلها
أشباح
ومثل تحكي ظهوره
الأقدس
المقدّس عليه
السلام ،
والحدود شئون
وحدود لذلك
الظهور
الواحد
المكرّم فلا قوام
له إلا بذلك
الظهور في كل
أحوالها
وهوسر قوله عز
وجل {
وَمَا
تَشَاؤُونَ
إِلَّا أَن
يَشَاء اللَّهُ
}1 فرجوع
الأشياء كلها
إلى ظهوره
عليه السلام وظهوره
ليس إلا حكاية
عنه
والموجودات
كائنا ما كانت
ليست إلا
حكاية ومرايا
ذلك الظهور ،
فكل كمالاتها
تنتهي إليه
عليه السلام
وكل نقائص
أحوالها
متقوّمة به
عليه السلام
كتقوّم الظلّ
بالشمس ، فلا
متكلّم سواه
ولا يسمع صوت
إلا صوته ولا
يرى نور إلا
نوره فكلهم سكوت
غيره إذ أموات
وأعدام بدونه
، فإذا تكلّم
عليه السلام
بأي نحو من
أنحاء الكلام
يقدر ذلك
الكلام على
حسب السائلين
السامعين
الذين ليسوا
شيئا إلا ذلك
الكلام
الواقع في ذلك
الحد فتختلف
الأصوات
واللغات
والحروف
والكلمات
وليس عنده
عليه السلام
إلا كلام واحد
وهو الذي ألقي
على الخلق في
البدء
ويحاسبهم
بذلك الخطاب
والكلام
الواحد في
العود وهو قول
( لا إله إلا
الله محمد
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم علي
أمير
المؤمنين ولي
الله والأئمة
من ولده
أولياء الله
عليهم السلام
) وكلما جاء به
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم حق
من عند الله
وكل شيء لا
شيئيّة له إلا
بهذا القول
والجواب
الحاصل من هذا
القول في كل
حد ، فتختلف
الأحوال
والأفـعال
والذوات
والصفات وهو
قول مولانا
الصادق عليه
السلام (( نحن
السائلون
ونحن
المجيبون ))
على المعنى
العام الكلي ،
فهو عليه
السلام هو
الأمل والأمل
الحقيقي هو
الذي عنده
عليه السلام
بسر ( أحببت أن
___________________
1
الإنسان 30
أعرف )
ولما كانت كل
الأشياء
ظهورات
شئوناته فيحكي
تلك الأملية
فسرى ذلك
الأمل والميل
في كل أقطار
الوجود وذوات
الشهود ، بل
ليست الموجودات
إلا ذلك الأمل
بكل معانيه في
كل مقاماته ،
والآمل هو
الظاهر
بالأمل فهو
عليه السلام
الأمل وهو
المأمول فإن
كل مأمول إنما
هو ظهوره
بنسبة ذلك
المقام وقد
شرح هذه
الدقيقة
الشريفة بقوله
روحي فداه ((
أنا ذات
الذوات
والذات في
الذوات للذات
)) .
فقوله
عليه السلام ((
أنا )) على حد ما
قال الله عز
وجل خطابا
لموسى { أَنَا
اللَّهُ لَا
إِلَهَ
إِلَّا أَنَا
}1 وكان ذلك
ظهور من
ظهورات ظهوره
عز وجل الظاهر
لموسى بموسى ،
وكذلك قوله
عليه السلام ((
أنا )) يريد به
الظاهر
بالكلام وذلك
الظاهر هو
صفته عليه
السلام لا
ذاته وذلك الظاهر
هو ظهوره عليه
السلام ،
فظهوره ذات
الذوات وهو
العلة
المادية
للذوات كلها
وهو قولهم عليهم
السلام (( إنما
سموا شيعة
لأنهم خلقوا
من شعاع نورنا
))2 ومدخول ( من )
فيما يتعلّق
بالصنع والإيجاد
لا يكون إلا
مادة كما تقول
صنعت الخاتم
من الفضة ،
وذلك النور هو
مرادنا
بالظهور فإذا
كان نورهم
عليهم السلام
هو المادة
فالصورة لا
تكون إلا عرضا
للمادة غير
متقوّمة إلا
بها فتكون
الصور كلها أعراضا
للمواد
والمواد التي
هي النور
أعراضا قائمة
بالمنير قيام
صدور فالمنير
هو الذات القائمة
به كل الأعراض
، فإذا كان
علي أمير المؤمنين
عليه السلام
وأولاده
الطيبون
عليهم السلام
هم المنير
فيكون الخلق
بذواتهم
وحقائقهم
أعراضا لهم
قائمة بهم
قيام صدور
وبنورهم قيام
تحقق وقال
الشاعر :
يا
جوهرا قام
الوجود به والناس
بعدك كلهم عرض
وقال ابن أبي
الحديد :
صفاتـك
أسماء وذات
جوهر برئ
المعاني عن
صفات
الجواهـر
يجل عن
الأعراض
والكيف و المتى
ويكبر عن
تشبيهه
بالعناصر
ولا
ريب أن
الأعراض لا
قوام ولا حركة
لها إلا بمعروضاتها
والصفات لا
وجود لها إلا
بموصوفـاتها
، فالأصل
المقوم في
الكل هو
الجوهر الموصوف
_________________
1 طه 14 2
البحار 25/23 ح 39
فهو
عليه السلام
الأمل
والمأمول وهو
السائل والمجيب
ولا نـتعدّى
عما قالوا
عليهم السلام
لئلا تسارع
العـقول إلى
إنكاره فإذا
أنكروا ما
ذكرنا وسطرنا
فـقد أنكروا
قول الإمام عليه
السلام وقول
الله عز وجل
أيضا حيث
يـقول{ وَمَا
تَشَاؤُونَ
إِلَّا أَن
يَشَاء
اللَّهُ }1 .
ولما
أجرى الإمام
عليه السلام
الكلام في
التوحيد
والنبوة على
الترتيب
التكويني على
وجه الإجمال
أجرى الكلام
في الولاية أيضا
على ذلك
المنوال إلا
أنه شرح الحال
على جهة
التفصيل كما
هو مقتضى
الولاية ،
فشرع عليه السلام
في بيان مفتتح
الكون و معنى
ظهوره به ومنه
وعنه لأن الله
عز وجل بهم
فتح وبهم ختم
ويختم قال
عليه السلام
في الزيارة ((
بكم فتح الله
وبكم يختم ))2
ومفتتح الكون
على قسمين
ظهور إلهي وظهور
خلقي ،
والظهور
الإلهي على
قسمين ظهور بالتوحيد
وظهور
بالأسماء
والصفات ، والظهوران
قسمان ظهور
ينفي التقابل
والتضاد في كل
الأصقاع على
جهة الإطلاق ،
وقولي ينفي
تعبير وإلا
فالنفي فرع
الإثبات ،
وظهور ينفي المقابل
والأضداد
بذكرهما ،
والعبارة
الأخرى هي أن
تقول ظهور لا
ذكر للضد معه
وظهور للضد
فيه ذكر ولذا
اشتهر عندهم (
إنما تعرف
الأشياء
بأضدادها )
وقال مولانا
الرضا عليه
السلام ((
بتشعيره
المشاعر عرف
أن لا مشعر له
وبتجهيره
الجواهر عرف
أن لا جوهر له
وبمضادتـه
بين الأشياء
عرف أن لا
_________________
1
الإنسان 30 2
الزيارة
الجامعة
الكبيرة
ضد له ))1 فالظهور
الأول هوجامع
الأضداد
ورافعها
بخلاف الظهور
الثاني،
فأشار عليه
السلام بقوله
الشريف (( أنا
الأمل
والمأمول ))
إلى القسم
الأول من قسمي
القسم الأول
أي رفع مقام
التضاد إلى
قوله عليه
السلام (( نحن
الأعراف الذي
لا يعرف الله إلا بسبيل
معرفتنا ))2
وقوله عليه
السلام (( بنا عرف
الله وبنا عبد
الله ))3 ((
ولولانا
ماعرف الله ))4 ((
لولانا ما
عـبد الله ))5 .
وبيانه
بالأشارة
والإجمال
باللسان الظاهري
أن أول ما خلق
الله سبحانه
المشيئة وهي
أول الظهور
الإلهي ، ولما
كان الظهور
يحكي مثال
الظاهر وآيته
فلا يكون لها
أول ولا آخر ولا
قبل ولا بعد
ولا جهة ولا
كيف ولا ضد
ولا ند لأن
هذه الأوصاف
وأمثالها صفة
الحق الظاهر للخلق
بالخلق ، فلو
لم يكن أنموذج
لهذه الصفات عند
الواصف لما
أمكنه الوصف
إلا من غير
شعور وروية
ولكان
التكليف
بالمعرفة
إذاً تكليفا بما
لا يطاق ، مع
أن ظهور الحق
جل شأنه لوكان
على خلاف صفته
لم يكن ظهورا
له بل كان عكسا
أو مخالفا مع
أن الأولية
والآخرية
مخلوقتان
بالمشيئة
والمشيئة قد
سبقت الأولية
والآخرية
وإلا لما يعقل
خلقهما بها ،
وبالجملة فكل الصفات
المتقابله
هنا منتفية
مجتمعة فلما تحققت
المشيئة أي
الاختراع
الأول حصلت له
جهتان جهة إلى
مبدئه وجهة
إلى نفسه ،
فوضع لها لفظ
مركب من حرفين
وهو كن فالكاف
للجهة العليا
والنون للجهة
السفلى ،
والمشيئة
كلها عليا
لأنها من
الوجود
الراجح وهي
القدرة ، إلا
أن الجهة
العليا منها
تحكي التوحيد
الصرف الذي لا
ذكر لشيء من
الأشياء وذرة
من الذرات وإن
عظمت وجلت
فيها ، وهو
الفناء المحض
والشهود الصرف
والتجلي
الذاتي
بالعنوان
الوصفي ، وهذا
هو المنقطع
الوجداني
ومنقطع
الإشارات
وذات ساذج
واللا تعين
وعين الكافور
والكنز
المخفي وشمس
الأزل ، وهو
مقام التوحيد
الحقيقي الذي
لا مقام فوقه
______________
1 عيون
أخبار الرضا
1/151 2
الكافي 1/184 ح 9
3
التوحيد 152 4
مسائل علي بنت
جعفر 319
5
مسائل علي بن
جعفر 316
ولا
منـزل دونه
وقد تكرر
الكلام عن هذا
المقام إلا أن
الواصيلن
والمشاهدين
قليلون .
والجهة
السفلى هي
عموم قدرة
الله الظاهرة
لخلقه بخلقه
وهي مقام
الواحدية
التي فيها ذكر
لكل شيء وضده
، فلا يوجد
شيء ولا يتخيل
ولا يتصور ولا
يتعقل ولا
يشاهد شيء إلا
وهو مذكور في
تلك الجهة ،
فتناسب تلك
الجهة كلما
برز ويبرز في
الكون وما لا
يبرز ويبرز
ويعدم وهكذا
إلى ما لا نهاية
له في كل
الأكوار
والأدوار
والأوطار
والأطوار
وغيرها من
المقامات ولا
يعاند شيئا
أصلا فيحكي
الكل في كل
أحواله
مثالها سبحان
من هو قدرته
واسعة وفيضه
عميم و ملكه
قديم ، فالمشيئة
في ذاتها لا
تناسب شيئا من
الأشياء وفي
ظهورها تناسب
كل شيء
فارتفعت فيها
الأضداد
واجتمعت ،
فالجهة
العليا
تحكيها الكاف
والجهة
السفلى
تحكيها النون
، ولما كانت
الحقيقة
المحمدية صلى
الله عليه
وآله وسلم هي
أول ظهور
المشيئة فقد
ظهرت بكلها
فيها كما قال
عز وجل في
الحديث
القدسي
المشهور (( لم
يسعني سمائي
ولا أرضي
ووسعني قلب
عبدي المؤمن ))1 ، وهو
النبي الأمي
الذي يؤمن
بالله وكلماته
، فلما ظهرت
المشيئة
بكلها أي
بالجهتين في
الحقيقة
المحمدية صلى
الله عليه
وآله وسلم حكت
الحقيقة
المقدسة
المباركة كل
تلك الأحوال
فجمعت فيها
الأضداد في
مقام
ظهوراتها وارتفعت
في ذاتها فصار
حكم المشيئة
حكم الحقيقة
المحمدية صلى
الله عليه
وآله وسلم في
كلها لها
وإليها وعنها
وبها في حكاية
التوحيد والقيومية
على الأشياء
كلها، فتوجهت
الجهات المتقابلة
والحدود
المتضادة
كلها إلى تلك
الحقيقة
المقدسة
بالإضافة إلى
أماكن الحدود
ورتبتها
ومقاماتها ،
ثم تشعشعت
منها الأنوار
وظهرت عنها
الآثار فوقع
كل نور بحسب
مقام قابليته
من حدوده
وأوضاعه
فأفيض عليه من
فوارة القدر
التي تفور عن
تلك الحقيقة
المقدسة
المباركة على
حسبه ، فقام
معلنا للثناء
على الله جل
وعلا على ما
ظهر له من
الوصف الإلهي
الظاهر في تلك
الحقيقة
الظاهر في ذلك
الشيء ، ولما
كان الشيء في
مداركه و
مشاعره لا
يتعدى رتبة
ذاته ولا
يتجاوز عن
حقيقته التي
هي وجه مبدئه
بالضرورة إذ
لا وجود له
كونا قبله
والإمكان عدم
أو وجود ذكري
صلوحي وهو في
الأزل
_________________
1
البحار 58/39 ح 61
ممتنع
فليس له إلا
مراتب وجوده ،
ولما كانت المراتب
السافلة
الزائدة عن
حقيقة الذات
مشوبة بلطخ
الإنية والماهية
فلا يتوجه بها
إلى المبدأ
الحق جل وعلا
فينحصر توجهه
بذاته
المجردة عن
السبحات النفسانية
والإنية وتلك
الذات
المجردة في
الإنسان هو
نور النور
للحقيقة
المحمدية صلى
الله عليه
وآله وسلم ،
فيتوجه في
توحيده إلى
الله بظهور
تلك الحقيقة
وذلك الظهور
رسمي فذلك هوالموحد
لأن الإنية
مشتركة
والتوحيد
منحصر في سلبها
، فإذا ارتفعت
وانعدمت لم
يبق إلا صرف الظهور
فهوالموحد
المتوجه إلى
الله الأحد الظاهر
له في ذلك
الظهور وليس
ذلك الظهور
إلا حقيقة نور
النور ورشح
الرشح فافهم
هذا الرمز المنمن
، فكانت معرفة
تلك الحقيقة
بذلك النور الظاهر
فيه هو عين
معرفة الله
وذلك النور لا
شيئية له إلا
بالمنير
ففعله هو فـعل
المنير وهو
الحاكي عنه
فيكون المنير
هوالأمل
والمأمول ،
وهذه لا
تستقيم إلا في
مقام الوحدة
القيومية
فرجوع
التوحيدات
لكل أحد وكل
شيء إلى محمد وعلي
والطيـبـين
من أولاده
عليهم السلام
وهو معنى قوله
عليه السلام ((
فبهم ملأت
سمائك وأرضك
حتى ظهر أن لا
إله إلا أنت ))1 وقوله
عليه السلام ((
بنا عرف الله ))2
وقوله عليه السلام
(( السلام
على شهور
الحول وعدد
الساعات
وحروف لا إله
إلا الله في
الرقوم
المسطرات ))3
فكشف عليه
السلام بذلك
عن حقيقة
توحيد كل
المخلوقين
وحقيقة
توحيدهم ، أما
توحيد المخلوقين
فليس إلا
ظهورهم
ووصفهم
العنواني لهم
فهو الأمل
والمأمول في
كل ذرات
الوجود ، وأما
توحيدهم عليه
السلام فظاهر
فإن مقام التوحيد
ليس كمقام
الكثرة ،
والحقيقة
الواحدة الظاهرة
بالشئون
المتكثرة في
مقام التوحيد
والوحدة لا
تبقى إلا شيء
واحد فيصح أن
يقول عليه السلام
حينئذ (( أنا
الأمل
والمأمول )) .
_____________________
1 دعاء
رجبلمولانا
الحجة عجل
الله فرجه 2
التوحيد 152
3
البحار 102/54 ح 11
ثم أنه
عليه السلام
كشف عن كيفية
المعرفة
وبيان قوله (( اعرفوا
الله بالله ))1
بقوله عليه
السلام (( أنا
الأمل
والمأمول ))
لأن الأدوات
إنما تحد
أنفسها وتشير
الآلات إلى
نظائرها ،
فمعرفة الله
سبحانه لا
يكون إلا بوجه
من الله
ومعرفة العبد
لا تتعلق إلا
بالوجه ولم
تتعلق بالذات
البحت تعالى
شأنها فتوجه
المأمول
بوجهه وذلك الوجه
هو الأمل ،
فأمل الآمل
لمأموله إنما
كان بمأموله
وذلك المأمول
وجه الآمل إلى
المأمول ووجه
المأمول إليه
فافهم هذه
العبارات المكررة
المرددة
للتفهيم ،
وذلك الميل
والأمل والمأمول
كل ذلك ظهور
مولانا علي
عليه السلام
ونوره وإنما
لم يخصص
الكلام في
التوحيد لئلا تزل
الأقدام
وليكون عاما
لجميع
التوجهات وبابا
واسعا لمعرفة
كل أبواب
المشتقات
ليعرفوا بذلك
أن المفعول
ليس مقدما على
الفعل بل مؤخر
وأن الخطاب هو
المخاطب
وظهور الذات
بالخطاب .
وبالجملة
هذا حكم جار
في كل الموجودات
مما صح فيه
الاقتران
والارتباط
الغير
الذاتيين
كالصفات
الأفعالية
على الوجه العام
، وإنما خصص
الأمل
والمأمول دون
غيرهما إذ ما
سواهما كائنا
ما كان داخل
في شمولهما
وإحاطتهما إذ
كل شيء بالأمل
والميل، ونسب
إلى نفسه
الشريفة
لبيان
{ وإليه
يرجع الأمر
كله }1 { وما
تشاءون إلا أن
يشاء الله }2 ولبيان
إظهار مظهر
الألوهية
الحاوية لكل
ذرات الكائنات
المنتفي
عندها
الأضداد
والجامعة للأنداد
والأضداد في
رتبة مقامهما
فلا شيء إلا
وهو مضمحل تحت
حيطة
الألوهية ولا
شيء إلا وله
وجه إليها
ولها وجه فيه
وذلك الوجه هو
محل الارتباط
ومقام
الاتصال وباب
الانفصال وقد
قال الله عز
وجل { وأن الله
هو العلى
الكبير }3
اعلم أن الله
إذا حذف منه
الألف يبقى {
لله ما فى
السماوات
والأرض }4 فيفيد
التمليك
والاختصاص ،
وإذا حذفت منه
اللام الأولى
يبقى { له
ما فى السموات
وما فى الأرض }5 فيـفيد
التمليك بسلب
الاسم الكلي ،
وإذا حذفت منه
اللام
الثانية تبقى
الهـاء
المتحصلة من
الكاف
________________
1 هود 123 2
الإنسان 30 3 الحج 62
4
النساء 170 5
النساء 171
المتحصلة
من البسملة
كما قـال عز
وجل { بسم الله
الرحمن
الرحيم كهيعص
}1 كما تقدمت
الإشارة إليها
، والهاء إذا
أشبعت يتولد
منه الواو
فينتج هو ،
وإذا نزلت هو
إلى مقام
الأسماء في
الرتبة
الثانية
يستنطق منها
علي ، ولما
كانت الأسماء
اللفظية طبق
الأسماء
المعنوية
لأنها دوال
وعلامات
للأسماء المعنوية
وقد قالوا
عليهم السلام
(( نحن الأسماء
الحسنى التي
لا يقبل الله
من
العباد عملا
إلا بمعرفتنا
))2 وفي زيارة
مولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام التي زار
بها علي بن
الحسين عليه
السلام (( السلام
على اسم الله
الرضي و نور
وجهه المضيء ))3
وفي الزيارة
التي زار بها
الصادق عليه
السلام (( السلام
على اسم الله
الرضي ووجه
المضيء وجنبه
العلي ورحمة الله
وبركاته ))4 كان
الاسم العلي
الباطني الحقيقي
في مراتب
بساطته
وإجماله وعدم
تنزله إلى مقام
التعلقات
والروابط
والجهات
والإضافات
كان هو الاسم (
هو ) في { قل هو
الله أحد }5 كما
قال عز وجل {
وإنه فى أم
الكتاب لدينا
لعلى حكيم }6
فهو في { قل هو
الله أحد } اسم
من أسمائه عز
وجل وهو أعظم
الأسماء وليس
اسما للذات
ولا إشارة
إليها لأنها
تعالت عن
المنال وعزت ،
وهذا الاسم قد
جـمع الأضداد
ورفع الأنـداد
كما قال عز
وجل { هو
الأول والأخر
________________
1 مريم 1 2
البحار 25/4 ح 7 3 فرحة
الغري 47
4 الزيارة
السادسة
لأمير
المؤمنين
عليه السلام 5
الإخلاص 1
6 الزخرف 4
والظاهر
والباطن وهو
بكل شئ عليم }1 ولما كان
علي عليه
السلام هو حامل
هذا الاسم على
المعنى الذي
قد تكرر بيان
المراد عنه في
هذا الشرح كان
هو عليه
السلام في ذلك
المقام فوق مقام
التضاد فلا
يتصور الضد إذ
الأثر لو كان
ضداًّ لمؤثره
لم يكن عنه
وفرض ذلك
مستحيل ، فإذا
كان هو عليه
السلام واسطة في
إيجاد كل
الذرات
ارتفعت عنه
جهة الضدية
لأن ضد الشيء
يمتنع أن يكون
واسطة بينه وبين
الآخر أي
العلة فافهم ،
وهذا المقام
هوأعلى
مقاماته عليه
السلام إذ في هذا
المقام ظهر
فيه عليه
السلام سر اسم
الله القيوم
وقد ظهر فيه
سر اسم الله الحي
لما استجاب
الله دعاءه عليه
السلام وارتمس
في لجة بحر
الأحدية
وطمطام يمّ
الوحدانية
كما قال عليه
السلام (( رب
أدخلني في لجة
بحر أحديتك
وطمطام يمّ
وحدانيتك ))2
فبعد هذا الانغماس
المظهر لآثار
الحياة ظهرت
فيه عليه
السلام آثار
قيومية الحق
سبحانه فكان
محلا لذلك الاسم
وأثرا لذلك
الطلسم ولولا
خوفي من بعض
أشباه الناس
من الوسواس
الخناس الذي
يوسوس في صدور
الناس من
الجنة والناس
لأظهرت في
بيان قوله عليه
السلام (( أنا
الأمل
والمأمول ))
رموزا عجيبة
وأسرارا
غريبة ولكن
يضيق صدري بإظهارها
ولا يضيق
بكتمانها :
ومستخبر عن
سرّ ليلى
أجبته
بـعمياء من
ليلى بلا
تعـيـين
يقولون
خـبرّنا وأنت
أمينها
وما أنا إن
خـبّرتهم
بـأمـيـن
_____________________
1
الحديد 3 2 دعاء
السيفس
الصغير
قوله
عليه السلام
أنا الواقف
على الطتنجين
الطتنج هو
الخليج
المتشعب من
البحر ،
والطتنجان
خليجان
منشعبان من
البحر الواحد
كما يأتي
تفسيره في
كلامه عليه
السلام وبيان
المراد
بالإجمال
اعلم أنه عليه
السلام لما أشار
بالفقرة
الأولى إلى
ظهورات اسم
الله الظاهرة
فيه عليه
السلام
بمراتبه
العالية
والمبادئ الإلهية
الظاهرة
المتجلية في
ذلك الاسم من
أسرار باطن
الباطن وما
فوقه من
الأسرار
اللاهوتية
والهوية
واللاهوية
وأحكام
النهاية
واللانهاية
مما طوينا ذكر
أكثرها
وشرحنا قليلا
من كثيرها ،
أراد أن يبين
عليه السلام
مظاهر
الرحمانية وأحكام
الاستواء على
العرش ليكون
كلامه عليه
السلام شرحا
مفصلا لقوله
عز وجل { قل
ادعو الله أو
ادعوا الرحمن
أيا ما تدعوا
فله الأسماء الحسنى
}1 وذكر أن ليس
في مقام الاسم
الله تقابل
وتضاد أصلا
وإنما تظهر
الأسماء
المتقابلة
كلها في اسم الرحمن
، والرحمانية
هي الرحمة
التي وسعت كل
شيء وهي مقام
الظهور على
العرش وإعطاء
كل ذي حق حقه
والسوق إلى كل
مخلوق رزقه
وهي بمنزلة
اليد
للألوهية ،
والألوهية
ذات شاملة
محيطة جامعة
والرحمانية
يدان لها يد
العدل وهي
الشمال ويد
الفضل وهي اليمين
، فأثر
الألوهية هو
البحر الواحد
المحيط بكلّ
ما كان و ما
يكون ، وأثر
الرحمانية
العليا أي
الوجه الأعلى
منها أي
متعلقها
مقصودا لذاته
أي اليمين هو
الخليج العذب
المنشعب من
ذلك البحر
وهذا البحر
يسمى مزنا في
قوله عز وجل {
أفرءيتم
الماء الذى
تشربون *
ءأنتم
أنزلتموه من
المزن أم
_____________________
1
الإسراء 110
نحن
المنزلزن }1 ويسمى
صادا كما في
قوله عز وجل { ص
والقرءان ذى الذكر
}2 الآية ،
وأوحى الله
إلى النبي يا
محمد ادن من
صاد وتوضأ
لصلاة الظهر ,
ويسمى نونا كما
في قوله عز
وجل { ن والقلم
وما يسطرون }3
ويسمى ماء
عذبا فراتا
سائغا شرابه
كما في قوله عز
وجل { وما
يستوى
البحران هذا
عذب فرات سائغ
شرابه وهذا
ملح أجاج }4
وأمثال ذلك من
الإشارات والعبارات
، وأثر
الرحمانية
السفلى أي يد
الشمال وإن
كانت كلتا
يديه يمين إلا
أنها باعتبار
التعلق إلى ما
هو مقصود
بالعرض لإظهار
آثار الغضب
التي سبقت
رحمته إيّاها
وهو الخليج
المنشعب من
ظاهر مخالفة
البحر الأول
وهو المسمى
بسجين أسفل
السافلين
وبحر الطمطام المعكوس
والبحر الذي
تحت الأرضين
السبعة الذي
يسبح فيه
الحوت بهموت
والبحر
المالح الأجاج
الذي يقطع
قلوب شاربيه ،
ثم خلق الله
سبحانه وتعالى
باسم الرحمن
عند استوائه
على العرش من
كثافة نزول
ذلك الماء أي
الخليج الأول
أرضا طيبة
صالحة خاشعة
وهي البلد
الطيب الذي
يخرج نباته
بإذن ربه
فأجرى ذلك
الماء عليه
فاستجن في تلك
الأرض فامتزج
بها وأخذ
لطائفها بسر
إشراق شمس اسم
الله النور من
الوجه القابض
فتعفن بذلك
الجزء الأرضي
أي ربع منها ،
فأجرى الله من
ذلك الماء
الواقع على
الأرض عليها
أربعة أنهار
وهي خلجان قد
تشعبت من ذلك
الخليج أي الطتنج
الأول وتلك
العيون
والأنهار هي
التي أخبر
الله عز وجل
عنها في كتابه
العزيز .
النهر
الأول هو نهر
الماء الغير
الآسن الباقي
على صفائه و
نورانيّته
وظهور بساطة
ذلك البحر فيه
وقلّة مزج
التراب وقلّة
الحرارة ، نهر
السكون
والاطمئنان
وبرد اليقين
وثلج الفؤاد
وإن كان لونه
أبيض لكن
لشدّة مناسبته
وقرب اتصاله
به لبحر الصاد
ليس بغليظ في
البياضية
بحيث يظهر مع
كل ذي لون
بلونه وكل ذي
شكل بشكله ،
فظاهره ظهور
صرف الماء
وباطنه
الغالب عليه
التراب ، ولذا
كان نهر الذل
والمسكنة
والفقر إلى
بارئه
والاستغناء
عن كل ما سواه
، فشاربه يسكن
في ذات الله
ويصبر على الأذى
في جنب الله
ويقبل إلى
طاعة الله .
__________________
1
الواقعة 68 – 69 2 ص 1 3 القلم
1 4 فاطر
13
العين
الثانية
والنهر
الثاني من لبن
لم يتغير طعمه
لزيادة مزج
التراب
الحافظ
لحرارة النار
المشرقة من
شمس اسم الله
المستدعية
لغلظة الماء
بقوة الحرارة
واصفرار
اللون ولم
يتغير طعمه
بوقوع
الأعراض أي
المياه
الفاسدة والميولات
الغير
المرادة
والذرات
الغير
المناسبة بل
هو باق على
صفائه
وطراوته ، نهر
الشوق والمحبة
وطبعه يقتضي
الجريان
والحركة إلى
الملائم
الطبيعي أصفر
اللون في
الحقيقة لقوة
الحرارة مع
الرطوبة
المعتدلة ،
وأبيض غليظ في
غاية الغلظة
في ظاهر النظر
لغلبة
الرطوبة والأجزاء
الترابية
المستدعية
لبياض ظاهره
مع الغلظة
للحرارة
المستجنة فيه
، وإنما كان
مزج التراب
هنا أكثر دون
النهر الأول
لأن الأول
إنما جرى في
أول وقوعه على
الأرض
واتصاله بها
بخلاف الثاني
فإنه بعد مكث
وبعد جريان
الأول فاكتسب
اليبوسة أكثر
من الأول
فغلبت
الحرارة فصار
لبنا خالصا
يقوي القلب
والأعضاء
المولدة ويولد
الدم الصافي
ويهيّج
الأعضاء
والعضلات بصفائه
وتصفيتها
للتوليد وهذا
اللبن هو الذي
قال الله عز
وجل { وإن
لكم فى
الأنعام
لعبرة نسقيكم
مما فى بطونه
من بين فرث
ودم لبنا
خالصا سائغا
للشاربين }1
وتلك هي
البقرة
الصفراء التي
خلقت من
زعفران الجنة
جنة الخلد من
جنان الصاقورة
، وتلك البقرة
إنما وجدت من
تلك الأرض
الطيبة لقوة
استعداد
الأرض مما
اكتسبته من
حرارة الشمس
الأولى التي
هي في الغاية
من الحرارة
والماء
وبرودة رطوبة
الماء الأول
وحفظ الحرارة
في الأجزاء
الترابية
وزيادة الأجزاء
الناعمة
المستأهلة
المصلصلة
فانعقدت واجتمعت
فصارت بإذن
الله وأمره
بقرة صفراء
وأجري منها
اللبن الخالص
الذي لم يتغير
طعمه وهذا
النهر إنما
جرى من ميم
الرحمن كما أن
النهر الأول
قد جرى من هاء
الله في بسم
الله الرحمن الرحيم
.
والنهر
الثالث نهر الخمر
الذي هو لذة
للشاربين من
غير صداع ولا
خمار ولا سكر
ولا إغماء ولا
إذهاب عقل
وذلك لزيادة
الحرارة
المستجنة في
الأجزاء
الترابية ومالت
الأجزاء إلى
اليبوسة
وذهبت برودة
السكون
والإنية
فماعت وسالت
بالرطوبة
الظاهرية وبقيت
على الصفاء
الأصلي ولم
تخالطه
_____________
1
النحل 66
الأعراض
الفاسدة
فصارت لذة
للشاربين من
غير نصب ولا
تعب ولا زحمة
وإنما كانت
الأجزاء الترابية
في هذا المقام
أكثر لزيادة
مكث الماء في
التراب وشدة
قابلية الأرض
ونعومتها
وصلاحيّتها
للاتصال فتصل
بقدر المكث
لما بينهما من
المناسبة قال
الله عز وجل {
ومن ءاياته
أنك ترى الأرض
خاشعة فإذا
أنزلنا عليها
الماء اهتزت }1 وذلك
الاهتزاز هو
سبب الاتصال
والانفعال في
القلة
والكثرة ،
وإنما كان مكث
الماء على الأرض
أكثر لأن هذا
النهر إنما
جرى بعد
النهرين المتقدمين
فلهما الصفو
وله الممزوج ،
وهذا النهر
إنما جرى من
ميم الرحمن في
بسم الله
الرحمن
الرحيم .
والنهر
الرابع نهر
العسل المصفى
عن أكدار
الأوساخ
والأعراض
كالشمع
وأمثال ذلك الذي
هو شفاء للناس
وهو نهر
المحبة
والوداد الغريزي
الطبيعي
الذاتي ، قد
تزايدت
الحرارة وكثرت
بتكرر المزج
والكسر
والتعفين
وكثرة الأجزاء
الترابية ،
وقويت
واستجنّت
فيها تلك
الشعلات وصفت
الأجزاء عن
الأعراض
الفاسدة
والفضول الغير
المرادة
فاقتضت
الحرارة مع
اليبوسة الحلاوة
، وفيه شفاء
للناس من حيث
كان ظهور
الحرارة فيه
على الوجه
المعتدل
المستدعي
لظهور الآثار
الإلهية فيه
فليس فيما من
الله تعالى سبحانه
مضرّة ولا تعب
ولا وصب بل
يذهب الأمراض
ويزيل
الأعراض
ويحقق
الأغراض ،
وزيادة
الأجزاء الأرضية
فيه لما قلنا
من شدة خلطه
بالأرض لكثرة
مكثه على
وجهها
لاستخراج تلك
الأنهار كلها من
قبل هذا النهر
، وهذا النهر
هوالجاري من
ميم الرحيم في
بسم الله
الرحمن الرحيم
.
ثم إن
الله عز وجل
أجرى من كل من
هذه الأنهار
عشرة مشارع
وأجرى من كل
شريعة أربعين جدولا
فصار مجموع
الجداول
أربعمائة
ومجموع المشارع
أربعين
ومجموع
الأنهار أي
الأصول الأربعة،
فأنس بعضها من
بعض فيبلغ إلى
أنهار ومشارع
وجداول كثيرة
لا تتناها
وكلها إنما
نشأت من ذلك
الأصل الواحد
الخليج الأول
من ذلك البحر
أي الطتنج .
_________________
1
فصلت 39
ثم خلق
الله عز وجل
من ذلك الطتنج
العقل الكلي
نور أبيض قائم
مشرق من صبح
الأزل فنطق
بحمد الله عز
وجل وثنائه و
مجده وبهائه
قال عز وجل {
والله خلق كل
دابة من ماء }1 وقال عز
وجل {
وجعلنا من
الماء كل شئ
حى }2
فاستنطقه
الله عز وجل
حتى يسأله
تعالى أن يسأله
فيقول له أقبل
فأجاب الله عز
وجل دعوته ثم
قال له أدبر
يعني انزل إلى
المراتب
النازلة النورانية
وأدّ رسالتي
إلى كل مذروء
ومبروء فأدبر
، فأول ما ظهر
من الإدبار
الروح الكلية
ثم النفس
الكلية وهي
الباء في
الحروف كما أن
ألف القائم
مقام الألف من
الحروف ، ثم
الطبيعة
الكلية وهي
الجيم ، ثم المادة
الكلية وهي
الدال ثم شكل
الكل وهو الهاء
، ثم جسم الكل
وهو الواو ،
ثم محدد
الجهات الفلك
الأطلس العرش
الأعظم وهو
الزاي ، ثم
فلك الكرسي
وهو الحاء ،
ثم فلك البروج
وهو الطاء ،
ثم فلك
المنازل وهو
الياء ، ثم
فلك زحل وهو
الكاف ، ثم
فلك المشتري
وهو اللام ،
ثم فلك المريخ
وهو الميم ،
ثم فلك الشمس
وهو النون ، ثم
فلك الزهرة
وهو السين ،
ثم فلك عطارد
وهو العين ،
ثم فلك القمر
وهو الفاء ،
ثم كرة النار
وهي الصاد ،
ثم كرة الهواء
وهي القاف ،
ثم كرة الماء
وهي الراء ،
ثم كرة التراب
وهي الشين ،
فإذا بلغ
العقل في مقام
الرسالة إلى
هذا المقام
وأدى المرام
ناداه الله
سبحانه فأمره
بالإقبال
فقال له أقبل
فأقبل وصعد
إلى مقام
المعدن وهو
التاء ، ثم
إلى مقام النبات
وهو الثاء ،
ثم إلى مقام
الحيوان وهو
الخاء ، ثم
إلى مقام الجن
وهو الذال ،
ثم إلى مقام
الملك وهو
الضاد ، ثم
إلى مقام
الإنسان وهو الظاء
، ثم إلى مقام
الجامع عليه
السلام وهو الغين
، ثم أخذ يصعد
في مقام
الأسماء بعد
صعوده في مقام
الأكوان فصعد
إلى رفيع الدرجات
إلى آخر
الأسماء الذي
هو البديع ،
فاتصل الأول
بالآخر
والظاهر
بالباطن
وتمّت الكرة ودارت
الدائرة
وظهرت الكاف
المستديرة
على نفسها .
ثم إن
الله سبحانه
خاطب العقل
بعدما امتثل
أمر الله عز
وجل وتمحض في
العبودية (( وعزّتي
وجلالي ما
خلقت خلقا هو
أحب إلي منك
بك
_______________
1
النور 45 2
الأنبياء 30
آخذ
وبك أعطي وبك
أثيب وبك
أعاقب ))1 وفي
رواية أخرى ((
إياك أثيب
وإياك أعاقب
ولا أكملتك
إلا في من أحب ))
فجعل سبحانه
للعقل خمسة وسبعين
جندا من
الملائكة
الذين قد
خلقوا من شعاع
نوره وظهروا بفاضل
ظهوره ووكّل
كل نوع منهم
بنوع من أنواع
الخير
والطاعة
وجهات
الإقبال إلى
الحق عز وجل
لئلا يشذ عنه
وعن حيطته حق
من حقوق الله
عز وجل الظاهر
للمكلفين
لئلا يقول
الناس { لولا
أرسلت إلينا
رسولا
فنـتـبع
________________________
1
مستطرفات
السرائر 621
ءاياتك
من قبل أن نذل
ونخزى }1
والجنود
الخمسة والسبعون
أولهم الخير
وهو وزير
العقل ثم الإيمان
ثم التصديق ثم
الرجاء ثم
العدل ثم
الرضا ثم
الشكر ثم
الطمع إلى
رضوان الله ثم
التوكل ثم
الرأفة ثم
الرحمة
ثم العلم ثم
الفهم ثم
العفة ثم
الزهد ثم
الرفق ثم الرهبة
ثم التواضع ثم
التؤدة ثم
الحلم ثم الصمت
ثم الاستسلام
ثم التسليم ثم
الصبر ثم الصفح
ثم الغنى ثم
التذكر ثم
الحفظ ثم
التعطف ثم القنوع
ثم المواساة
ثم المودة ثم
الوفاء ثم الطاعة
ثم الخضوع ثم
السلامة ثم
الحب ثم الصدق
ثم الحق ثم
الأمانة ثم
الإخلاص ثم
الشهامة ثم
الفهم ثم
المعرفة ثم
المداراة ثم
سلامة الغيب
ثم الكتمان ثم
الصلاة ثم
الصوم ثم
الجهاد ثم
الحج ثم صون
الحديث ثم برّ
الوالدين ثم
الحقيقة ثم
المعروف ثم
الستر ثم
التقية ثم
الإنصاف ثم
التهية ثم
النظافة ثم
الحياء ثم
القصد ثم
الرّاحة ثم
السهولة ثم
البركة ثم العافية
ثم القوام ثم
الحكمة ثم
الوقار ثم
السعادة ثم
التوبة ثم
الاستغفار ثم
المحافظة ثم
الدعاء ثم
النشاط ثم
الفرح ثم
الألفة ثم
السخاء ، فلما
استكملت هذه
المراتب رشح
من هذا الطتنج
الأول
بشرايعه
وجداوله
وأنهاره رشحا
كان ذلك الرشح
بحرا قد تشعب
منه أربعة
خلجان بإزاء
الأنهار
الأربعة
وكذلك
الشرائع
والجداول
بإزاء تلك
الشرائع
والجداول ،
فبعد إتمام مراتب
هذا الرشح حصل
رشح آخر وهو
رشح الرشح فكملت
فيه المراتب
والمقامات
والدرجات
والجداول
والشوارع ،
وهكذا كلما
يرشح يكمل
بحرا ويكون في
الانقسام
والانشعاب
كالأول إلا
أنه أضعف وأقل
من الأول
وهكذا إلى
ثماني رشحات
مترتبات على
الترتيب الذي
ذكرنا
والأصول التي
أصّلنا ، فلا
يزال عن ذلك
البحر أي
الصاد يفيض
على الأنهار
الأربعة
وتفور هذه
الأنهار
وتجري في الشرائع
وهنّ في
الجداول
والرشح في
الرشح ورشح
الرشح في
مقامه والرشح
وما بعده
متقوم بالأصل
والأصل
متقوّم بذلك
البحر وذلك
البحر متقوّم
باليد اليمنى
للرحمن فلا
نهاية لهذا السريان
ولا غاية لهذا
الجريان ولا
أمد لهذا السريان
فيجري إلى ما
لا نهاية له ،
واليمين ليس
إلا سيدنا
أمير
المؤمنين
عليه السلام
واليد هم
الأئمة
الميامين
عليهم سلام
الله أجمعين ،
والرحمانية
ما ظهرت إلا
فيهم عليهم
السلام وما
تصدر آثـارها
إلا
__________________
1
طه 134
عنهم
وما ترجع
شئوناتها إلا
إليهم ولا
تظهر أحوالها
إلا بهم وما
كانت
تعلّقاتها
إلا لهم وما
اختلفت
متعلقاتها
إلا لتشييد
سلطانهم وتثبيت
برهانهم {
لا إله إلا هو
له الحمد فى
الأولى
والأخرة وله
الحكم وإليه
ترجعون }1 هذا مجمل
بيان الطتنج
الأول .
أما
الطتنج
الثاني فاعلم
أن مبدأه من
تحت الثرى
وذلك البحر
الذي انقطع
علم الخلق عنه
لأنه بحر لا
أول له ولا
آخر ولا غاية
ولا نهاية ولا
ساحل ولا مدّ
ولا جزر
لأنهما على فرض
الساحل ومنه
مداد أهل جهنم
والنار إلى ما
لانهاية له
فلوكان له
انقطاع
لانقطع ولذا
أبوا عليهم
السلام أن
يخبروا عنه
وهذا الإخبار
إخبار رسم لا
إخبار حقيقة ،
و مبادئ كل
باطل بكل نوع
إنما هو في
ذلك البحر ،
ولا يزال من
الحرارة
الغضبية
المستجنة في
أسفله تتصاعد
الأبخرة
المنتّنة
النجسة ولم
يزل يغلي
ويفور ويتموّج
إلى أن حصلت
من ضرب
الأمواج
بعضها مع بعض
والتصاق
الأجزاء
اليابسة
المنتثرة في
ذلك البحر
التي هي عبارة
عن أنحاء المساوات
وجمود
القريحة وعدم
الذوبان
والانتشار إلى
المبدأ
الحقيقي عز
وجل وذلك
الالتصاق برطوبة
الأبخرة
المنتنة
وحرارة
الأدخنة
النجسة
الخبيثة إلى
أن انعقد زبدا
فخلق الله عز
وجل
____________________
1
القصص 70
بحكم
التمكين
وبحكم {
سنستدرجهم من
حيث لا يعلمون
}1 { ولا يحسبن
الذين كفروا
أنما نملى لهم
خير لأنفسهم
إنما نملى لهم
ليزيدوا إثما
ولهم عذاب
مهين }2 فخلق
الله عز وجل
من ذلك الزبد
على وجه ذلك
البحر أرضا
خبيثة منتنة
قذرة مجتثّة صلبة
في الباطن {ثم
قست قلوبكم من
بعد ذلك
___________________
1
الأعراف 182
2 آل
عمران 178
فهى
كالحجارة أو
أشد قسوة }1
ورخوة في
الظاهر {
يرضونكم
بأفواههم
وتأبى قلوبهم
وأكثرهم
فاسقون }2 وتلك
الأرض هي
الأرض
الخبيثة التي
أشار إليها عز
وجل في قوله {
والذى خبث لا
يخرج إلا نكدا
}3 وهي الأرض
الملعونة ،
فتصاعدت
الأبخرة
المنتنة والأدخنة
القذرة ونفذت
في تلك الأرض
واستجنّت ،
فلما كثر
استجنان تلك
الأبخرة وزادت
الرطوبات
الخبيثة
تفجّرت عيونا
وأنهارا أربعة
وهي خلجان قد
تشعّبت من ذلك
الطتنج البحر
الأسود
المظلم .
النهر
الأول عين
الإنية وهي
عين حارة بلغت
منتهاها في
الحرارة وهذا
النهر في مقابلة
الماء الغير
الآسن ،
وحرارة هذه
العين لما
غلبت وزادت
واستولت وكثرت
خفيت القبائح
الأخر كنتنها
وخباثتها وهي
أعظم العيون
شدّة وقبحا
وعذابا بحيث
قد أثرت
حرارتها في كل
ما سواه فلا
توجد حرارة من
الحرارات
الكلية
الغضبية إلا
مبدؤها من تلك
العين ، فعلى
حسب قوة
الحرارة في
الميولات الباطلة
والشهوات
الخبيثة تظهر
له تلك العين
في الآخرة ،
وهذه الحرارة
هي ضد لبرودة
الماء الأول
لأنها قد نشأت
من عين
الإنكار وقول
إني أنا الله
وليست فيها
برودة السكون
والتسليم والتفويض
والخوف
واليقين
كالماء الأول
، فكلما هو
أقرب إلى
الإنكار وأشد
إلى الاغترار
فقد شرب من
هذه العين
ويؤول إليها
ويرجع إليها ،
وإنما سميت
إنيّة لأنها
تأون شاربها
أعاذنا الله
منها بمحمد
وآله
الطاهرين .
النهر
الثاني عين
الكبريت وهي
عين منتنة
قذرة استولت
على باطنها
وظاهرها
الحرارة
الغضبية
ورطوبة
الميولات
الباطلة
الشهوانية
والروابط
الشياطينية
كثرت كثافتها
والأجزاء
الأرضية
لكونها أسفل
من العين
الأولى ولذا
ظهر نتنها
وخبثها
الظاهري
والباطني دون
الأولى ولذا
حصلت فيها
قوّة السريان
والربط فافهم
.
_________________
1
البقرة 74 2
التوبة 7 3
الأعراف 58
النهر
الثالث عين
أبرهوت وهي
بئر غلظت
الأجزاء
المنتنة
اليابسة
واختلطت بالرطوبات
المتصاعدة من
ذلك البحر
فاستحالت ماء
حار غليظا
منتنا لم يزل
بالحرارة
المستجنة في
تلك الأجزاء
الترابية
يتصاعد منها
دخانا أغبرا
خبيثا منتنا .
النهر
الرابع نهر
الغساق أو نهر
الحنين وهو
ماء كالمهل كالنحاس
الذائب { يشوى
الوجوه بئـس
الشراب وساءت
مرتـفـقا }1
قال تعالى {
وسقوا ماء
حميما فقطع
أمعاءهم }2
والغساق صديد
أهل النار
وذلك الصديد
من غلظة تلك
العين ونتنها
لحقت أهل المعاصي
لما شربوها
فيظهر ما
شربوا منها في
مقامها
وعالمها
أعاذنا الله
منها بمحمد
وآله
الطاهرين .
وهذه
الأنهار قد
انشعب من كل
منها عشرة
عيون أخر كدرة
يفرغ بعضها في
بعض ومن كل من العيون
العشرة تشعبت
أربعون جدولا
على طبق ما
قلنا في
الطتنج الأول
حرفا بحرف ،
ثم أن الله عز
وجل خلق الجهل
الكلي من
البحر الأجاج
على ما وصفت
لك ظلمانيا فقال
له أدبر فأدبر
فأول ما وجد
بإدباره وظهر وتحقق
الثرى في
مقابلة النفس
الكلية وحرفه
( ب ) في مقابلة ( ب
) واسمه
المتوهم في
مقابلة الاسم الباعث
، ثم الطمطام
في مقابلة
الطبيعة الكلية
وحرفه ( ج ) في
مقابلة ( ج )
واسمه المجتث
في مقابلة
الاسم الباطن
، ثم النيران
في مقابلة
الآخر المادة
الكلية
وحرفها ( د ) في
مقابلة
( د ) ، ثم الريح
العقيم في مقابلة
شكل الكل
وحرفه ( هـ ) في
مقابلة (هـ)
واسمه المخيل
في مقابلة
الاسم الظاهر
، ثم البحر في
مقابلة الجسم
الكل وحرفه (
و) في
مقابلة (و) واسمه
العابث في
مقابلة الاسم
الحكيم ، ثم
الحوت في
مقابلة العرش
وحرفه ( ز) في مقابلة
( ز) واسمه
المختال في
مقابلة الاسم
المحيط، ثم
الثور في
مقابلة
الكرسي وحرفه
(ح) في مقابلة (ح)
واسمه الكفور
في مقابلة
الاسم الشكور
، ثم الصخرة
في مقابلة فلك
البروج وحرفه
( ط ) في مقابلة (
ط) واسمه فقر
الزمان في
مقابلة الاسم
غني الدهر ،
ثم الملك الحامل
في مقابلة فلك
المنازل
وحرفه ( ي ) في
مقابلة
( ي ) واسمه
العاجز في
مقابلة
_________________
1
الكهف 29 2 محمد
15
الاسم
المقتدر ، ثم
أرض الشقاوة
في مقابلة فلك
زحل وحرفه ( ك )
في مقابلة ( ك ) واسمه
المفسد في
مقابلة الرب ،
ثم أرض
الإلحاد في
مقابلة فلك
المشتري
وحرفه ( ل )
في مقابلة ( ل )
واسمه الجهول
في مقابلة
العليم ، ثم
أرض الطغيان
في مقابلة فلك
المريخ وحرفه
( م ) في مقابلة ( م
) واسمه
المهيمن في
مقابلة
القاهر ، ثم
أرض الشهوة في
مقابلة فلك
الشمس
وحرفه ( ن ) في
مقابلة ( ن )
واسمه الظلمة
في مقابلة
النور ، ثم
أرض الطبع في
مقابلة فلك الزهرة
وحرفها ( س ) في
مقابلة ( س )
واسمها
المهمل في
مقابلة
المصور ، ثم
أرض العادات
في مقابلة فلك
عطارد وحرفها
( ع ) في مقابلة (ع
) واسمها الناسي
في مقابلة اسم
المحصى ، ثم
أرض الممات في
مقابلة فلك
القمر وحرفها
( ف ) في مقابلة ( ف
) واسمها
المنكر في
مقابلة الاسم
المبين ، ثم
كمثل الكلب في
مقابلة كرة
النار وحرفه ( ص ) في
مقابلة ( ص )
واسمه
المسوّل في
مقابلة الاسم
القابـض ، ثم
السموم في
مقابلة
الهواء وحرفه
( ق ) في مقابـلة (
ق ) واسمه
المميت في
مقابلة الاسم
الحي ، ثم الماء
الأجاج في
مقابلة كرة
الماء وحرفه (
ر ) في مقابلة ( ر )
واسمه المبطل
في مقابلة
الاسم المحيي
، ثم الأرض
السبخة في
مقابلة كرة
التراب وحرفها
( ش ) في مقابلة ( ش
) واسمها
النكد وفي
مقابلة
المميت ، فإذا
انتهى الجهل
في إدباره إلى
هذا المقام
قال عز وجل له أقبل
فلم يقبل فولى
مدبرا فظهر من
إدباره الحجارة
والحديد في
مقابلة
المعدن
وحرفها ( ت ) في مقابلة
( ت ) واسمها
الذليل في
مقابلة
العزيز ، ثم
الـنبات المر
في مقابـلة
النبات الطيب
وحرفها ( ث ) في
مقابلة ( ث )
واسمها الحادم
في مقابلة
الاسم الرزاق
، ثم المسوخ
في مقابلة
الحيوان
وحرفها ( خ ) في
مقابلة ( خ )
واسمها
الفاسق في
مقابلة الاسم
المذل، ثم
الشياطين في
مقابلة
الملائكة
وحرفها ( ذ ) في
مقابلة ( ذ ) واسمها
الضعيف في
مقابلة القوي
، ثم شياطين الجن
في مقابـلة
الجن وحرفها (
ظ ) في مقابـلة (
ظ ) واسمها
الغليظ في
مقابلة الاسم
اللطيف ، ثم
شياطين الإنس
في مقابلة
الإنسان
وحرفها ( ض ) في
مقابلة
( ض ) واسمها
الناقص في
مقابلة اسم
الجامع ، ثم
إبليس في
مقابلة
الجامع وحرفه
( غ ) في مقابلة ( غ
) واسمه أسفل
السافلين في
مقابلة رفيع
الدرجات ،
فلما بلغ
الجهل
في إدباره
إلى مبدئه
وتوغّل في
الإعراض
والعثوّ
والاستكبار عن
أمر الله عز
وجل قال الله
عز وجل بلسان
أوليائه
خطابا للجهل (
استكبرت عن
أمري
واستنكفت عن
حكمي وعن
انقياد قولي )
فلعنه عز وجل
وطرده عن مقام
القرب ، فلما
رأى ما أكرم
الله به العقل
وما أعطاه
أضمر له
العداوة وقال
الجهل يا رب
هذا خلق مثلي
خلقته وكرمته
وقويته وأنا
ضده ولا قوة
لي به فأعطني
من الجند مثل
ما أعطيته فقال
نعم فإن عصيت
بعد ذلك
أخرجتك وجندك
من رحمتي قال
قد رضيت
فأعطاه خمسة
وسبعين جندا
أولهم الشر
وهو وزير
الجهل ثم
الكفر ثم الجحود
ثم القنوط ثم
الجور ثم
السخط ثم
الكفران ثم
اليأس ثم
الحرص ثم
القسوة ثم
الغضب ثم
الجهل البسيط
ثم الحمق ثم
التهتك ثم
الرغبة إلى ما
لا يرضي الله
سبحانه ثم
الخرق ثم
الجرءة على معاصي
الله سبحانه
ثم الكبر ثم
التسرع
والاستعجال
ثم السفه ثم
الهذر ثم
الاستكبار ثم
الشك ثم الجزع
ثم الانتقام
ثم الفقر ثم
السهو ثم
النسيان ثم
القطيعة ثم
الحرص ثم
المنع ثم العداوة
ثم الغدر ثم
المعصية ثم
التطاول ثم البلاء
ثم البغض ثم
الكذب ثم
الباطل ثم
الخيانة ثم
الشوب ثم
البلادة ثم
الغباوة ثم
الإنكار ثم
المكاشفة ثم
المماكرة ثم
الإفشاء ثم الإضاعة
ثم الإفطار ثم
النكول ثم نبذ
الميثاق ثم
النميمة ثم
العقوق ثم
الرياء ثم
المنكر ثم
التبرج ثم
الإذاعة ثم
الحمية
الجاهلية ثم البغي
ثم القذر ثم
الخلع ثم
العدوان ثم
التعب ثم
الصعوبة ثم
المحق ثم
البلاء ثم
المكاثرة ثم الهوى
ثم الاغترار
ثم التهاون ثم
الاستنكاف ثم
الكسل ثم
الحزن ثم
الفرقة ثم
البخل وهذه
جنود الجهل ،
فلما استكملت
هذه المراتب
وتمت صعد عن
كل مرتبة دخان
فانقسم إلى
هذه الأقسام كلها
ثم صعد من ذلك
الدخان دخان
آخر انقسم إلى
تلك الأقسام
وهكذا إلى
ثمانية مراتب
، وهذان الطتنجان
قد اختلطا في
الصورة
الظاهرية في
هذا العالم
الجسماني دار
التكليف فما
استولى فيه
الطتنج الأول
خلق الذكر من
أهل تلك المرتبة
وما استولى
الطتنج
الثاني خلقت
الأنثى وهكذا
الحكم في كل
المراتب
والمقامات
والدرجات
فتعددت
الميولات
المتضادة
فوقع التكليف
، وشرح هذه
الأحرف لا
يناسب هذا
المقام لطول
بيانه .
فإذا
فهمت حقيقة
الطتنجين
فاعلم أن معنى
قوله عليه
السلام (( أنا
الواقف على
الطتنجين )) هو
أنه عليه
السلام قطب
مركزهما
ومقوم دائرتهما
وممد عطيتهما
، لأنه عليه
السلام حامل
اسم
الرحمانية
وعنده تمايز
الأشياء وعنه
مبدأ السعادة
والشقاوة
وفيه يتحقق
الاختلاف قال
الله عز وجل {
كلا
نمد
هؤلاء وهؤلاء
من عطاء ربك
وما كان عطاء
ربك محظورا }1
، والامتياز
بين الأشياء
بمراتبها
وأحوالها ما
كان إلا به
لأنه العلة
الصورية وولايته
عرضت على كل
الخليقة فمن
قبلها لحق بالطتنج
الأول ومن
أنكرها لحق
بالطتنج
الثاني وهو
باب السور
الذي في
القرآن {
فضرب بينهم
بسور له باب
باطنه فيه
الرخمة وظاهره
من قبله
العذاب }2 فإن
موافقته طاعة
ورحمة وجنة
ونور
ومخالفته عليه
السلام معصية
ونقمة وعذاب
وظلمة ، وهو عليه
السلام قسيم
الجنة والنار
وهو المعني في
قوله تعالى {
وننزل من
القرءان ما هو
شفاء ورحمة
للمؤمنين ولا
يزيد الظالمين
إلا خسارا }3
فإنه عليه
السلام
الهادي بمعنى الموصل
إلى المطلوب
بتيسير ما خلق
لأجله إما إلى
النار أو إلى
الجنة لأنه
عليه السلام
حامل
الربوبية إذ
مربوب ذكرا
ورسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم
الهادي الذي
يري الطريق لأنه
صلى الله عليه
وآله وسلم
حامل
الربوبية إذ
مربوب ذكرا
ولا مربوب
كونا ووجودا
قال الله عز
وجل إشارة على
هداية علي
عليه السلام
بالإيصال في
قوله تعالى {
إنما أنت
منذر
________________
1
الإسراء 20 2
الحديد 13 3
الإسراء 82
ولكل
قوم هاد }1 قـال صلى
الله عليه
وآله وسلم ((
أنا المنذر وعلي
الهادي ))2 وقال
عز وجل {
إنك لا تهدى
من أحببت ولكن
الله يهدى من
يشاء }3
أي يوصلهم إلى
مطلوبهم بعلي
عليـه السلام
إما إلى الجنة
أوإلى النار ،
لأنه عليه
السلام هو
الواقف على
الطتنجين لأن
الإيمان
والكفر إنما
يتحقق
بالإقرار
بولايته والطيبين
من أولادة
عليهم السلام
لأنه إذا آمن
بالله سبحانه
يظهر فيه نور
مضطرب فإذا
آمن برسوله
صلى الله عليه
وآله وسلم
يثبت ذلك النور
في الجملة
فإذا آمن بعلي
عليه السلام
وتبعه كما قال
عز وجل {
فالذين
ءامنوا به
وعزروه ونصروه
واتبعوا
النور الذى
أنزل معه }4 وهو
علي عليه
السلام فأثبت
عز وجل لعلي
عليه السلام الولاية
حيث أوجب له
الطاعة
والمتابعة
فيكون حينئذ
ثابت الإيمان
مكتوب في
عليّين فيخرجه
الله عز وجل
من ظلمات
الجهل والكفر
والنفاق والخيانة
إلى نور العلم
والإيمان
والصفاء ،
ولذا كان
الإيمان اسما
لعلي عليه
السلام لأنه
حروف بينات
اسمه الشريف
عليه السلام ،
وإذا لم يؤمن
بعلي عليه
السلام وإن
آمن بالله
ورسوله أكبه
الله على
منخريه في
النار ويخرجه
من النور الذي
حصل له من
الإيمان
بالله ورسوله
إلى ظلمات
الكفر
والنفاق ،
فأساس
الإيمان والكفر
إنما قام
وتأسس بعلي
عليه السلام
والعـقل
وجنوده إنما
هو متقوم به
ومنتسب إليه
عليه السلام ،
والكفر
والجهل
وجنوده إنما
هو متقوم به
غير منتسب
إليه ، فلولا
علي عليه
السلام ما كان
إيمان ولا كفر
ولا ظلمة ولا
نور ولا خير
ولا شر كما أن
الشمس لولاها
لم يكن نور
ولا ظلمة ،
فإنا قد بينا
أن الموجودات
من الأنوار
ومراتب
الطتنج الأول
في مراتبها
الثمانية
كلها من شعاع
أنواره عليه
السلام وكل
الظلمات من
الطتنج
الثاني و
مراتبه كلّها
متقومة بنفس
تلك الأنوار
من حيث نفسها
لا من حيث مبدئها
كما قال عز
وجل { يسجدون
_______________
1
الرعد 7
2 المناقب 3/84 3
القصص 56
4
الأعراف 157
للشمس
من دون الله }1
فلا قوام
للظلمات إلا
بالأنوار ولا
قوام للأنوار
إلا بمولانا
علي عليه
السلام فهو
مقوم
الطتنجين
والممد
للموجودات في
البين و منه
وجد عليه
السلام
المصطفين ، ففي
هذا المقام
ظهور الأسماء
المتقابلة
كالرحيم
والمنتقم
والغافر
والرازق
والمهلك والمحيي
والمميت
والقابض
والباسط
والمعطي
والمانع
والضار
والنافع
وأمثالها من
الأسماء
لأنها من
ظهورات أنحاء
التعلقات بوجود
هذين
الطتنجين .
أويكون
المراد
بالطتنج
الأول أحكام
الربوبية بكل
أحوالها و
مقاماتها من
التوحيد
والصفات
والأفعال
والأعمال ،
والطتنج
الثاني أحكام
العبودية ،
فهو عليه
السلام باب
لإجراء أحكام
الربوبية
وتوصيف
مقاماتها من
أنحاء
التنزيه
والتقديس
والإفاضة
والإمداد
والإيجاد
والاختراع
والأسماء
والصفات وأمثالها
من الحالات
للعبودية
ولاستمداد
الواقفين في مقامات
العبودية
والسائلين
اللائذين
بالربوبية
أنحاء
الإفاضات
والإمدادات
فلا يصل من
الحق إلى
الخلق فيض بأي
نحوكان على
التفصيل الذي
يتكرر في هذا
الشرح إلا به
عليه السلام ،
ولا يقبل
الخلق شيئا من
فيوضات الحق
جلّ وعلا وإمداداته
إلا به عليه
السلام ، ولا
يصعد من الخلق
صريخ ولا ضجيج
إلى الله عز
وجل إلا به
عليه السلام ،
ولا يقبل الله
عملا لخلق من
المخلوقات
إلا به عليه
السلام ، فهو
روحي فداه
البرزخ بين
العالمين
والواقف على
الطتنجين ،
والإشارة إلى
جميع ما ذكرنا
في قـوله عز
وجل من حيث
المفهوم { *
ما أشهدتهم
خاق
_________________
1
النمل 24
السموات
والأرض ولا
خلق أنفسهم
وما كنت متخذ المضلين
عضدا }1 فدل
بالمفهوم على
أن الهادين قد
اتخذهم الله
أعضادا لخلقه
والدليل على
اعتبار هذا
المفهوم
وحجيّته هو
قول الحجة
المنتظر عجل
الله فرجه في
الدعاء في كل
يوم من شهر
رجب (( أعضاد وأشهاد
وحفظة ورواد
فبهم ملأت
سماءك وأرضك
حتى ظهر أن لا
إلـه إلا أنت ))2
، فإذا كانوا
عليهم السلام
عضد لخلق الله
فلا قوام لهم
في حال من أحوالهم
إلا بهم عليهم
السلام ولا
تذوت لهم في جميع
ميولاتهم إلا
بهم عليهم السلام
ولا يصل الفيض
إليهم إلا بهم
روحي فداهم ،
وقد قال
مولانا
العسكري عليه
السلام (( قد صعدنا
ذرى الحقائق
بأقدام
النبوة
والولاية )) إلى
أن قـال ((
فالكليم ألبس
حلّة
الاصطفاء لما
عهدنا منه
الوفـاء وروح
القدس في جنان
الصاقـورة
ذاق من
حدائـقنا
__________________
1
الكهف 51
2
دعاء رجب
لمولانا
الحجة عجل
الله تعالى
فرجه
الباكورة
))1 إلى آخر
كلامه عليه
السلام ، فهو
عليه السلام
الواقف على
الطتنجين
شجرة زيتونة
لا شرقية ولا
غربية فله
البرزخية
الكبرى لأنه
المثل الأعلى
وهو المعني في
قوله عز وجل {
لقد رأى من
ءايات ربه
الكبرى }2 وهو عليه
السلام
الأزلية
الثانية صاحب
الأزلية
الأولى و مبدأ
العلل الأولى
ولسان الله الناطق
لكل الخلق مما
يرى و ما لا
يرى عليه السلام
وعلى ابن عمه
وزوجته
وأبنائه ما
دامت الدنيا
والآخرة
والأولى .
أويكون المراد
من الطتنج
الأول بحر
الإمكان أي
العمق الأكبر
بحر مظلم
كالليل
الدامس كثير
الحيتان ، والطتنج
الثاني بحر
الأكوان ، وهو
عليه السلام
واقف بين
البحرين فلا
يخرج من
الإمكان إلى الأكوان
شيء من ذات
أوصفة لفظ أو
معنى أصل أوفرع
، لطيف أو
كثيف نور أو
ظلمة إلا يمر
عليه أي يظهر
بواسطته ، ولا
يخرج شيء من
الأكوان إلى
الإمكان بنزح
حلّة الكون
إلا به عليه
السلام ، فكل
المكونات
واقفة بباب
خياله طالبة لوصاله
وشاهدة
لجماله ، فهو
عليه السلام
باب الإمكان
إلى الأكوان
وباب الأكوان
إلى الإمكان ،
فهو واقف على
فوّارة النور
والقدر ، عنه
نشأت الأشياء
وإليه تعود
بالكمال وهو
عليه السلام
عبد لله خاضع
له مطيع لأمره
{ لا إله
إلا هو
___________________
1
البحار 26/264 ح 50
2
النجم 18
له
الحمد فى
الأولى
والأخرة وله
الحكم وإليه ترجعون
}1 .
أو
يكون المراد
من الطتنجين
بحر القابل
والمقبول
كلاهما قد
انشعبا عن بحر
الكون وهو
عليه السلام
واقف عليهما
يمكّن القابل
في ثلاثين
يوما حتى
يستأهل
للقبول ثم
يهيؤ المقبول
بالميل إلى
القابل عشرة
أيام فذلك
أربعون ليلة
وإليه
الإشارة في
قوله عز وجل { *
وواعدنا موسى
ثلاثين ليلة
وأتمممناها
بعشر فتم
ميقات ربه
أربعين ليلة }2
ثم يؤلف بينهما
في أربعة أيام
يوم إيلاج
الليل في
النهار ويوم
إيلاج النهار
في الليل ويوم
الغشيان ويوم
الشأن قال
الله تعالى {
وذكرهم بأيام
الله }3
وقال عز وجل {
كل يـوم هو فى
شأن }4 وقد
عرفت حقيقة
ضمير هو فلا
نعيد .
أو
يكون المراد
من الطتنجين
أمر النشأتين
من أحوال
الدنيا
والآخرة
وبينهما هو الرجعة
فلها حكم
البرزخية
لأنها ليست من
الدنيا لصفاء
زمانها
ومكانها
ولطافة أهلها
وبطء حركات
أفلاكها ،
فظهور
الجنتين
المدهامتين فيها
وظهور
الملائكة
والجان
والأشباح
المثالية
والمثل
النورية كلها
فيها ، وسماع
أهلها صرير
الأفلاك
وتسبيح
الأملاك
بأسماعهم
الظاهرية إلى غير
ذلك من
الأحوال التي
لا تكون في
الدنيا وسنشرحها
فيما بعد إن
شاء الله تعالى
، وليست من
الأخرى لطلوع
الشمس
وغروبها
وأحكام
التكاليف
والعبادات
والأعمال
والأفعال وأنحاء
الطاعات
والمجاهدات
والمقاتلة مع
الكفار
وأمثالها من
الأمور
المتعلقة
بالدنيا ، فهي
البرزخ
بينهما وهي
الأولى
والحاكم فيها ونافذ
الأمر
والظاهر
بالأمر ليس
إلا مولانا وسيدنا
أمير
المؤمنين
عليه السلام وأولاده
الطيبين
الطاهرين
عليهم السلام
والسيد
الأكبر صلى الله
عليه وآله
وسلم إلا أن
حكم الرتق
والفتق والقبض
والبسط لأمير
المؤمنين
عليه السلام خاصة
لأنه الظاهر
بالولاية
والحامل
للربوبية
الثانية
المقترنة ،
وأما أولاده
فهم أولاده
وأما السيد
الأكبر فإنه
قد أعطى
اللواء إياه
عليه السلام
فهو عليه
السلام
الواقف الظاهر
بالأمر على
الطتنجين أي
بينهما وإن
كان بأسمائه
وظهوراته إلى
أن يظهر بما
كان يظهر به
عليه السلام .
____________________
1
القصص 70
2 الأعراف 142 3
إبراهيم 5
4
الرحمن 29
أو أن
المراد (( أنا
الواقف على
الطتنجين ))
إني أنا
الواقف القائم
على أحوال
النشأتين ،
الدنيا من
دوران أفلاكها
وإظهار ليلها
ونهارها
وإيلاجهما وغشيانهما
بعضهما الآخر
وإظهار
الكثافات والرذائل
وتغليظ حرارة
النظر
لاختلاط
أجزاء الدنيا
وأركانها
بأهلها بعضها
مع بعض وتعفين
بعضها في بعض
ثم تغليظ
الحرارة
وتشديدها إلى أن
يتطبّخ الغير
الناضج
المستعد
للنضج وتحترق
الأخلاط
الفاسدة
والأعراض
الغريبة
وتصفو البنية
وتذهب
الكدورة ،
والمقوم لأهل
الآخرة بجميع
أحوالهم
بإظهار لواء
الحمد وإعطاء
كل ذي حق حقه
من أنواع
الأهوال
والعرق
والحرارة
الشديدة
والاستظلال
في ظل ظليل
وسقي البعض من
حميم أليم
وغساق وزقوم
وضريع
والآخرين من
حوض الكوثر من
عين الكافور
ومن عين
السلسبيل
ووقوفهم في الكثيب
الأحمر
والرفرف
الأخضر وأرض
الزعفران
ومقام
الأعراف
وإيصالهم إلى
مقام الرضوان
وسيرهم هناك
إلى ما لا
نهاية له ،
وجعل البعض في
الجنة والنار
الأصليتين
الذاتيتين
والآخرين في
الحظائر فهما
على مراتبهما
وأحوالهما ، وهكذا
باقي أحوال
الدنيا
والآخرة كلها
هو روحي فداه
سلطان فيهما
وكل أمورهـما
وأحوالهما
راجعة إليه
ومتـقوّمة به
قالوا عليهم
السلام (( إن
إلينا إياب
هذا الخلق ثم
إن علينا حسابهم
))1 قال ابن
أبي الحديد :
وإليه
في يوم
الميعاد
إيابنا وهو
الملاذ لنا غدا
والمفزع
وقد
أشير إلى هذا
المعنى
بالواو المنكس
في آخر الاسم
الأعظم فإن
الواو واوان
وألف قائم في
الوسط ،
فالأولى
إشارة إلى
الدنيا لأنها
خلقت في ستة
أيام
والثانية
إشارة إلى الأخرى
لأنها كذلك
والألف
القائم
بينهما إشارة
إلى القطب
القائم على كل
نفس بما كسبت
وهذا القطب
ليس هو ذات
الله سبحانه
لمكان الاقتران
والارتباط
فوجب أن يكون
ظهوره بفعله
وذلك الظهور
الفعلي ما
تحقق إلا في
أشرف المخلوقات
وأكرمها
وأعظمها وليس
هو إلا محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
وعلي عليه
السلام
فللأول مقام
الإجمال
وللثاني مقام
التفصيل فصحّ
ما ذكرنا .
________________
1
تفسير فرات 551 ,
البحار 7/202 ح 88
قوله
عليه السلام
أنا الناظر في
المغربين والمشرقين
اعلم
أن الشمس لها
حركتان حركة
على القطب وهذه
الحركة ليست
لها جهة ووضع
و نسبة فما
لها على حالة
واحدة لا
تختلف ولا
تتبدّل ولا تتغير ،
والواقفون
مقام القطب في
الجزئي
والكلي عين
المقام أو المحاذي
ليس لهم
غيبوبة عنها
ولا غروب ولا
أفول وإنما هو
نور موجود وظل
ممدود ، وقطب
الشمس حينئذ
نفس فلك
البروج لا من
حيث البروج بل
من حيث نفس
العرش ،
والحركة
الأخرى هي
الحركة على
المحور وذلك
لأن الشمس
جعلها الله عز
وجل مهبطا
للأنوار
ومخزنا
للأسرار
ومحلا للتجليات
الفاعلية
ومظهرا للعلل
المادية ، فهي
وجهها دائما
إلى مبدئها في
جميع أحوالها
حسب تجلي
المبدأ لها
بها
وافتقارها
إليه واستمداد
غيرها منها ،
ولما كانت
جهات
الاستمداد مختلفة
جهة كينونية
جوهرية أصلية
وجهة تفصيلية
امتيازية
لمقام
الإظهار
مشروح العلل
ومبين الأسباب
، ومقام ظهور
القابليات
والاستعدادات
والسؤلات
والطلبات
وهذه الجهة
على أقسام ، جهة
أصلية إلهية
موافقة للفيض
الإلهي ومقتضى
الظهور الحقي
والقبول
الخلقي ، وجهة
ظلّية مخالفة
لمقتضى الفيض
ومقتضى
الإيجاد
وحقيقة
الانوجاد ،
وجهة مزجية
مشوبة
للجهتين ،
وهذه الجهات كلها
فقيرة
متقوّمة
بالمدد
وسائلة
وطالبة
له ، والشمس
هي مبدأ
الإمداد
بالاستمداد
عن مبدئه
فتكون حركة
الشمس مختلفة
، فإن الحركة
ليست إلا
الاستمداد
والإمداد
وكلاهما في
الشمس
موجودتان ،
واختلاف جهة
الاستمداد
يقتضي اختلاف
الحركات وهي
تقتضي اختلاف
حركات الممد
للإمداد ،
فتكون للشمس
حركتان
لأنهما أول
مبدأ
الاختلاف ،
أحدهما
الحركة لا إلى
جهة وهي
الحركة على
القطب لا إلى
جهة لانتفاء
الجهات في
القطب الذي هو
النقطة ،
والثانية
الحركة إلى
جهة وهي
الحركة على
المحور فتحدث
من الحركات
دوائر فإذا
تحققت الجهة
تحقق الحجاب لأن
الجهة ظلمة
إنيته
وماهيته ،
فصارت كلما كانت
في جهة تحتجب
عن الجهة
الأخرى .
ففي
هذا المقام
لهذه الحركة
تحقق الغروب
والطلوع
والأفول
والغيبوبة
فتحقق المغرب
والمشرق ، إلا
أن هذه الحركة
المستدعية
للمغرب والمشرق
على قسمين ،
حركة أولية
وحركة ثانوية
، والحركة
الأولية على
المحور على
مقتضى القسم
الأول من
أقسام الحركة
على المحور
وهي مقتضى
التضاد
والاثينية
الأولية في
قوله عز وجل {
ومن كل شىء
خلقنا زوجين
لعلكم تذكرون
}1 وقول سيدنا و
مولانا الرضا
عليه السلام ((
لم
يخلق فردا
قائما
________________
1
الذاريات 49
بنفسه
دون غيره للذي
أراد من
الدلالة على
نفسه ))1 بل
خلق كل شيء
وخلق له ضدا
وهو قوله عز
وجل { ومن كل شئ
خلقنا زوجين
لعلكم تذكرون
} ، فينقسم الكون
وأهله في
التقسيم
الأول إلى
الأنوار والظلمات
، وكل الأنوار
متوجهة إلى
المبدء وكل
الظلمات مدبرة
عنه ومعرضة
عنه وهذا هو
الحكم الأول
للموجودات
كلها في
التكوين أو في
التشريع في
الذوات أوفي
الصفات كما
قـال عز وجل {
هو الذى خلقكم
فـمنكم كافر
ومنكم مؤمن }2 ، ولما
كانت الشمس هي
ظهور المبدأ و
مجلى تجليه
كانت الأنوار
والأخيار
كلها متوجة
إليها وناظرة
وحاضرة لديها
والظلمات
مدبرة عنها
غير مقبلة إليها
كالعود وقد
قال عز وجل {
كما بدأكم
تعودون }3 ،
فيكون للشمس
في هذا المقام
مشرق واحد
ومغرب واحد
وهو أول يوم
خلق الله عز
وجل الدنيا
كما قال
مولانا الرضا
عليه السلام (( إن الله
عز وجل خلق
الخلق وكان
طالع الدنيا
سرطان والكواكب
في أشرافها ))
وكانت الشمس
على دائرة نصف
النهار ووقت
صلاة الظهر
أول فريضة
أوجبها الله
عز وجل على
خلقه ، ففي
هذه الحركة في
هذا المقام
أبدا لها مشرق
واحد ومغرب
واحد ولذا كانت
صلاة الظهر
أول فريضة لكل
أهل الآفاق
فافهم ، ففي
هذا المشرق
والمغرب
النهار مقدم
على الليل كما
قال عز وجل {
ولا اليل سابق
________________
1
عيون أخبار
الرضا 1/176 ,
التوحيد 439
2
التغابن 2 3
الأعراف 29
النهار
}1 والظلمة
مؤخرة عن
النور .
والحركة
الثانية هي
حركة المزج
والشوب
والاختلاف
وظهور الخلط
واللطخ
والضعف
والقوة
والخفاء
والظهور ، ففي
هذا المقام
تحركت الشمس
واختلفت
نسبتها وأوضاعها
على الأرضين
لاستدارة
الأرض وكرويتها
فتحققت
الآفاق
المسايلة
واختلف
المشرق والمغرب
لأنهما
تابعان
لدائرة الأفق
وقطب دائرة
الأفق سمت
الرأس من موضع
وقوف الشاخص ،
وهذا السمت
يختلف
باعتبار كل
جزء من أجزاء
الأرض ، وإنما
التفاوت في
الأجزاء
المتقاربة
لما كانت جزئيا
جعلوا
الاختلاف في
المواضع
المحسوسة ، وتفصيل
الأمر على ما
عندنا يطول به
الكلام مع أني
الآن في غاية
الكسالة إلا
أن النظر في كتب
الرياضيين قد
يحصل منه بعض
البصيرة الإجمالية
التقليدية ،
وفي هذه
الآفاق تقدم
الليل على
النهار
والظلمة على
النور والظل
على الحرور
والشتاء على
الربيع
والربيع على
الصيف وزاد
الليل على
النهار
والنهار على
الليل واستوت
نسبتهما ،
فصار الليل
يغشى النهار
والنهار يغشى
الليل ، وبين
الطلوعين
والغروبين
اجتمعت
آثارهما وفي
ذلك آيات
ودلالات لأولي
التبصرة
والأبصار
وتنبيهات
لأولي البصائر
والأقطار { إن
فى خلق
السموات
والأرض واختلاف
اليل والنهار
لأيات لأولى
الألباب * الذين
يذكرون الله
قياما
وقـعودا وعلى
_______________
1
يس 40
جنوبهم
ويتفكرون فى
خلق السموات
والأرض }1 وهذا
مزج وتعفين
لطبخ إكسير
الإجابة في
العوالم الإلهية
فافهم .
فظهر
لك أن الشمس
لها مقامان
أحدهما لا شرق
لها ولا غرب
لا طلوع ولا
أفول وإنما هو
أمر واحد
مستقر ثابت ،
وثانيهما لها
شرق وغرب وفي
هذا المقام
لها مقامان ،
أحدهما
ملاحظتها في
المبدأ
التكويني
والعود
التكويني أي
مقام الوطن
والمنـزل
والأصل
والمسكن وهنا
لها باعـتبار
المتوجهين
إليها مشرق
واحد و مغرب واحد
وهي حينـئذ
دائما في بيت
شرفها ،
فالذين يقابلونها
دائما في
النور
والضياء لا
تطرؤ عليهم
ظلمة الليل
والذين
يعاكسونها
دائما في الظلمة
والظلام كما
تقدم في حديث
سيدنا الرضا عليه
السلام ،
وثانيهما
ملاحظتهما في
تدبير قوسي
النزولي بعد
المبدأ
والصعودي قبل
أن يصل إلى
المبدأ وفي
هذا المقام
يكون اختلاف
المشرق
والمغرب
وإيلاج الليل
في النهار وإيلاج
النهار في
الليل وظهور
الأمر بينهما
كما قال مولانا
أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
لو أن الباطل
خلص لم يخف
على ذي حجى ،
ولو أن الحق
خلص لم يكن
اختلاف ، ولكن
يؤخذ من هذا
ضغث و من هذا
ضغث فيمزجان
فيجيئان معا
فهنالك
استحوذ الشيطان
على
_______________
1
آل عمران 190 - 191
أوليائه
ونجى الذين
سبقت له من
الله الحسنى ))1 فكان
المغرب
مغربين
والمشرق
مشرقين وعلي
أمير
المؤمنين
عليه السلام
هوالناظر
فيهما نظر
التدبير
والقيومية
وإليه عليه
السلام يرجع
أمرهما ، ففي
الأول
بالاستقامة
الأولية وإظهار
هيكل التوحيد
في رتبة مقامه
لأنه عليه
السلام باب
الأحدية في
ظهور الوحدانية
في حجاب
الرحمانية ،
وهيكل التوحيد
هو موافقة
الباب في ذلك
الحجاب
وتنكيس هيكل
الشرك والكفر
والنفاق
والعناد في
رتبة مقامه
لأنه ظهر
البيت وخلاف
الباب
ومعاندة الحجاب
، ولا خلط
لأحدهما في
الآخر بوجه من
الوجوه ولا
لطخ ، فكل
منهما يسير في
أدواره ويسبح
في أفلاكه
فأهل جابلصا
وجابلقا هما
من أهل المشرق
الأول
والمغرب
الأول ولذا
تراهم في كمال
الاستقامة في
دار المقامة
كما روي في
منتخب البصائر
عن الصادق
عليه السلام ((
إن لله عز وجل
مدينتين
مدينة
بالمشرق
ومدينة
بالمغرب فيهما
قوم لا يعرفون
إبليس ولا
يعلمون بخلق
إبليس نلقاهم
في كل حين
فيسألونا عما
يحتاجون إليه
ويسألونا عن
الدعاء
فنعلمهم
ويسألونا عن
قائمنا متى
يظهر وفيهم
عبادة
واجتهاد شديد ولمدينتهم
أبواب ما بين
المصراع إلى
المصراع مائة
فرسخ لهم
تقديس وتمجيد
ودعاء
واجتهاد شديد
لو رأيتموهم
لاحتقرتم
عملكم يصلي
الرجل منهم
شهرا لا يرفع
رأسه من سجدته
طعامهم التسبيح
ولباسهم
الورق
ووجوههم
مشرقة بالنور
إذا رأوا منا
واحدا لحسوه
واجتمعوا
إليه وأخذوا من
أثره من الأرض
يتبرّكون به
لهم دوي إذا
صلّوا كان أشد
من دوي الريح
العاصف منهم
جماعة لم
يضعوا السلاح
منذ كانوا
ينتظرون
قائمنا يدعون
الله عز وجل
أن يريهم إياه
وعمر أحدهم
ألف سنة إذا
رأيتهم رأيت
الخشوع
والاستكانة
وطلب ما
يقربهم إلى
الله عز وجل
إذا احتبسنا
عنهم ظنّوا أن
ذلك من سخط ،
يتعاهدون
أوقاتنا التي
نأتيهم فيها
لا يسأمون ولا
يفترون يتلون كتاب
الله عز وجل
كما علّمناهم
وإن فيما نعلمهم
ما لوتلي على
الناس لكفروا
به ولأنكروه ،
يسألونا عن
الشيء إذا ورد
عليهم من
القرآن لا يعرفونه
فإذا
أخبرناهم به
انشرحت
صدورهم لما يستمعون
منا وسألوا
لنا طول
البقاء وأن لا
يفقدوننا
ويعلمون إن
المنة من الله
عليهم فيما
نعلمهم عظيمة
ولهم خرجة مع
الإمام إذا
قام يسبقون
فيها أصحاب
السلاح
ويدعون الله
عز
___________________
1
المحاسن 218
وجل
أن يجعلهم ممن
ينصر بهم
لدينه فيهم
كهول وشبّان
إذا رأى شاب
منهم الكهل
جلس بين يديه
جلسة العبد لا
يقوم حتى
يأمره ، لهم
طريق هم أعلم
به من الخلق
إلى حيث يريد
الإمام عليه
السلام فإذا
أمرهم الإمام
عليه السلام
بأمر قاموا
عليه أبدا حتى
يكون هو الذي
يأمرهم بغيره
لو أنهم وردوا
على ما بين
المشرق
والمغرب من
الخلق لفنوهم
في ساعة واحدة
لا يختل فيهم
الحديد لهم سيوف
من حديد غير
هذا الحديد
لوضرب أحدهم بسيفه
جبلا لقدّه
حتى يفصله
ويغزو بهم
الإمام عليه
السلام الهند
والديلم
والكرد
والروم وبربر
وفارس وبين
جابرسا إلى
جابلقا وهما
مدينتان
واحدة
بالمشرق
وواحدة
بالمغرب لا
يأتون على أهل
دين إلا دعوهم
إلى الله عز
وجل وإلى
الإسلام
والإقرار
بمحمد صلى
الله عليه وآله
وسلم
والتوحيد
وولايتنا أهل
البيت فمن
أجاب منهم
ودخل في
الإسلام
تركوه
وأمّروا عليه
أميرا منهم
ومن لم يجب
ولم يقر بمحمد
صلى الله عليه
وآله وسلم ولم
يقر بالإسلام
ولم يسلم قتلوه
حتى لا يبقى
بين المشرق
والمغرب وما
دون الجبل أحد
إلا آمن ))1 .
وعن الحسن
بن علي عليه
السلام أنه
قال (( إن لله
مدينتين
إحداهما
بالمشرق
والأخرى بالمغرب
عليهما سوران
من حديد وعلى
كل مدينة ألف
ألف مصراع من
ذهب وفيها
سبعون
ألف ألف لغة
يتكلم كل لغة
بخلاف لغة
صاحبه وأنا
أعرف جميع
اللغات وما
فيهما ، وما
بينهما و ما
عليهما حجّة
غيري وغير
الحسين أخي ))2 .
وعن
أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
إن لله بلدة
خلف المغرب
يقال لها
جابلقا وفي
جابلقا سبعون
ألف أمة ليس
منها أمة إلا
مثل هذه الأمة
فما عصوا الله
طرفة عين فما
يعملون عملا ولا
يقولون قولا
إلا الدعاء
على الأولين
والبراءة منهما
والولاية
لأهل بيت رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم ))3 .
________________
1
البحار 57/332 ح 17
2
البحار 27/41 ح 2
3
البحار 57/329 ح 11
وفي
المشارق عن
الصادق عليه
السلام (( إن
لله مدينتين
أحدهما
بالمغرب
والأخرى بالمشرق
يقال لهما
جابلقا وجابرسا
طول كل مدينة
منهما إثنا
عشر ألف فرسخ
في كل فرسخ
باب يدخلون في
كل يوم من كل
باب سبعون ألفا
ويخرج منها
مثل ذلك ولا
يعودون إلى
يوم القيامة ،
لا يعلمون أن
الله خلق آدم
ولا إبليس ولا
شمس ولا قمر
هم والله أطوع
لنا منكم يأتوننا
بالفاكهة
بغير أوانها
موكّلين بلغة
فرعون وهامان
وقارون ))1 .
وكذلك
العوالم
الخمسة الأخر
كلها من
العالم الأول
الذي بها مشرق
واحد ومغرب
واحد وذلك بعد
قطع الظلمات
كما روى جابر
عن الباقر
عليه السلام
قال (( سألته عن
قول الله عز
وجل {
وكذلك نرى
إبراهيم
ملكوت
السموات والأرض
}2 قال فكنت
مطرقا إلى
الأرض فرفع
يده إلى فوق
ثم قال لي
ارفع رأسك
فرفعت رأسي
فنظرت إلى
السقف قد
انفجر حتى خلص
إلى نور ساطع
حار بصري دونه
، قال : ثم قال
لي رأى
إبراهيم
ملكوت
السموات والأرض
هكذا ، ثم قال
لي : أطرق
فأطرقت ، ثم قال
لي : ارفع رأسك
فرفعت رأسي
فإذا السقف
على حاله ،
قال ثم أخذ
بيدي وقام
وأخرجني من
البيت الذي
كنت فيه
وأدخلني بيتا
آخر فخلع
ثيابه التي
كانت عليه
ولبس ثيابا
غيرها ، ثم قال
لي : غضّ بصرك ،
فغضضت بصري ،
وقال لي :
لا تفتح
عينيك فلبثت
ساعة ، ثم قال
لي : أتدري أين
أنت ، قلت : لا
جعلت فداك ،
فقال لي : أنت
في الظلمة
التي سلكها ذو
القرنين ، فقلت
: جعلت فداك
أتأذن لي أن
أفتح عيني ،
فقال لي : افتح
فإنك لا ترى
شيئا ففتحت
عيني فإذا أنا
في ظلمة لا
أبصر فيها
موضع قدمي ثم
سار قليلا ووقف
، فقال لي : هل
تدري أين أنت
، قلت : لا ، قال
لي : أنت واقف
على عين الحياة
التي شرب منها
الخضر عليه
السلام ،
وخرجنا من ذلك
العالم إلى
عالم آخر
فسلكنا فيه
فرأينا كهيئة
عالمنا في
بنائه
ومساكنه
وأهله ، ثم خرجنا
إلى عالم ثالث
كهيئة الأول
والثاني حتى
وردنا خمسة
عوالم ، قال :
ثم قال عليه
السلام هذه
ملكوت الأرض
ولم يرها
إبراهيم وإنما
رأى ملكوت
السموات وهي
إثنا عشر
عالما كل عالم
كهيئة ما رأيت
كلما مضى منا
إمام
______________
1
البحار 57/336 ح 25 2
الأنعام 75
سكن
أحد هذه
العوالم حتى
يكون آخرهم
القائم عليه
السلام في
عالمنا الذي
نحن ساكنوه ،
قال : ثم قال لي
غض بصرك فغضضت
بصري ، ثم أخذ
بيدي فإذا نحن
في البيت الذي
خرجنا منه
فنزع تلك
الثياب ولبس
الثياب التي
كانت عليه
وعدنا إلى
مجلسنا فقلت
جعلت فداك كم
مضى من النهار
قال عليه
السلام ثلاث
ساعات ))1 .
وهذه
العوالم هي
عوالمهم
وعوالم شيعتهم
المخصوصون
وفي كل عالم
الشمس في
شرفها ولا
اختلاف بين
أهلها في
مقابلتهم الشمس
حتى تختلف
الآفاق
وتختلف
المشارق
والمغارب
فمولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام
هو الناظر في
المغربين أي
المغرب الأول
والثاني والمشرقين
المشرق الأول
والمشرق
الثاني وهو
المتولّي
لأحوالهم
وحركاتهم
وسكناتهم بالله
عز وجل على حد
ما قال عز
_______________
1
البحار 46/279 ح 80
ذكره
{ وتحسبهم
أيقاظا وهم
رقود ونقلبهم
ذات اليمين
وذات الشمال }1
والضمير
المتكلم إما
معظم نفسه أو
معه غيره في
مقام الفعل
والحدوث ، ولا
شك أن العظمة
المتعلّقة
بالفعل
والإحداث لا
تصحّ أن تكون
هي الذات
القديمة
تعالى الله عن
ذلك علوا
كبيرا ، ولا
تتحقق العظمة
إلا في مقام
الربوبية إذ
لا مربوب لا
إذ لامربوب ،
وليس حامل تلك
الربوبية إلا
محمد وعلي
والطيبون من
أولادهما صلى
الله عليهم ،
فإن كان
الضمير للمتكلّم
الذي معه غيره
فليس سواهم
لأن لهم مع
الله حالات
وهم الذين عند
الله عز وجل
في قوله عز
وجل { وله
من فى
السماوات
والأرض ومن
عنده لا يستكبرون
عن عبادته ولا
يستحسرون *
يسبحون اليل
والنهار لا
يفترون }2 قال
مولانا
الصادق عليه
السلام ((
الذين في السموات
هم الملائكة
والذين في
الأرض هم الجن
والإنس فمن
الذين عنده ثم
قال عليه
السلام نحن
الذين عنده )) ،
فعلى كل حال
فالضمير في
نقلّبهم يرجع
إليهم ، أما
الضمير
المنصوب ففي
الباطن وأما
الضمير
المرفوع ففي
باطن الأول أي
باطن الباطن
.
أو
معنى أنه ناظر
أي شاهد عالم
علم إحاطة بكل
ما في
المغربين
والمشرقين
وأحكام
النشأتين فلا
يعزبه عليه
السلام علم
شيء ولا أمر
شيء لأنه عليه
السلام هو المرتضى
من محمد صلى
الله عليه
وآلـه وسلم
حتى علّمه
____________________
1
الكهف 18
2
الأنبياء 19 - 20
الله
غيوب الأشياء
وعلم ما كان
ويكون إلى فـناء
الخلق كما قال
عز وجل { عالم
الغيب فلا
يظهر على غيبه
أحدا *
إلا من ارتضى
من رسول }1 .
أو هو
الشاهد على
الخلق من أهل
المغربين
والمشرقين
كما قال عز
وجل { أفمن كان
على بينة من
ربه ويتلوه
شاهد منه (
إماما ورحمة ) ومن
قبله كتاب
موسى }2
هكذا أنزلت ،
فالذي على
بيّنة من ربه
هو رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم
والشاهد علي
على الخلق
التالي لرسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم هو
أمير المؤمنين
عليه السلام
وهو عليه
السلام إمام
على كل من ذرء
وبرء ورحمة
واسعة وسعت
الخلق كلهم
فمعنى سعتها
إياهم هو
مشاهدية لهم
عليهم السلام
وقـد قـال عز
وجـل {* ما
أشهدتهم خلق
________________
1
الجن 26 - 27
2
هود 17
السماوات
والأرض ولا
خلق أنفسهم
وما كنت متخذ
المضلين عضدا
}1
فأشهد الله عز
وجل الهادين
خلق السموات
والأرض وخلق
أنفسهم كما
قال أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
سلوني عن طرق
السماء فإني
أعلم بها من
طرق الأرض)) ،
في الكافي عن
سماعة قال قال
أبوعبد الله
عليه السلام
في قول الله
عز وجل { فكيف
إذا جئنا من
كل أمة بشهيد
وجئنا بك على
هـؤلاء شهيدا
}2 قال عليه
السلام
(( نزلت في أمة
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم خاصة في
كل قرن منهم
إمام منا شاهد
عليهم ومحمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
شاهد علينا ))3 .
وفيه
عن سليم بن
قـيس الهلالي
عن أمير
المؤمنين
عليه السلام
قال (( إن الله
تبارك وتعالى
طهّرنا
وعصمنا
وجعلنا شهداء
على خلقه وحجته
في أرضه
وجعلنا مع
القرآن وجعل
القرآن معنا
لا نفارقه ولا
يفارقنا ))4 ،
ونشير في ما
بعد إنشاء الله
تعالى إلى
حدود علومهم
عليهم السلام
.
___________________
1
الكهف 51
2 النساء 41 3
الكافي 1//190 ح 1
4
الكافي 1/191 ح 5
أو
يكون المراد
من المغربين
والمشرقين ما
قاله عز وجـل
حكاية { ربنا
أمتنـا
وأحييتنا
اثنتين }1 فكل
موت غروب وكل
حياة طلوع وشروق
، الحياة
الأولى في
الخلق الأول
في عالم الغيب
من أول مبدء
العقل والروح
والنفس فإن
فيها تمام
ظهور عالم
الغيب وبروزه
مشروح العلل
مبين الأسباب
وجريان
التكليف
بالإقرار
بالألوهية
والنبوة
والولاية ،
والموت الأول
في عالم الطبيعة
وهو الكسر
الأول وتمام
الكسر في
المادة .
والحياة
الثانية
الإنسانية
أولها أي أول
الصوغ بعد
الكسر في
المثال وتمام
الحياة
والنشوء في
الجسم ،
والموت
الثاني فناء
هذه الأجسام
وبلاء هذه
الأجساد .
والحياة
الثالثة التي
هي ظهور الحياة
الأولى لا غير
في الآخرة قال
الله عز وجل
ملاحظا
للترتيب
الصوري حيث
نسي الخلق
الحياة الأولية
{ كيف تكفرون
بالله وكنتم
أمواتا فأحياكم
ثم يمـيتكم ثم
يحيـيكم ثم
إليه ترجـعون
}2 هذا العدم
ملاحظة
العالم الأول
والذر الأول ،
فإذا أردت
الحقيقي حيث
أن القرآن لم
يـجر على
الظاهر المحض
فيكون المراد
{ وكنتم
أمواتا } في
عالم الإمكان
حيث كانـوا
صلوحا من غيـر
وجود قال
تعالى
___________________
1
غافر 11
2
البقرة 28
{
أولا يذكر
الإنسان أنا
خلقناه من قبل
ولم يك شيئا }1
وقـال عز وجل {
هل أتى على
الإنـسان حين
من الـدهـر لم
يكن شيـئا
مذكورا }2 ، {
فأحياكم }
يعني في عالم
الوجود
الكوني في
عالم الغيب
ومقام الذرات الأولية
والثانية
والثالثة { ثم
يميتكم } في عالم
الطبيعة { ثم
يحييكم } في
عالم الأجسام
الظاهرية
البشرية { ثم
إليه ترجعون
} في الرجعة
وفي القيامة
إما إلى الجنة
أو إلى النار .
ويكون
المراد من
المغربين
والمشرقين
الحلّين
والعقدين
اللذين لا
يتكون الشيء إلا
بهما في الكلي
والجزئي ، فإن
العقد ظهور وبروز
، والحل خلط
وكسر وموت
وأفول وغروب ،
وكيفية الحل
والعقد
مذكورة في العلم
الطبيعي
الإلهي عند
توليد
المولود الفلسفي
فلا نطول
الكلام
بذكرها هنا .
أويكون
المراد من
المغربين
والمشرقين
ظهور إشراق الشمس
النبوي
والقمر الولوي
صلى الله
عليهما في ((
كنت نبيا وآدم
بين الماء
والطين )) و (( كنت
وليا وآدم بين
الماء والطين
)) ، وغروبهما
وأفولهما
بالنسبة إلى
الناظرين الواقفين
في الآفاق
المائلة
والمنغمسين
في بحر
الكثرات وعدم
مشاهدة
الوحدة
الظاهرة في الآيات
بعد وجود أبي
البشر وظهور
التناسل وبعثة
الأنبياء
المرسلين
وظهور
الملائكة المقربين
، وطلوعهما
وشروقهما
عليها السلام
في القالب البشري
بعدما كانا في
الظل الإلهي
والآن كما كانا
من صلب
عبدالله عليه
السلام وأبي
طالب عليه
السلام
واستشراق
العالم
بنورهما ، ثم
غروب شمسهما
وأفول نورهما
بالنسبة إلى
أهل المكابرة
والمكاثرة
وظهور الباطل
وشيوعه واستيلائه
على الحق
وغشيان الليل
والنهار ،
عجّل الله
ظهورهما
وأزاح الغيوم
والحجب
المانعة عن إشراق
نورهما ولعن
الله
الحاجبين
المعاندين الصادين
عنهما
الساعين
لإطفاء
نورهما ، ويأبى
الله إلا أن
يتم نوره ولو
كره المشركون
ولوكره
الكافرون
فبعد ذلك
تطلع
الشمس من مغربها
وتغلق أبواب
التوبة على
أهل الأرض ومن
أخلد فيها .
_______________
1
مريم 67
2
الإنسان 1
أويكون
المراد منهما
طلوع العقل في
أول
الاستنطاق
وغروبه عند
الأمر
بالإدبار ، وشروقه
إذا بلغ الطفل
الحلم
والقرار
وغروبه إذا
استولت النفس
الأمارة
بالسوء
وتمكنت في أقطار
البدن ، فتحجب
شمس العقل
بحيلولة أرض الشقاوة
وأرض الطبع
وأرض العادات
وأرض الطغيان
وأرض الشهوة
وأرض الممات
وأرض الإلحاد
.
وأما
بيان كيفية
نظر أمير
المؤمنين
عليه السلام في هذه
المراتب من
المشرق
والمغرب فمما
تضيق به
الدفاتر وتكل
عن تحمله
الخواطر
وفيما أشرنا
ولوحنا كفاية
لمن استبصر ولمن
كان له قلب
أوألقى السمع
وهو شهيد .
أويكون
المراد من
المغربين
مغرب الشتاء
ومغرب الصيف
فإنه يختلف
طلوعهما
وغروبهما في
القرب والبعد
فإن في الشتاء
تميل عن سمت
الرأس وفي
الصيف تمر
عليه أو قريبا
منه كما روي
عن أمير
المؤمنين عليه
السلام حيث سأله ابن
الكوّا وقال ((
يا أمير
المؤمنين
وجدت كتاب
الله ينـقض
بعضه بعضا ،
قال عليه
السلام : ثكلتك
أمك يا ابن
الكوا كتاب
الله يصدّق
بعضه بعضا ولا
ينقض بعضه
بعضا فسل عما
بدا لك ، قال :
يا أمير
المؤمنين
سمعته يقول {
فلا أقسم برب المشارق
والمغارب }1
وقال في آية
أخرى { رب
المشرقين ورب
المغربين }2
وقال في آية
أخر { رب
المشرق
والمغرب }3 قال
عليه السلام :
ثكلتك أمك يا
ابن الكوا هذا
المشرق وهذا
المغرب وأما
قوله تعالى {
رب المشرقين
ورب المغربين
} فإن مشرق
الشتاء على
حدة و مشرق
الصيف على حدة
أما تـعرف ذلك
من قرب الشمس
وبعدها ، وأما
قـوله { فلا
أقسم برب
المشارق والمغارب
} فإن لها
ثلاث مائة
وستين برجا
تطلع
_______________
1
المعارج 40 2
الرحمن 17
3
المزمل 9
كل
يوم من برج
وتغيب في آخر
فلا تعود إليه
إلا من قابل ))1 ، وكلامه
روحي فداه
ينطبق بجميع
مراتبه .
أما
الظاهر فهو
الظاهر
المعروف لا يحتاج
إلى بيان أزيد
مما ذكر عليه
السلام نعم فيه
بيان سر القرب
والبعد وسبب
التقطيع إلى
هذه البروج
التي هي
الدرجات وسر
سرها إلى هذه
البروج
وقطعها في هذه
المدة
المعلومة وبيانها
من جهة
المجادلة
بالتي هي أحسن
مذكور في كتب
الرياضيين ،
وأما من جهة
دليل الحكمة
فيحتاج إلى
تطويل في
المقال مع أنه
يظهر إنشاء الله
مما قدمنا في
ذكر خلق
السموات
والأرض وما نذكر
إنشاء الله .
وأما
الباطن فله
مراتب كثيرة
وبيانه عليه
السلام ينطبق
على المراتب
كلها والإشارة
إلى المرتبة
الأولى منها ،
اعلم أن
الوجود أول
مقامه نور
بالأصالة
وظلمة بالعرض
مخلوقة من نفس
النور فلا يخلو
موجود من
الموجودات
منهما ،
فالوجود هو الشمس
حقيقة والنور
شرق ممتد إلى
جهة الغرب إلى
نقطة سقوط
القرص وهي آخر
نهايات ظهور
النور وأول
ظهور الظلمة
فتمتد نقطة
الغرب من أول
السقوط إلى
آخر نهايات
الظلمة وهي
عند المشرق ،
وهذا المجموع
ينقسم إلى
قسمين صيف وهو
عالم الغيب
وشتاء وهو
عالم الشهادة
محل ظهور البرودة
والرطوبة مع
اليبوسة
المقتضية
للانجماد ،
فيختلف
المشرق
والمغرب في كل
عالم من عالمي
الغيب
والشهادة ثم
ينقسم كل
منهما إلى ثلاث
مائة وستين
قسما أخر من
ظهور الأركان
الأربعة
العرشية في
القبضات
العشرة في
الأدوار الثلاثة
في العوالم
الثلاثة ،
فتنقسم هذه
البروج أي
الدرجات إلى
ثلاثين بـرجا
وكل برج شهر أي
مكث الشمس فيه
، فتكون مشارق
باعتبار ظهور الوجود
في هذه الحدود
ومولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام
ناظر إلى هذه
المراتب كلها
بالمعاني
كلها
بالنظرين ، أي
نظر التدبير
أو نظر الشهادة
أو نظر العلم
والإحاطة
والقيومية فعلى
ما فصّلنا في
هذا الشرح .
_______________
1
البحار 10/122 ح 2
وإنما
قدم المغرب
على المشرق مع
أن الأمر في الوجود
بالعكس لأمرين
متضادّين،
أحدهما لكون
المغرب طبع
الرحمة أي
البرودة
والرطوبة
الإضافية هذا
باعتبار
القرب إلى
نقطة السقوط
واعتبار
الجهة والوضع
والطبيعة
ولكونه مقام
الكمال وبلوغ
الوصال ومقام
السفر
ومشاهدة
الغرائب
والعلم يرفع
كل من لم يرفع
بخلاف المشرق
فإنه أول
الظهور قبل النضج
والطبخ وحصول
الجامعية ،
فالمغرب جهة الجامعية
والمشرق جهة
ظهور المبدء
ولذا ترى جنان
الدنيا في جهة
المغرب ونار
الدنيا في جهة
المشرق .
أو
لكونه طبع
الحياة وهو
الحرارة والرطوبة
فإن الشمس إذا
مالت إلى جهة
الغرب مالت عن
الحرارة
واليبوسة إلى
الحرارة
والرطوبة
لكثرة رطوبات
تلك الجهة ،
وهذه الأحوال
وأمثالها
تقتضي
الشرافة
الذاتية المستدعية
للتقدم
الذاتي
الجاري على
التقدم
اللفظي .
وثانيهما
ملاحظة ما
يترتب على
الغروب أي بعد
سقوط القرص من
الظلمة وإيلاج
الليل في
النهار
وغشيان الليل
للنهار واستيلاء
سلطان الظلمة
المستدعي
لتقدم الليل على
النهار فإن
القوس
الصعودي على
خلاف القوس
النزولي ، ففي
النزولي
فكلما كان
أولا كان أشرفا
وكلما كان
آخرا كان
كثيفا بخلاف
الصعودي فإن
الكثيف فيه
مقدم على
الشريف ، فلما
كان هذا
العالم في
القوس
الصعودي
تقدّمت
الظلمة على
النور والليل
على النهار
لينالا
نصيبهما من
الكتاب قال
الله عز وجل {
الحمد لله
الذى خلق
السماوات
والأرض وجعل
الظلمات
والنور }1 فقدم
الظلمة على
النور لسر ما
ذكرنا، فكذلك
الإمام عليه
السلام قدم
المغرب على
المشرق مع أن
المشرق في هذا
النظر يراد به
ما يترتب بعد
ذلك فلا شك
أنه أولى
وأشرف وأحق بالتقديم
، فقدم المغرب
ليحصل
الترتيب
التام في كلامه
روحي فداه
فإنه عليه
السلام أثبت
بقوله عليه
السلام (( أنا
الواقف على
الطتنجين ))
النور
والظلمة على
التفصيل الذي
ذكرناه مجملا
، وأثبت
بالمغربين
والمشرقين
حكم الإيلاج
والغشيان
وتقدم الليل
على النهار ،
لأن في أول
الخلق كان
الوقت وقت
فريضة الظهر
وكان العالم
في كمال
الصفاء
والنورانية ،
ثم تحرك
العالم نازلا
______________
1
الأنعام 1
لإظهار
المستجنات
التي فيه فجاء
الليل ، ثم جعل
الحساب من
مبدء الظلمة
فتقدم الليل
على النهار
وإلا لكان
النهار نصف
الليل ويختل
الأمر من جهات
أخر على عموم
الخلق ، وأما
المنجمون
فجعلوا الحكم
على الواقعي
الأولي إذ
اليوم عندهم
من زوال الشمس
إلى زوال
الشمس ، ولما
كان هذا الترتيب
لا يناسب
الترتيب
الواقعي
الثانوي الذي عليه
مدار الوجود
المزجي
والخلطي جعل
أهل العصمة عن
الله سبحانه
الترتيب
المعروف فجعل
مبدء اليوم
أول الليل إلى
غروب الشمس
لإظهار القوس
الصعودي
وتقدم النفس
الأمارة على
العقل وتقدم
العقل على
الفؤاد وتقدم
الجماد على
النبات وهو
على الحيوان
وهو على
الإنسان وهو
على
المعصومين
سلام الله
عليهم أجمعين
، وقدم عليه
السلام
المغرب لبيان
حكم مزج
الطتنجين بالتلويح
كما يصرح به
عليه السلام
فيما يأتي إنشاء
الله ، وإنما
قال عليه
السلام ((
المغربين ))
وما أتى
بالجمع
للإشارة إلى
أول الجمع ومبدء
المـزج
والتركيب ،
فأشار عليه
السلام بقوله
(( أنا الأمل
والمأمول ))
إلى مقام البساطة
وأشار
بالطتنجين
إلى أجزاء
المركب وأشار
بالمغربين
والمشرقين
إلى أول الخلط
والتركيب
وأول مقام
الحل ، وأما
المشارق
والمغارب
فإنما تحصل
بعد ذلك فافهم
.
قال
عليه الصلاة
والسلام
ورأيت
الله
والفردوس رأي
العين وهو في
البحر السابع يجري
فيه الفلك في
ذخاخيره النجوم
والفلك
والحبك
اعلم
أن في هذا
الكلام
إشارات كثيرة وأسرار
غريبة نشير
إلى بعض
وجوهها
فنـقول ، لما
أشار عليه
السلام إلى
مقام البيان
أي التوحيد
التكويني
التأسيسي
الثـابت له دون
كل ذرات
الوجود
المشار إليه
بقـوله عز وجـل
{ خلق
الإنسان *
علمه
البيان }1 وقد قال
عليه السلام ((
أما البيان
فهو أن تعرف أن
الله واحد ليس
كمثله شيء
فتعبده ولا
تشرك به شيئا ))
وذلك هو مقام
الأعراف
الأصل لكل
معرفة كما قال
عليه السلام ((
نحن الأعراف
الذي لا يعرف
الله
إلا بسبيل
معرفتنا ))2
وهذا هو أعلى
المقامات
وأسنى
الدرجات
الثابتة لهم عليهم
السلام كما
تقدمت
الإشارة
إليها في قوله
عليه السلام ((
وأرسله في
العرب
العرباء )) وبالجملة
لما أشار إليه
بقوله عليه
السلام (( أنا الأمل
والمأمول ))
وأشار إلى
مقام المعاني
بـقوله عليـه
السلام (( أنا
الواقف على
الطتنجين ))
على أحد
التفاسير
المتقدمة
لكونه مقام
المصدر
الواقف بين
مقام الفاعل
ومقام المفعول
فالمصدر
حينئذ له
جهتان وله
ركنان وهما متقوّمان
به تقوم عضد
وركن كما
هوالمذكور في
محله ، وأشار
إلى مقام
الأبواب
بقوله عليه السلام
(( أنا الناظر
في المغربين
والمشرقين )) نظر
التدبير
____________________
1
الرحمن 3 – 4 4
الكافي 1/184 ح 9
والإحاطة
على حد ما قال
عز وجل { وما
كنا عن الخلق
غافلين }1 فهو عليه
السلام باب
الإفاضة
والاستـفاضة
، أراد عليه
السلام أن يشير
إلى مقام
الإمام عـليه
السلام ومقام
حجة الله على
الخلق ومقام {
إنما أنـا بشر
مثلكم }2
فأراد أن يبين
الجهة العليا
من الإحاطة
وشرائط
الإمام
وصفاته
وأحواله
والأمور
اللازمة له
حتى يكون بذلك
رئيسا على كل
الخلق من أهل المشرق
والمغرب بل
الدنيا
والآخرة ، فمن
الشرائط
اللازمة أن
يكون قاطعا
مسافة الأسفار
الأربعة ، أي
يكون عندما
قال الله عز
وجل له أقبل
ممتثلا بقوله
عز وجل غير
ناكل ولا مساهل
ولا واقف حتى
يقطع
المقامات
التحتية
التكوينية
حتى إذا بلغ
حد التمييز
والرشد لم يقف
بالميل إلى
الشهوات
ومتابعة
اللذات بل
يكون سائرا
إلى خالق
البريات
وعاملا بقوله
عز وجل {
ولا يلتفت
منكم أحد
وامضوا حيث
تؤمرون }3 إلى أن
يقطع مسافة
النهاية ووصل
في سيره إلى
ما لا نهاية
له ، فإذا وصل
هذا المقام
فهو نهاية
السفر الأول
الذي هوالسفر
من الخلق إلى
الحق .
فلما
خرق حجاب
الحدود وصل إلى
مقام الشهود
وهو مبدء
السفر الثاني
الذي هو السفر
في الحق بالحق
فهناك يرى
الله برأي العين
وهي العين
التي جعلها
الله سبحانه
في العبد
ليشاهد بها
ظهوره لا ذاته
فإنها هي
المجهول
المطلق
والغيب الذي
لا يدرك ،
ولكن الله عز
وجل لما كان
أزليا انقطع
الممكن عنه
وعن معرفته
وصف نفسه لهم
بهم ، فلما
كان وصفه لا يشبه
وصف
المخلوقين
لأنه ليس
كمثله شيء
فيجب أن
يعطيهم مشعرا
وعينا يدركون
بها ذلك الوصف
خاصة ، فإن
القوى
المدركة لابد
أن تكون بينها
وبين
مدركاتها
مناسبة ليصح
الإدراك ، بل
الإدراك ليس
إلا وقوع
المدرك بفتح
الراء في المدرك
بالكسر أي
ظهور المدرك
له وذلك
الظهور ليس
إلا عين ما
عند المدرك
على المراتب
كلها ، فلا
يصح أن يكون
المدرك
مباينا
للمدرك وإلا لم
يقع الإدراك ،
فوجب أن يكون
بين العين
التي تدرك
ظهور الحق
سبحانه
ومعرفته
والعين التي تدرك
ظهور
المخلوقين
تميّزا كاملا
مطلقا وإلا
لعرف الله
بصفات
المخـلوقين ،
لأن تلك
القوة
محدودة لا
ينطبق فيها
ولا
_______________
1
المؤمنون 17 2
الكهف 110 3
الحجر 65
ينعكس
عنها إلا
محدودا كما
قال مولاي
أمير المؤمنين
عليه السلام ((
إنما تحد
الأدوات
نفسها وتشير
والآلات إلى
نظائرها ))1 فإذا وجب
التمييز وجب
أن لا تكون
تلك القوة محدودة
بالحدود
الخلقية
التمييزية ،
لأن كل محدود
كما ذكرنا لا
يقع فيه إلا
محدود
كالمرآة السوداء
فإن كلما يقع
فيها يكون
أسودا ، ولمّا
كان ظهور الحق
للخلق ليس
ظهور المساوي
للمساوي ولا
السافل
للعالي وإنما
هو ظهور
العالي
للسافل وظهور
العالي للسافل
ليس إلا عين
السافل ، وكان
وصف العالي
لنفسه للسافل
هو ظهوره له
به ، فنفس
العالي
للسافل هو
ظهور العالي
الذي هو نفس
السافل ،
فكانت حقيقة
ذات الخلق هي
عين وصف معرفة
الحق سبحانه للخلق
بالخلق وهو
شهادة الحق
للخلق ولذا قال
عليه السلام ((
من عرف نفسه
فقد عرف ربه ))1 ((
أعرفكم بنفسه
أعرفكم بربه ))2
وفي الإنجيل ((
يا إنسان إعرف
نفسك تعرف ربك
ظاهرك للفناء
وباطنك أنا ))
وأنا ظهور
الذات
بالكلام
المتفرد وهو
قوله تعالى
لموسى { إنى
أنا الله رب
العالمين }3 والظهور
الخاص غير
الظهور
المطلق
والظهور
المطلق غير
الذات ،
فالنفس هي عين
ظهور الله وهي
عين وصف الله
لكن بشرطان لا
تلاحظ معها
أمرا آخر
أوتستشعر بأن
هذا أمرا آخر
يجب عدم النظر
إليه أمرا آخر
أو تستشعر بأن
هذا أمرا آخر
يجب عدم النظر
إليه كما قال عليه
السلام لكميل
(( كشف سبحات
الجلال من غير
إشارة ))
الجلال هو تلك
النفس التي قد
يطلق عليها
روح الله
وكينونة الله
كما في الكافي
في أحاديث
الطينة فيما
خاطب الله
تعالى به آدم ((
يا آدم بروحي
نطقت وبضعف
قوتك تكلفت ما
ليس لك به علم ))
وقال عز وجـل
فيه له (( روحك
من روحي
_________________
1
شرح النهج 20/96 2 روضة
الواعظين 20
3
القصص 30
وطبيعتك
من خلاف
كينونتي ))1 وهذه
الروح وهذه
الكينونة هي
ما وصف الله
سبحانه نفسه
بظهوره له به
، والسبحات
عبارة عن الحدود
والتعلقات
لأنها أنوار
وحجب عن
مشاهدة تلك
العين ، وكشف
السبحات
عبارة عن سلب
الحدود
والحجب عن
وجدانه لا عن
وجوده لأن ذلك
مستحيل ، وهذا
لا يكون إلا
بعدم الإشارة
لأن الإشارة
من الوجدان
والحجب ، فإذا
أزال تلك الحدود
يظهر له
الجبار بصفة
الجلال
ويتجلى له من
نور الجمال
بقدر سم
الإبرة فيفنى
في ذلك النور
عند ملاحظة
ذلك الظهور
فيندك جبل إنيته
ولم يقدر على
الاستمساك
فيقع مغشيا
عليه تحت
العرش ويبقى
في هذا المقام
إلى ما شاء الله،
وهذا نور حادث
قد خلقه الله
بفعله وأمسكه
بظله وجعله
وجها وآية
لتعريفه وتوصيفه
بحيث لا فرق
بينه وبينه في
المعرفة إلا أنه
عبده وخلقه
فتقه ورتقه
بيده عوده
إليه كما كان
بدؤه منه
وإليه
الإشارة بقول
أمير
المؤمنين عليه
السلام
إرشادا
للمسترشدين
في بيانه أنه ((
نور أشرق من
صبح الأزل
فيلوح على
هياكل التوحيد
آثاره )) ، صبح
الأزل هو
الفعل لأنه
أول ظهور شمس
الأزل التي هي
التعبير عن
الذات الظاهرة
بالمقامات
والعلامات ،
وهذا النور إنما
أشرق وحدث عن
الفعل لكنه
حكاية عدم
استقلالية
الفعل وكونه
أثرا للغير
ومستندا إلى
الغير
كالضارب
المشتق من ضرب
المعمول له
والاشتقاق
والمعمولية
دليل الفرعية
مع أنك حين ذكرك
للضارب لا
تذكر الفعل
أبدا وإنما
تذكر الذات
الظاهرة
بالضرب الذي
هو نفس الضرب
فإن حقيقة ذات
ضارب من حيث
هي لا من حيث
ضارب غيب لا
يدرك ولا يوصف
ولا ينعت،
فثبت للمؤمن
الممتحن أن ذلك
النور الذي
هوعين وبصر
يدرك ويعرف
بها الله
سبحانه حادث
لا يقع إلا
على حادث وهو
قوله عليه
السلام ((
انتهى
المخلوق إلى
مثله والجأه
الطلب إلى
شكله الطريق
مسدود والطلب
مردود دليله
آياته و وجوده
إثباته ))
وقوله عليه
السلام (( رجع
من الوصف إلى
الوصف ودام
الملك في
الملك وعمى
القلب عن
الفهم والفهم
عن الإدراك
والإدراك عن
الاستنباط
وهجم له الفحص
عن العجز
والبيان على
الفقد والفقد
على اليأس ))
الحديث ، فمن
زعم أن ذات
الله تنكشف
لأحد
_____________
1
علل الشرائع 10
وأن
الله يتجلى
لعبد بذاته
فقد كذب
وافترى وظل
وغوى تكاد
السموات
يتفطرن منه
وتنشق الأرض وتخر
الجبال هدا ،
لأن الذي
ينكشف له
حقيقة الشيء
لا يكون إلا
عين ذلك
المنكشف أو
أعلى منه تعالى
ربي عن ذلك
علوا
كبيرا ،
فلوكان الحق
عين الخلق
وليس كذلك
لزمه
الاقتران
والاجتماع
والحركة
والسكون
والتركيب
والفقر والحاجة
تعـالى ربي عن
ذلك علوا
كبيرا ، وقد
شرحت تفصيل
الأمر في هذه
المسألة في
تفسيرنا على آية
الكرسي فليس
الخلق إلا
ظهور الحق
وهذا الظهور
إذا نظرت إليه
قبل الاقتران
بالحدود وينبئ
عن الظاهر
بذلك الظهور
ومع الاقتران
لا ينبئ ، فكل
قوة ومدرك فيه
جهة الغير لا
يعرف ولا يرى
به الله عز
وجل ، فالعقل
وما دونه من
المشاعر لا
يعرف بها الله
إنما يعرف
الحق عز وجل
بعين الفؤاد
الذي هو وجه
الله للخلق
بالخلق وهوالنفس،
وفي هذا
المقام تتحد
المقامات .
واياك
واسم
العامرية
إنني
أغار عليها
من فم المتكلم
وهذه
الروية هي
بالله لأن
العبد إنما
عرفه بظهوره
له به في أعلى
مقامات ذاته
وهذا معنى قول
أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
يا من دل على
ذاته بذاته ))1 ويريد
عليه السلام
بالذات هي
الذات
الظاهرة
للخلق لا
الذات البحت
فإن الطريق
إليها مسدود
كما صرح عليه
السلام وهـو ضروري
الدين ،
فالذات
المدلول
عليها هو الذات
الظاهرة وتلك
الذات هي عين
الظهور الذي
للسافل وذلك
الظهور هوعين
السافل فنظر
الحق إلى الخلق
بما ظهر لهم
به ونظر الخلق
إلى الحق بما
ظهر لهم به،
وهو قول
الشاعر:
كلا
ناظر قمرا
ولكن
رأيت بعينها
ورأت بعيني
وقال
أيضا:
أعارته طرفا
رآها به فكان البصير
بها طرفها
فإذا
أردت أن تعرف
ذلك انظر إلى
الصورة التي
في المرآة فإن
المقابل إنما
ظهر لها بها
لا بصورة أخرى
لا بذاته
لاستحالة أن
تكون الصورة
عين المقابل
فتصف الصورة
المقابل بالأوصاف
الموجودة
فيها لا من
حيث هي
________________
1
دعاء الصباح
لمولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام
وإنما
هي من حيث
ظهور المقابل
لها بها فافهم
والا فأسلم
تسلم ، وهذا
معنى قول
الصادق عليه
السلام (( اعرفوا
الله بالله ))1 ، وقوله
عليه السلام ((
إن
الله أجل
وأكرم من أن
يعرف بخلقه بل
العباد
يعرفون بالله
))2 وأمثال ذلك
من الأخبار
المتكثرة ،
قال مولانا
الحسين عليه
السلام في
دعاء عرفة على
ما رواه السيد
في الإقبال ((
يا من
استوى برحمانيته
فصار العرش
غيبا في ذاته
محقت الآثار
بالآثار
ومحوت
الأغيار
بمحيطات
أفلاك الأنوار
))3 فقوله عليه
السلام محقت
الآثار إشارة إلى
ما قال أبوه
الطيب الطاهر
(( جذب الأحدية
لصفة التوحيد
)) فالأحدية
الجاذبة هي
الأثر الذي
يمحق الآثار
والآثار هي
صفة التوحيد
وهي سبحات
الجلال وهي
الوصف الذي
رجع إلى الوصف
الذي هي
الأحدية التي
هي النور
المشرق من صبح
الأزل ، وهذه
الرؤية هي
المرادة في
الأخبار والآيات
وكلام
العلماء
الأخيار من
الفرقة المحقة
دون الصوفية
الأشرار ، وفي
مناجاة سيد الساجدين
عليه السلام ((
ورؤيتك حاجتي
ووصلك منيتي ))4
وقال عز وجـل {
وجوه يومئذ
ناضرة *
إلى ربها }5 كما
قال عز وجـل {
فلما تجلى ربه
للجبل جعله
دكا وخر موسى
_______________
1
التوحيد 285 2
التوحيد 285 3
الإقبال 350
4
في مناجاة
المريدين على
ما رواه في
البحار 94/148 ح 21 (( ولقاؤك
قرة عيني
ووصلك منى
نفسي ))
5
القيامة 22 - 23
صعقا
}1 وإليه أشار
أمير
المؤمنين
عليه السلام
في قـوله (( لم
أعبد ربا لم
أره )) وقال
عليه السلام ((
لم تره العيون
بمشاهدة
العيان ولكن
رأته القلوب
بحقائق
الإيمان ))2 .
والسالك في
السفر الثاني
الذي هو السفر
في الحق بالحق
له مقامات
ومنازل
ومواقف منها ،
مقام التوحيد
ففي هذا المقام
يرى الله
الظاهر له به
وحده بنفي
الصفات
والظهورات
كما قال عليه
السلام (( كمال
التوحيد نفي
الصفات عنه ))3
ففي هذا
المقام لا يرى
الموحد في
نفسه ولا في
غيره ولا رابطة
ولا نسبة ولا
صفة ولا إضافة
ولا حكم ولا
أمر ولا نهي
لأنه واقف في
مقام صرف
الظهور وقد
طلع له الصبح
المستدعي
لإطفاء سرج
الحواس والقوى
والمشاعر كما
قال عليه
السلام (( أطفئ
السراج فقد
طلع الصبح ))
فهذه هي
الرؤية
الحقيقة الممكنة
في حق الممكن
، والراؤون في
هذه الرؤية
مختلفون منهم
من يرون ذلك
الظهور ويشاهدون
ذلك النور
بغير واسطة
أنفسهم التي
هي صرف الظهور
المطلق وهم
أول التعين
وأول المرايا
بالإشراق نور
شمس الأزل
الظاهرة في
صبح الأزل
عليها وأول
الحاكين وأول
الرائين وهم
الحجب الأولى
الشاهدون من
غير حجاب وهم
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم وآله
عليهم السلام
ولهم مقامات
فيه ولذا قال
النبي صلى
الله عليه وآله
وسلم (( يـا علي
ما عرف الله
إلا أنا وأنت
و لا عرفني
إلا الله وأنت
و لا
______________
1
الأعراف 143 2
البحار 4/32 ح 8
3
البحار 4/284 ح 17
عرفك
إلا الله وأنا
))1 ولقد
تجلى الله عز
وجل فيهم بما
لا يسعه ممكن من
الممكنات ولا
يطيق أحد له
ولا يقابله
سواهم إلا وقد
احترق ، وهم
الحجاب
الأعلى
والمثل الأعلى
والكلمة
العليا و نور
الله في الورى
وهذه الرؤية
هي رؤية أمير
المؤمنين
عليه السلام
وهي المرادة
في قوله عليه
السلام (( رأيت
الله )) وقوله
عليه السلام ((
ما رأيت شيئا
إلا ورأيت
الله قبله أو
معه )) .
ومنهم من
يرون ذلك
الظهور
بواسطة مرآة
أخرى لأنهم ما
قابلوا إلا
تلك المرآة
المنطبع فيها
ظهور المقابل
فحكت المرآة
الأخيرة ذلك
الظهور
والمرآة
بجميعها فلا
يمكنهم
الظهور
والحاصل
للأولين أبدا
لكون رتبتهم
تحت ذلك وهذا
المقام منازل
الكروبيين
الذين تجلى
الله لموسى
بهم وهم قوم
من شيعة آل
محمد عليهم
السلام جعلهم
الله خلف العرش
ولو قسم نور
واحد منهم على
أهل الأرض
لكفاهم ولما
سأل موسى ربه
ما سأل أمر
رجلا منهم فتجلى
له بقدر سم
الإبرة فدك
الجبل فخرّ
موسى صعقا على
ما رواه عن
الصادق عليه
السلام في بصائر
الدرجات
لمحمد بن
الحسن
الصفار،
فتوحيد هؤلاء
شرك بالنسبة
إلى توحيد
الأولين ،
وكمال وتوحيد
وإسلام
بالنسبة إلى
رتبة مقامهم ،
كما أن توحيد
الأولين
بالنسبة إلى
ذات الله عز
وجل كفر وشرك
لكن ذلك عين
توحيد ما ظهر
لهم وذلك
مقدار العين
الموجودة
المودعة
________________
1
تأويل الآيات
145
عندهم
{ أنزل من
السماء ماء
فسالت أودية
بقدرها }1 أي
أنزل من سماء
التجلي ماء
التجلي فسالت
أودية
القوابل
بقدرها فصارت
كل واحدة تخبر
عن الماء أي
ماء الظهور لا
ذات البحت
تعالى وتقدس
بقدر ما فيها .
ومنهم
من في الرتبة
الثالثة
فيرون ذلك
الظهور
بواسطتين
وهكذا تتكثر
المرايا والصور
والوجوه حتى
تضعف الرؤية
لضعف العين المدركة
إلى أن تزعم
وترى أن لله
زبانيتين
وهكذا سائر
المراتب
والموجودات
في جميع
أنحائها يرون
الحق
ويشاهدونه إلا
أنهم في
مقامهم على ما
بينتم لك
فتفهم .
ومنها
مقام الأسماء
والصفات
وجهات الروابط
والتعلقات
وله فيه
مقامات
ومواقف يسير
فيها ، منها
مقام الأسماء
القدسية
التنزيهية
كالقدوس
والسبحان
والعزيز
والعلي وأمثال
ذلك ، فيسير
في هذا المقام
إلى الفناء
والاضمحلال
وعدم مشاهدة
ذاته وفناء
الأشياء
واستهلاكها
وظهور كل شيء
هالك إلا وجهه
، وفي هذا المقام
أغلب مقامات
الأدعية
والمناجاة
كقول سيد
الشهداء روحي
له الفداء ((
أيكون لغيرك
من الظهور ما
ليس لك حتى
يكون هو
المظهر لك متى
غبت حتى تحتاج
إلى دليل يدل
عليك و متى
بعدت حتى تكون
الآثار هي
التي توصل
إليك عميت عين
لا تراك ولا
تزال عليها
رقيـبا وخسرت
صفقة عبد لم
تجعل له من
حبك نصيبا ))
إلى أن يقول
عليه
______________
1
الرعد 17
السلام
(( تعرّفت
إلي في كل شيء
فرأيتك ظاهرا في
كل شيء ))1 ، وقول
مولانا علي
ابن الحسين
عليه السلام ((
وأن كل معبود
مما دون عرشك
إلى قرار أرضك
السابعة
السفلى باطل
مضمحل ما خلا
وجهك ))2 وأمثال
ذلك من
الأدعية
والكلمات
والإشارات
والعبارات .
ومنها
مقام أسماء
الإضافة
كالعالم والسميع
والبصير والقادر
والقيوم
وأمثال ذلك ،
ومنها مقام أسماء
الأفعال
كالخالق
والرازق
والمحيي والمميت
وأمثال ذلك ،
وله في هذه
المقامات سير
وسفر وسلوك
يطول الكلام
بذكر الأحوال
المقتضية .
ومنها
مقام العظمة
والجلال
والكبرياء
والبهاء
والنور
والجمال
والرحمة
والقدرة
والإرادة
والمحبة
وأمثال ذلك
وهذا السير يحصل
له إذا بلغ
رتبة المعاني
فتظهر فيه هذه
المعاني بل هو
في تلك الحالة
عينها على
مقتضى حالها
من الكلية
والجزئية ،
فالعظمة
عظمتان وكذلك
الجلال
والجمال
وغيرهما كما
في الدعاء (( اللهم
إني أسألك من
بهائك بأبهاه
وكل بهائك بهي
اللهم إني
أسألك ببهائك
كله ))3 فالعظمة
الكلية كما
أشار إليها
الله عز وجل
وهو العلي العظيم
، وأما
الجزئية فنور
تلك العظمة
السارية في كل
أقطار الوجود
فكل موجود من
الموجودات له
مقام يحكي
عظمة الله
ومقام يحكي
جلال الله وجماله
وكبرياءه
وهذه الحكاية
هي عين وجه
ذلك الكلي ،
فإذا سافر يصل
في مقام سيره
إلى هذا
المقام وهذا
المقام أول
منزل السفر الثاني
ومبدؤه .
ثم
يسير منه إلى
مقام الأسماء
أول مراتبها
أسماء
الأفعال،
وثاني
مراتبها
أسماء الإضافة
، وثالث
مراتبها
أسماء القدس
وهي آخر منزل
الأسماء .
ثم
يسير منه إلى
مقام التوحيد
ومحل التفريد
وموضع
التجريد وله
فيه مقامات
كثيرة وهو
نهايات السفر
الثاني وهو
المنزل
المقصود لذاته
ونحن عكسنا
الترتيب في
البيان
ملاحظا لمقام
النزول
الأشرف
فالأشرف ،
وأما الصعود فبعكس
النزول فهو من
الأدنى إلى
الأعلى فافهم
إنشاء الله .
_______________
1
دعاء عرفة
لمولانا
الحسين عليه
السلام : الإقبال
350
2
مصباح
المتهجد 220 3 دعاء
البهاء
وللسالكين
الواصلين إلى
هذه المقامات
مراتب ودرجات
ومشاهدات حسب
ما بيناه في
مقام التوحيد،
أعظم
المشاهدين
وأشرف
الواصلين في
أعلى مقامات
هذه المقامات
هوسيدنا
ومولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام
مع أخيه
وزوجته
وأبنائه سلام
الله عليهم
أجمعين إلى
يوم الدين ،
وليس قولي
أشرف
الواصلين
بأفعل
التفضيل حتى
يتوهّم شركة
الغير معه
عليه السلام
في هذا الوصول
وإنما هو كما
قال عز وجل {
أحسن
الخالقين }1 {
خير الرازقين
}2 وإلا فليس
معهم في صقعهم
أحد كما قال
مولانا
الصادق عليه
السلام (( وليس
في مثل الذي
خلقنا منه
لأحد نصيب ))
فعلي عليه
السلام أمير
المؤمنين هو
شاهد الأسماء
والواقف عليها
والصاعد إلى
درجاتها
ومقاماتها ،
ولما كانت
الأسماء كلها
مستقهرة تحت
هيمنة اسم
الله عز وجل
فالله هو اسم
جامع
لكل الأسماء
والإضافات
والصفات فخص
عليه السلام
ذلك الاسم
المبارك فقال
عليه السلام ((
رأيت الله ))
فإن الألوهية
الظاهرة في
محمد الظاهرة
في علي عليهما
السلام هي
الألوهية
المطلقة المشتقة
من اسم الله
أو اسم الله
مشتق منها وقائم
بها قيام تحقق
لا قيام صدور
كقيام الضارب
بالضرب هي
أعلى مقامات
الألوهية
وليست لها رتبة
في الوجود
أعظم منها
وهذه الرؤية
هي الرؤية في
مقام الأسماء
لا في مقام
المسمى وهي
دون رؤية
التوحيد الذي
فصلت لك سابقا
، فمعنى (( إني رأيت
الله )) كقولك
إني رأيت
قائما فإن
القائم ليس هو
عين زيد وإنما
هو ظهور زيد
بالقيام ،
وهذا الظهور
قـائم بالفعل
الذي هو نفس الظهور
لـقول مولانا
الصادق عليه
السلام (( خلق
الله
المشيـئـة
_______________
1
المؤمنون 14 2
الجمعة 11
بنفسها
))1 فإذا قلت
رأيت القائم
لا يدل على
أنك رأيت ذات
الشخص فإن
رتبة الذات
غير رتبة الظهور
وبينهما من
النسبة وإن
كانت لا نسبة
من الثريا إلى
الثرى
وأستغفر الله
عن التحديد بالقليل
بل نسبة
الوجود إلى
العدم فإن
الظهور عدم
بحت عند الذات
فلا استلزام
بينهما أبدا فضلا
عن العينية ،
فلا يستلزم
إثبات الحكم
للظهور
إثباته لكنه
الذات بوجه من
الوجوه أبدا ،
وكذلك الكلام
في قولك إني
رأيت زيدا فإن
زيدا ليس اسما
للذات البحت
المجردة عن كل
الشئون
والإضافات
وإنما هو اسم
للذات
الظاهرة بالاسم
وهو المسمى
فمقام المسمى
مقام الأسماء
ومقام الذات
فوق ذلك كله
لأن الاسم غير
الذات لقول
أمير
المؤمنين ((
كمال التوحيد
نفي الصفات
عنه لشهادة كل
_________________
1
التوحيد 147
صفة
على أنها غير
الموصوف
وشهادة
الموصوف على
أنـه غير
الصفـة ))1 ((
وشهادة كل صفة
وموصوف بالاقتران
وشهادة
الاقتران
بالحدث
وشهادة الحدث
بالامتناع من
الأزل
الممتنع من
الحدث ))2 فإذا
كان الأمر كذلك
فلا يكون
المسمى في
مقام الذات
لحدوثه عند
الاسم أي
الصفة فلا
يـؤثر في
الذات ، فالاسم
إنما وقع على
الظهور لا
الذات فلا يدل
قولك رأيت
زيدا إني رأيت
ذات زيد لأن
ذات زيد لا مجال
للاسم فيها
ولا الرسم
وهذه الألفاظ
والتوجهات
والتعبيرات
إنما تقع في
مقام الظهورات
فيكون زيد
الظاهر
بالاسم غير
الذات البحت
وهو الذي
يتوجه عليه
الأحكام وتقع
عليه اللغات
وتدور عليه
الصفات ،
وكذلك الاسم
الكريم
العظيم الله
فإنه في مقام
الظهور بالألوهية
المطلقة ومحل
هذا الظهور
وحامله هو أمير
المؤمنين
عليه السلام
فهو عليه
السلام بمنـزلة
الحديدة
والألوهية
كالنار
الظاهرة فيها وآثار
الألوهية ما
ظهرت في الكون
الإمكاني إلا
به عليه
السلام وهو
قوله عليه
السلام (( بنا عرف
الله وبنا عبد
الله ))3 وهاتان
الكلمتان جامعتان
لكل ظهورات
الألوهية
وشئونات
آثارها .
فقوله
عليه السلام ((
رأيت الله رأي
العين )) إشارة
إلى أسرار
كثيرة يسكن
عندها العارف
ويضطرب لديها
الجاهل بعظمة
الله وظهورها في
أوليائه لأن
الاسم المقدس
الله إذا حذفت
عنه الروابط
والإضافات
التي هي
الحروف اللفظية
الدالة على
الحروف
والجهات
المعنوية لما
ثبت بالدليل
القطعي أن بين
الاسم والمسمى
مناسبة ذاتية
مع ظهورها في
هذا الاسم الكريم
فإذا حذفت عنه
الألف
واللامين
تبقى الهاء
التي هي من
حروف ليلة
القدر المشار
بها إلى تثبيت
الثابت المحض
، فإذا أشبعت
تولد منها الواو
للإشارة إلى
مقام الهوية
الجامعة للألوهية
فكانت الهوية
موصوفة
للألوهية لا
العكس ولذا
قال عز
_______________
1
الإخلاص 1 2
البقرة 255
وجل
{ قل هو الله
أحد }1 بتقديم
هو على الله ،
فالهوية لا شك
أنها مقدمة
على الألوهية
تقدم الذات
على الصفة
وقولي الذات
لم أرد به
الذات البحت
القديمة جل
شأنها بل
المراد بها
الهوية التي
فيها شوب لذكر
الأسماء وإن
كان بالإجمال ،
وهذه الهوية
إذا نظرنا
الظاهر فيها
اشتق منها لفظ
هو ، وإن كان
الأمر بالعكس
كما اشتق الله
من الألوهية
أي اشتقاق
الظهور أو
التحقق وإن
كان الهوية
مشتقة منه
اشتقاق
الصدور وهذا
الهو لذا
التفت إلى
مقام ظهوراته
اشتق منه العلي
العظيم قال عز
وجل { وهو
العلى العظيم
}2 كما ذكر غير
مرة، فعلي هو
هو وهو له
هيمنة على الاسم
الله وأعظم
عنه فهو محيط
به ومهيمن عليه
وحاضر لديه
رأي العين
حضور ألف لدى
النقطة وحضور
الرياح لدى
الرحمة وحضور
الكرسي لدى
العرش، فأشار
الحق سبحانه
إلى المقام الأول
الذي ذكرنا من
كون علي عليه
السلام هو حامل
ظهور الله
بالألوهية
ببينات لفظ
الله فإن
البينات
حاملة لآثار
الزبر
وتفاصيل
واسما لها
فأشار ببينات
الألف إلى علي
عليه السلام إشارة
إلى أنه روحي
فداه و عليه
السلام حامل
لهذا الاسم و
منه يظهر
آثاره وهو
ظهور هذا الاسم
فأشار ببينات
اللامين
والهاء إلى
محمد صلى
الله عليه
وآله وسلم إشارة
إلى أن
الألوهية ما
ظهرت وما
تحققت آثارها
وما تكثرت
شئونها إلا
فيهما عليهما
السلام ، وقدم
اسم علي عليه
السلام لأنه
كان عليه السلام
يطوف حول جلال
القدرة و
نبينا محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم يطوف حول
جلال العظمة
مع أن الطائف
حول جلال القدرة
هو محمد صلى
الله عليه
وآله وسلم
تنبيها لقوله
صلى الله عليه
وآله وسلم لعلي
عليه السلام ((
أعطيت لواء
الحمد وعلي حامله
وأعطيت الحوض
وعلي ساقيه
وأعطيت الجنة
والنار وعلي
عليه
_________________
1
الإخلاص 1 2
البقرة 255
السلام
قسيمهما ))1 ولولا
خوفي أن
يقولوا جنّ
وارتد لبينت
في هذا المقام
أمورا عجيبة
تدهش لها
النفوس وتذهل
لديها العقول
.
وأما
غيره عليه
السلام من
التابعين فلهم
في مقام
مشاهدة
الأسماء
طبقات ودرجات
و مقامات على
حسب حالهم
يطول بذكرها
الكلام ،
والإشارة
إليها ربما
تقتضي إلى ما
لا يحسن والله
المستعان
وعليه
التكلان .
فإذا
وصل المؤمن
الموحد في
سيره إلى هذه
المقامات
رجوعا ليكون
الوصول ثلاث
مرات ، مرة من
حيث لا يشعر
في مقام
التكوين
الأولي
النزولي ،
ومرة عند
الصعود
والبلوغ فإن
الرجل لم يبلغ
مقام التوحيد
الحقيقي إلا
بعد خرق حجاب
الأسماء ، و
مرة عند
النزول بعين
الله وحفظه
لإتمام
الناقصين
وإعانة
الضعفاء
والمساكين
وجبر كسر
المنكسرين
وإلقاء
الإكسير على
الأجساد البالية
والفلزات
الناقصة ،
وهذا النزول
الثاني هوالسفر
الثالث وهو
السفر من الحق
إلى الخلق بعد
إكمال السير
في منازل
السفر الثاني
ومقاماتـه
ودرجاتـه ،
وفي هذا
المقام مقام
أشهده الله
خلق نفسه في
الجزئي
______________
1
لم نقف على
هذه الرواية
بعينها وإنما
وقفنا على ما
يقرب منها وهي
ما رواه في
الفضائل قال :
قال رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم ((
أعطيت ثلاثا
وعلي مشاركي
فيها , وأعطي
علي ثلاثة
ولما شاركه
فيها , فقيل : يا
رسول الله وما
الثلاث التي
شاركك فيها
علي عليه
السلام , فقال :
لواء الحمد لي
وعلي حامله ,
والكوثر لي
وعلي ساقيه ,
والجنة لي
وعلي قاسمها ,
وأما الثلاث
التي أعطيت
عليا ولما
شاركه فيها
فإنه أعطي
رسول الله
صهرا ولماعط
مثله , وأعطي
زوجته فاطمة
الزهراء ولما
عط مثلها ,
وأعطي ولديه
الحسن
والحسين ولما
عط مثلهما )) .
وخلق
السموات
والأرض في
الكلي قال عز
وجل { * ما
أشهدتهم خلق
السموات
والأرض ولا
خلق أنفسهم }1
فكما أن الله
تفضل عليه
وعرف نفسه
ومقامات
توحيده
وأسمائه
وصفاته ،
وكذلك يتفضل
عليه فيعرفه
حقائق خلقه
ويريه ملكوت
السموات والأرض
فإنه ذو منّ
بعباده
ومتفضل على
خلقه لا يخيب
من انقطع إليه
ونزل بساحته .
والخلق
لا يخلو من
قسمين أحدهما
مقصود لذاته
وهو الجنة
ومراتبها
ودرجاتها
وأهاليها
وسكانها
وخدامها
وولدانها ،
وثانيهما مقصود
بالعرض وهو
النار
ودركاتها
ومقاماتها وخزنتها
وسكانها
وأهاليها
وحيّاتها
وعقاربها ، إذ
لا يجوز أن
يكون الثاني
مقصودا بالذات
أو يكون
متساويا مع
الأول في تعلق
________________
1
الكهف 51
القصد
وهو ظاهر قال
عز وجل (( سبقت
رحمتي غضبي ))1 ولما كان
المؤمن سيره
من الأعلى إلى
الأسفل في
السفر الثالث
لا العكس كان
مروره
ومشاهدته للأعلى
أولا ، فأول
ما يريه الله
سبحانه الجنة
ومراتبها
ومقامتها
فيراها
بتوفيق الله
عز وجل رأي العين
، ويرى مقامه
ومرتبته
ومقامات أهل
الجنة
ومراتبهم
فيها ومقامهم
في طبقاتها
وسائر أحوالها
وكذلك النار ،
إلا أن هذه
الروية رؤيتان
أحدهما
بالإحاطة
والعلية
والثانية بالمشاهدة
والعيان على
حسب مقامه ،
فالرؤية الأولى
هي رؤية أمير
المؤمنين
عليه السلام
والأحد عشر
المعصومين
وفاطمة
الصديقة
الطاهرة وراثة
عن رؤية السيد
الأكبر صلى
الله عليه
وآله وسلم وهي
رؤية إحاطة
لأن الجنة
والفردوس
عنهم حدثت
ومنهم نشأت
وإليهم
انتسبت وبهم
تأصلت وتحققت
وبنورهم
استنارت
وبوجودهم
استقامت واستدامت
، فالجنة لهم
عطية من الله
سبحانه لهم
وهدية إليهم
وهي بستانهم
يسكنون فيها
من شاؤوا وأرادوا
من شيعتهم
المخلصين لهم
والمنتحلين
لمحبتهم
ومودتهم
والواردين
حوض ولايتهم
والصافين في
ولائهم
والساعين
لإعلاء
كلمتهم والمتمسكين
بحبلهم
والآخذين
عنهم
والمعتصمين بحججهم
وبراهينهم
عليهم السلام
فقد أحاطوا
عليهم السلام
بها علما وهي
بما فيها
حاضرة لديهم
حضور النور
للمنير
والأثر عند
المؤثر ،
وكذلك الجنان
الخاصة بهم
عليهم السلام
من الفيوضات والإمدادات
الواردة
عليهم من بحر
القدر الأول
من أنحاء
الترقيات في
مرتبهم
الذاتية التي لا
يصل إليها أحد
من الخلق ،
فإنهم عليهم
السلام أحاطوا
بها إحاطة
الشيء أطوار
نفسه وشئونات ذاته
وتنعمات قلبه
وهو المراد من
قوله عليه السلام
(( رأيت الله
والفردوس رأي
العين )) فإن المراد
بالفردوس
مطلق الجنان
لا الجنة
الأولى على ما
قيل في أسماء
الجنان أن
الأولى جنة
الفردوس
والثانية جنة
العالية
والثالثة جنة
النعيم
والرابعة جنة
عدن وهي التي
لا حظيرة لها
والخامسة جنة
المقام
والسادسة جنة
الخلد
والسابعة جنة
المأوى
والثامنة جنة
دار السلام .
والفردوس في
اللغة بمعنى
البستان كالجنة
بعينها فيطلق
عليها الفردوس
كما يطلق
عليها الجنة
إلا أن الجنة
أشهر إطلاقاتها،
ولكن لا يذهب
_______________
1
البحار 12/366 ح 25
عليك
أن مقام الله
والفردوس في
الرؤية واحد لأن
ذلك باطل فإن
العين التي
يرى بها الله
عز وجل يجب أن
يكون ليس
كمثله شيء إذ
لوكان لها مثل
فقد أدركت
الحق بالمثل
لأن الصفة لا
تخالف
موصوفها
تعالى ربي عن ذلك
علوا كبيرا ،
وكذلك العين
التي يدرك بها
الله في مقام
الاسم الأعظم
فإن ذلك مقام
الإحاطة
والقيومية
العامة
الشاملة
للفردوس والجحيم
، والفردوس
أحد ظهورات
آثاره وهو
أعلاها ، ولكن
العين التي
يرى بها
الفردوس تحت
تلك العين ،
ولكن لما كانت
تلك العين
أيضا إلهية لأن
الفردوس بيت
رضاء الله
سبحانه فما
ينسب إليه
منسوب إلى
الله عز وجل
سبحانه مع أن
الواقف في هذا
المقام يكون
الله عينه
وسمعه ويده
جمع عليه
السلام
الرؤيتين في
صقع واحد وذلك
لشدة الاتصال
في الظهور ،
فإن ظهور
كرامة الله
ومواهب الله
وعظم قدرة
الله وجميل
صنع الله
وتمام نور
الله وكمال
رضوان الله
ومنتهى امتنان
الله وغير ذلك
كله في الجنة
والفردوس وهو
حقيقة جامعة
لكل الظهورات
الغير
المتناهية ،
وهو الثناء
البالغ مجمع
كل الكمالات و
معدن كل
الخيرات وهو
أول ما اشتق
من الاسم المقدس
الله فهو
لكمال الماسة
وشدة حكاية
الظهورات
الإلهية أدخل
في تلك الجهة
وحوسب من ذلك
الصقع كم قال
عليه السلام
في النفس
الملكوتية الإلهية
أنها (( هي ذات
الله العليا
وشجرة طوبى وسدرة
المنتهى وجنة
المأوى ))
فجـعل الجنة
هي ذات الله
العليـا كما
قال { ونفخت
فيه من روحى }1
فلهذا صح هذا
الجمع وهذا
الكلام يجري
مجرى الظاهر .
وأما
في الحقيقة
فاعلم أن
الفردوس إشارة
إلى مثل نور
الله جلّ
جلاله في قوله
عز وجل { مثل
نوره كمشكاة
فيها مصباح
المصباح فى زجاجة
الزجاجة
كأنها كوكب
درى يوقد من
شجرة مباركة
زيتونة لا شرقية
ولا غربية
يكاد زيتها
يضئ ولو لم
تمسسه نار نور
على نور يهدى
الله لنوره من
________________
1
الحجر 29
يشاء
ويضرب الله
الأمثال
للناس والله
بكل شئ عليم }1
وليس لله عز
وجل نور خارج
عن الجنة ،
فإن الجنة
ليست إلا جهة
الله
والإقبال
إليه في التكوين
والتشريع إلا
أن لهذا
الإقبال
مراتب كثيرة
لا تتناهى في
مقامات
الوجود
المقيد وكذا
وجوه تعلقات الوجود
المطلق
كالسراج
الجامع
بمرتبة النار الغائبة
الظاهرة فيه ،
ومسّها مثال
الوجود المقيد
، والنار
الظاهرة مثال
الوجود
المطلق فتكون
الجنة هي نور
السموات
والأرض وقد
قال الله عز
وجل { * الله نور
السماوات
والأرض }2 وهو
الألوهية الظاهرة
في الجنة
المقومة لها
بنفسها
والنار بنفسها
إلا أن النفس
الأولى هي
الجهة العليا والنفس
الثانية هي
الجهة السفلى
وهي القيومية
الظاهرة في
الوجود
المقيد ، وذلك
النور هو نور
الأنوار الذي
نورت منه الأنوار
، فيكون الاسم
الكريم الله
هو المقامات التي
لا تعطيل لها
في كل مكان
والفردوس
حامل تلك
المقامات و
مظهر تلك
الآيات فافهم
التلويح إذ في
التصريح
يرتاب فيه
الجاهلون
ويسلك سبيل
الإنكار
المعاندون .
فعلى
هذا ظهر
المراد من
قوله عليه السلام
(( رأيت الله
والفردوس رأي
العين )) فإن
الفردوس محل
لذلك الظهور
ومقر لذلك
النور كما
تقول ضربت
ضربا فهو ضارب
وذاك مضروب ،
فالله هو اسم
الفاعل والفردوس
هو المصدر
المفعول
المطلق ،
والفردوس
المنقسم إلى
الثمانية هو
المفعول به ،
فإن جعلت
الفردوس هي
الولاية
الظاهرة
المحيطة بالوجه
الأعلى لكل
ذرات
الكائنات في
وجهها الأعلى
كما قال عليه
السلام لمن
قال (( اللهم أدخلني
الجنة، لا تقل
هكذا أنتم في
الجنة قل اللهم
لا تخرجني
منها )) وهذه
الجنة هي
الولاية مظهر
الاسم الرحيم
على مراتبها
في النعيم
المشار إليه
في قوله عز
وجل
________________
1 ، 2
النور 35
{ ثم
لتسئلن يومئذ
عن النعيم }1 ، فيكون
الفردوس محلا
للاسم
المبارك الله
في الوجه
الأعلى الذي
أشار إليه
مولانا
وسيدنا الصادق
عليه السلام
في تفسير الله
(( لألف آلاء
الله على خلقه
من النعيم
بولايتنا
واللام إلزام
خلقه ولايتنا
والهاء هو ان
لمن خالف
محمدا وآل
محمد ))2 وهذه
الألوهية هي التي
محلها
ومصدرها
ومظهرها
الجنة العامة
لكل الخلق من
التابعين
وتابعي
التابعين
والخلق
أجمعين ،
والله مشتق من
الألوهية أو
قائم بها قيام
تحقق على ما
فصلت سابقا .
فعلى
هذا يكون
المراد
بالرؤيتين في قوله
تعالى (( رأيت
الله
والفردوس رأي
العين )) هي رؤية
الإحاطة وإن
كانت العينان
تختلفان ،
وقولي هذا
مسامحة
ومداراة وإلا
فعين واحدة
لها جهتان
عليا وسفلى
وعلي أمير
المؤمنين
عليه السلام
محيط بهذه
العين و
مدركاتها
ولما صح عندنا
أن العلم عين
المعلوم
والإدراك عين
المدرك كانت
هذه العين
الرائية
عرضية لا
ذاتية له عليه
السلام وتلك
العين هي عين
الجنة والفردوس
، والله هو
الظاهر
بالألوهية
الظاهرة في
الفردوس
المذكور ،
وهذا الاسم
الفاعل حقيقة
هو الذي يعمل
فيه الفعل
وكذلك
المفعول المطلق
والمفعول به
الذي هو عبارة
عن الجنة
وأبوابها و
موارد
انقسامها
فافهم إنشاء
الله .
وهذه
الجنة
الحاملة لتلك
الألوهية المفسرة
في كلام
الإمام عليه
السلام
بالولاية
المنبسطة على
كل أعيان
الممكنات
والمكونات
لها مراتب
كثيرة في
السلسة
الطولية
والعرضية وكل
مرتبة على
التفصيل الذي
ذكرت من تقوم اسم
الفاعل
بالفعل لكونه
معمولا له
والمعمول متقوم
بالعامل لفظا
ومعنى وأهل كل
مرتبة من المراتب
الثمانية في
السلسة
الطولية إذا
سمعوا هذه
الخطبة
المباركة
وهذه الفقرة
الشريفة
يصرفونها في
رتبة مقامه
ومرتبته .
ولكل
رأيت منهم
مقاما
شرحه في
الكلام مما
يطول
وإنما
أجمل في
الكلام وأغمض
العبارة لعدم
احتمال الناس
وإلا لسمعوا
ألحان طيور
القدس على
دوحات شجرة
طوبى وسدرة
المنتهى .
_________________
1
التكاثر 8 2
التوحيد 230
وإن
جعلت الفردوس
هي الولاية
الحقيقية أي
المحبة
الأولية في ((
أحببت أن أعرف
)) في أول الذكر
فتكون هي
الحقيقة المحمدية
صلى الله عليه
وآله وسلم
الظاهرة في
الحقيقة
العلوية عليه
السلام
المجتمعة
المتنزلة في
الرتبة
الفاطمية صلى
الله على
أبيها وبعلها
وبنيها
وعليها ،
فالألوهية
الظاهرة عليها
المقرونة بها
التي اشتقت من
الاسم المقدس الله
وتقومت به
قيام تحقق
كالعكس
هوالله الذي
قال النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم (( يا
علي ما عرف
الله إلا أنا
وأنت و لا
عرفني إلا
الله وأنت و
لا عرفك إلا
الله وأنا ))1 ، فحينئذ
يكون المراد
من الرؤيتين
رؤية شهود وعيان
لا إحاطة
وعلية لأنه
عليه السلام
إذ رآك يقرأ
حروف نفسه
ونظر إلى نور
العظمة
الأولية مقدار
سم الإبرة
فتناهى كونه
فأتى مقام
التحير فاستدار
على نفسه
وظهرت نقطة
المحبة
الأولية ((
فأحببت أن
أعرف )) فصارت
مبدأ الجنان
والحور والغلمان
{ حور
مقصورات في
الخيام *
فبأى ءالاء
ربكما تكذبان * لم
يطمثهن إنس
قبلهم ولا جان
}2 .
والرؤية
الثانية
المتعلقة
بالفردوس مبدأ
دليل الحكمة
ومعرفة حقائق
الأشياء وذوات
الموجودات ،
ولما كانت
المعرفة عين
المعروف كما
أن العلم عين
المعلوم
فصارت تلك
المعرفة هي
وجود المعروف
ومبادئ
الموجودات
وأصولها
وذواتها التي
هي محال المشيات
الخاصة بها هي
الجنان و
مقابلها هي
النيران ،
فصارت الجنة
جنتين جنة تخص
بهم عليهم
السلام وجنة
تعمّهم
وغيرهم ،
فالأولى هي الاسم
الأعظم الله و
متعلقة في
مقامهم
ورتبتهم
والثانية هي
الاسم الأعظم
الله ومتعلقة
في مقام غيرهم
، فعندهم
الجنة معلومة
مرئية رأي العين
وقد دخلها
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم
ليلة أسري به
إلى السماء
وكذلك سيدنا
علي عـليه
السلام كيف
وقـد قـال
روحي فداه
_________________
1
تأويل الآيات
145 2
الرحمن 72 - 74
((
لوكشف الغطاء
ما ازددت
يقينا ))1 يعني
بالغطاء غطاء
الجسد كما قال
عز وجل {
فكشفنا عنك
غطاءك فبصرك
اليوم حديد }2 ويريد
باليقين هو
العلم بأحوال
الآخرة وأطوارها
ودورها
وجنتها
ونارها
ونعيمها
وأليمها وهو
عليه السلام
قسيم الجنة
والنار ولا
تكون القسمة
خاصة بالآخرة
بل في الدنيا
فإنه عليه
السلام زايد
أوليائه
وقائد أصحابه
إلى مقاماتهم
التي خلقوا
لها في الدنيا
والآخرة
ويطول الكلام
بذكر تلك
الأحوال مع ما
أنا فيه من
شدة الكسالة
والملال وقد
قال النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم
يوما لأصحابه ما
معناه ((
أتدرون ما في
يدي اليمنى
قالوا الله
ورسوله أعلم
قال صلى الله
عليه وآله وسلم
فيها أسماء
أهل الجنة
وآبائهم
وأمهاتهم إلى
يوم القيامة
وإن الرجل
ليعمل طول
عمره عمل أهل
النار فيختم
له بالخير
فيدخل الجنة
ثم قال صلى
الله عليه
وآله وسلم
أتدرون ما في
يدي اليسرى
قالوا الله
ورسوله أعلم
قال صلى الله
عليه وآله
وسلم فيها
أسماء أهل
النار وآبائهم
وأمهاتهم إلى
يوم القيامة
وإن الرجل
ليعمل عمل أهل
الجـنة طول
عمره فيخـتم
له بالسوء فيدخل
____________________
1
البحار 40/153 ح 54
2
ق 22
النار
))1 .
في
الكافي عن أبي
عبد الله عليه
السلام يقول ((
إني لأعلم ما
في السموات
وما في الأرض
وأعلم ما في
الجنة وأعلم
ما في النار
وأعلم ما كان
وما يكون ،
قال : ثم مكث
هنيئة فرأى أن
ذلك كبر على
من سمعه منه ،
فقال عليه
السلام : علمت
ذلك من كتاب
الله عز وجل
إن الله عز
وجل يقول {
ونزلنا عليك
الكتاب
تبيانا لكل شئ
}2 ))3 وهذا
الكتاب الذي
أخذ العلم منه
عليـه السلام
هو أمير
المؤمنين
عليـه السلام
لأن الله عز
وجل
________________
1
ذكر المصنف
أعلى الله
مقامه وأنار
الله في الدارين
أعلامه هذه
الرواية
بالمعنى ونحن
نذكرها هنا
بالنص تيمنا
ففي بصائر
الدرجات 192 عن جعفر
بن محمد
عليهما
السلام قال ((
خطب رسول الله
صلى الله عليه
وآله الناس ثم
رفع يده اليمنى
قابضا على كفه
قال : أتدرون
ما في كفي ,
قالوا الله
ورسوله أعلم ,
فقال فيها
أسماء أهل
الجنة وأسماء
آبائهم
وقبائلهم إلى
يوم القيامة ,
ثم رفع يده
اليسرى فقال :
أيها الناس
أتدرون ما في
يدي , قالوا :
الله ورسوله
أعلم , فقال /
فيها أسماء
أهل النار
وأسماء
آبائهم وقبائلهم
إلى يوم
القيامة )) .
2
النحل 89 3
الكافي 1/261 ح 2
يقول
{ هذا
كتابنا ينطق
عليكم بالحق }1 وقد دلت
الأخبار على
أن هذا الكتاب
هو علي عليه
السلام
والأئمة
عليهم السلام
إنما تعلموا
كلما عندهم من
العلوم منه
عليه السلام وهذا
الكتاب
الصامت الذي
هو القرآن هو
ظهور من
ظهورات
ولايته
المتعلّقة
بمخلوقات
الله عز وجل
ولذا لا يجوز
لأحد من
الأئمة عليهم
السلام أن
يسمى أمير
المؤمنين
عليه السلام
غير علي عليه
السلام لأنه
عليه السلام
يمير الأئمة
العلم وهم
المؤمنون
حقيقة وما
سواهم حقيقة ثانية
بعد حقيقة،
فإذا كان
الأئمة عليهم
السلام
يعلمون كل ما
في الجنة
والنار وكان
ذلك بتعليم
علي عليه
السلام فهو
عليه السلام
أولى وأحرى
وأليق بعلم
الجنة
ومشاهدتها
ورؤيتها ، وكيف
يخفى عليه ما
هو باعثه
ومنشؤه
ومقيمه بالله
عز وجل ،
والفردوس
بينه عليه
السلام لنفسه
ولرعاياه وهم
كل الخلق فلا
يخفى عليه أمر
بينه وهو فضل
الله يؤتيه من
يشاء ،
فالإمامة الكبرى
والرئاسة
العظمى في
الظاهر
مطابقا للباطن
لا تكون إلا
لمن كمل في
السفر الثالث
ولا يكون عنده
شيء يحجب نور
الله الساطع
عليه والظاهر
له كما قد
يتوهم حصوله
في القوس
النزولي فيجب
تصفية ذلك كله
حتى يظهر له
نور الجلال
فيتخلل في كل
أحواله
وأقواله
وحركاته
وسكناته
فيمشي بالله
ويبطش بالله
ويقول بالله
ويعلم بالله ،
فإذا ظهر ذلك
النور فأزال
الغيور فيرى
كل شيء في
مكانه
ومرتبته قال
عز وجل { وقـل
اعلمـوا
فسيرى الله
عملكم
________________
1
الجاثية 29
ورسوله
والمؤمنون }1 فيشاهد
كل الأشياء من
أحوال الدنيا
والعقبى وما
تنتهي إليه
الأمور إلى ما
لا يتناهى لأن
المقتضى
موجود
والمانع هو
كثافات ،
وكثافات الإدبار
مرفوعة قال عز
وجل { ودخل المدينة
} أي مدينة
الوجود
الإنساني
والداخل هو الظهور
الرحماني {
على حين غفلة
من أهلها } أي
اشتغال
الحواس
والقوى
والمشاعر
وجميع روابط الماهية
، إذ الشيء
حين ينظر إلى
روابط ذاته ونسب
حدوده ويشتغل
بمدركات
القوى
والمشاعر فهوغافل
عن النور
الواحد
المنبسط على
كل الأكوار
والأدوار
والأطوار فلا
يظهر ذلك
النور له إلا
إذا سكنت
الأحواس
وهجعت العيون
وهدأت الأصوات
، فإذا ظهر
ذلك النور في
مدينة الكينونة
بعدما كان
هاربا لتسلط
الظالمين
القوى والمشاعر
ورئيسهما
النفس
الأمارة
بالسوء فـإذا
دخل وقد سكنـت
الحواس { فوجد
فيها رجلين يقتـتلان
هذا من شيعته }
وهو العقل
المستنير
بنور الله {
وهذا من عدوه }
وهو النفس
الأمارة
بالسوء
المدبرة عن
الله { فوكزه
موسى فقضى
عليه } فقتل
العدو الذي هو
النفس
الأمارة
بالسوء وهو معنى
ألقى موسى
عصاه { قـال
هذا } أي
النفس الأمـارة
بالسوء { من
عمل
_______________
1
التوبة 105
الشيطان
} وهي الماهية
الخبيثة { إنه
عدو مضل مبين }1
فإذا انقتل
العدو والظلم
فيه واستولى الشيعي
النوراني
فغلب النور
وظهر في كل
المدينة فكان
يرى
الأشياء ،
وذلك النور هو
العمود من
النور الذي
يعطيه الله
وليه فيرى بذلك
أعمال الخلائق
وأحوالهم كما
عن الرضا عليه
السلام وروحي
فداه ، فإذا
لم يكن
نورانيا كما
وصفنا فلم تجز
له الإمامة
والرئاسة
الكبرى لأنه
مثل سائر
ورعاياه
فيحتاج إليهم
أحيانا لأن
ذلك النور ما
نفذ وما تخلل
في كل ذرات
وجوده حتى لا
يخفى على شيء
، فبقدر عدم
التخلل يـبقى
جاهلا فإذا ،
احتاجوا
للحكم
المتعلق بذلك
الذي ما تخلل
فيه النور ولم
يصل إليه
العمود فيبقى
واقفا متحيرا
كسائر رعاياه
حاشاه ربي أن
يدحض حجته
وينقص نوره
ويجعل الجاهل
الناقص خليفة
له على خلقه ،
فمن أين يظهر
إذن قدرته
وقوته وكماله
فإن الخليفة
ظاهر للأصل
ونائب عنه فيجري
عليه حكمه كما
قال عز وجل {
الذين
يبايعونك
إنما يبايعون
الله }2 {
من يطع الرسول
فقد أطاع الله
}3 {
قل إن كنتم
تحبون الله
فاتبعونى
يحببكم الله
ويغفر لكم
ذنوبكم }4 فلما كان
العلم بحقائق
الموجوادت
وقرانات أحوالها
و مقتضيات
آثارها هو
علامة
الإمامة والرئاسة
كما أخبر الحق
عز وجل في
كتابه العزيز
عن ذلك فقال
عز وجل { وأوحى
ربك إلى النحل
} وهو منتحل العلم
وهو الإمام
عليه السلام
كما ورد النص
عنهم عليهم
السلام قالوا
(( نحن النحل )) {
أن اتخذى من
الجبال بيوتا
} أي
من علم
الشهادة
وأحوال
الأجسام
والقرانات
الصورية
والحدود
المقدارية
جوهرية كانت
أم عرضية حقيقية
كانت أم
مجازية ، (
بيوتا ) وهو
أخذ النقطة
الواحدة من
العلم الذي
كثرها
الجاهلون فيأوي
إليها ويسكن
عندها ويسترح
لها ويجريها
في كل ما أراد
جريان الماء
في النبات
أوجريان الشمس
في الشعاع
أوجريان
الشجرة في الأغصان
والأوراق ، {
ومن الشجر } أي من
المقامات
الغيبية
والحقائق
المعنوية
لأنها أصل
واحد يـتشعب
إلى الصور
والحدود والظواهر
والأحوال
كالشجـر ،
_________________
1
القصص 15 2
الفتح 10
3 النساء 80
4
آل عمران 31
{
ومما يعرشون
}1 أي الموالي
وهي العلوم
البرزخية
والروابط
والنسب بين الغيب
والشهادة
والظاهر
والباطن في كل
المراتب
والأطوار فإن
أغلب العلوم
مما يتعلق
بهذه الروابط
والبرازخ ، {
ثم كلى من كل
السماوات } بصرف
تلك القواعد
والأبواب من
العلوم إلى أفرادها
وأجزائها
وجزئياتها
ورد الفروع
إلى أصولها
والآثار إلى
مبادئها حتى
لا ينظر بشيء
من الأشياء
إلا ويلحقه
بمبدئه وأصله
ويجري عليه
حكمه فإن
الثمرات علوم
كما فسرت في
أخبار أهل
البيت عليهم
السلام فتكون
هذه علوم
جزئية إضافية
وهو الأبواب
الألف
المنفتحة من
باب واحد وذلك
هو البيت كما
ذكرنا ، {
فاسلكى سبل
ربك
____________
1
النحل 68
ذللا
}1 وسبيل الرب
هو علي عليه
السلام كما عن
الباقر عليه
السلام في
حديث إلى أن
قال عليه السلام
(( إنه يعلم إن
سبيل الله هو
علي عليه السلام
والقتل في
سبيل الله هو
القتل في سبيل
عليه السلام ))
روحي فداه ،
ومعنى هذا
السلوك يختلف
باعتبار
اختلاف
السالكين فإن
كان السالك هو
الإمام عليه
السلام فمعنى
سلوكه ذللا هو
ما أشار إليه
الحق عز وجل {
ولا يشفعون
إلا لمن ارتضى
وهم من خشيته
مشفقون ** ومن يقل
منهم إنى إله
من دونه فذلك
نجزيه جهنم
كذلك نجزى
الظالمين }2 أي
يقول إني أنا
وقال عز وجل {يا
أهل الكتاب لا
تغلوا في
دينكم ولا
تقولوا على
الله إلا الحق
إنما المسيح
عيسى ابن مريم
رسول الله
وكلمته
ألقاها إلى
مريم وروح منه
}3 وقال
عز وجل { لن
يستنكف
المسيح أن
يكون عبدا لله
ولا الملائكة
المقربون
__________________
1
النحل 69
2
الأنبياء 28
3
النساء 171
ومن
يستنكف عن
عبادته
وويستكبر
فسيحشرهم إليه
جميعا }1
، وإن كان
السالك غير
الإمام عليه
السلام فمعنى
سلوكه ذللا في
سبيل الرب في
العلم أن يكون
في جميع
أحواله
وعلومه
مستندا إلى
علي عليه السلام
والطيبين من
أولاده عليهم
السلام كما
قال عز وجل {
واعتصموا
بحبل الله
جميعا ولا
تفرقوا }2 {
وأقيموا
الوزن بالقسط
ولا تخسروا
الميزان }3
وقال عز وجل {
ولا تقف ما
ليس لك به علم
إن السمع
والبصر
والفؤاد كل
أولئك كان عنه
مسئولا *
ولا تمش في
الأرض مرحا
إنك لن تخرق
الأرض ولن تبلغ
الجبال طولا * كل ذلك كان
سيئه عند ربك
مكروها }4
الأرض هي الإمام
عليه السلام
وهي التي
وضعاه للأنام
ليستأنسوا
بها
ويستريحوا
عليها
ويلجئوا
إليها ويستمدوا
منها ويمشوا
في مناكبها ،
لأن الإمام
عليه السلام
هو اللوح
المحفوظ الذي
فيه كل أحوال
ذرات
الكائنات {
وكل شئ
أحصيناه فى
إمام مبين }5
والجبال هي
الإمام عليه
السلام لأنه
وتد الأرض
ولولاه لساخت
الأرض بأهلها
قال تعالى {
ألم نجعل
الأرض مهادا * والجبال
أوتادا }1
وبالجملة إذا
سلك العلم سبيل
الله ذللا
منقادا خاضعا
خاشعا { يخرج
من بطونها
شراب مختلف
ألوانه }2 من
علوم المبدء
والمآل
والأحوال
وحقائق
الأشياء وماهياتها
وجهات
وحداتها
وجهات كثرتها
ومبدء ائتلافها
ومحل
اختلافها
وقشروها
وألبابها وحدوها
وأوضاعها
ونورها
وظلمتها
وظاهرها وباطنها
وعلم الحقيقة
وعلم الطريقة
وعلم الشريعة
وعلم ما كان
وعلم ما يكون
من حيث اقتضاء
الذي كان وسائر
الأطوار
والروابط
والإضافات
والجهات
والنسب
فإن كل شيء
من الأشياء
مبدء علم من
العلوم وما
ظهر للناس إلا
ما توافرت دواعيهم
وعظمت
حوائجهم إليه
( فيه شفاء
للناس ) من أمراض
جهالتهم لأن
العلم هواسم
الله وذكره لأن
نظر العالم في
الأشياء ليس
إلا من جهة
مبدئها ولهذا
يحصل الأبواب
والبيوت
والقواعد فلو
كان من جهة
أنفسها لم
يتمكن من ذلك
لأن تلك الجهة
جهة الاختلاف
والتمايز
والكثرات
والجزئية
وأمثال ذلك
فالعالم في كل
أحواله وعند
استفادته
للعلم بذكر
الله وقد قال
عليه السلام في
الدعاء (( يـا
من اسمه دواء
وذكره شفاء
وطاعته غنى ))3
فيكون العلم
شفاء من كل
داء لأنه
حينئذ جرعة
وشربة من حوض
______________
1
النبأ 6 – 7 2
النحل 68 3 دعاء
كميل بن زياد
الكوثر
وقطعة من
الإكسير
الأحمر فإذا
شربه الإنسان
واستعمله لم
يبق عنده ظمأ
ولا داء فتندفع
عنه أمراض
الجهالات
الحاصلة من
أنواع
التقليدات
والشكوك والشبهات
وسائر
الواردات
والإيرادات
وهذه الآية
الشريفة
مشتملة على
جميع مراتب
العلم بأنحائها
.
فإذا
وجب في
الرئاسة
الكبرى العلم
والعلم علمان
العلم
الظاهري
والعلم
الباطني والأمران
يجب أن يكونا
في الإمام عليه
السلام على حد
الكمال وكان
المدعي لهما
كثيرين
واستيلاء
الباطل على
الحق
بالدعاوى الكاذبة
المجتثة
والافتراءات
الباطلة
الإفكية
متحققة
والمؤمنون
الذين يطلبون
الحق لا يجوز في
الحكمة أن
يجعلهم الله
مهملين متحيرين
لابد لهم على
النجاة ، بل
يجب أن يكون أمر
الله وحكمه
أوضح من الشمس
وأبين من
الأمس لئلا
يكون للناس
على الله حجة
وجب على
الإمام الحق
عليه السلام
إظهار
العلمين
وإبانة طرق
الهداية في
النشأتين
ليهلك من هلك
عن بينه وينجو
من سبقت له من
الله العناية
.
أما
علم الظاهر
فقد أبانوا
عنه وكشفوا عن
حقيقته
وأشاروا إلى
ماهيته
ورموزه
وإشاراته
بحيث لم يبق
لأحد ممن
شاهدهم وسمع
كلامهم شك
وريبة أنهم
أعلم الخلق
بالحلال
والحرام
ومواقع الأحكام
، وقد أفسدوا
مذاهب
مخالفيهم
وغاصبي حقوقهم
بالنهي عن
القياس
والرأي
والاستحسان والقول
عما لا يعلم
والخروج عن
الكتاب
والسنة وأمثال
ذلك من
الأحوال التي
لا يشك عاقل
بأن الذي جميع
علومه حاصلة
من غير
قياس ولا استحسان
ولا رأي ليس
إلا من الله
عز وجل وممن
أشهده الله
خلق السموات
والأرض فإن
العلم الغير المستند
إلى الله عز
وجل لا بد أن
يكون مأخوذا
عن أحد هذه
الأمور
والمجموع
والملفق منها
لا محالة ،
وشرح كيفيته
مما يطول به
الكلام والعاقل
تكفيه
الإشارة .
وأما
علم الباطن
فقد أشاروا
إليه عليهم
السلام في
تلويحات
كلامهم
وإشارات جميع ما
تكلموا في
الظاهر حتى
كان لكلامهم
عليهم السلام
سبعون وجها
مرادا لكن تلك
الوجوه السبعون
كلها محتجبة
تحت حجاب
الظاهر وذلك
لعدم تحمل
الناس وضعف
بنيتهم
وعقولهم عن
إدراكه ، لأن
الطبائع بعد
ما صفت
والأحكام ما
ظهرت والظلمة
ما ارتفعت بل
غلبت فغطت على
الأفهام
والعقول
ومنعتها عن
الوصول
فلوسمع الناس
من تابعيهم
شيئا من ذلك
ما استقرت
لذلك عقولهم
وما اطمئنت به
قلوبهم
ولاضطربت حواسهم
ومشاعرهم
وكانوا {
يَظُنُّونَ
بِاللّهِ
غَيْرَ
الْحَقِّ ظَنَّ
الْجَاهِلِيَّةِ
}1 وذلك لأمور
أحدها لإنكارهم
ذلك حيث أتاهم
شيء ما يعقلون
ولا يدركون
ولا يسع أكثر
الناس
التسليم
والرضى لأنهما
من شعار أهل
الصفاء
والوفاء وهم
أقل من الكبريت
الأحمر ،
وثانيهما
لتصديقهم
وتسليمهم من
غير بصيرة
فيتصوّرون
شيئا خلاف
الواقع
ويضعون الأشياء
في غير
مواضعها
فيفسد عليهم
دينهم ودنياهم
و معاشهم و
معادهم ،
وثالثها لعدم
احتمالهم
وتحملهم
وصبرهم عليه
وكتمانهم
فيجزون من لا
أهلية له فيقع
منه الفساد
العظيم الذي
لا يسد،
ورابعها لعدم
فهمهم لجهات
كثيرة يطول
بذكرها
الكلام فيكون
البيان عبثا ،
وأمثال ذلك من
الأمور ولذا
نقول كما
استفدنا من
كلام أمير المؤمنين
عليه السلام
أنه (( ما كل من
حضر مجلس العلم
سمع ولا كل من
سمع عرف ولا
كل من عرف
أحسن التعبير
عنه ولا كل من
أحسن التعبير عرف
مواقع القول
إذ لكل مقام
مقال )) وهو قول
مولانا
الصادق عليه
السلام (( ما كل
ما يعلم يقال ،
ولا كلما يقال
حان وقته ،
ولا
________________
1
آل عمران 154
كلما
حان وقـته حضر
أهله ))1 وقـال
مولانا أمير
المؤمنين
عليـه السلام
(( اندمجت على
مكنون علم لو
بحت به
لاضطربتم
اضطراب
الأرشية في
الطوى البعيدة
))2 ومن هذه
الجهة ما
صرّحوا في
الباطن بل
أخفوه صونا عن
الأعداء
والأحباء
وخوفا عنهما ،
ولكن لأجل
إقامة الحجة
وإبانة للأمر
وإحكاما
للدين وإعانة
للمؤمنين
الممتحنين في
معرفتهم
وديانتهم
صرّحوا ببعض
مقامات الباطن
وباطن الباطن
لأناس
مخصوصين
وأمروهم
بالكتمان عن
أبناء الزمان
فما اشتهرت
تلك الأخبار بكل
لسان فبقيت
مطروحة حتى
جرت على لسان
بعض المجاهيل
وكثير منها
ليست مسندة بل
بقيت مرسلة
وأغلبها
مرفوعة لم
يذكر الراوي
وكثير منها أيضا
جرت على لسان
بعض الغلاة
والصوفية
وغيرهم من
المخالفين
والغلاة كثير
منهم تقوّل
عليهم وكثير
منهم هم
الغلاة في
الواقع وهم
سلام الله
عليهم
تعمّدوا
لإظهار تلك
الأخبار على هذا
الطريق حتى لا
يلتفت إليها
من لا أهلية
لها من
الواقفين
والمخالفين
لتصون الفرقة
المحقة عن شر
هؤلاء
الشياطين
أعداء الدين ،
أما الموافقون
مما لا يعرفون
فلا ينظرون
ولا يلتفتون
إليها لضعف
أسانيدهم
وعدم
الاعتماد على رواتها
وهو عذر موجه
صحيح ، وأما
الموافقون ممن
يعرفون فهم
على بصيرة
ويقين ينظرون
بنور التوسم
فيعرفون كلام
الإمام عليه
السلام ويميزونه
عن غيره
بإعانتهم
عليهم السلام و
نصب القرائن
لهم فلا يضرهم
فسق الرواة
وكفرهم لأنهم عليهم
السلام قالوا
(( إن لنا أوعية
من العلم نملؤها
علما لنقلها
إليكم فخذوها
وصفّوها تجدوها
نقية صافية
وإياكم
والأوعية
فتنكبوها فإنها
أوعية ________________
1
البحار 53/115 ح 138
2
البحار 35/4 ح 2
سوء
))1 وكذلك إرسال
السند ورفعه
فإن قرائن
الصحة إذا كانت
موجودة فلا
يضر الإرسال
والرفع وأما
تلك القرائن
فليست مشرعة
لكل خائض
ومنهلا لكل
وارد وإنما هي
أمور يخصّون
بها من أرادوا
سلام الله
عليهم وقد
تقدم ما ورد
عنهم عليهم
السلام (( إن
حديثـنا صعب
مستصعب شريف
كريم ذكوان ذكي
وعر لا
يحتملـه ملك
مقرّب ولا
نـبي مرسل ولا
مؤمن
__________________
1
لم نجد نص هذه
الرواية
بعينها فى ما
عندنا من المصادر
ولكن وجدنا
رواية مشابهة
في البحار 2/93 ح 26
هذا نصها قال
أبو جعفر عليه
السلام (( إن
لنا أوعية
نملأها علما
وحكما وليست
لها بأهلفما نملأها
إلا لتنقل إلى
شيعتنا ,
فانظروا إلى
ما في الأوعية
فخذوها ثم
صفوها من
الكدورة تأخذوها
بيضاء نقية
صافية ,
وإياكم
والأوعية
فإنها وعاء
سوء فتنكبوها
)) .
ممتحن
، قلت : فمن
يحتمله جعلت
فداك ، قال
عليه السلام :
من شئنا ))1 وهم
الذين ينصبون لهم
القرائن
وإمارات
مخصوصة وهم
أهل التعليم
الخاص ممن قال
فيهم عليهم
السلام (( لا
جبر ولا قدر
بل منزلة
بينهما أوسع
من السماء
والأرض لا
يعلمها إلا
العالم أو من
علّمه إياه
العالم )) وهذا
التعليم ليس
هو التعليم
العام لكل أحد
لأن هذه
المسألة لا
يعرف حقيقتها
إلا أوحدي
الزمان فيكون
التعليم هو
التعليم الخاص
وهو حيث لم
يشافه يكون
بنصب القرائن
المخصوصة لهم
خاصة لا يطلع
عليها سواهم
ولا يكلف بها
غيرهم ولما
كانت هذه
الخطبة
المباركة من
تلك الأخبار
التي ظهرت
فيها بعض
الأسرار
الباطنية
والعلوم
الحقيقيـة
لإثبات علم
الإمامة في
مقام { إنما
أنا بشر
مثـلكم }2 ،
قال عليه السلام
(( رأيت الله
والفردوس رأي
العين )) وهو
إشارة إلى
جوامع العلوم
لأن العلوم لا
تخلو إما أن تكون
متعلقة
بأحوال
المبدء
الخارق
وصفاته وأسمائه
أو متعلقة
بالآثار
والمخلوقين ،
وهم على قسمين
مقصود لذاته
ومقصود لغيره
فالمقصود
لذاته
هوالخير
وجوامع الخير
مقامات
الفردوس ،
والمقصود
بالغير هو
الشر وجوامعه
هوالنار وهي
ظل الجنة
متقومة بها
حكمها حكمها
في مقام
التضاد ،
والعلم
علمان علم
بالإخبار
والمفهوم
وعلم
بالمشاهدة
والعيان ،
والعلم
الثاني قسمان
علم بالإحاطة
وعلم بدون ذلك
، فقال عليه
السلام (( رأيت
الله )) فأشار
به إلى علم
التوحيد وما
يتعلق به من
المراتب
والأحوال والأسماء
والصفات
وأحكام
القيومية
وغيرها مما هو
مذكور في علم
التوحيد مما
هو ظاهر للعلماء
وما هو مخفي
عنهم وظاهر
للمؤمنين
الممتحنين
وما هو مخفي
عنهم وظاهر
للملائكة المقربين
وما هو مخفي
عنهم وظاهر
للأنبياء والمرسلين
وما هو مخفي
عنهم وظاهر
للصديقة الطاهرة
صلى الله على
أبيها وبعلها
وبنيها وعليها
وما هو مخفي
عنها وظاهر
للأئمة
الطاهرين عليهم السلام
وما هو مخفي
عنهم وظاهر للقائم
بالحق صاحب
الزمان عجل
الله فرجه حجة
الله على الأولين
والآخرين وما
هو مخفي عنه
وظاهر لسيدي
شباب أهل
الجنة أجمعين
الحسن
والحسين عليهما
السلام وما هو
مخفي عنهما
وظاهر له عليه
السلام
وذلك كما مر
غير مرة .
_______________
1
بصائر
الدرجات 22 2
الكهف 110
والله
اسم جامع
لجميع الصفات
والأسماء
فأثبت علم
التوحيد الذي
هو علم البيان
الذي علمه
الله الإنسان
في قوله عز
وجل { خلق الإنسان
}1 وهو
علي عليه
السلام لأنه
الكامل في
الإنسانية
البالغ في
النهاية
والغاية وهو
اسم حقيقي له
ولأخيه
وأولاده
وزوجته الطاهرين
وفي مقام
التفصيل يختص
به عليه السلام
في عالم
الظهور { علمه
البيان }2 وهو
علم التوحيد لقول
الباقر عليه
السلام عن جده
الطيب الطاهر
أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
وأما البيان فهو
أن تعرف أن
الله واحد ليس
كمثله شيء
فتعبده ولا
تشرك به
شيئا )) ثم
أثبت القسم
الأعلى من
العلم الذي هو
العلم
العياني
والمشاهدة
الكشفية
البالغة حد
الرؤية على ما
فصلنا سابقا
وهو أعلى
مقامات العلم
ونسبته إلى العلم
المفهومي
والإخباري
نسبة العلم
إلى الجهل ،
فلما أثبت هذا
العلم الشريف
على هذا النهج
الشريف لنفسه
روحي فداه
أثبت الوجه
الثاني من
العلم الذي هو
العلم
بالمخلوقين ،
ولما كان أهل
الحق ليس
نظرهم إلى
الباطل وإلى
المجتثات ولا
يعدونه شيئا
ولا يلتفتون
إليه خص الجنة
بالذكر
تشريفا
وتكريما
فيلزمها
النار والعلم
بأحوالها
وأوضاعها
وسكانها ولا
شيء من العلوم
يخرج عنهما
ولا يؤول
إليهما ، ولما
كان هذا قد
يكون
بالإخبار
والمفهوم وهو
لا يشمل الإحاطة
بجميع الوجوه
فلا يعم العلم
بكل أحوال
الخلق إذ كثير
منها يؤول
إليهما
بواسطة أوبوسائط
فالأنظار
المجتثة قد
تقصر إلى
الواسطة
والسبيل من
حيث نفسها لا
من حيث كونها
واسطة
كالعلوم
المتداولة
بين الناس
أثبت عليه السلام
العلم الأعلى
وهو العلم
العياني
الشهودي الذوقي
أي القسم
الأعلى منه ،
لأنه عليه
السلام يصرح
فيما بعد أن
كل هذه العلوم
علم إحاطة لا
علم إخبار ولا
عيان محض
والإحاطة لا
تتصور إلا
بمعرفة جميع
مبادئ الشيء
وعلله
وأسبابه وشرائطه
ولوازمه
ومعدّاته
ومتمماته و
مكملاته
وحدوده و
مقتضيات
أحواله
وآثاره وشئون
ذاته
وأمثالها مما
يتوقف عليه
وجود الشيء
الواحد ، ولما
كان العلم قد
خلق على نسق
واحد وطور غير
مختلف ولا
متعدد إذا عرف
الشيء الواحد
عرف الأشياء
كلها
لاشتراكها في
الروابط
والشرائط
والمتممات
والمكملات
وغيرها فقد
أثبت العلم
الكلي بكل
_________________
1
الرحمن 3 2
الرحمن 4
ذرات
الوجود على
جهة الرؤية
والشهود وهو
تمام العلم
وتمام الفخر
وقد قال الله
عز وجل { هل يستوى
الذين يعلمون
والذين لا
يعلمون }1 ولا
شرف إلا
بالعلم ولا
فخر إلا به ،
فإذا حصل العلم
الكلي لأحد
بحيث لا يخفى
عليه شيء في
الأرض ولا في
السماء فلا
يساويه أحد
ولا يدانيه
أحد وله الرئاسة
الكبرى من قبل
الله عز وجل
على كل ما سواه
وهذا معلوم
بالضرورة ،
فإذا علم شيئا
وجهل الآخر لا
رئاسة له على
غيره إذ لا
أحد إلا ويعلم
شيئا ويجهل
آخر إلا أنهم
يتفاوتون في
القلة
والكثرة
لكنهم
محتاجون
بعضهم إلى بعض
فيما يجهلون ،
ولا يجوز أن
يكون حجة الله
على خلقه
الرئيس على
الكل محتاجا
إلى رعاياه وغنمه
، فلما أثبت
العلم كله
بجميع أنحائه
وأقسامه على
أكمل وجوهه
لنفسه
الشريفة أثبت
له عليه
السلام
الرئاسة
الكلية
والخلافة
العامة ، ولكن
لما كان قد
يتوهم من ذلك
أن المدعين لذلك
كثير وإن كان
على الباطل
لما ثبت من
تقابل دعوى
الحق ودعوى
الباطل أراد
عليه السلام أن
يجعل ميزانا
ليعرف كذب
المدعي من
صدقه وهو بيان
نوع العلم
الجامع
المدعى وشرحه
على ما يقتضيه
، إذ لا كل علم
يمكن تفسيره
في لسان الظاهر
المعروف لأن
من العلوم سر
لا يفيده إلا
سر ومنها سر
مستسر بالسر
ومنها سر مقنع
على السر فإذا
عبر بلسان
الظاهر لا
يفيد إلا
الوجه
الواحد
الظاهر وهو
خلاف المقصود
ويجب أن يكون
لما ذكر شاهد
من كتاب الله عز
وجل يشهد
بتصديقه ومن
السنة
النبوية ومن نوع
مذهب الفرقة
المحقة لا أن
يكون كلاما
مجملا لمحض الادعاء
لأن هذه
الكلمات
المجتثة
كثيرة ، وأهل
الحق لا
يزالون
مستنيرين
بنور الله
فيشملهم بهاء
رحمة الله
وتكون علومهم
لها أصل ثابت
محكم و نور
يتلألأ على
قلوب
المؤمنين كما
قالوا عليهم
السلام (( إن
_________________
1
الزمر 9
على
كل حق حقيقة
وعلى كل صواب نورا
))1 ولكن
معرفة تلك
الشواهد
والأنوار حظ
أولي البصائر
والأبصار وهم
خواص شيعتهم
المستنيرين
بنورهم
والمعتصمين
بحبل ولايتهم
المنقطعين
إليهم وهم
حملة مثل هذه
الأخبار
وحفظتها قال
الله عز وجل {
إنا نحن نزلنا
الذكر وإنا له
لحافظون }2 أي
عند أهله في
كل مقام بحسبه
ولذا أراد
عليه السلام
شرح الجنة
والفردوس على
حسب ما ادعى
على لسان
الحقيقة وإن
كان قد يترائى
لأهل النظر
أنه رمز
وإشارة ولكن
أهل المعرفة
يرونه لسانا
حقيقيا لا رمز
فيه لكن الأمر
عظيم والمطلب
خطب جسيم فقال
روحي فداه صلى
الله على محمد
وعليه وزوجته
الطاهرة وأبنائه
المعصومين
المطهرين
المنزهين
إشارة لبيان
حقيقة
الفردوس
ومبدئه وأصله
منشئه و مستقره
قال عليه
السلام (( وهو
في البحر
السابع يجري
في الفلك )) .
___________________
1
الكافي 2/54
2
الحجر 9
قال
عليه السلام
وهو في البحر
السابع يجري
فيه الفلك
وهو
إشارة لبيان
حقيقة
الفردوس إلى قوله
عز وجل { ولو
أنما فى الأرض
من شجرة أقـلام
والبحر يمده
من بعده سبعة
أبحر ما نفدت
كلمات الله }1
وقد أشار
بأبي هو وأمي
لأهل الكلام إلى
دليل إثبات
العلم المدعى
، ولأهل
المعاني إلى
حقيقة
المباني،
ولأهل البيان
إلى حقيقة سر
، الإنسان
وبكل ذلك قد
نطقت أخبارهم
وشهدت آثارهم
و نطق القرآن
بتصديقه ودل
العقل
المستنير
بنور الله .
وظاهر القول
أولا اعلم أن
الخطاب لما
كان على مقدار
فهم المخاطب و
مناسبة
مرتبته وكانت
الجنة سبع
طبقات لكن
طبقة منها لا
حظ ولا نصيب
لأحد فيها وهي
تخص بهم وهي
التي لا حظيرة
لها لأن لكل
جنة حظيرة سوى
جنة عدن وهي
لا حظيرة لها
لانقطاع
روابطها من
غير أهلها
وتعلقها ولو
بالإضافة بما
دون سكأنها
فلا يناسب ذكر
تلك الجنة
لأنها ليست
لهم فلا تصل
إليها مشاعرهم
ومداركهم
وقوتهم فيكون
البيان لهم
عبثا ، أشار
عليه السلام
إلى المراتب
المقدرة للخلق
والجنة التي
يسكنونها
بفضل الله
ورحمته وتلك
الجنات تكون
سبعة ، وكل
جنة بحر من
عظمة الله عز
وجل نور واحد
قد ظهر
بالشئونات
المختلفة
المتكثرة على
حسب شئون
المؤمنين
وأحوالهم فإن
الجنة ظاهرها
طعام وشراب
ونكاح وباطنها
علم قال عليه
السلام (( أسفلها
طعام وأعلاها
علم )) ، وباطن
باطنها لجة
بحر الأحدية
وطمطام يمّ
الواحدية كما
قال عليه
السلام في
الدعاء (( رب
أدخلني في لجة
بحر أحديتك
وطمطام يم
وحدانيتك )) ،
فأعلاها بحر
لا موج له ولا
حركة ولا صوت
، ماء واحد
يجري من تحت
جبل الجمال
ويجري فيه فلك
الوصال
واللقاء
والتلاق والفلك
سرير المحبوب
، وقد ورد أن
أهل الجنة كل
يوم جمعة
يأتون لزيارة
الرب
وملاقاته
فيفاض عليهم
من النعيم ضعف
ما كان عندهم
من قبل وتلك
الزيارة هي
السباحة في
تلك اللجة
والركوب على
ذلك الفلك
والفلك هو ما
قلنا أنه سرير
المحبوب يجري
في البحر لا
في ذات
المحبوب فافهم
، وأوسط هذا
الأعلى
__________________
1
لقمان 27
طمطام
يمّ
الوحدانية
وهذا بحر له
موجات لطيفة
شريفة يدهش
الناظر بحسن
تقلباتها
وظهوراتها
وتلك إنما
حصلت عن نسمات
الألطاف
الربانية
وهبوب
الميولات
الصمدانية أي
ظهور التجليات
وبروز
الأسماء
والصفات وطور
الشئون
والإضافات
وهذا البحر
يجري من تحت
جبل الأزل أي
العرش قال
الشاعر :
انظر
إلى العرش على
مائه
سفينة تـجري
بأسمـائـه
يسبح في
لج بلا سـاحل في
جندل الغيب
وظلمائـه
وموجه
أحوال
عشـاقه
وريحه
أنـفاس
أبـنـائـه
والفلك
الجاري في هذا
البحر هو فلك
المعاني
وحقيقة
المباني
والنور
الشعشعاني مبادئ
مقام الرضوان
وأشرف أحوال
الجنان ، وآخر
هذا الأعلى
بحر الصاد
وأول المداد
ومنشأ الاستعداد
ومجرى
الأنهار
الأربعة التي
هي الماء
الغير الآسن
واللبن الذي
لم يتغير طعمه
والخمر الذي لذّة
للشاربين
والعسل
المصفى على ما
مضى شرحه
وبيانه ، وهذا
هوالبحر الذي
أتاه النبي
صلى الله عليه
وآله وسلم في
ليلة المعراج لما
دخل الجنة وقت
صلاة الظهر
ونودي يا محمد
أدن من صاد
وتوضأ لصلاة
الظهر ، وهو
بحر الجود وأصل
الوجود ،
والفلك
الجاري في هذا
البحر مراكب كبار
بحيث يسع كل
واحد منها
الدنيا وما
فيها مائة ألف
مرة ، وكل
واحد منها
قطعة من زمردة
خضراء
متشعشعة
متلألأة لها
نور يجلي
الأبصار ويصفي
الأنظار
ويذهب
الأكدار
ويكشف الغبار
ولا تزال
تتزاد نورا
وبهاء وشرفا
وجدّة ، تسير
في ذلك البحر
وتجري إلى ما
لا نهاية له ،
وراكبوا تلك
السفن رجال
شبان في سن
أبناء ثلاثين
حسن الوجه حسن
الشمائل
لوجوههم نور
يتلألأ كالشمس
في إشراقها
إذا كانت في
رابعة النهار
لو ظهر نور
واحد منهم
بقدر سمّ
الإبرة لأهل
هذه الدنيا
كلهم ماتوا
عشقا ومحبة
وغراما وصبابة
وتنجذب
أرواحهم إليه
إنجذاب
الحديد للمغناطيس
، وملك الموت
عن قبض روح
المؤمن يظهر بظهور
نور تلك الصور
الجميلة
والشمائل
اللطيفة
للمؤمن
فتنجذب روح
المؤمن ترتحل
عن هذه الدنيا
وهو في كمال
الشغف والشوق
إلى ذلك الجمال
والنور الحق
الّلايزال ،
وأعظم ملاذ
أهل الجنة
إنما هي
مشاهدة تلك
الصور والشمائل
قال
عز من
قائل { ونزعنا
ما فى صدورهم
من غل إخوانا على
سرر متقابلين
}1 والسير في
هذه السفن في
هذه الأبحر
الثلاثة أعظم
ملاذ أهل
الجنة لأنها
مقامات
الرضوان {
ورضوان من
الله أكبر }2 ، إلا أن
البحر الأول
هو الأكمل ثم
البحر الثاني
ثم الثالث لكن
كل واحد إذا
أراد راكب
السفينة أن
يظهر بخاصية
البحر الآخر
أمكن له ذلك
لأن له فيها
ما تشتهي الأنفس
وتلذ الأعين
وهم فيها
خالدون ، ولا
تتوهم من
كلامي عن هذه
الأبحر أنها
ماء مثل مياه
الدنيا كثيف
غليظ أسود أو
أخضر أو أبيض
وتتصور ركوب
البحار
الدّنيوية
فتنغص عليك
الشوق فوالذي
نفسي بيده إن
ذلك الماء ليس
مثل هذا الماء
ولا فيه كثافة
ولا غلظة ولا
شيء مما تتوهمه
وإنما هو ماء
به حياة كل
شيء وإنه ماء
لوذاق أحد
شربة منه لا
يؤْثر عليه
شيئا من نعيم الجنة
، وإنه ماء
لورآه أحد لا
يحب أن يصرف
نظره عنه لما
يرى من شدة
حسنه وطراوته
ونظارته ،
وإنه ماء يحصل
منه كل طعام
وشراب وغيرهما
من كل ما
تشتهي الأنفس
وتلذ الأعين
في الظاهر
والباطن
والصورة
والمعنى ،
وإنه ماء مجمع
الملاذ وجامع
اللذات كل لذة
ظهور لذة من
لذاته وكل حسن
من فاضل حسنه
فلا يلحقه شيء
من اللذات ،
ومنه ينبوع
عين الحيوان
ومنه ينبوع حوض
الكوثر ومنه
ينبوع عين
الكافور ومنه
ينبوع عين
السلسبيل
ومنه ينبوع
الشراب
الطهور ومنه
منابت
الأشجار
والثمار
وبفاضل
حلاوته وطيبه
تكون حلاوة
الثمار في
الجنة ، ومع
هذا كله فمن
ذلك البحر على
ذلك الفلك
يسار به إلى ملاقاة
الرب عز وجل
سقاكم الله
وإيانا منه
بمحمد آله
الطاهرين
الأكرمين .
وأوسطها بحر
العلم وعين
الحلم فأعلاه
بحر عين
اليقين ومقام
التمكين وأول
التعيين ، وهو
بحر أبيض
كالدر الصافي
يجري من جبل الميم
في بسم الله
الرحمن
الرحيم ،
والفلك الجاري
فيه قطعة من
اللؤلؤ
ظاهرها أبيض
وباطنها أحمر
وبينهما خضرة
ممدة ، وهذه
الجوهرة بكل
ألوأنها لها نور
يتلألأ ويشرق
أشد من إشراق
الشمس في
رابعة النهار
، فإذا نظر
إليها المؤمن
يمحو من شدة حسنها
لاجتماع تلك
الأنوار في
تلك الألوان ،
وراكبوا تلك
السفن جماعة
مبيضة وجوههم
مشرقة
ألوانهم
مزهرة
أنوارهم
رزقنا الله
مرافقتهم
_________________
1
الحجر 47 2
التوبة 72
وجمعنا
وإياهم ، وهذا
البحر في
جريانه ينتهي إلى
البحر الأصفر
أي ماء الذهب
يجري من الهاء
في بسم الله
الرحمن
الرحيم ، وفلك
هذا البحر من
الذهب المكلل
بأنواع
الجواهر
وآلاته من
الفضة
وأعمدته من
الزمردة
الخضراء
وشراعه من
الاستبرق ،
وعلى ساحل هذا
البحر سدرة
المنتهى وعلى
دوحاتها طيور
تغرد لها
ألحان مطربة
لوسمع شيئا
منها أهل
الدنيا
لماتوا من شدة
انجذاب
قلوبهم إليها
، فإذا هبت
نسمات
الألطاف
الإلهية على
أغصأنها وتحركت
تظهر نغمات من
اصطكاك
أوراقها أشد
وأحسن من تلك
النغمات
الطيبة بما لا
مزيد عليه
وتلك النسمات
لها روائح
طيبة فإذا
شمها المؤمن
يفنى من مقامه
ويميل إلى
الأعلى ويفاض
عليه من الأنوار
ما لا عين رأت
ولا أذن سمعت
ولا خطر على قلب
بشر وذلك
البحر هو مبدء
النهر من لبن
وهذا هوالذي
أراد الشاعر
بقوله :
إن في
الجنــة
نهـرا من لبن
لعـلي
وحســين
وحســن
وأسفله علم
اليقين وهو
البحر الأخضر
قد اجتمعت فيه
أبحر وأنهار
كثيرة مختلفة
في الألوان ،
وأعظمها
البحران
المتقدمان
يجري من تحت
جبل ميم
الرحمن في بسم
الله الرحمن
الرحيم ،
والفلك
الجاري في هذا
البحر من فضة صافية
مكللة
بالزمردة
الخضراء
المذهبة بالذهب
الصافي
الخالص له
أعمدة من
الياقوت الأحمر
ومن الدر
والزبرجد
وشراعه من
السندس والراكبون
في غاية الحسن
والجمال { حور
مقصورات فى
الخيام *
فبأى ءالاء
ربكما تكذبان * لم يطمثهن
إنس قبلهم ولا
جان }1 وعلى
المركب غلمان
وولدان
مخلدون لو رأى
أهل الدنيا
نور واحد منهم
لهلكوا ولهم
أصوات حسنة
ونغمات طيبة
يترنمون ويتغنون
بها لا يحب
السامع أن
يلتفت إلى شيء
غيرها إذ لا
لاذة عندهم
أحسن وألذ
وأطيب منها ولو
ظهرت شعرة
واحدة من شعور
الحور العين
في الدنيا
لماتوا من شدة
طيبه وشدة
ضيائه وكثرة
نوره وبهائه،
فإذا كان هذا
حال شعرة منها
فكيف حالها ،
وأهل الجنة مع
تلك الأنوار
العظيمة التي
أحاطت بهم إذا
تبسمت الحور
يظهر من ثناياها
نور متلالئ
حتى يزعموا
أنه من نور
تجلي الرب
فإذا التفتوا
فإذا هي حورية
قد تبسمت حيث
نظرت إلى ولي
الله فتأتيه
فيتعانقان في
معانقة واحدة
مقدار خمس
مائة سنة أو
سبعمائة
_______________
1
الرحمن 72 - 74
فيفترقان
من غير كلال
ولا ملال ولا
تغير حال ولا
نقصا في شوق
ولا فتور محبة
سبحان من لا
غاية لنعيمه ،
وعلى ساحل ذلك
البحر شجرة
طوبى وتلك
الشجرة أصلها
في بيت سيدنا
و مولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام
ثم انتشرت
أغصأنها في كل
بيت في الجنة
وعليها كل
فاكهة من
الفواكه التي
يتعلقها
الإنسان ،
وأغصان تلك
الشجرة من الياقوت
والزبرجد
والزمرد وحول
تلك الشجرة قصور
وبساتين
وجنات تجري من
تحتها
الأنهار ، وهذا
الذي ذكرنا هو
باطن الجنة
وهو العلم
بمراتبه
وأقسامه
وأحواله وقد
سماه الإمام
عليه السلام
بحر الماء
أشرنا إليه
وللسر الذي
أراد أن يبين
روحي فداه .
وأسفلها
طعام وشراب
ونكاح وتلذذ
وتنزه كما هو
المشروح
المفصل في
الأخبار عن
الأئمة
الأطهار ،
وإني أحب أن
أذكر حديثا في
هذا الباب
يشمل بظاهره المقام
الثالث
وبباطنه
وباطن باطنه
المقامات
الأخر ، في
روضة الكافي
عن أبي جعفر
عليه السلام
قال (( إن رسول
الله صلى الله
عليه وآله وسلم
سئل عن قـول
الله عز وجـل {
يوم نحشر
المتقين إلى
الرحمن وفدا }1
فقال صلى الله
عليه وآله
وسلم يا علي
إن الوفد لا
يكون إلا ركبانا
أولئك رجال
اتقوا الله
فأحبهم الله
واختصهم ورضي
أعمالهم فسماهم
المتـقين ، ثم
قال له : يا علي
، أما والذي
فلق الحبة
وبرأ النسمة
إنهم ليخرجون
من قبورهم وإن
الملائكة لتستقبلهم
بنوق من نوق
العز عليها
رحائل الذهب
مكللة بالدر
والياقوت
وجلائلها
الاستبرق والسندس
وخطمها حبك
الأرجوان ،
تطير بهم إلى
المحشر ، مع
كل رجل منهم
ألف ملك من
قدامه وعن يمينه
وعن شماله
يزفونهم زفا
حتى ينتهوا
بهم إلى باب
الجنة الأعظم
وعلى باب
الجنة شجرة إن
الورقة منها
ليستظل تحتها
ألف رجل من
الناس وعن
يمين الشجرة
عين مطهرة
مزكية ، قال :
فيسقون منها
شربة فيطهر
الله بها
قلوبهم من
الحسد ويسقط
من أبشارهم
الشعر وذلك
قول الله عز
وجـل
___________________
1
الرحمن 85
{
وسقاهم ربهم
شرابا طهورا }1
من تلك العين
المطهرة ، قال
: ثم ينصرفون
إلى عين أخرى
عن يسار
الشجرة
فيغتسلون
فيها وهي عين
الحياة فلا
يموتون أبدا،
قال : ثم يوقف
بهم قدام العرش
وقد سلموا من
الآفات
والأسقام
والحر والبرد
أبدا ، قال :
فيقول الجبار
جل ذكره
للملائكة الذين
معهم أحشروا
أوليائي إلى
الجنة ولا توقفوهم
مع الخلائق
فقد سبق رضاي
عنهم ووجبت
رحمتي لهم
فكيف أريد أن
أوقفهم مع
أصحاب الحسنات
والسيئات ،
قال : فتسوقهم
الملائكة إلى
الجنة فإذا
انتهوا بهم
إلى باب الجنة
الأعظم ضرب
الملائكة
الحلقة ضربة
فتصر صريرا
يبلغ صوت صريرها
كل حوراء
أعدها الله عز
وجل لأوليائه في
الجنان
فيتباشرون
بهم إذا سمعوا
صرير الحلقة ،
فيقول بعضهن
لبعض قد جاءنا
أولياء الله ،
فيفتح لهم
الباب
فيدخلون
الجنة وتشرف عليهم
أزواجهم من
الحور العين
والآدميين
فيقلن مرحبا
بكم فما كان
أشد شوقنا
إليكم ويقول لهنّ
أولياء الله
مثل ذلك : فقال
علي عليه السلام
: يا رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم
أخبرنا عن قول
الله جل وعز {
غرف من فوقها
غرف مبينة }2 بماذا
بنيت يا رسول
الله ، فقال :
يا علي تلك الغرف
بناها الله عز
وجل لأوليائه
بالدر والياقوت
والزبرجد
سقوفها الذهب
محبوكة
بالفضة لكل
غرفة منها ألف
باب من ذهب
على كل باب
منها ملك موكل
به فيها فرش
مرفوعة بعضها
فوق بعض من
الحرير
والديباج
بألوان مختلفة
وحشوها المسك
والكافور
والعنبر وذلك
قول الله عز
وجـل { وفرش
________________
1
الإنسان 27
2
الزمر 20
مرفوعة
}1 إذا أدخل
المؤمن إلى
منازله في الجنة
ووضع على رأسه
تاج الملك
والكرامة
ألبس حلل
الذهب والفضة
والياقوت
والدر
المنظوم في
الإكليل تحت التاج
، قال : وألبس
سبعين حلة
حرير بألوان
مختلفة وضروب
مختلفة
منسوجة
بالذهب والفضة
واللؤلؤ
والياقوت
الأحمر فذلك
قوله عز وجل {
يحلفون فيها
من أساور مم
ذهب ولؤلؤا
ولباسهم فيها
حرير
}2 فإذا جلس
المؤمن على
سريره اهتز
سريره فرحا
فإذا استقر
بولي الله جل
وعز منازله في
الجنان
استأذن عليه
الموكل
بجنانه ليهنئه
بكرامة الله
عز وجل إياه
فيقول خدام المؤمن
من الوصفاء
والوصائف
مكانك فإن ولي
الله قد اتكأ
على أريكته
وزوجته
الحوراء تهيأ
له فاصبر لولي
الله ، قال :
فتخرج عليه
زوجته الحوراء
من خيمة لها
تمشي مقبلة
وحولها وصائفها
وعليها سبعون
حلة منسوجة
بالياقوت
واللؤلؤ
والزبرجد وهي
من مسك وعنبر
وعلى رأسها تاج
الكرامة
وعليها نعلان
من ذهب
مكللتان بالياقوت
واللؤلؤ
شراكهما
ياقوت أحمر
فإذا دنت من
ولي الله فهم
أن يقوم إليها
شوقا فتقول يا
ولي الله ليس
هذا يوم تعب
ولا نصب فلا
تقم أنا لك وأنت
لي ، قال :
فيتعانقان
مقدار خمس
مائة عام من
أعوام الدنيا
لا يملها ولا
تمله ، قال :
فإذا فتر بعض
الفتور من غير
ملالة نظر إلى
عنقها فإذا
عليها قلائد
من قصب من
ياقوت أحمر
وسطها لوح
صفحته درة
مكتوب فيها
أنت يا ولي
الله حبيبي
وأنا الحوراء
حبيبتك إليك
تناهت نفسي
وإلي تناهت
نفسك ثم يبعث
الله إليه ألف
ملك يهنئونه
بالجنة
ويزوجونه
بالحوراء ، قال
: فينتهون إلى
أول باب من
جنانه
فيقولون للملك
الموكل
بأبواب جنانه
استأذن لنا
على ولي الله
فإن الله
بعثنا إليه
نهنئه فيقول
لهم الملك حتى
أقول للحاجب
فيعلمه
بمكانكم قال فيدخل
الملك إلى
الحاجب وبينه
وبين الحاجب
ثلاث جنان حتى
ينتهي إلى أول
باب فيقول
للحاجب إن على
باب العرصة
ألف ملك
أرسلهم رب
العالمين تبارك
وتعالى
ليهنئوا ولي
الله وقد
سألوني أن آذن
لهم عليه
فيقول الحاجب
إنه ليعظم علي
أن أستأذن
لأحد على ولي
الله وهو مع
زوجته الحوراء
، قال : وبين
الحاجب وبين
ولي الله
جنتان قال
فيدخل الحاجب
إلى القيم
فيقول له إن
على باب
العرصة ألف
ملك أرسلهم رب
العزة يهنئون
ولي الله
فاستأذن لهم
فيتقدم القيم
إلى الخدام فيقول
لهم إن رسل
_______________
1 الواقعة
34 2
الحج 23
الجبار
على باب
العرصة وهم
ألف ملك
أرسلهم الله
يهنئون ولي
الله فأعلموه
بمكانهم، قال
: فيعلمونه
فيؤذن
للملائكة
فيدخلون على
ولي الله وهو
في الغرفة
ولها ألف باب
وعلى كل باب
من أبوابها
ملك موكل به
فإذا أذن
للملائكة
بالدخول على ولي
الله فتح كل
ملك بابه
الموكل به،
قال : فيدخل
القيم كل ملك
من باب من
أبواب
الغرفة، قال :
فيبلّغونه
رسالة الجبار
جل وعز وذلك قول
الله تعالى {
والملائكة
يدخلون عليهم
من كل باب }1 من
أبواب
الغرفة
{ سلام عليكم
}2 إلى آخر
الآية ، قال
وذلك قوله جل
وعز { وإذا
رأيت ثم رأيت
نعيما وملكا
كبيرا }3 يعني
بذلك ولي الله
وما هو فيه من
الكرامة
والنعيم والملك
العظيم
الكبير إن
الملائكة من
رسل الله عز ذكره
يستأذنون في
الدخول عليه
فلا يدخلون عليه
إلا بإذنه
فلذلك الملك
العظيم
الكريم الكبير
، قال :
والأنهار من
تجري تحت
مساكنهم وذلك
قول الله عز
وجل { تجرى من
تحتهم الأنهار
}4 والثمار دانية
منهم وهو قوله
عز وجل {
ودانية عليهم
ظلالها وذللت
قطوفها
تذليلا }5 من
قربها منهم
يتنأول
المؤمن من
النوع الذي يشتهه
من الثمار
بفيه وهو متكئ
وإن الأنواع
من الفاكهة
ليقلن لولي
الله يا ولي
الله كلني قبل
أن تأكل هذا
قبلي ، قال :
وليس من مؤمن
في الجنة إلا
وله جنان
كثيرة
معروشات وغير
معروشات
وأنهار من خمر
وأنهار من ماء
وأنهار من لبن
وأنهار من عسل
فإذا دعى ولي
الله بغذائه
أتي بما تشتهي
نفسه عند طلبه
الغذاء من غير
أن يسمي شهوته
، قال : ثم
يتخلى مع إخوانه
ويزور بعضهم
بعضا
ويتنعّمون في
جناتهم في ظل
ممدود في مثل
ما بين طلوع
الفجر إلى
طلوع الشمس ،
وأطيب من ذلك
لكل مؤمن
سبعون زوجة
حوراء وأربع
نسوة من
الآدميين ،
والمؤمن ساعة
مع الحوراء
وساعة مع
الآدمية
وساعة يخلو
بنفسه على
الأرائك
متكئا ينظر
بعضهم إلى بعض
وإن المؤمن
ليغشاه شعاع
نور وهو على
أريكته ويقول
لخدامه ما هذا
الشعاع
اللامع
لعل الجبار
لحظني فيقول
له خدامه قدوس
قدوس جل جلال الله
بل هذه حوراء
من نسائك ممن
لم تدخل بها بعد
قد أشرفت عليك
من خيمتها
شوقا إليك وقد
تعرضت لك
وأحبت لقاءك
فلما أن رأتك
متكئا على سريرك
تبسمت نحوك
شوقا إليك
________________
1
الرعد 23 2
الرعد 24 3
الإنسان 20
4
الكهف 31 5
الإنسان 14
فالشعاع
الذي رأيت
والنور الذي
غشيك هو من بياض
ثغرها وصفائه
ونقائه ورقته
، قال : فيقول ولي
الله إئذنوا
لها فتنزل إلي
فيبتدر إليها
ألف وصيف وألف
وصيفة
يبشرونها بذلك،
فتنزل إليه من
خيمتها
وعليها سبعون
حلة منسوجة
بالذهب
والفضة مكللة
بالدر والياقوت
والزبرجد
صبغهن المسك
والعنبر
بألوان مختلفة
تيرى مخ ساقها
من وراء سبعين
حلة طولها سبعون
ذراعا وعرض ما
بين منكبيها
عشرة أذرع فإذا
دنت من ولي
الله أقبل
الخدام
بصحائف الذهب
والفضة فيها
الدر
والياقوت
والزبرجد
فينثرونها
عليها ثم
يعانقها
وتعانقه فلا
تمل ولا يمل ،
قال : ثم قال
أبوجعفر عليه
السلام أما
الجنان
المذكورة في
الكتاب فإنهن
جنة عدن وجنة
الفردوس وجنة
نعيم وجنـة
المأوى ، قال :
وإن لله عز
وجل جنانا
محفوفة بهذه
الجنان وإن
المؤمن ليكون
له من الجنان
ما أحب واشتهى
يتنعم فيهن
كيف شاء وإذا
أراد المؤمن
شيئا أو اشتهى
إنما دعواه
فيها إذا أراد
أن يقول
سبحانك اللهم
فإذا قالها
تبادرت إليه
الخدم بما
اشـتهى من غير
أن يكون طلبـه
منهم أو أمر
به فذلك قول
الله عز وجـل {
دعواهم فيها
سبحانك اللهم
وتحيتهم فيها
سلام } يعني
الخـدام قـال
: { وءاخر
دعواهم أن
الحمد لله رب
العالمين }1
يعني بذلك
عندما يقضون
من لذاتهم من
الجماع
والطعام والشراب
يحمدون الله
عز وجل عند
فراغهم ، فأما
قوله { أولئك
لهم رزق معلوم
}2 قال يعلمه
الخدام
فيأتون به
أولياء الله
قبل أن يسألوهم
إياه ، وأما
قوله عز وجل {
فواكه وهم مكرمون
}3 قال فإنهم لا
يشتهون شيئا
في الجنة إلا أكرموا
به ))4 انتهى .
وإنما
ذكرت الحديث
بطوله لما فيه
من المنافع
وتفصيل أحوال
الجنة معها .
فإذا
عرفت أن الجنة
بحر وأن الجنة
العامة
للمؤمنين إنما
هي سبعة فاعلم
أن الفردوس له
إطلاقان مرة يطلق
ويراد به
الجنة كما مرّ
، ومرّة يطلق
ويراد به
الطبقة
الأولى من
طبقات الجنة
وهذه الأولى
يحتمل أن تكون
أعلى الجنان
كلها ويكون
بعد جنة عدن
في الشرف
والرتبة كما
يشر إليه قـول
________________
1 يونس
10 2
الصافات 41 3
الصافات 42
4
الكافي 8/76 – 70 ح 69
مولانا
الباقر عليه
السلام في
الحديث المتقدم
وما تقدم من
ذكرها أولا
فلا يضر حينئذ
جعل جنة عدن
في الرابعة
لأن تلك
الجنان تستمد
منها
كاستمداد
الأفلاك الستة
من الشمس وهي
في الفلك
الرابع وفلك
زحل في السابع
والمريخ متصل
بالشمس مع أن
فلك زحل أشرف
من المريخ
وأوسع وأعلى
وأول ما يستمد
منها من ذات
العقل الكلي ،
فكذلك جنة
الفردوس فأنها
تكون أعلى
الجنان وهي
الواقعة في
الطبقة الأولى
من الأعلى
فإذا صعدت من
الأسفل إلى
الأعلى فتكون
هي السابعة
وإن كان العكس
فتكون هي
الأول
فقوله عليه
السلام (( وهو في
البحر السابع
)) يريد به أنه
أعلى الجنان
وأقربها إلى
جنة عدن التي
أهلها لا
يلتذون إلا بمشاهدة
جمال الحق
وجلاله ولا
يزال يسبحون
في لجة بحر
الأحدية
وطمطام يمّ
الوحدانية
فإذا ، رأى
عليه السلام
الأعلى وأحاط
به علما فقد رأى
الأسفل
بالطريق
الأولى فإن كل
من رأى فلك زحل
بالمشاهدة
العيانية
ووصل إليها
فقد وصل الأفلاك
الأخر وأحاط
بها علما في
كل الأحوال
من حيث الحجم
والمقدار و
ثخن الفلك وسعته ومن حيث
الحركة لأنه
أبطء الكل حركة
لأنه يقطع كل
دورة في مدة
ثلاثين سنة
ولا كذلك
الكواكب
الأخر ، فإذا
قلنا بعيدا أن
جنة الفردوس
تحت الجنان
كلها وهي
الأولى
بالنسبة إلى
الصعودي
والسابعة
بالنسبة إلى
النزولي
فاختصاصها بالذكر
لحكايتها
ومظهريتها
بما فوقها كما
أن جسم
الإنسان يكون
محلا ومظهرا
للمراتب الفوقية
من الأرواح
والمجردات،
فالواقف في
هذا المقام
على جهة
اليقين إذا
علم هذه
المرتبة برأي
العين والعلم
الشهودي فقد
شاهد
المقامات الفوقية
بما فيها
لارتباطها
بها واتصالها
معها وسر
النزول زيادة
العلم
والمعرفة
والكمال
والمرتبة
وإلا لكان
النزول عبثا
وهباء وهذا
ظاهر إنشاء
الله .
وإن
كان المراد
بالفردوس هو
الإطلاق
الآخر أي مطلق
الجنة فاعلم
أن الموجودات
ما ظهرت في
الوجود إلا
مسبعة ويطول
الكلام بسر هذا
التسبيع وربما
أشرنا إليه
فيما بعد ولما
كان الوجود
على نسق واحد {
ما ترى فى خلق
الرحمن من
تفاوت }1
جرى هذا السر
في الكلـي
والجزئـي
________________
1
الملك 3
والكل
والجزء ولذا
كانت مراتب
العالم سبعة وكل
مرتبة بحر كما
أشرنا إليه
عند قوله عليه
السلام (( خالق
البحار ))
فراجع .
المرتبة
الأولى عالم
الأجسام من الأفلاك
والعناصر
والتولدات ،
الثانية عالم
المثال وعالم
الأشباح ،
الثالثة عالم
المواد وجوهر
الهباء آخر
المجردات ،
الرابعة عالم
الطبائع
النور الأحمر
أول الحل الثاني
، الخامسة
عالم النفوس
وسط الملكوت
وظل الرحمة
والولاية ،
السادسة عالم
الأرواح عالم الرقائق،
السابعة عالم
العقول وأعلى
الجبروت ،
والإنسان
أيضا مركب من
هذه السبعة
وهي كلياتها
تجمعها ثلاث
مراتب ،
الأولى عالم
العقول ومبدء
هذه هو العقل
الكلي النور
الأبيض الذي منه
البياض ومنه
ضوء النهار
وهو أقرب
الأشياء إلى
المبدء
وبياضه عبارة
عن غاية
لطافته وعدم
شوبه
بالطبائع
الأخر وبقاؤه
على صرف البساطة
والنورانية
وهوالذي خلقه
الله عز وجل
قبل الخلق وهو
حامل الأنوار
وجامع
الأسرار المنزه
عن كل الأكدار
ميله دائما
إلى الأعلى
ولا يميل إلى
شيء سوى الله
ولذا استنطقه
الله ثم قال
له أدبر فأدبر
ثم قال له
أقبل فأقبل ثم
قال له عز وجل ((
وعزّتي
وجلالي ما
خلقت خلقا هو
أحب إلي منك
بك آخذ وبك
أعطي وبك أثيب
وبك أعاقب ))1 وفي
رواية أخرى ((
إياك أثيب
وإياك أعاقب
ولا أكملتك
إلا في من أحب ))
فجعله عز وجل
مبدء الثواب
والعقاب ،
ولما كان
الثواب ذاتيا
فهو منه وإليه
ولما كان
العـقاب
عرضيا فهو به
ولا إليه ولا
منـه (( الخير
في يديك والشر
ليس إليك )) ،
والعقل هو يد
الله وفيها كل
الخير إذ بها
يفاض على كل
الخلق فهو
بمنزلة
السراج
الوهاج الذي
لا ظلمة فيه
ولا كثافـة وفيه
أصل الخير وهو
معدنه ، فإن
وصل شيء إلى
أحد فهو منه
ولذا قال
تعالى (( ما
خلقت خلقا هو
أحب إلي منك ))
ولما كانت
الجنة دار
محبة الله جل
وعلا ففيه
أصلها و
مستقرها و منشؤها
لأنه منبع
الأنوار
وجامع
الأسرار وقد سبق
تفصيل الأمر
في ذلك ،
وعلمت أن كل
نور وبهاء
وخير ينتهي
إليه كما بينا
من جنود العقل
وأطواره
فإليه مرد كل
حق وصواب وما
لم ينسب إليه
فهوباطل وكذب
وزور .
________________
1
مستطرقات
السرائر 621
الثانية
عالم النفوس
وهذا العلم له
وجهان وجه إلى
العقل أي إلى
المبدء ووجه
إلى الشيطان فالوجه
المتعلق
بالعقل
والناظر إليه
هي النفس
المطمئنة وما
فوقها من
الراضية
والمرضية والكاملة
فهي حينئذ أخت
العقل قال عز
وجل { فإن تابوا
وأقاموا الصلاة
وءاتوا
الزكاة
فإخوانكم فى
الدين }1 ,
والوجه
المتعلق
الناظر إلى
الشيطان وهي
النفس
الأمارة
بالسوء
والنفس
الملهمة
والنفس اللوامة
وهذه الثلاثة
نظرها إلى
الشيطان ويسجدون
للشمس من دون
الله وما
أطاعوا العقل
وما انقادوا
فصاروا إلى
جهنم وبئس
المصير .
الثالثة
عالم الأجسام
وهذا العالم أيضا
له وجهان وجه
إلى العقل
ووجه إلى
النفس الأمارة
بالسوء ، وأما
المراتب
الأخر فكلها
روابط وبرازخ
لا استقلال
إلا لهذه
الثلاثة وتلك
توابع فلا حكم
لها إلا
بالتبعية .
فالإنسان
مركب من هذه
الثلاثة واحد طيب
طاهر والاثنان
من حيث
أنفسهما نجس
فلا يطهر
الإنسان إلا
إذا ذهب ثلثاه
وهو نصيب
الشيطان وفي
رواية آخر بول
الشيطان وفي
آخر مصّه كما
في التمر
والعنب وهما
مثالان
للإنسان ،
فإذا ذهبت جهة
النفس من
الشهوات
واللذات
المعنوية
الغير المرادة
لله عز وجل
وجهة الجسم من
اللذات الحسية
الجسمية من
شهوة الأكل
والشرب
والجماع وأمثال
ذلك على غير
الوجه
المأمور من
قبل الله عز
وجل وتبقى جهة
العقل و
مقتضياته وهو
ما يقتضي إلا
الخير ولا
يدعو إلا
إليه
فهناك يفتح
له أبواب
الجنان ،
فالعقل
هوالبحر السابع
من الأبحر
السبعة وفيه
الفردوس
والجنة لا في
سواه إلا إذا
آل إليه
والفلك
الجاري في ذلك
البحر هو
سفينة
المعاني توصل
إلى معرفة
غيوب الأشياء
وأسرار
حقائقها وإلى
معرفة الله
وإلى الجنة
التي فيه ، أو
الفلك هي
الأعمال
والعبادات
والطاعات
وأنحاء
القابليات
الموصلة إلى
اللآلي
المكنونة في
قعر ذلك البحر
واستخراج
الكنوز وفك
الرموز ،
فالجنة
مبدئها العقل
وإليه تعود بل
العقل منشأ
ظهورها وأول
من ذاق الباكورة
في حديقتها
وأول غصن أخذ
من شجرة الخلد
التي فيها كما
تأتي إليه
الإشارة
إنشاء الله .
_________________
1
التوبة 11
أو
يكون المراد
من الأبحر هي
التي أشار
إليها مولانا
الكاظم عليه
السلام لما
سأله يحيى بن
أكثم عن قوله
تعالى {
والبحر يمده
من بعده سبعة
أبحر }2 قال
عليه السلام ((
عين الكبريت وعين
اليمين وعين
برهوت وعين
الطبرية و جمة
ماسيدان و جمة
باجوران ( وفي
نسخة بلعوران
) وعين
إفريقية ))1 ولما أن
الله سبحانه
حصر الوجود في
هذه الأبحر
السبعة لمن يفهم
كانت الجنة في
البحر السابع
وهو عين اليمين
فإن الله عز
وجل في الخلق
الأول لما
أراد أن يخلق
الخلق قبض
فبضة بيمينه
فخلق منها ماء
طيبا وأرضا
طيبة قال
____________________
1,
الاحتجاج 454 ,
البحـار 4/151 ح 5 (
وما بين
القوسين لم
نعثر عليه ) .
تعالى
{ فسقناه إلى
بلد ميت }1 وخلق
منهما الجنة
ونعيمها ثم
قبض
قبضة من تلك
الأرض الطيبة
التي هي أرض
الجنة التي هي
العليين
فصلصلها
فعركها عركا
شديدا وخلق منها
أهل الجنة من
الأنبياء
والمرسلين
والملائكة
المقربين
والمؤمنين
الممتحنين
وأولوا
الصفوة من الخلق
أجمعين ، فعين
اليمين بحر
يجري من الجبل
الذي تحت
العرش ومنها
الجنة
ونعيمها
وأهلها وسكأنها
وحورها
وغلمأنها .
أويكون
المراد من
الأبحر
السبعة هو السبع
المثاني وكل
واحد من تلك
السبعة بحر خضمّ
وطمطام متلاطم
من عظمة الله
وجلاله
وكبريائه
ونوره وبهائه
، وأما الجنة
أي ظهور
آثارها
وتفاصيل
أحوالها في
البحر السابع
وهو أول اسم
خلقه الله لنفسه
ليدعوه به
وأول ما اختار
لنفسه وهو
العلي العظيم
وأول بيت وضع
للناس وأول
نور اصطفاه الله
وهو علي عليه
السلام فإن
السبع
المثاني هم
الأئمة
الأربعة عشر
وهم سبعة قد
كررت ومن غير
تكرير سبعة
وهم محمد وعلي
وفاطمة
والحسن والحسين
وجعفر وموسى
عليهم السلام
، والبحر السابع
وإن كان
محمداصلى
الله عليه
وآله وسلم لكن
لما كان علي
عليه السلام
هو حامل
اللواء فكان
يطوف حول جلال
القدرة
ومحمد صلى الله
عليه وآله
وسلم يطوف حول
جلال العظمة
مع أن الأمر
بالعكس وكان
علي عليه
السلام قسيم
الجنان وهو
عليه السلام
ساقي الحوض
وولايته جنة لا
تكفي ولاية
النبي وحدها
لدخول الجنة
فكم قد أقروا
بالنبي صلى
الله عليه
وآله وسلم
ودخلوا النار
والأصل في ذلك
ما ورد أن
الجنان سقفها
عرش الرحمن
فالجنة في
مقام الكرسي
لا في مقام
العرش وإن
كانت متقومة
به قال
______________
1 فاطر 9
الله {
وسع كرسيه
السماوات
والأرض }1 وقال عز
وجل { * وسارعوا
إلى مغفرة من
ربكم وجنة
عرضها السماوات
والأرض }2
فتكون في
الكرسي وعلي
عليه السلام
هو صاحب
الكرسي كما أن
محمدا صلى
الله عليه
وآله وسلم
صاحب العرش ،
فيكون البحر
السابع هو علي
عليه السلام
فيكون
الفردوس فيه
ومنه وله وعنه
وبه ولديه
عليه السلام ،
والفلك
الجاري فيه وهو
ولايته
وطاعته
والإخلاص في
محبته والطيبون
من أولاده
وأحفاده
عليهم السلام
والصديقة
الطاهرة
عليها السلام
، قال النبي
صلى الله عليه
وآله وسلم ((
مثل أهل بيتي
كسفينة نوح من
ركبها نجى ومن
تخلف عنها هلك
)) ومن الفلك
الجاري فيه
الشيعة
المخلصون
لأنهم القرية
الظاهرة
للسير إلى
القرية
المباركة كما
قال مولانا الصادق
عليه السلام
لعبدالله بن
زرارة في أبيه
زرارة (( والله
إنه لمن أعظم
السفن الجارية
في اللجج
الغامرة )) وهم
الذين يوصلون
إلى ساداتهم
وكبرائهم
وأئمتهم سلام
الله عليهم
فإن ولايتهم
جنة كما قال
الصادق عليه
السلام للرجل
لما قال ((
اللهم أدخلني
في الجنة قال
عليه السلام
لا تقل هكذا
أنتم في الجنة
قل اللهم لا
تخرجنا منها ))
وإليه يشير
تأويل قوله
تعالى {* وأما
الـذيـن
سعدوا ففى
الجنة خالدين
فيها ما دامت
السماوات
_________________
1
البقرة 255
2 آل
عمران 133
والأرض
ما شاء ربك }1
فإذا بلغ
الكلام إلى
هذا المقام
فلا علينا أن
نذكر السر في كون
الجنان ثماني
طبقات
والنيران سبع
طبقات ، وهوأن
الخلق بدأ عن
فعل الله عز
وجل على
الاستدارة
الصحيحة
الكاملة ولما
أن غاية
الإيجاد وهي
المحبة وهي
الوصلة بينه
وبين خلقه خلق
الله عز وجل
إياها قبل كل
شيء وخلق
الخلق منها ،
فهم حاملوا
المحبة
والحاملون
خزن الحكمة واقتضت
أن يكونوا
سبعة لما
أشرنا سابقا
من اقتضاء
الإيجاد
السبع لظهور
مراتب أول
المفرد وأول
الزوج فيه ،
ولما كان
الإيجاد على
مقتضى الانوجاد
كان لكل شيء
ضد فتلك
النقطة
الإلهية بقيت
لا ضد لها لأن
التضاد تقابل
وتحديد ولا حد
ولا تقابل في
تلك النقطة إذ
لا كثرة فيها
فلما دارت
الموجودات
على
الاستدارة
فإن دارت على
خلاف التوالي
وخلاف وجه
المبدأ صار
وجهه على طرف
الضد فنكست
رؤوسهم على
مقتضى ذلك الضد
على ترتيب
طبقات الأصل ،
ولما أنهم
نظروا إلى
أنفسهم وحدود
إنيتهم
وأعرضوا عن
تلك النقطة
الحقيقية
الإلهية التي
هي المحبة
بقوا في مقام
التحديد
والتقييد
فنساهم الله
كما
________________
1 هود 108
نسوه
قال تعالى {
نسوا الله
فنسيهم }1
فكان مقامات
الإدبار
ومظاهر الغضب
سبعة لا تزيد
عليها لأن
الضد على طبق
ضده ولا ينقص
عنها ، فإن دارت
على
الاستدارة
على نقطة
مبدئها ودارت
على وجه
مبدئها
تستنير
المراتب ،
ولما أنها تصعد
إلى مبدئها
تخرق الحجب
والدوائر إلى
أن وصلت إلى
النقطة
الحقيقة التي
هي نقطة
المحبة وهي
عالم
اللانهاية ،
وتصعد في
مقامات ذلك
العالم فتبقى
تنزع الحدود
ويظهر له
الشهود ويتشرف
بلقاء ظهور
المعبود
فيؤثر محبوبه
على من سواه
فلا يلتذ إلا
بذلك ، فمن
هذه الجهة
ليست لتلك
الجنة حظيرة
لانقطاع
الروابط
وانفصام العلائق
وأول ظهورها
في البحر
السابع فلذا
كان حظيرته
أعلى الحظائر
وأشرفها
وأقواها وأشدها
فلذا وجب أن
تكون الجنة
ثماني طبقات
لإتصال
سلسلتهم إلى
الله عز وجل
والنار سبع
طبقات لانقطاع
سلسلتهم إلى
الله عز وجل
فتبقى تلك المراتب
السبعة
المجتثة ،
وكانت لكل تلك
المراتب
حظائر لأنها
عين العلاقة
والارتباط ،
والوجه الآخر
لهذا
الخصوصية وهو
ما سمعت من
شيخي وثقتي
وأستاذي أطال
الله بقاءه
وجعلني فداه وهوأن
الإنسان له
ثماني مراتب
العقل والنفس والجسد
والحواس
الخمسة فإذا
أطاع بكل
مرتبة يفتح له
باب من الجنة
وإذا عصى يفتح
له باب من النار
، وأما العقل
فلا يعصي فليس
بإزائـه باب في
الجحيم وهذا
هو الوجه ،
إنما قال أطال
الله بقاه
للمبتدئين
الذين لا
يعرفون وإلا
فالوجه
الحقيقي هو الذي
أشرنا إليه إن
وفقت تفهم فإن
ذلك مما
استفدنا منه
أطال الله
بقاه إلا أن
كلماته على
مقامات
الأشخاص .
ثم
اعلم أن قوله
عليه السلام
إشارة إلى ما
في الآية
الشريفة { إن
الذين ءامنوا
وعملوا
الصالحات
كانت لهم جنات
الفردوس نزلا * خالدين
فيها لا يبغون
عنها حولا *
قل لو كان
البحر مدادا
لكلمات ربى
لنفد البحر
__________________
1 التوبة 67
قبل أن
تنفد كلمات
ربى ولو جئنا
بمثله مددا }1
وفسر سبحانه
هذا البحر
وفصّله بقوله عز
وجل { والبحر
يمده من بعده
سبعة أبحر ما
نفدت كلمات
الله }2 وقد قال
مولانا
الكاظم عليه
السلام (( نحن
الكلمات التي
لاتدرك
فضائلها
ولاتستقصى ))3
وهذا هوالذي
قلنا أنه
إشارة إلى أهل
المعاني
بحقيقة المباني
لأنه عليه
السلام جعل
جنات الفردوس
ومنازلها
كلها في البحر
السابع وذلك
البحر من بعض
ما جعله الله
سبحانه مدادا
لبيان أحوال الكلمات
العاليات
التامات التي
لا يجاوزهن برّ
ولا فاجر
وينفد قبل أن
تـنفد كلمات
الله ، وهذا
لا يكون إلا
إذا كان ذلك
المداد من
شعاع الكلمات
ودلالة تلك
الحروف
العاليات
فينقطع
الشعاع دون
المنير
والدلالة دون
الكلمة فلا
يصلون إلى
حقيقة المنير
والكلمة ،
أويكون من
المراتب
النازلة لها
أي بمنزلة
القشور والظواهر
فلا تصل إلى
حقيقة اللب
والأصل ، ولا
يجوز أن
تتساوى مع
الكلمات وإلا
لم يتصور
النفاد دونها
مع كونه عينها
وداخلا في
حقيقتهما ، ولا
يجوز أن يكون
أعلى فإن
الأسفل ينفد
عند الأعلى لا
العكس فلم
يبقى إلا ما
ذكرنا فحينئذ
تكون الجنة و
ما فيها من
الأشعة
والعكوسات
بالنسبة
إليهم عليهم
السلام وهي
سابع الأبحر
أول ظهور
أنوارهم و
مفتتح بروز
أسرارهم وهي الجنة
التي للخلق
كلهم فإن
المكان في
مقام التمكن
فلا يكون أعلى
منه بل مساوق
لوجوده ، وقد
دلّ العقل
والنقل أن
حبهم جنة وذلك
الحب هو ما
جعل في حقيقة
ما سواهم من
رشح سر (( أحببت
أن أعرف ))
الظـاهر فيهم
، وذلك الحب
هو نقطة الكون
و منها انبسطت
الموجودات
والكائنات فحق
وباطل، فالحق
من موافقة
النقطة
والباطل من
مخالفتها ،
والأول ظهور
الرحمة
وتفاصيل الجنة
والثاني ظهور
الغضب
وتفاصيل
الجحيم، هذا
بالنسبة إلى
الجنة التي
لغيرهم وأما
التي تخصهم
فما في البحر
السابع وما
دونه من المراتب
النازلة ينفد
وتنقطع عند سر
(( فأحببت أن أعرف
)) بل (( كنـت كنزا
مخفيا )) وتلك
هي الكلمة
العليا
والمثل
الأعلى وهي
حقيقتهم
وذواتهم عليهم
________________
1
الكهف 107 – 109 2
لقمان 27
3
المناقب 4/404 ,
البحار 4/151 ح 3
السلام
لأنها أول
كلمة تكلم بها
الحق سبحانه ومن
فروع تلك
الكلمة
وقشورها عيسى
عليه السلام
حيث يقول الحق
سبحانه { إن
الله يبشرك
بكلمة منه
اسمه المسيح
عيسى ابن مريم
}1 وهذه الكلمة
مثال لتلك
الكلمة حيث
يقول الحق
سبحانه
{ * ولما ضرب
ابن مريم }2
إلى أن { إن هو
إلا عبد
أنعمنا عليه
وجعلناه مثلا
لبنى إسراءيل
}3 وهم بنوعلي
عليه السلام
لأنه عليه
السلام
إسرائيل هذه
الأمة كما قال
عليه السلام
في الزيارة ((
السلام على إسرائيل
الأمة وأب
الأئمة ))4 .
وأما
الإشارة لأهل
البيان فهم لا
يحتاجون إلى
البيان مع أنه
لا يجوز فإنّ
للحيطان آذان
وما كل علم
يقدر العالم
أن يفسره إذ
من العلوم ما
تحتمل ومنها
ما لا تحتمل
ومن الناس من
يحتمل و منهم
من لا يحتمل .
والإشارة
إلى بعض وجوهه
السفلى اعلم
أن المراد
بالبحر
المطلق هو بحر
الوجود المطلق
عالم الرجحان
ولا تعدد هناك
ولا اختلاف
وإنما هوعالم
الوحدة
والائتلاف ،
والأبحر
السبعة هناك
هي جهات
الوحدة بلحاظ
أنه مخلوق إذ
كل مخلوق مما
جرى عليه اسم
الإيجاد
والاختراع
سواء كان
بنفسه
أوبغيره لا بد
له من السباحة
في السبعة
الأبحر وإن
كانت بنفسها ،
البحر الأول في
القوس
الصعودي وهو
الأسفل بحر
التراب الممسك
لفيض المفيض
الفاعل فلولا
ذلك بطل الظهور
، والبحر
الثاني بحر
الماء القابل
المائل من جهة
القابل إلى
الفاعل لتلقي
الفيض ، والبحر
الثالث بحر
الهواء
المائل إلى
القابل الموصل
لأثر الفاعل
إلى القابل
الممكن
للقابـليـة حتى
تـقبل بكمال
النضج
_________________
1 آل
عمران 45 2
الزخرف 57 3
الزخرف 59
4
البحار 100/330/29
والتعفين
، والبحر
الرابع بحر
النار الفاعلة
المشار إليها
في قوله عز
وجل { ولو لم
تمسسه نار }1 ،
والبحر
الخامس بحر
المظهر
الحامل لـظهور
الظاهر
الواصف ،
والبحر
السادس بحر
الظهور وتجلي
النور الحامل
للظاهر ،
والبحر السابع
بحر الظاهر
بالظهور في
المظهر .
وفي
عالم الوجود
المطلق هذه
الأبحر كل
واحد منها عين
الآخر إلا أن
هذه الجهات لا
بد من
اعتبارها
لظهور آثارها
في عالم
الجواز والوجود
المقيد ،
فمقام
الفردوس إنما
هو البحر
السابع أي
البحر الظاهر
لأنه الأصل
والباقي كله
شئون وظهور له
والجنة مقام
الظاهر وقطع
الأسباب
والرجوع إلى
الأحباب وأول
الأمر إلى
الواحد في كل
باب وإن كان
أهل الجنة {
دعواهم فيها
سبحانك اللهم
وتحيتهم فيها
سلام وءاخر
دعواهم أن
الحمد لله رب
العالمين }2 وهذا
البحر هوأول
مبادئ
الفردوس
الأصلية و ما
ذكرنا كلها
مبادئ إضافية
، وأما
الحقيقية فلا
تتجاوز هذا
الحد ولا
تتعدى هذا
المحل والمبدأ
الأصلي وإن
كان في الظاهر
الظاهر في
النار لكن
مبدئه نشوئها
ومقام صلوح
ظهورها حاكية لثناء
الله ومظهرة
لجماله هو في
الزيت الذي
يكاد أن يضيء
ولو لم تمسسه
نار .
ولما
فرغ عليه
السلام عن
بيان شرح الجنة
وأحوالها
ومقاماتها
ومحلها
وموقعها ومقامات
أهلها في
درجات
ترقـياتهم
بالأمور الثلاثة
المذكورة ،
الأول أنها في
البحر الثاني
السابع الثالث
يجري فيه
الفلك بضم
الفاء وسكون
اللام أراد عليه
السلام أن
يبين مبادئ
الجنة وعللها
ومقومات
وجودها
والمراتب
التي فوقها
وإن كان لا مرتبة
فقال عليه
السلام (( في
ذخاخيره
النجوم والفلك
والحبك )) أي في
قعر البحر
السابع أو علو
ارتفاعه
وبالأمرين
نطقت أخبارهم
عليهم السلام
، أما الأول
ففي قوله عليه
السلام في القدر أنه ((
بحر مظلم
كالليل
الدامس كثير
الحيتان
والحيّات
يعلو مرة
ويسفل أخرى في
قـعره شمس
تضيء لا ينبغي
أن يـطلع
عليـها إلا الواحد
الفرد )) ، وأما
الثاني فقد
أشار إليه مولانا
العسكري
عـليه السلام
(( قـد
صعدنا
ذرى الحقائق
بأقدام
النبوة
والولاية ))
إلى أن قال ((
فالكليم ألبس
حلة
__________________
1
النور 35 2
يونس 10
الاصطفاء
لما عهدنا منه
الوفاء وروح
القدس في جنان
الصاقورة ذاق
من حدائقنا
الباكورة )) وقـال
عليه السلام ((
إن الجنان
سـقفهـا عرش
الرحمن ))1 والأمر
في المجموع
واحد وليس
بمختلف لأنّ
كلامهم عليهم
السلام له
سبعون وجها
مرادا ولكل وجه
لهم المخرج
وقد يجعلونه
لمن شاءوا
وأرادوا من
شيعتهم
المنقطعين
إليهم عليهم
السلام فروح
القدس
هوالعقل
الكلي الأعظم
لقوله عليه
السلام (( أول ما
خلق الله روحي
))2 و (( أول ما
خلق الله
العقل ))3 وهو ما
ذكرنا من أول
الوجوه وأنه
البحر السابع
وفي قعره أي
قطبه وهو
الوسط وهو
الأعلى المحيط
بكل الكرات
والدوائر فلك
أن تقول أن
القطب في قعر
الدائرة
ولبّها
فالدائرة
حجاب له فمهما
ارتفعت لا
يظهر فهو يظهر
بعد رفع حجاب
الكرة والدائرة
فهو مقام
القوس
الصعودي واقع
في القعر أي
الأصل واللب
كما قال أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
في قعره شمس
تضيء )) وهذه
الشمس هي اللب
والقطـب كما
قـال عليه
السلام ((
والعقل وسط الكل
)) ولك أن تقول
أن القطب فلك
كلّي والكرة
والدائرة
بمنزلة
المركز
السفلي وهو محيط
بكل أحوالها
وشئونها
وأطوارها ،
وقد أشار
بالأمرين
والملاحظتين
سيد الثـقلين
أبوالحسنيـن
عليه السلام
بقوله في ((
ذخاخيره النجوم
والفلك
والحبك ))
فأشار بالأول
إلى القطب والوسط
والصعود إليه
في القوس
الصعودي وأشار
بالباقي إلى
الإحاطة
والاستدارة
الإمدادية الإفاضية
فإذا جعلنا
البحر السابع
هو العقل فيكون
الجنة
الثامنة هو
الوجود
المقيد أي أمر
الله الذي قام
به كل شيء
ونور الله
الذي نورت منه
الأنوار
وشجرة الخلد
التي كان
العقل أول غصن
منها وهو محيط
بكل الجنان
وفوق كلّ
الجنان وأقربها
إليه جنة
الفردوس الذي
هو في البحر
السابع وهي
للجنان
كالنقطة
للألفوالحروف
والإشارة
إليها بالألف
اللينة
المطوية لفظا
وخطّا في الـ (
بسم ) وهي جنة
عـدن التي لا
حظيرة لها
لعـدم
الروابـط
________________
1
البحار 8/84 قـال
عليه السلام
في صفة
الفردوس (( سقـفها
عرش الرحمن )) ,
وفي 60/256 في جوابه
النبي صلى
الله عليه
وآله لابن
سلام عن أرض
الجنة قال صلى
الله عليه
وآله (( وسقفها
عرش الرحمن )) .
2 عيون
أخبار الرضا 1/262
ولكن (
أرواحنا ) بدل
روحي .
3 شرح
النهج 18/185
والتعلقات
فيها وهي التي
أهلها لا
يلتذون بطعام
ولا شراب ولا
جماع وإنما
يلتذون
بمشاهدة
اللقاء
واستماع إني
أنا الله وفلك
هذه الجنان
وسماؤها
وقطبها
ومبدؤها
ومنشأ
فيوضاتها هو
العرش وهو
قوله عليه
السلام ((
الجنان سقفها عرش
الرحمن )) وهي
الصاقورة ،
وإنما عبر
عليه السلام
عن العرش
بالصاقورة
لأنها قحف
الرأس المحيط
به كالعرش
المحيط بكل
شيء والعرش في
هذا المقام
إشارة إلى
العرش الأعظم
الأعلى ، فإن
العرش له في
كلمات أهل
البيت عليهم
السلام
إطلاقات
كثيرة
والوجود
المطلق أعظم
وأشرف ما يطلق
عليه العرش .
والحبك قال
في جمع
الجوامع (
الحبك الطرائق
مثل حبك الرمل
والماء إذا
ضربته الريح )
إلى أن قال ( والدرع
محبوكة لأن
حلقها مطرقة
طرائق وعن
الحسن حبكها
نجومها وعن
علي عليه
السلام حسنها
وزيتها إلى أن
قال وهي جمع
حباك كمثال و
مثل أو حبيكة
كطريقة وطرق )
انتهى .
والفلك تسعة
أفلاك وإليها
أشار مولانا
الحسين عليه
السلام في
الدعاء (( يا من
استوى برحمانيته
فصار العرش
غيبا في ذاته
محقت الآثار بالآثار
ومحوت
الأغيار
بمحيطات
أفلاك الأنوار
))1 وتلك
الأفلاك هي
حدود العرش
المستوي عليه
الرحمن
برحمانيته
وأول ظهور
الرحمانية في
الوجود
المطلق في
عالم التفصيل
في ذلك العالم
فإن
الرحمانية
مقام التفصيل
والألوهية
مقام الإجمال
كما تقدمت
إليها
الإشارة،
ولما كان العرش
هو مستوى
الرحمن فيكون
في مقام
الارتباط
والتفصيل
ولما كان
الوجود
المطلق هو
كلمة كن
المؤلفة
المتحصلة من
النقطة
والألف والحروف
وتمام الكلمة
وكان مقام
النقطة مقام
الغيب الصرف
والعماء
المطلق والسر
المقنع بالسر
كان أول مقام
التفصيل مقام
الألف وما
بعده من المراتب
الثلاثة ،
وكان لكل واحد
منا ثلاثة
مقامات أحدها
مقامه مع
الأعلى و
ثانيها مع
الأسفل و
ثالثها هو
مقامه في
رتبة
ذاته ، وكل مقام
له تأثيرات
وأحكام
وأحوال
وحركات واستدارات
فتكون
الأفلاك
الواقعة تحت
قعر البحر السابع
تسعة وهي
أفلاك
الأنوار التي
أشار إليها
سيد
الشهداء عليه
السلام وهي
تمحو الأغيار
وتهتك
الأستار في كل
عالم ومقام
بحسبه يطول الكلام
بذكر كيفية
محوها
الأغيار
وهتكها الأستار
.
________________
1
الإقبال 350
ونجوم
تلك الأفلاك
هي رؤوس
المشيئة ووجوهها
ومواقع
تعلقاتها
وروابطها
وارتباطها
وهذه النجوم
الموجودة في
الأفلاك
الجسمانية
ظهورات
وأمثال
وحكايات لتلك
النجوم على
تلك الأفلاك
وأنت لو تأملت
في الحديث
المتقدم عن
العسكري عليه
السلام (( روح
القدس في جنان
الصاقورة ذاق
من حدائقنا
الباكورة ))
وفي قول النبي
صلى الله عليه
وآله وسلم (( إن
أهل بيتي أمان
لأهل الأرض
كما أن النجوم
أمان لأهل
السماء )) وأنه
عليه السلام
جعل الجنة
أرضا والعرش سماء
لأن قحف الرأس
سماء للبدن
يظهر لك أن
الفلك هو رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم والحبك
هو علي عليه
السلام
والنجوم هم الأئمة
الهادون عليه
السلام ، كما
روي في تفسير قـوله
تعـالى {
والسماء ذات
الحبك }1أن
السماء هو
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم
والحبك هو
مولانا علي
عليه السلام فرسول
الله صلى
الله عليه
وآله وسلم ذات علي
عليه السلام كما قال
عز وجل { وأنفسنا
وأنفسكم }2
والنفس هو علي
عليه السلام .
فقد
أشار لأهل
الإشارة في
هذه اللطيفة
الدقيقة إلى
أحوال عجيبة
من سر باطن
الباطن فقد
أشار إلى
الجنة بعللها
الأربع العلة
الفاعلية وهي
الأفلاك
والنجوم
والحبك فإن
الأفلاك هي
مظاهر العلّة
الفاعلية لا
يظهر الفاعل
إلا فيها ولذا
اشتهر عند
العامة أن
الأفلاك آباء
والعناصر أمّهات
وقولنا
المظهر على ما
فصلنا سابقا
من أحكام
المشتق
والمبدأ واسم
الفاعل
والمفعول
والمصدر و
نسبة البعض مع
الآخر فراجع
تفهم .
والعلة
المادية وهي
أشعة الكواكب
الظاهرة في
الكرة
النارية ولذا
ورد أنّ ثمار
الجنة نضجها
من النار
ويريد عليه
السلام
بهذه النار
هي نار الشجرة
التي ليست شرقية
ولا غربية
والأفلاك هي
نفس تلك
الشجرة لكونها
الأصل الواحد
المتشعب إلى
الأغصان والأصول
قال النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم (( أنا
الشجرة
وفاطمة أصلها
وعلي لقاحها
والأئمة أغصأنها
وعلومهم
______________
1
الذاريات 7 2 آل
عمران 61
ثمرتها
))1 والأشعة
الظاهرة في
الهواء
المنضج
المعفن لتلك
الثمار بقوة
ما فيه من
الحرارة
والرطوبة والظاهرة
في الماء بقوة
البرودة
الدافعة وفي
التراب بقوة
الماسكة وفي
المقامات
النورية وفي قول
الله عز وجل {
لنفد البحر
قبل أن تنفد
كلمات ربى }2
صراحة أن مواد
الجنة
وعناصرها إما
من أشعة نجوم
الأفلاك
والحبك أو من
ظهور تنزلات تلك
الأفلاك على
ما تقدم إليه
الإشارة
فافهم .
والعلة
الصورية وهي
الحور
والقصور والأنهار
والبحار
والبساتين
والجنان
وأمثال ذلك من
الأحوال
والأطوار
الظاهرة لأهل
الأسرار وهذه
العلة هي
النبأ العظيم
الذين هم فيه
مختلفون وقال
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم (( ما
اختلف في الله
ولا فيّ وإنما
الاختلاف فيك
يا علي) وقـال
عليه
____________________
1 لم
نجد هذه
الرواية
بعينها فيما
لدينا من
المراجع
ووجدنا ما
يقاربها ففي
معاني
الأخبار ص 93
قال رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم ((
أنا أصلها ( أي
الشجرة )
وأمير المؤمنين
فرعها ,
والأئمة من
ولده أغصانها
, وشيعتهم
ورقها وعلمهم
ثمرها )) , وفي
بصائر
الدرجات ص 95 عن
عمر بن زيد
قـال : سألت
أبا عبد الله
عليه السلام
عن قول الله
تعالى ( شجرة
أصلها ثابت
وفرعها في
السماء ) قال :
فقال (( رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم جذرها وأمير
المؤمنين
فرعا والأئمة
من ذريته
أغصانها وعلم
الأئمة ثمرها
وشيعتهم
المؤمنون ورقها
, هل ترى فيها
فضلا يا أبا
جعفر , قال : لا
والله , فقال :
والله إن
المؤمن يولد
فـيورق ورقـة
وإن المؤمن
ليموت فتسقط
ورقته )) .
2
الكهف 109
السلام (( ما لله
آية هي أكبر
مني وما لله نبأ
هوأعظم مني ))1 وقال
عليه السلام في
النفس
الملكوتية
الإلهية أنها
(( هي ذات الله
العليا وشجرة
طوبى وسدرة
المنتهى
وجنـة المأوى
من عرفها لم
يشق أبـدا ومن
جهلها ضلّ
وغوى )) فافهم
المراد من هذه
الأخبار
الصحيحة
القطعية
المعلومة
عندنا بكثرة
القرائـن
الموجبة
للقطع ووجود
اللطيفة
الثابتة التي
مع كل حق
والنور الذي
مع كل صواب
قالوا
عليهم السلام ((إن لكل حق
حقيقة وعلى كل
صواب نور )) .
العلة
الغائية قال
الله عز وجل ((
لولاك لما
خلقت الأفلاك
)) وقال أمير
المؤمنين عليه
السلام (( فإنا
صنائع ربنا
والناس بعد
صنائع لنا ))2
ويأتي الكلام
إنشاء الله عن
هذا المراد .
وإن
جعلنا البحر
السابع هو
مقامات الوجود
المطلق
ومراتب
المشيئة
فيكون الفلك
إشارة إلى
الهوية التي
هي قطب
للألوهية
التي هي قطب
للأحدية
_________________
1
تأويل الآيات
723
2 شرح
النهج 11/113
التي
هي مقام
الظاهر على
الظاهر قال
الله عز وجل {
قل هو الله
أحد }1
فقدم الهوية
على الألوهية
وقدمها على
الأحدية لسر
ما قلنا فإذا
كان البحر هو
بحر الظاهر
والفلك
المقوم به له
هو الهوية
والحبك مقام
الألوهية
لكونها الطريق
والمجاز إلى
الهوية كما
ذكرنا غير مرة
، والنجوم هي
الأسماء
الحسنى
والصفات
العليا فكل اسم
نجم يؤثر في
ما يتعلق به
من روابط
الجنة
وأحوالها
فقوام الجنة
بما فيها
بالأسماء الجزئية
وقوامها
بالألوهية
وقوامها
بالهوية وهذه
الأفلاك أيضا
تسعة إذ
الهوية
الظاهر في الظاهر
، الظاهر في
المظاهر
متعددة فظهور
في مقام
الجماد وظهور
في مقام
النبات وظهور
في مقام
الحيوان
وظهور في مقام
الجان وظهور
في مقام الملك
وظهور في مقام
الإنسان
وظهور في مقام
الأنبياء
وظهور في مقام
الحقيقة
المحمدية صلى
الله عليه
وآله وسلم
وظهور في
المشيئة الوجود
المطلق وهذه
تسعة أفلاك
اختلف الظهور
باختلاف
المظاهر وقد
ذكرنا وفصلنا
في أول الشرح عند
قوله عليه
السلام (( فتق
الأجواء ))
حقيقة تلك
الأفلاك و
مراتبها
وأسمائها
وكيفية ترتيبها
فلا نعيد
فراجع هناك
تفهم إنشاء
الله.
والنجوم
التي على
منطقة الفلك
الأعظم
المذكور في
أول الكتاب
اثنى عشر نجما
وهي الأسماء
التي أشار
إليها مولانا
الصادق عليه الـسلام
في قوله (( إن
الله خلق
اسمـا بالحـروف
غير مصوت )) إلى
أن قـال عليه
السلام ((
فجعله أربعة
أجزاء معا ليس
واحد منها قبل
الآخر )) وهي نقطة
الجنوب
والشمال
والمغرب
والمشرق في عالم
الأسمـاء
وأفلاكها ثم
قـال عليه
السلام (( فأظهر
ثلاثة منها
لفاقة الخلق
إليها )) إلى أن قال
عليه السلام ((
فجعل
_______________
1
الإخلاص 1
لكل
واحد منها
اثنا عشر ركنا
)) فصار كل ركن
برجا (( فجعل
لكل ركن
ثلاثين اسما
منسوبا إليه ))1 والثلاثون
الاسم هي
الدرج لكل برج
فصار مجموع
الدرج في
مجموع البروج
ثلاث مائة
وستين درجة
على تلك
الأفلاك وهذا
الترتيب على
الأفلاك الجسمانية
مثال لترتيب
الأفلاك
العقلية وتلك
الأفلاك دليل
ومثال لترتيب
الأفلاك
الفعلية ومراتب
المشيئة وتلك
مثال وحكاية
لترتيب أفلاك الأسماء
وقد قال
مولانا
الصادق عليه
السلام ((
العبودية
جوهرة كنهها
الربوبية فما
فقد من العبودية
وجد في
الربوبية وما
خفي عن
الربوبية أصيب
في العبودية
قال الله
تعالى {
سنريهم ءاياتنا
فى الأفاق وفى
أنفسهم حتى
يتبين لهم أنه
الحق أولم يكف
بربك أنه على
كل شئ شهيد }2 أي
موجود في
غيبتك وحضرتك
))3 وقال مولانا
الرضا عليه السلام
وروحي فداه ((
قد علم أولوا
الألباب أن الاستدلال
على ما هنالك
لا يعلم إلا
بمـا
__________________
1
الكافي 1/87 - 88
2 فصلت 53
- 54
3
مصباح
الشريعة 7
ههنا ))1 فافهم
وفقك الله لما
يحب ويرضى فإن
المسلك وعر .
والإشارة
إلى بيان قول
أمير المؤمنين
عليه السلام ((
بحر مظلم
كالليل
الدامس )) مراده
في نظرنا هذا
هو بحر
الإمكان
الجائز لأنه
عالم التكثر والاختلاف
المستلزمين
للظلمة
والسواد ، وشدة
الظلمة كثرة
الروابط
والقرانات
والأوضاع
والإضافات
يعلو مرة
بالنظر إلى
وجه مبدئه والاستشراق
بنوره ويسفل
أخرى بالنظر
إلى نفسه
وحدود إنيّته
(( في قعره شمس
تضيء )) هذه
الشمس هي
الوجود
والفؤاد الذي
هو حقيقة
الأثر و مبدأ
الجنان
وحقيقة
الإنسان (( لا
ينبغي أن يطلع
عليها إلا
الواحد الفرد
)) لأنه عين
الله ووجه الله
فلا يعرف إلا
بها إلا الله
ولا يعرفها
إلا الله
بظهوره لأنه
صرف ظهوره
فإذا لاحظت
معه شيئا غيره
فكان محدودا
فلوعرفت الله
به لجعلته
محدودا ولذا
قال أمير
المؤمنين عليه
السلام ((
لوعرفت الله
بمحمد لكفرت
لأن الله لا
يعرف
بغيره ))2 فعند
معرفة الله
يجب سلب كل ما
عداه ورفع كل
ما سواه فإذا
رفع كل ما
عداه لم يبقى
إلا نور الله
وظهوره وهو
الناظر
والمنظور
لأنه الطرف وقال
الشاعر:
إذا رام
عاشقها نظرة فلم
يستطعها فمن
لطفهـا
أعارته
طرفـا رآها
به فكان
البصير بها
طرفهـا.
فافهم
.
___________________
1 لم
نقف على هذه
الرواية بهذا
اللفظ ولكن
وجدنا ما يقرب
منها ففي عيون
أخبار الرضا 1/175
قال عليه
السلام (( قد علم
ذووا الألباب
أن الاستدلال
على هناك لا
يكون إلا بما
ههنا )) .
2 لم
نقف على هذا
الحديث كما
رواهالمصنف
أعلى الله
مقامه هنا
ولكن وجدنا ما
يقرب منه في
المعنى ففي
الـتوحيد 288
أنه سئـل
عليـه السلام
(( عرفت الله
بمحمد أم عرفت
محمد بالله عز
وجل , فقال
عليه السلام :
ما عرفت الله
بمحمد صلى
الله عليه
وآله ولكن
عرفت محمدا
بالله عز وجل
حين خلقه
وأحدث فيه
الحدود من طول
وعرض فعرفت
أنه مدبر
مصنوع باستدلال
وإلهام منه
وإرادة .. إلخ ))
(( فمن
تطلع عليها ))
مع ملاحظة
الحدود وعدم
رفع القـيـود
(( فقد ضاد الله
في ملكه
ونازعه في
سلطانه وباء
بغضب من الله
و مأواه جهنم
وبئس المصير ))
لأنه نظر إلى
الله في الإمكان
وعرفه
بالقيود
والحدود
والتشبيه والصفات
الإمكانية
تعالى الله عن
ذلك علوا كبيرا
، ولا ينافي
ما ذكرنا ما
جعلنا الجنة
في البحر
السابع وقلنا
أنه المراد من
قوله عز وجل ((
بحر
مظلم .. إلخ )) ،
لأن الأغيار
أكدار لا يصفو
العيش إلا
برفعه قال
عليه السلام ((
أنت الذي أزلت
الأغيـار عن
قلوب أحبائك
حتى لم يحبـوا
سواك ))1 فأهل
الجنة ما دام
لم يدخلوا لجة
بحر الأحدية ففيهم
شوب الكدورة
الإضافية
فإذا دخلوا
تلك اللجة فقد
تطهروا عن كل
كدورة ووصمة و
نقص وهو معنى
قوله عز وجل {
وسقاهم ربهم
شرابا طهورا }2 هذا إذا
جعلنا البحر
السابع هو
العقل وإذا جعلنا
الرتبة
السابعة من
المشيئة
فيراد به الإمكان
الراجح
وظلمات البحر
كثرة الأسماء
والصفات وهي
طمطام يمّ
الوحدانية، ((
يعلو مرة )) أي
المشيئة تقرب
إلى مبدئها من
نفسها و من
السرمد
والإمكان
الراجح حتى
تكاد تفني
نفسهـا
وتـظهر في كـل
شيء (( ويسفل
أخرى )) إذا
نظرت إلى
الروابط والمتعلقات
حتى تكاد تظهر
والمفعولات ((
في قعره شمس
تضيء )) وهي شمس
الهوية
ومصباح
الأحدية وظهور
شمس الأزل لأن
البحر صبح
الأزل إلى آخر
ما قلنا .
ولهذا
الحديث
الشريف معان
أخر في مقام
العلم وسر
القدر الذي
يشير إليه
صريح لفظه المبارك
وقد أشار إليه
مولانا
وأستاذنا جعلني
الله فداه في
رسالته
الموضوعة في
العلم شرحا
لكلام الملا
محسن وهو ليس
مما نحن بصدد
بيانه ، فأثبت
عليه الصلاة
والسلام في
هذا الكلام
الموجز جميع
علم المبادئ
والعلل
والذوات
المستقلة
الإلهية والكينونات
الرحمانية
والمقامات
النورية وجهات
الفاعل
وظهورات
آثاره فافهم
فهمك الله .
________________
1
الإقبال 349
2
الإنسان 21
قوله
عليه السلام
ورأيت الأرض
ملتفة كالتفاف
الثوب القصور
وهي
في خرق من
الطتنج
الأيمن مما
يلي المشرق والطتنجان
خليجان من ماء
كأنهما أيسار
طتنجين وأنا
المتولي
دائرتها
لما
أظهر عليه
السلام
العلوم المتعلقة
بالمبادئ
والعلل
والحقائق
والأمور التي
لها استقلال
في القصد
والشرح
مقامات الأسماء
والصفات ومواقع
الظهورات
والتجليات ،
أراد عليه
السلام أن
يشرح المراتب
النازلة
والمقامات
السافلة
ورتبة
القوابل
ومرتبة
الماهيات
وأحكامها
ولواحقها
وعلى ما نطق
به الكتاب
المجيد والسنة
ودلّ عليه
العقل السديد
، فأشار إليه
بقوله عليه
السلام
(( رأيت الأرض ..
إلخ )) ، والكلام
في الأرض
وحقيقتها و
مراتبها
وأحوالها واحكامها
طويل إلا أني
أشير إلى نبذة
من الأخبار
الواردة فيها
تيمنا وتبركا
ثم أبين بعض رموزها
وأفتح بعض
مغلقها، ذكر
بعض السادات
الأجلاء في
بعض مؤلفاته
عن الصادق
عليه السلام أنه
قال (( الأرض
سبع منهن خمس
فيهنّ خلق من خلق
الرب واثنتان
هواء ليس
فيهما شيء ))1 ، وفي
تفسير القمي
عن أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
الأرض مسيرة
خمس مائة عام
الخراب منها
________________
1
البحار 55/97
مسيرة
أربعمائة عام
والعمران
مسيرة مائة عام
))1 .
وفي
الدرّ
المنثور عن النبي
صلى الله عليه
وآله وسلم (( إن
الأرضين سبعة
بين كل أرض
والتي تليها
مسيرة
خمسمائة عام
والعليا منها
على ظهر حوت
قد التقى
طرفاه في
السماء ،
والحوت على
صخرة والصخرة
بيد ملك ، والثانية
مسجن الريح
فلما أراد
الله أن يهلك عادا
أمر خازن
الريح أن يرسل
عليهم ريحا
يهلك عادا
فقال يا رب
أرسل عليهم من
الريح قدر
منخر الثور
فقالت له
الجبار إذاً
تكفى الأرض و
من عليها ولكن
أرسل عليهم
بقدر خاتم فهي
التي قـال
الله في
كتابـه { ما
تذر من شئ أتت
عليه إلا
جعلته
كالرميم }2 ،
والثالثة فيها
حجارة جهنم ،
والرابعة
فيها كبريت
جهنم ، فقالوا
: يا رسول الله
أللنار كبريت
، قال صلى
الله عليه
وآله وسلم :
نعم ، والذي
نفسي بيده إن
فيها لأودية
من كبريت لو
أرسل فيه
الجبال الرواسي
لماعت ،
والخامسة
فيها حيّات
جهنم إن أفواهها
كالأودية
تلسع الكافر
اللسعة فلا يبقى
منه لحم على
وضم ،
والسادسة
فيها عقارب
جهنم إن أدنى
عقربة منها
كالبغال المؤكفة
تضرب الكافر
ضربة ينسيه
ضربها حر جهنم
، والسابعة
فيها سقر
وفيها إبليس
مصفدا بالحديد
يد أمامه ويد
خلفه فـإذا
أراد الله أن
______________________
1
تفسير القمي 2/17
2
الذاريات 42
يطلقه
لما يشاء
أطلقه ))1 .
وعن
الصادق عليه
السلام (( نعم خلق
النهار قبل
الليل والشمس
قبل القمر والأرض
قبل السماء
ووضع الأرض
قبل الحوت
والحوت في
الماء والماء
في صخرة مجوفة
والصخرة على
عاتق ملك
والملك على
الثرى والثرى
على الريح
العقيم
والريح على
الهواء
والهواء
تمسكه القدرة
وليس تحت
الريح العقيم
إلا الهـواء والظلمات
ولا وراء ذلك
سعـة ولا ضيـق
ولا شيء يتوهم
))2 .
في
روضة الكافي
في حديث زينب
العطارة وقد
سألت رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم عن عظمة
الله جل جلاله
قال صلى الله
عليه وآله
وسلم (( سأحدثك
عن بعض ذلك ،
ثم قال صلى
الله عليه
وآله وسلم : إن
هذه الأرض بمن
عليها عند
التي تحتها
كحلقة ملقاة
في فلاة قيّ
وهاتان بمن
فيهما و من
عليهما عند التي
تحتها كحلقة
ملقاة في فلاة
قيّ والثالثة
كذلك حتى
انتهى إلى
السابعة وتلا
هذه الآية { خلق
سبع سماوات
ومن الأرض
مثلهن يتنزل
الأمر بينهن }3
والسبع
الأرضين بمن
فيهنّ و من
عليهنّ على
ظهر الديك
كحلقة ملقاة
في فلاة قيّ ،
والديك له
جناحان جناح
في المشرق
وجناح في
المغرب
ورجلاه في
التخوم ،
والسبع
والديك بمن
فيه ومن عليه
على الصخرة
كحلقة ملقاة
في فلاة قيّ ،
والصخرة بمن
فيها ومن
عليها على ظهر
الحوت كحلقة
ملقاة في فلاة
قيّ ، والسبع
والديك
والصخرة
والحوت بمن
فيه على البحر
المظلم كحلقة
ملقاة في فلاة
قيّ والسبع
والديك
والصخرة
والحوت
والبحر
المظلم على
الهواء
الذاهب كحلقة
ملقاة في فلاة
قيّ ، والسبع
والديك
والصخرة
والحوت
والبحر
المظلم
والهواء على
الثرى كحلقة
ملقاة في فلاة
قيّ ثم تلى
هذه الآية { له
ما فى
السماوات وما
فى الأرض وما
بينهما وما
_______________
1
البحار 60/92 ح 18
2
البحار 10/188 ح 2
3
الطلاق 12
تحت
الثرى }1 ثم
انقطع الخبر
عند الثرى ))2 .
في
حديث ابن سلام
عن النبي قال ((
فأخبرني عن
الأرض لم سميت
أرضا ، قال :
لأنها أرض
يداس عليها ،
قال :
فمم خلقت ،
قال : من زبرجد
، قال :
فالزبرجدة مم
خلقت ، قال
صلى الله عليه
وآله وسلم : من
الموج ، قال :
فالموج مم خلق
، قال صلى
الله عليه
وآله وسلم : من
البحر ، قال
صدقت يا محمد
، فكيف ذلك ؟
قال صلى
الله عليه
وآله وسلم : إن الله
عز وجل لما
خلق البحر أمر
الريح أن تضرب
الأمواج
بعضها في بعض
فاضطربت
الأمواج حتى
ظهر الزبد ،
ثم أمرها أن
تجتمع
فاجتمعت ، ثم أمرها
أن تلين فلانت
، ثم أمرها أن
تعتدل فاعتدلت
، ثم أمرها أن
تمد فامتدّت
فصارت أرضا ،
قال صدقت يا
محمد ،
فأخبرني من
أين سكونها ؟
قال
صلى الله
عليه وآله
وسلم : من جبل
قاف وهو أصل
أوتاد الأرض
التي نحن
عليها ، قال :
فأخبرني ما
تحت هذه الأرض
؟ قال : تحتها
ثور ، قال : و ما
صفته ؟ قال : يا
بن سلام له
أربع قوائم ،
وهو قائم على
صخرة بيضاء ،
فقال : فأخبرني
ما صفته ؟ قال
صلى الله عليه
وآله وسلم : يا ابن
سلام ، له
أربعون قرنا،
وأربعون سنا ،
رأسه بالمشرق
وذنبه
بالمغرب وهو
ساجد لله
تعالى إلى يوم
القيامة ، من
القرن إلى
القرن مسيرة خمسين
ألف سنة ، قال :
صدقت يا محمد
، فأخبرني ما تحت
الصخرة ؟ قال
صلى الله عليه
وآله وسلم :
تحتها
جبل يقال له
الصعود ، قال :
ولمن ذلك
الجبل ؟ قال
صلى الله عليه
وآله وسلم :
لأهل النار ،
يصعده
المشركون إلى
يوم القيامة
وهو مسيرة ألف
سنة حتى إذا
بلغوا أعلى ذلك
الجبل ضربوا
بمقامع
فيسقطون إلى
أسفله فيسحبون
على وجوههم ،
قال : فأخبرني
ما تحت ذلك
الجبل ؟ قال :
أرض ، قال : ما
اسمها، قال
صلى الله عليه
وآله وسلم :
جارية ، قال :
وما تحتها ، قال
صلى الله عليه
وآله وسلم :
بحر ، قال : وما
اسمه، قال صلى
الله عليه
وآله وسلم :
سهك قال
صدقت يا محمد
، فما تحت ذلك
البحر ، قال
صلى الله عليه
وآله وسلم :
أرض ، قال : و ما
اسمها ، قال
صلى الله عليه
وآله وسلم:
نـاعمة ، قال :
وما تحتها :
قال صلى الله
عليه وآله
وسلم : بحر ،
قال : وما
اسمـه ،
______________
1 طه 6 2
الكافي 8/109 – 110
قـال :
الزاخر ، قال :
و ما تحته ،
قال : أرض ، قال :
وما اسمها ، قال
: فسيحة ، قال :
فصف لي هذه
الأرض ، قال
صلى الله عليه
وآله وسلم : يا
ابن سلام هي
أرض بيضاء كالشمس
وريحها
كالمسك
وضوؤها
كالقمر
ونباتها
كالزعفران
يحشر عليها
المتقون يوم
القيامة ، قال
: صدقت يا محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم ،
قال :
فـأخبرني أين
تكون هذه الأرض
التي نحن
عليها اليوم ؟
قال النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم :
تبدل هذه
الأرض غيرها ،
قال صدقت يا
محمد ،
فأخبرني ما
تحت تلك الأرض
؟ قال صلى
الله عليه
وآله وسلم
البحر ، قال : و
ما اسمه قال
صلى الله عليه
وآله وسلم :
القمقام ، قـال
: وما فيه ،
قـال صلى الله
عليه وآله
وسلم : الحوت ،
قال : و ما اسمه
، قال صلى الله
عليه وآله
وسلم بهموت ،
قال صدقت يا
محمد ، قال :
فصف لي الحوت
، قال صلى
الله عليه
وآله وسلم : يا
ابن سلام رأسه
بالمشرق
وذنبه
بالمغرب ، قال
: فما على ظهره
؟ قال صلى
الله عليه
وآله وسلم :
الأرض
والبحار والظلمة
والجبال ، قال
: فما بين
عينيه ، قال
صلى الله عليه
وآله وسلم :
سبعة أبحر في
كل بحر سبعون
ألف مدينة في
كل مدينة ألف
لواء تحت كل
لواء سبعون
ألف ملك ، قال :
فما يقولون ؟
قال صلى الله
عليه وآله
وسلم : يقولون
لا إلـه إلا
الله وحده لا
شريك له له
الملك وله الحمد
يحي ويميت وهو
حي لا يموت
بيده الخير
وهو على كل
شيء قدير ،
قال صدقت يا
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم ،
فأخبرني ما
تحت الريح ،
قال صلى الله
عليه وآله
وسلم : الظلمة ,
قال : فما تحت الظلمة
، قال صلى
الله عليه
وآله وسلم :
الثرى ، قال :
فما تحت الثرى
قال صلى الله
عليه وآله
وسلم لا يعلمه
إلا الله عز
وجل ))1 .
واعلم
أن الأرض لها
إطلاقات
كثيرة وجامعها
ثلاث ، الأول
الأرض
البسيطة وهي
صرف العنصر
البرودة
واليبوسة ،
الثاني الأرض
البيضاء محشر
المتقين
ومسكن
المؤمنين
العارفين ،
الثالث الأرض
السوداء مكان
الشياطين
ومحشر
المنافقين
الفاسقين
الظالمين ، والاطلاقات
الأخرى كلها
المقامات هذه
المراتب كلها
إمّا مجتمعة
أو متفرقة ،
وأصل الأرض وحقيقتها
هي ما ذكرنا
من البرودة
واليبوسة الصرفة
ومنشؤهـما
الجهة السفلى
في ( فـيكون ) عند
__________________
1
البحار 57/253 - 254
صدور
الأمر ( كن )
وانوجد عند
قوله ( أوجدته )
وقوامهما
بكلمة ( كن )
والوجه
الأعلى في (
فيكون ) سماء والوجه
الأسفل أرض .
وكيفية
تكونها أن
الله عز وجل
خلق بقدرته
خلقا ألقى
فيها مثالها
أي مثال
القدرة فظهر
حاكيا لصفتها
فكان بذلك
ياقوتة حمراء
لأن القدرة هي
نار الشجرة
ومثالها ،
وصفتها
الصلابة والجفاف
والحمرة ،
فاجتمعت كلها
في الياقوتة
وهذا الخلق هو
مظهر
القهارية
والعلو
والجلال ، ثم
نظر سبحانه
إليه بنظر
العظمة
المستدعية للكثرة
المتحصلة
بكثرة الشئون
والروابط والميولات
المستدعية
لكثرة
الرطوبات
فماع ذلك الخلق
أي الياقوتة
فذابت وتفرقت
الشئون
المجتمعة والصفة
الحاكية
وارتفع
التمايز
وصارت شيئا واحدا
، ثم إن الله
عز وجل أمر
الريح وهي
الكلمة التي
انزجر لها
العمق الأكبر
وهو الإمكان من
حيث روابطها
بالمفعولات
وتعلقها لها
عند تكوينها
وتقطيرها بعد
تعفينها
وتفصيل المراتب
المجتمعة إلى
الأحوال
المتمايزة
فأحدثت الريح
فيها حرارة
ورطوبة مهيجة
لما قد
استجنّت فيها
وتصارمت
الأجزاء
واضطربت إلى
أن ظهرت كلّ
المراتب
منفصلة لازمة
لمقامها
فتصاعدت اللطائف
والشعلات
النارية
والأمثلة
الظاهرة في
الجوهرة
الياقوتة
واجتمعت
الكثافات النازلة
فانعقدت زبدا
باقية على وجه
الماء ،
فاللطائف هي السماء
والكثافات
أكثفها الأرض
فيجب أن تكون ساكنة
لكونها طبع
الموت وعدم
الحرارة
المستلزمة
للتهيج
والانبعاث
ولكثرة
اكتنافها بالأعراض
والدواعي
المانعة عن
الحركة هذا
حكمها في
نفسها ، وأما
باعتبار
تقومها
بمبدئها فهي
تتحرك إليها
حركة استمداد
، وأما قوله
عز وجل { وترى
الجبال
تحسبها جامدة
وهى تمر مر
السحاب }1 فمن
جهة ما فيها
من الحرارة
القوية
المستجنة
فيها كما
ذكرنا غير
مرّة ، ولما
كانت الأرض هي
الماهية
والقابلية
وهي لا تتم
إلا في سبعة أيام
لأنّ الستّة
حدود تمام
القابلية والسبعة
مقام
اجتماعها و
وتراكمها
وصيرورتها
شيئا واحدا
كانت الأرض
سبع طبقات،
ولما كانت
السماء هي وجه
الفاعل
المتعلق
بالمفعول وذلك
واحد يختلف
ويتعدد بتعدد
الحدود، ووجب
انقسام ذلك
النور أيضا
إلى سبعة لأنه
إنما يتقدر في
هذه السبعة
فكانت
السموات
___________________
1
النمل 88
أيضا
سبعة قال عزّ
وجل { خلق سبع
سماوات ومن الأرض
مثلهن يتنزل
الأمر
بينهن
}1 ، وأما العرش
والكرسي فهما
فوقها لكونهما
ظهوري
الاسمين
الأعلين
الذين إذا
اجتمعا
افترقا وإذا
افترقا
اجتمعا فهذه
حقيقة القول
في السماء
والأرض وأصله
، وهذه الأرض
هي أرض
البسيطة
الصرفة
الساذجة وهي
الأرض الأولى
قبل دوران
الشمس
والكواكب
عليها و
محاذاتها
ومقابلتها
بالمبادئ
العالية
لتنقسم على أرض
الجرز وأرض
الكبريت وأرض
السبخة
وأمثالها ،
وهذا في كل
عالم فالسماء
هي النور
الإلهي
والفيض
السرمدي
والأرض هي
القابلية
والإنية ، فلما
اقترن القابل
بالمقبول
واتصل العالي
بالسافل
وامتزجت
النطفتان
نطفة الأب
التي هي السماء
و نطفة الأم
التي هي الأرض
فاختلف الأولاد
فمنهم من
يشابه أباه و
منهم من يشابه
أمه مع اشتراك
المجموع فيما
من الأب و ما
من الأم و ما
من الله فصار
ما يشابه الأب
ويشاكله قد أجري
عليه حكمه و
ما يشاكل الأم
ويشابهها أجري
عليه حكمها
وهو قوله عز
وجل { يأيها
الناس اتقوا
ربكم الذى
خلقكم من نفس
واحدة وخلق
منها زوجها
وبث منهما
رجالا كثيرا
ونساء }2
فكذلك اختلف
حكم السماء
والأرض إذ بعد
انبساط الفيض وجريانه
على القوابل
فكلما كثر فيه
النور وغلب
عليه السرور
بطل حكم
القابلية فيه
بحيث اضمحلّ
فكان سماء
وسمي باسمها
حقيقة فهذا تلطف
واستعلى ،
وكلّما قلّ
فيه النور
وغلبت عليه
الماهية
المظلمة
الغاسقة كان
أرضا وسمي باسمها
حقيقة فصار
يستمد من الذي
فوقه ، وغلب عليه
النور فجريا
في الطبقات
والأحوال
مجرى ما قلنا
فتعددت
السموات
والأرضون في
كل عالم من
العوالم، ولك
أن تجعل
العالم
السفلي بسمائه
وأرضه أرضا
للعالم
العلوي ولذا
تقول أن محدب
محدد الجهات
وهو السطح
الأعلى من
الفلك الأعلى
الذي ليس في
السموات ألطف
ولا أعلى ولا
أشرف منه أرض
بعالم المثال
في عالم
الأشباح
وهكذا سطح
محدب فلكه
الأعلى أرض
بالنسبة إلى عالم
النفوس وعلى
هذا القياس
وهذا حكم ثان
يجري في كل
ذرّات الوجود
.
والحكم
الثالثي أن
العوالم
والمراتب
تختلف في غلبة
الحكم الغالب
وظهوره فيختص كل
من الغالب
بالاسم الخاص
به من السماء
والأرض ومن
___________________
1
الطلاق 12 2
النساء 1
هنا
اختلفت
اطلاقات
الأرض بين ما
أطلقت على الأنوار
وأطلقت على
الظلمات وهما
باعتبار ملاحظتهما
مقابلة للشمس
والكواكب
ومستمدّة منها
ما هو من
سنخها وجنسها
وملاحظة
عكسها ، فبالأولى
تطلق على
الأنوار في
هذا المقام أي
مقام ظهور
القابلية
وبالثانية
تطلق على الظلمات
.
فمن
الإطلاقات
وهي أعلاها
إطلاقها على
أرض الإمكان
الراجح وهي
أعلى الأراضي
وتنتهي كلها
إليها فما
تتجاوزها
أبدا وهذه الأرض
قبل الأكوان
وقبل الأعيان
وسماء هذه
الأرض هي
المشيئة
الإمكانية
والظهور الكلي
الأولي
السرمدي .
ومنها
أرض الجرز
والبلد الطيب
والقابلية
الأولى
والذوات
الأولى وهي
الحقيقة المحمدية
صلى الله عليه
وآله وسلم على
معنيين ،
أحدهما
ملاحظة كونها
محلّ المشيئة
فتكون هذه
الأرض هي نور
الأنوار
والنور الذي
منه وبه الأنوار
والبهاء الذي
هو أبهى
البهاء
وأشرفه
والأمر الذي
قام به كل شيء
والماء الذي
حيّ به كل شيء
وسماؤها هي المشيئة
الكونية
المسبوقة
بالعلم قال عز
وجل { ولا
يحيطون بشئ من
علمه إلا بما
شاء }1 لأنّ تلك
الأرض ما تنبت
إلا ما أتاها
من سمائها
فافهم ، وقوله
عليه السلام ((
فبعلمه كانت
المشيئة ))2 ،
وثانيهما هو
الزيت الذي
يكاد زيتها
يضيء ولولم
تمسسه نار
وسماء هذه
الأرض هي مس
النار قال عز
وجل { يكاد
زيتها يضئ ولو
لم تمسسه نار
}3 .
ومنها
أرض الإمكان
الجائز
وهوالعمق
الأكبر وهي كل
الممكن وهي
مطارح أشعة
كواكب سماء
المشيئة
الكونية
الظاهرية في
العقل الكلي
والنور
المحمدي صلى
الله عليه
وآله وسلم
والمصباح
الذي في زجاجة
الزجاجة
كأنها كوكب
درّي و منها
أرض النفوس
قال تعالى {
أولم يروا أنا
نأتي الأرض
ننقصها من
أطرافها }4 قال
عليه السلام ((
يعني بموت العلماء
))5 فجعل العالم
طرف الأرض و
نهاياتها
وهوآخر ما
تنتهي إليه
الأرض والعلم
في الصدر
_______________
1
البقرة 255 2
الكافي 1/148 3 النور
35
4
الرعد 41
5 البحار 70/340
الذي
هو النفس قال
الصادق عليه
السلام((إذا
تحقق العلم في
الصدر خاف)1
وقال
تعالى { إنما
يخشى الله من
عباده
العلماء } 2
وقال مولانا
علي بن الحسين
عليه السلام
في الصحيفة ((
لا علم إلا
خشيتك ولا حلم
إلا الإيمان
بك، ليس لمن
لم يخشك علم،
ولا لمن لم
يؤمن بك حكم ))3
وإنما أطلقت
الأرض على
النفس دون
العقل للحكم
الثالث فإن
القابلية
والحدود
والكثرات والإضافات
والقرانات
التي هي حدود
الماهية وجهاتها
أكثر وأشد
بالنسبة إلى
العقل وفيه
ليس إلا جهة
الوحدة
والإجمال
والعموم
والانبساط
الذي هو مقتضى
الفيض الأول
وبذلك كان
العقل سماء
لغلبة النور
فيه والنفس
أرضا لغلبة
الظلمة فيها
ولذا كانت
النفس نورا
أخضرا والعقل نورا
أبيضا .
ومنها
الإمام عليه
السلام وهو
الوصي عليه السلام
والسماء هو
النبي صلى
الله عليه
وآله وسلم قال
تعالى {
والأرض وضعها
للأنام *
فيها فاكهة
والنخل ذات
الأكمام }4
وقال عز وجل { ولا
تمش فى الأرض
مرحا إنك لن
تخرق الأرض
ولن تبلغ
الجبال طولا
}5 والأرض في
الموضعين
والمواضع
الأخر في
القرآن قد
فسرت بالإمام
عليه السلام
فإنه عليه
السلام محل للرسالة
ومطرح فيوضات
النبوة ومقام
التميّز والتفصيل
كما كانت
النبوة مقام
الوحدة كالسماء
بالنسبة إلى
الأرض قال
الله عز وجل {
عم يتساءلون * عن النبإ
_______________
1
المستدرك 12/168 2
فاطر 28
3
مصباح
المتهجد 472 4
الرحمن 10 - 11
5
الإسراء 37
العظيم
*
الذى هم فيه
مختلفون }1
وقال رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم ((
ما اختلف في
الله ولا في
وإنما
الاختلاف فيك
يا علي )) .
و منها
الصديقة
الطاهرة على
أبيها وبعلها
وبنيها
وعليها
الصلاة
والسلام
لأنها موقع
النجوم و محل
ظهور تفاصيل
الولاية
وسماؤها
هوأمير
المؤمنين
عليه السلام
قال الله عز
وجـل { أفلا
ينظرون إلى
الإبل كيف
خلقت }2 وهو
أمير المؤمنين
عليه السلام {
وغلى السماء
كيف رفعت }3 وهو
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم {
وإلى الجبال
كيف نصبت }4
وهم الأئمة
الهداة عليهم السلام
{ وإلى الأرض
كيف سطحت }5 وهي
المطهرة الزهراء
عليها السلام
.
ومنها
الصورة مطلقا
نوعية كانت أم
شخصية
وسماؤها
المادة
والوجه ظاهر
وإليها الإشارة
بقوله عز وجل {
ومن ءاياته أن
تقوم السماء
والأرض بأمره
}6 والوجه ظاهر
فيهما .
ومنها
مطلق الزوجة
وسماؤها
الزوج .
ومنها
هذه الأرض
المعروفة
التي هي مسكن
أبداننا ،
وهذه
الاطلاقات
ليست مجازات وإنما
هي حقائق
أولية وهذه
الأرض حقيقة
بعد حقائق
كثيرة فهي
مجازها
وحقيقة في
مقامها
ومحلها لأن الواضع
حكيم فلا يجعل
المتبوع
تابعا أبدا
والتابع
متبوعا أبدا
إلا في ظاهر
الغلبة لحكم
التمكين
فافهم .
وقوله
عليه السلام ((
رأيت الأرض ))
يريد هذه
المعاني كلها
ورؤيتها رؤية
إحاطة وعلية
لا مشاهدة
وعيان خاصة
لأن الله عز
وجل أشهده خلق
السموات
والأرض وخلق
نفسه واتخذه
عضدا لخلقه
وجعله وليا من
العزّ وملأ به
السموات
والأرض حتى
ظهر أن لا إله إلا
الله
لأنه يساوي
علي ولي الله
فافهم .
_________________
1
النبأ 1 – 3 2
الغاشية 17 3
الغاشية 18
4
الغاشية 19 5
الغاشية 20 6
الروم 25
قوله
عليه السلام ((
ملتفّة )) أي
مطبقة طبقات
على
الاستدارة
بحيث تكون
بعضها في الآخر
وهي حقيقة
واحد قد
انقسمت إلى
هذه الطبقات بعضها
على الآخر
ولذا شبهها
بالتفاف
الثوب القصور
، وتلك الطبقات
الملتفّة
بعضها ببعض
سبعة على ما
دل عليه العقل
والنقل وقد
اختلفت
تعبيرات أهل
البيت عليهم السلام
عن تلك
الطبقات بحسب
الجهات
والملاحظات
إلا أن ما
ذكرنا من
القاعدة
الكلية في الأرض
ومراتبها
يتبين لك
الأمر وجمع
تلك الأخبار
من غير منافرة
و مضادة لأنا
قد بينا أن
أصل الأرض
وحقيقتها هي
القابلية
والسماء هي
المقبول ،
وبعبارة أخرى
أن السماء وجه
الفاعل
والأرض
قابليته
ومظهره ، فعلى
هذا إذا تطابقت
السموات
فيكون كل أرض
تحت سمائها
لاستحالة
ألان فكاك ،
فتكون أرض
السماء
الأولى فوق
السماء
الثانية
وهكذا ، وإليه
أشار مولانا
الرضا عليه
السلام في
الحديث الذي
رواه في مجمع
البيان عن علي
بن إبراهيم عن
أبيه عن الحسين
بن خالد عن
أبي الحسن
الرضا عليه
السلام قال ((
قلت له أخبرني
عن قـول الله
عز وجـل {
والسماء ذات
الحبك }1 فقال :
هي محبوكة إلى
الأرض و شبك بين
أصابعه ، فقلت
: كيف تكون
محبوكة إلى
الأرض والله
تعـالى يقول {
رفع السماوات
بغير عمد }
فقال : سبحان
الله أليس الله
يقول { بغير
عمد تـرونها }2
، فقلت : بلى ،
فقال : ثَمّ
عمد ولكن لا
ترونها ، قلت :
كيف ذلك جعلني
الله فداك ،
فبسط كفّه
اليسرى ثم وضع
اليمنى عليها
فقال هذه أرض
الدنيا والسماء
الدنيا عليها
فوقها قبّة ،
والأرض الثانية
فوق السماء
الدنيا
والسماء
الثانية فوقها
قبّة، والأرض
الثالثة فوق
السماء الثانية
والسماء
الثالثة
فوقها قبّة ،
والأرض الرباعة
فوق السماء
الثالثة
والسماء
الرابعة فوقها
قبة ، والأرض
الخامسة فوق
السماء الرابعة
والسماء
الخامسة
فوقها قبة ،
والأرض
السادسة فوق
السماء
الخامسة
والسماء
السادسة
فوقها قبة ،
والأرض
السابعة فوق
السماء
السادسة والسماء
السابعة
فوقها قبّة ،
وعرش الرحمن
تبارك الله
فوق السماء
السابعة وهو
قول الله
تعالى{ خلق
سبع سماوات
ومن الأرض
مثلهن يتنزل
الأمر بينهن }
فأما صاحب
الأمر فهو
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم
والوصي بعد
رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم
_______________
1
الذاريات 7 2 الرعد
3 3
الطلاق 12
قائم
هو على وجهه
الأرض فإنما
يتنزّل الأمر
إليه من فوق
السماء من بين
السموات والأرضين،
قلت : فما
تحتنا إلا أرض
واحدة، فقال c: ما تحتنا
إلا أرض
واحدة، وإن
الست لفوقنا ))1 .
ويريد
عليه السلام
بهذه الأرضين
هو الأصل
الأرض
البسيطة
الصرفة وهي
قابلية كل سماء
فوجودهما
متساوق لا
تكون السماء
إلا بالأرض
ولا الأرض إلا
بالسماء ولذا
جعلها عمودا
وهوالقيام
التحققي فإذا
قطعت النظر عن
الأرض لم تكن
السماء سماء
لما بينهما من
المساوقة
والتضايف ،
فبطل ما توهم
بعض العلماء
من هذا الحديث
الشريف أنه
عليه السلام
جعل محدب كل
سماء أرضا
لمقعر السماء
التي فوقها إذ
كل سماء
منفصلة عن
الأخرى وليس
قوام أحدها
بالأخرى من
حيث هي سماء ،
وأما الملاحظة
الثانية أي
جعل كل سافل
أرضا للعالي
فهي وإن كانت
صحيحة إلا
أنها لا
تستقيم هنا
لأنّ هذه السموات
المعروفة في
صقع واحد ليس
بينهما ترتب
شرف وعلو وسفل
مع أنّ الشمس
أعلى السموات
وأشرفها
وباقي
السموات كلها
بالنسبة إليها
أرض مع أنها
في السماء
الرابعة و
مجرد العلو
الحسي
والتقدم
الزماني لا
يوجب الأرضية
وإلا كانت
القشر سماء
للّبّ والجسد
للروح مع أن الأمر
بالعكس ذلك
بالبديهة ،
ولهذا الحديث
الشريف معنى
آخر ذكره شيخي
أطال الله
بقاه في بعض
أجوبة
المسائل وإذا
نظرت إلى
الأرض من حيث
هي نفسها
وإدبارها
ونتنها
وكثافتها فهي
حينئذ تكون
تحت السماء
السابعة كل
طبقة واد من أودية
جهنم لغلظة
الإنيّة
وظلمة
الماهية وهي
كما وصفها
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم في
ما تقدم من
الحديث أن
الأرض
الثانية مسجن
الريح والأرض
الثالثة فيها
حجارة جهنم
إلى آخر ما
قال ، وإذا
نظرت إلى مقام
التعاكس وجعلت
كل أرض ضدا
وظلا وعكسا
لسماء فتكون
إذاً الأرض
الثانية أوسع
وأعظم من
الأرض الأولى
لأنّ ظل كل
سماء على حسب
تلك السماء
وهو ما ورد عن النبي
صلى الله عليه
وآله وسلم كما
تقدم أن الأرض
الأولى بمن
عليها وفيها
في الأرض الثانية
كحلقة ملاقاة
في فلاة قي
والثانية بمن
فيها وعليها
مع الأرض
الأولى
بالنسبة إلى الأرض
الثالثة
كحلقة
_______________
1 مجمع
البيان 27/8
ملقاة
في فلاة قي
وهكذا إلى آخر
ما ذكر صلى الله
عليه وآله
وسلم ، وفي
هذا المقام
وضع لكل أرض
اسم فالسابعة
اسمها أرض الشقاوة
والسادسة
اسمها أرض
الإلحاد في
مقابلة
السماء
السادسة
والخامسة
اسمها أرض
الطغيان في
مقابلة
السماء
الخامسة
والرابعة اسمها
أرض الشهوة في
مقابلة
السماء
الرابعة والثالثة
أرض الطبع في
مقابلة
السماء
الثالثة والثانية
أرض العادات
في مقابلة
السماء الثانية
والأولى أرض
الممات في
مقابلة
السماء
الدنيا سماء
الحياة، ولما
كانت كل سماء
أوسع من التي
تحتها كانت كل
أرض أوسع من
التي فوقها
لأن ظل الأعلى
أسفل وإلى هذه
السبعة أشار
مولانا الصادق
في الحديث
المتقدم (( إنّ
الأرض سبع
منهن خمس فيهن
خلق من خلق
الرب واثنتان
هواء ليس فيهما
شيء )) ويريد
عليه السلام
بهما أرض الشهوة
وأرض الممات
فإن ظل الوجود
عدم مجتث وظل
الحياة موت
ففيهما ظلمة
صرفة ليس
فيهما شيء من
التمايز
والتشخصات
كما في الخمسة
الأخر فإنّ الأرض
الرابعة ظل
فلك الشمس
والأرض
الأولى ظل فلك
القمر فعلى
هذا التقدير
لا يجوز أن تكون
تلك الطبقات
أجساما
كالأرض
المعروفة وإنما
هي أرواح لنص
قوله عليه
السلام (( إن
الثانية أوسع
من الأولى ))
فلوكانت جسما
كانت في جوف
هذه الأرض فلم
تكن أوسع
ولقول الرضا
عليه السلام ((
وليس
تحتنا إلا أرض
واحدة )) وتمام
الكلام في ذلك
يأتي إنشاء
الله فترقب .
أويكون
المراد
بالالتفاف
عدم ظهور بسطها
وسعتها وبروز
عشبها وثمرها
والأنوار المستجنّة
فيها
والحقائق
المستقرة
فيها لإحاطة
الظلمة وتقدم
الليل وسيكون
لها ظهور وبسط
وانتشار وسعة
وإحاطة ، أما
الأرض الأولى
أيّ أرض
الإمكان
الراجح فقد
خفيت آثارها
وظهوراتها
بكثرة
التغيرات
والتبدلات
والكثافات وطريان
العدم
والفناء
والفقر إلى
الأسباب وظهور
الأسباب
المخصوصة
الجزئية
وكذلك الأرض الثانية
التي هي
الحقيقة
المحمدية صلى
الله عليه
وآله وسلم
ولذا اختلف
الناس فيهم
فمن قائل
بأنهم عليهم
السلام أرباب
، ومن قائل
يقدم غيرهم عليهم
، ومن قائل
بعدم حظ لهم
في الإسلام ،
ومن قائل
بأنهم رعايا
كسائر
المخلوقين ،
ومن قائل
بأنهم حجج
الله
وأولياؤه وهم
في هذا القول مختلفون
اختلافا
شديدا يطول
بذكره
الكلام، وما
ظهر كونهم
محلا للمشيئة
إلا لقليل من
خواص
المؤمنين
الممتحنين
فلو لم يكن
أمرهم مطويا
ملتفا لما وقع
الاختلاف
لكنهم أوقعوا
الاختلاف
بإخفاء
اللطيف
ليصح
التكليف
ويمتاز
الخبيث من
الشريف وسيظهر
الأمر بعد
الخفاء
ويدخلون
المسجد عودا
كما دخلوه أول
مرة فينكشف
الغطاء ويرجع
الأمر كله إلى
الله هنالك
الولاية لله
الحق هو خير
ثوابا وخير
عقبا .
وكذلك
الأرض
الثالثة إذ قد
طويت آثارها
وخفيت
أثقالها وما
ظهر للناس
مالها ولذا تراهم
يستحيلون
كثيرا من
الأمور
الممكنة بل المتحققة
في عالمها
كحكمهم
باستحالة
انفكاك اللازم
من الملزوم
وبامتناع
وجود الحقائق
المطلقة
معرّاة عن
القيودات
الشخصية
كقولهم الشيء
ما لم يتشخص
لم يوجد
وبامتناع
وجوده كل ما
يوجد في الذهن
ويتصور في
الخارج
وأمثالها من
الأمور التي
يطول بذكرها
الكلام
وتستنبط تلك
الأرض وتظهر
المستجنات
الكامنة فيها
يوم تبدل الأرض
غير الأرض
ويقال لقد كنت
في غفلة من
هذا فكشفنا
عنك غطائك
فبصرك اليوم
حديد .
وكذلك
الأرض
الرابعة وقد
قال الله عز وجـل
{ وما أوتيتم
من العلم إلا
قليلا }1 وقال
عز وجـل { إذ لم
يهتدوا به
فسيـقولون
هذا إفك
_______________
1
الإسراء 85
قـديـم
}1 وقال عز
وجـل { بل
كذبوا بما لم
يحيطوا بعلمه
ولما يأتهم
تأويله }2 , وقال أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
اندمجت على
مكنون علم
لوبحت به
لاضطربتم
اضطراب
الأرشية في الطوى
البعيدة ))3
وقال مولانا
سيد العابدين
عليه السلام :
إني
لأكتم من علمي
جواهـره كيلا
يرى الحق ذو
جهل فيفتتنا
وقد
تـقدم في هذا
أبـوحسن إلى الحسين
ووصى قبله
الحسنـا
يا رب
جوهر علم لو
أبوح بـه لقيل
لي أنت ممن
يعبد
الوثـنـا
ولاستحل
رجال
المسلمون
دمي يرون
أقبح ما
يأتـونه
حسنـا
وقال
مولانا
الصادق عليه
السلام ذكرت
التقية يوما
عند علي بن
الحسين عليه
السلام فقال
عليه السلام ((
لـوعلم أبوذر
ما في قلب
سلمان لقتله
إن علم العلماء
صعب مستصعب لا
يحتمله إلا
ملك مقرب أو نبي
مرسل أو مؤمن
امتحن الله
قلبه للإيمان
إنما قـلت علم
العلماء لأن
سلمان من
العلماء ))4 , وقال
أيضا عليه
السلام (( مـا كل ما
يعلم يقال ،
ولا كلما
_______________
1 الأحقاف
11 2
يونس 39
3 البحار 35/4 ح 2
4 لم
نقف على هذه
الرواية كما
ذكرها المصنف
أعلى الله
مقامه ولكن
وجدنا ما يقرب
منها وهي ما
روي في بصائر
الدرجات 25 عن
جعفر عن أبيه
قال (( ذكرت
التقية يوما
عند علي بن
الحسين عليه
السلام , فقال :
والله لو علم
أبو ذر ما في
قلب سلمان
لقتله , ولقد
آخى رسول الله
صلى الله عليه
وآله بينهما
فما ظنكم
بسائر الخلق ,
إن علم العالم
صعب مستصعب لا
يحتمله إلا
نبي مرسل أو
ملك مقرب أو
عبد مؤمن امتحن
الله قلبه
للإيمان , قال :
وإنما صار
سلمان من
العلماء لأنه
امرؤ منا أهل
البيت عليهم
السلام فلذلك
نسبه إلينا )) .
يقال
حان وقته ،
ولا كلما حان
وقته حضر أهله
))1 ، وهذا
معلوم تشهد به
البديهة فإن
العلم لم يزل
مكنونا
مخزونا عند
أهله ، فإذا
آن أوان انبساط
الأرض
وتبديلها
بالأرض
الطيبة
الطاهرة تنتشر
العلوم
وتنبسط
المعارف
فيغنِ الله
كلا من سعته
وكذلك الأرض
الخامسة
والسادسة
والوجه في
التفافهما
وطيهما وعدم
انتشارهما
وانبساطهما
معلوم مستغن
عن البيان
وكذلك
ظهورهما
وانبساطهما
لما قد خرق
الأسماع و ملأ
الأصقاع من
أمر الرجعة
والقيامة
وأنهم ولاة
الأمر
وأولياء
الحساب ومقدر
الثواب والعقاب
.
وكذلك
الأرض
السابعة فإن
هذه الأرض تنبسط
وتنتشر في
الآخرة بحيث
أن من أدى
زكاة ماله
يخلق الله عز
وجل فرسا أحسن
جواد في الدنيا
فيقال للمؤمن
اركب هذا
الفرس واركض
في أرض الجنة
سنة فما بلغ
جوادك فهو لك
وإنه يقطع في
كل طرفة عين
مقدار الدنيا
سبع مرات وكل
يوم من السنة
كألف سنة مما
تعدون
فاستبصر من
ذلك ضيق هذه
الأرض
والتفافها
وطيها وعدم نموأشجارها
ونضج ثمارها
وجريان
مياهها وعذوبتها
وحلاوتها
وطهارتها
وشوبها
بالكدوراتوالكثافات
والرذائل
والدناءات .
ثم
اعلم أنه قد
تقرر عندنا أن
المشبه في
القرآن والأخبار
عين المشبه به
فقوله عليه
السلام (( كالتفاف
الثوب القصور
)) ليس المراد
أن الثوب القصور
شيء والأرض
الملتفة شيء
آخر كقولك زيد
كالأسد بل
الثوب القصور
هو عين الأرض
الملتفة ،
وليس هذا
بمجاز وإنما
هو حقيقة
أصلية لأن
الأرض قد قلنا
سابقا أنها هي
القابلية ،
وجهة
الانفعال
والقابلية هي
الصورة كما أن
الأثر الصادر
من الفاعل
الذي هو وجه
الفاعل هو المادة
والصورة ثوب
ولباس لأن
المادة هي الأب
والصورة هي
الأم لقول
الصادق عليه
السلام
(( إنّ
الله خلق
المؤمنين من
نوره وصبغهم
في رحمته
فالمؤمن أخ
المؤمن لأبيه
_________________
1
البحار 53/115 ح 138
وأمّه
أبوه النور
وأمّه
الرّحمة ))1
فإذا صح أن الأرض
هي الصورة
والصورة هي
الأم والليل
منشأ العلة
الصورية لأن
سلطانه
ورايته القمر
ومنه الصور
الجسمية كما
أن من الشمس
المادة العنصرية
فقد قال الله
عز جل { هن
لباس لكم وأنتم
لباس لهن }2
وقال عز وجل {
وجعلنا اليل
لباسا }3
فتكون الأرض
هي الثوب في
كل درجاتها و
مقاماتها
فافهم إن كنت
تفهم وإلا
فأسلم تسلم .
وأما
توصيفها
بالقصور
إشارة إلى طبقاتها
وكونها حقيقة
واحدة منطبقة
بطبقات لأن
تسلم من
الإعدام
والإفناء على
التفصيل الذي
ذكرناه
وسيأتي قريبا
إنشاء الله وأن
ليس هذا الثوب
فيزول هذا
الالتفاف
وينبسط الطوى
، لكن هذا
الثوب على
قسمين ثوب من
نار و ثوب من
نور ، فالثوب
الذي من النار
هي طينة سجين
خبال جهنم
التي قد خلق
الله سبحانه
منها الكفار
والمنافقين
والمشركين
فقال لهم للنار
ولا أبالي ،
والثوب الذي
من النور هي
طينة عليين من
بحر المزن
والصاد التي
قد خلق الله
عز وجل منها
المؤمنين
الموحدين
والأنبياء
المرسلين
والملائكة
المقربين
وأهل الخير
أجمعين ، ففي
دار التكليف
يكون الثوبان
ملتفين مطويين
في ظاهر الأمر
فـإذا انـقطع
التكليف
_________________
1
بصائر
الدرجات 80 2
البقرة 187
3
النبأ 10
ترى
كل أحد لابسا
ثوبه { وما ربك
بظلام للعبيد
}1 ، وقولي في
دار التكليف
مرادي قبل
تمييز الخبيث
من الطيب و ما
دام حكم الخلط
والمزج باقيا
كما قال أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
لو أن الباطل
خلص لم يخف
على ذي حجى ،
ولو أن الحق
خلص لم يكن
اختلاف ، ولكن
يؤخذ من هذا
ضغث و من هذا
ضغث فيمزجان
فيجيئان معا
فهنالك استحوذ
الشيطان على
أوليائه ونجى
الذين سبقت له
من الله
الحسنى ))2 وأول
ظهور الثوبين
إذا خرج مولانا
وسيدنا
القائم عجل
الله فرجه وسهل
مخرجة فيأخذ
الأمر في
الظهور
والامتياز إلى
أن تظهر
الجنتان
المدهامتان
في ظهر الكوفة
ثم كمال
الظهور على
التفصيل يوم
حشرناهم ولم
يغادر منهم
أحدا ،
والرّجعة يوم
ويوم نحشر من
كل أمة فوجا
ممن يكذب
بآياتنا وهم
الفريقان أي
ماحض الإيمان
محضا وماحض
الكفر
والنفاق
والطغيان .
قـوله
عليه السلام ((
وهي في خرق من
الطتنج
الأيمن مما
يلي المشرق ))
اعلم أن
الوجود ينقسم
إلى سماء وأرض
والأرض تنقسم
إلى أرض طيبة
وأرض خبيثة،
كما قال الله
تعالى {
والبلد الطيب
يخرج نباته
بإذن ربه
_________________
1 فصلت 46
2
المحاسن 218
والذى
خبث لا يخرج
إلا نكدا }1
والجهة
باعتبار حركة
الشمس تنقسم
إلى قسمين شرق
وغرب والطتنج
باعتبار
الجهة ينقسم
إلى قسمين
يميني
وشمالي ، ولا
ريب أن السماء
أشرف من الأرض
، والأرض
الطيبة أشرف
من الأرض
الخبيثة و ما
يلي المشرق
أشرف مما يلي
المغرب ، لأن
الذي يلي
المشرق نور
والذي يلي
المغرب ظلمة ،
ولا ريب أن
الـنور أشرف
من الظلمة ، وإن
كانت جهة
الغرب لكونها
طبع الرحمة
أشرف من جهة
الشرق لكونها
طبع الغضب
والطتنج
الأيمن أشرف
من الطتنج
الأيسر ، فإذا
نظرنا إلى القاعدة
المطّردة
والأصل
المؤسس في
قوله عز وجل {
الخبيثات
للخبيثين
والخبيثون
للخبيثات
والطيبات
للطيبين
والطيبون
للطيبات }2 وجب
أن نحمل
الأشرف على
الأشرف لئلا
تنخرم القاعدة
ويبطل الأصل
الكلي فوجب أن
نحمل قوله
عليه السلام
وهي في خرق ..
إلخ )) بالأرض
الطيبة لا
مطلق الأرض إذ
ليس الكلام
المطلق
والحقيقة
وإنما هو في
الأفراد
الشريفة
والكثيفة
لأنّ مقتضى
الحكمة حمل
المناسب على
المناسب ، على
أنه لوكان
مطلق الأرض
فما الذي يكون
في خرق من
الطتنج
الأيسر إن كان
هوالسماء
فباطل بالضرورة
وإن كان
هوالأرض فقد
جعلت الأرض
كلّها في الطتنج
الأيمن ، وإن
كان هو الظلمة
والبحر
والحوت
والصخرة
والثور
والثرى وتحت
الثرى فهل
الأراضي
الخبيثة
المتقدمة
داخلة فيها أم
لا ، فإن كانت
داخلة فخلصت
الأراضي
الطيبة للطتنج
الأيمن ، وإن
لم تكن داخلة
فيلزم خلاف الحكمة
إذ كل شيء له
مقام معلوم
وحد معين عند
الله وعند
أوليائه ،
فثبت ما قلنا
من التخصيص ،
وإنما خصّ
الأرض الطيبة
والطتنج
الأيمن في الذكر
دون المجموع
كما يقتضيه
مقام التفصيل لأن
الباطل
والخبيث مجتث
مقصود بالعرض
لا قوام له
إلا بالمقصود
بالذات فإذا
ذكر المقصود بالذات
في الإيجاد
والإحداث
فيدخل تحت
ذكره المقصود
بالعرض فيذكر
معه في مقام
التضاد فتحصل
به الغاية مع
ما هو المطلوب
في الكلام
والأداء من
الإيجاز
المؤدي الغير
المخـل ،
________________
1
الأعراف 58
2
النور 26
وفيه
سر آخر لبيان
أنهم منسيّون
قال الله تعالى
{ نسوا
الله فنسيهم }1 مع أنه
عليه السلام
يذكر فيما بعد
تفصيل أحوالهم
وشرح
مستجنّات ضمائرهم
وأسرارهم
والتفصيل
المطلق إنما
هو هذا بأن
يذكر جميع
خصوصيات
الحقائق
والمعاني من
غير تكثير
الألفاظ فإن
ذلك دليل كمال
البلاغة
والفصاحة كما
أن الثاني
دليل كمال
العجز وعدم
الاطلاع على
مأخذ الألفاظ
والمباني ولذا
ترى القرآن
الكريم فإنه
قد احتوى
تفصيل كل شيء
وهوعلى ما هو
عليه من
الإيجاز
والاختصار .
ولما
شرح عليه
السلام الأرض
و موضعها و
مستقرها
وأصلها
وحقيقتها
أراد عليه
السلام أن
يشرح ذلك
الأصل
وحقيقـتـه
ليكون قد ذكر العلم
الأعلى
والأسفل
بجميع
فـنونهما
وأحوالهما
فقال عـليـه
السلام (( والطتنجان
خليجان من ماء
كأنهما أيسار
طتنجين )) وهذا
الماء هو
الماء الذي به
حياة كل شيء
حي وهو الماء
الذي خلق الله
منه بشرا
فجعله نسبا
وصهرا وهو الماء
الذي أنزله
الله من
القرآن فكان
شفاء ورحمة
للمؤمنين ولا
يزيد
الظالمين إلا
خسارا وهذا هو
الماء الذي
خلقه الله
سبحانه قبل خلق
كل شيء من
القلم واللوح
والكرسي
والعرش والسموات
والأرضين
وهذا الماء هو
بحر الصاد والمزن
وهو أول
المداد وهو
النون وهو
طمطام يمّ الوحدانية
وهو
________________
1
التوبة 67
أمر
الله في قوله
عز وجل { ومن
ءاياته أن
تقوم السماء
والأرض بأمره
}1 وهو
هيولي
الهيوليات
ومادة المواد
وعنصر العناصر
وذات الذوات
وهذا الماء هو
ظهور الولاية
المطلقة
وهوأثر رحمة
الله عز وجل
قال تعالى {
فانظر إلى
ءاثار رحمت
الله كيف يحى
الأرض بعد
موتها }2
وهذا الماء
لطائف أبخرة
صافية
متصاعدة من أرض
الجواز
بحرارة
الغاية
الإلهية والظهورات
الفاعلية فهو
دائم الجريان
على الأراضي
الميتة لدوام
الحرارة
المقابلة
ولطائف الأبخرة
القابلة ،
ولكن هذا
الماء من جهة
وقوعه على
الأراضي
والتعلقات
انقسم قسمين
فكان كل قسم
منه خليجا
مختصا بجهة من
الجهات ينبت النبات
والثمرات على
مقتضى تلك
الجهة من الاعتدال
وعدمه فسكر
وحنظل وحشيش
وغثّاء ،
فالخليج الأيمن
الأعلى محل
الأنوار
ومشرب
الأطهار ، والخليج
الثاني
الأيسر
الأسفل كتاب
الفجار و مورد
الأشرار ،
والثاني هو
ظاهر الأول
لقوله تعالى {
فضرب بينهم
بسور له باب
باطنـه فيه الرحمـة
وظـاهره من
قبله العذاب }3
، فالماء واحد
وهو ما يحصل
من البرودة
والرطوبة
المستجن
فيهما جزء من
الحرارة
المستجنة في
جزء من اليبوسة
الحاصل من
تدبير قمر
الولاية
الناشئ من نظر
الكرسي فلك
البروج
الظاهر في
الجوزهر وهذا
الماء هو مادة
الصور
والحياة وهي
العلة الصورية
في الكائنات ،
ففي الأرض
الطيبة تظهر
الصور الطيبة
الموافقة
للرحمة وفي
الأرض الخبيثة
تظهر الصور
الخبيثة
المخالفة
للرحمة الموافقة
للغضب ، فيقع
البلد الطيب
في خرق من الطتنج
الأيمن
والأرض
الخبيثة في
خرق من الطتنج
الأيسر ،
وقوام
الأمرين
بواحد وهوباب
مدينة العلم
عليه السلام
وإنما جعل
عليه السلام الأرض
في خرق من
الطتنج مع أن
الأمر بالعكس
على الظاهر
فإن الماء يقع
على الأرض لا
العكس والماء
يتولد منها لا
العكس لأن
الأمر في
الحقيقة
بالعكس لأنا
قد قلنا فيما
سبق أن الأرض
هي القابلية
وهي وإن كانت
بعد التحقق
ووقوع المقبول
عليها محلا
للمقبول إلا
أنها لا تتحقق
إلا به لأن
القابلية
حدود والصور
لا قوام لها
إلا بالمحل
والموضوع
الذي هو
المقبول ، ولما
كانت الأرض هي
القابلية
والماء هو
المقبول كانت
الأرض متقومة
بالماء فكانت
الأرض الطيبة
في الطتنج
الأيمن
_______________
1
الروم 25 2
الروم 50
3
الحديد 13
والأرض
الخبيثة في
الطتنج
الأيسر على ما
ذكرنا ،
فالأرض هنا
عامة كالماء
فافهم .
ولما
كان المفعول
على هيئة
الفعل ويحكي
مثاله وصفته
ووجه تعلقه بل
ليست حقيقة المفعول
إلا مثال
الفعل وصفته
وكان
الطتنجان المذكوران
أصولي
الأكوان
والمفاعيل
ولا يشذ عنهما
شيء منها أراد
عليه السلام
أن يبين
ربوبية ذين
الطتنجين قال
مولانا
الصادق عليه
السلام ((
العبودية
جوهرة كنهها
الربوبية ))1 فالعبودية
من حيث
الربوبية
حقيقة ثانية
ثابتة في كل
ما للربوبية
فقال عليه
السلام (( كأنهما
أيسار طتنجين
)) أي كأن
الخليجين
الذين هما الطتنجين
حدود وخطوط
للطتنجين
الأولين المنشعبين
من بحر
الرحمانية
فأتى بالكاف
لإثبات المثل
أي الصفة ،
فالطتنجان
اللذان هما
أصول المفاعيل
نقش فهواني
للطتنجين
اللذين في مقام
الأسماء
الفعلية تحت
حجاب
الرحمانية
لأن مقام
الألوهية
مقام الإجمال
الصرف والجمع
البحت ، فلما
أظهر الله
سبحانه بصفة
الرحمانية
على العرش
فأعطى كلّ ذي
حق حقه وساق
إلى كل مخلوق
رزقه ظهرت
الأسماء
المتقابلة
المتضادة في
مقام اسم
الرحمن فكان
غافرا و
منتقما رؤوفا
عطوفا
وقهّارا
وجبارا و
محييا و مميتا
و موجدا و معدما
وهكذا ،
فانقسم إلى
أسماء الفضل
وأسماء العدل
الظاهرتين في
اليدين
المبسوطتين
اللتين ينفق
بهما كيف يشاء
، واليدان هما
الطتنجان
فهما في
المقام
الثاني أي
مقام المفعول
مثالهما في
المقام الأول
أي مقام الفعل
في مقام اسم
الرحمن لأن
قبله مقام
الوحدة و مقام
الكثرة
والاختلاف
وإنما هو في
الرحمانية
ولذا استوى
بها على العرش
وأول مقام
الكثرة في
الاثنين ،
فانقسم الفعل
بالمفعول
والمفعول
بالفعل إلى
القسمين وهما
الطتنجان
فتكثر كل قسم
من الأمرين
بعد القسمين
الأولين،
وشرح ذلك في الأسماء
المخصوصة
الجزئية هذا
هو العبارة الحقيقية
في الواقع .
___________________
1 مصباح
الشريعة 7
أما
العبارة
الظاهرية تحت
الأول فاعلم
أن الرحمن هو
الظاهر
بالرحمة
الواسعة وهذه
الرحمة لها
طرفان فضل
وعدل فالأول
هو الرحمة
المكتوبة وهو
الطتنج
الأيمن
الأعلى وهو رحمة
الفضل
والثاني هو
رحمة العدل
وهي التي تشمل
الكافر وتسعه
في النار وهو
الطتنج
الأيسر
الأسفل ,
والماء
المفعول النازل
من ذلك السحاب
وهو القرآن
أيضا ينقسم إلى
القسمين فقسم
يحكي رحمة
الفضل وهي
الذوات الطيبة
والقسم الآخر
يحكي رحمة
العدل وهي الذوات
الخبيثة
والنفوس
الفاسقة
اللئيمة ، فالطتنجان
الآخران
المنشعبان من
الماء هما صفة
أمير
المؤمنين
عليه السلام
في مقام
الأفعال والظهورات
الجزئية وفي
هذا المقام هو
البشر الذي
خلق من الماء
فجعله نسبا
وصهرا فكان
هنا الباب
الذي باطنه
فيه الرحمة
وظاهره من
قبله العذاب
وهو القوم
الذي يحبون
الله ويحبهم
الله أذلة على
المؤمنين
أعزة على
الكافرين وهو عليه
السلام في هذا
المقام ذكر
الرحمن قال عز
وجل { ومن يعش
عن ذكر
الرحمان نقيض
له شيطانا فهو
له قرين }1 أي
من أعرض عن
ولاية علي
عليه السلام
وقال عز وجل {
وعباد
الرحمان
الذين يمشون على
الأرض هونا }2
وهم شيعة علي
عليه السلام وهو
عليه السلام
سبيل الله فمن
سلكه نجى و من
تخلف عنه هلك
قال تعالى {
وأن هذا صراطى
مستقيما
فاتبعوه ولا
تتبعوا السبل
فتفرق بكم عن
سبيله }3 وقال
عز وجل { ولئن
قتلتم فى سبيل
الله أو متم }4
قال الباقر
عليه السلام ((
سبيل الله هو
علي عليه
السلام
والقتل في
سبيل الله هو
______________
1
الزخرف 36 2
الفرقان 63
3
الأنعام 153 4 آل
عمران 157
القتل
في سبيل علي
عليه السلام ))1 وهو عليه
السلام في هذا
المقام الباب
المبتلى به
الناس وهو باب
حطة فمن دخله
موقنا بولايته
وعارفا بفرض
طاعته سلك
سبيل الجنة و
من لم يدخله
ولم يؤمن به
انحط إلى أسفل
السافلين ،
وهو عليه السلام
في هذا المقام
قسيم الجنة
والنار ، وهو
عليه السلام
هنا نعمة الله
على الأبرار و
نقمته على
الفجار ، وهو
عليه السلام
هنا بيت الله
الذي من دخله
كان آمنا و من
لم يدخله كان
هالكا ، وهو
عليه السلام
هنا النبأ
العظيم الذي
هم في مختلفون
وعنه يسألون
وعليه يعرضون ،
وهو عليه
السلام هنا
ساقي أوليائه
من نهر الكوثر
وذائدا
أعدائه منه ،
والطتنجان
الأولان هما
طتنج الرحمة
والغضب
المنشعبان عن
اسم الرحمن
وهو معنى أمير
المؤمنين
عليه السلام قد
ظهر في الصورة
والصفة على
هيكل المعنى
قال عليه
السلام (( نور
أشرق من صبح
الأزل فيلوح
على هياكل
التوحيد
آثاره )) و من
هنا تحققت
الكينونات من
الذوات
والصفات وهنا
قال روحي فداه
(( أنا ذات
الذوات أنا
الذات في
الذوات
للذوات )) فظهرت
آثار الغضب به
عليه السلام
في مراتب الجهل
ومقامات
إدباره وظهور
أسمائه الخبيثة
والحقائق
المنتنة
المجتثة
وظهرت آثار
الرحمة به
عليه السلام
في العقل
ومراتبه ومقامات
إقباله
وإدباره الذي
هو عين إقباله
وظهور أسماء
الله الحسنى
وصفاته
العليا وكلمته
القصوى ، وهنا
طتنجان آخران
هما باطن هذين
الطتنجين
وهما طتنج
الحياة
والقيومية
المنشعبان من
الألوهية
وهما باطن
أمير
المؤمنين
عليه السلام
وروحي له
الفداء وهو
عليه السلام
في هذا المقام
معنى الاسم
الأعظم و محله
ومظهره وقد
قال مولانا
الصادق عليه
السلام (( إن الحي
القيوم وهو
الاسم الأعظم
وهو في ______________
1 لم
نقف على هذه
الرواية
بعينها
ولكننا وجدنا
ما يقرب منها
في معاني
الأخبار ص 167 في
باب معنى سبيل
الله عن جابر
عن أبي جعفر
عليه السلام
قال : سألته عن
هذه الآية في
قول الله عز وجل
( ولئن قتلتم
في سبيل الله
أوتيتم ) قال ,
فقال : أتدري
ما سبيل الله ,
قال قلت : لا
والله إلا أن
أسمعه منك ,
قال : سبيل
الله عو علي
عليه السلام
وذريته ,
وسبيل الله من
قتل في ولايته
قتل في سبيل
الله , ومن مات
في ولايته ما
في سبيل الله )) .
ثلاثة
مواضع في كتاب
الله )) وهو
عليه السلام في
هذا المقام
أمر الله الذي
قام به كل شيء
كما قـال عليه
السلام في
الـدعاء (( كل شيء
سواك قـام
بأمرك ))1 وهو عليه
السلام الروح
من أمر الرب
قال عليه السلام
(( أنا الروح من
أمر ربي )) وهو
عليه السلام أمر
الله الواحد
كما قال تعالى
{ وما
أمرنا إلا
واحدة }2
وهو قد ظهر
بالأمرين في
الطتنجين وهو
عليه السلام
ولاية الله
التي قامت بها
الأشياء قال تعالى
{ هنالك
الولاية لله
الحق }3 قال
عليه السلام ((
ظاهري إمامة
وولاية
وباطني غيب لا
يدرك )) وهو عليه
السلام هنا يد
الله الباسطة
ورحمته الواسعة
ونعمته
البالغة
وجنبه القوي
ووجهه المضي واسمه
العلي وصراطه
السوي وبهاؤه
وجلاله وجماله
ونوره وعظمته
وكبرياؤه
وقدسه وعزه وقهاريته
، وهنا طتنجان
آخران هما
باطن هذين الطتنجين
وهما طتنج
الأحدية
والواحدية
المنشعبين من
بحر الألوهية
وهما غيب أمير
المؤمنين
عليه السلام
وهنا قد
استجيب دعاؤه
حيث قال (( رب
أدخلني في لجة
بحر أحديتك
وطمطام يمّ وحدانيتك
)) فصار عليه
السلام
بالأول محل
معرفة الله
ودليل توحيد
الله وآية
تنزيهه
وتفريده
وتسبيحه
وبالثاني
ينبوع
الأسماء
والصفات ومعدن
الظهورات
والتجليات
وقد قال عليه
السلام (( نحن
___________________
1
البحار 90/148 ح 10
2
القمر 50
3
الكهف 44
الأعراف
الذي لا يعرف
الله
إلا بسبيل معرفتنا
))1 وهو عليه
السلام هنا
ركن توحيده بل
عين توحيده
ومستودع سره
ومخزن علمه
كما يـأتي
إنشاء الله ،
وهنا طتنجان
آخران هما
باطن هذين
الطتنجين
وهما طتنج
الهوية
والألوهية
المنشعبين من
بحر الأزل لم
يزل عز وجل في
العالم
الظاهر الإمكاني
والكوني
والعيني وهما
سر أمير المؤمنين
عليه السلام
روحي له
الفداء فمن
هذه الجهة كان
اسمه الشريف
المبارك عليا
عليه السلام
وقال مولانا
الرضا عليه
السلام (( فأول ما
اختاره لنفسه
العلي العظيم
لأنه أعلى
الأشياء كلها
فمعناه الله ))2
ومعنى الله هو
، وهو في عالم
المسمى علي في
عالم الأسماء
كما تقدم
فراجع ولا
تتعجب في ما
ذكرت فإن كل
ذلك تحقيق عبوديته
عليه السلام
وتعين أنهم
عباد مكرمون
لا يسبقونه
بالقول وهم
بأمر يعملون ،
وشرح لقوله
عليه السلام ((
نزّلونا عن
الربوبية
وقولوا فينا
ما شئتم ولن
تبلغوا )) وما
لم أذكر أكثر ،
وتدخل هذه
المراتب كلها
في قوله عليه
السلام
كأنهما أيسار
طتنجين لأن
كلا من هذين
الطتنجين على
هيئة
الطتنجين
الأعليين ومثالها
وخطوط
ظهورهما و
نقوش رسومهما
وقد قال أمير
المؤمنين
عليه السلام
في هذه الخطبة
الشريفة
المباركة ((
أنا الواقف
على الطتنجين
)) كما تقدم
فيرجع أمرهما
إليه وإن صعدا
وترقيا في
المراتب
العالية من
مراتب
المفعولات
والأفعال
والأسماء
والصفات
والمسميات
وهكذا ، وهو
عليه السلام
يدلج بين يدي
المدلج من خلق
الله سبحانه
من هو على كل
شيء قدير ،
ويجوز في هذا
الظاهر أن
تجعل
الطتنجين المادة
والصورة في
الموجودات
التكوينية
والتشريعية
والطتنجين
الأعليين
محمدا وعليا
عليهما
السلام قد تشعبا
من بحر القدرة
والعظمة
المنشعبين من
بحر السلطنة
والقيومية
فخليج المادة
إنما هو محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
وخليج الصورة
إنما هو علي
ولي الله قـال
عليه السلام ((
أنا الذي كتب
اسمي على
البرق فلمع
وعلى الودق
فهمع وعلى
الليل فأظلم
وعلى النهار
فأضاء وتبسم )) فمواد
الأشياء من
نور محمد صلى
الله عليه وآله
وسلم لأن
الشمس التي هي
ظهور من
ظهورات النبوة
إنما هي تربي
المواد
والحقائق لأن
الشمس مظهر
العلة
الفاعليـة
متولدة من
العرش الذي خلق
من
________________
1
الكافي 1/184 ح 9
2
معاني
الأخبار 2 ,
البحار 4/88 ح 26
نور
محمد صلى الله
عليه وآله
وسلم وصور
الأشياء من
نور علي عليه
السلام لأن
القمر الذي هو
ظهور من
ظهورات
الولاية إنما
هو يربي الصور
كما مرّ لأنه
متولد من
الكرسي الذي
خلق من نور
علي فلما سأل
الله سبحانه
الخلق حيث
أقامهم في
الأظلة ألست
بربكم و محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم
نبيكم فمن
أجابهما خلق
له الإمكان
والكون فلما
سألهم وقال
لهم وعلي
وليكم
والأئمة من
ولده وفاطمة
الصديقة عليها
السلام
أولياؤكم فمن
أجاب مقبلا
خلقه من طينة
عليين و من
أجاب منكرا
مدبرا مستهزأ
خلقه سبحانه
من طينة سجين
و من أجاب
ظاهرا متوقف
باطنا خلق
ظاهره من طينة
إجابته وبقي
باطنه مادة مع
الصورة
النوعية
الصلوحية ولم
يتعين ولم
يتشخص حتى يقر
بأنّ عليا
عليه السلام
ولي الله فهذا
الحكم في كل
الذرات
والصفات فمن
أجاب قوله
تعالى ألست
بربكم وتوقف
في محمد صلى
الله عليه
وآله وسلم
وعلي عليه
السلام خلق الله
عز وجل إمكانه
ولم يخلق كونه
لتوقفه عن المادة
والصورة فبقي
في حيّز العدم
في عالم الذكر
حتى يقر بهما
عليها السلام
وهو قول مولانا
الصادق عليه
السلام (( إن
الله خلق المؤمنين
من نوره
وصبغهم في
رحمته
فالمؤمن أخ المؤمن
لأبيه وأمه
أبوه النور
وأمه الرحمة ))1 وقال صلى
الله عليه
وآله وسلم ((
أنا وعلّي أبوا
هذه الأمّه ))2 ،
فالنور هو
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم
والرحمة هو
علي عليه
السلام فافهم .
أو
يكون المراد
من الخليجين
خليج الإسلام
وخليج
الإيمان فالأول
اسم ورسم
للطتنج الأول
وهو رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم
لأنه قد تحقق
في محله أن كل
اسم له زبر
وبينات
فالزبر هو
المسمى والبينات
هي الاسم فإذا
حاسبت بينات
اسم محمد صلى
الله عليه
وآله وسلم
يستنطق منها
الإسلام من
غير زيادة حرف
ونقصانها
فعلمنا أن
الإسلام اسم
له صلى اللخه
عليه وآله
وسلم والاسم
هو حد المسمى
ورسمه ووسمه
وإذا حاسبت
بينات اسم علي
عليه السلام
يستخرج منه
لفظ الإيمان
من غير الحاجة
إلى
الاستنطاق
العددي
والحرفي كما
في الإسلام
فعلمنا أن
الإيمان هو
اسم علي عليه
السلام وحده
ورسمه ووسمه
فطابق اليمين الإيمان
في المسمى أي
زبر علي عليه
السلام
_________________
1
بصائر
الدرجات 80
2 علل
الشرائع 127
فكان
أصحاب اليمين
هم أصحاب علي
عليه السلام كما
أن محمدا
وعليا عليهما
السلام اسم
لله عز وجل
فإن بينات اسم
الجلالة تطابق
زبر محمد وعلي
عليهما
السلام كما هو
المعروف .
قوله
عليه السلام
أنا المتولي
دائرتها
أما في
الظاهر فلأن
الأرض كلها
عمرانها
وخرابها
ظاهرها
ومخفيها
للإمام عليه
السلام كما
دلت عليه
أخبارهم
وشهدت آثارهم
في الكافي عن
أبي جعفر عليه
السلام قال ((
وجدنا في كتاب
علي عليه السلام
{ إن الأرض لله
يورثها من
يشاء من عباده
والعاقبة
للمتقين }1 أنا
وأهل بيتي
الذين أورثنا
الله الأرض
ونحن المتقون
والأرض كلها
لنا فمن أحيا
أرضا من المسلمين
فليعمّرها
وليؤد خراجها
إلى الإمام من
أهل بيتي وله
ما أكل منها
فإن تركها
أوأخربها
وأخذها رجل من
المسلمين من
بعده فعمّرها
وأحياها فهو
أحق بها من
الذي تركها
يؤدي خراجها
إلى الإمام من
أهل بيتي وله
ما أكل منها
حتى يظهر
القائم من أهل
بيتي بالسيف
فيحويها
ويمنعها
ويخرجهم منها
كما حواها
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم و
منعها إلا ما
كان في أيدي
شيعتنا فإنه
_______________
1
الأعراف 128
يقاطعهم
على ما في
أيديهم ويترك
الأرض في
أيديهم ))1 .
وفيه
عمن رواه قال ((
الدنيا و ما
فيها لله
تبارك وتعالى
ولرسوله صلى
الله عليه وآله
وسلم ولنا فمن
غلب على شيء
منها فليتق
الله وليؤد حق
الله تبارك
وتعالى وليبر
إخوانه فإن لم
يـفعل ذلك فالله
ورسوله و نحن
براء منه ))2 .
وفيه
عن عمر بن
يزيد قال ((
رأيت مسمعا بالمدينة
وقد كان حمل
إلى أبي عبد
الله عليه السلام
تلك السنة
مالا فرده أبو
عبد الله عليه
السلام فقلت
له : لم رد عليك
أبوعبد الله
عليه السلام
المال الذي
حملته إليه ،
قال فقـال لي : إني
قلت له حين
حملت إليه
المال إني كنت
وليت البحرين
الغوص فأصبت
أربعمائة ألف
درهم وقد جئتك
بخمسها
بثمانين ألف
درهم وكرهت أن
أحبسها عنك
وأن أعرض لها
وهي حقّك الذي
جعله الله
تبارك وتعالى
في أموالنا ،
فقال عليه السلام
: أو مالنا من
الأرض و ما
أخرج الله
منها إلا
الخمس ، يـا
أبا سيّار إن
الأرض كلها
لنا فما أخرج
الله منها من
شيء فهولنا ،
فقلت له : وأنا
أحمل إليك
المال كله ،
فقال : يا أبا
سيّار قد
طيبناه له
وأحللناك منه
فضم إليك مالك
وكل ما في
أيدي شيعتنا
من الأرض فهم فيه
محللون حتى
يقوم قائمنا
عجل الله فرجه
فيجبيهم طبق
ما كان في
أيديهم ويترك
الأرض في أيديهم
، وأما ما كان
في أيدي غيرهم
فإن كسبهم من
الأرض حرام
عليهم حتى
يقوم قائمنا
عجل الله فرجه
فيأخذ الأرض
من أيديهم
ويخرجهم صغرة
، قال عمر بن
يزيد : فقال لي
أبوسيّار ما
أرى أحدا من
أصحاب الضياع
ولا ممن يلي
الأعمال يأكل
حلالا غيري
إلا من طيبوا
له
________________
1
الكافي 1/407 ح 1
2
الكافي 1/408 ح 2
ذلك ))1 .
وفيه
عن أبي بصير
عن أبي عبد
الله عليه
السلام قال
قلت له (( أما
على الإمام
زكاة ، فقال
عليه السلام :
أحلت يا أبا
محمد أما علمت
أن الدنيا
والآخرة للإمام
عليه السلام
يضعها حيث
يشاء ويدفعها
إلى من يشاء
جائز له من
ذلك من الله ،
إن الإمام يا
أبا محمد لا
يبيت ليلة
أبدا ولله في
عنقه حق يسأله
عنه ))2 .
وفيه
عن معلى بن
خنيس قال قلت
لأبي عبد الله
عليه السلام ((
ما لكم من هذه
الأرض ، فتبسم
ثم قال : إن
الله تبارك
وتعالى بعث
جبرائيل عليه
السلام وأمره
أن يخرق
بإبهامه
ثمانية أنهار
في الأرض منها
سيحان وجيحان
وهو نهر بلخ
والخشوع وهو
نهر الشاش و
مهران وهو نهر
الهند ونيل
مصر ودجلة
والفرات فما
سبقت أو استقت
فهولنا وما
كان لنا فهو
لشيعتنا وليس
لعدونا منه
شيء إلا ما
غصب عليه وإن
ولينا لفي
أوسع فيما بين
ذه إلى ذه
يعني بين
السماء
والأرض ثم تلى
هذه الآية { قل
هى للذين
ءامنوا فى
الحياة الدنيا
} المغصوبين
عليها خالصة
لهم يوم
القيامة بلا
غصب)3 .
وفيـه
عن محمد بن
الريّان قال
كتبت إلى
العسكري عليه
السلام (( جعلت
فداك روي لنا
أن ليس لرسول
الله صلى الله
عليه و آله
وسلم من الدنيا
إلا الخمس ،
فجاء الجواب
الدنيا و ما عليها
لرسول الله
صلى الله عليه
و
______________
1 , 2
الكافي 1/408 ح 3 , 4
2
الأعراف 32
3
الكافي 1/409 ح 5
آله
وسلم ))1 .
وفيه
عن أبي عبد
الله عليه
السلام (( قال
إن جبرائيل
كرى برجله
خمسة أنهار
ولسان الماء
يتبعه الفرات
ودجلة و نيل
مصر ومهران و
نهر بلخ فما
سقت أوسقي
منها فللإمام
عليه السلام والبحر
المطيف
بالدنيا ))2 .
وأمثال هذه
من الأخبار
كثيرة ويشير إليه
في التأويل
قولـه تعـالى
{ واصطنعتك
لنفسى }3
وقوله تعالى
{هَذَا
عَطَاؤُنَا
فَامْنُنْ
أَوْ
أَمْسِكْ
بِغَيْرِ
حِسَابٍ}4
وقـوله تعالى
{ وما ءاتاكم
الرسول فخذوه
وما نهاكم عنه
فانتهوا }5
وقوله تعالى {
من يطع الرسول
فقد أطاع الله
}6 وقـوله
تعالى { قل إن
كنتم تحبون
الله
فاتبعونى }7
وقوله تعالى {
إن الذين
يبايعونك
إنما يبايعون
الله }8 فجعله
صلى الله عليه
و آله وسلم في
جميع الأحوال
المتعلقة
بالمخلوقين
مثاله وصفته
لا فرق بينه
وبينه فكلما
ثبت له سبحانه
في الصفات
والأحوال
الراجعة إلى الخلق
فهو ثابت له
صلى الله عليه
و آله وسلم إلا
العبادة
فإنها لا تصح
إلا لله عز
وجل لأنها
مقام طيّ
الوسائط وقطع
المسافة
فلولا ذلك لقلنا
بها ، ولذا من
جعل العبادة
له عليه
السلام لا تصح
وتقع باطلة
ويأتي إنشاء
الله تـفصيل
القول في ذلك
، وقد قـال عز
وجـل { إن
________________
1
الكافي 1/409 ح 6 2
الكافي 1/409 ح 8
3 طه 41 4 طه 41 5
الحشر 7
6 النساء 80
7 آل
عمران 31 8
الفتح 10
الأرض
لله يورثها من
يشاء من عباده
والعاقبة
للمتقين }1 و
محمد صلى الله
عليه و آله
وسلم وعلي
عليه السلام
وآلهما الطيبون
الطاهرون
عليهم السلام
هم العباد
الذين أورثهم
الله الأرض
وهم المتقون
وهو قول رسول
الله صلى الله
عليه و آله
وسلم في
الرجعة على ما
في الحديث
المفضل ((
الحمد لله
الذي صدقنا
وعده وأورثنا
الأرض نتبوء
من الجنة حيث
نشاء )) فإذا
كانت الأرض
كلها لهم
عليهم السلام
فعلي عليه
السلام هو
المتولي
دائرتها
والمحامي
حوزتها ، لأنه
عليه السلام
صاحب الولاية
والأمر
والنهي وهو
الهادي لكل
قوم فتولى
أمرها وأقام
فيها ما هو
صلاح
النشأتين
فيما يتعلق
بها ويتعلق
بمن عليها .
فمن
التولي أن
جعلها ملائمة
لأطباع الساكنين
عليها على
اختلافها
وموافقة لأجسادهم
لم يجعلها
شديدة الحمى
والحرارة
بطول مكث
الشمس وبطء
حركتها أو
تقليل
الرطوبات ببطء
حركة القمر
وأمثال ذلك
فتحرق تلك
الأجساد وتفنيها
، ولا شديدة البرد
فتجمّدها ،
ولا شديدة نتن
الريح فتصعد هامات
أهل الشعور في
الظاهر
والباطن
بالنتن الظاهري
والباطني ،
ولذا ما جاز
أن يكون الإمام
عاصيا ولم يكن
إلا معصوما
لأن العاصي
منتن الريح
خبيث الرائحة
، لأن الإمام
عليه السلام
أرض وضعها
الله للأنام
فيها فاكهة و
نخل ورمان كما
مر ، ولا
جعلها شديدة
اللين كالماء
فيغرقها ، ولا
شديدة
الصلابة
فتمنع عليها
في حرثها و
نباتها ودفن
موتاها ،
ولكنه تعالى
جعلها بوليه
الحق مناسبة
ومشابهة
للطبائع لينتفعون
بها
ويتماسكون
عليها وجعل
فيها من اللين
ما تنقاد به
لحرثهم
وقبورهم ودفن
موتـاهم وكثير
من
_________________
1
الأعراف 128
منافعهم
وهو قوله
تعالى { الذي
جعل لكم الأرض
فراشا }1 .
ومن
التولي أن جعل
قطعة منها وهي
مقدار الربع
خارجة من
الماء لتحصل
الطبائع المعتدلة
وتظهر أحكام
السموات
والإضافات
النورية
الظاهرية
والباطنية .
ومن
التولي
اختصاص بعض
القطعات منها
بطبائع تخص
بها من أنحاء
مقابلات
الكواكب لتنشر
حوائج الخلق
وشئوناتهم ما به تسد
خلتهم ليظهر
قوله عز وجل {
قـل سيروا فى
الأرض ثم
انظروا كيف
كان عاقـبة
المكذبين } 2 .
ومن
التولي جعلها
محلا
للينابيع
والأنهار
وحافظة لها
لئلا تغلب بمن
عليها اليبوسة
التي من
ذاتياتها
ليهلك إذا قلت
الأمطار ولا
تصح كثرة
الأمطار
لاستلزامها
الاسترخاء في
الطبائع
المستدعية
لاضمحلالها
كالعروق في
البدن
الإنساني
الحافظة
للرطوبات التي
يستمد منها
البدن من الله
عز وجل ، ولو
أردنا شرح هذه
التولية
وبيان
حقيقتها
فإنها لا يمكن
استقصاؤه
لعموم قدرة
الله وعموم
فقر الخلق والأمران
قد ظهرا في
الأرض .
والمتولي هو
الواقف بين
الطتنجين والبرزخ
بين العالمين
يجري أحكام
الكل مما يقتضي
الكل لأنه
رئيس الإيجاد
والوجود
أقامه الله
مقامه في سائر
عالمه في
الأداء إذ كان
لا تدركه
الأبصار ولا
تحويه خواطر
الأفكار ، ولو
أردنا شرح ما
ظهر لنا من
ذلك فكذلك
لاحتياجه إلى
بسط في المقال
وتمهيد
المقدمات
وبيان
الأحوال التي
لم تجري على
بال ولم تخطر
بخاطر أحد من
أصحاب المقال
وذلك يؤدي إلى
بيان ما لا
يمكن بيانه لغموض
بيانه وخفاء
برهانه إلا أن
في ما ذكر
كفاية لمن
اعتبر
واستبصر .
فمجمل
القول أن
العالم كله
بيت واحد وهو
لأمير
المؤمنين
عليه السلام
وأولاده الطيبين
وفاطمة
الصديقة
صلوات الله
عليها وعلى
أبيها وبعلها
وبنيها فهم
يتصرفون في
بيتهم كيف ما
أراد الله وقدره
وقضاه وأمضاه
وأهل
________________
1
البقرة 22 2
الأنعام 11
البيت
أدرى بالذي
فيه فيدبرون
أمر العالم كيف
شاءوا
وأرادوا و ما
يشاءون إلا أن
يشاء الله
قـال عليه
السلام (( إذا
شئنا شاء الله
ويريد الله ما
نريده )) (( نحن
ظاهره فيكم
اخترعنا من
نور ذاته وفوض
إلينا أمور
عباده )) (( إن
إلينا إياب
هذا الخلق ثم
إن علينا
حسابهم ))1 وقد تقدم
أن الأرض هي
النفس الكلية
الظاهرة في
الكرسي
المنشعب إلى
البروج
الاثنا عشر
المنقسم
للأوقات
والأزمان
كلها إلى
الشهور الاثنا
عشر فيكون
قوله عليه
السلام (( أنا
المتولي
دائرتها ))
تصحيحا
وتبيينا لوجه
اختصاصه عليه
السلام دون
الخلق كلهم
باسم أمير
المؤمنين
عليه السلام
وقد وردت
الأخبار عن
الأئمة الأطهار
عليهم السلام
أن هذا الاسم
لا يصلح إلا
له عليه
السلام ولا
يدعيه إلا
كافر أو من طعن
في عجانته ،
ووجه
الاختصاص هو
ما أشار إليه
عليه السلام
من التولي
لدائرة أرض
النفس الكلية
الملكوتية
الإلهية وما
ظهرت هذه النفس
إلا في
الهياكل
الأربعة عشر
عليهم السلام و
ما ظهرت فيها
إلا به عليه
السلام
كالضوء من الضوء
، أما سائر
الأئمة فإنهم
أغصان لتلك الشجرة
وطابقت
الولادة
الظاهرية
بالولادة الباطنية
فإن الضوء
الثاني متولد
من الضوء
الأول و ناشئ
عنه فظهر سر
البدلية فيهم
ظاهرا وباطنا
، وأما
الصديقة
الطاهرة
عليها السلام
فإنها خلقت من
ظاهر صفته كما
قال عز وجل {
ومن ءاياته أن
خلق
_______________
1
تفسير 551
لكم
من أنفسكم
أزواجا
لتسكنوا إليها
وجعل بينكم
مودة ورحمة }1 ومن هنا
قال الله عز
وجل { الرجال
قوامون على النساء
}2 الآية ، وأما
رسول الله صلى
الله عليه و
آله وسلم فإن
عليا عليه
السلام هو
مرآة ظهورات
الربوبية إذ
مربوب كونا
وعينا وفيها
تشاهد
المقامات
التفصيلية
كالعقل
والنفس فإن العقل
إذ أراد أن
ينظر إلى
الصور
والكثرات
والإضافات
ينظر في مرآة
النفس فيها
يرى ما يرى من
الأمور مما أراد
الله أن يطلع
عليه ، فكان
عليه السلام
نفس رسول الله
صلى الله عليه
و آله وسلم
كما قال صلى
الله عليه و
آله وسلم (( يا
علي أنت نفسي
التي بين جنبي
)) وقـال عز
وجـل
________________
1
الروم 21
2
النساء 34
{
وأنفسنا
وأنفسكم }1
فعلي عليه
السلام هو
المتولي
دائرة أرض
النفوس يمير
المؤمنين
عليه السلام
وهم الأئمة
عليهم السلام
العلم قال تعالى
{ ونمير أهلنا
ونحفظ أخانا }2
فهو جامع
الشئون في
المقامات
التفصيلية
كلها ويميرها
إليه القريب
والبعيد وإن
لا بعد فالقريب
هم الأئمة
عليهم السلام
والبعيد هم
الأنبياء
عليهم السلام
وغيرهم من
الخلائق ، ويحفظ
أخاه في عالم
الظهور لأنه
سيفه ولسانه و
نفسه ولولاه
لانعدم الحفظ
ولذا قال الله
عز وجل على ما
سمعت عن بعض
المشايخ ((
لولاك لما خلقت
الأفلاك
ولولا علي لما
خلقتك )) لعدم
الحفظ
والمراد بهذا
الحفظ هوحفظ
الدين
والإيمان والعلم
والإيقان وهو
معنى ما سيجيء
إنشاء الله عز
وجل في هذه
الخطبة ((
وعلمني علمه
وعلمته علمي )) .
وإن
أريد من الأرض
القابلية
والصورة كما
تقدم فالمعنى
حينئذ ظاهر
لأنه عليه
السلام هو
العلة
الصورية وصور الأشياء
كلها من ظل
صورته
فالصورة
الإنسانية من
ظل موافقته
وباطنه و من
شعاع وجهه وهي
هيكل التوحيد
والإيمان ،
والصور
الشيطانية والباطلة
من ظل مخالفته
وعكسه وظاهره
وهي هيكل الشرك
والكفر
والنفاق ،
فالأولى به و
منه والثانية
به لا منه ،
وأصل
القابلية
إنما أنشئت من
هاتين
الجهتين فهو
عليه السلام
المتولي دائرة
أرض القابلية
بوجهيها
وطرفيها
والممكن لها
والسبيل
إليها وهي لا
تتم إلا به
وأصل الإيجاد
متوقف
على
القابلية
والقابلية هي
الإجابة وهي
لا تستقر ولا
تثبت ليتوجه
إليه الإيجاد
إلا به عليه
السلام لأنه
الجزء الأخير
للعلة التامة
فلا يقبل أحد
الإيجاد إلا
به ، ولذا لما
عرض التكليف
على الخلق
فقيل لهم عن
الله ألست
بربكم قالوا
بلى لم يستقر
لهم إيمان ولا
كفر وكذلك لما
قيل لهم و
محمد صلى الله
عليه و آله
وسلم نبيكم
ولما قيل لهم
وعلي وليكم
وإمامكم فمن
أجاب على
أنحاء مراتبه
نفيا وإثباتا
جهلا أوعلما
جحودا أو
إخلاصا ثبت له
الحكم ولذا
قال صلى الله
عليه و آله
وسلم (( ما اختلف
في الله ولا
فيّ وإنما
الاختلاف فيك
يا علي )) لأن
منشأ
الاختلاف
إنما هو
الصورة التي
هي القابلية ،
والأصل في ذلك
هو ما ذكرنا
أن عليا عليه
السلام هو
حامل
الربوبـية إذ مربوب
كونا وعينا
وبهذه
الربوبية
ظهرت القيومية
المطلقة ،
وأما
________________
1 آل
عمران 61 2
يوسف 65
ربوبية
الله سبحانه
فهي إذ لا
مربوب مطلقا ،
وأما التي
ظهرت في النبي
صلى الله عليه
و آله وسلم هي
الربوبية إذ
مربوب ذكرا ،
فهاتان
الربوبيتان
لا ظهور لهما
إلا بالثالثة
، فنهاية الأشياء
إنما هي إليها
واستنادها
عليها وهي
الواقفة بين
الطتنجين أي
عالم الحق في
صقع الظهور الخلقي
وعالم الخلق
كنسبة الضرب
إلى الضارب والمضروب
فإن المضروب
لو لم يقبل
الضرب ولم يعرفه
لم يكن موجودا
فقوام وجوده
بالضرب ، والضارب
إنما ظهر له
بالضرب
فلولاه لم يكن
له تحقق أصلا،
وكالسراج
بالنسبة إلى
النار والمس والأشعة
فمقام الظهور
الإلهي
بالمثال
التقريبي
هوالنار
والظهور
النبوي
هوالمس
والظهور
العلوي عليه
السلام
هوالسراج
والخلق كلهم كالشعاع
، فالأشعة لما
قبلت عن
السراج وظهرت
وتحققت ظهرت
آية المس
والنار فيها ،
وفي الحقيقة
هاتان
الآيتان
حكاية السراج
للأشعة صفة
عدم استقلاليته
واستناده إلى
غيره وتلك
الصفة هي الضارب
الظاهر في
الضرب
فالأشياء لا
غناء لها عن
علي عليه
السلام بوجه
من الوجوه .
أما في
التكوين فمن
لم يقبل لم
يوجد أصلا ولن
يوجد إذ
قوامها
بمادتها
وصورتها وهما إنما
يفاضان من
نوره عليه
السلام عليها
إلا أن في
المادة يفيض
عليه السلام
حكاية عن محمد
صلى الله عليه
و آله وسلم
وفي الصورة
ينسبها إلى
نفسه الشريفة
بمحمد صلى
الله عليه و
آله وسلم و
مثال ذلك في
الظاهر إذا
قلت لك قال
الله عز وجل {
إننى أنا الله
لا إله إلا
فاعبدونى وأقم
الصلاة لذكرى * إن
الساعة }1
الآية ، وقال
رسول الله صلى
الله عليه و
آله وسلم (( من
كذب عليّ
متعمدا
فليتبوء مقعده
من النار )) ،
وأنا أقول في
بيانها كذا وكذا
فإن لهذه
الأقوال
الثلاثة برز
إليك مني
ولولا تكلمي
ما كنت تعرف
ذلك فبي ظهرت
لك إلا أن
القولين
الأولين لا
تنسبهما إليّ
ولا تشذهما
علي فافهم .
وهكذا
نسبة الأشياء
في التوحيد
والنبوة
والولاية إلى
الولي في
تلقيهم إياها
عنه في
أكوانهم
وأعيانهم
فالقابليات
وروابطها إلى
المقبولات
وروابط
المقبولات
إليها في
مراتب الحل
والعـقد
والمزج
والفرق والـتمكين
والتمكن
_______________
1 طه 14 - 15
والإجمال
والتفصيل
والظهور
والخفاء
والتفريق
والتركيب
وغيرها من
أسبابها
وشرائطها و متمماتها
و مكملاتها
كلها متقومة
بعلي عليه السلام
لأنه عليه
السلام صاحب
التقدير
وحامل التدبير
وولي اللطيف
الخبير
فهوالمتولي
لدائرة تلك
الأرض على
سعتها لأن
طيبها
وسعيدها من أشعة
هيئات أعماله
عليه السلام
وخبيثها
ومنتنها من
عكوسات هيئات
أعماله عليه
السلام فكلها
ترجع إليه
بالذات
وبالعرض قال
تعالى { وإليه
يرجع الأمر
كله فاعبده }1
قال عليه
السلام (( إن الضمير
في إليه يرجع
إلى الولي
والضمير في
اعبده يرجع
إلى الله )) أي
اعبد الله
بهذا
الاعتـقاد
وإلى هذه
الولاية أشار
الحق سبحانـه
{ وما قدروا
الله حق قدره
والأرض جميعا
قبضتـه يـوم القيامة
والسماوات
______________
1 هود 123
مطويات
بيمينه
سبحانه
وتعالى عما
يشركون }1 وقد
دلّ العقل
والنقل أن
اليمين
والقبضة هو
علي عليه
السلام فكانت
السماوات
والأرض
منتهيتين
إليه عليه
السلام
ومنقطعتين
لديه وهو المهيمن
بالله عليهما
والمتولي
دائرتهما
وهذا التأويل
صريح في أن
المراد من
الأرض في
الخطبة هي أرض
القابلية لا
الأرض
المعروفة التي هي
تقابل السماء لأن
الله عز وجل
صرح بأنه عليه
السلام هو
المتولي
لدائرة
السماء
والأرض فقوله عليه
السلام (( أنا
المتولي
دائرتها )) لا
ينافي ذلك لأن
أرض القابلية
تعم السموات
السبع والعرش
والكرسي
والجنة
والنار وما
خلق الله ربنا
مما يرى و مما
لا يرى في
الدنيا
والآخرة وكل
العوالم
الألف ألف
وكذلك إلى ما
لا نهاية له
إنه عليه السلام
حامل ظهور
الله الذي لا
نهاية له ولا
غاية ولا بدو
أو عود فلا
نفاد له .
_________________
1
الزمر 67
قوله
عليه السلام و
ما فردوس (
أفردوس )
وما
هم فيه إلا
كالخاتم في
الإصبع
لما
شرح الإمام
عليه السلام
حقائق الأنوار
والظلمات
وحقائق
المبادئ
ومقامات العلل
وأوائل
جواهرها
وعلمه عليه
السلام بتلك
الحقائق
والأسرار
والأنوار
أراد عليه السلام
أن يبين كيفية
علمه بها فإن
العلم على
أنحاء كثيرة ،
علم على جهة
الإحاطة
القيومية
وعلم على جهة
الإحاطة العضدية
الركنية وعلم
على جهة
اللوازم والأسباب
وعلم على جهة
المشاهدة
والعيان وعلم
على جهة
الإخبار
والمفهوم ،
فبين عليه
السلام أن
علمه
بالأشياء مما
تحت المشيئة
الكونية كلها
بالإحاطة
القيومية
لكنه أبان عن
هذه الحقيقة
بأطوار
مختلفة طور
التلويح وطور
الإشارة وطور
التصريح لأهل
النظر الصحيح
جريا على مقتضى
كتاب الله
التكويني
والتدويني .
فقال
روحي فداه و
ما (أفردوس)
وهي كلمة
سريانية يراد
بها المبادئ
العالية
والأنوار المتجلية
المشرقة من
صبح الأزل
والأعيان
الطيبة
والأكوان
الطاهرة
والصفات
الحسنة والروائح
الطيبة
والمطاعم
اللذيذة مما
ظهر فيه ذلك
النور الإلهي
والتجلي
القيومي
والنور المفعولي
والقدر
الخلقي نور
الأنـوار وسر
الأسرار
والحكم
الظاهر في كل
الأقـطار
والأمصار ،
وضمير ( هم )
يحتمل أن يكون
راجعا إلى
(أفردوس)
لاحتمال كونه
جنسا شائعا في
أفراده الذي
يعطي ما تحته اسمه
، ويحتمل أن
يرجع إلى
الخلق المؤلف
المركب من
ظهورات تلك
المبادئ
وقوابل
إنيّاتهم، والموصول
يراد به
الأحوال
والأقوال
والصفات
الناشئة عن
كينونات
الذوات وهي
أرض القابلية
المحدودة
بالحدود
الستة
المتحققة في الأيام
الستة ، أوهي
نفس الأيام
الستة يوم الكم
ويوم الكيف
ويوم الزمان
ويوم المكان
ويوم الوضع
ويوم الرتبة
وما يتعلق بها
ويترتب عليها
من القرانات
والإضافات
والأحكام
والنتائج
والأوضاع وما
تستدعي
وتقتضي من
الشرائط والأسباب
والمكملات
والمتممات
والمعدات ،
وكون ذلك النور
المتشعب من
الأنوار في
تلك الأحوال
في بعضها
بالظرفية
الحقيقية وفي
بعضها بالاستجنان
وفي الآخر
بالظهور وفي
الآخر
بالاقتران
والاتصال وفي
الآخر
بالوجود الإمكاني
لا الكوني ولا
العيني وفي
الآخر
بالقوام والقطبية
إلى غير ذلك
من أحكام
القرانات
والإضافات
والجهات مما
جرت فيه
المشيئة
والإرادة
والقدر والقضاء
والإمضاء
والإذن
والأجل
والكتاب في الأحكام
الوجودية
والشرعية
والذاتية
والصفتية
واللفظية
والمعنوية و
ما أشبه ذلك
كلها بجميع
أحوالها عند
مولانا علي
عليه السلام
كالخاتم في
الإصبع
وكالدرهم بين
يدي أحدكم ،
وكل ذلك حقير
صغير بكمال
عظمته عنده
عليه السلام
صغر الخاتم
إذا كان في
الاصبع يديره
حيث يشاء
ويتصرف فيه
كيف يشاء لأن
الله عز وجل
خلق الخلق له
وفوض إليه
أمره لا كما
تزعمه
المعظلة
لعنهم الله ،
لأنه تعالى
خلق الخلق من
نور محمد صلى
الله عليه و
آله وسلم وعلي
عليه السلام
والطيبون من
أولادهما
عليهم السلام
فالنور واقف
بين يدي
المنير وطارق
بابه لا يجد
لنفسه نفعا
ولا ضرا إلا
بالمنير وهو
يدبره حيث
يشاء وإليه
أشارعليه
السلام في
الزيارة (( من
أراد الله بدأ
بكم ومن وحده
قبل عنكم و من
قصده توجه بكم
)) إلى أن قال
عليه السلام ((
بكم فتح الله وبكم
يختم وبكم
ينزل الغيث
وبكم يمسك
السماء أن تقع
على الأرض إلا
بإذنه وبكم
ينفّس الهم وبكم
يكشف الضر ))1 لأنهم
محال تدبيره
وألسنة
إرادته كما عن
الصادق عليه
السلام في
زيـارة
الحسين عليه
السلام ((
إرادة الرب في
مقادير أموره
تهبط إليكم ))2
فيكونوا هم
القدرة
الظاهرة في
المخلوقين،
ولا شك أن
المخلوق أثر
القدرة
والمتقوم في
اليد فلا قوام
له إلا بها
فكانت نسبة
الموجودات
كلها إليه
وإلى أخيه
وزوجته
الصديقة
وأولاده
الطاهرين
سلام الله
عليهم نسبة
الخاتم إلى
الإصبع فما
أحقر الخاتم
بالنسبة إلى
الإصبع و ما
أحقر الإصبع
بالنسبة إلى
اليد و ما
أحقر وأصغر
اليد بالنسبة
إلى الجسد و
ما أحقر الجسد
بالنسبة إلى
النفس و ما
أحقرها
بالنسبة إلى
العقل و ما
أحقره
بالنسبة إلى
الحقيقة التي
هي الفؤاد ،
فإذا أردت أن
تزن نسبة
حقارة الخاتم
وصغره مع
الحقيقة لا
يمكن ذلك لأن
الحقيقة من
عالم الأمر
وهوالماء
الذي كان
العرش عليه
قبل خلق السموات
والأرض وقد
قدّر أمير
المؤمنين
عليه السلام
مقدار
القبلية بأمر
تقريبي ثم
استغفر عن ذلك
كما روي ما
معناه أنه
عليه السلام ((
سئل كم بقى
العرش على
الماء قبل خلق
السموات والأرض
فقال عليه
السلام أتحسن
أن تحسب قـال بلى
قـال عليـه
السلام
________________
1
الزيارة
الجامعة
الكبيرة 2
كامل الزيارات
200
أخاف أن
لا تحسن قال
بلى أحسن فقال
عليه السلام
لوصبّ خردل
حتى ملأ
الفضاء وسدّ
ما بين الأرض
والسماء وأنت
لوعمرت وأمرت
مع ضعفك أن
تنقل حبة حبة
من المشرق إلى
المغرب حتى
ينفد لكان ذلك
أقل من جزء من
مائة ألف جزء
من رأس الشعير
مما بقى العرش
على الماء قبل
خلق السموات
والأرض
واستغفر الله
من التحديد
بالقليل ))1 فإذا
تأملت في ذلك
وجدت نسبة صغر
الزمانيات كلها
بالنسبة إليه
سيما نسبة
الإصبع الذي
هو من أجزاء
البدن فترتفع
النسبة لغاية
الحقارة سيما
إذا قست
الخاتم الذي
هو المراد مع
تلك المراتب
العالية فإنك تجد
شيئا لا يوصف
لغاية الصغر
والحقارة
والذلة ، فعلى
هذا فقس
الموجودات
بعظمها
وكبرها وكثرتها
وشعبها إلى
مولانا علي
عليه السلام فإذا
أردت أن تعرف
نوع عظمة
العالم من جزء
من مائة ألف
جزء من مثقال
الذرّ فاعلم
أن نسبة شهودك
إلى هذا
العالم كنسبة
غيبك إليه لأن
عالم الغيب قد
ظهر في الوجود
على طبق عالم
الشهادة من
حيث ظهوره في
عالم الشهادة
فإذا نسبت
جسدك إلى جبل
من جبال الأرض
تراه في الصغر
ما لا يكاد
يدرك الطرف
وأعظم جبال
الأرض نسبته إلى
كرة الأرض
نسبة سبع
الشعير
بالنسبة إليه على
ما قيل
بالتقريب
والكوكب
الصغير الذي
في الكرسي
اسمه السها
أصغر نجم فيه
أعظم من الأرض
كلها خمسة
عشـر مرة
______________
1 ذكر
المصنف أعلى
الله مقامه
هذه الرواية
هنا بالمعنى
ونحن نذكرها
كما وردت في
إرشاد القلوب
277 (( قال الرجل :
فكم مقدار ما
لبث عرشه على
الماء من قبل
أن خلق الأرض
والسماء , قال
علي عليه السلام
: أتحسن أن
تحسب , قال نعم ,
قال للرجل :
لعلك لا تحسن
أن تحسب , قال :
بلى إني لأحسن
أن أحسب , قال
علي عليه
السلام :
أرأيت إن صب
خردل في الأرض
حتى سد الهواء
وما بين الأرض
والسماء ثم
أذن لك على
ضعفك أن تنقله
حبة حبة من
مقدار المشرق
والمغرب وفي
مد عمرك
وأعطيت القوة
على ذلك حتى
تنقله
وأحصيته لكان
ذلك أيسر من
أن أحصي عدد
أعوام ما لبث
عرشه على
الماء من قبل
أن يخلق الأرض
والسماء ,
وإنما وصفت
منقصة عشر عشر
لعشر من جزء
من مائة ألف
جزء ,
وأستغـفر
الله عن
التـقليل
والتحديد )) .
ونسبة
هذه الكواكب
إلى كل الفلك
وإلى العرش شيء
لا يقاس وكذلك
نسبة الغيب
إلى الشهادة
فإن كل عالم
الشهادة بكل
كثراته
وأزمنته
وأمكنته
وسمائه وأرضه
و نجومه
وأفلاكه وكل
ما برز في
عالم الأجسام
من أول العرش
إلى الثرى أي
الأرض
بمراتبها كل
ذلك كنقطة
واحدة في
الغيب أي
الخيال ، ألا
ترى أنك تتصور
السموات
والأرضيـين
والمشرق
والمغرب والأزمنة
الماضيـة
والمستقبلة
كلها دفعة واحدة
في محشر واحد
و مجمع واحد و
نسبة كلما في
الخيال الكلي
أي اللوح
المحفوظ إلى
العقل كنسبة
الأجسام إلى
الخيال الذي
هو النفس
لأنها بجميع
كثراتها نقطة
لديها على ما
قال عليه السلام
(( كحلقة ملقاة
في فلاة قيّ ))
ونسبة العقل
المطوي لديه
كلما في اللوح
المحفوظ
المطوي لديه
كلما في عالمي
الأشباح
والأجسام إلى
عالم اللاهوت
أي حقيقتك أم
حقيقة العالم
الأكبر
وفؤاده نسبة
النهاية إلى
اللانهاية
فلا يمكنك
تفرض نسبة وإن
عظمت وإن جلت
لأن أقصى مراتبه
في العقل الذي
هو عالم
الجبروت
وكلما تفرض
مقاما أعلى
تجد أعلى منه
فلا تنتهي إلى
حد سبحان من
ملكه عظيم و
منّه قديم
وفيضه عميم ولا
حول ولا قوة
إلا به ، وهذا
الخلق العظيم
والأمر
الجسيم عند
محمد صلى الله
عليه و آله وسلم
وأهل بيته
الطاهرين
كالخاتم في
الإصبع الذي
لا يمكن قياس
نسبته إلى
الشخص لغاية
الصغر والحقارة
ولذا قصرت
الخلائق عن
إدراك أدنى مقام
من مقاماتهم
عليهم السلام
كما قال عز وجل
{ وإن تعدوا
نعمت الله } أي
الإمام { لا
نحصوها }1 وقال
عز وجل { ولو
أنما فى الأرض
من شجرة أقلام
والبحر يمده
من بعده سبعة
أبحر ما نفدت
كلمات الله }2
والأشجار هي
أفراد
الكائنات
النابتات على
حافة النهر
الجاري من بحر
الصاد المتحصّلة
بحرارة الشمس
الأسماء الكونية
الخاصة بكل
شجرة وبرطوبة
ذلك النهر ويبوسة
أرض القابلية
والبحر هوبحر
الوجود وينبوع
الجود و مظهر
الاسم الودود
والأبحر
السبعة خلجان
ذلك البحر
المتلوّن
المتكيّف
بكيفية الأرض
الواقع عليها
فحار وبارد
وطيب ومنتن وغليظ
ورقيق
والجامع وهي
مداد الأشجار
التي هي الأقلام
كل واحد منها
مختص بنوع من
الأشجار والكلمات
قال مولانا
الكاظم عليـه
السلام (( نحن
_________________
1
إبراهيم 34 2
لقمان 27
الكلمات
التي لاتدرك
فضائلها
ولاتستقصى ))1 فصح أن كل
الوجود
والموجود
بجميع أنحائه
منقطع عند ذكر
وصف آل محمد
صلوات الله
عليهم لأنه
منهم عليهم
السلام كالخاتم
في الإصبع
وإليه
الإشارة
بقوله تعالى {
وبئر معطلة
وقصر مشيد }2
قال الشاعر:
بئر
معطلة وقـصر
مشـرف
مثل لآل محمد
مستطـرف
فالقصر
مجدهم الذي لا
يرتقى والبئر
علمهم الذي لا
ينزف
ثم اعلم
أنه عليه
السلام إنما
شبه الخلق
بالخاتم في
الإصبع أما
الخاتم ففي
تفسير ظاهر
الظاهر فيه
إشارات يصعب
على الأذهان
قبولها
والإذعان بها
لدقة مأخذها
قال عليه
السلام (( لا
تتكلم بما
تسارع العقول
إلى إنكاره
وإن كان عندك
اعتذاره،
وليس كل ما
تسمعه نكرا
أوسعته عذرا ))3 .
وأما
غيره فاعلم أن
الخاتم إنما
هو للزينة
وسمة الخير
والإيمان
ولذا جعلوه
عليهم السلام
من علامة
المؤمن ، ولما
كان الخلق من
شعاع أنوارهم
عليهم السلام
ومن فاضل
طينتهم عليهم
السلام وكان
النور كلما
كثر وعظم زينة
لظهور المنير
والورق كلما
كثر وعظم زينة
للشجرة وإن
كانت الشجرة
مستغنية عن الورق
والورق محتاج
و مستمد منها
وكذلك الشيعة إذا
كثرت والظاهر
والمرايا إذا
تعددت ولذا قالصلى
الله عليه و
آله وسلم ((
تناكحوا
_____________
1
المناقب 4/404 ,
البحار 4/151 ح 3
2 الحج 45
3 لم
نجد الرواية
كما هي في هذا
الشرح
المبارك ,
ووجدنا هذه
الرواية ((
إياك أن تتكلم
بما يسبق إلى
القلوب
إنكاره وإن
كان عندك
اعتذاره ,
فليس كل من
تسمعه نكرا
يمكنك لأن توسعه
عذرا )) البحار
71/229 ح 6
وتناسلوا
فإني مباه بكم
الأمم
الماضية والقرون
السالفة ولو
بالسقط ))1 وذلك
لأن المخلوقات
كل ذرّة من
ذرّاتها ثناء
لآل محمد
عليهم السلام
ووصف
لمحامدهم و
محاسنهم فكان
الخلق زينة
لهم في
ظهوراتهم
وشروق
أنوارهم في
الدنيا
والآخرة
والجنة
والنار فلذا
شبههم بالخاتم
فإن الخلق
بأجمعهم سمات
وصفات لهم
عليهم السلام
أو سمات
عبوديتهم لله
حيث أظهروها
في هوياتهم
بلسان أنهم {
عباد مكرمون * لا
يسبقونه
بالقول وهم
بأمره يعملون
}2 فألقوا
مثال
عبوديتهم
عليهم السلام
في الخلق
بإلقاء مثال
الربوبية في
الخلق حتى ظهر
عندهم أن لا
إلـه إلا الله
فلولا ذلك
المثال الملقى
بهم في هويات
الخلائق لم
يدرك أحد
التوحيد ولا
يشك أحد في
استقلالهم
وتفردهم
بالأمر كما
زعمت الملائكة
ذلك حتى قالوا
عليهم السلام
للملائكة (( لا
إلـه إلا الله
ولا حول إلا
بالله )) لتعرف
الملائكة
أنهم عبيد
مربوبون ،
وذلك المثال
بهم تحقق
وبظهور نورهم
تذوّت وعنهم
مستمد لكنه يدل
على الله عز
وجل دلالة
استدلال لا
دلالة التكشف
ولذا ترى أهل
النحو يقولون
في مثال ضرب
زيد عمروا وأن
الفاعل معمول
للفعل والفعل عامل
فيه ولا شك أن
العامل له
هيمنة على
معموله مع أن
المعروف بين
الناس أن
الفاعل أقوى
من الفعل
ويرون أن
الفعل متقوم
بالفاعل مع
أنهم يجعلونه
فرعا وتابعا
للفعل فافهم
فإنه من
الأسرار
المستصعبة
وإليه
الإشارة
بقولهعليه
السلام في
الدعاء (( فبهم
ملأت
_______________
1 لم
نقف على هذه
الرواية التي
ذكرها المصنف
هنا ولكن
عثرنا على ما
يقرب منها على
ما روي في جامع
الأخبار 101
قوله صلى الله
عليه وآلـه ((
تـناكحوا
تـناسلوا
تكثروا فإني أباهي
بكم الأمم
يـوم القيامة
ولو بالسقط )) .
2
الأنبياء 26 - 27
سمائك
وأرضك حتى ظهر
أن لا إلـه
إلا أنت ))1 فحقائق
الخلق سمات
توحيدهم لله
عز وجل وعبوديتهم
له قد صاغوها
بيد القدرة
الإلهية
فتختموا به
وهذا السر
إنما ظهر في
الخاتم
فاستحب وصار
علامة
للإيمان ، ففي
الحقيقة سمات
إيمان الشخص
وحدود توحيد آثاره
وأعماله
القائمة به
كما قال أمير
المؤمنين
عليـه السلام
(( يقين المؤمن
يرى في عمله ويقين
الكافر يرى في
عمله )) فصيغت
هذه الهيئة الظاهرة
كاشفة عن تلك
اللطيفة
المعنوية فجعلت
دائرة لبيان
استدارة
المعلولات
على عللها
والآثار على
مؤثراتها
وجعل الفصّ
عليها إشارة
لظهور النور
الإلهي
العملي
الصاعد به إلى
أعلى درجات
القرب في تلك
الأعمال
والآثار فإن
الأعمال
الخالصة لها
نور تشرق ،
وقد روي أن
البيت الذي
يعبد الله فيه
له نور يزهر
كما تزهر
النجوم ، و
مقدار الخاتم
على مقدار فصه
من الغلاء
والرخص وهو
صفة إخلاص
العمل ونور الولاية
الظاهر في
الوجه الأعلى
من الدائرة فإن
لها وجهين
أعلى واسفل ،
وجعل الخاتم
في الإصبع
لبيان تقوم
الدائرة
بالقطب وأن
القطب هو
الوسط واللب
وقوام الأثر
والعمل بظهور
العامل
المؤثر وذلك
الظهور هو قطب
وجوده وهولب وجوده
والحدود
المميزة
لظهورات قشور
قد اكتنفت
بذلك اللب
الباطني
كاكتناف
الخاتم بوجه من
وجوه الإصبع
وجعل في
الإصبع وهو
وجه من وجوه
اليد وهي
القدرة
الكلية أي
الفعل الكلي
بالنسبة إليك
والآثار
الجزئية
المتعددة
المتقومة
بوجه من وجوه
ذلك الفعل
الكلي وقطب كل
أثر هوالفعل
الخاص بذلك
الأثر ، ولذا
جعل الخاتم في
الإصبع وجعل
الأغلب في
الخنصر لبيان
أن المخلوق من
ظهور المقام
الخامس من
مقاماتهم عليهم
السلام وذلك
المقام هو
القطب
لوجودات الخلائق
لأنهم عليهم
السلام هم
اليـد في
قـوله عز وجل
__________________
1 دعاء
رجب لمولانا
الحجة عجل
الله تعالى
فرجه
{ يد
الله فوق
أيديهم }1 {
وقالت اليهود
يد الله مغلولة
} وهم اليدان
في قوله عز
وجل { بل يداه
مبسوطتان
ينفق كيف يشاء
}2 وهم الأيدي
في قوله عز وجل
{ والسماء
بنيناها
بأييد }3
لمقام الجمع
كلنا محمد
صلوات الله
عليهم أجمعين
، والتثنية
لظهور النبوة
والولاية
وبملاحظة الظهور
والبطون أي
اليمين
والشمال
وكلتا يديه
يمين ، والجمع
لمقام
التفصيل
والفرق والمراد
باليد هي
القدرة
الواسعة
الجامعة
الشاملة لكل
المقدورات
وتلك القدرة
هي كلمة كن
وهذه الكلمة
ظهرت دلالتها
و ملأت الوجود
وسرت في كل غيب
وشهود فقوام
الموجودات
كلها بتلك
الدلالة الظاهرة
من تلك الكلمة
الإلهية التي
انزجر لها
العمق الأكبر
وقوام
الدلالة
بالكلمة وهي لها
أربع مراتب أي
النقطة
والألف
والحروف وتمام
التركيب أي
الحل الأول مع
العقد الأول
والحل الثاني
مع العقد
الثاني
والدلالة على
خامسها وهي
أصغرها
وأدونها
وقوام
الموجودات
بها ولذا ظهرت
اليد
الظاهرية
المجازيـة
مفصلة بتلك
المراتب
الخمسة ، وجعل
الخاتم في
الآخر الأصغر
إشارة إلى هذا
السر لمن
يعـقل ويتفكر
، فإذا ثبت أن
الإصبع هو
القطب للخاتم
و ثبت أن القطب
هو وجه الشيء
إلى مبدئه
ووجه مبدئه
إليه وهو مورد
المدد ووجه
المستمد
فيكون من التجلي
الظاهر للشيء
بالشيء فيكون
من نوع مقامه
و مرتبته بحيث
يغيب الشيء
إذا ظهر ولا
يحرقه كما غيب
موسى على محمد
وآله وعليه
السلام من نور
الكروبيين و
ما أحرقه كما
أحرق بني
إسرائيل ،
فكان قوام
الموجودات
بظهورهم
عليهم السلام
في الرتبة
الخامسة لا
بنفس ذلك
المقام وذلك
ظهور هو قطب
رحى وجودات
الخلائق
وكينوناتهم
منه يستمدون
وإليه ينتهون
وعن الله به
يصدرون فافهم.
ولما
كانت القدرة
الظاهرة إنما
تمت في التعلق
في أربعة عشر
مرة لأن مقام
الموجودات
كلها في جميع
مراتبها لا يخلوعن
مقامين
أحدهما مقام
الإجمال أي
جهة الوحدة
والبساطة
والعموم
والانبساط
الشامل كما
هوشأن المبدأ
المتجلي في
الشيء بالشيء
، وثانيهما
مقام التفصيل
أي مقام
التمييز
والتعيين ،
وكل مقام إنما
تم في ستة أيام
وظهر مشروح
العلل و مبين
الأسباب
__________________
1
الفتح 10 2
المائدة 64 3
الذاريات 47
في
اليوم السابع
فثنيت السبعة
فتمّت أربعة عشر
فاختير لهذه
القدرة
الأولية
الظاهرية في الهياكل
الأربعة عشر
اسم اليد
ليكون الظاهر على
طبق المعنى
والاسم مشيرا
إلى مراتب
المسمى ،
واختير
للظاهر بهذه
القدرة
الواسعة
الكاملة
الاسم الجواد
والوهاب لهذا
السر الحقيقي
، ولما كانت
هذه القدرة هي
الرابطة بين
الخلق والحق
الظاهر بالإمداد
والإيجاد
اختير له
الاسم الوجه
ليطابق الأسماء
التي كل واحد
منها
بالاستنطاق
الحرفي
والعددي
أربعة عشر
معانيها ،
ولما كانت هذه
اليد
الجسمانية
المعروفة
المحسوسة
الملموسة ظاهر
تلك اليد
المتنزلة في
العوالم كلها
ظهرت في هذا
العالم حاكية
لتفاصيل ما
كان مجملا في
العالم
الأعلى فظهرت
بوحدتها في
خمسة أصابع
إشارة إلى سر
ما ذكرنا
وظهرت
بالخمسة في
أربعة عشر
عقدا لتطابق
العوالم كلها
فإذا لاحظت ظهور
الخمسة في كل
من الأربعة
عشر كان
المجموع سبعين
وهو تمام كلمة
كن التي بها
انزجر العمق الأكبر
فدل صحيح
الاعتبار
والعقل
الصافي عن شوائب
الأغيار
بمعونة كلام
الله وأخبار
الأئمة
الأطهار
عليهم السلام
أن اليد هي
كلمة الله
العليا
والمثل
الأعلى وأن
الأسماء
رجوعها كلها
إليها ، ألم
تر أن اليد
بالعدد أربعة
عشر والوجه
كذلك وهما
أسماء
المعاني
والجواد والوهاب
أيضا عددهما
أربعة عشر
وهما أسماء الله
، ولهذا السر
كان المصدر
والمشتق أي
اسم الفاعل
والمفعول من
مادة واحدة
كما هو
المعلوم في
النحو ، فكانت
اليد هي قول
كن ولما كانت
هذه الكلمة
رتبتها رتبة
الواحدية وهي
لا تتم ولا
تكمل إلا
بالأحدية
وكان الواحد
بالعدد الاسمي
المطابق
للعدد الرسمي
الباطني تسعة
عشر وتمام
الرتبة إنما
هو بالواحد أي
الأحد الذي
هوالقطب فتم
العشرون
فاستنطق
الاسم الأعظم
بسم الله
الرحمن
الرحيم ، ولما
كان الوجود ينقسم
إلى العلوي
والسفلي
انقسم
العشرون الذي
هو ظهور
الواحدية
بالأحدية في
أطوار الوجود
إلى العلوي
والسفلي
فظهرت العشرة
في أصابع اليدين
والأخرى في
أصابع
الرجلين
فكانت طينة
عليين مخلوقة
من عشر قبضات
وطينة سجين
كذلك لتمام
المعادلة
والمقابلة ،
فالخاتم سمة
واسم لعلي
عليه السلام
لأن فصه حكاية
عن ظهور الهاء
في هو أي
مقامات
المبادئ
والعلل كما
ذكرنا سابقا ،
والدائرة
إشارة إلى
الواو في هو
لأنها دائرة
نصفها منبسطة
وقوس منها
ملتفة مطوية
فإذا بسطت
المجموع يكون
دائرة تامة
صحيحة الاستدارة
والهاء فص
عليها أي
حكاية
للأقطاب القريبة
والبعيدة ،
فإذا نزلت كلا
منهما إلى مقام
أنزل لتصحيح
الشعاعية
والأثرية كان
المجموع
حاكيا لاسم
علي عليه
السلام فهذا
الاسم المبارك
للخلق في رتبة
النزول
بالظهور
للمخلوقين
ليدعوا الله
بأسمائه
ويعرفوه
بصفاته من
الأسماء
والصفات
الظاهرة لهم
بهم ولذا قـال
عليه السلام ((
فأول ما
اخـتار لنفسه
العلي العظيم
))1 فهذا
الاسم الشريف
بمسماه في
رتبة الظهور
الاسمي
الغيري وأما
في رتبة ذاته
المباركة فهو هو
مع الإشباع
ودونه كما قال
عز وجـل { وهو
_______________________
1
معاني
الأخبار 2
العلى
العظيم }1 فهذه
الثلاثة في
مراتب ثلاثة
فالأول في
مقام الحقيقة
والثاني في
مقام الظهور
النوري الجبروتي
والثالث في
مقام الظهور
الملكوتي وقد قال
عز وجل { وإنه
فى أم الكتاب
لدينا لعلى
حكيم }2 فحذف
الإشباع وقال
مولانا الرضا
عليه السلام
أن معنى العلي
(( معناه الله ))3
وأخبر الحق عز
وجل عن معنى
المعنى و معنى
معنى المعنى
وقد قال الله
عز وجل { وأن
الله هو العلى
الكبير }4 دلّ
على أن الله
معنى للاسم
العلي وقال عز
وجل {وهو
العلى العظيم
}5 دلّ على أن
هو معناه وقال
عز وجـل { وإنه
فى أم الكتاب }6
الآية ، دلّ على
أن الهاء
المضمومة من
غير إشباع
معنى العلي
فإذا لاحظنا
خبر مولانا
الرضا عليه
السلام مع هذه
المراتب ظهر
وجه الجمع
فكان كما
ذكرنا من أن
الله معنى
لعلي وهو معنى
لله لأنه
مستخرج منه
والهاء
المضمومة معنى
لهو لأن الواو
رسم قد تولدت
من الهاء عند
الضمة ولذا
لما أرادت
الشمس أن تسلم
على علي عليه
السلام قالت ((
السلام عليك
يا أول ويا
آخر ويا ظاهر
ويا باطن )) فلم
تصرح بالمراد
وذكرت بعض
أوصافها فإن
الهاء من
أوائل الخلق وأغمض
الحروف
وأعلاها
وأشرفها وهي
الإشارة إلى
تثبيت الثابت
ومراتب
الأقطاب
والمبادئ ، والواو
من عالم
الشهادة من
أدنى المخرج لأنها
من الشفه
فهوالأول
بالهاء لفظا
معنى والآخر
بالواو لفظا
ومعنى وهو
الظاهر
بالواو والباطن
بالهاء لكنها
لم تصرح
باللفظ المقصود
المطلوب الذي
لوحنا إليه
الآن لئلا
تفصح بالحكمة،
فعلى ما ذكرت
وفصلت وأجملت
وأبرزت وكتمت
علمت أن الكاف
في قوله عليه
السلام (( وما أفرودوس
و ما هم فيه
إلا كالخاتم
في الإصبع
)) تأكيد
وتثبيت للمثل
وإلا فالمشبه
عين المشبه به
، بل الخلق
كلهم أجمعون
خاتم في إصبع
أمير
المؤمنين
عليه السلام
حقيقة لا
مجازا كما
وصفنا ، وهذا
الخاتم
المعروف إنما
سموه خاتما
لكونه مجازا
لذلك الخاتم
لكن لما كان
أهل هذا
العالم
محجوبين عن
مشاهدة تلك
الحقائق ليعلموا
أن كلما في
الدنيا
والآخرة
مجازات للحقائق
والأصول
المستودعة في
أسرار
اللاهوت وخزانة
الحي الذي لا
يموت وضعوا
أمثلة تلك الألفاظ
على أمثلة تلك
المعاني
ومنعا ذاتيا
تبعيا فكانت
المعاني
الثانية في
تلك الألفاظ حقائق
________________
1
البقرة 255 2
الزخرف 4 3
معاني الأخبار
2
4 الحج
62 5
البقرة 255 6
الزخرف 4
بعد
حقائق وهي في
الترتيب
الطبيعي
بالمجاز أشبه
منها إلى
الحقيقة
فافهم .
وهذا
التشبيه ليس
كما يزعمون من
الاتحاد في
الكيف كقولهم
زيد كالأسد لاشتراك
زيد والأسد في
الوصف الكيفي
أي الشجاعة بل
حقيقة هذا
المشبه به عين
المثال
والصفة لا
أنها أمرا
آخرا لها صفة
توافق هيئة
المشبه المشبه
به فإن
المتناسبين
بقول مجمل لا
يخالف إما أن
يكونا في صقع
واحد أو في
صقعين مختلفين
بالعلّيّة
والمعلولية
والأثرية
والمؤثرية
ولا ثالث ،
فإن كانا في
صقع واحد كان
الاختلاف
بينهما
بالأمور
الخارجية عن
الحقيقة
الجامعة
فتوافقهما في
الشيء الواحد
أم أكثر مثلا
ينبئ عن وجود
ذلك الشيء
فيهما
بالوجود الجمعي
وإن اختلف بعض
صفاته من جهة
تشخصات الخارجية
لكن عند
ملاحظة
التوافق
والنسبة لا
تلحظ جهة
المخالفة
فيقطع النظر
عن الحدود
المميزة فيكون
ما في أحدهما
عين ما في
الآخر
كالشجاعة إذا
فرضتها في زيد
وعمرو فإنها
حقيقة واحدة فيهما
اختلفت
بالمشخصات
فظهرت في
أحدهما أكثر
وأشد وخفيت في
الآخر فتقول
إن ما في زيد
من الشجاعة
مثل ما في
عمرو من جهة
إظهار شجاعة زيد
لا لظهور
شجاعة عمرو
وإلا
فالشجاعة
فيهما واحدة ،
والأصل في ذلك
أن الأشياء في
كل أحوالها في
ذواتها
وصفاتها
واقفة بباب
الفيض و مقابلة
لفوّارة
القدر فيفاض
على الكل بما
يقتضي ذاته
وكينونته من
الهيئات
وأنحاء
الإقتضاءات
فإن كان
الواقفان في
رتبة واحدة
يفاض على كل
واحد من نوع
ما يفاض على
الآخر وإن كان
ذلك الفيض من
جهة الحدود
والعوارض
يختلف بالشخص لكن
في مقام الجمع
ورتبة الوحدة
واحد حقيقي لا
تخالف بينهما
بوجه من
الوجوه ، وإن
كانا في رتبتين
في السلسلة
الطولية
فيفاض على المسبوق
من فاضل ما
أفيض على
السابق ،
مثاله الشمس
فإذا كانت
أجساما كثيفة
تقابل جرم
الشمس كلها
فتفيض الشمس
بإشراقها
عليها نورا
واحدا يختلف
بالقابلية
وإلا فالنور
الواقع على أحدهما
عين الواقع
على الآخر ،
وإذا كانت
أجسام أخر
تقابل النور
الواقع على
تلك الأجسام
لا أصل الشمس
فإن النور
الواقع عليها
من فاضل النور
الواقع على
الأجسام
المقابلة
للشمس وهذا
واضح إنشاء
الله ، فإذا
فهمت هذا
المثال فهمت
أن
المتوافقين
في الصفة سواء
كانت الصفة ذاتية
أم فعلية كانت
أحدهما عين
الأخرى في
الحقيقة وإن
اختلفتا في
الجهات
والحدود
والتشبيه
بكثيف عن هذه
العينية
الوصفية
وتغاير المحل فالكاف
لإظهار تلك
الجهة
الجامعة
للأمرين وإن
كانا في صقعين
كان حقيقة
المتأخر
التابع صفة و
مثلا للسابق
المتبوع وإن
كان للتابع لا
من جهة
التابعية
جهات منافية
للمتبوع وهو
غير ما نحن
فيه و من جهة
هذه الحكاية
والمثلية أجرينا
على الثاني كل
أحكام الأول
ثانيا وبالعرض
لأنه من شعاع
الأول
وبالذات
فالتشبيه والمشبه
والمشبه به
ووجه المشبه
في المقامين واحد
لا فرق بين
شيء منها في
أحد منهما إذ
التشبيه لا
يقع في جهة
المخالفة
وإنما هو في
جهة الموافقة
وهي كما ذكرنا
من الاتحاد في
الذات أو في
الظهور فافهم
وإلا فأسلم
تسلم .
ولما
كان محمد وعلي
والطيبون من
أولادهماعليهم
السلام محال
مشيئة الله
وألسنة إرادته
وأركان
توحيده لا
يساويهم شيء
من الأشياء في
الرتبة
الذاتية قال
مولانا
الصادق عليه
السلام (( إن
الله خلقنا من
طينة مخزونة
مكنونة عنده
ولم يكن لأحد
في ما خلقنا
منه نصيب ))1 ، فإذ وقع
التشبيه
بينهم في صفة
من الصفات وبين
شيء من
الأشياء كان
ذلك عين ذلك
الشيء كما قال
الله عز وجل { *
الله نور
السماوات
والأرض مثل
نورة كمشكاة فيها
مصباح }2 الآية
، فإن المشكاة
الموصوفة هي
عين مثال النور
وقوله تعالى { واضرب
لهم مثل
الحياة
الدنيا كماء
أنزلناه }3
الآية ، فمثل
الحياة
الدنيا هو عين
الماء النازل
من السماء
وقوله تعالى {
مثلهم كمثل
الذى استوقد
نارا }4 الآية
، فإن مثلهم
هو عين مثلهم
ثم قـال عز
وجـل { أو كصيب
من السماء }5
ولم يقل
أوكمثل صيّب ،
فإن حقيقة
الصيّب هو
المثل لا مثله
فإذا أمعنت
النظر وتتبعت
في الكتاب
والسنة وجدت
كل التشبيهات
القرآنية _________________
1 لم
نقف على هذه
الرواية بهذا
اللفظ ولكن
وجدنا ما يقرب
منها في
المعنى ففي
البحار 25/13 ح 26 عن
أبي عبد الله
عليه السلام ((
خلقنا الله من
نور عظمته ثم
صور خلقنا من
طينة مخزونة
مكنونة من تحت
العرش فاسكن
ذلك النور فيه
فكنا نحن خلقا
وبشرا
نورانيين لم
يجعل لأحد في
مثل الذي خلقنا
منه نصيبا )) .
2
النور 35 3
الكهف 45
4 البقرة 71
5
البقرة 19
والمعصومية
من هذا القبيل
، بل إني أقول إن
كل مشبه هو
عين المشبه به
لأنك إذا قلت
زيد كالأسد لا
تريد بزيد هو
زيد من حيث هو
هو أو من حيث
أنه إنسان أو
من حيث أنه
كاتب أو شاعر
أو قائم أو
قاعد
وأمثالها فإن
هذا كذب محض
ولا نريد أيضا
بالأسد هو
الأسد من حيث
هو هو أو من
حيث أنه حيوان
مفترس أو من
حيث أنه سبع
وأمثال ذلك
وإنما تريد
بزيد من حيث
ظهوره بالشجاعة
والأسد أيضا
من حيث ظهوره
بالشجاعة ،
وقد برهنّا
سابقا أن
المشتق إنما
يظهر في المبدأ
المصدر بنفس
ذلك المصدر لا
بنفس الظاهر
وبأمر آخر فإن
القائم ما
يظهر إلا
بالقيام والقاعد
إلا بالقعود
والآكل إلا
بالأكل وهكذا
، وكذلك
الشجاع لا
يظهر إلا
بالشجاعية
فهي مرآة ظهور
الشجاع كما أن
العلم مرآة
ظهور العالم
فزيد والأسد
من حيث هما
مثال الزجاجة
الحامل
للمرآة أي
الصورة
والشجاع
الظاهر بالشجاعة
كالصورة
المتجلية في
المرآة فإذا
تجلى زيد مثلا
في المرآتين
كان ظهور زيد
في أحدهما عين
ظهوره في
الأخرى إذ ليس
المراد
خصوصية المحل
فإنها جهة
المباينة لا
جهة الموافقة
والمفروض
خلافها ،
فالشجاعة
الظاهرة في
زيد عين الشجاعة
الظاهرة في
الأسد إن قلت
باتحاد المقام
فيهما كما
هوالمعروف
عند الجمهور
إن صدق الشجاعة
أو الشجاع على
زيد وعلى
الأسد بالاشتراك
المعنوي لا
اللفظي كصدق
الجسمية
والجسم عليها
، فإذاً يكون
الشجاعان
أيضا واحدا
وإن اختلف محل
الظهور كما
تقول إن
الإنسان واحد
في الأفراد
ليس بمتعدد
وإن اختلف
مواقع ظهوراته
فافهم ، وإن
قلت أن الأسد
هو من فاضل
طينة الإنسان
وشعاعها
فتكون شجاعة
الأسد مثل
شجاعة زيد
وصفته بل
الأسد الشجاع
مثل لزيد
الشجاع ووصف
له كما كانت
الأشعة وصفا للشمس
، ولنا في هذا
المقام بحث
عجيب ينكشف من
أسرار البواطن
القرآنية
أعرضنا عنه
للتطويل ولأدائه
إلى ما ينبغي
أن يؤدي فإن
الله عز وجل
يقول { *
إن الله
يأمركم أن
تؤدوا
الأمانات إلى
أهلها }1 { ولا
تؤتوا
السفهاء
أموالكم التى
جعل الله لكم
قياما
وارزقوهم
فيها واكسوهم
وقولوا لهم
قولا معروفا }2
وقد أشرنا
لتأدية الأمانة
و ما صرحنا
خوفا لتصرف
السفهاء
والله الموفق
.
____________________
1
النساء 57 2
النساء 5
فعلى
ما شرحنا وأوضحنا
ظهر لك أن
أفردوس وما هم
فيه هو نفس الخاتم
وحقيقته وأن
هذا الخاتم
المعروف مثال
لذلك وشرح له
ودليل عليه
وأن الإصبع هو
وجه من وجوه
اليد وأن عليا
عليه السلام
هو حقيقة اليد
والإصبع قطب
الوجود
المتقوم
باليد المتقوم
به الأشياء
وهو ذات علي
عليه السلام
الظاهرة
للذوات
والأعيان
المالئ لكل
الأكوان كما قال
عليه السلام ((
أنا ذات
الذوات أنا
الذات في
الذوات للذات
)) ، والذات في
الذوات هي
الإصبع في
الخاتم وهي
الشبح
المنفصل عنه
عليه السلام
المتقوم به
الكائنات بل
أقول أنها شبح
الشبح
المنفصل الذي
هو شبح للشبح
المتصل فهذا
الشبح الثالث
هو جوهر أي
عرض لعلي عليه
السلام قائم
به قيام صدور
قد تقوّم به
الكون وهو قول
الشاعر في
مدحه روحي
فداه :
يـا
جـوهرا قام
الوجـود به والخــلق
بعدك كلهم عرض
وقال
عبد الحميد بن
أبي الحديد في
القصيدة الرّائية:
صفاتك
أسماء وذاتك
جـوهر
بريء
المعاني عن
صفات الجواهر
يجل عن
الأعراض
والكيف
والمتى ويكبر
عن تشبيـهه
بالعناصـر
فظهر
من هذا البيان
أن علمه عليه
السلام
بالخلق كلّهم
علم إحاطة
قيومية لأن
الله عز وجل
أقامه مقامه
في الأداء
واتخذه وليا
من العز
وأشهده خلق
السموات
والأرض وأنهى
إليه علمها ،
بمعنى أنه
سبحانه جعلها
في قبضته
وطواها
وقهرها
وسواها فعدّها
بيمينه كما
قال عز جل { وما
قدروا الله حق
قدره والأرض
جميعا قبضته
يوم القيامة
والسماوات
مطويات
بيمينه
سبحانه
وتعالى
عما يشركون }1 ويريد
بالقبضة
واليمين هو علي
عليه السلام
أوقبضته
ويمينه وكلا
المعنيين
مرادان كما
قال مولانا
الباقرعليه
السلام عليه
السلام (( سبيل
الله هوعلي
عليه السلام والقتل
في سبيل الله
هوالقتل في
سبيل علي عليه
السلام ))2 وقد قـال
عز وجل { ما من
دابة إلا هو
ءاخذ بناصيتها
}3 فإنه في
تفسير ظاهر ظاهر
الظاهر مصرّح
باسم علي عليه
السلام لأن الله
عز وجل ظهر
فيه
بالقيومية
وفي أخيه
وزوجته
وأولاده
الطاهرين
عليهم السلام
وقد أجمل الكلام
الإمام
الهمام
الصادق
الأمين عليه
السلام بقوله
ما معناه ((
اجعلوا لنا
ربا نؤوب إليه
وقولوا فينا
ما شئتم ولن
تبلغوا قال
الراوي ما
شئنا قال عليه
السلام ما
شئتم و ما عسى
أن تقولوا
فوالله ما وصل
_______________
1
الزمر 67
2 لم
نقف على هذه
الرواية
بعينها
ولكننا وجدنا
ما يقرب منها
في معاني
الإخبار ص 167 في
باب معنى سبيل
الله عن جابر
عن أبي جعفر
عليه السلام
قال : سألته عن
هذه الآية في
قول الله عز
وجل ( ولئن
قتلتم في سبيل
الله أومتم )
قال , فقال :
أتدري ما سبيل
الله , قال قلت :
لا والله إلا
أن أسمعه منك ,
قال : سبيل
الله هو علي
عليه السلام
وذريته ,
وسبيل الله من
قتل في ولايته
قتل في سبيل
الله , ومن مات
في ولايته ما في
سبيل الله )) .
3 هود 56
إليكم
من فضلنا أو
من علمنا إلا
ألف غير
معطوفة ))1 ، أشهد أن
هذا هو الحق و
ما أوتينا من
العلم إلا
قليلا .
ولما
كان كون
الموجودات
كالخاتم في الإصبع
ليس فيه شيء
يوهم
الاختصاص ما
خصه بنفسه
الشريفة في
الظاهر كما
خصّ الأرض بقوله
عليه السلام ((
وأنا المتولي
دائرتها ))
لكنه في هذا
المقام أطلق
ليشمل كل تلك
القصبة المباركة
الثابتة في
أجمة اللاهوت
لأن كل واحد
منهم عليهم
السلام علّة
مستقلّة في
العالم .
_________________
1 ذكر
المصنف هذه
الرواية
بالمعنى ونحن
نذكرها بالنص
تيمنا ففي البحار
25/283 ح 30 عن كامل
التمار قال ((
كنت عند أبي
عبد الله عليه
السلام ذات
يوم فقال لي :
يا كامل اجعل لنا
ربا نؤوب إليه
وقولوا فينا
ماشئتم , قال : قلت
: نجعل لكم ربا
تؤوبون إليه
ونقول فيكم ما
شئنا ؟ قال :
فاستوى جالسا
ثم قال : وعسى
أن نقول , ما
خرج إليكم من
علمنا إلا
ألفا غير
معطوفة )) .
قوله
عليه السلام
ولقد رأيت
الشمس
عند
غروبها وهي
كالطير
المنصرف إلى
وكره
لما
بين عليه
السلام ظهور
سلطانهم وعلو
ارتفاع
مكانهم
وتشييد قواعد
أركانهم وبطلان
الخلائق
واضمحلالهم
وشدة
افتـقارهم إليهم
وعدم
استـغـنائهم
عنهم وأثبت
بالخاتم في
الإصبع حقيقة
السر في قوله
عز وجل {
وقالوا اتخذ
الرحمن ولدا
سبحانه بل
عباد مكرمون * لا
يسبقونه
بالقول وهم
بأمره يعملون * يعلم ما
بين أيديهم
وما خلفهم ولا
يشفعون إلا
لمن ارتضى وهم
من خشيته
مشفقون *
* ومن يقل
منهم إنى إله
من دونه فذلك
نجزيه جهنم
كذلك نجزى
الظالمين }1 فإن
الخاتم وإن
كان معتمدا
على الإصبع و
مستندا إليه
لكنه ليس شيئا
إلا باليد
لأنه وجه من وجوهها
فلا شيئية
للوجه إلا بذي
الوجه وكذلك اليد
لا استقلال
ولا شيئية لها
إلا بذي اليد
فإن القدرة
صفة القادر
والقائمة به
قيام صدور في
رتبة وجوده
وحدوثه ولا
يمكن تحقق الصفة
إلا بالموصوف
ولا حراك لها
إلا به كما
ترى باليد
بالنسبة إلى
الشخص
والصورة
بالنسبة إلى
المقابل
الخارج
الشاخص فاليد
كالسراج فإنه
يد النار لا
توصل فيضا إلى
الأشعة إلا به
ولا غناء له
عنها ولا تذوت
ولا تحقق له
إلا بها فهو
مظهر
قيوميتها
وعرش سلطنتها
فهي الظاهرة
فيه به ، فإذا
اعتبرت وفرضت
استقلال
السراج لم يصح
إذ لوفرض ذلك
في الواقع
لانطفا ولاضمحل
ولوفرضت أيضا
إيصال أمر
وحكم من النار
إلى الأشعة
بدونه لم يصح
أيضا وإلا
لكان الشعاع سراجا
فإن الشعاع من
حيث هو شعاع
لا يمكن أن
يتكون في
الوجود إلا
تابعا للسراج
و متقوّما به
وهذا المقام
قد فرط فيه
القالي وأفرط
فيه الغالي و
نجى النمط
الأوسط إذ من
ادعى استقلال
اليد والسراج
والأنوار
الواسطة بين
الله وبين
خلقه فقد هلك
وهوى وخرّ من
السماء سماء
المعرفة
والقرب
والاتصال
بالحبل
المتين فتخطفه
الطير أي
شياطين الإنس
والجن وتهوي
به الريح أي
هوى النفس في
مكان سحيق أي
بعيد عن الخير
والصواب وهي
صخرة سجين، و
من ادعى عدم
الوسائط وأنه
__________________
1
الأنبياء 26 - 29
أول
ما يتعلق به
كن ولا تفاضل
بين الأشياء
إلا بالأمور
العرضية
وأنكر ما جعله
الله سبحانه
أبوابا
ووسائط في
الإيجاد فقد
فرط وهلك ، و
من جعلهم كما
وصف الله عز
وجل عباد مكرمون
بالقرب
والوصال
والنور
الباقي لم يزل
ولا يزال
لكونهم وجه
الله ذي
الجلال كل شيء
هالك إلا وجهه
، لا يسبقونه
بالقول
التكويني والتدويني
بل واقفون
بباب القدر و
مقابلون لفوّارة
النور التي
تفور من
حقائقهم
بالله العلي
العظيم ، وهم
بأمره يعملون
وهو الأمر الوجودي
والكوني الذي
كشف عن مثاله
الأمر القولي
فإنه صفة له
ودليل عليه
كالسراج الذي
يعمل بأمر
النار وهو ما
أفاضت عليه من
النور والظهور
الكوني
الوجودي ولم
يزل متقوّم
بذلك الأمر
الذي هوالمدد
لا كما يزعمه
بعض المعطلة
أنهم خالقون
بأمر الله
وإذنه
ويفهمون منها
كما يأمر
السيد لعبده
افعل كذا
واترك كذا فإن
العبد حين ما
يفعله مستقل
في فعله مستغن
عن سيده وإن
كان حين فعل
ما فعل إلا
بأمر سيده فإن
هذا هو
التفويض
الكفر الذي
اتّفقت
الفرقة الناجية
على بطلانه
كما قال
مولانا
الصادق عليه السلام
على ما رواه
المجلسي في
كتاب الاعتقادات
عنه عليه
السلام ما
معناه (( إن من
زعم أنا خالقون
بأمر الله ))
لأنهم ما
يعرفون من
الأمر إلا كما
يأمر الوكيل
موكله فتكون
يد الوكيل يد الموكل
تعالى ربي عن
ذلك علوا
كبيرا وإنما
الأمر الذين
هم يعملون به
ما ذكرنا لك من
الأمر
التكويني أي
المدد
الوجودي وهو
الأمر
المفعولي
الذي به قوام
الأشياء كما
في قوله عز
وجل { ومن
ءاياته أن
تقوم السماء
والأرض بأمره
}1 ثم أشار
سبحانه إلى
مقهوريتهم و
محاطيتهم بقوله
عز وجل { يعلم
مابين أيديهم
وما خلفهم }
يعني مبدؤهم و
منشؤهم و
معادهم و ما يصير
إليه أمورهم
كلها حاضرة
عنده عز وجل
حضور النقطة
في الدائرة {
ولا يشفعون
إلا لمن ارتضى
} والشفاعة
دليل التوسط
للغير من
الغير والاستمداد
له منه { وهم
__________________
1
الروم 25
من
خشيته مشفقون
}1 أن يعدهم
بقطع
الالتفات
عنهم فإن
السراج لم يزل
وجلا مشفقا من
النار أن تأخذ
عنه ما أعطته
إياه وتذهب
بالذي أعطاه
قال تعالى {
ولئن شئنا من النار
لنذهبن بالذى
أوحينا إليك
ثم لا تجد لك به
علينا وكيلا * إلا رحمة
من ربك إن
فضله كان عليك
كبيرا }2 ثم أشار
سبحانه إلى الرد
إلى الغالين
المفرطين
بقوله عز وجل
{ * ومن
يقل منهم إنى
إله من دونه } أي إني
أنـا وينـظر
إلى نـفسه نظر
استقلال في حال
من الأحوال {
فذلك نجزيه
جهنم كذلك
نجزى الظالمين
}3 المتعدين
عن الحد الذي
حده الله سبحانه
لهم من
الإقرار
بروبيته و
نبوّة أنبيائه
وولاية خلفائه
وأحبائه
فهؤلاء
الواصفون على
حد ما وصفهم
الله سبحانه
هم أهل النمط
الأوسط قال عليه
__________________
1
الأنبياء 28 2
الإسراء 86 - 87
3
الأنبياء 29
السلام
(( يهلك فيّ
اثنان محب غال
( ومفرط ) ومبغض قال
))1 وكل هذا الذي
ذكرنا ولم
نذكر كله مطوي
في قوله عليه
السلام (( وما
أفردوس وما هم
فيه إلا
كالخاتم في
الإصبع )) وقد
أشرنا إلى نوع
التلويح
وبالتفصيل يطول
المقال .
وبالجملة
لما بين عليه
السلام ظهور ولايتهم
وسطوة
سلطنتهم
وهيمنتهم على
كل الوجود
والموجود
بقدرة الله عز
وجل أراد أن
يبين عليه
السلام وقوع
الفتن
والابتلاء
والمحن وخفاء
الأمر وظهور
الظلمة وسر
ذلك و منشؤه
فقال عليه
السلام (( ولقد
رأيت الشمس
عند غروبها )) ،
ابتدأ عليه
السلام بالغروب
وذكر أحكامه
وأحواله لما
قلنا مما هو
بصدد بيانه .
اعلم
أن الشمس كثيرة
شرقها وغربها
بعددها وتعدد
الشمس بتعدد العوالم
ففي كل عالم
شمس وقمر
ونجوم وسماء
وأرض وقد روي ((
إن من وراء
شمسكم هذه
أربعين شمس ما
بين شمس إلى
شمس أربعون
عاما فيها خلق
كثير ما
يعلمون أن
الله عز وجل
خلق آدم أولم
يخلق وإن من
وراء قمركم
هذا أربعين
قمرا ما بين
قمر إلى قمر
مسيرة أربعين
يوما فيها خلق
كثير ما
يعلمون أن
الله عز وجل
خلق آدم عليه
السلام أولم
يخلقه قد
ألهموا كما
ألهمت النحلة لعنـة
الأول
والثاني في كل
وقت من
الأوقات وقد
وكل بهم
ملائكة متى لم
__________________
1
البحار 25/285 ح 36 (
وما بن
الأقواس ليس
في نص الرواية
) .
يلعنوهما
عذبوا ))1 .
في
الكافي قال
دخل رجل على
أبي عبد الله
عليه السلام ((
فقال له : جعلت
فداك هذه قبة
آدم عليه
السلام ، قال
عليه السلام :
نعم ، ولله قباب
كثيرة ألا إن
خلف مغربكم
هذه تسعة
وثلاثون
مغربا أرضا
بيضاء مملوة
خلقا
يستضيئون
بنوره لم
يعصوا الله عز
وجل طرفة عين ما
يدرون خلق آدم
أم لم يخلق
يبرءون من
فلان وفلان ))2 .
فجعل
عليه السلام
المغرب تسعة و
ثلاثين مغربا
ولا يكون
المغرب إلا
بالشمس وتعدد المغرب
وإن لم يستلزم
تعدد الشمس
إلا أن في هذا
المقام يراد
به التعدد .
وفي
الخصال عن
الصادق عليه
السلام قال ((
إن لله عز وجل
اثنى عشر ألف
عالم كل عالم
منهم أكبر من
سبع سماوات
وسبع أرضين ما
يرى عالم منهم
أن لله عز وجل
عالما غيرهم
وأنا الحجة عليهم
))3 ، ولا شك أن في
كل عالم شمس
فيكون الشمس اثنى
عشر ألف شمس .
وعن
الباقر عليه
السلام (( لقد
خلق الله
تبارك وتعالى
ألف ألف عالم
وألف ألف آدم
أنتم في آخر
تلك العوالم
وأولئك
الآدميين ))4
فتكون الشمس
بمقتضى هذا
الخبر ألف ألف
وكل هذه الشموس
يراد بها من
قوله عليه
السلام ((
ورأيت الشمس ))
كما سنذكر
إنشاء الله .
أما
حقيقة الشمس
فقد روي أن
الله عز وجل
خلقهما من نور
النار وصفو
الماء كما روي
عن الباقر
عليه السلام
قيل له : لأي
شيء صارت الشمس
أشد حرارة من
القمر فقال
عليه السلام ((
إن الله خلق
الشمس من نور
النار وصفو
الماء طبقا من
هذا وطبقا من
هذا حتى إذا
صارت سبعة
أطباق ألبسها
الله لباسا من
نـار فمن
هنالك صارت
الشمس أحر
القمر ، قـيل :
_________________
1
البحار 127/45 ح 6 2
الكافي 8/231 ح 301
3
الخصال /639 4
الخصال 652
فالقمر
، قال عليه
السلام : إن
الله خلق
القمر من ضوء
النار و صفو
الماء طبقا من
هذا و طبقا من
هذا حتى إذا
صارت سبعة
أطباق ألبسها
الله لباسا من
ماء فمن هناك
صار القمر
أبرد من الشمس
))1 ، فذكر
عليه السلام
أن حقيقة
الشمس مركبة
من نور النار
وصفو الماء
وأن لها سبع
طبقات في حقيقة
وجودها
وذاتها كما
يأتي إنشاء
الله، وأما
قطر جرمها و
مقدار ثخنها
فقد روي عن
أمير
المؤمنين
عليه السلام
أنه عليه
السلام سئل عن
طول الشمس
والقمر
وعرضهما قـال
عليـه السلام
(( تسع مائة
فرسخ في تسع
مائة فرسخ )) ،
وعنه عليه
السلام قال ((
الأرض مسيرة خمس
مائة عام
الخراب منها
مسيرة أربع
مائة عام والعمران
منها مسيرة
مائة عام ،
والشمس
الستون فرسخا
في ستين فرسخا
والقمر
أربعون فرسخا
في أربعين
فرسخا
بطونهما
يضيئـان لأهل
السماء وظهورهما
يضيئان لأهل
الأرض
والكواكب
كأعظم
_________________
1
تفسير القمي 2/17
جبل
على الأرض
وخلق الشمس
قبل القمر ))1
وروى القمي في
تفسيره عنه
عليه السلام
قال (( لهذه
النجوم التي
بالسماء
مدائن مثل
المدائن التي
في الأرض
مربوطة كل
مدينة بعمود
إلى عمود من
نور طول ذلك
العمود في
السماء مسيرة
مائتين
وخمسين سنة ))2 .
وأما
محلها حين ما
خلق الله
العالم فعن
مولانا الرضا
عليه السلام
أنها حين ما
خلق الله
الخلق كان في
وسط السماء
لأنه عليه
السلام قال ((
إن طالع
الدنيا عند
الايجاد كان
السرطان
والكواكب
كانت في
أشرافها ))
وشرف الشمس في
التاسع عشر من
برج الحمل
فتكون عند
الزوال في
دائرة نصف
النهار .
أما
كيفية غروبها
ففي التوحيد
عن أبي ذر قال ((
كنت آخذا بيد
النبي صلى
الله عليه و
آله وسلم ونحن
نتماشى جميعا
فما زلنا ننظر
إلى الشمس حتى
غابت ، فقلت :
يـا رسول الله
أين تغيب فقال
صلى الله عليه
و آله وسلم : في
السماء ثم
ترفع من سماء
إلى سماء حتى
ترفع إلى
السماء
السابعة العليا
حتى تكون تحت
العرش فتخر
ساجدة فتسجد
معها
الملائكة
المـوكلون
بها ، ثم تقول
يا رب من أين
تأمرني أن
أطلع أمن
مغربي أم من
مطلعي فذلك
__________________
1
تفسير القمي 2/17
2
تفسير القمي 2/219
قوله
عز وجل {
والشمس تجرى
لمستقر لها
ذلك تقدير
العزيز العليم
}1 ، يعني بذلك
صنع الرب
العزيز في
ملكه العليم
بخلقه ، قال :
فيأتيها
جبرائيل بحلة
ضوء عن نور
العرش على
مقادير ساعات
النهار في طوله
في الصيف أو
قصره في
الشتاء أوما
بين ذلك في
الخريف
والربيع ، قال
فتلبس تلك
الحلة كما يلبس
أحدكم ثيابه
ثم تنطلق بها
في جو السماء
حتى تطلع من
مطلعها قال
النبي صلى الله
عليه و آله
وسلم فكأني
بها قد حبست
مقدار ثلاث
ليال ثم لا
تكسي ضوء و
تؤمر أن تطلع
من مغربها
فذلك قوله عز
وجل { إذا
الشمس كورت * وإذا
النجوم
انكدرت }2
والقمر كذلك
من مطلعه ومـجراه
في أفق السماء
ومغربه
وارتفاعه إلى
السماء
السابعة
ويسجد تحت
العرش ثم
يأتيه جبرائيل
بالحلة من نور
الكرسي و ذلك
قوله تعالى {
جعل الشمس
ضياء والقمر
نورا }3 )))4 .
في
الكافي عن
أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
إن للشمس
ثلاثمائة
وستين برجا لكل
برج منها مثل
جزيرة من
جزائر العرب
فتنـزل كل يوم
على برج منها
، فإذا غابت
انتهت إلى حد بطنان
العرش فلم تزل
ساجدة إلى
الغد ، ثم ترد إلى
موضع مطلعها
ومعها ملكان
يهتفان معها ،
وإنّ وجهها
لأهل السماء و
قفاها لأهل
الأرض ولو كان
وجهها
لأهل الأرض
لاحترقت الأرض
ومن عليها من
شدة حرّها ،
ومعنى سجودها
ما قال سبحانه
{ ألم تر أن
الله يسجد له
من فى السموات
ومن فى الأرض
والشمس
والقمر
والنجوم
________________
1 يس 38 2
التكوير 1 – 2 3 يونس 5
4
التوحيد 281
والجبال
والشجر
والدواب
وكثير من
الناس }1 ))2
.
وعن
السجاد عليه
السلام قال ((
إن من الأقوات
التي قدرها
الله للناس
مما يحتاجون
إليه البحر
الذي خلقه
الله عز وجل
بين السماء
والأرض ، قال :
وإن الله قد
قدر فيها
مجاري الشمس
والقمر
والنجوم
والكواكب وقدر
ذلك كله على
الفلك ثم وكّل
بالفلك ملكا و
معه سبعون ألف
ملك فهم
يديرون الفلك فإذا
أداروه دارت
الشمس والقمر
والنجوم والكواكب
معه فنزلت في
منازلها التي
قدرها الله عز
وجل فيها
ليومها
وليلتها فإذا
كثرت ذنوب العباد
وأراد الله
تبارك وتعلى
أن يستعتبهم بآية
من آياته أمر
الملك الموكل
بالفلك أن يزيل
الفلك الذي
عليه مجاري
الشمس والقمر
والنجوم
والكواكب
فيأمر الملك
أولئك
السبعين ألف
ملك أن يزيلوه
عن مجاريه قال
: فيزيلونه
فتصير الشمس
في ذلك البحر
الذي يجري في
الفلك قال : فيطمس
ضوؤها ويتغير
لونها فإذا
أراد الله عز
وجل أن يعظم
الآية طمست
الشمس في
البحر على ما
يحب الله أن
يخوف خلقه
بالآية قال :
وذلك عند
انكساف الشمس
، قال : وكذلك
يفعل بالقمر ،
قال : فإذا
أراد الله أن
يجليها أو
يردها إلى مجراها
أمر الملك
الموكل
بالفلك أن يرد
الفلك إلى
مجراه فيرد
الفلك فترجع
الشمس إلى
مجراها ، قال :
فتخرج من
الماء وهي
كدرة، قال :
والقمر مثل
ذلك قال :
ثم قال علي
بن الحسين
السجاد عليه
السلام أما
أنه لا يفزع
لهما ولا يرهب
بهاتين
الآيتين إلا
من كان من
شيعتنا فإذا
كان كذلك
فافزعوا
_________________
1 الحج
18 2
الكافي 8/157 ح 148
إلى
الله عز وجل
ثم ارجعوا
إليه ))1 .
في
الفقيه عن
محمد بن مسلم
أنه سأل أبا
جعفر عليه
السلام
عن ركود الشمس
فقال للسائل ((
ما أصغر جثّتك
وأعضل مسألتك
وإنك لأهل
للجواب إن
الشمس إذا
طلعت جذبها
سبعون ألف ملك
بعد أن أخذ
بكل شعاع منها
خمسة آلاف من
الملائكة من
بين جاذب ودافع
حتى إذا بلغت
الجو وجازت
الكو قلبها ملك
النور ظهرا
لبطن فصار ما
يلي الأرض إلى
السماء وبلغ
شعاعها تخوم
العرش فعند
ذلك نادت
الملائكة
سبحان الله
ولا إلـه إلا
الله والحمد
لله الذي لم
يتخذ صاحبة
ولا ولدا ولم
يكن له شريك في
الملك ولم يكن
له ولي من
الذل وكبره
تكبيرا ، فقيل
له عليه
السلام : جعلت
فداك ، أحافظ
على هذا
الكلام عند
زوال الشمس ،
فقال عليه
السلام : نعم
حافظ عليه كما
تحافظ على
عينك فـإذا
زالت الشمس
صارت
الملائكة من
ورائها
_______________
1
الكافي 8/83 ح 41
يسبحون
الله في فلك
الجوالى أن
تغيب ))1 .
وفي
رواية حريز
قال (( كنت عند الصادق
عليه السلام
فسأله رجل
فقال له : جعلت
فداك ، إن
الشمس تنقض ثم
تركد ساعة من
قبل أن تزول
فقال عليه
السلام إنها
تؤمر أتزول أو
لا تزول ))2 .
أقول
وهذا الذي
تلوت عليك من
الأخبار عام
لكل شمس من
الشموس من
الألف ألف إلا
أنه في كل
عالم بحسبه ،
واعلم أنا لو
أردنا شرح هذه
الأخبار ورفع
التنافي من
ظواهر بعضها
وبيان حقيقة
المراد منها
لطال علينا
الكلام ، إلا
أنا نشير إلى
حقيقة الأمر في
ذلك مما يطابق
مراد الإمام
عليه السلام
في هذه الخطبة
وهو جامع
الأمر فإن
وفّقت لفهمه ارتفع
التنافي بين
الأخبار وظهر
المراد بصحيح
الاعتبار .
اعلم
أنه لما كان
بين الله وبين
خلقه بينونة
صفة لا بينونة
عزلة ألقى
الله عز وجل مثاله
أي صفة ظهور
فعله في هويات
الأشياء فأظهر
منها أفعاله
كما قال أمير
المؤمنين
عليه السلام
في الملأ
الأعلى (( صور
عارية عن
المواد عالية
عن القوة
والاستعداد
تجلي لها
فأشرقت و
طالعها
فتلألأت فألقى
في هويتها
مثاله فأظهر
عنها أفعاله ))3
ولما اختلفت
الأشياء
بالحدود
والعوأرض
والقرانات
والأوضاع
والإضافات
والميولات
الذاتية والعرضية
والنورانية
والظلمانية
فتأخرت بعضها
عن بعض لتأخر
أسبابه
وشرائطه
ومتمماته وتوقفها
على الأمور
المتقدمة ،
وتقدمت بعضها
على بعض لتقدم
أسباب وجوده
وشرائط حدوده
اختلف ظهور المثال
الملقى في
هويّاتها
كذلك
بالتقديم والتأخير
فيتحقق مثال
والحاكي عن
مثال والناقل
لأحكام
أفعاله إلى
غيره ومثال
مثال و مثال مثال
مثال وهكذا ،
ولما كان كل
أثر يشابه صفة
مؤثره من حيث
هي من حيث هو
والمثال
تتكثّر وجوهه
بتكثّر
التعلقات كان
أول متلقي
الفيض عن المبدأ
من غير توسط
أعلى المثال
وأوسع
الأشياء شمولا
وإحاطة وقوة
وأشدها وحدة
وبساطة ، فلما
كان المثال
جهة الوحدة
والعموم
________________
1
الفقيه 1/225 ح 675 2
الفقيه 1/225 ح 677
3
البحار 40/165/ ح 54
والشمول
والقهر
والغلبة
والقيومية ،
وجهة القبول
أي الهوية جهة
الكثرة
والضعف
والفقر والنكارة
والقبول مما
لا بد منه
ولكنه لما وقع
في أول الوجود
و مبدأ الشهود
غلب عليه
سلطان الوحدة
والعموم
والغلبة بحيث
اضمحلّت جهة
القبول بمعنى
خفيت آثارها
وخمدت نارها
واستولى
عليها حكم
المثال وخفي
عنه ما يقتضيه
الحال فظهرت
الوحدة فيه
وخفيت الكثرة
و ما بقي منها
إلا الذكر
والصلوح
والقابلية إذ
وجد متعلق ،
ولما كان
الوجود
يتنزّل بتكثر دوران
الحدود
واختلاف
أوضاعها
وانقلاب أحوالها
واعتوار
الإضافات
عليه كان ذلك
المبدأ إذا
ظهر متنزلا من
جهة بعد النور
الوحداني
وقوة القابلية
ظهرت فيه تلك
الوجوه
والحدود المستجنة
المخفية من
جهة غلبة ظهور
سلطان الوحدة ،
ولما ظهرت
الكثرات
تكثرت
الأمثال من
جهة التعلق
وتميّزت
بعضها عن بعض
فكان الجامع
لأول المثال
هو العرش ولذا
كان أمرا
وحدانيا بسيطا
بعيدا عن لحوق
الكثرات
وإضافة
التشخصات ، فكان
أول الخزائن
وأعلاها
وأشرفها
لكمال المناسبة
بالوحدة
الحقيقية حتى
يكاد أن لا
تدركه
الأبصار في كل
عالم بحسبه ،
ولذا ترى
العرش الجسماني
أظهر مثال
اللفظ الصمد
المطابق لمعناه
لوجوده بذاته
وظهوره
بآثاره فلا
يدركه البصر
الحسي لعدم
ظهور الكواكب
التي هي
الأمثال الشهودية
الإلهية فيه
فكان هو المثل
الأعلى والآية
العليا
والدعوة
الحسنى في كل
عالم بحسبه
والحاكي
للجامع
للأمثال ،
وظهور الأسماء
المتميّزة
المراتب هو
الكرسي ،
فالعرش هو الحاكي
للمثال
الإجمالي
والكرسي هو
الحاكي والحاوي
للمثال
التفصيلي
فصارا مبدأ
الإيجاد يفاض
المعاني
والحقائق على
العرش ومنه
ينتشر إلى
الكرسي وينبث
ويصوّر فيه
كالضوء من
الضوء ، فكان
العرش
والكرسي
أخوين مرضعين
من ثدي أم القابلية
الأولى
والدوات
العليا
المتربين في
حجر آدم الأول
الأكبر وهو
المداد الأول
وهو النون
وبحر الصاد
إلا أن الكرسي
أصغر الأخوين
ظاهر
بالأولاد
والبنين
والعرش هو
الأخ الأكبر قوي
عظيم سلطان
ظهرت رئاسته
وسلطنته
وحكمه في أخيه
أي الكرسي ،
فهما كانا
نورا واحدا
أمرهما داعي
الإيجاد من
قبل رب العباد
فقال لنصف كن
عرشا وللآخر
كن كرسيا ولا
يصح العكس في
القول في
الأولية
والآخرية ،
فكان العرش هو
جلال القدرة
والكرسي هو
جلال العظمة ,
ولما كان العرش
هو أول أبواب
الاستغناء أي
أعظم أبواب الفقر
ظهرت العلل
الوجودية
كلها فيه
بالمعنى لا
بالصورة ،
ولما كان
الحادث لا
يستغني عن
الخلق والرزق
والحياة
والموت ظهرت
مبادئ هذه
الأركان فيه
فكان مربعا كل
ربع نور من
أنوار العظمة
ومثال من
الأمثلة
الفعلية
الإلـهية قد
تلون بلون
متعلقة ،
فمبدأ الخلق
نور أحمر
ومبدأ الرزق
نور أبيض
ومبدأ الحياة
نور أصفر ومبدأ
الممات نور
أخضر ، وهذه
المبادئ والألوان
والأنوار
كلها معنوية
ليست ظاهرة
بالصورة بوجه
من الوجوه إلا
في الكرسي
فإنها قد ظهرت
فيه على أكمل
وجه إذ ظهرت
الأربعة فيها في
ثلاثة عوالم
فكانت البروج
الجامعة لتلك
الحقائق
والحاكية
لتلك الأمثال
اثنى عشر على
ما أشرنا إلى
مجمله سابقا ،
ولما أن الله سبحانه
خلق الخلق
مشروح العلل و
مبين الأسباب
إظهارا لكمال
القدرة
البالغة ما
اقـتصر على
خلق العلويات
وحدها لأسباب
يطول الكلام
بذكرها بل خلق
السفليـات
كما خلق
العلويات ،
ولما كانت
القوى
السفلية ما
يمكن لها تلقي
الفيض من العرش
والكرسي من
غير واسطة
لبعدها عنهما
ولاحتراقهما
لديهما لكمال
الحرارة
الفعلية الظاهرة
فيهما وكمال
البرودة
والكثافة
واليبوسة
الظاهرة
المجتمعة
فيها فجعل
الله سبحانه لهما
بابا من كرمه
إليها ليكون
حاملا لآثارهما
إليها وموصلا
لحوائجها
لديهما ليفاض
عليها به من
نفسهما
اللتين هما
خزينة الوجود
يجعل الحق المعبود
ما تستحق تلك
القوى على
حسبها وذلك الباب
والجناب هو
الشمس وهو نور
الله عز وجل
وحجاب قدرته
في العلويات
والسفليات
كساها الله عز
وجل حلّة
النور من
العرش فكانت
به ضياء وخلقها
من نـور النار
أي الحرارة
الفعلية من
قوله عز وجل (
ولولم تمسسه
نار ) الظاهرة
في العرش
لأركانه
وقوائمه
وأبوابه
وحملته ، ومن
صفو الماء أي
الماء الذي به
حياة كل شيء
أو من صافي
القابلية
المأخوذة من
القابلية
الأولى
الكبرى مظهر
الابتداع و
محل الاختراع
، لكن أحكام
المثال أي
الفاعلية قد
ظهرت وغلبت واستوت
وبطنت أحكام
القابلية أي
البرودة فظهرت
حرارتها
وبطنت
برودتها
وجعلها سبع
طبقات لظهور
قوى الأفلاك
السبعة فيها
لأنها مدبّرة
بالله فيها ،
أو لكونها أي
السبعة من
مكملات الوجود
الظاهرة في كل
غيب وشهود وهي
الكيان الثلاثة
والكيفيات
الأربعة ، أو
ظهورات
الأيام الستة
التي هي أيام
التمام مع يوم
الكمال فتكون
سبعة وهي
مأخوذة من
العرش و مثال
له و متولدة
منه ، ولما
كانت من جهة
بعض الوسائط
حصل لها بعد
إضافي من
المبدأ أظهرت
لها إنية تحفظ
النور وتظهره
لا إنية تخفيه
وتبطنه
كالهواء فإنه
لغاية
اللطافة لم
يظهر فيه
النور وإن وجد
فيه بأكمل
الوجود ، وأما
المرآة
الصافية المنورة
فإنها لكونها
أكثف من
الهواء تمسك
النور
ولكونها
صافية
متلألأة
تظهره على
أكمل ما ينبغي
، ولذا ترى
النور العرشي
الغيبي في الظاهر
قد ظهر في
الشمس على
كمال ما ينبغي
وظهرت فيها
بتلك الأنوار
الأربعة
الغيبية
لأنها مبادؤها
في العالم
الأولي ، ولذا
إذا نظرت إليها
تحت حجاب أسود
تشاهد
الألوان فيها
لكن من جهة
الحرارة ما
تظهر في بادئ
النظر إلا لون
الحمرة عند
الغروب ولون
الصفرة عند
ارتفاع النهار
فإن النور إذا
ارتفعت الشمس
تنبث وتنتشر في
الهواء
الممزوج
بالبخار
والدخان
المتكثرة
فيها أنواع
الرطوبات
المحفوظة في
الأجزاء الهبائية
وتكون سببا
لصفرة النور
بخلاف وقت الصبح
ووقت المغرب
لقلة وقوع
النور على ما
ذكرنا
لانخفاضها
وقربها إلى
الأفق ،
فالشمس هي محل
العلة
الفاعلية في
الرتبة
وجعلها الله سبحانه
مقوم الأجسام
والأجساد وهي
كالحرارة الغريزية
في البدن ،
وأظهر نورها
وبث حرارتها ليعطي
كل ذي حق حقه
ويسوق إلى كل
مخلوق رزقه، فكانت
الشمس مقامها
مقام الإجمال
والبساطة و مرتبتها
في عالما
مرتبة
الاختراع
والاسم المربي
لها من
الأسماء
الحسنى وهي
تسبح الله عز وجل
باسمه البديع
والملك
الموكل بها من
الملائكة ملك
على مثال روح
القدس ووجه من
وجوه الروح من
أمر الرب
والروح على
ملائكة الحجب
وهو ملك واحد
كلي
والملائكة
الأربعة
الذين هم جبرائيل
و ميكائيل
وإسرافيل
وعزرائيل
لائذون وحاملون
لأركانها من
الأركان
الأربعة العرشية
، فجبرائيل
لركن الخلق في
النور الأحمر
وميكائيل
لركن الرزق في
النور الأبيض
وإسرافيل لركن
الحياة في
النور الأصفر
وعزرائيل
لركن الموت في
النور الأخضر
، ومحلها
السماء
الرابعة وهي
البيت
المعمور
والسقف
المرفوع وقد
سئل مولانا
الصادق عليه
السلام عن
الكعبة لم كانت
مربعة قال
عليه السلام ((
لأنها بحذاء
البيت المعمور
وهو مربع وصار
البيت
المعمور
مربعا لأنه
بحذاء العرش
وهومربع وصار
العرش مربعا لأن
الكلمات التي
بني عليه
الإسلام أربع
وهي سبحان
الله والحمد
لله ولاإلـه
إلا الله والله
أكبر ))1 فالبيت
المعمور هو
الشمس
والملائكة
كلهم لائذون
بهذا البيت ،
وجعل الله
سبحانه حوائج
الخلق مما تحت
__________________
1
الفقيه 2/190 ح 2110
الكرسي
كلها فيها وقد
وكل عليها
سبعون ألفا من
الملائكة وهي
ذرات المراتب
المستمدة
منها والملائكة
حملة الأمثال
والأسماء
المتكثرة
بتكثر تلك
الذرات
المتعلقة
بفتح اللام ،
وتلك الأمثال
من ظهورات
المثال
الملقى في
هوية الشمس
وتلك الأسماء
من وجوه الاسم
الذي حملته
الشمس
والملائكة من
شئون الملك
الموكل
بالشمس
والسبعون
لظهور السبعة
المجتمعة
الحاصلة من
تثليث الواحد
وتربيع ظهور
الأحد في
الواحد في
القبضات
العشر التي خلق
منها الشيء
وذلك هو
السبعون ، وكل
رتبة مشتملة
على ألف طور
قال الله عز
وجل { وإن يوما عند
ربك كألف سنة
مما تعدون }1 و
موكل على كل
شعاع منها
خمسة آلاف ملك
لأن كل ذرة من
الشعاع فيها
حرارة ويبوسة
وضياء و مادة
وصورة
والملائكة
حملة أمر الله
فإذا رقيت كل
مرتبة منها
إلى رتبة
الملائكة أي
ظهور أمر الله
فيها تتسع الدائرة
وتنفرج لأن
السافل في
كمال الضيق
والضنك فكلما
رقيت مرتبة
اتسعت
الدائرة في
مرتبة أعلى
وأوسع ، وفي
الثانية تكون
الفرجة أوسع
وكذا في
الثالثة إلى
الرابعة وهي
نهايات
المرتبة ولذا
قـال عز وجل {
وإن يوما عند
ربك كألف سنة
مما تعدون }2
اعتبر ما
ذكرنا لك بحال
النقطة في
الدائرة إذا
رسمت منها
خطوطا إلى
المحيط فإن
الزاوية
الحادثة عند
النقطة
بمنزلة
الواحد فكلما
يتصاعد الخط
تنفرج الزاوية
فيكون الواحد
عشرة وفي
الرتبة
الثالثة يكون
مائة وفي
الرابعة تكون
ألفا ، فإذا
نسبت شيئا إلى
الله أي إلى
أمره وحكمه
تلاحظ فيه هذه
النسب
الأربعة لأن
مقام أمر الله
فوق عوالم
الخلق
الثلاثة من
الملك
والملكوت
والجبروت وإن
كان في إحدى
العوالم ،
ولذا نقول إن
حركة الأجسام
في مقام
الصدور ليست
إلى جهة بل حركتها
حركة سرمدية
والملائكة
حملت أنوار
تلك الأفلاك
فيكون واحد في
السفلي ألفا
في العلوي
فافهم لقد
كررت العبارة
للتفهيم إذ
قلّ ما تصل
إليه إفهام
الناس .
فالشمس هي
الأصل الثاني
التي تدور عليها
الأصول
الثانوية
كلها فـزحل
يدور على ذات
النور الأبيض
الظاهر فيها والقمر يدور
على صفة
________________
1 الحج
74 2
الحج 47
النور
الأبيض
الظاهر فيها
والمشتري
يدور على ذات
النور الأخضر
الظاهر فيها
وعطارد يدور
على صفة النور
الأخضر
الظاهر فيها
والمريخ يدور
على ذات النور
الأحمر
الظاهر فيها
والزهرة تدور
على صفة النور
الأحمر
الظاهر فيها
وهي مجمع
الأنوار و
مهبط الأسرار
ومعدن
الأخيار ، وكما
أن الشمس باب
للعرش يفاض
بها الأنوار
العرشية حين
استوى الرحمن
على العرش
برحمانيته على
ذرات الوجود
كذلك خلق الله
سبحانه القمر
بالشمس وجعله
بابا للكرسي
في إيصال
الصور والهيئات
والحدود
والأوضاع
ورسوم
الهيكلين هيكل
التوحيد
وهيكل الكفر
والنفاق إلى
أفراد الموجودات
السفلية كما
كان العرش
محلا للاختراع
والكرسي محلا
للابتداع
كذلك الشمس
ظاهر الاختراع
والقمر ظاهر
الابتداع
فالشمس إنما
هي تولدت من
العرش كما
ذكرنا والقمر
إنما تولد من
الكرسي كما
قال عليه
السلام (( إن
القمر كسي حلّة
النور من
الكرسي )) وقد
قلنا أن العرش
والكرسي
أخوان كان
الشمس والقمر
ابني عم،
وقلنا إن
العرش هو جلال
القدرة
والكرسي هو
جلال العظمة
كانت الشمس
ظهور الطائف
حول جلال
القدرة والقمر
ظهور الطائف
حول جلال
العظمة
فيدوران على
نقطة قطبهما
ويسبحان الله
ربهما على حكم
التقديم
والتأخير
لحكم التدبير
قال عز وجل { لا
الشمس ينبغى
لها أن تدرك
القمر ولا اليل
سابق النهار
وكل فى فلك
يسبحون }1 ولما كان
المبدأ لقربه
إلى فعل الله
سبحانه يجب أن
يكون أشرف
وأعلى ما
يتصور في حق
ذلك الشيء وجب
أن تكون الشمس
حين أن توجد
في أشرف أحوالها
وأعلى مقامات
ظهوراتها في
ذاتها وفي إشراقاتها
، ولا شك أن
أشرف أحوالها
وأحسنها وأظهرها
وأعلاها أن
تكون في كبد
السماء في
دائرة نصف النهار
وأن تكون في
بيت شرفها
وهوالتاسع
عشر من برج
الحمل ، أما
الحمل فبكونه
أشرف البروج وأولها
وأكملها وهو
أعلى البروج
النارية في عالم
الجبروت وهو
أول المبدأ
مثال الفاعل
أي اسم الفاعل
وهذه الصفات
هي صفات الشمس
في الكواكب
فإذا اجتمع
الشرف مع
الشرف واقترن
السعد بالسعد
كانت نهاية
الشرافة
والسعادة ، أما
التاسع عشر
فلبيان أن
الشمس في
الكون الثاني
ظهور
الواحدية
ورتبة
الفاعلية
وأول استنطاق
بسم الله
الرحمن
الرحيم في
التكويني
__________________
1 يس 40
ليطابق
حكم التدويني ،
ولما كانت
القوابل
السفلية
بظاهرها
وباطنها
مفتقرة إلى
الشمس و
مستمدة عن
الله منها كانت
الشمس محيطة
بها وهي
كالنقطة لها،
ولما كان دوام
الإشراق
عليها مما
يفسدها
ويهلكها ويعدمها
ويحرقها كانت
الشمس أبدا في
جانب عنها و
مقابلة بجزء
منها فمرة فوق
الأرض و مرة
تحتها و مرة
عن يمينها و
مرة عن يسارها
وهذا الكلام
على ظاهر
الحال قشري
فإن الشمس
أبدا فوق الأرض
لا فوقية
تقابل
التحتية
المعروفة
وإنما هي
فوقية
الإحاطة .
وعلى
الحقيقة فله
معنى دقيق قلّ
من عثر عليه
وسأنبئك به
إنشاء الله
وهذا الظهور في
بيت الشرف على
ترتيب البروج
وقطع دائرة
الأفق الفلك
نصفين فوقاني
وتحتاني لا
يكون إلا إذا
كان طالع الدنيا
سرطان فتكون
بيت الوتد
الذي هو
الرابع الحمل
وتكون الشمس
في شرفها في
الحلقة
وهوأول الزوال
وهو وقت يسبح
الله كل شيء
لكونه ظهور البدأ
واستيلاء
الحي القيوم
على كل دائرة
الإمكان
واستواء
الرحمن على
العرش وهذا
أحسن أحوال
العالم وأشرف
أوقاته ولا
يرجع إلى هذه
الحالة إلا
يوم العود
لأنه يوم
البدو وقال عز
وجل { كما
بدأكم تعودون
}1 ، فإذا
جعلنا ما
مصدرية يكون
التقدير
كبدئكم عودكم
و نحن قررنا
في ما مضى أن
المشبه عين
المشبه به
سيما في
القرآن
والأخبار ،
فيكون
التقدير
بدؤكم عودكم
فإذا عكست
يكون عودكم
بدؤكم وهذا
معنى كلام
سيدنا و
مولانا الرضا
عليه السلام
المتقدم ، وقد
يعترض عليه
الجاهل
بالمراد
فيقول لا شك في
استدارة
الأرض و ميل
الآفاق فكيف
يمكن أن يكون
طالع الدنيا
سرطان فإن
أريد في بعض
الأرض فهذا لا
يحتاج إلى
البيان لأنه
شيء ضروري مع
أنه عليه
السلام في صدد
إثبات تقدم
النهار على
الليل على
الإطلاق لا في
موضع دون موضع
وقد ظهر
الجواب عن ذلك
في ما مضى في
بيان تعدد المشارق
والمغارب
وقلنا أن
الشمس لها
حركات حركة لا
مشرق لها ولا
مغرب وهي
الحركة الصدورية
الوجودية
وحركة لها
مشرق واحد
ومغرب واحد
وهي الحركة
البدوية التي
هي الحركة العودية
وحركة لها
مشارق و مغارب
وهي الحركة
النزولية
والصعودية
قبل أن
__________________
1
الأعراف 29
يرجع
كل شيء إلى
أصله فإذا رجع
كل شيء إلى
أصله ترى
نهارا دائما
وليلا دائما
من غير أن
يختلط الليل
بالنهار
والنهار بالليل
ليحصل من
اختلاطهما
هذه الأوقات
كالصبح والظهر
والعصر
والمغرب
والعشاء
وإنما هو وقت واحد
وهو وقت
الربيع عند
شرف الشمس،
فأسألك هل في
الجنة ليل وفي
النار نهار
وهل في الجنة
غدو وعشي وهل
خرجت أرض
الجنة عن
الاستدارة بل
استدارتها
إنما ظهرت
هناك وهل كان
أهل الجنة لا
سماء تظلّهم
ولا أرض تقلهم
أما سمعت قوله
تعالى { يوم
تبدل الأرض
غير الأرض
والسماوات وبرزوا
لله الواحد
القهار }1 فمراد
مولانا الرضا
عليه السلام
إنما هو في البدو
الأول لا
الثاني إذ لا
يتريب أحد
تقدم الليل
الآن على
النهار
وانعقد عليه
إجماع كل
العقلاء والأخبار
والأحاديث
مشحونة بذلك ،
ولا شك أن
الأوراد
والأدعية
والنوافل
الواردة في
الليالي المعينة
لا تفعل بعد
يومها فلا
تقول إن ليلة
الجمعة إنما
هي بعد يوم
الجمعة فإذا
أمرت بزيارة
مولاي الحسين
عليه السلام
ليلة الجمعة
أو نذرت أنك
تزوره عليه
السلام ليلة
الجمعة فلا يجوز
لك أن تزور
الليلة التي
بعد يوم
الجمعة لأنها
ليلة السبت
إجماعا
ضروريا وهذا
لا ريب فيه ،
ومع ذلك كيف
يحكم سيدنا و
مولانا الرضا
عليه السلام
بأن اليوم
مقدم على
الليل أو أن
هذا التقدم
شيء جرى على
خلاف الحق
فإذا قد خرج
الحق عن
الفرقة
الناجية وقد
قال عليه السلام
(( لا تزال
طائفة من أمتي
على الحق حتى
تقوم الساعة ))
وها أنا أشير
إلى شيء لا بد
من بيانه لتتميم
المقصود فإذا
فهمته بفهم
مسدد يظهر لك المراد
من الحديث .
وهو
أنه اعلم أن
الأرض أرضان
أرض تحجب نور
الشمس إذا
قابلتها وأرض
لا تحجب ،
والأرض
الثانية هي
الأرض
البسيطة التي
هي من العناصر
الأربعة فإنها
شفافة لا تحجب
ما وراءها
ولقد سمعت من
شيخي وأستاذي
أطال الله
بقاه وجعلني
فداه أن الحكماء
حفروا الأرض
إلى أن وصلوا
إلى أرض هي ثقيلة
تمتلئ بها
الأواني
لكنها لا ترى
، وهوكما قال
ويؤيده العقل
والنقل
والمشاهدة ،
والأرض
الأولى هي
الأراضي
السبعة
الظلمانية
المتقدمة وهي
أرض الشقاوة
وأرض الإلحاد
وأرض الطغيان
وأرض الشهوة
وأرض الطبع
وأرض العـادات
وأرض الممـات
، وهذه هي
التي تحجب نور
الشمس عن
_______________
1
إبراهيم 48
النفوذ
لأنها ظلها
وضدها وعكسها
وجهة إدبارها
و مخالفتها
فلا تصل الشمس
إليها وهي في
أماكنها في المراتب
الظلمانية
قوامها
بالشمس قوام
الظل بالنور
فلا تشرق
عليها نور
الشمس أبدا
لأن لها جهة
غير جهتها
ولكن الشيء
بالعرض من جهة
المعين
الخارجي قد
يصل إلى غير
مرتبته كما
وصل إبليس إلى
الجنة بعد
طرده ولعنه
بواسطة الحيّة
والمناسبة
العرضية مع
حواء
المناسبة لآدم
عليه السلام ،
فكذلك الأرض
فمن جهة
المعين المناسب
صارت بحيث
تشرق عليها
نور الشمس
فتحجب نورها .
وبيان
ذلك بالإجمال
أن الأرض التي
هي إحدى
العناصر وإن
كانت شفافة لطيفة
لكنها لبعدها
عن عالم النور
وقربها بعالم
الغرور لأنها
الخط الفاصل
بين الأنوار والظلمات
فهي في عالم
النزول قد
غمسها الماء المتنزل
المشوب بلطخ
الأغيار من
أكدار الإدبار
وكثرت وغلبت
عليها
الرطوبة
والبرودة ، والرطوبة
إذا لحقت
اليبوسة
والبرودة
تزيد في كثافتها
وقذارتها كما
هو المتحقق
المعلوم ،
فبعدت مناسبتها
عن الشمس
لغلبة
البرودة
واليبوسة المختلطة
بالرطوبة
اللزجة وقويت
الإنية بطبيعتها
فناسبت تلك
الظلمات
فتعلّقت بها
على مقتضى
أنواع
المناسبات
فغلظت الأرض
بتلك الظلمات
وتكاثفت
فصارت تحجب
الشمس إذا
حاذت وقابلت
جزء منها ،
ولما كانت
الشمس لا بد
أن تشرق عليها
لاستخراج تلك
الأنوار
المستجنة
فيها والقوى
الكامنة فيها
لأنها لا تخرج
إلا بتكليس
حرارة الحجب
والأعراض
والغرائب
المانعة
ليخرج الحجر
المكرم وتطهر
الأرض
المقدسة ،
وذلك التكليس
لا يمكن إلا
بتدبير
الحكيم
العليم بأنحاء
التعفين
والتقطير
وتقليل
الحرارة
وتكثيرها
وتوسيطها على
مقتضى تحمل
تلك الأرض
المشوبة فلو
زيدت الحرارة
أول المرة
لاحترقت
بكلها ولو لم
تزدد لما
تكلّست ولما
أزيلت ريش
الغراب ولما
أخرجت القوم
الجبارون
والتسعة
المفسدة في
الأرض ، فجرى
التقدير أن
تطلع الشمس في
جهة وتغرب في
جهة وتبعد عن
جهة وتقرب إلى
جهة على مقتضى
حاجة الحرارة
إذ في بعض
المواضع لو
زيدت الحرارة
عن مقدار
حرارة جناح
الطائر لاحترق
وفسد وفي بعض
المواضع لو
نقصت الحرارة
عن مثل نار
السبك لجمد
وخمد وبطل
وفسد ، وكذلك
الأوساط لها
حكم خاص لكل
مرتبة منها لا
يجوز التعدي
عنها ، وكل
ذلك يحصل
بتغير أوضاع
الشمس مع
القوابل
السفلية إلى
أن يأتي أوان
الحل الكلي
والتعفين
الأصلي،
فامتزجت
القوابل بالمقبولات
والعلويات
بالسفليات
مزجا لا يبقى
بشيء منها
التمايز
الحسي وبطل
فعل الكل وهو إذا
الشمس كورت
وإذا النجوم
انكدرت وإذا
الجبال سيّرت
فلا يبقى لشيء
حياة إلا لله
الواحد القهار
الظاهر بوجهه
المحتجب
بشعاع نوره ثم
تقطر فيمتاز
كل عن الآخر
ثم تشد النار
شيئا فشيئا
إلى أن بلغت
حد نار السبك
على حسبه وذلك
يوم القيامة
فتحترق
الأعراض
والغرائب
ويخلص الإكسير
ويعود كل شيء
إلى أصله
فيبطل المشرق والمغرب
لعدم الحاجب
وتطهير الأرض
المقدسة عن
القوم
الجبارين
وتصفية
الأحمر
الشرقي والأبيض
الغربي
والفتى
الكرشي
والجمع بينها
وسقيها من عين
الحيوان وعين
الكافور وعين
السلسبيل
فيظهر سر { كما
بدأكم تعودون * فريقا هدى
وفريقا حق
عليهم
الضلالة إنهم
اتخذوا
الشياطين أولياء
من دون الله }1
فقد ظهر وتبين
أن بدو وقوع
الفتن
والاختلاف من
الأرض الصرفة
عند اختلاطها
مع الأراضي
الخبيثة وذلك
الاختلاط سر غروب
الشمس وعلّة
تحقق المغرب
فحينئذ وجب
أحد الأمرين
إما تحقق
المغرب وغيبة
الشمس في عرض أربعة
وعشرين ساعة
ووقوع الغيوم
والسحب المكفهرة
المانعة
لظهور إشراق
نور الشمس على
الأرض وخراب
الوجود أو عدم
الخلط والأول
أولى بالاختيار
من الثاني
لأنه به يحصل
الكمال التام
الأتم شيئا
فشيئا متدرجا
بخلاف الثاني
، وعدم الخلط
يستلزم
النقصان في
الوجود وعدم كمال
الخلق وتمامه
وعدم ظهور
الفيض والجود
فوجب تحقق
المغرب
والمشرق
والجنوب
والشمال وحدوث
البخار
والدخان
والغيوم
والأمطار
والثلوج
والظل والشهب
والنيازك
وأمثالها من
الأحوال
الجارية
المستحدثة من
حصول الخلط
ووجود الأعراض
والغرائب
وانتفاء الكل
عند ظهور جمال
مولانا علي بن
أبي طالب عليه
السلام
_______________
1
الأعراف 29 - 30
وجه
الله في
المشارق
والمغارب {
فأينما تولوا فثم
وجه الله }1 .
واعلم
أن ما ذكرنا
في هذا المقام
من أوله إلى
آخره كلها
ظواهر وقشور
وأمثال و مجازات
ولها بواطن
ولباب وأصول
وحقائق يرتاب
بتصريحها
المبطلون
ولوأريد
البيان مع
الدليل
والبرهان
يطول الكلام
إذ الكلام يجر
الكلام
والحقائق
تكشف عن حقائق
أخر إذ البواطن
كلها حرف واحد
انقسم قسمين
محمد وعلي عليهما
السلام
اختراع
وابتداع نقطة
وخط عرشي وكرسي
نار وتراب كاف
و نون ، وكل
الخلائق نشأت من
ظهورات هذين
الحرفين إلى
ما لا يتناهى
وهما الخزينة
الواسعة وسعت
كل شيء مما
كان وما يكون
إلى يوم
القيامة وما
بعده أبد
الآبدين وكلها
أمثال وصفات
لذينك
الحرفين قال
أحد الأنبياء
وأظنه موسى
عليه السلام ((
يا رب أرني
خزائنك فأوحى
الله إليه
إنما خزائني
بين الكاف والنون
)) ولقد كشفت لك
عن السر
المقنع بالسر
وتفصيل القول
وحل الرمز
وإظهار
الحقيقة يأتي
إنشاء الله .
فقوله
عليه السلام ((
رأيت الشمس
عند غروبها ))
يشير في مقام
لحن القول إلى
ما ذكرنا فإن
المغرب إنما
حصل
بالاختلاط
بين النور والظلمة
في الظاهر
والباطن وهو
قوله عليه
السلام (( لو أن
الباطل خلص لم
يخف على ذي
حجى ، ولو أن
الحق خلص لم
يكن اختلاف ،
ولكن يؤخذ من
هذا ضغث ومن
هذا ضغث فيمزجان
فيجيئان معا
فهنالك
استحوذ
الشيطان على
أوليائه ونجى
الذين
سبقت له من
الله الحسنى ))1 وقوله
تعالى {وَمَا
أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ
مِن رَّسُولٍ
وَلَا
نَبِيٍّ إِلَّا
إِذَا
تَمَنَّى
أَلْقَى
الشَّيْطَانُ
فِي
أُمْنِيَّتِهِ
فَيَنسَخُ
اللَّهُ مَا
يُلْقِي
الشَّيْطَانُ
ثُمَّ
يُحْكِمُ اللَّهُ
آيَاتِهِ
وَاللَّهُ
عَلِيمٌ
حَكِيم *
ِيَجْعَلَ
مَا يُلْقِي
الشَّيْطَانُ
فِتْنَةً
لِّلَّذِينَ
فِي
قُلُوبِهِم
مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ
وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ
لَفِي
شِقَاقٍ
بَعِيدٍ *
وَلِيَعْلَمَ
الَّذِينَ
أُوتُوا
الْعِلْمَ
أَنَّهُ
الْحَقُّ مِن
رَّبِّكَ
فَيُؤْمِنُوا
بِهِ
فَتُخْبِتَ
______________
1
المحاسن 218
لَهُ
قُلُوبُهُمْ
وَإِنَّ
اللَّهَ
لَهَادِ
الَّذِينَ
آمَنُوا إِلَى
صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ}1
ألا ترى
الغيوم والسحب
والثلوج
والأمطار
والكسوف
والخسوف كلها
بالشمس من حيث
تكره فافهم،
وهكذا جرى حكم
شمس النبوة
وقمر الولاية
حرفا بحرف من
غروبهما وأفول
نورهما وغروب
شمس النبوة
وطلوع قمر الولاية
لقوله عز وجل {
فمحونا ءاية
اليل }2 وتكثر
غيوم الشكوك
والشبهات
وظلمات
النفاق والفسوق
والعصيان
وارتفاع
العلم القطعي
في أغلب
المسائل بل
جلّها وتسلط
سلطان الظلمة
وهكذا من
الأحوال
المعروفة بين
الناس ووقوع
الاختلاف
الشديد بين
العلماء
والمعارضات
والمناقضات
الشديدة
العظيمة
الواقعة في
العالم هذه
وأمثالها
كلها أجريت
بشمس النبوة
وقمر الولاية
قال عز وجل {
وما كنا عن
الخلق غافلين
}3 وهما صلوات الله
عليهما
وأولادهما
عليهم السلام
أعضاد للخلق
في ذواتهم
وصفاتهم
وكينوناتهم
وقوامهم بهم
عليهم
السلامفي
موادهم
وصورهم فكيف
يتصورون وقوع
حادثة من
الحوادث في
العالم الكوني
والشرعي
بدونهم عليهم
السلام
أليسوا عين الله
الناظرة ويده
الباسطة
ورحمته
الواسعة وأذنه
الواعية
ووجهه الظاهر
في كل شيء لا
تعطيل له في كل
مكان ، إلا أن
الأمور القبيحة
والأحكام
التي يكرهها
الله عز وجل
لا تنسب إليهم
لأنها ليست
منهم ولا
إليهم وإنما
هي بهم كما
تقول ( الخير
في يديك والشر
ليس إليك ) وقد
عرفت أنهم يد
الله فالخير
منهم وبهم
وإليهم وعنهم
وفيهم وعندهم
والشر ليس
منهم ولا
إليهم ولذا
ورد عن النبي
صلى الله عليه
و آله وسلم
على ما رواه
ابن عباس ما
معناه أنه
______________
1 الحج 52
– 54 2
الإسراء 12
3
المؤمنون 17
((لم
يوجد في يد
أحد حق إلا
بتعليمي
وتعليم علي عليهما
السلام ))1 وهذه
الرؤية رؤية
قيومية
وإحاطية كما
سيأتي بيانه
إنشاء الله
مشروحا .
وقوله
عليه السلام ((
وهي كالطير
المنصرف إلى
وكره )) كما
قلنا إن
المشبه عين المشبه
به فتكون
الشمس هي
الطير حقيقة
تطير بجناحيه
في هذا العالم
وهو الطاووس
مقامه جبل سرنديب
لأجنحة ألوان
مختلفة غريبة
عجيبة قوية
نظرة يدهش
الناظر عند
النظر إليها
بل يكاد يموت
من شدة انجذاب
نفسه إليها
لما تجد من
شدة
المناسبة،
وكل العالم
مستضيء لشدة
نور ضياء تلك
الأجنحة لأن
له جناحان على
أحدهما مكتوب
لا إلـه إلا
الله محمد
رسول الله صلى
الله عليه و
آله وسلم الله
نور السماوات
والأرض وبهذا
الجناح
يستضيء أهل
السماء وعلى
الآخر مكتوب
علي وأولاده
الطيبون
وفاطمة
الصديقة خلفاء
الله
وأوليائه علي
عليه السلام
نور الأرضين
وبهذا الجناح
يستضيء أهل
الأرض ،
والأرض من جهة
خلق الطبائع
بالظلمات
احتجبت
الأبصار عن
مشاهدة تلك
الكتابة
الواضحة فإذا
ارتفع الخلط
أو قل تنفتح
العين وتظهر
حدته على
مقدار خلوصها
عن الخلط
فتشاهد
الكتابة
الواضحة ولذا
ورد في زمان
الرجعة يظهر
جسد مولانا
أمير المؤمنين
عليه السلام
في قرص الشمس
وهذا الجسد هو
تلك الكتابة
لأن المراد
بالكتابة
إثبات الأشباح
المنفصلة فلو
نظرت بأذن
القلب الواعية
لشاهدت ببصر
قلبك المتنزل
إلى هذا البصر
الحسي تلك
الكتابة على
كل ذرة من
ذرات الوجود وهو
ما تقدم من
حديث كتابة لا
إلـه إلا الله
محمد رسول
الله صلى الله
عليه و آله
وسلم علي أمير
المؤمنين ولي
الله في العرش
والكرسي واللوح
والقلم
والسماء
والأرض
وغيرها مما
فصل بعض
كليّاتها فيه
، ولذا ظهر
لطلحة بن عبد
الله ذلك حين
موته لما خلص
عن الخلط
الأرضي شاهد الأصل
من غير حجاب
ورأى أن عليا
يصعد إلى السماء
وينزل إلى
الأرض
ويخرقها
ويرمي بالنبل
ويضرب ____________________
1 ذكر
المصنف أعلى
الله مقامه
وأنار الله في
الدارين
أعلامه هذا
الحديث
بالمعنى ,
ونحن نورده
هنا بالنص
تيمنا كما ورد
في البحار 26/345 ح 18 ((
وكل شيء يسبح
لله ويكبره
ويهلله
بتعليمي
وتعليم علي
عليه السلام ))
والحديث طويل
وجليل أخذنا منه
موضع الحاجة
فمن أراد
الزيادة
فليراجع .
بالسيف
ويطعن بالرمح
ويقول مت يا
عدو الله فيموت
في ساعته ولم
ترى شيئا سواه
عليه السلام وهذا
الذي رآه هو
أشباحه
المنفصلة وهو
كتابة اسمه
الشريف على
الإنسان
والجماد
والنبات وقد
قال عليه
السلام (( أنا
الذي كتب اسمي
على البرق
فلمع وعلى
الودق فهمع
وعلى الليل
فأظلم وعلى
النهار فأضاء
وتبسم ))
فالشمس بهذين
الجناحين
بقوة تلك
الأسماء
المتبركة
العالية تطير
في فضاء الملك
والملكوت
وتلحق بهواء
اللاهوت وهو
وكرها إذا
غربت عن عالم
الإدبار إلى
عالم الإقبال
وهو قوله عليه
السلام (( حب الوطن
من الإيمان ))
وليس التعلق
بالعالم
الخلقي من
الوطن وإنما
هو دار غربة
وكربة كما
قـال عليه
السلام ((
اللهم ارحم في
هذه الدنيا
غربتي وعند
الموت كربتي ))1 ، فالطير
المنصرف إلى
وكره
هوالخارج عن
وكره لما قال
الله عز وجل
له أدبر فأدبر
مبعدا عن وكره
وموليا عن مبدئه
حتى بلغ غاية
الضيق فلم يجد
مسلكا للطيران
مدبرا فناداه
الله عز وجل
أقبل فأقبل
منصرفا إلى
وكره وطار
متصاعدا إلى
أن بلغ كبد
سماء الكون
الكلي وهو
عالم النفوس
وهناك ظهر نوره
وتفرقت
أجنحته
وتكثرت
وتزايدت
رياشه وزادت
ألوانه سيما
خضرته
واصفراره
واحمراره فلما
انحرف في
طيرانه عن ذلك
العالم قرب
إلى عالم
البساطة فخفي
ظهوره ونوره
الغيري شيئا
فشيئا إلى أن
بلغ إلى عالمه
وغرب عن
العوالم التحتية
كلها والتفت
إلى مبدئه
وانصرف إلى
وكره وهو ليلة
المعراج حين
بلغ مقام قاب
قوسين وهذا
الوكر له
مراتب كثيرة
ومقامات
عديدة كما أن (
أو أدنى ) كذلك
فوصل إلى مقام
الدلالة
للكلمة التي
انزجر لها
العمق الأكبر
وهوأول بيت من
وكره ثم ترقى
في الطيران
بجناح واحد
إلى مقام الكلمة
و منها إلى
مقام الحروف
العاليات و منها
إلى مقام
النفس
الرحماني
الأولي أي
الأولي إلى
هنا شاهده
أمير
المؤمنين حين
انصرافه إلى
وكره مشاهدة
عيان ثم ترقى
منها إلى مقام
النقطة وظهر
لهعليه
السلام سر (( لي
مع الله وقت
لا يسعني ملك
مقرب ولا نبي
مرسل هو فيه أنا
وأنا هو ))
واتصل الحبيب
بالمحبوب
والطالب بالمطلوب
والشاهد
بالمشهود
وهذا الاتصال
اتصال رسمي
وهو الاتصال
بلحظ المطلوب
المحبوب الذي
لحظه به وهو
الطرف الخاص
به
______________
1 دعاء
أبي حمزة
الثمالي
كما
قال :
قـذفتـهم
إلى
الـرسـوم فكل دمعة
في طلوله
مطلول
منتهى
الحظ ما تـزود
منـه
اللحظ
والمدركون ذاك
قليل
جاءها
من عرفت يبغي
اقتباسا وله
البسط والمنى
والسـؤول
فـتعالت عن
المنال
وعـزت
عن دنـو إليه
وهو رسـول
فتـفطن
وافهم ما قاله
عليه السلام ((
انتهى
المخلوق إلى
مثله وألجأه
الطلب إلى شكله
الطريق مسدود
والطلب مردود
دليله آياته
ووجوده
إثباته )) ،
وهذا المقام
الأخير الذي
هو آخر بيوت
وكره
ولا آخر إنما
شاهده ورآه
أمير
المؤمنين
رؤية وصف و مشاهدة
صفة ومثال وقد
دلت الأخبار
بشهادة صحيح
الاعتبار أن
رسول الله صلى
الله عليه و
آله وسلم ليلة
المعراج ما
وصل مقاما إلا
وقد رأى علياعليه
السلام فيه
إلى أن وصل
مقام المناجاة
والمناداة
سمع كلام
الجبار بلسان
علي عليه السلام
لأنه لسان
الله الناطق
عن الخلق بما
كان وما يكون
ولما وصل مقام
الإمداد وأكل
طعام القرب
رأى يد الله
يشاركه فيه
وهو يد علي
عليه السلام
فإذا انقطع
الكلام
واشتعلت
نائرة المحبة
وفنى الحبيب
في محبوبه
فناء رسم وصفة
انقطع مقام
علي عليه
السلام .
اعلم
أن الغروب
غروبان
أحدهما نور وجمال
وكمال فالجنة
في هذا المغرب
و نورانية هذا
الغروب من
جهتين أحدهما
لقطعه
المقامات وسيره
الدرجات و
مشاهدته
الآيات وحصول
منافع السفر
الذي أشار
إليها أمير
المؤمنين
عليه السلام
في الشعر
المنسوب إليه
:
تغرب عن
الأوطان في
طلب العلا وسافر
ففي الأسفار
خمس فوائد
تـفرج
همّ واكـتساب
معيشـة
وعـلـم
وآداب وصحبة
ماجـد
والشرق
المذموم الذي
نار جهنم فيه
في مقابلة هذا
الغرب كما
أشار إليه
عليه السلام
بعد تلك
الأبيات :
فإن
قيل في
الأسفار ذل
ومحنـة وقطع
الفيافي
وارتكاب
الشدائد
فموت
الفتى خير له
من حياتـه
بدار هوان
بين واش
وحـاسـد
والثانية هو
الغروب عن
عالم الخلق بالكلية
والرجوع إلى
مشاهدة جمال
الأحدية بما
تجلى له في
ذات الشيء
نفسه وصفاته
وآثاره و نورانية
هذا المغرب
لمحو الموهوم
وصحو المعلوم
وهتك الستر
لغلبة السر
وإشراق النور
المشرق من صبح
الأزل فهو
غاية المنى
والقصد وليس
وراء عبادان
قرية وهو أعلى
مراتب الوطن
الذي حبه من
الإيمان ،
وثانيهما
ظلمة واختلاف
وتضاد وأعراض
وغرائب
وأهوال
وأحوال لا
يحبها المبدأ
وهو عليه
السلام أراد
أن يشير بقوله
الشريف (( ولقد
رأيت الشمس
عند غروبها ))
أراد المعنين
جميعا فأشار
إلى الأول
بقوله عليه
السلام (( وهوكالطير
المنصرف إلى
وكره )) وقد
أشار النبي صلى
الله عليه و
آله وسلم في
الحديث المتقدم
لما سئل عن
الشمس أين
تغيب قال صلى
الله عليه و
آله وسلم (( في
السماء ترفع
من سماء إلى سماء
حتى ترفع إلى
السماء
السابعة
العليا حتى تكون
تحت العرش
فتخر ساجدة
تحت العرش ))
الحديث ،
ويريد عليه
السلام من
السماء إلى
السماء السابعة
هي الطبقات
السبعة التي
التأمت وجود
الشمس منها
كما تقدم في
الحديث عن الباقر
عليه السلام
وتحت العرش هي
جنة الصاقورة
التي بدأت
الشمس منها
فعادت إليها
فخرّت ساجدة
لله عز وجل
بكينونتها
وذاتها
وغروبها عن كل
ما سوى الله
فالملائكة
الحاملون
للأنوار والأسرار
المنشعبة من
النور والسر
الظاهرين فيها
كلها تتبعها
لأنها تجذبها
قال عليه السلام
(( جذب الأحدية
لصفة التوحيد
)) ولما كانت الموجودات
كلها طرية
دائمة
السيلان
والاستمداد
فهي في كل
الأحوال
سائلة من الله
سبحانه الإمداد
إذ لا تستغني
عنه أبدا في
حال إذ لوجاز لك
جاز في كل
الأحوال فهي
محتاجة كل آن
في ذواتها
وصفاتها
وآثارها و
مقادير
أطوارها وهيئات
حراكتها
وسكناتها
وهكذا إلى
نهاية أطوار
وجوداتها ،
ومن هذه الجهة
قال صلى الله
عليه و آله
وسلم (( إن
الشمس تقول يا
رب من أين تأمرني
أن أطلع من
مغربي أم من
مشرقي )) فإن
الطلوع من
المغرب علامة
العود وفناء
البدو وهذه
الحالة ثابتة
للشمس في كل
الأوقات لأن لها
في كل وقت
طلوع بالنسبة
إلى مكان
وغروب بالنسبة
إلى مكان آخر،
أما في الظاهر
فإنها في كل
حركة تقرب إلى
أفق وتبعد عن
أفق وهذا
معلوم، وأما
في الباطن
فلسؤالها
وإمداد الحق
إياها دائما
فافهم.
وقد
أشار إلى الثاني
بقوله عليه
السلام فيما
بعد من قوله
عليه السلام ((
ودخولها في
الماء الأسود
في العين
الحمئة )) كما
يأتي شرحه
إنشاء الله ،
أما أن الشمس
طير فلأن
الموجودات
كلها أطيار يطيرون
إلى سماء
الفقر إلى
الله عز وجل
بجناحيهم
أحدهما جناح
الوجود وبه
يطيرون إلى
سماء المعرفة
وفضاء هواء
عالم اللاهوت
، وثانيهما
الماهية وبها
يطيرون في
هواء الشهوات
والميولات
والمعاني
والعلوم
والإدراكات ،
وبهما يطيرون
في هواء
الطاعات
والعبادات والخيرات
والمبرّات
وأنواع
الحوائج
والميولات في
الذاتيات
والعرضيات ،
والشمس هي
مثال
الفاعلية لها
جناحان جناح
لأهل السماء
من السموات
السبع
وتمدّهم بما
جعل الله فيها
من السر
المعنوي
الغيبي وجناح
لأهل الأرض من
العناصر
والمتولدات
تمدهم بما
قوّاها الله
عز وجل بما
جعل عندها من
الاسم الأعظم
والسر الأقدم
، وبذينك
الجناحين
تطير بهما إلى
الله عز وجل
في استمدادها
وفقرها
ولواذها
بالباب الأعظم
، وإنما عبر
عنها بالطير
في هذا المقام
لوجهين ،
أحدهما
للحركة إلى
المبدأ بكله
بجميع
أعضائه ،
والثاني
لتكثّر
شئونها ووجوهها
وروابطها إذ
ليس فيما تحت
الكرسي ذرة من
الذرات
الذاتية
والوصفية إلا
ولها علاقـة بها
وهذه العلائق
كلها عرضية لا
ذاتية ، وإنما
هي ظهوراتها
تعلّقت بظاهر
تأثيراتها
كالطير وتكثر رياشه
وإنها كلها
خارجة عن
حقيقة الطير
لإعانة
الطيران
واستمساكه في
الهواء .
وأما
قولنا أنها
طاووس
فلطبيعتها من
الحرارة
واليبوسة
وظهور أصول
الألوان الأربعة
من الأنوار
الأربعة
العرشية
والألوان
الحاصلة من
قرانات تلك
الألوان
بعضها مع بعض
تظهر شبه ألوان
الطواويس
وأهل الصناعة
يعبرون عن
النار
الفعالة
بالطاووس كما
قالوا في
الطيور الأربعة
التي ذبحها
إبراهيم عليه
السلام على رواية
أنها الطاووس
والديك
والحمامة
والغراب قالوا
أن الطاووس
إشارة إلى
النار
الحائلة
والديك إشارة
إلى هواء راكد
والحمامة
إشارة إلى ماء
جامد والغراب
إشارة إلى أرض
سائلة ، ولذا
قالوا أزل ريش
الغراب يكون
عقابا .
وأما
قولنا أنه في
جبل سرنديب
نريد به جبل
الوجود
والحياة
الأولية لأنه
أول جبل نزل
عليه آدم عليه
السلام
ويعبرون عنه
بجبل العلم فإن
الشمس آدم من
الآدميين
الألف ألف
وحواء الأرض
نريد بهذه
الحواء في
مقام الظهور
بالفعل والتأثير
وفي الحقيقة
تكون الأرض
حواء لإشراق
الشمس لا
ذاتها
وزوجتها
الأصلية هي
أرض القابلية
زوجها النور
الحامل
للمثال فكونت
الشمس ، وهذه
أيضا عبارة
قشرية فإن
الأرض
القابلية حينئذ
لكون أمها لا
زوجتها والحق
أن الزوجة لا
تكون ذاتية
وإنما هي
عرضية عند
ظهور الآثار فتكون
كما ذكرنا هي
الأرض لكن لا
الأرض المعروفة
فافهم .
ويحتمل أن
يراد من الشمس
ما أراد الله
عز وجل في
قوله { الشمس
والقمر
بحسبان }1
وحسبان
طـبقـة من
طبقـات جهنم
لقوله عز وجل {
ويرسل عليها
حسبانا من السماء
فتصبح صعيدا
زلقا *
أو يصبح ماؤها
غورا }2 الآية ،
وقال أحدهما
عليه السلام ((
إن الشمس
والقمر
يؤتيان بهما
يوم القيامة
ويؤخذ نورهما
ويحشران
بصورة العجل ويدخلان
في النار ))
والمراد بهما
شمس الضلالة
وقمرها
والتسمية من
باب التضاد
والإلحاد إذ
ما من حق إلا
وله صورة ضد
تقابله و ما
منها إلا وقد
ظهر في الوجود
وقال نصيبه من
الكتاب فولى
مدبرا موليا
ولحق بأصله
حاملا لصفات
أعماله ولما
كانت الشمس هي
النبوة
المالئة
بنورها كل
الوجود المظهرة
لآثار الحي
المعبود كانت
ضدها الظاهر
معها المالئ
بظلمته كل
الوجود
المانع لظهوره
مظاهر الحي
المعبود كما
قال عز وجل {
ويرسل عليها
حسبانا من
السماء فتصبح
صعيدا زلقا * أو يصبح
ماؤها غورا }
فكانت الشمس
في عالم الضد
هوالأول
وشيطانه هو
الثاني وقد
ظهرا في هذه
الدنيا بعد
ظهورهما في
عالم الغيب
وإدبارهما
موليان تحت
الثرى إلى هذه
الأرض وسكنا
فيها بنتنهما
وخبثهما
وأظهرا شرهما
فكثفت الأرض
وغلظت وتكدر
العالم
بظلمتهما
ولبسا لباس الإنسانية
لإظهار منتهى
مراتب
خبثـهما فوهبهما
الله سبحانه
إياها
استدراجا
________________
1
الرحمن 5
2
الكهف 41
وهي
نورهما على ما
قال عز وجل
{وَلاَ
يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ
كَفَرُواْ
أَنَّمَا
نُمْلِي
لَهُمْ
خَيْرٌ
لِّأَنفُسِهِمْ
إِنَّمَا نُمْلِي
لَهُمْ
لِيَزْدَادُواْ
إِثْمًا وَلَهْمُ
عَذَابٌ
مُّهِينٌ}1
فأظهرا
الظلمة والعناد
وأكثرا في
الأرض الفساد
حتى تقدم
الليل على
النهار فمكثا
في الأرض حتى
نالا نصيبهما
من الكتاب إلى
أن يردا إلى
أصلهما
وينصرفا إلى
وكرهما فكان
عاقبتهما
أنهما في
النار خالدين
فيها وقد أشار
أمير المؤمنين
عليه السلام
في الكتاب
الذي كتبه إلى
أبي بكر إلى
أن قال عليه
السلام ((
ولكني أهون
وجدي حتى ألقى
ربي بيد جذاء
صفراء من لذاتكم
خلو من
طحناتكم فما
مثل دنياكم
عندي إلى كمثل
غيم علا
فاستعلى ثم
استغلظ
فاستوى ثم تمزق
فانجلى رويدا
فعن قليل
ينجلي لكم
القسطل وتجنون
ثمر فعلكم مرا
وتحصدون غرس
أيديكم ذعافا
ممقرا وسما
قاتلا وكفى
بالله حكيما
وبرسول الله
خصيما
وبالقيامة
موقفا فلا
أبعد الله
فيها سواكم
ولا أتعس فيها
غيركم
والسلام على
من اتبع
الهدى ))2 ،
فكان هوالطير
المنصرف إلى
وكره ووكره جب
في قعر جهنم
في تابوت مقفل
على ذلك الجب
صخرة إذا أراد
الله أن يسعر
جهنم كشف تلك
الصخرة عن ذلك
الجب
فاستعاذت جهنم
من وهج ذلك
الجب وهذا أصل
بيوت وكره
وإلا فكل جهنم
وكره وصاحبه
وكلما فيهما
من الجحيم والعذاب
الأليم له
ولصاحبه
وعليهما وزر
كلما على
الخلق كما روي
عن علي بن
جعفر بن أبي
طالب بمشهد من
معاوية في
حديث طويل إلى
أن قال (( ثم نصّ
أي رسول الله
صلى الله عليه
و آله وسلم
بالإمامة على
الأئمة تمام
الاثنى عشر عليهم
السلام ثم قال
صلى الله عليه
و آله وسلم ولأمتي
اثنى عشر إمام
ضلالة كلهم
ضال مضل عشرة
من بني أمية
ورجلان من
قريش وزر جميع
الاثنى عشر و
ما أضلوا في
أعناقهما ثم
سماهما رسول الله
صلى الله عليه
و آله وسلم
وسمى العشرة
معهم )) الحديث
، وقد قال
سلمان رضوان
الله عليه
خطابا للثاني
(( إني لأشهد
أني سمعت رسول
الله صلى الله
عليه و آله
وسلم يقول إن
عليك وعلى
صاحبك الذي
بايعته مثل
________________
1 آل
عمران 178
2
الاحتجاج 95 - 96
ذنوب
أمته إلى يوم
القيامة ومثل
عذابهم ))1 ، فكان
وكرهما كما
وصف الله
سبحانه {إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ
فِي
الدَّرْكِ
الأَسْفَلِ مِنَ
النَّارِ }2
لأن إبليس
المعنوي لكل
الخلائق هو
مظهر جهلهما
الكلي فكان
وكرهما في
مبدأ الأليم
والجحيم وهو
أسفل طبقات
جهنم والكلام
في هذا المقام
طويل أعرضنا
عنه لأن
مرادنا الإشارة
ببعض المراد
والله لهما
بالمرصاد لعن
الله صنمي
قريش
وجبتيهما
وطاغوتيهما
وابنتيهما .
وهذه
الشمس
الظلمانية
لها ظهورات في
المراتب
الظلمانية
وأصل كل مرتبة
اسمه شمس كمقابلها
فتعدد الشموس
من الطرفين
إلى ما لا نهاية
والغروب في كل
مقام له معنى
يناسبه إما
نوراني أو
ظلماني
أوفناء وعدم
واضمحلال
واستهلاك أو
خفاء نور أو
استيلاء باطل
أو ظهور
الكثرات
وغلبة
الروابط
والقرانات
أوحل العقد
وفك النظم في
الحلين الأول
والثاني وتداخل
الأمرين بحيث
ارتفع
التمايز من
البين ، أو
مقام التعفين
ورتبة
التلوين
وانصراف الشمس
إلى وكره حين
اجتماع
المياه
الأربعة أو
الخمسة أو
الستة أو
السبعة أي
الماء الرقيق
الأبيض كوكب
أمير
المؤمنين
عليه السلام
والماء الأبيض
الغليظ
الفتاة
الغربية
وهرمس الحكيم
والقرار
والماء
الأصفر
الشرقي
والماء الأحمر
الشرقي
والمجموع شيء
يشبه البرقا
والصبغ الأحمر
وهو الشمس
الغائبة في
أفق الخفاء
والأنفحة وهي
القاضي
والماء
السيال أي
الأرض
المقدسة فإذا
اجتمعت هذه
المياه في
الأرض
المقدسة وسقيت
بها فتغرب
الشمس التي هي
الصبغ الأحمر
ويعود إلى
أصله وهو
الطير
المنصرف إلى
وكره لأنه قد
استخرج من
أصله وهي
الأرض
المقدسة
الملوثة
بكثافات
القوم
الجبارين
فظهر منفردا
ثم رد منصرفا
إلى وكره
عائدا إلى
أصله ذاهلا عن
وجدانه فظهر
بعد ما غرب
شمسا مشرقة
ونارا محرقة
بجذب الأشياء
إليه جذبا
ميليّا
معنويا
ويوصلها إلى
غاياتها
وكمالاتها
إيصالا
حقيقيا فطلعت
من مغربها
وأعادت
الأشياء إلى
أصولها ومبادئها
فهناك ينسد
باب التوبة
والاستغفار
وتهتك
الأستار
ويفضح
الأغيار سترك
الجميل يا ستار
.
______________
1
الاحتجاج 85
2
النساء 145
ويحتمل أن
يكون المراد
من الشمس شمس الوجود
وهو الماء
النازل من
سحاب المشيئة
مبدأ
الموجودات
المقيدة وأصل
الأكوان
النورية
وغروبها
تعلقها
بالماهية
وخفاء
إمكانها حال
البساطة
والماهية هي
أرض القابلية
وأرض الجرز
والبلد الطيب
، أو الذي خبث
وهي وكر الوجود
في عالم
الظهور بل
العوالم كلها
لأن الممكن زوج
تركيبي
فالماهية وكر
الوجود
وقابليته وبيته
الذي يأوي
إليه ، وإنما
عبر عن الوجود
بالشمس لأنه
حامل مثال
الفاعلية
الظاهرة في المشيئة
فقد ظهرت
المشيئة به
لأفراد
الكائنات جميعا
وهو الفاعل
الذي هو معمول
الفعل الذي هو
المشيئة
وهوالمصدر
والمفعول
المطلق التأكيدي
و منه يشتق
اسم الفاعل
والمفعول
فقوامهما
التحقيقي
والركني به
وقوام المصدر
بالفعل ، ولذا
ترى المصدر
يعمل في
الفاعل
والمفعول
بشرطه وهذه
المذكورات هي
صفات الشمس
الظاهرة في العالم
الجسماني بل
هذه الشمس صفة
ومثال لتك الشمس
وحكاية عنها ،
وأما أن أمير
المؤمنين رآها
ففي الظاهر
لأن الله عز
وجل أشهده خلق
السماوات
والأرض وخلق
نفسه كما قال
الله عز وجل
لما قال النبي
صلى الله عليه
و آله وسلم ((
اللهم انصر
الإسلام
بأحد
العمرين ))
ويريد بهما
عمر بن الخطاب
وعمر بن هشام
أبا جهل قال الله
عز وجل {* مَا
أَشْهَدتُّهُمْ
خَلْقَ
السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ
وَلَا خَلْقَ
أَنفُسِهِمْ
وَمَا كُنتُ
مُتَّخِذَ
الْمُضِلِّينَ
عَضُدًا }1 فدل
مفهوم الآية
على أنه عز
وجل اتخذ
الهادين عضدا
وأشهدهم خلق
السموات
والأرض وخلق
أنفسهم وقد
تكثرت
الروايات
بالطرق
المتعددة عن الفريقين
أن المراد
بقوله عز {
إنما أنت منذر
ولكل قوم هاد }2
هو علي عليه
السلام وقد
فسرها رسول
الله صلى الله
عليه و آله
وسلم حين
نزولها وقال ((
أنا المنذر
وعلي الهادي ))3
فكان علي عليه
السلام ممن
أشهده الله خلق
السموات
والأرض،
والخلق لا
يكون إلا بالوجود
والماهية
واقترانه بها
واتصاله معها
وهذا ظاهر،
وأما في
الباطن فكما
ذكرنا مرارا أن
الموجودات
كلها موادها
التي هي
وجوداتها
وصورها التي
هي ماهيتها من
نور علي عليه
السلام و من
هيئات أعماله
فكانت
متقوّمة به
فهو عليه
السلام يراها
ويشاهدها
بالمشاهدة
القيومية
كمشاهدة
السراج
للأشعة فافهم
.
______________
1
الكهف 51 2
الرعد 7
3
المناقب 3/84
قال
عليه السلام
ولولا اصطكاك
رأس أفردوس
واختلاط
الطتنجين
وصرير الفلك
لسمع من في
السموات
والأرض
رنيم
حميم دخولها
في الماء
الأسود في
العين الحمئة
هذا
إشارة إلى ذكر
الوجه الثاني
مما يراد من
الغرب كما
ذكرنا سابقا
من أن المراد
به بيان سر
الاختلاف
ووقوع الفتن
والشكوك والشبهات
باعتبار لحن
القول وكشف سر
الباطن من
السر المقنع
بالسر .
وبيان
هذه العبارات
الشريفة في
الظاهر
المراد أنه هو
اعلم أن الله
عز وجل خلق
الخلق من مادة
نورانية
وطينة
ظلمانية ثم إن
الموجودات
اختلفت
باختلاف جهات
التركيب
ومراتبه
وأنحائه
وحدوده من
الكم والكيف
والجهة
والرتبة
والوضع
والزمان
والمكان بزيادة
النور وقلته ،
فكلما زاد فيه
النور وقلّ
فيه الطينة
الظلمانيـة
زادت مشابهته
بأوائل جواهر
العلل فلطف
ورقّ واستعلى
، وكلما كثرت
فيه الظلمة
وقلّ فيه
النور كثر
وتسافل إذ بعدت
المناسبة
بينها وبين
أوائل جواهر
عللها، فالمادة
النورانية هي
وجه الله
سبحانه في الأشياء
وهي ظهور
توحيده
وأسمائه
وصفاته و ما ينسب
إليه تعالى من
آثار صنعه
وأحكام فعله
وإيجاده
واختراعه ،
وبالجملة هي
دليله
والناطقة
بتحميده
وتقديسه
وتنزيهه
وتهليله في كل
عالم وكل زمان
وأوان ، ولما
كان هذا النور
قد سرى وجرى
في كل شيء من
الأشياء كان
كل شيء على
مقدار ما فيه
من النور
ناطقا
بالتسبيح
والتمجيد والتقديس
والتهليل بكل
مراتبه مما
ظهر ذلك النور
فيه فكل شيء
يسبح بحمده
وفي الزيارة ((
يسبح الله
بأسمائه
جميع
خلقه ))1 وإليه
يشير قوله {
وإن من شئ إلا
يسبح بحمده }2 وتسبيح
الأشياء كلها
بالنور
المستودع في
سرائرهم
وضمائرهم
وأحوالهم
وأطوارهم ،
ولكن هذا
النور لما كان
في العلويات
أشد وأظهر
وأكثر كان
ظهور هذه
الإنارة فيها
أقوى وأشد ،
وفي السفليات
لما كان أضعف
كان هذا
الظهور أقل وهذا
لا شك فيه ،
ولما وجب
اقتران
العلويات
بالسفليات
واتصالها بها
لحصول النظام
ولأن السفليات
لا قوام لها
إلا
بالعلويات
حصل لهذا الاقتران
________________
1
مصباح
المتهجد 288 2
الإسراء 44
والوضع
أحوال وأوضاع
أخر تأليفية
تركيبية غير
الأوضاع
الأولية
البسيطة
الناظرة إلى
وجه المبدأ
وأسمائه
وصفاته ، وتلك
الأحوال
والأوضاع
والحركات
ليست في
اللطافة
والنورانية
مثل العلويات
ولا في
الكثافة
والدناءة مثل
السفليات وإنما
هي حالة
برزخية فإذا
جمع الواقف في
السفلى حواسه
و مشاعره
واجتمعت قوى
قلبه يدرك تلك
الأحوال
والأوضاع كما
أنك إذا سديت
أذنك ظاهرا أم
ظاهرا وباطنا
أم باطنا تسمع
دوّيا كدوي صب
الماء في شيء
وهو صوت صب
الماء من بحر
الصاد في الحوض
الكوثر ، وإذا
قعدت نصف
الليل إذا
هجعت العيون
وهدأت
الأصوات وأنت
فارغ البال
تسمع أصواتا
وألحانا وهي
أصوات أقلام
حملة الكتابة
من الملائكة
الموكلين
بتدبير
الأجسام وهي
أحوال غيبية
متعلقة
بالأحوال
الشهودية ، والأطوار
الجسمانية أو
السفلية
مطلقا كلها على
وزن تلك
الأحوال وعلى
طبقها وهذه
الكثرات كلها
خلاف جهة
الوحدة
والنور ، لكن
اقتران العلوي
بالسفلي
يستلزم ذلك
لأن العالم
النازل عالم
ظهور مجملات
العالم الأول
، ولما كانت الكثرة
جهة الإنيّة
والظلمة لا
جهة النور
والوحدة وجب
قطع الالتفات
عنها وعدم
النظر إليها والاقتصار
على جهة النور
ليستولي في
الإحاطة
بالأشياء
فيعرف
الأشياء كلها
على ما هي عليه
في أماكنها
وأوقاتها
وأوضاعها
ويعرف جهاتهم
إلى ربهم
وجهاتهم إلى
نفسه والجهات
المتوسطة بين
الجهتين ،
ويعرف أسباب
نجاتهم
ووصولهم إلى
مبادئهم
ويعرف أسباب
حرمانهم
وهلاكهم وكيفية
تسبيحهم
وتهليلهم
وتقديسهم
وتنـزيههم
لبارئهم
وخالقهم،
وكيفية
الأحوال
الواردة
عليهم و مبدأ
السعادة
والشقاوة
والتوفيق والخذلان
والتوقف
والاستضعاف
وما يحدث من
قرانات
الأشياء
بعضها مع بعض
وأمثالها من
الأحوال ،
لأنه قد وقف
في مقام عال
ينحط دونه كل
مقام وكل
مرتبة فيرى كل
شيء في موضعه
كمن كان فوق
المنارة ويتسلط
على كل البلد
فإن مقام
الوحدة له
قيومية على كل
الكثرات
وكلها عنده
نقطة فهو محيط
بها مستول
عليها ، ولكن
المنغمسين في
بحر الشهوات
والملتفتين
إلى جهات
الإنيات قد حجبتهم
ملاحظة تلك
القرانات
والأوضاع
والكثرات عن
مشاهدة نور
التوحيد
الظاهر في كل
شيء بالتحميد
والتمجيد حتى
جمدوا وخمدوا
ولم ينالوا
حظا من مشاهدة
الاشياء
وتنطقها
بتوحيد الله
وتسبيحه
وتحميده
واختيارها ما
اختارت من الشئون
والأحوال
ومسألتها من
الله عز وجل بأنحاء
الطلبات
والسؤلات
وتضرعها
وضجيجها إليه
سبحانه
بأنواع
اللغات من
الصفات
والكينونات
ولذا قال عز
وجل { وإن من شئ
إلا يسبح
بحمده ولكن لا
تفقهون
تسبيحهم }1
وإليهم
الإشارة بقوله
{ ألهاكم
التكاثر *
حتى زرتم
المقابر }2 أي
ألهاكم
مشاهدة
الكثرات
والانهماك في
الشهوات وملاحظة
الإنيات حتى
ذهبت عنكم روح
الحياة ولقيتم
أمواتـا
كالخـشب
المسندة {*
وَإِذَا
رَأَيْتَهُمْ
تُعْجِبُكَ
أَجْسَامُهُمْ
وَإِن
يَقُولُوا
تَسْمَعْ
لِقَوْلِهِمْ
كَأَنَّهُمْ
خُشُبٌ
مُّسَنَّدَةٌ
يَحْسَبُونَ
كُلَّ صَيْحَةٍ
عَلَيْهِمْ
هُمُ
الْعَدُوُّ
فَاحْذَرْهُمْ
قَاتَلَهُمُ
اللَّهُ
أَنَّى
يُؤْفَكُونَ}3
وإلى هذا
المعنى الذي
ذكرنا أشار
مولانا أمير
المؤمنين
عليه السلام
بقوله الشريف
(( لولا اصطكاك
رأس أفردوس ))
وقد قلنا أن
أفردوس هو جهة
النور وعالم
الوحدة
والسرور
ومقام المبدأ
على مراتبه ،
واصطكاك رأسه
إشارة إلى
اقتران
العلوي
بالسفلي
والروابط
الحاصلة عند
الاقتران
وظهور ذلك
النور لأنه
حاصل ظهور
الحق عز وجل
بالتأثير
والفعل وذلك
يظهر حال
الاقتران على
مقتضى ذلك
المقام لأنه
منشأ الحياة
والحركة ،
والسفلى علّة
التقدير
والتصوير والاختلاف
حال اتصاله
بالعلوي ،
إنما قال
عليـه السلام
(( رأس أفردوس ))
لأن العلوي
على جهة
الاطلاق لا
يقترن
بالسفلي
بذاته وإنما
الاقتران بوجه
من وجوهه وذلك
الوجه هورأس
منه إلى ذلك
الشئون ،
فاقتران
العالي
بالسافل
برؤيتيه
ووجوهه لا
بذاته كما هو
المعلوم
المبرهن .
وإنما أفرد
الرأس مع أن
تعلقات العالي
بالسافل
كثيرة لأن
المقام
السفلي مقام
الكثرة وكل
منها لا يتقوم
إلا برأس ووجه
من العلوي فلم
قال عليه
السلام (( رأس ))
ولم يقل رؤوس
، لأن ما ظهر
من العلوي هو
شيء واحد وهو
رأسه ووجهه
الكلي وتلك
الكثرات كلها
وجوه ذلك
الرأس ، ألا
ترى الشخص
فإنه إذا وجد
في مكان انفصل
شبح منه هو
وجهه وهو رأسه
وهو شيء واحد
ولو قابلته
ألف مرة في
كلها ينطبق
وجه من وجوه ذلك
الشبح
المنفصل وهو
واحد والكثرة
في وجه الوجه
ورأس الرأس ،
ووجه آخر وهو
أن تقول أن الرأس
واحد والكثرة
في وجوه ذلك
الرأس الواحد
وإن جاز
__________________
1
الإسراء 44 2
التكاثر 1 – 2
3
المنافقون 4
لك أن
تفرض كليات
الوجوه رؤوسا
وأشخاصها وجوها
أو أنواعها
وجوها
وأشخاصها
ألسنة أو أصنافها
ألسنة
وأشخاصها
لغاتا كما ورد
أن لله عز وجل
ملكا له ألف
رأس وعلى كل
رأس ألف وجه
وعلى كل وجه
ألف لسان وعلى
كل لسان ألف
لغة يسبح الله
تعالى بها
وهذا الملك
إنما هو لاصطكاك
رأس أفردوس
والملائكة
كلها وجوه ذلك
الرأس وعند
ذلك الرأس
ينقطع سير
الملائكة
ويتناهى
وجودهم فليس
لهم فوق ذلك
مقام ولا رتبة
.
قوله
عليه السلام ((
واختلاط الطتنجين
)) الأول هو
الخليج
المنشعب من
الجهة اليمنى
من بحر الصاد
والثاني هو
الخليج
المشعب من
الجهة اليسرى
وهذان
الخليجان
يسيران على جهة
الاستدارة
لكن من جهة
الاختلاط قد
حصل شكلان
مخروطان
متوازيي
السطحين
قاعدة كل منهما
عند رأس الآخر
و مع ذلك لا
توجد ذرة من
ذرات أحد
الخليجين إلا
وجرى فيه
الخليج الآخر
إلا أن أطوار
الاختلاف
مختلطة كما
مثلنا بالشكل
المخروطي،
ووجه هذا
الاختلاط
وعلته من دليل
الموعظة
الحسنة فاعلم
أن الله عز
وجل عدل حكيم
خلق الخلق
لإظهار كرمه
ونشر عوائد
مننه فلو
اضطرّهم على
وجه واحد لم
يصح فرض إيصال
النفع لأن
المجبور ليس
له إنيّة حتى
ينتفع بها مما
أفيض عليها من
مبدئها
وبارئها
ويكون كالآلة
للشيء وعلى
ذلك لم يصح
فرض اختلاف
أنحاء الموجودات
المستلزم
لاختلاف
مظاهر
الأسماء والصفات
فلم تظهر
الكمالات
الإلـهية
والصفات
الربانية وهي
اختلاف قاعدة
الإيجاد فلو
أنه تعالى جعل
الاختلاف من
دون داع وحكمة
لكان فاعلا
للعبث تعالى
ربي عن ذلك
وتقدس ، ثم
أنه لو فرض
الجبر فإما أن
يجبر الخلق
على الخير أو
على الشر
أويجبر بعضهم
على الخير
والبعض الآخر
على الشر ،
فإن كان الأول
فقد ظلم لأنه
وضع الشيء في
غير محله إذ
لا ريب أن كل
الخلق لو خلوا
واختارهم لم
يقبلوا الخير
والنور كما لم
يقبلوا مما
نشاهد فإعطاء
الخير إياهم
من غير شهوتهم
واختيارهم
وضع الشيء في
غير موضعه وإبطال
لأصل فائدة
الإيجاد فإن
الإيجاد للانتفاع
والانتفاع لا
يحصل إلا بما
يلائم الطبع
فإن حصل للشيء
ما لا يلائمه
كان إكراها لا
انتفاعا كما
هو المعلوم ،
فإذاً جريان
الأشياء على
نفع واحد ليس
نفعا لها
وإنما هو نفع
لصانعها وإلا
كان عبثا مع
أن النفع لا
يتصور إلا عند
إمكان المضرة
وإلا فلا
فتبطل فائدة
الإيجاد ، وإن
كان الثاني
قبيحا لأن
الشر لا يكون مقصودا
بالذات
للحكيم ، وإن
كان الثالث فهو
الترجيح من
غير مرجح مع
ما ذكرنا أن
الشر لا يكون
مطلوبا
للحكيم لأن
الشر خلاف جهة
الحق فهو
متوقف ومتقوم
بجهة الحق
وكيف يتصور أن
يريد الشيء
أولا خلاف
مقصوده وهو
باطل
بالبديهة فرجع
الأمر إلى
القسم الأول
وقد عرفت
بطلانه ، فإذا
بطل الجبر
والاضطرار
وجب الاختيار
ولأن صنع
الحكيم
الكامل يجب أن
يكون على أكمل
ما يتصور
وأشرف ما يكون
إلا أن يكون
أسباب أقوى من
المقتضى ولا
شك أن الخلق
على وجه
الاختيار
وأكمل من
الخلق على وجه
الاضطرار
والاختيار لا
ينشأ إلا
بوجود أسبابه
وعلله وعلته
وجود الأمرين
المتضادين في
شيء واحد
ليكون كل
منهما مبدأ
ميل بخلاف
الآخر حتى حصل
له الداعيان
فتضاف إليهما
القدرة
والحياة فإن
قويت ظهرت
آثار الميلين
بأجمعهما
كالإنسان
وسائر
الحيوانات
تراهم يعقلون
ويتركون وإن
ضعفت قويت جهة
وضعفت جهة
الأخرى
فتحتاج
لإظهار ميلها
إلى معين خارج
عن حقيقة ذات
الشيء كالجمادات
والنباتات من
الأجسام
اللطيفة
المائلة بالطبع
إلى الصعود
فتحتاج في
النزول إلى
معين خارجي بل
الأجسام
الكثيفة
المائلة
بالطبع إلى النزول
فتحتاج في
الصعود إلى
معين خارجي
فمن جهة تتحقق
الاختيار خلق
الله سبحانه
بحرا من النور
تحت العرش
الأعظم وهو
الصاقورة
للجنان التي
أكل روح القدس
منها
الباكورة ،
وخلق أرضا طيبة
تحت ذلك البحر
وأجرى ماء
البحر عليها
فصلصلهما
وعركهما حتى
صارا شيئا
واحدا وطينة واحدة
، ثم خلق
سبحانه بحرا
من الظلمة تحت
الثرى
وخلق أرضا
خبيثة فوقها
ثم تبخر ذلك البحر
بالحرارة
الغضبية
فصعدت تلك
الأبخرة إلى أن
وصلت تلك
الأرض
الخبيثة
فتراكمت
الأبخرة الخبيثة
عليها حتى
أذابتها
فتصلصلت إلى
أن صارت طينة
واحدة وهو
قوله عز وجل {
وما يستوى البحران
هذا عذب فرات
سائغ شرابه
وهذا ملح أجاج
ومن كل تأكلون
لحما طريا
وتستخرجون
حلية تلبسونها
وترى الفلك
فيه مواخر
لتبتغوا من
فضله ولعلكم
تشكرون }1 ثم
إن الله عز
وجل خلط بين
الخليجين أي
البحرين فصاغ
الموجودات
كلها من هذا
المختلط
وهوقول أبي
جعفر عليه
السلام عليه
السلام (( لو
علم الناس كيف
كان ابتداء
الخلق لما
_____________
1 فاطر 12
اختلف
اثنان إن الله
تبارك وتعالى
قبل أن يخلق
الخلق قال كن
ماء عذبا أخلق
منك جنتي وأهل
طاعتي وقال كن
ملحا أجاجا
أخلق منك ناري
وأهل معصيتي ثم
أمرهما
فامتـزجا فمن
ذلك صار يلد
المؤمن الكافر
ويلد الكافر
مؤمنا ))1 .
وقال
عليه السلام
أيضا عليه
السلام لما
سئل عن قوله
تعالى {
وَإِذْ
أَخَذَ
رَبُّكَ مِن
بَنِي آدَمَ
مِن
ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ
عَلَى
أَنفُسِهِمْ
أَلَسْتَ
بِرَبِّكُمْ
قَالُواْ
بَلَى }2 إلى
آخر الآية ،
فقال عليه
السلام وأبوه
عليه السلام
يسمع (( حدثني
أبي أن الله
تعالى قبض
قبضة من تراب
التربة التي
خلق منها آدم
عليه السلام
فصب عليها الماء
العذب الفرات
ثم تركها
أربعين صباحا
، ثم صب عليها
الماء المالح
الأجاج
فتركها
أربعين صباحا
، فلما اختمرت
الطينة أخذها
تبارك وتعالى
فعركها عركا
شديدا، ثم
هكذا حكى بسط
كفيه فخرجوا
كالذّرّ من
يمينه وشماله
فأمرهم جميعا
أن يدخلوا
جميعا في
النار فدخل
أصحاب اليمين
فصارت عليهم
بردا وسلاما
وأبى أصحاب
الشمال أن
يدخلوها ))3 .
وقال
عليه السلام
أيضا (( إن الله
تبارك وتعالى
حيث خلق الخلق
ماء عذبا وماء
مالحا أجاجا
فامتزج
المائان فأخذ
طينا من أديم
الأرض فعركه
عركا شديدا
فقال لأصحاب
اليمين وهم فيهم
كالذر يدبون
إلى الجنة
بسلام ، وقال
_________________
1
المحاسن 282 2
الأعراف 172
3
تفسير
العياشي 2/39
لأصحاب
الشمال يدبون
إلى النار ولا
أبالي ))2 الحديث
.
وقال
مولانا
الصادق عليه
السلام (( إن الله
عز وجل لما
أراد أن يخلق
آدم عليه
السلام بعث
جبرائيل عليه
السلام في أول
ساعة من يوم
الجمعة فقبض
بيمينه قبضة
بلغت قبضته من
السماء السابعة
إلى السماء
الدنيا ، وأخذ
من كل سماء تربة
، وقبض قبضة
أخرى من الأرض
السابعة العليا
إلى الأرض
السابعة
القصوى ، فأمر
الله عز وجل
كلمته فأمسك
القبضة
الأولى
بيمينه والقبضة
الأخرى
بشماله ففلق
الطين فلقتين
، فذرأ من
الأرض ذروا
ومن السموات
ذروا ، فقال
للذي بيمينه
منك الرسل
والأنبياء
والأوصياء والصديقون
والمؤمنون
والسعداء ومن
أريد كرمته
فوجب لهم ما
قـال كما قال
، وقال الذي
بشماله منك
الجبارون
والمشركون
والكافرون
والطواغيت ومن
أريد هوانه
وشقوته فوجب
لهم ما قال
كما قال، ثم
إن الطينتين
خلطتا جميعا
وذلك قول الله
عز وجل { *
إن الله فالق
الحب والنوى }
فالحب طينة
المؤمن التي
ألقى الله
عليها محبته ،
والنوى طينة الكافرين
الذين نأوا عن
كل خير ،
وإنما سمي النوى
من أجل أنه
نأى عن كل خير
وتباعد عنه ،
وقال الله
________________
1
بصائر
الدرجات 70
عز
وجل { يخرج
الحى من الميت
ومخرج الميت
من الحى }1
فالحي المؤمن
الذي يخرج
طينته من طينة
الكافر
والميت الذي
يخرج هومن
الحي
هوالكافر الذي
يخرج من طينة
المؤمن ،
فالحي المؤمن
والميت الكافر
وذلك قول الله
عز وجل { أو من
كان ميتا
فأحييناه }2
فكان موته
اختلاط طينته
مع طين الكافر
وكان حياته
حين فرق الله
عز وجل بينهما
بكلمته ، كذلك
يخرج الله عز
وجل المؤمن في
الميلاد من
الظلمة بعد
دخوله فيها
إلى النور
ويخرج الكافر
من النور إلى
الظلمة بعد
دخوله إلى
النور وذلك
قوله عز وجل {
لينذر من كان
حيا ويحق
القول على
الكافرين }3 ))4 .
والأخبار في
هذا الاختلاط
كثيرة اقتصرنا
على بعضها
فلما حصل
الاختلاط
تحقق الاختيار
فلما تحقق
الاختيار
أصيغ به
الكائنات فخرجت
في الوجود
مجتمعة في
صعيد واحد و
محشر واحد
فحصل بذلك
قرانات
وأوضاع و نسب
وإضافات بين بعضها
مع بعض فكلفهم
الله سبحانه
وبعث محمدا صلى
الله عليه و
آله وسلم
عليهم بشيرا و
نذيرا فقال
لهم عن الله
عز وجل ألست
بربكم ومحمد
نبيكم وعلي
وليكم
والأئمة من
ولده الأحد
عشر الطيبون
وفاطمة
الصديقة
أولياؤكم
فأقر الأنبياء
عليهم السلام
وتبعهم خواص
الشيعة المخلصون
العارفون
وأنكر
المنافقون
وهم رؤساء الظلال
وهم اثنى عشر
ورئيسهم
الاثنان وهما
الأعرابيان
وتبعهم
خواصهم من
المنافقين
وسائر
الشياطين
فاستولت
الأنوار على
الأولين بإقرارهم
وألبسوا من
طينة عليين
قال
______________
1
الأنعام 95 2
الأنعام 122 3 يس 70
4
الكافي 2/5 ح 7
عز
وجل { يهديهم
ربهم
بإيمانهم }1 ، وغلبت
الظلمة
وتراكمت على
الآخرين
وألبسوا طينة
سجين وطبع
الله على
قلوبهم
بكفرهم ثم قست
قلوبكم من بعد
ذلك فهي
كالحجارة أو
أشد قسوة
وبقيت طائفة
قد تراكمت
عليهم ظلمة
أولئك الفجرة
واستولت
عليهم أنوار
تلك الطبقة
الطيبة
العالية ففسدت
بنيتهم بتخلل
تلك الظلمات
فما كملت في
النضج بحرارة
نورانية تلك
الأنوار
فبقيت واقفة
متحيرة،
فمنهم من أنكر
ظاهرا بالتبع
الظاهري ممن
كانوا في جنب
تلك الظلمات
ومنهم من أقرّ
بمناسب تلك
الأنوار
بالإقرار
العرضي التبعي
ثم إن الله عز
وجل كسر
صيغتهم ودكّ
بنيتهم وأذابهم
كلهم ومزجهم
وجعلهم طينة
واحدة تحت النور
الأحمر فبقوا
كذلك
أربعمائة سنة
فاختلط
الطتنجين مرة
ثانية بعد
الاختلاط
الأول والامتياز
الأول فبقوا
في هذا الكسر
بالمدة الذي
ذكرنا حتى
أنزلهم الله
عز وجل إلى
هذه الدار واستودعهم
في التراب
فتعلّقت
لطخات من
المناسبة
العرضية
بالفريقين
فمنهم من قوى
اللطخ فيهم في
الأرواح
والأبدان معا
حتى تعلّقت
الظلمة
بالنور
للمناسبة
العرضية
واستجنت فيها
وتولدت منها
واكتسبت من
عاداتها
وآدابها وطبائعها
حتى نسي أصله
وصبغ بصبغها
إلى أن يحصل
له منبه ينبهه
أصله ومبدؤه
ومنشؤه ووجه
عداوته معها و
مباينته
إياها فيذكر
فيعود إلى
عالمه فيرجع
إلى أصله، وهم
متفاوتون في
وصول هذا
التنبيه
إليهم
أوتنبههم
بذلك فمنهم من
قويت المناسبة
فيه لا يتنبه
إلا عند موته
ومنهم من لا يتنبه
إلا في القبر
ومنهم في
الدنيا أوان
بلوغه وربما
بعضهم قبل
بلوغه الحلم
وهكذا في سائر
الأطوار ،
ومنهم من حصل
اللطخ في
الأبدان العنصرية
خاصة قد تعلق
بها لمناسبة
البدن العرضي
لغلظته
وكثافته وهذا
يتنبه في أول
الأمر بأدنى
شيء ويتبرء
منها كما في
علي بن يقطين
، ومنهم من لم
يحصل اللطخ
والمناسبة في
الأبدان
لكنها قد حصلت
في العادات
والآداب من
الظاهرية
والباطنية
حتى مال إليها
وقال بقولها
وتطوّر
بطورها فبقدر
الميل قويت
الظلمة فيه إلى
أن ينجيه الله
سبحانه منها،
ومنهم من لم
يبلغ الخلط في
الأبدان إلى
أن تولد منها
ويستجن فيها
لكنه قد حصل
في المزاج
والبنية بعد
التركيب
والتوليد أو
حين التوليد
والتركيب من
إفراط إحدى
الطبائع إما
من غلبة
البلغم
ليوصله إلى
البلادة أومن
غلبة الصفراء
من
______________
1 يونس 9
الدم
ليوصله إلى
الجربزة
أولغلبة الدم
والبلغم
ليوصله إلى
النسيان أو لغلبة
السوداء
المحترقة
ليوصله إلى
الاضطراب والاغتشاش
في ظاهره
وباطنه ،
وبالجملة
مناسبة تخرجه
عن الاسقامة
البدنية
فتهجم عليه الأمراض
والأسقام
والآلام،
ومنهم من قويت
المناسبة فيه
في الطبائع
والغرائز
والأقوال والأحوال
تحت حجاب
الزمرد
وأمثال ذلك من
المناسبات
الخلطية
اللطخية
العرضية
وهكذا من جانب
العكس والباطل
ومناسبتهم
العرضية في
جانب النور، من
جهة تلك
المناسبة ترى
الكفار
والمنافقين قد
تصوروا بصورة
الإنسانية
وتصدر عنهم
أفعال حسنة
كالإحسان على
الفقراء
والمساكين
وصلة الأرحام
وبناء
المساجد
والقناطر
وسائر الخيرات
التي تحصل
منهم وهم في
ذلك على أنواع
شتى يطول الكلام
بذكرها ولكل
رأيت منه
مقاما شرحه في
الكتاب مما
يطول، وها أنا
أشير إلى بعض
الأخبار الدالة
على ما ذكرنا
مما ذكره محمد
بن يعقوب الكليني
ثقة الإسلام
في الكافي عن
عبد الله بن سنان
قال قلت لأبي
عبد اللهعليه
السلام (( جعلت
فداك إني لأرى
بعض أصحابنا
يعتريه النزق
والحدة
والطيش
فأغتمّ لذلك
غمّا شديدا وأرى
من خالفنا
فأراه حسن
السمت ، قال
عليه السلام :
لا تقل حسن
السمت فإن
السمت سمت
الطريق ولكن
قـل حسن
السيماء فإن
الله عز وجـل
يـقول { سيماهم
في وجوههم }1 ,
قال : قلت : فأراه
حسن السيماء
وله وقار
فاغتم لذلك ،
قال عليه
السلام : لا
تغتم لما رأيت
من نزق أصحابك
ولما رأيت من
حسن سيماء من
خالفك إن الله
تبارك وتـعالى
لما أراد أن
يخلق آدم خلق
تلك الطينتين
، ثم فرقهما
فرقتين فقال
لأصحاب
اليمين كونوا
خلقا بإذني
فكانوا خلقا
بمنزلة الذر
يسعى ، وقال
لأهل الشمال
كونوا خلقا
بإذني فكانوا
خلقا بمنزلة
الذر يدرج ،
ثم رفع لهم
نارا فقال
ادخلوها
بإذني فكان
أول من دخلها
محمد صلى الله
عليه و آله
وسلم ثم اتبعه
أولوا العزم
من الرسل
وأوصياؤهم
واتباعهم ، ثم
قال لأصحاب
الشمال
ادخلوها
بإذني فقالوا
ربنا خلقتنا
لتحرقنا
فعصوا ، فقال
لأصحاب
اليمين اخرجوا
بإذني من
النار فخرجوا
لم تكلم منهم
النار كلما
ولم تؤثر فيهم
أثرا ، فلما
رآهم أصحاب
الشمال قالوا
ربنا نرى
أصحابنا قد
سلموا فأقلنا
ومرنا
بالدخول ، قال
قد أقلتكم
فادخلوها فلما
دنوا
__________________
1
الفتح 29
وأصابهم
الوهج رجعوا
فقالوا يا
ربنا لا صبر لنا
على لاحتراق
فعصوا ،
فأمرهم
بالدخول ثلاثا
كل ذلك يعصون
ويرجعون،
وأمر أولئك
ثلاثا كل ذلك
يطيعون
ويخرجون ،
فقال لهم
كونوا طينا بإذني
فخلق منهم آدم
عليه السلام ،
قال : فمن كان من
هؤلاء لا يكون
من هؤلاء ومن
كان من هؤلاء
لا يكون من
هؤلاء و ما
رأيت من نزق
أصحابك
وخلقهم فمما
أصابهم من لطخ
أصحاب الشمال
وما رأيت من
حسن سيماء من
خالفكم
ووقارهم فمما أصابهم
من لطخ أصحاب
اليمين ))1 .
في
الكافي عن عبد
الله بن كيسان
قال عن أبي
عبد الله قال
عليه السلام ((
قلت له جعلت
فداك أنا
مولاك عبد
الله بن كيسان
، قال عليه
السلام : أما
النسب فأعرفه
وأما أنت فلست
أعرفك ، قال :
قلت له : إني
ولدت في الجبل
ونشأت في أرض
فارس وإنني
أخالط الناس
في التجارات
وغير ذلك ،
فأخالط الرجل
فأرى له حسن
السمت وحسن الخلق
وكثرة أمانة ،
ثم أفتشه
فأتبينه عن
عداوتكم ،
وأخالط الرجل
فارى منه سوء
الخلق وقلة
أمانة وزعارة
ثم أفتشه
فأتبينه عن ولايتكم
، فكيف يكون
ذلك ؟
فقال لي : أما
علمت يا ابن
كيسان أن الله
عز وجل أخذ
طينة من الجنة
وطينة من
النار
فخلطهما
جميعا ، ثم
نزع هذه من
هذه وهذه من
هذه ، فما
رأيت من أولئك
من الأمانة
وحسن الخلق
وحسن السمت
فما مستهم من
طينة الجنة
وهم يعودون
إلى ما خلقوا
منه ، وما
رأيت من هؤلاء
من قلة
الأمانة وسوء
الخلق
___________________
1
الكافي 2/11 ح 2
والزعارة
فمما مستهم من
طينة النار
وهم يعودون
إلى ما خلقوا
منه ))1 .
وعن علي
بن الحسين
عليه السلام
قال (( إن الله
تعالى خلق
النبيين من
طينة عليين
قلوبهم
وأبدانهم
وخلق قلوب
المؤمنين من
تلك الطينة
وجعـل خلق
أبدان
المؤمنين من
دون ذلك ، وخلق
الكفار من
طينة سجين
قلوبهم
وأبدانهم ،
فخلط بين
الطينتين فمن
هذا يلد
المؤمن
الكافر ويلد
الكافر
المؤمن ومن
ههنا يصيب
المؤمن السيئة
ومن
ههنا يصيب
الكافر
الحسنة فقلوب
المؤمنين تحن
إلى ما خلقوا
منه وقلوب
الكافرين تحن
إلى ما خلقوا
منه ))2 .
والأخبار في
هذا الباب
كثيرة اكتفينا
بما ذكرنا
وهذا اللطخ
والخلط
انقطعت الاستقامة
وكثرت المعاصي
والسيئات
وصارت بحيث
ملئ الدهر
ظلما وجورا لأن
النطف الطيبة
قد استقرت في
الأصلاب الخبيثة
والنطف
الخبيثة قد
استودعت في
الأصلاب الطاهرة
فلا يمكن
تطهير الأرض
من أوساخ
أولئك الأرجاس
ملاحظا
لاستخراج تلك
النطف لئلا ينقطع
الفيض عن
الطيبين ولا
يتنجس الأرض
مرة ثانية
بالخبيثين،
فضعف النور من
جهة هذا
الاختلاط
والاختلاف
العظيم
والاختلال
الجسيم لأن النور
مقام الوحدة
والائتلاف
فلا يبقى مع
الكثرة
والاختلاف ،
وهذا
الاختلاط
والنظر إلى تلك
الخصوصيات
وحصول اللطخ
والخلط اقتضى
اختلال طبائع
الموجودات
الدنيوية
ظاهرا وباطنا
ووارث فيها
الأمراض على
اختلاف
مراتبها
فضعفت المدارك
والمشاعر
والقوى بل
عميت كثير من
الأبصار
المعنوية
الباطنية
فصارت لم تدرك
الأنوار ولم
تشاهد
الأسرار
وبقيت في مقام
الجماد واحتجبت
عن مشادة جلال
رب العباد،
وسر هذا الخلط
التكويني في
الذوات اقتضى
الخلط في
الصفات والألفاظ
والعبارات
فاشتملت
الكتب
الإلهية والأخبار
المعصومية
على الظواهر
والمتشابهات
ليكون
التشابه
الوصفي كاشفا
عن التشابه الذاتي
و مبينا
ومظهرا
لأحكام الخلط
واللطخ إذ الأشياء
كلها تميل إلى
ما يناسبها
فالمحكم إلى
المحكم
والمتشابه
إلى المتشابه
وأهل الحق إلى
الحق وأهل
الباطل إلى
الباطل
ليتميز
الخبيث من الطيب
ولولا ذلك لما
حصل التمايز
وما تمت الحجة
_________________
1
الكافي 2/4 ح 5
2
الكافي 2/2 ح 1
على
الخلق ولذا
قال عز وجل
{هُوَ
الَّذِيَ أَنزَلَ
عَلَيْكَ
الْكِتَابَ
مِنْهُ
آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ
هُنَّ أُمُّ
الْكِتَابِ
وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ
في
قُلُوبِهِمْ
زَيْغٌ } وقد
ظهروا برئ
المخلصين
المؤمنين
لحكم اللطخ {
فيتبعون ما
تشابه منه }
مما يحتمل
خلاف الحق
والمراد في
الـصورة
الـظاهرة {
ابتغاء
الفتنة
وابتغاء
تأويله }1
الآية وقال
أيضا سبحانه
وتعالى {وَمَا
أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ
مِن رَّسُولٍ
وَلَا
نَبِيٍّ
إِلَّا إِذَا
تَمَنَّى أَلْقَى
الشَّيْطَانُ
فِي
أُمْنِيَّتِهِ
فَيَنسَخُ
اللَّهُ مَا
يُلْقِي
الشَّيْطَانُ
ثُمَّ
يُحْكِمُ
اللَّهُ
آيَاتِهِ
وَاللَّهُ
عَلِيمٌ
حَكِيمٌ}2
والتمني هو
القراءة وإلقاء
الشيطان هو
احتمال خلاف
الحق والمراد
المحتمل في
القراءة بحكم
اللطخ والنسخ
إثبات
القرائن
الدالة الناصة
على المراد ،
ثم أن الله عز
وجل بين وجه
هذا الإلقاء
فقال سبحانه {
ليجعل ما يلقى الشيطان
فتنة للذين فى
قلوبهم مرض
والقاسية قلوبهم
} من
المعاندين
والمنكرين
باطنا للذين
قد ظهروا
بصورة
المؤمنين
اللطخ
________________
1 آل
عمران 7
2 الحج 52
3 الحج 53
{ وإن
الظالمين } آل
محمد عليهم
السلام حقهم {
لفى شقاق بعيد
}1 عن النور
والصواب {
وليعلم الذين
أوتوا العلم }
من أصحاب
اليمين
المخلصين
الذين ما
اعتورهم لطخ
من أهل الباطل
أوشيء لا يعبأ
به لقلّته {
أنه الحق من
ربك فيؤمنوا
به } مخلصين
عن الشبهات {
فتخبت له
قلوبهم }
وازدادوا
إيمانا
للـتسليم
والـتصديق
بما هو الحق
من عند الله {
وإن الله لهاد
الذين ءامنوا
} وصدّقوا
بالحق وما
مالوا إلى المـتشابه
من الكلام {
إلى صراط مستقيم
}2 صراط النور
والهداية
والرشد
والتسديد والتوفيق
والخير
والإخلاص
والمحبة
واليقين وفي
الأخبار
والآيات بيان
هذا الخلط
واللطخ كثير
وهذا الخلط
إنما
هولتمييز
الخلط اللطخ
الأول
التكويني
فلولا هذا
اللطخ والخلط
لم يحجب شيء
من أسرار
الملك
والملكوت على
تفاوت درجاتها
على أحد من
الخلق إلا أن
أهل السّجّين
عندهم
الأسرار
الظلّية
السفلية
الجحيمية إلى ما
تحت الثرى
وأهل الطيبين
قد جمعوا
الأسرار وأحاطوا
بالأنوار
فيسمعون
تسبيح
الأشياء وجهات
خضوعهم لخالق
الأرض
والسماء
بالسماع الحسي
من السمعي
والبصري
والشمّي
واللمسي والذوقي
والمعنوي
والحقيقي بل
الحقّي وهكذا
من سائر الجهات
بل بكل الجهات
بلا جهات
فهناك يسمعون صرير
أفلاك
الأنوار
الظاهرة على
عرش الأسرار
كما قال سيد
الشهداءعليه
السلام (( يا من
استوى
برحمانيته
فصار العرش
غيبا في ذاته
محقت الآثار
بالآثار و
__________________
1 الحج 53
2 الحج 54
محوت
الأغيار
بمحيطات
أفلاك
الأنوار ))1 .
وأما
أهل الخلط أي
الواقفين
مقامه من
الطرفين فهم
محجبون عن
مشاهدة تلك
الأسرار من
النورانية
والظلمانية
لتدافع
الميلين إلا
أن
أحدهما أقوى
في الجملة
ولذا ترى لأحدهم
يصحّ
الاستدلال بكلام
الآخر كما ترى
مخالفينا قد
يستدلون بكلام
أصحابنا إلا
في الأمور
التي لها
مدخلية في المذهب
فيما
هوالظاهر
المعلوم من
الطرفين وجه
المنافاة
والمخالفة ،
وترى أصحابنا
كثيرا ما
يتمسّكون
بكلامهم
ويميلون إليه
وينقلون عنهم
ويطلبون
العلم
بالتتبع في
كلماتهم ، وهذا
كله من جهة
اللطخ الذي
بينهم فحجبهم
ذلك عن مشاهدة
وجه المنافرة
التي بينهم
والعادات
التي عندهم .
وأما
الخالصون من
اللطخ من
الطرفين فلا
يرون لكلامهم
وجه صحة أبدا
فلا يميل أحدهم
إلى الآخر لما
يرون من كمال
المعاداة
والمنافاة
والمنافرة ،
ولما كان
امتزاج هذا
الخلط ليس
امتزاجا بحيث
لا يمكن
انفراد صاحب
الخلط
بأحدهما
دائما وليس
كالمركبات الجسمانية
في ظاهر الحال
جاز للشخص أن
ينفرد في مقام
أحدهما فيرق
الآخر ويلطف
حتى يشابهه كما
قـال عز وجـل
________________
1
الإقبال 350
{
فإن تابوا
وأقاموا الصلاة
وءاتوا
الزكاة
فإخوانكم في
الدين }1 وقال
الشاعر:
رقّ
الزجاج ورقت
الخمر
فتشابها
وتشاكل الأمر
فكأنما خـمر
ولا قـدح وكأنما
قدح ولا خمـر
ولذا
قال أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
ليس العلم في
السماء
فينـزل إليكم
ولا في الأرض
فيصعد إليكم
بل هو مكنون
فيكم مخزون في
قلوبكم
تخلقوا
بأخلاق
الروحانيين
يظهر لكم )) ،
وقال أيضا
عليه السلام
في وصف الملأ
الأعلى (( صور
عارية عن
المواد عالية
عن القوة والاستعداد
تجلى لها
فأشرقت
وطالعها
فتلألأت وألقى
في هويتها
مثاله فأظهر
عنها أفعاله ،
وخلق الإنسان
ذا نفس ناطقة
إن زكاها
بالعلم (
والعمل ) فقد
شابهت جواهر
أوائل عللها ،
وإذا اعتدل
مزاجها
وفـارقت
الأضداد فـقد
شارك بها
السبع الشداد
))2 ، وقال رسول
اللهصلى الله
عليه و آله
وسلم (( ليس
العلم بكثرة
التعلم بل هو نور
من عند الله
يقذف في قلب
من يحب فينفتح
فيشاهد الغيب
وينشرح
فيتحمّل البلاء
قيل هل لذلك
من علامة يا
رسول الله قال
صلى الله عليه
و آله وسلم
التجافي عن
دار الغرور
والإنابة إلى
دار الخلود
والاستعداد
_________________
1
التوبة 11
2
المناقب 2/49
للموت
قبل نزوله ))1 وأمثالها
من الأخبار
الدالة على
الخصوص من
شوائب اللطخ
والخلط كثيرة
والعقل
يؤيدها إلا أن
الخلوص على قسمين
خلوص في
الوجدان
وخلوص في
الوجود .
وأما
الخلوص في
الوجدان فهو
مما لا بد منه
فإن لم يحصل
في هذه الدنيا
فهو يحصل في الآخرة
إن كان من أهل
الخير في
الجنة وإن حصل
هنا فيزيد
جلاء وصفاء في
الآخرة
كالإكسير الذي
سقيته من
الماء الذي من
نوعه وسنخه
فإنه يزيده
بهاء وقوة
فكلما يزداد
السقي تزداد
القوة
والتأثير
والفعل كما هو
المعلوم عند
أهله .
وأما
الخلوص في
الوجود في
الخلط الأول
لتحصيل الصوغ
فمستحيل
لتوقف
الإيجاد على
التكليف
وتوقف
التكليف على
الاختيار وتوقف
الاختيار على
الخلط كما
ذكرنا إذ
البسيط لا
يمكن تحققه
كما عن الرضا
عليه السلام ((
لم يخلق فردا
قائما بنفسه
دون غيره للذي
أراد من الدلالة
على نفسه ))2 الحديث .
وأما
في اللطخ فهو
لا بد منه فلا
يصفو إلا
بإزالة ذلك
منه ورجوعه
إلى أصله و
مبدئه وهذه
الدنيا و
محنها
وابتلاءاتها
والتكاليف
والأعمال
والاعتقادات
كلها لتصفية
هذا اللطخ وهذه
التصفية
تختلف
مراتبها في
القوة والضعف ،
فمنها ما تحصل
في هذ الدنيا
بالأعمال
الصالحة
والإقبال إلى
الله عز وجل
وهذا له مراتب
كثيرة أعرضنا
عنها خوفا
للتطويل ،
ومنها ما تحصل
عند الموت
ومنها ما تحصل
في البرزخ
ومنها ما تحصل
في القيامة
ومنها ما __________________
1 لم
نقف على هذا
الحديث بهذا
اللفظ ووقفنا
على ما يقرب
منه في البحار
68/236 لما سئل عن
شرح الصدر قال
صلى الله عليه
وآله (( نور
يقذفه الله في
قلب المؤمن
فيشرح صدره
وينفسح ,
قالوا : هل
لذلك إمارة
يعرف بها ,
فقال : نعم , الإنابة
إلى دار
الخلود
والتجافي عن
دار الغرور والاستعداد
للموت قبل
نزوله )) .
2 عيون
أخبار الرضا 1/176
تحصل
بالشفاعة
ومنها ما لا
تحصل إلا
بالنار والمكث
فيها أحقابا
أستجير بالله
من
النار ولا حول
وقوة إلا
بالله العلي
العظيم ، ثم
اعلم أن ما
ذكرنا كله في
باب اللطخ من
دليل الموعظة
الحسنة وفيه
شوب المجادلة
بالّتي هي
أحسن وأما
الكلام
فيه من دليل
الحكمة التي
من أوتيها فقد
أوتي خيرا
كثيرا فقد
أعرضنا عنه
لاحتياجه إلى
بسط في الكلام
بذكر بعض
المقدمات إلا
أن من عرف سياق
كلامنا تمكن
من معرفته من
إشارات
العبارات .
قوله
عليه السلام ((
وصرير الفلك ))
اعلم أن من
الأمور التي
تحجب عن
مشاهدة
الأشياء على
نهج وحدتها
وبساطتها و
معرفتها على
ما هي عليه
وتشغله
وتلهيه عن
إدراك مقام القرب
والوصال
والاتصال
صرير الأفلاك
وهو الأصوات
والنغمات
الحاصلة من
نسبة حركات
الأفلاك
السبعة
أوالتسع فإن
الحركات
العلوية كلها
أربعة وعشرون
حركة وتلك
الألحان
المطربة
والنغمات
المتناسبة
إنما تحصل
بنسبة حركة بعضها
مع بعض وأقلها
الحركتان
فلذا جعلوا مقامات
الأصوات أي
أصولها
وكليّاتها
اثنى عشر
مقاما ولكن
يحصل بملاحظة
اختلاف نسب
بعضها مع بعض
نغمات عجيبة
غريبة لا تكاد
تحتمل سماعها
النفوس وهي
ربما تبلغ إلى
ما لا يحصى
وقد ذكر
أستادنا
ومولانا أطال
الله بقاه
وجعلني في كل
محذور وقاه في
شرحه للحكمة
العرشية
للملا صدرا أنه
نقل عن حكماء
القدماء
باكتفاء تماس
الأفلاك
بعضها مع بعض
في السماع كما
نسب إلى
أساطين الحكمة
كأفلاطون ومن
قبله أنهم
يثبتون للأفلاك
أصواتا عجيبة
ونغمات غريبة
يتحير من سماعها
العقل ويحكي
عن فيثاغورس
أنه عرج بنفسه
إلى العالم
العلوي فسمع
بصفاء جوهر
نفسه وذكاء قلبه
نغمات
الأفلاك
وأصوات حركات
الكواكب ثم
رجع إلى
استعمال
القوة
البدنية
ورتّب عليها
الألحان
والنغمات ،
إلى أن قال
سلمه الله تعالى
وإنما السامع
لتلك الأصوات
أذن القلب الواعية
وينزل معينها
القلب إلى
الروح فتخلع عليها
الخلع الصفر
وتنزلها
الروح إلى
النفس فتلبسها
ثيابا خضرا من
سندس واستبرق
وتنزلها النفس
طينا وذرّا
وتتقاسمها
القوى الخمسة
النفسانية
على نسبة
سيرها في
أفلاكها
فتخرجها بتلك
النسب ألحانا
موسيقية وإن
أردت أني
أتكلم فيها
تكلمت فأقول
كما قال علماء
العروض أن الكلام
باعتبار
الحركات
والسكنات
يجمعها قولهم
( لم أرى على
ظهر جبلن
سمكتن ) ( لم ) سبب
خفيف وهو كحركة
زحل و( أر ) سبب
ثـقيل وهو
كحركة
المشتري ، و ( على
) وتد مجموع
وهو كحركة
المريخ ، و (
ظهر ) وتد مفروق
وهوكحركة
الخيال ، و (
جبلن ) فاصلة
صغرى وهوكحركة
عطارد ، و ( سمكتن
) فاصلة كبرى وهو
كحركة القمر
لأن فلك القمر
يماس فلك
عطارد بنقطة
هي شخصية من
فلك القمر
ونوعية من فلك
عطارد وعطارد
يماس فلك
الزهرة
والشمس مثلا
وإلا
فالثلاثة متقاربان
فتختلف
النوعية
والشخصية
فيها بالمحاذات
و نحن نريد
التمثيل
للألحان
فنقول لأجل
البيان
النقطة من
عطارد أو
الزهرة أو
الشمس شخصية
ومن المريخ
نوعية ومن
المريخ شخصية
ومن المشتري
نوعية ومن
المشتري
شخصية ومن زحل
نوعية ومن زحل
شخصية ومن فلك
البروج نوعية
فإذا نسبت
حركات
الأفلاك
الأربع
والعشرين
الحركة بنسبة
ما مثلنا
بالشخصية
والنوعية حصل
من تناسب
الأوضاع بين
الشخصية
والنوعية
ونوعية النوعية
وبين النوعية
ونوعية نوعية
النوعية وبالعكس
و نحو هذا
هيئات وأوضاع
بين الأسباب والأوتاد
والفواصل إذا
أخرج الصوت
عليها خرج
بألحان
ونغمات تكون
أقرب كل شيء
إلى مطابقة النفوس
وملاءمتها
لأن النفس
مركبة من تلك
الألحان
وحياتها من
الفاصلة
الكبرى
وفكرها من الفاصلة
الصغرى
وخيالها من
الوتد
المفروق ووهمها
من الوتد
المجموع
وعلمها من
السبب الثقيل وتعلقها
من السبب
الخفيفة
انتهى كلامه
أعلى الله
كلمته ومقامه.
أقول
اعلم إن
الأشياء
لكونها قد بدت
عن فعل الله
سبحانه لها
مقامان ،
أحدهما مقام تحليلها
إلى الأجزاء أي
البساطة ، و
ثانيهما مقام
تركيبها
وجمعها وتأليفها
ولما كان
تركيب
الممكنات من
جهة العلة ومن
جهة نفس
المعلول كان
لكل شيء جهة
وحدة وبساطة
وعموم وشمول
وانبساط
وإطلاق وجهة
تقييد
واختصاص
وانجماد
فالأولى جهة
العلة والثانية
جهة المعلول
ويحصل عند
اقتران تلك
الجهتين
مراتب بل
عوالم كثيرة
من أول ميل
الجهة العليا
إلى الجهة
السفلى لا
تحصى وهي
مذكورة في إشارات
أدعية أهل
العصمة عليهم
السلام
وبواطن أخبارهم
لكن تجمع
كليّات تلك
المراتب ثلاث
مراتب.
الأولى : ميل
الجهة العليا
إلى السفلى
قبل الاقتران
، والثانية
اقترانهما ،
والثالثة
مزجهما
وتأليفهما
بحيث تصير الجهتان
جهة واحدة
والطبيعتان
طبيعة واحدة تستحق
اسما واحدا ،
فالأولى يوم
الإيلاج قال تعالى
{ يولج اليل فى
النهار ويولج
النهار فى اليل
}1 والنهار
هو جهة العلة
وهو الجهة
العليا والليل
هو جهة
المعلول وهو
الجهة السفلى
، والثانية
يوم الغشيان
قال تعالى {
يغشى اليل النهار
}2 ، والثالثة
يوم الشأن قال
تعالى { كل يوم
هو فى شأن }3
وهو تمام
الأمر
بالاقتران
والامتزاج
ولما كانت
الجهة العليا
بعد التركيب تنصبغ
بصبغ الجهة
السفلى كان
الحكم
التركيبي التحديدي
على مقتضى
الجهة السفلى
وهذه المراتب
الثلاثة كلها
جهة احتجاب
المعلول عن
مشاهدة العلة
وعن مشاهدة
أنوار الوحدة
النارية في
أطوار الوجود
إلا أنها
تختلف بالغلظة
والرقة
فالأولى
أرقها
وألطفها ،
والثانية أوسطها
، والثالثة
أكثفها
وأغلظها ،
ولما كان
الإمام عليه
السلام بصدد
إثبات علة
احتجاب الخلق
عن مشاهدة
الأشياء
بحقائقها
وأسرارها على
ما هي عليه
ذكر عليه
السلامالمراتب
الثلاثة
لاحتوائها
جميع المراتب
وأطوار الحجب
فأشار إلى
الأولى
بـقوله عليه
السلام ((
ولولا اصطكاك
رأس أفردوس ))
وهذا
الاصطكاك هو
اتصال الميلين
والتقاء
البحرين ،
وإلى الثانية
بقوله عليه
السلام ((
واختلاط
الطتنجين ))
وهو مزج الخليجين
ورفع التمايز
من البين ،
وإلى
الثالثـة بـقوله
عليـه السلام
(( وصرير الفلك ))
وهو ظهور الولد
على ما أعطته
أمه من
الصورة
الهيكل
وإنما اختار
عليه السلام
الصرير لأنه
عليه السلام
يريد بيان
ظهور الجهة
العليا من حيث
الجهة السفلى
محدودة
بحدودها
ومصبوغة بصبغها
وأن لا قوام
للجهة السفلى
إلا بالعليا وأنها
مع ذلك تحـتجب
بها كما قـال
عليه السلام
_______________
1 فاطر 13
2
الرعد 3
3
الرحمن 29
(( بل
تجلى لها بها
وبها امتنع
منها وإليها
حاكمها ))1 لأن
الصرير هو
الصوت والصوت
هو الأمر
الوحداني
المحدود
بالحدود الخاصة
فقوام تلك
الحدود بذلك
الأمر الواحد والأحكام
الجارية على
ذلك الأمر
الواحد باعتبار
الحدود، ولأن
الصرير أغلظ
الحجب لأنه انتقالات
بأطوار قبل
الاستقرار
بطور من أطوارها،
فالناظر
الملتفت
إليها لم يزل
في التردد
والانتقال
ولم يثبت له
الاستقرار في
حال من الأحوال
ولذا كانت
أكثف الحجب
وأبعدها عن
مشاهدة المبدأ
الأول ولذا
سميت الألحان
والنغمات بالملاهي
لأنها تلهي عن
ملاحظة الحق
الظاهري في المخلوقات
.
وإنما
نسب عليه
السلام
الصرير إلى الأفلاك
لأنها
المبادئ
والأصول ومنها
نشأت إلى
غيرها فكلما
في غيرها من
السفليات
فإنما هومن
ظهورات
العلويات
ولما كانت المبادئ
التسعة التي
هي الأفلاك
التسعة كما ذكرنا
سابقا مختلفة
الأوضاع
والنسب
واختلافها في
القرب والبعد
والسرعة
والبطء كانت
ملاحظة ذلك
المبدأ
الواحد في تلك
الأوضاع القريبة
والبعيدة
والتنقلات
السريعة
والبطيئة
مستلزمة
لظهور
النغمات
والألحان
العجيبة
الملهية
المطربة وهذه
النسب وإن
كانت كثيرة لا
تعد كاختلاف
الأصوات
والنغمات إلا
أن كليّاتها تجتمع
في ستة أطوار
، الأول حركة
وسكون وهو المسمى
عند أهل
العروض
بالسبب
الخـفي ،
الثاني حركتان
وهوالمسمى
عندهم
بالسبب
الثقيل ، الثالث
حركتان وساكن
وهوالمسمى
عندهم بالوتد
المجموع ،
الرابع
حركتان بينها
ساكن وهوالمسمى
عندهم بالوتد
المفروق ،
الخامس ثلاث
حركات وساكن
وهو المسمى
عندهم
بالفاصلة
الصغرى ،
السادس أربع
حركات وساكن
وهوالمسمى
عندهم
بالفاصلة الكبرى
.
ومجمعها
قولهم كما ذكر
الشيخ سلمه
الله تعالى (
لم أرَ على
ظهر جبلن
سمكتن ) وهذه
هي مجموع الأوضاع
المتناسبة
المتوافقة و
ما سواها من
الأوضاع
خارجة عن
التناسب
الطبيعي مثل
خمس حركات
وساكن أو أزيد
فإذا نسبت هذه
الأوضاع بعضها
مع بعض تستخرج
منها الأوزان الشعرية
في
_________________
1
البحار 4/261 ح 9
الألفاظ
والكلمات
والأوزان
الموسيقية
إلى الأصوات
والحركات ولا
يخرج منها وزن
في حال من
الحالات وأعم
من الحركات
الذاتية أو
العرضية
والوصفية
فإذا نسبت
الأقرب مع
الأبعد كانت
حركة الأقرب
بالنسبة إلى
الأبعد أكثر
فلا أقل من
حركتين وحركة
فالأبعد له
حركة والأقرب
له حركتان
فللأبعد سبب
خفيف وللأقرب
في أول
المرتبة سبب
ثقيل فكلما
تسافل مرتبة
فتزيد
بحركتين
أواكثر أوأقل
وبهذا الاعتبار
قال شيخنا
أطال الله
بقاه أن حركة
فلك زحل سبب
خفيف لأنها
أبعد الحركات
وأبطؤها في
السموات السبع
وحركة فلك
المشتري سبب
ثقيل لأنها
تحتها وحركة
فلك مريخ وتد
مجموع وحركة
فلك الزهرة وتد
مفروق لأنها
أنزل رتبة
منها وحركة
فلك عطارد
فاصلة صغرى
وحركة القمر
فاصلة كبرى
لأنها أقرب
الكواكب
وأسرعها ،
وإنما لم يجعل
بإزاء الشمس
شيء من هذه
النسب لأن ما
من الشمس هوالمادة
والأصل و ما
من غيرها من
الأفلاك هوالصورة
والحدود و
نسبة حركة
الشمس
بالنسبة إلى سائر
الحركات
الفلكية نسبة
النفس بفتح
الفاء الساري
في المزمار
فالحركات
السريعة القريبة
هي الزرير
والحركات
البطيئة هي
البم والألحان
كلها منوطة
بهما ولهما
أحوال وأوضاع
يطول بشرحها
الكلام من
ملاحظة
الأوتاد مع
الأسباب
والفواصل مع
الجميع
أوالفاصلتين
أحدهما مع
الأخرى كذلك
السببين
الوتدين
والأسباب مع الأوتاد
والأوتاد مع
الفواصل
وهكذا .
وأصول
الأصوات من
الأفلاك
السبعة لأنها
هي المنتقلة
في الأطوار
لكن في
الحقيقة إنما
هي من مجموع
التسعة مع
حركات
الأفلاك
الجزئية وهذه
النغمات
لازمة لتلك
الحركات بكل
الأوضاع إلا
أن السامعين
يلتفتون إلى
الوجه المناسب
لهم في
الحالات
والصفات لأن
الأفلاك لما
تحركت وقعت
السفليات
أشعتها
وأنوارها
الحاملة
لصفاتها
وأحوالها
فاستجنت فيها
فإذا قوي نضج
القوابل
السفلية
واعتدلت
مزاجها
وفارقت الأضداد
فقد شابه
السبع الشداد
فيظهر المثال
الحاكي لتلك
الأحوال فذلك
المثال هو
العين المبصرة
لتلك الأنوار
والسمع
السامعة لتلك
النغمات ،
ولذا ترى
الصوفية
يقولون لا بد
للسلاك من
استماع
الغناع لأن
النفس مخلوقة
من الأفلاك
والألحان
إنما هي
مأخوذة و
مستنبطة من
حركاتها فإذا
سمعت شيئا
منها ذكرت
عالمها
وتوجهت إلى مبدئها
فترتفع من
حضيض الجهل
إلى ذروة
النور والعلم
، وهم حفظوا
شيئا وغابت
عنهم أشياء
نعم هذا شأن
من أدبر عن
أئمة الحق
عليهم السلام
وأنت قد علمت
أن الإمام
عليه السلام
جعل صرير
الأفلاك مما
تحجب عن
مشاهدة أنوار
الوحدة ومن
هذه الجهة حرم
الشارع عليه
السلام استماع
الغناء لأن
الأصوات
والألحان من
حدود الماهية
والإنية وهي
جهات البعد عن
المبدأ لأنها مقامات
الكثرة
الممتنعة في
المبدأ لأنه
مقام الوحدة
نعم إذا ظهرت
أنوار الوحدة
فغيبت لظهورها
الكثرات و محت
الإنيات وظهر
رجوع الأشياء
إلى الواحد
فهنالك لم
تمتنع
الأصوات
والألحان عن
المشاهدة
والعيان كما
قال أمير
المؤمنين
عليه السلام ((
ما رأيت شيئا
إلا ورأيت الله
قبله أو معه ))
ولذا ترى كل
هذه الأشياء
المحرمة مما
اعترته القبح
العرضي لوجود
المانع القوي
كالغناء وشرب
الخمر
وأمثالهما
تحل وتباح في
الجنة غير ما
هو قبحه ذاتي
كالزنا واللواط
وقتل النفس
وأمثالها
فالأفلاك
الجسمية صريرها
حسي لكن لا
كالإحساس
المعروف عند
عامة الخلق
فإن الإنسان
لما تنزل من
تلك العوالم ألحقته
في كل عالم
أحوال ذلك
العالم وعرف
لغة أهله
وصفاتهم
وألحانهم
ونغماتهم
وتلبس بلباسهم
إلى أن نزل
إلى أدنى
العوالم وأخس
المقامات
وأردى
المراتب وهو
عالم العناصر
الجمادية ,
فإن صبغ
بصبغها
بالعرض وتلبس
بها فلما أنس
بهذا العالم
ونسي مركزه
وأصله كان
إحساسه البدني
منحصرا فيما
يتعلق بهذه
العناصر المعروفة
، ولما أن
العناصر
اختلط بعضها
مع بعض وصيغ للإنسان
لباس من
المختلط لا من
البسيط وهو قد
قصّر نظره في
المركب
المختلط وما
تروج حتى يدرك
البسائط كانت
إدراكاته
الحسية
منحصرة في المختلط
لا البسيط ،
ولذا تراهم
يقولون إن البسائط
أي الماء
والهواء
والنار
والأرض شفافة
لا تدركها
الأبصار
والسر ما
ذكرنا لك أن
مقامهم مقام
الكثافة فلا
يرون الأنوار
الطيفة ولذا
احتجبوا عن
مشاهدة ألوان
الأفلاك والسموات
فإن لها
ألوانا عجيبة
غريبة تدهش
الناظر عند
النظر عند
الناظر إليها
بين صفرة
وخضرة وحمرة
وبياض وخلط من
المجموع كما
تقدم مجملها
وعن استماع
ألحان
الأفلاك
ونغماتها
وترنماتها
وعن استشمام
روائحها فإن
الروائح
الطيبة هي
أصلها
ومنؤئها
ومنها بدؤها
وإليها عودها
وهي إنما تحصل
من تصادم
الطبائع وهي
أصلها من
الأفلاك فما
عند السفليات
إنما هو من
الأفلاك فكيف
يتصور
فقدانها في
الأفلاك وعن
ذوق حلاوة
طعومها عند
شرب ماء الحوض
أي الكوثر
حينما ينصب من
العرش إلى
السماء
الرابعة أو
إلى السماء
السابعة وقد
يتفق هذا
الذوق من هذا
الحوض لكثير
من الناس ممن
محض الإيمان
محضا ، وهكذا
سائر القوى
فإن في
الإنسان بدن
آخر له حواس
تدرك الذي
ذكرنا بالحس
الظاهر دون
الباطن وذلك
البدن غيب في
البدن
العنصري وقد
يظهر لأناس
كما نقلنا عن
فيثاغورس أنه
كان يسمع صرير
الأفلاك
وإنما وضع
العلم
الموسيقي من
ترتيب أوضاع
حركاتها
وشاهد
ألوانها وذاق
طعومها، وشيخنا
جعلني الله
فداه قد رآها
وسمعها وذاقها
وقد أرانا
شيئا من ذلك
وبين لنا
كيفية ترتيب
الألحان
الموسيقة
واستنباطها
من الأفلاك كل
ذلك
بالمشاهدة من
دون سماعه من
أحد، فإذن فالشرائط
المعتبرة في
إدراك الحواس
الظاهرية
بالبدن
العنصري لا
يلزم أن تكون
معتبرة في إدراكات
البدن
السماوي
الغائب في
البدن العنصري،
وصرير
الأفلاك
الشبحية
والمثالية
برزخي يدرك
بالحواس
الغيبية
بمعونة
الحواس
الظاهرة كاستماع
صرير أقلام
حملة الكتابة
من الملائكة
وصب الماء من
العرش في حوض
الكوثر
وأمثالهما .
وصرير
الأفلاك
النفسية علوم
وصور وقوى
وسائر
الأحوال
المتعلقة
بالصور من
الأوهام
والخيالات
والأفكار
وغيرها من
صرير الأفلاك
العقلية معان
وتسبيح
وتقديس
وتنزيه وتهليل
وصلاة وصيام
وغيرها من
أنحاء
العبادات ولهذه
الألحان
والأصوات
أيضا حجاب على
ما ذكره سيد
الساجدين
عليه السلام
وعلى آبائه
السلام في
الدعاء إلى أن
قالعليه
السلام ((
ولوأني كربت
معادن حديد
الدنيا
بأنيابي
وحرثت أراضيها
بأشفار عيني
وبكيت من
خشيتك مثل
بحور السموات
والأرضين دما
وصديدا لكان
ذلك قليلا من
كثير ما يجب
من حقك علي
ولو أنك إلهي
عذّبتني بعد ذلك
بعذاب
الخلائق
أجمعين وعظمت
للنار خلقي وجسمي
وملأت طبقات
جهنم منّي حتى
لا يكون في النار
معذّب غيري
ولا يكون
لجهنم حطب
سواي لكان ذلك
بعدلك علي
قليلا في كثير
ما أستوجبه من
عقوبتك ))1
فتدبر في هذا
الكلام تجد ما
ذكرنا واضحا
ظاهرا .
_______________
1
مفتاح الفلاح
315 – 316
وصرير
الأفلاك
الفؤادية
ومرادنا بالفؤاد
هو الموجود
الذي يتركب مع
الماهية فيحصل
منهما العقل
لا الفؤاد
الذي هو نور
الله وآيته ،
وصرير هذه
الأفلاك أدلة
الحكمة وعلم
الحقيقة
والأسرار
الباطنية
والمراد بها
الأسرار
المقنّعة
بالسر لا مطلق
الباطن فإنه
من صرير
الأفلاك
القلبية .
ومن
صرير هذه
الأفلاك أن
علياعليه السلام
هو الأول
والآخر
والظاهر
والباطن وهو
بكل شيء عليم
وما ظهر من
خطاب الشمس له
عليه السلام
بهذه الكلمات
فقالت له عليه
السلام (( السلام
عليك يا أول
يا آخر ويا
ظاهر ويا باطن
ويا من هو بكل
شيء عليم ))
فإنما هو
حكاية ووصف لوصف
شمس تلك
الأفلاك .
لكنك
اعلم أن لصرير
تلك الأفلاك
وجهان وجه علوي
فهو كما ذكرنا
لك من جزء من
مائة ألف جزء
من رأس الشعير
من أدنى
معانيه ووجه
سفلي وهو منشأ
غروب شمسها
وأفول نجمها
وظهور ظلمتها
، وبالجملة كل
الأفلاك
الألف ألف لها
صرير ونغمات وألحان
على مقتضى
عالمها لكن
تلك الأصوات و
مقتضيات
إنياتها
وظهور نسبة
بعضها مع بعض
فلذا كانت
ملهية عن
المبدأ
الواحد إذ
ليست فيه نسبة
ولا كيف ولا
وضع ولا قرب
ولا بعد ولا
سرعة ولا بطؤ
ولا غير ذلك
فمن تفضل الله
عليه وأشهده
خلق نفسه
وبلغه إلى تلك
اللطيفة
الإلهية ثم
يشاهد سر
بأنها في
الأطوار
والمراتب المتنزلة
فهو الممدود
بالنصر من
الذين لا تلهيهم
تجارة ولا بيع
عن ذكر الله
إقام الصلاة وإيتاء
الزكاة ومن
قصر نظره إلى
صرف الحدود فهومن
الذي نسوا
الله فنسيهم
أستجير بالله
ولا حول ولا
قوة إلا بالله
العلي العظيم
.
قوله
عليه السلام ((
لسمع من في
السموات
والأرض رميم
حميم دخولها
في الماء
الأسود في
العين الحمئة
)) قال شيخنا و
مولانا أطال الله
بقاه وجعلني
فداه أما
السمع فهو
عبارة عن إدراك
الصوت ،
والصوت يحدث
من بين شيئين
يكون بينهما
قرع وقلع
أوضغط فيصدم
ما بينهما من
الهواء بأحد
الثلاثة ما
يليه ويصدم ما
يليه ما بعده
بهيئة ما صدمه
ما قبله وهكذا
يتدافع
الهواء بعضه
البعض بهيئة
الدفع الأول
والدفع الذي
حصل بالهواء
المتحرك
بالقلع والقرع
والضغط فيكون
بتلك الهيئة
في الشدة
والضعف
والجهر
والهمس
والرخاوة
واللّيـن
والقلقلة و ما
أشبه ذلك من
صفات الحروف
وأمثالها كالدّقّ
على القرطاس
والنحاس
والماء فإن
هذه الأصوات
المختلفة
هيئات تلك
الحركات
الثلاث بين
جسمين فيخرج
من بينهما
الهواء حاملا
لتلك الهيئات
والأوضاع
ويدفع ما يليه
أي يصدم ما
يليه بنحو ما
صدمه به
الجسمان
وهكذا حتى يصل
الجزء الأخير
من الهواء إلى
الصماخ من أذن
السامع فيصدم
تلك الجلدة
الرقيقة التي
تلي الدماغ
كهيئة الطبل
بما حمل من
الهيئات
فتتوجه القوة
السمعية عند
دقّ بابها
لهيئة الدق
فتدرك الصدم الأول
بما حمل لها
الهواء من
هيئاته
بتدافعه كما
يتدافع ماء
الحوض ويكون
من جميع
الجهات فيسمع
كلامك من هو
أمامك وخلفك
ويمينك
وشمالك وفوقك
وتحتك لأنه
يتموج الهواء
بالصدم الأول
مستديرا كما
ترى إذا حرّكت
وسط الحوض
الماء إلا أنه
قد لا يستوي
جهات امتداده
على الحقيقة
وإن تساوت في
الجملة لأن
الهواء
المدفوع أولا
وهو المصدوم
الذي يصدم ما
وراءه ربما
يكون في جهة
انبعاثه أطول
وأظهر وأقوى
ولا بد من الهواء
في حمل
الهيئات و ما
يشابهه في التخلل
والسيلان إلا أنه
ضعيف جدا لا
يحكيها كما هي
إلا الهواء ،
ولهذا قد يسمع
الدقّ والصوت
تحت الماء
بسيلانه
وإمكان
تدافعه ولكنه
لا يتميز
الصوت لأجل
ثقله،
وبالجملة ليس الحافظ
للحروف مثلا
العقل أو
النفس أو غير
ذلك كما توهمه
بعضهم وإنما
يحملها
الهواء إذ هو المجانس
لها والمتكيف
بها فإذا دقّ
باب السامعة تلقته
من وراء
الحجاب فإذا
دقّ بابها
حفظت صورته
بواسطة
الحسوالمشترك
المسمى
بتبطاسيا فيرفعه
إلى خزانة
الخيال وحفظة
النفس وتناول العقل
معناه من
الصورة
النفسية فإذا
أراد مالك
القرية إبراز
ذلك كما وصل
إليه أمر
خدامه فصاغوا
أصواتا
بهيئات كما
وصلها وألبس
تلك المعاني
والصور تلك
الهيئات
المصاغة على
هيئة ما وصله
إليه الهواء
والأصح أن
المسموع هو
صوت القائم
بالهواء
القارع
للصماخ وهو
المحسوس لا
الصوت القائم
بالهواء
الخارج عن
الأذن وشرط
تحقق السماع
على كماله
توسط الهواء
بين السامع
وذي الصوت
انتهى كلامه
جعلني الله
فداه .
وما
ذكره من
الأحوال كلها
راجعة إلى السماع
في عالم
العناصر
بالبدن
العنصري ، وأما
في العوالم
الأخر فليست
فيها هذه
الشرائط ولا
يحتاج إلى
توسط الهواء
إلا بالمعنى
الحقيقي لأن
الهواء
هوالرابطة
بين العالي
والسافل بل
مطلق الرابطة
ولما كان
السماع فيه
حكم التعلق
وجبت الرابطة
وبدونها
يستحيل ولما
كان العوالم
ألف ألف وكل
عالم فيه
أشخاص وأهل
وكل الأشخاص
والأهالي
مجتمعة في
العالم
الإنساني كان
للإنسان ألف
ألف أبدان وكل
بدن على مثال
البدن
العنصري
المخصوص على
حسب ذلك
العالم والشخص
بذلك البدن
سائر في ذلك
العالم فإن كانت
قد حبست
الأبدان كلها
في البدن
السافل كانت
المدارك
والمشاعر
كلها منقطعة
عن تلك العوالم
لحكم
الاحتجاب فلا
يسمع ألحانها
ولا يبصر
ألوانها ولا
يشم روائحها
وإلا فإن وصل
إلى البدن
الأصلي في
مقام الإنسان
الحقيقي ظهر
كل بدن بجميع
قواه و مشاعره
المدركة لما
في العالم
المختص به كما
سبق فراجع
تفهمه إنشاء
الله .
فمراد
الإمام عليه
السلام من هذه
العبارة أنه
لولا احتجاب
الخلق
بظهورات
الابتداع في
مظاهره و
مجاليه وقطع
التفاتهم عن
مقامات
الاختراع
وظهور النور
الوحداني الساري
في كل النشئات
الإنسانية
ولولا حكم
التمكين
للتمرين
ووقوع
التعفين ومزج
النور بالظلمة
و نظر أكثر
الناس إلى
الممتزج أو
إلى الظلمة
الصرفة لقويت
بنية الخلق
وتم نضج
قابلياتهم
ولشاهدوا
الأشياء على
ما هي عليه
ليعرفوا مبدأ
الاختلاف وسر
الاختلاف
وسبب وقوع
الاختلاف
والأحكام
الثابتة عند
الاختلاف
وليعرفوا مطلوبية
الاختلاف في
عين لا
مطلوبية
فالمطلوبية
عرضية
واللامطلوبية
ذاتية فقويت
الأعراض حتى
خفيت آثار
الذوات
والأصول
والحقائق فلا
بد للشمس من
الغروب
والأفول لما
ذكرنا سابقا
من السر الخفي
والحكم
المخفي لكن
لها أنين ورنين
وترنم عند
الغروب عند
دخولها في
الماء الأسود
وهوكرة
البحار عند
الأفق
وهوالمراد
بالعين
الحمئة لأنها
هي الطين
الأسود
فالماء هوالبخار
والطين هو
الهواء
المنبث في كرة
البخار فعند
اختلاط الطين
بالماء يحصل
الماء الأسود
لغلبة البخار
على الهباء
وإن المغرب
طبعه بارد رطب
وأما البرودة
فلخفاء
الحرارة
اللازمة للشمس
الحاملة
لمثال الفاعل
وأما الرطوبة
فلظهور ميل
السافل إلى
العالي لكن
العالي قد غاب
في السافل
بأثره كفصل
الشتاء فإن
الحرارة قد
توجهت إلى
الباطن وغلبت
فيه وأحاطت
بظاهرها
البرودة
والرطوبة
المختلطة
باليبوسة فانسدت
المسام
وانجمد الشيء
فاحتاج إلى
حرارة أخرى غير
ما في الغرائز
والطبائع
فتكون الغالب
آثار البرودة
والرطوبة
واليبوسة وهي
الماء الأسود
وهي الماء
والطين وهي
العين الحمئة
، وهذا
الاختفاء ليس
لمغلوبية
الشمس أو
الحرارة بل
إنما تمكين
لقابليات
الأشياء
وإعانة لقبولها
الفيض من
مبدئها
وبارئها على
مقتضى قبولها
حتى يظهر في
الفصل الربيع
والصيف كل بذز
ما حمل سكرا
كان أم حنظلا
فافهم إنشاء
الله وعن أمير
المؤمنينعليه
السلام (( في
عين حمائه في
بحر دون
المدينة التي
مما يلي
المغرب يعني
جابلقا )) وعنه
عليه السلام ((
لما انتهى - أي ذوالقرنين
- مع الشمس إلى
العين
الحامية وجدها
تغرب فيها و
معها سبعون
ألف ملك
يجرونها بسلاسل
الحديد
والكلاليب
يجرونها من
قعر البحر في
قطر الأرض
الأيمن كما
تجري السفينة
على ظهر الماء
))1 وفسر عليه
السلام
بالبحر ومن
ذلك الأنين
والرنين وسيد
الساجدين
عليه السلام
في دعاء يوم
الجمعة ويوم
الأضحى عليه
السلام ((
اللهم إن هذا
المقام
لخلفائك
وأصفيائك
ومواضع
أمنائك في
الدرجة
الرفيعة التي
اختصصتهم بها
قد ابتزوها
وأنت المقدر
لذلك لا يغالب
أمرك ولا
يجاوز
المحتوم في
تدبيرك كيف
شئت وأنىّ شئت
ولما أنت أعلم
به غير متهم
على خلقك ولا
لإرادتك حتى
عاد صفوتك
وخلفاؤك
مغلوبين مقهورين
مبتزين يرون
حكمك مبدلا
وكتابك منبوذا
وفرائضك
محرّفة عن
جهات أشراعك
وسنن نبيك
متروكة اللهم
العن أعداءهم
من الأولين
والآخرين ومن
رضي بفعالهم
وأشياعهم
وأتباعهم ))2 وبهذا
الكلام
الشريف نختم
الكلام ليكون
ختامه مسك قد
تم المجلد
الأول من شرح
الخطبة
الشريفة
التطنجية في
يوم الأثنين
من شهر رجب
المرجب في سنة
ألف 1243 ويتلوه
الجزء الثاني2 إن
شاء الله
تعالى ولا حول
ولا قوة إلا
بالله العلي
العظيم
وهوحسبي نعم
الوكيل نعم
المولى و نعم
النصير .
_______________
1 تفسير
العياشي 2/342
2 الصحيفة
السجادية
دعاؤه عليه
السلام في عيد
الأضحى
2 لما كان
الجزء الأول
ضخما جدا ولا
يمكن جعله في
كجلد واحد
جعلناه في
مجلدين ,
وأفردنا للجزء
الثاني مجلدا
ثالثا , والله
من وراء القصد
وهو الموفق