هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في أصول الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام
علي عليه السلام
الجزء الأول / ما نذكر به الإمام علي عليه السلام وسببه

الباب الأول

ربنا عرفنا ذكر الإمام  علي وآله
عبادة وأدبنا به

 في هذا الباب : أذكار تعرفنا نعم الله الواجب شكرها والتي أهمها ذكر علي وآله آل النبي الكريم صلى الله عليهم وسلم ، وكيف نتعبد له سبحانه بالحديث عنهم ومعرفته وذكرهم :

الذكر الأول
معنى ذكر علي عليه السلام عبادة لله تعالى لا له

الذكر الثاني
كيف نعرف الله ونعبده بذكره وبذكر أولياءه

الذكر الثالث
الله يأمرنا بذكر كل ما يذكرنا به وبعظمته

الذكر الرابع
ذكر نبينا وآله بالخصوص الإمام علي عبادة لله

إلى الأعلى



الذكر الأول

معنى ذكر علي عليه السلام عبادة لله تعالى
  لا عبادة للإمام علي

الحمد والشكر لله على ما من به علينا بالمعرفة والولاء لإمام الحق والهدى علي بن أبي طالب والذي عرفنا رسول الله به ، بل الله تعالى عرفنا به في كلامه المجيد بأنه عبده الخالص له بما يحب ويرضى ، وذكره بكل ما أظهره وتجلى به من المجد والفضل والدين والهدى عليه وعلى آله آل النبي الكريم ، وحدث سبحانه أنه كل خير وبركة نزلت منه في الوجود على عباده أولها لهم ثم لمحبيهم ومن عرفهم بفضل الله ، وبه عليه السلام عرفنا بحق المعرفة مع اليقين المحكم وبالبرهان القاطع إن أفضل الكرامة هي لنبي الرحمة والسراج المنير نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم به وآله تم مجده وأستمر لأخر الزمان بل حتى في يوم القيامة ، بل قبل الدنيا كانوا معه نور الله الواحد الأولي الظهور المنتشر هدى ورحمة ونور في العالمين ، كما سترى تفصيل هذا البيان في هذه الصحيفة إن شاء الله .

 ثم بالتبعية لهم يلتحق بهم في دين الله وعبادته بما يحب ويرضى صحبهم الذين صاروا لهم بحق محبين ولدين الله تعالى منهم آخذين وبه عالمين وعاملين ، فكانوا بكل شيء لهم مشايعين ولهم موالين ولله تعالى بدينهم له مخلصين ، لا معادين ولا عنهم ضالين ولا لذكرهم مانعين ولا للحديث عنهم محرمين ، ولا لأنفسهم ولصحبهم ظالمين ، بل في عبادة الله بدينه المبين متعبدين لأنهم أخذوه من الصادقين المصدقين .

فيا طيب : محاورة ذكر علي عليه السلام عبادة التي دارت بيننا وبين الوهابية على الإنترنت ، والتي فيها أهم معارف الدين المختلفين فيها معهم ، وإن لم تتجاوز المائة صفحة لكن للفائدة قد طبعت مفردة وقد تجدها ملحقة مع هذه الصحيفة ، أو تراجعها في موقع صحف الطيبين فتجدها بين يديك وتحت نظرك الشريف ، فتعرف فيها رأينا ورأيهم ، وتعرف أنهم يقولون شرك معنى الحديث الشريف ذكر علي عليه السلام عبادة ، وإن كان في المحاورة ستة وسبعة إنه كان في تعريفنا وتعريفهم ، بل وفي تعريف كل مسلم ومن يريد أن يعبد الله تعالى ، بل في كل الأديان : إن إطاعة أوامر الرب وبأي صورة كانت سواء بامتثال أوامره أو بالانتهاء عما نهى عنه عبادة له ، وهو ذكر وتذكر له وعمل بما يحب ويرضى .

وعندنا كمسلمين إطاعة الله وطلب معرفته ومعرفته كل أوامره وتعاليمه وكل سعي يوصل لرضاه يجعل الإنسان في حال العبادة لله تعالى ، وسواء كان إطاعة الله وامتثال ما أمر الله به بصورة تفصيلة بإحضار نية القربة لله تعالى ، أو عمل الفعل بالعلم الإجمالي لأنه من تعاليم الدين وأنه مراد لله تعالى ، فيفعل العبد المأمور به واجب كان أو مستحب أو يترك المنهي عنه محرم كان أو مكروه ، بل حتى المباح يرتكبه المؤمن لأنه مأذون ومسموح به في الدين ، وإلا ما أرتكب فعله وما أتى به لولا إنه أباحه الله له ولو بالنية الإجمالية التي عنده من معرفته بتعاليم الدين .

وإن إطاعة الله وعبادته بأوامره سواء كانت أعمال العبد في فعله فضلاً عن الإيمان بها من العبادات المشترط بها نية القربة لله في بحوث الرسائل العملية ، أو من المعاملات أو في الأخلاق وبكل ما يتعلق بالسيرة والسلوك ولو لم يشترط به نية القربى ، بل حتى النية والفكر يمكن أن يطاع به الله تعالى ويعبد وإن سمي خُلق أو معاملة ، فإنه وإن كان فيها تسهيل منه تعالى وعدم اشتراط القربة لكنها عبادة لله وبها تتم إطاعته وتتكامل العبادة له بكل ما أراد سبحانه .

وإنما يأتي العبد بالفعل المباح دون غيره في الخُلق والمعاملة والسيرة والسلوك وكل شيء ، وذلك لأنه مأذون به في الدين ولأنه قد راعى شروط العقد والفعل والخُلق وفق تعاليم الدين ، أو تركه ولم يأتي به لأنه محرم منهي عنه ، فإنه في الحقيقة يعد طاعة له تعالى ويكون الفعل وإن لم يسمى عبادة في الاصطلاح وسمي معاملة أو خلق أو ترك فعل وكف النفس عنه ، فإنه في حقيقة هو فعل فيه طلب رضى الله تعالى ، وكان فاعله عنده نية القربة لله في عمله بالعلم الإجمالي ، وبأنه مسموح به في الدين أو مطلوب فيفعله ولو من دون إحضار تفصيلي لنية القربى لله ، فهو عبادة لله بمعنى العبادة العام الشامل للأفعال التوصلية التي يتوصل بها لرضى الله تعالى ، ولمن راعاها ثواب حسِن وجزاء مضاعف من الله الرحيم الكريم المحسن ، وإن لم يطلق على العمل عبادة بالمعنى الخاص فضلاً من أن يسمى ذكر .

ولذا كان كل فعل فيه رضى الله ومسموح به في دين الله يدخل تحت المعنى العام للذكر وللعبادة ، فأي فعل من المؤمن يصب في طاعة الله تعالى مادام مراعي لحدود الله ، ويكون الإنسان في ذكر الله ومتذكره له بتذكر تعاليمه وبالعمل بها ، ولذا يكون المؤمن الواقعي الصادق في كل أحواله في طاعة الله ، فهو في حال تذكر لأوامر الله بالعلم الإجمالي وبأنه مسلم وعبد مطيع يريد رضى الله ، فيفعل هذا بما يوافق تعاليم الله ورضاه حتى لو كان مباح فضلاً عن كونه مستحب وواجب ، ولا يفعل هذا لأنه مكروه أو محرم لم يريده الله ، ولهذا يترك كثير من الأمور التي يرتكبها غير المؤمنين ، وهو في كل هذا له ثواب كثير لمجرد كف نفسه عنها ، وحسابه محفوظ بأحسن الأجر عند الله ، وإن أفضل العبادة الورع عن محارم الله ولو لم ينوي في كل ترك للمحرم وللمكروه القربة لله ، بل لأنه غير مراد في الدين لم يرتكبه ، وهذه المعرفة من أسس الدين وفضل من رب العالمين ليكرم عباده المؤمنين بالثواب الجزيل .

ولما كان إطاعة ومحبة أولي الأمر الصادقين المصدقين وأئمة الحق الهداة لدين لله قد أمر الله بها ، وإنها موصل لكل طاعة لله وعبادته ، وبهم تعرف أنها مرادة لله أم لا ، فإن طلب معرفة أئمة الحق وكل دليل يوجب للإيمان بهم بأنهم مصطفون مختارون لله تعالى وخلفاء حق لرسوله ، يكون من أفضل عبادة لله تعالى وطاعة يراد بها رضاه سبحانه ، وهكذا له ثواب التورع عن الاقتراب ممن عاداهم من النواصب وكل محرف للدين ، فأن بمعرفة أئمة الحق والموصولون لدين الله وهداه بعد نبينا الكريم يطاع الله ويعبد ويخلص من دين الشيطان وأولياءه من أئمة الكفر وأتباعهم .

وهذه المعرفة تكون أس وأصل معرفة الحق وأهله ووفق مذهبهم الحق والتدين بدينهم يعبد الله ويطاع ، وبهذا يمكن أن تتم عبادة الله سبحانه وتعالى والتي يريدها واقعا ويخلص له ويصفى من مكر ودين أعدائه ووساوس الشيطان الرجيم ، وإن هذا مستلزم لذكر كل فضائلهم ومناقبهم التي فضلهم الله بها ، وتذكرها والتذكير بها لكل مؤمن حتى يتيقن أن دين الله عند من أختارهم واصطفاهم بحق وصدق .

وأخذ دين الله من وأولياء دينه وأئمة الحق الصادقين المصدقين موجب لذكرهم والتذكير بهم والتحديث والحديث عنهم حتى يعرفهم الناس ، فيؤمنوا بالله وتعاليمه من خلال معارفهم التي تفضل الله بها عليهم وعلى من أخذ دينه منهم ، فيعبد الله بها دون غيرهم ممن هجرهم ولم يعرفهم ولم يأخذ دينه منهم ، وذلك لأنها هي وحدها الحقة والواقعية المراد لله ، ومن ودون ذكر لغيرهم من أئمة الباطل ولا العمل بتعاليم ممن هو منحرف عنهم والمحارب لهم ولتعاليمهم .

 وما ذكرنا هو من مسلمات كل دين ومذهب فضلاً عن كونه من مسلمات الدين الإسلامي ، ويقر له عقل أي إنسان منصف يتبع الحق ، فإنه يرى أنه لا بد من ذكر أئمة الحق والهداة للدين حتى يعرفهم بأنفسهم ويأخذ دين الله منهم ، ومن ثم المؤمن بما تعلم من ولاة أمر الله ودينه يتمكن أن يطيع الله تعالى ، ولا يخلط معارفهم وذكرهم بما فضلهم الله به وكرمهم ، بغيرهم ممن تسمى بالدين دون حقيقته وأفتى برأي لم يأمر الله به ولم يُعلمه رسوله ، وعلم أمور ليس من الدين في شيء ، فإنه لا يمكن لأحد أن يطيع الله ويعبده بأي قول حتى لو كان من أقوال المعادين والقتلة لأئمة الحق والهدى .

وهذا ساري في معرفة إي علم فإنه يجب أن يؤخذ من الخبير به دون غيره ، وهذا مستلزم لذكره وللتذكير به لكي يُعرف فيؤخذ منه العلم المختص به دون غيره ، فكيف بدين الله تعالى الواحد الذي هو من الله الواحد الأحد .

 

وإذا عرفت هذا عرفت أنه بالوجدان والضمير والعقل إنه من أول تعاليم الدين يكون ذكر الإمام علي عليه السلام عبادة لله لأنه واقع في الصراط المستقيم لمعرفة ولي الله والهادي لدينه بعد رسوله الكريم بحق وصدق ، فإن الإمام علي عليه السلام هو الوصي بعد النبي وخليفة الحق والإمام الواقعي للمسلمين الذي نصبه الله ورسوله وجعلوه خليفة على المؤمنين وولي عليهم بعد رسول الله ، وذلك لكي يأخذوا دين الله الحق وهداه الصادق منه ، وكان عليهم أن يطيعوه ليسير بهم على صراط مستقيم في الدنيا والآخرة فيدخلوا في رضى الله وكرمه ، ويصلوا لأحسن غاية لهم ونعيم مقيم دائم لا اضمحلال له ولا زوال .

 

والله تعالى قد أدبنا وعرفنا إن ذكر وحب أولياءه وأئمة الحق الذين اصطفاهم لهداية الناس ولتعليمهم معارفه عبادة له لا لهم ، وإنها من دينه بل عين دينه وأول ما يترتب على الإيمان به ، وبعد معرفته سبحانه بأنه رب رحيم هادي لعباده لأحسن غاية لهم بدين حق وصادق وبمن اصطفاهم وأختارهم من عباده لتعليم دينه ، وذكر هذا سبحانه في كثير من الآيات الكريمة سواء بذكر والتذكير لقصص أغلب الأنبياء والمرسلين ، أو بالذكر والتذكير بأولياء الدين من أئمة الهدى والحق من المسلمين والذي كان أولهم بعد رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليهم وسلم .

وقد ذكر أئمة الحق وعرفهم الله تعالى لنا وأمرنا بذكرهم وتذكرهم في كتاب يتلوه كل مؤمن إلى آخر الدهر ، وكذا كان رسوله الكريم يذكرهم بحديثه الشريف في كثير من المواقف والمناسبات ويعرفهم بكل صورة ممكنة ، وذلك لكي يتذكر الإنسان أمر مهم جداً ، وهو أن يعرف دين الله الحق الصادق الواقعي منهم ، ولكي لا ينحرف عنه ويعبد الله وفق أهواء المضلين وأهل الباطل ممن تلبس بلباس الدين .

وبهذه المعرفة الحقة لدين الله وأئمة الدين والموصلين لكل تعاليم الله تعالى نتيقن بل نتأدب بأدب الله ورسوله ونعبد الله بحق وصدق بما أمر وأراد ، ولذا نذكر بعض الآيات والروايات التي تعلمنا باليقين أنه من الضرورة أن نعبد الله بمعرفة وذكر وحب أولياء الدين وأئمة الحق من الأنبياء والمرسلين ، وبالخصوص نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين وبالأخص ذكر الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام .

 ونجعل الحديث عن ذكر مناقب الإمام علي وآله آل سيد البشر نبينا محمد الطيبين الطاهرين في أبواب معرفة تنفتح على الحديث لأنواع كرامة تعرفنا بعض من فضائل الإمام علي عليه السلام بالخصوص أو مع آله عليهم السلام ، وأبواب علم لبيان نعمة هدى ودين وكرامة تصب في مشرب نزول رحمة الله عليهم وعلى كل من يواليهم ، وهي ذكر لهم نطلب به رضى الله وعبادته بمعرفة أئمة الحق وعظمته في تكريم أولياء دينه وكبرياءه في تشريف عباده المخلصين الذين رضاهم هداة لدينه ومعرفين لذكره ، حتى جعل ذكرهم من ذكره ، وجعل فضلهم بيان لتجلي أفضل رحمته وبره ، والحديث عنهم بيان جميل يشتاق له كل مؤمن طيب يحب أن يحصل على كرم الله وإحسانه ، ويطلب بكل وجوده نعيم الله الخالد .

 وبهذه الأذكار الشريفة التي تنفتح من أبواب الرحمة والنعمة الإلهية في تعريف أولياء دينه وأئمة الهدى علي وآله آل النبي بل وشيعتهم والمحبين لهم والمخلصين لهم ، نعرف الله بكل عظمة وجلال ونتعبد له بكل حب وشوق ورجاء ، ونخاف أن يصدر منا عمل يبعدنا عنها ، ونخشى منه أن يبعدنا عن فضله وكرمه ورحمته ، ونخاف إن خالفنا ذكرها ومعرفتها أو خلطناها بغيرها فضلاً من العداء لها ، فنطلب من الله بكل سعي وجد رحمته ونعمته وهداه ودينه الذي خص به سيد المرسلين وشرف بها أئمة الحق بعده الإمام علي وآله الطيبين الطاهرين ، وشيعتهم المقربين والذين بالولاء والمحبة لهم مذعنين وبدينهم لله عابدين ، فنسعى بكل وجودنا لأن نكون مثلهم محبة وخلق ودين ، ولرجاء الله وخوفه متواضعين وبكل وجودنا له خاشعين .

 وذلك لأنا بنعمته الحقيقة وفضله ومجده وكل تعاليم دينه ومعرفته عالمين بها وعن يقين عاملين ، وذلك لعلمنا القاطع والواقعي الصادق بأنها من الصادقين المصدقين الذين اصطفاهم لدينه وخصهم برضاه ، ونسأل الله أن يصدقنا بكل ذكر وحديث نذكره عنه أنه طاعة وعبادة له ، ويشهد لنا به عمل خالص لوجهه الكريم في معرفة عظمته ودينه وهداه ومجده وفضله على أئمة الحق ، وعاملين بما عرفنا منهم وبكل جد وسعي مخلص له مما يحب ويرضى إنه أرحم الراحمين .

 

وفي هذا الجزء بعض البحوث وبعض الآيات والأحاديث والذكر لنعيم الله وفضله وهداه على الإمام علي وآله صلى الله عليهم وسلم ، ونجعل التفصيل في الأجزاء الأخرى المختصة بأنواع من الذكر لمعارفه تعالى ، ونسميها صحيفة ذكر علي عليه السلام عبادة ، وهو جزء مختص فيما نذكر به خصال الإمام علي في كل الوجود والتأريخ وفي آله وفي نفسه وبكل ما خصه الله من الخصال الحميدة والصافات الكريمة وهكذا الجزء بعدة .

وجزء في العبادة ومعناها وكيفية الحضور بها عند الله وحقيقتها وبماذا نحضر عنده تعالى من العبادات ، وجزء في الذكر ومعناه وآدابه وما نحضر به من ذكر لله تعالى وما أمرنا به من الذكر وكيف نذكره ونتذكره ، وأخرى في ذكر تفصيل تأريخ الإمام علي المشرف وحياته وسيرته الطيبة مع النبي الكريم ، وفي هذا ذاكرين لأهم تأريخ الدين وفيه بيان لفضائلهم التي كرمهم الله ورسوله بها ، بل بيان لتمجيد الله لهم في مواقفهم المشرفة في نشر الدين وتعليمه ، وجزء آخر في ذكر علي عليه السلام لله سبحانه وتعالى وتعليم المعارف الإلهية ، وستراها اشرف معارف في الوجود بعد كتاب الله بل شارحة له ، لأنها هي الصادرة من منبع العلم الإلهي وباب رحمته لدينه ومعرفته الإمام الحق والهادي للصراط المستقيم بإذن الله تعالى ورعايته الخاصة .

 هذا ونسأل الله أن يمد بنا العمر لإتمام بحوث ما عزمنا عليه ، وطبع ما تم منها ونشره على الانترنيت ، إنه ولي حميد والموفق للصواب وله الأمر من قبل ومن بعد .

وبعد الذي عرفت إليك يا طيب  ذكر ثاني يعرفنا روح الذكر ومعناه ، ينفتح لأبواب ذكر رباني وأحاديث نعمة في بعض فضائل أمير المؤمنين وآله أل النبي وسيده النبي وشيعتهم ، وفيه بعض الآيات التي تحثنا على ذكر نعم الله تعالى وأولي الأمر الذين فرض طاعتهم وأمرنا بذكرهم وهو مختصر ، والتفصيل في باب أخر إن شاء الله في الجزء الثاني ، ونسأل الله أن تفي في مقام المعرفة بأن ذكر علي عليه السلام عبادة ، وإن ذكره عليه السلام من الأمور التي تكون أس العبادة وأصل طاعة الله وما أمر به من معرفة أولياء دينه ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين إنه ولي حميد ورحم الله من قال آمين .

 

إلى الأعلى


 

الذكر الثاني

كيف نعرف الله ونعبده بذكره وبذكر أولياءه

 

يا طيب أذكر لك وأنت الذاكر إن الله تعالى لا يحاط به علماً وليس كمثله شيء وهو سبحانه فوق حد التصور والفكر ، وكل ما خلقه الإنسان في ذهنه فهو صورة ذهنية مخلوقة لفكر الإنسان ووهمه وتخيله وهي مردودة له ، ولكن ذكر الله بالأسماء الحسنى واجب في الواجبات ومستحب في المستحبات والنوافل وفي كل وقت ذكره سبحانه حَسن وفي أي حال ، والله تعالى لم يطلب منا فقط ذكره بالأسماء الحسنى من دون معرفة به سبحانه وبكل ما يوصل لأوامره وما نعبده ونطيعه به ، ولذا أمرنا أن نعرفه سبحانه بما عرفنا من عظيم قدرته وخبرته وحكمته في الوجود وفي كل خلقه ، لنستشعر عظمته وكبرياءه حين ذكره وبكل الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وبأي اسم كان سواء بلفظها وترديدها أو بالتفكر بظهورها وتجليها في الكون .

وعند التفكر بخلق الله ودقة الصنع وحسنه وعظمته نعرف الله تعالى بمعرفة توصلنا لاستشعار عظمته وكبرياءه ، فترتفع أرواحنا لتكون معلقة في عز قدسه ، وتصل لمعدن العظمة في معرفة علوه وعزته وسعة رحمته وقدرته وعلمه سبحانه وتعالى ، فتحصل لنا الخشية والخشوع والخضوع وغيرها من معاني التذلل لكبريائه والجد والاجتهاد في الإخلاص له وحده لا شريك له .

ومن خلال التفكر في خلق الله في كل شيء بحسبه سواء خلق تكويني وسعته ونظمه ، أو خلق في تدبيره وهداه ، أو بما منحه من حسن الصنع وجماله أو بالتفكر في إتقانه وإحكامه ، وبالتفكر بما صنع الله في الكون وهداه ولكل شيء بحسب حاله وغايته وأجله وغرضه ، بالخصوص التفكر بالأنفس ، وفي التفكر في هدى الله التشريعي وعظمة تعاليمه ودقتها في نظم أمور العباد وإيصالهم لكل سعادة ممكنة لهم من هدى ونعيم في الدنيا والآخرة ، وبالخصوص ما ذكره سبحانه في كتابه وما علمنا به من سنة الأنبياء وسيرتهم وتعاليمهم ، والخصوص بذكر عظمة الله وتجليه وظهور فضائله وما كرم به نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين .

وعند معرفة الله بهذه المعرفة نعرف بعض الشيء عن سعة عظمة الله تعالى وإحاطة علمه وكبرياءه في كل ما نصفه به من الأسماء الحسنى والصفات العليا التي نذكره بها ، فنرى تجليها بحق وواقعاً كما أراد وبالخصوص الأسماء الحسنى المتعلقة بالقيومية والهداية مثل الرب والرحمان والرحيم والهادي والحكيم فضلاً عن الخالق والخبير والعليم والقادر وغيرها من الأسماء الذاتي والفعلية ، ولتعرف تجليها وظهورها بالكون كتبنا صحيفة في شرح الأسماء الحسنى ، ولمعرفة الله تعالى وتوحيده أو ظهور رحمته في الوجود بصورة عامة كتبنا صحيفة التوحيد وتجدها في موقع موسوعة صحف الطيبين إن شاء الله إن لم تعثر عليها مطبوعة .

وأما معرفة أن ذكر الأنبياء وأوصياءهم وكل الأولياء بأنه من ذكر الله وموصل لعظمته ، فيكفيك مراجعة الآيات القرآنية الذاكرة لقصص الأنبياء وكيف أمرنا الله تعالى بذكرهم وتذكرهم بالخصوص نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين في كتابه المجيد ، وإن هذه الأوامر الإلهية في كتاب الله كلها مما نطيعه بها ونعبده بها عن إيمان بأنها حق صادقة قد ذكرها الله ليعلمنا كيف نعبده ، بل وكيف نصل لمعرفة عظمته وجلال كبرياءه لتحصل لنا الخشية والخوف منه ، بل ليحصل ويتحقق فينا حقيقة حبه والرجاء لرحمته الواسعة ، فنتوجه له تعالى بحقيقية الطاعة والعبادة الخالصة له بكل وجودنا وبكل ما أمرنا به ، ومن دون أن شرك به شيء يبعدنا عنه تعالى ، ولا يضلنا شيء مهما كان سواء وساوس شيطان أو ذكر لدين أعداء دين الله تعالى والذين حرفوا الناس عن معارفه الحقة الواقعية المرادة له سبحانه وتعالى .

فعندها وبعد ما ذكرنا من المعرفة بالله ودينه وتذكره بكل ما تجلى به وظهر من المعرفة بالأسماء الحسنى وذكره وتذكر ما ظهر الله به من الهداية ، يكون المؤمن مؤمن بالله بحق المعرفة ، ويكون صادق عندما يقول ويتدين في كل يوم بالصلاة بقراءة سورة الفاتحة ، فيقول بعد ذكره تعالى والتوسل به ببعض الأسماء الحسنى جل جلاله ك الله والرب والرحمن والرحيم ومالك يوم الدين ، ثم يستعين به ليكون في هداه على صراط مستقيم كما كان المنعم عليهم من أئمة الحق نبينا وآله ، وبالخصوص ولي الله الحق بعد رسول الله ، فيهتدي العبد المؤمن لدين الله الصادق بدينهم ويعبده كما يريد بكل أفعاله التي تعلمها منهم ، ولم يكن من المغضوب عليهم والضالين والمضلين .

وإذا أحببت المزيد من معرفة معنى وحقيقة العبادة والذكر فراجع صحيفة العبادة والذكر لتعرف معناها بشكل موسع وكامل ، أو صحيفة الأسماء الحسنى وصحيفة التوحيد لتعرف الله وتجله وظهوره بنعمه وهداه على كل شيء خلقه ، وبالخصوص بأكرم مجد وفضل ورحمه على نبينا وآله وكل من أخلص له بدينهم دون غيرهم .

 وأما هنا بعد هذه المعرفة المختصرة نذكر مختصر من الآيات التي تأمرنا بالذكر ، وهي تبين مجمل معناه وكيفية التعبد لله بذكر علي وآله وبما تفضل عليهم من دينه وهداه ، وآيات كريمة تبين مختصر من فضائل الإمام علي عليه السلام التي نذكره بها ، وبأمر الله نتعبد له في معرفة أولياء دينه وأئمة الحق بعد رسوله الكريم ، وتأتي آيات أخرى في مطاوي الأبواب الآتية بكل أجزاء صحيفة ذكر الإمام علي عليه السلام عبادة لله تعرفنا نعمه عليه ودينه الحق عنده .

 

إلى الأعلى



الذكر الثالث

الله يأمرنا بذكر كل ما يذكرنا به وبعظمته

أذكر لك يا طيب وأنت المؤمن الذاكر العابد لله بكل تعاليم دينه ، إن ذكر الله بالأسماء الحسنى والصفات العليا حسن على كل حال ، ولكن الله لم يطلب منا أن نتعبد له فقط بذكره ، أو فقط بترديد الأسماء الحسنى باللفظ ومن دون معرفة معناها وكيف تجليها وظهورها ، ولو أراد هذا لأمر به وحده ، لما أمر بآلاف الأوامر العبادية التي طلب منا امتثالها ووجوب التعبد له بها مخلصين له الدين ، وعند إتيانها جميعها نكون من خير البرية ونحصل على نعمة رضاه .

 فإن الله أنزل علينا كثير من التعاليم والمعارف وبها طلب منا أن نعبده ، وإن معرفة أئمة الحق والهدى لدينه هو أول معرفة دين الله ، وهذا مستلزم لذكرهم والتذكير بهم ليعرف دينه منهم أولاً ، ثم لكي يعرف ما أنزل وظهر فيهم من كرمه وعزته وفضله ، وبهذا تُعرف عظمته وكبرياءه ، ويطلب سبحانه بإيمان خالص بأنه من يطيعه يكون مكرم عند الله ومهتدي لعبادته ويحصل على أتم وأكمل نعيم في الدنيا والآخرة ، فنحصل على بعض المعرفة بالله وقدرته الواسعة وفضله وكرمه ولطفه ،  وعندها يحصل لنا رجاء رحمته وثوابه لأولياء دينه ومن يعبده ويخلص له ، وبهذا المعرفة نعرف كيف يعذب أعداءهم ومن لم يقبل دينه منهم فيحصل لنا خوف عقابه ، وتكون لنا الخشية والخشوع والخضوع لله تعالى ، هذا فضلاً عن الإخلاص له وحده لا شريك له في العبادة ونخلص من أي نوع أنواع من الشرك ، كما عرفت أنواع التوحيد والشرك في المحاورة الرابعة عشر.

ولذا علمنا تعالى في كتابه الكريم في كثير من الآيات الكريمة أن نذكر نعمته علينا ، سواء النعم الكونية أو نعمة الهداية وهي النعمة التي فيها رضا الله والتي يجب أن تصرف نعم الكون المادية في سبيل تحصيلها ، والتعبد لله تعالى بكل تعاليم دينه الحق الواقعية ووفق الصراط المستقيم الذي عينه لنا عند المنعم عليهم والغير مغضوب عليهم والغير ضالين ، وهذه بعض الآيات الآمرة بالذكر ، تعرفنا كيفية أن نذكر نعمة الله تعالى وهداه وفضله علينا أو على نبينا وآله الكرام نتدبر بعضها ، ونوكل التفصيل لبحوث أخرى في أبواب الأجزاء الآتية من صحيفة ذكر علي عليه السلام عبادة :

قال الله تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } الذاريات56 .

 في سورة الذاريات قبل هذه الآيات ذكر تعالى عمل خلقه من الملائكة  وما أقدرهم عليه وطاعتهم وتقسيمهم لرزقه وما أمرهم به ، وذكر إن دينه واقع والناس مختلفة به وفيه ، والله أوعد بالعذاب لمن يتخرص بدينه من غير أمره ويقول به بغير علم وإنه من أهل الأفك ، ثم إنه تعالى أثنى على من يطيعه حسب ما أمر سبحانه وذكر ومواصفاتهم وما أعد لهم من الثواب الجزيل الحسن المبارك ، راجع السورة وتدبرها تعرف معارف قيمة في هدى الله وذكره وعبادته .

 فإنه تعالى أمرنا في السورة بالتفكر بآياته في الآفاق والأنفس ثم وذكر سبحانه شيء من قصة إبراهيم ونوح وفرعون وعاد وثمود ورسله لهم ، وكيف وعظوهم وعلموهم دين الله وكل ما يعبد به فلم يقبلوا منهم ، ثم ذكر تعالى عظمة خلق السماء والأرض ، ومع كل آيات الله التي تبين عظمته وكبرياءه وجلالة قدره العلي العظيم ، كان الناس يكفرون ولا يؤمنون به بحق مع ما يرون من آيات المقدرة له في الوجود وعلى الأمم .

وبعد هذه القصص في هذه السورة المباركة ذكر الله تعالى الآيات أعلاه وإنه ذكرنا بهذا ، بل جعلها هي الذكرى لكي يوصلنا هذا الذكر لمعرفته الواقعية المرادة له ، فنؤمن به ونعرف عظمته وكبرياءه في كل سننه سواء في الوجود أو في سيرة وسلوك الأنبياء في الأمم السابقة وأحوالهم ، وكل هذا التفكر والذكر سماه الله في الآيات أعلاه ذكر له وعباده خالصة له ، وقال لهذه المعرفة ( ليعبدون ) ولها ( خلقهم ) لا فقط لعبادته وذكره بالأسماء الحسنى وترديدها من غير معرفة به وبعظمته وكبرياءه وهداه وملكه وكل نعمه .

فإن هذه المعارف في الذكر الحكيم من تذكر الأمم السابقة وأنبيائهم والمواعظ التي فيها والتعاليم التي ترويها والعمل بها بل العلم بها بل تلاوتها ، عبادة له تعالى بذكر عظمته وتحصيل لمعرفة قدرته ، وهي حقيقة نعمه التي تدوم على عباده المؤمنين له بدين أئمة الحق والهداة من الأنبياء والمرسلين ، وإنها هي الذكر والذكرى التي تنفع المؤمنين حتى يخلصوا له الدين ويكونون له بحق عابدين بما يريد ، وإنه إذا أوصلنا هذا الذكر والتفكر للإيمان به فهو من أحسن العبادة التي يكون فيها الإخلاص والخشية والخوف والرجاء كما عرفة في الآيات السابقة الذكر .

 وإن مجرد ذكر نبينا وتذكيره بهذا وتبليغه لنا كان أعظم الطاعة والعبادة لله ، وبهذا كان تبليغ رسالته سبحانه بتوسط رسوله الكريم ، وهذا التبليغ هو أحسن العبادة لله تعالى سواء لتلاوة القرآن الذكر الحكيم أو تعريفه للناس أو تطبيقه والعمل به ، وهو ذكر وتذكر لعظمة الله بل لله ولو لم يكن بترديد الأسماء الحسنى بالذات .

 بل كل أمر يجعلنا نؤمن به ونعرف عظمته وكبرياءه فهو عبادة له وذكر له سبحانه ، وهذا جاري في كل آيات الكتاب المجيد والذكر الحكيم سواء للنبي أو لنا حين ذكره وتذكره وتلاوته ، فضلا عن التدبر به وثبات الإيمان بهذه المعارف والعمل بها التي هي غاية الخلق ، وبها يصلوا لرضاه ونعيمه الكبير وملكه الطيب الخالد .

 وهذا جار لآخر الدهر بإمكان التعبد بهذا الذكر والتذكر الموجود في آيات الله تعالى مخلصين له الدين والذكر ، وكل من يُذكر بها ويذكرها فهو في عبادة لله تعالى خالصة مرضية موصلة لعظمته ، بل يكون الإنسان من الموقنين ، بل يحصل له بهذا الذكر والتذكر لآيات الله في الأفاق والتأريخ والأنفس وقصص الأنبياء الخشية له تعالى وللخضوع والخشوع له وحده لا شريك له ، وله أعظم الأجر وأحسن الثواب .

ولهذا عرفنا إن ذكر الكونيات وقصص الأنبياء وأممهم لم يكن عبادة لها ولهم بالذات وإن كان بذكرها وذكرهم ، بل عبادة لله تعالى وحده لا شريك له وهو تذكر لأمره وقدرته وعظمته وحلمه وكرمه ، وبأنه رب رحيم هادي منعم عظيم قيوم له الأسماء الحسنى التي توصل كل شيء لغايته ولو بذكر ظهورها في الكون دون ترديدها بالمباشرة ، فإذا كان التذكر للأمم الماضية لكي نؤمن بالله إيمان إجمالي أو تفصيلي عبادة له خالصة مرضية ، وطاعة مقبولة له لها ثواب كما وعد سبحانه لا لها .

 فإن ذكر نبينا وآله الذين يعرفون دين الله الحق بكل كلامهم وسيرتهم وسلوكهم وبكل ما فضلهم الله به ؛ أتم في العبادة لله من الذكر والتفكر في الجبال أو في قصة أمة غير مسلمة وأنبياء وآل أنبياء أقل شأن من نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم أجمعين .

وذكر وتذكر تأريخ الإسلام ورجاله وسيرتهم وسلوكهم وبالخصوص أئمة الحق وأتباعهم وذكر فضل الله عليهم وما كرمهم به ، هو أشد في الوصول لله وعبادته ومعرفته بما يحب ويرضى به من الإيمان وبكل ما يعبد به سبحانه ، وبالخصوص ذكر الإمام علي عليه السلام الذي هو المحك في معرفة أئمة الحق من آل محمد كلهم ، وبه يكون التمييز بين أئمة الحق والباطل ، وبه يتم معرفة كل دين الله على طول الزمان وبمقدار الإقتداء به ، وبه يتم معرفة دين الله وسنة نبيه من خلال تعاليمه وسيرته وسلوكه وكلامه وحديثه الذي يجسد لنا بحق كل دين الله ، بل يوصلنا لمعرفة عظمة الله في المحافظة على هداه ودينه الحق ، فإن الدين عند ولي الله الصادق المصدق دون تعاليم من قاتله وحاربه وخالفه في كل شيء.

 وبهذا نعرف إنه إذا كان الفكر والذكر الموصل للإيمان بالله تعالى عبادة وطاعة له ، وإن الذكرى تنفع المؤمنين ، وإنها من الدين وعبادة لله تعالى ، فذكر نبينا وكل سيرته وسلوكه وهكذا الإمام علي عبادة لله وموصلة له ، لأنه يذكرنا بإمام الحق وولي الله بعد نبيه الكريم الواجب أخذ دين الله منه ، بكل ذكر له وبما فضله الله به سواء من أدلة الإمامة أو مواقفه المشرفة في الإسلام في كل أحواله ، فإنه بذكره تتم معرفة دين الله منه ، ويجب أن لا نخلطه بدين من عاده وقتله وليس له فضيلة تذكر ولم يصطفيه الله لدينه الحق ، وهذا آيات أخرى .

 

وإذا كان ذكر وتذكر قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } فاطر3. عبادة له تعالى لا عبادة لنعمة الله علينا .

 فتذكر كل ما رزقنا الله وبالخصوص نعمة الهداية لدينه فهو من أشد العبادة له تعالى ، وأنت الذاكر والعارف بأنه لا يتم معرفة هدى دين الله إلا بمعرفة أئمة الحق بعد نبينا بكل ما فضلهم الله به وأيدهم به وذكرهم به من التكريم والثناء ، وذلك لكي نعرفهم بأنهم هم الهداة لدينه بحق دون غيرهم ، وعندما نذكرهم بما فضلهم الله به وبما أيدهم يمكننا أن نميزهم به عن غيرهم من غير المطهرين من الشك والشبهة في الدين ، ونصفي عبادتنا لله من كل ما يقولون به أولياء الشيطان بغير حق وينسبوها لتعاليم رب العالمين .

فإنك يا طيب عارف إن معرفة دين الله مستلزمة لمعرفة أئمة الحق ومعرفة أئمة الحق مستلزم لذكرهم بكل ما فضلهم الله به ، فذكر نعمة الله على أكرم واشرف خلقه والمصطفين الأخيار لهدى دينه فهو من أفضل العبادة لله تعالى وهي عبادة خالصة له ، بل هي من ذكر فضله علينا ونعيمه التام الكامل بكل حدوده لنا ، ولذا في سورة الفاتحة ذكّرنا الله وأمرنا أن نتذكر في اليوم عشر مرات أن نذكر أن هدى صراطه المستقيم عند المنعم عليهم من أولياء دينه دون من ضل عنهم وغضب عليهم  ، فكان في ضلال عن هدى الله وكان في غضبه .

 وذلك لأنهم لم يتبعوا المنعم عليهم بنعمة حقيقية ، وإنما هم مدعون أن دين الله عندهم ، ولم يصدقهم الله ولا رسوله ولا سيرتهم عندما كانوا معه ، بل كانوا يفرون منه في المواقف الصعبة ، ولم يتثبت إلا علي وآله ومن أقر لهم بالإمامة بعد رسول الله وأخذ تعاليم الله منهم بعده ولم يتبع غيرهم .

 وغير نبينا الكريم وآله صلى الله عليهم وسلم ، وإن ملكوا وتسلطوا على حكومة المسلمين وادعوا ما ادعوا لهم من الأسماء ، فإنهم ليس لهم نعمة حقيقة لأنه ما أعطاهم الله من ملك الدنيا لم يصرفوه في معرفة الحق وأهله حتى يعبدوا الله تعالى بهداه الواقعي ، بل منعوا الناس منه وحرفوهم عنه بإبعادهم عن أئمة الحق ، وصرفوا نعمة ملك الدنيا في إبعاد الناس عن دين الله ، وأنقلب نعيم الله عليهم نقمة عليهم وعذاب شديد دائم في واقع الأمر عند الله .

 

وهذه آيات كريمة في سورة صاد من تذكير الله لنبينا الكريم ولكل من يريد أن يَعرف ويُعرّف دين الله ويبلغ له ويُذكر به ويتذكره ، وفيها بين تعالى كثير من الأمور في التكوين والتشريع وكثير من معارف هداه ، وسيأتي شرحها في صحيفة الذكر ولكن هنا ذك موجز منها وشرح مختصر ، فإنه تعالى سمى كل القرآن المجيد وما فيه من التعاليم ذكر فقال عز من قائل :

 

{ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } ص1 .

وبهذا يعرفنا سبحانه إن القرآن المجيد هو كله ذكر وتذكير بعظمة الله ، ولو تدبرنا سورة صاد وآيات العظمة والمقدرة فيه لرأينا أنه تعالى يريد أن يعرفنا بأنه هو الله واحد لا شريك له في الملك والهداية لعبادة فضلاً عن الصفات والذات والأفعال ، وبأي صورة من الذكر يمكن أن نذكر الله تعالى وليس يقتصر الذكر على ذكره بذكره بالأسماء الحسنى وحدها ، بل يمكن أن نعبده بكل تعاليمه ومعارفه تعالى وذكره بها ، أو ذكره تعالى بتذكير عظيم خلقه ودقة الصنع وحسنه ، أو في ذكر وتذكر هدايته التكوينية للكون كله ، أو التشريعية لعباده المكلفين ، وأس العبادة هو الإيمان به تعالى ، ثم يأتي التعبد له وذكره بما يوصلنا لمعرفة عظمته وقدرته وحكمته وعلمه ، وكل شيء يوصلنا للخضوع له والخشوع عند الحضور والتوجه له .

 وبهذا التذكر والمعرفة يمكن أن يتوجه لله عز وجل العباد ويطلبه المؤمن بكل دينه وبكل عبادة أمر بها تعالى ، ويتمكن المؤمنون أن يعبدوه حين يذكروه بكل شيء يروه في الوجود أنه مخلوق لله تعالى وهو الذي يمده بما فيه قوامه حتى غايته ، وأنه له من الله وحده هدايته ولو بتوسط رسله وأولي الأمر من دينه وأئمة الحق ، وسيأتي بيان كيف رؤية عظمة الله في الكونيات في كلام الإمام علي عليه السلام .

والله تعالى في هذه السورة الكريمة صاد يذكر لنا كثير من الحقائق الكونية وقصص الأنبياء التي تعرفنا عظمته سبحانه لنعبده بمعرفتها وذكرها ، وذكرنا بها بأنه هو تعالى الموجد لها والمنعم عليها بنعمه التي لا تحصى والهادي لها لأحسن غاية لها ، فنستشعر عظمته تعالى وكبرياءه في الوجود حتى نخضع ونقر له بالعبودية بحقيقة وجودنا ، ونسعى لأن نكون في طاعته وعبادته بكل تعاليمه ومعارفه ، ونذكر بعض الآيات من السورة ونترك التفصيل لجزء صحيفة الذكر قال الله تعالى :

 

{... اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ...}ص20 .

 فالله تعالى يذكر النبي داود عليه السلام وما فضله به بعد ذكر كثير من القصص للأنبياء وبيانه لعظمته في الكون في هذه السورة الكريمة صاد ، وإذا كان هذا الذكر لنبي الله داود وما أنعم الله عليه وكرمه ، عبادة لله لا لداود ، وهو ذكر ليعلم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ولكل من يأتي بعده ، وكل من يتلوه ليكون في طاعة الله ويتفكر ويستأنس بما فضل الله به أنبياءه الكرام ، فحينئذ يطلبه بكل جد وصدق .

فذكر نبينا الكريم وذكر آله الطيبين الطاهرين معه وبالخصوص ذكر الإمام علي في كتاب الله وبكل ما فضلهم وكرمهم أيضاً عبادة ، بل أتم في معرفة الله وأعظم في معرفة الله ومعرفة ما فضل الله به عباده المكرمين عنده ، وبه يتم الوصول لمعرفة تعالى وفضله وكرمه في الإسلام على ولاة أمره فيه حتى نقتدي بهم ونأخذ دينه الحق منهم ، وسترى شيء من ذكرهم في بحوث الأبواب الآتية أو راجع صحف العبادة والذكر .

فإن نبينا وآله الكرام هم أصبر الناس في جنب الله وتعليم معارفه ، وهم الذين لم يزلهم شيء لا في حرب ولا في سلم فضلاً عن طمع الدنيا عن عبادة الله تعالى ، بل كان الإمام علي هو الصابر الذي لم يفر عن النبي في كل وجوده فضلاً عن معركة واحدة ، بل كان هو القائد المقدام والنصر كله على يده ومن ثبت معهم أعترف لعلي بالإمامة ، وكل من خالفه قد فر في أحد وحنين وخيبر ولم يستبين عزمهم وثباتهم على الدين في زمن النبي وبعده .

فإن هذا الذكر والتذكر لتأريخ الإسلام ومواقف النبي وعلي صلى الله عليهم وآلهم وسلم لكي نتعلم الثبات في دين الله من أولياء ديننا أشد عبادة لله تعالى ، بل معرفة ما فضلهم الله به من سورة الكوثر وسورة الإنسان وسورة الضحى وألم نشرح وغيرهن وفي كل آيات الحرب والسلم والصلاة عليهم وآيات الإمامة كلها ذكر وعبادة لله لا لهم ، كما كان ذكر النبي داود والأنبياء السابقين عبادة لله ومشعر بعظمته تعالى ومبين لكرمه وفضله .

 بل ذكر نبينا وآله الكرام هو معنى معرفة الله بكل تعاليمه ودينه بحق وصدق ، وهو اشد للثبات على الدين لأنه تأريخ الدين الإسلامي الواجب على كل الناس الأنس به ومعرفته لمعرفة فضل الله على نبيه وعلي وآلهم الذين شرفهم فيه بكل مواقف الكرامة والهدى والدين ، وهذا الذكر والتذكر لأئمة الحق وأولياء الدين أس المعرفة الموصلة لله ودينه وعظمته بحق كلها وأصل للثبات عليها وعدم الانحراف عنها ، ولا يتم إلا بذكر فضائلهم وسيرتهم وسلوكهم التي هي حقيقة التجسيد للدين وتعريف له بكل أبعاده لتتم عبادة الله ،  وهو أشد من كل ما مذكور لنا من معارف عن الأنبياء السابقين وثباتهم ومعارفهم المرضية لله ، ومعرفة نبينا وآله وبالخصوص الإمام علي هو عين الصبر على معارف الدين والثبات على الحق كما يريد الله تعالى من هدى دينه الصادق دون غيره .

 

وهذه بعض الآيات الكريمة التي يأمرنا الله تعالى بها كما أمر الأمم السابقة بها ، وهو يطلب منا أن نذكر نعمه التي كرم الله بها عباده بصورة عامة لكل العباد ، وبالخصوص نعمة الهداية التي هي أس الوجود والتي يجب أن تصرف كل نعم الله في تحصيلها والثبات عليها وتطبيق تعاليمها ، ونذكر الآيات مع شرح يسير ونترك التفصيل للصحف الآتية .

قال الله تعالى يأمر عباده في كل زمان أن يتذكروا نعمه حتى يؤمنوا به ويشكروه ويعرفوه بما هو ممكن لهم من معرفة قدرته وعظمته وفضله عليهم ، ومن ثم حتى يعبدوه ويؤمنون به كما يريد ولم يرد سبحانه ذكره بالأسماء الحسنى فقط ، فتدبرها تعرف معنى ما أمر به من الذكر وكيف يعبد الله بتذكر نعمه على العباد ، قال الله تعالى :

 

{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِي }البقرة40 ، فهذا الذكر لهم يذكرهم بعظمة الله وهدايته لهم ، وهو إن حصل لهم التذكر يرجعون لطاعة الله ، فيكون نفس ذكرهم عبادة وكل ما يحصلون به من الإيمان بالله وما يدينون به بدين الحق الإسلام عبادة لله تعالى وحده ، وهذا الذكر كما لهم فهو لنا لأنه من كتابنا المجيد والذكر الحكيم الذي يبين ملاك ذكر الله وعبادته تعالى وكيف يسير الإنسان ليصل إليها .

 

وقال الله تعالى : { وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } البقرة231 ، وهذه آيات لنا يأمرنا الله تعالى أن نتدبر آيات الله تعالى وما أنزل من الكتاب والحكمة وكل تعاليم دينه وهداه ، وهذا موجب لمعرفة الله تعالى وعظمته ونفس الذكر هذا عبادة وكل تعليم نعبد به الله نتعلمه بذكر الكتاب والحكمة عبادة فضلاً عن العمل به وتطبيقه .

 

قال تعالى :{ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الأعراف69 .

 فإنه في هذه الآية الكريمة سمى الله تعالى تعاليمه ذكر وأمرنا بذكر الاستخلاف للعباد في الأرض وما أنعم عليهم ، وهذا التذكر نفسه لو حصل عبادة لله وإن كان بذكر عظمته في تجلي نعمه وكرمه على عباده ، وبتذكر نعم الله وآياته وآلائه وكرمه وفضله علينا سواء في نعم الكون أو الهداية التكوينية أو الهداية التشريعية أو ذكر قصص الأنبياء أو خلق الله وكل ما يوجب الإيمان بالله ، فهو عبادة لله وذكر له بعظمته وكبرياءه وإن لم يكن ذكر خاص بالأسماء الحسنى ، وإن لم يكن عبادة خاصة مع تلفظ نية القربة لله ، بل بالعلم الإجمال الذي نطلب به معرفة الله والخضوع له والتضرع له بمعرفة كبرياء وفضله ونعمه في الوجود .

وهذه المعرفة والذكر لعظمة الله نعمه وتفضليه وتكريمه وتشريفه لنبينا وآله الطيبين الطاهرين ، أشد تذكر وتذكير بعظمة الله وهدايته لعبادة بأئمة حق وهداة دين صادقين قد حافظ بهم على تعاليمه من تحريف كل محرف وبهم عرف الله تعالى حق المعرفة ، بل عُرف وذكر سبحانه بأحسن معرفة ممكنة للبشر ، تدبر من يعرف الله بتوسط نبينا وآله صلاة الله وسلامه عليهم ، ومعرفة من أنحرف عنهم ، فإنك ترى من لم يعرف الله من سبيل الإمام علي وآله صلى الله عليهم وآله ، مجسمة ومجلسة لله على عرشه فضلاً عن جعل اليد والعين والوجه والرجل له سبحانه وتعالى على الحقيقية ، دون جعلها تعبير عن عظمة الله وقدرته وعلمه وسعة رحمته وهداه وعدم تضييع عمل عامل من عباده ، وهذا مختصر وراجع البحوث في صحف موسوعة صحف الطيبين وبالخصوص المتعلقة بأصول الدين وشرح الأسماء الحسنى وذكر علي عبادة لله وحده.
 

إلى الأعلى



الذكر الرابع

ذكر نبينا وآله بالخصوص الإمام علي عبادة لله

قد عرفنا معرفة مختصرة في معنى ذكر الله تعالى وذكره بمعرفة عظمته في خلقه وتذكر نعمه سواء في الكون وآفاقه أو الأنفس وهدايتها ، وأن هذا التفكر والتذكر لعظمة الكون وخفايا النفس وقدرتها وعلمها ، موجب للإيمان بالله تعالى ومعرفة كبرياءه وعلو مجده وكرمه ونعمه ، يل تعرفنا بحق أنه هو الله لا إله إلا هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم وله الملك ، وله الحمد والشكر وحده لا شريك له ، فهذا الذكر لخلق الله لا يراد به عبادة الخلق ، ولكن لكي نعرف الله بقدرته وإحاطته وعلمه في كل شيء سواء في الكون وهداه أو في الهداية التشريعية لعبادة ، أو بما فضل به بعضهم وكرمهم فجعلهم أكرم عباده وأفضلهم وأشرفهم ، وكلها موجبة لشكره وحمده سبحانه على ما صنع وكون وأنعم وهدى ، بل موجبة للخضوع والخشوع لجلال عظمته سبحانه ورجاء رحمته وخوف عقابه لكل عاقل يرى قدرة الله وعلمه ، وخبرته وهداه وثوابه وعقابه في الكون وبالأخص للبشر على طول التأريخ بل في كل شيء فيه .

 وكانت معرفة أولياء دين الله وأئمة الحق وذكرهم هي أشرف معرفة موصلة لمعرفة قدرة الله تعالى وهداه ولكل دينه ، وكان تذكرهم والتذكير بهم بيان لكبرياء الله وربوبيته وقيوميته وحاكميته على عباده ، ونتيقن بحق أنه هو الرب الرحمن الرحيم والمالك والهادي والحاكم الحق الذي لم يهمل العباد بعد أن خلقهم ، بل هداهم بأكرم خلقه وأشرفهم وبأفضل دين وتعاليم توصلهم لأتم سعادة وخير ونعيم منه لعباده المؤمنين ، وهذا ما خصنا به سبحانه من الهدى بنبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين بعده ، ولذا أمرنا أن نتحدث بما أنعم على نبينا وآله صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، وأمر بذكرهم لكي يعرف هداه ودينه ، وقد عرفت معرفة عامة لذكر عظمة الله وكبرياءه وتذكر نعمه في كل الكون وهداه وبصورة إجمالية ، وهذه المعرفة خاصة بما أنعم الله به علينا بنبينا وآله الطيبين الطاهرين وبالخصوص الإمام علي عليه السلام .

قال ربنا الله تعالى في سورة الضحى والانشراح آيات كريمة رفع الله بها ذكر النبي الكريم وأمره وأمرنا بذكرها والتحديث بها ، وإنها من كتاب الله وتعاليمه التي يعبد بها ، وإن كانت خاصة بذكر فضل الله على نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين ، لكن بالتدبر بها نعرف أنها تشمل كل آله سواء وبالخصوص الإمام علي عليه السلام ، قال الله تعالى :

{بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ

{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى

(5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6 ) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ (9)وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ (10)

وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) }الضحى .

 

في هذه السورة كرامات ونِعم متتالية للنبي من ولادته حتى بعثته ، فكرمه بأن أواه الله في بيت جده عبد المطلب وبيت عمه أبو طالب أبو علي حتى أغناه بمال التجارة وخديجة رضوان الله عليهم ، بل أغناه بهداه وجعله هادي لكل البشر ، وهذا واجب علينا أن نعرفه ونتحدث ونحدث به ، وهذا هو تذكر وذكر لتأريخ النبي كله لأنه من نعم الله المذكر بعظمته وكبرياءه وبره وهداه وحكمته وربوبيته في هداية عباده ، ونعمته عليهم بتعاليمه ومعرفته بكل هداه و بحق المعرفة التي تشع بنعم الله على النبي وآله صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين التي أولها دينهم وولايتهم وإمامتهم على كل عباد الله إلى يوم القيامة .

وهذا المعرفة لتأريخ النبي هي معرفة بتأريخ الإسلام والدين كله ، وموصلة لإذعاننا بعناية الله ونعمته على النبي وآله كلهم بل علينا إذ هدانا بهم ، وذكرهم ومعرفة فضل الله عليهم والتحديث بنعمه عليهم هو موجب لرسوخ الإيمان بالله وبمعرفة دينه الحق من سبيلهم ، والتعبد له وطاعته والإخلاص له كما يحب سبحانه وله الأجر العظيم والثواب الجزيل منه تعالى ، وبالخصوص ستراها مقترنة بنعمة الله على علي عليه السلام بأن جعله هادي لعباده بعد النبي الكريم ، وذلك عندما نتذكر تأريخ النبي أو فقل تأريخ علي أو فقل تأريخ ديننا الحق ، وكيف هدانا الله بتعاليمه بتوسط النبي وعلي وآلهم ، فتدبر ما نذكر لك من التأريخ بما رفع الله لنا من الذكر بذكرهم ، ورفع بيتهم في آية البيوت المرفوعة ، وهذا هو نفسه ذكر لعظمة الله ولفضله ونعمه بما كرمنا بنينا وآله الطيبين الطاهرين وبالخصوص أخي النبي ووصيه بالحق علي بين أبي طالب عليه السلام .

 فأجعل هذا في بالك لأذكرك بآيات من سورة الانشراح حتى يأتي مجمل من التاريخ المشرف لنبينا الكريم والإمام علي ، وهو بيان لتأريخ الإسلام كله ودين الله الهادي به لنا ، وهو كما كان في سورة الضحى أمر بالتحديث بنعم الله على النبي في آله ، هنا تبين أنه رفع ذكره بآله وأول أهله وأكرمهم على الله وعليه هو علي بين أبي طالب عليه السلام ، فإذا كان ذكر القرآن عبادة فذكرهم كلهم عبادة وذكر له تعالى بمعرفة فضله ونعمه وهداه التام الخالص عندهم ، وإذا كان امتثال أمر الله بتذكر تأريخ وسيرة وتعاليم الأنبياء عبادة كما عرفت ، فذكر نبينا وبالخصوص الإمام علي عليه السلام أولى بالعبادة ، فتدبر سورة الضحى وتدبر ما قال الله تعالى  في سورة الانشراح :

 

{ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2)الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3)

 وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ  (8)} الانشراح .

 

وهل يكون رفع الذكر للنبي الكريم إلا بذكر آله الطيبين الطاهرين معه ، وبكل ما كرمهم الله به من الفضائل والمجد والمكارم سواء ذاتية أو عن طريق جعل الهدى لهم بل هدى العباد بهم ، فإنه تعالى طهرهم وجعلهم كوثر الخير والبركة والنعيم والهدى لجميع البشر ، وبهم وبمعرفتهم وذكرهم يذكر الله ويعرف بحق وصدق كما يريد سبحانه وتعالى .

ويا طيب قبل أن أذكر لك تأريخ الإسلام بذكر مختصر من تأريخ النبي وعلي وآله الذين أمرنا الله به ، بل شرفنا الله بطلبه منا ذكرهم والتحدث عنهم بالنعم التي أنعم بها عليهم ، كما أمر وشرف رسوله أن يحدث بنعم الله عليه إذ آواه في بيتهم ، وكانوا آله وأهله وهو منهم وهم منه نور واحد وهدى واحد ودين واحد ومقام واحد ، وهم الذين يحفون به في النشر والحشر والحوض والشفاعة ولواء الحمد والصراط وفي الجنة ، بل وشيعتهم وكل من يواليهم ويأخذ دين الله منهم فهو معهم يحف بهم ، والخزي والعار ودار البوار لمن عاندهم ومنع من ذكرهم وحرم معرفتهم وتعلم دينه منهم وعبادة الله به .

 ولهذا كان من الفخر والشرف والتكريم لنا بأن نتحدث بما كرمنا الله بمعرفتهم ومعرفة دينهم وهداهم وذكر فضله عليهم ، ونذكر لك بعض التشريف لكل الأنبياء لنتذكر إن ذكر أولياء الدين على طول الزمان هو مأمور به ومطلوب من قبله تعالى بالإضافة لما عرفت ، وهو طاعة وعبادة له تعالى لأنه امتثال لأمره بالتحدث بما أنعم عليهم من رفع الذكر والمقام والمنزلة والجاه والشرف منه وعنده لهم .

وهذا ليس عبادة لهم بل لله تعالى ، لأنه شرح وتفسير وبيان لقدرته سبحانه ومعرف لعظمته وهداه ، وكيف أنه بر رحيم ورب كريم لطيف بالعباد إذ لم يهملهم بعد أن خلقهم ، بل عرفهم بنفس عظمته وكبرياءه وقدرته وعلمه ، وأقام على العباد الحجة التامة ليوصلهم لكل نعيم وكرامة تحصل لهم بمعرفته بحق المعرفة ، وعبادته بعبادة خالصة له وبكل تعاليم دينه الصافية من دين أولياء الشيطان ومكرهم ، لأنها من سبيل أولياء الله وحده لا شريك له نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .

وهذه آيات كريمة يذكرها الله ليعرفنا تأريخ تشريفه لأكرم عباده ، فيذكرهم سبحانه بكل تكريم وفضل وتمجيد ، وبها يذكرنا بأكرم أولياء دينه على طول التأريخ حتى نبينا وآله صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، ونذكرها بذكر مختصر للذكرى ونوكل الشرح لجزء آخر ، وبها يكون لنا تذكر لفضل الله على العباد على طول التأريخ ، ولتكون ممهدة لذكر آية كريمة تعرفنا أنه يجب أن يكون هذا الذكر لتأريخ الأنبياء بصورة عامة ، وذكر خاص موجب للتحديث عن تاريخ نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، وأنه يجب أن نتحدث عنهم بنعم الله عليهم وما فضلهم الله به كما نتحدث عن الأنبياء السابقين ونذكرهم .

بل ونزيد هنا بيان أن الذكر والتحدّث عن كرم الله وفضله ونعيمه على عباده المكرمين والمشرفين يجب أن يكون مع الود والمحبة لهم ، لا ذكر عناد لهم ولا تحدث مع حسد والعياذ بالله ، وهو كما كان عليه ممن عاداهم ممن سبق وخسر دينه ونفسه ومعرفة الله الحقة الصادقة وكل عبادته بما يريد ، وذاك حين فضل أعدائهم عليهم أو حين خلطهم بغيرهم من أعداءهم وممن نصب لهم أو حاربهم وقاتلهم .

 

قال الله تعالى :

{ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ  (69) ـ

يأدبنا ويعلمنا الله البر الرحيم : بأنه حين نذكر ونتذكر ونعقد مجالس الذكر يجب أن تكون مجالس كريمة تُذكر بفضل الله بذكر أولياء دينه ومن أحبهم وهداهم وممن أخلص له الطاعة ، وذكرهم بكل ما شرفهم ليكونوا لنا ذكرى تعرفنا ديننا ، وأين حل هدى الله لنأخذه من أئمة الحق الذين اصطفاهم وأختارهم سبحانه ، دون ذكر غيرهم ممن أضلهم الشيطان عن معرفة الله وعبادته بفضائل ومكارم كاذبة ، فنخوض بالباطل في بيان تفضيل ونعم الله الحقيقية على عباده الأخيار فقط وبالخصوص أئمتهم وهداتهم ، ولذا أمرنا الله أن نهجر من لم يدين له تعالى بحق ولم يذكره كما يريد بأمور تعرفنا نعمه وهداه وما يوصلنا لمعرفة عظمته وكبرياءه فقال تعالى ـ

{ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِأَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) ـ

 وبهذا يأمر سبحانه سيد الأنبياء والمرسلين نبينا أن يتذكر ويذكر به ، وهو في الحقيقة أمر له ولنا بالتذكر والذكر لأولياء دينه لنقتدي بهم ولنأخذ دينه منهم حين ذكرهم والتذكير بهم ، لأنه خطاب الله لنبينا هو لنا في الغالب وإنما يوجه للنبي ليبين سبحانه أهمية لنا ، فيشرفه أولاً ثم يشير إلينا بأنكم عباد تابعين له مقتدين ومتأسين به لا أكثر في الهدى والدين ، ويجب عليكم العمل بما ذكّرته به لتكونوا من أنصاره وأتباعه بل عباد لله مخلصين مرضيين الدين ، فلم تكونوا مثل ممن يخوض في الدين ويدعي خلافة سيد المرسلين ليس بحق ويفتي برأيه وقياسه واستحسانه كأنه مشرع مع أنه ليس له ولاية من الله ولا تشريف يذكر .

 وهذا تذكر وذكر حق منه تعالى للتذكير بفضله وهداه الذي جعله عند أئمة الحق وأولياء دينه الصادقين المصدقين ، حيث طلب من أشرف رسله أن يذكرهم ويُذكر بهم ، فكيف بالعبد العادي الذي عليه دائماً أن يحدث به ويتذكره ، وبعد أن بين ما يجب أن تكون ما عليه من الآداب مجالس الذكر ، علمنا الله تعالى ذكر أولياء دينه وكيف أنعم عليهم وكرمهم وفضلهم وأختارهم للهداية لدينه ، وذكرنا بهم لنعرف سبيله وسنته في اختيار رسله وأئمة الحق في الأمم السابقة ، لنطبقه على ما عليه ديننا في الإسلام ، وبهذا القانون الرباني نعرف رجال دينه الصادقين نبينا وآله الطيبين الطاهرين فقال تعالى بعد ذلك ـ

{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ  قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) ـ

نبي الله إبراهيم عليه السلام يُذكرهم بعظمة الله وحكمته وهدايته له دونهم ، وذلك لما رآه الله بقدرته على تحمل تكريم الله ونعمة الهداية حتى يهدي غيره ، وفضّله الله بمعرفته وعبادته بل وكرّمه بدينه ليعلمه لغيره ، فآمنه وأمّن كل من يؤمن به ويطيعه ويقتدي به ، وجعل الخوف لغيره ممن يخوض في آيات الله ومعرفة فضله وعظمته في تكريم أولياءه وتشريفهم ، ولذا قال سبحانه :

 

{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) ـ

 

وبعد أن ذكر سبحانه فضله على نبيه وفريقه المؤمن به الآمن عند الله بنعمه وفضله ، ذكر لنا مُلك إمامته والسبب الذي شرفه الله به نبيه إبراهيم وكرمه ، وذلك لأنه لم يلبس إيمانه بظلم وشرك ، بل رفعه الله وجعل في ذريته وآله النبوة والإمامة والهداية لآخر الدهر حتى نبينا وآله صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين فإنهم منه ، فتدبر الآيات إذ قال تعالى ـ

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)

 وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} الأنعام90.

هذه الآيات الكريمة تذكر تأريخ الدين وملاك الإمامة في أغلب تأريخ البشرية ، ثم جعلها الله تعالى ذكرى للعالمين مع أجر للنبي الكريم كما في آخر الآيات ، ولتعرف هذه الأجر الكريم الذي يجب على النبي أن يطبقه ويذكره ليستمر هدى الله لآخر الدهر ، كما وعلينا أن تذكره إن كنا من العالمين المؤمنين الذين بحق تنفعهم ما يذكر به الله ، ويعتبر بما يبينه من سننه في الهداية لعباده ، وعلينا إن نفتخر بهذا الذكر والأجر للنبي الكريم الذي هو نفعه لنا ، وهو أفضل نعم الله التي يجب أن تذكر وهو تكريم هدى ومعرفة بالله وبدينه ، بحيث جعل الإمامة في آل سيد الأنبياء الكرام وذرية وقرباه أخيه علي وآله إلى آخر الدهر وبهم يهتدي المهتدون ، كما كان سنته سبحانه في الأمم السابقة ، تدبر الآيات السابقة وضم لها الآيات الآتية لتعرف الحق وآهل ولتتذكر وتذكر الله بنعمة معرفته من أولياء دينه الحق الذي ذكرّنا بهم بكل سبيل وتتنعم بأفضل نعمة هدى ودين باقية لآخر الدهر .

فإنه بهذا الذكر أمرنا الله أن نعرف كيف يهدي الله العباد بأولياء دينه وذكّرنا بسنته في الهدى والدين ، بل أمر النبي أن يُذكر بها وجعلها ذكر لكل العالمين لمن يحب أن يعبد الله ويعرفه بكل دينه فضلاً عن الإيمان به ، وبه يصل لعظمته في تدبير هداه وربوبيته تعالى وقيوميتة الموصلة للعباد لكل هدى بصراط مستقيم قد أختاره على علم على العالمين في ذرية بعضها من بعض .

 وهذا الذكر به يعبد الله بعد معرفته والإيمان به ، لأنه سبيل معرفته ومعرفة دينه وهداه بحق وصدق دون غيره من السبل المتفرقة والمنحرفة عنه ، وكما يجب أن يكون مع المحب والود لأهل البيت وقربى النبي عليهم السلام عند ذكرهم ، سواء ذكرهم بالإمامة والولاية أو بما فضلهم الله به من تعاليم ، ولذا قال لنا تعالى ليبين ذلك الأجر الكريم الذي هو نفعه لنا وأنه ذكرى للعالمين من الذين يريدون أن يعرفوا هدى لله ، ويريدون أن يتذكروا فضله وكرمه وبره ولطفه في كيفية هدايتنا لدينه بأئمة الحق من آله محمد صلى الله عليهم وسلم ، عندما نتلو قوله تعالى :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }الشورى23.

وهذا الود الذي فيه أجر الرسالة النبوية الذي يجب علينا أن نتذكره هو في الحقيقة فيه دين الله ومعرفته ، وهو مأمور به وواجب لإيمان به وتطبيقه والتحقق به بحب النبي الكريم وآله صلاة الله وسلامه عليهم .

وهذا الذكر للنبي وآله بما فضلهم الله به وشرفهم هو أس التحقق بودهم وحبهم والأخذ منه بكثرة وزيادة على نحو الكرف والاقتراف منه ، وهو نعمة الله وفضله عليهم وعلينا بتعريفنا أئمة الدين وهو عبادة مرضية لله تعالى ، وطاعة لأمره الذي فضل به نبينا وآله بكل شرف وتفضيل ، وفيه أحسن الأجر المضاعف من الله وفيه غفرانا الذنوب وشكر السعي وهو أكرم أجر ، وهذا التذكر لفضل الله علينا بنبينا وآله عبادة حقة قد أرادها لله وأمر بها تدبر الآيات السابقة .

لا كما يقول غير العارفين بدين الله وسنته في تفضيل عباده وأولياء دينه وذكرهم ، فيقولون ذكرهم شرك ، فينسوهم ويذكرون غيرهم ممن قتلهم وحاربهم وناصب لهم العداء بالسنان واللسان والقلم والكتابة ، وبكل سبيل يمحوا آثارهم ويبعد الناس عن أئمة الحق ، ثم عن دين الله الصادق المراد له سبحانه ، ثم يعبدوه بدين لم يرده تعالى بل مبعد عنه ، ثم يدعون الإيمان والتوحيد والذكر بما يوافق ضلال أئمة الكفر والضلال وهواهم بدل العبادة الحقة ، فتراهم عند التدقيق في دينهم وذكرهم هم في جهل مركب وظلمات متراكبة بعضها فوق بعض .

 ولا يحق لأحد أن يصرف الآية لمودة مطلق قربى المسلمين الذين بعضهم أعصى العصاة لله ومطيع وعبد للكفار ، بل قد حرف الناس عن دين الله الحق ، والله كرم نبينا بهذا الأجر في قرباه وهم الذين رفع به ذكرهم وأمر التحديث بما أنعم عليه وعليهم ، وهو تعالى الذي جعلهم كوثر الخير والبركة وأنعم عليهم بالهداية للصراط المستقيم بعده ، بل جعلهم بيت مرفوع الذكر كما قال الله تعالى :

{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } النور37 ـ

هذا البيت المكرم المرفوع ذكره كما رفعه من قبل من زمن إبراهيم جدهم الأول ، وأهم ما رفعه الله وكرمه به هو الإمامة والأمن والهداية لدينه وعبوديته كما عرفت في الآيات السابقة ، بل كان فيه أشرف تخصيص لنا بأئمة ديننا إذ قال الله في سورة الانشراح والضحى لنبيه :

ورفعنا لك ذكرك ، وقال له : وإما بنعمة ربك فحدث ، وكما عرفت هو أمر له ولنا ولك البشر أن يعملوا بهذه الذكرى والتذكر ، وذلك لأنه بيت أخلص لله تعالى دينه وذِكر الله فيه ، فرفعه الله وكرم رجاله وشرفهم ومجدهم .

فنبينا وآله وبالخصوص سيد بيته بعده علي بن أبي طالب صلاة الله وسلامه عليهم ، هم أصل تعليم ذكر الله وعبادته ومعرفته وتعليم دينه في كل أحوالهم سواء في الصلاة أو إيتاء الزكاة أو في البيع والتجارة ،لم يلهوا عن ذكر الله ، بل كانوا في كل حال لهم وتصرف وسيرة وسلوك وذكر وتحديث وتعريف وتعليم وخُلق وعمل هم بيان لذكر الله ودينه وهم في عبادة له ، فلذا كان ذكرهم من ذكره تعالى وعبادة له لا لهم لأنه إطاعة لأمره تعالى ، والحديث عنهم فيه معرفة وتعلم لدين الله وعظمته ونعمته عليهم وجود ونور وهدى ودين ، وطلب المعارف منهم وهو طلب بحق وصدق للدين وللهداية وللنعم الإلهية من محلها الأعلى المرفوع عند الله علمه وعمله ، وهو العلم والعمل الصالح الحسِن لكل عالم وعامل به .

وبهذه الآية بيّن وذكر سبحانه كيف أنهم في كل حال في ذكره ، ولذا كان ذكرهم في كل حال هو معرفة لدينه وطاعته وعبادته تعالى لا عبادة لهم ، فهو تعالى ذَكر لنا أكرم بيت مرفوع الذكر في الوجود وهو بيت بل رجال بيت رفع الله ذكرهم ، وشدد في تعريفه وذكره في كثير من الآيات وكان يكفيك التدبر في الآيات السابقة ، أو راجع ما ذكرنا في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام الجزء الأول لتعرف المزيد ، بل راجع صحف الإمامة وصحيفة ذكر علي عبادة الكاملة تعرف تفصيل هذا وكثير من حقائق ذكر الله بمعرفة فضله ونعمه على عباده المكرمين وأولياء دينه الطيبين الطاهرين ، فعندها تمجده وتحمده وتشكره سبحانه بحقيقة الذكر وخالص العبادة التي لم تخلط بشيء من غير ذكر الله وعبادته وطاعته ، وليس فيها من دين أعداء دينه ممن قتل أئمة الحق وحاربهم وخالفهم ونصب لهم العداء وعرف لفريقه وحزبه غير دين الله الحق الصادق .

بل يكفيك ذكر الصلاة عليهم عند ذكر النبي في التشهد في الصلاة اليومية وكل ما ذكر أسمه الكريم فتصلي عليه وعلى آله معه ، لترى أن ذكرهم من ذكر الله ، والله قد رفع ذكرهم وجعله عبادة ودين يدين به كل من يريد أن يتقرب لله بحب أولياء دينه ، ويكون عند الله في الدنيا والآخرة من المكرمين ويترفع بفضل معرفتهم وذكرهم كل من يقترب منهم ويذكرهم في الدنيا والآخرة ، فيكون معهم من حزبهم وفريقهم آمن منعم لا خوف عليه والخوف على من عاداه لأنه غير مولي لأولياء الله تعالى .

فنبيا وآله هم رجال بيت مرفوع بذكر الله وهو الذي عرفه لنا وذكره لنا ، وأمرنا بذكره ولابد أن يُذكر بما أمر الله به وبكل ما شرفه وكرمه ، ولا يجوز هجره فتهجر الصلاة والزكاة والبيع والشراء المراد لله وكل تعاليم الدين ، لأنه بمعرفتهم بكل حال هو معرفة دين الله وهو أفضل عبادة ، لأنه عبادة الله بالإيمان به وبكل ما أمر ، وهي عبادة علم ومعرفة وذكر لفضله وأفضل نعمه وهداه ودينه حين ذكرهم ، فهم بحق إلى أخر الدهر أشرف وأكرم رجال بيت مرفوع ذكره .

 والإمام علي وآله هم رجال بيت نبينا وآله على طول التأريخ وبه يتذكر عظمة الله وهداه وكل معرفته ، ولأنه هو المطهر لهم ولكل من يلتحق بهم كما طهر كتابه فقال في حقهم وهو العالم الخبير بعباده الأطهار :

{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }الأحزاب33 .

 فنبينا وآله الكرام هم المطهرون وكل ما يعلموه هو طاهر من أي رأي وشك وشبه في تعليم وتعريف الله ودينه ، وخالص بكل ما يليق بشأنه وجلاله وتكريمه لعباده من الفضل والهدى والدين ، وهو فضل الله يأتيه لمن يخلص له ويصبر على تبليغ رسالته ، ولا ينحرف عنها برأيه ويفتي بهواه وليس له شاهد يصدقه ، فإنه تعالى صدق أهل البيت النبوي الطاهر وكذب من يخالفهم بقوله تعالى :

{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } آل عمران61.

هذه آية كريمة صدق الله بها نبيه الكريم وآله الطيبين الطاهرين وجعل كل من كذبهم ملعون مطرود من رحمته ، وقصتها يعرفها ويذكرها ويتذكرها كل مؤمن يريد أن يعرف دين الله الحق من أولياءه ، وهي أمر الله للنبي أن يحاج كل من يكذبه ولا يقبل منه الحق بأن يدعوا الله بلعن من يصر على عناده ، فأمره أن يأتي بالحسن والحسين أبنيه وأبني علي بن أبي طالب وفاطمة ، ويأتي بفاطمة بنته أم الأئمة وسيدة النساء ، ويأتي بنفسه علي بن أبي طالب فيدعوا هو وهم يأمنون فيرتفع الدعاء بتصديقهم ، وبأمر الله كان هذا الموقف الكريم في ذلك اليوم المشهود.

وبه ظهر وبان الحق معهم وهو تشريف لهم وبيان لفضله تعالى عليهم وتكريمه لهم في أكبر حشد يشهده المسلمون والنصارى وكل من حضر ، ويسمع به ويتلوه ويذكره في الذكر الحكيم لآخر الدهر ، فيعرف أن الحق مع هذا البيت المطهر المرفوع وهم أولياء دين الله الصادقون المصدقون بكل كلامهم ، وإلا لو يعلم الله منهم كذب لم يأمر نبينه الكريم ومبلغ رسالته أن يكونوا معه في ذلك اليوم الذي يريد أن يبين الحق لنبيه ويكرمه بتصديقه ويشرفه بنصر دينه .

 وهذا أمر وذكر لنا يعرفنا به ربنا وهادينا في كتابه المجيد شرف النبي بآله وبالخصوص في نفسه الإمام علي وآله الذين هم آل النبي وأهل بيته وعترته المقربون وعزتهم وكرامتهم عليه ، دون غيرهم ممن خالفهم بالقول بغير هداهم ، فإنه البيان الباطل والضلال التام في الظلام لكل من عرف غير تعاليمهم ، وفي الآيات الكريمة التي تعرفنا أهل البيت عليهم السلام بيان لكون دين الله عند الصادقين المصدقين فقط وعند من تبعهم واهتدى بهداهم ، وهي بيان لنعمة الهداية من رب العالمين بكل صورة ليهدينا بها سبحانه لدينه الحق ، وإذا عرفت هذا الشرف الكامل وضرورة الذكر للنبي وآله وإن سيد آل النبي وقرباه بعده هو الإمام علي وآله عليهم السلام .

 نذكر لك يا طيب بعض الآيات الخاصة به ثم نعرج لذكر تأريخ الدين كله مختصرا كما وعدناك ، وإن كان شرفه الإمام علي هو شرف للنبي وهو أتم فضل الله عليه بعد رسالته واصطفائه ، بل هو شرف وتكريم لنا بتعريفنا إمام الحق ، وذكره بالفضل هو ذكر لفضل الله وعظمته وكرمه ولطفه وحكمته وربوبيته في تعريف ولي دينه سبحانه إذ قال :

 { مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً

(23) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } آل عمران174.

هذه الآيات نذكرها لنبين تكريم خاص للإمام علي عليه السلام ، بعد أن عرفنا : الذكر العام للنعم ، والذكر الخاص بالأنبياء ، والذكر الخاص للنبي وآله كلهم ومعهم الإمام علي ، وهذا ذكر له عليه السلام وإن كان في زمن نبينا الكريم ، ولكن نزلت هذه الآيات لتعرف المؤمنين الطالبين للحق في الهدى والدين لآخر الدهر ، ومعرفة وذكر ما كرم الله به الإمام علي عليه السلام في يوم الخندق وغزوة الأحزاب ، إذ الله بيّن وذكر فضله عليه وشرح وفسر لنا صدق الإمام علي وثباته على ما عاهد الله عليه مع عمه حمزة وبن عمه عبيدة بن الحارث الشهيدين في بدر وأحد وهما اللذان قضوا نحبهم ، وهو الباقي بعدهم ، وهو الذي لم يبدل أي تبديل في نيته في نصر الله وبذل مهجته في سبيل إعلاء ذكر الله تعالى ودينه .

 فبين الله تعالى ولي دينه الذي أنقلب بنعمة الله وفضله وكرمه ، ومعه كل من حب من نصره الله في تلك الأيام المشهودة في غزوة الخندق والمسماة بغزوة الأحزاب التي كان النصر على يده ، وذلك عندما قتل الطاغي عمر بن ود وفر الجيش الكفر وخُذل ، ونصر الله المؤمنين بعلي عليه السلام ، وبين الله فضل الله العظيم عليه وعلى كل من حبه وكان من حزبه وفرح بنعمة الله عليه ، التي هي شرف من الله في بيان صدق نيته مع الله وذكر لبيان رضى الله عليه ، وهي آيات خاصة به بل سورة الأحزاب مقرونة به وبآله آل النبي ، وفيها لهم كل تكريم وتشريف وتطهير وصلاة عليهم ورفع لذكرهم .

 بل كل سورة تذكر نصر الله للمؤمنين هي بيان لفضل الله ونعمه على النبي وعلي وآلهم ثم من تبعهم من المسلمين وثبت معهم ، ولم ينقلب عليهم بالمحاربة والقتل وعداء الدين والتعاليم ويمنع من معرفتهم وذكرهم ، ويصد عن بيان ذكر الله لفضلهم والثناء عليهم وما شرفهم به من المناقب الكريمة والقدرة على التحلي بها والثبات عليها .

تدبر الآية فيها تأكيد في تأكيد لتصديق علي عليه السلام بأنه لم يبدل أي تبديل وبيان لنعمة الله عليه ورضاه وفضله العظيم ، وهذا الفضل العظيم هو نفسه الذي نطلب أن يهدينا له الله تعالى في سورة الفاتحة التي أمرنا وأدبنا بأن نكررها كل يوم بالصلاة الواجبة علينا ، وهي نفسها دين الله وذكر فضله ونعيمه ورضاه الذي جعله لنا في يوم الغدير عندما نصب الله الإمام علي أمير للمؤمنين ، وولي لكل مؤمن ومؤمنة بعد رسول الله في حجة الوداع في غدير خم اتلوا قوله تعالى :

{ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } المائدة3 .

 هذا الذكر نازل في يوم الغدير في حجة الوداع وقد ألف الأميني رحمه الله كتاب في أحد عشر جزء يبين تلك الحقيقة بكل أبعادها ، وتجد مصادر القوم ومصادرنا الذاكرة بنزول الآية في شأن الإمام علي في الجزء الأول منه ، وهذا فضل الله وتكريمه وتشريفه لنا بعلي بن أبي طالب بعد أن جعله أمير المؤمنين ، وبفضل الله كمل كل دينه بتعيين الإمام علي إمام وخليفة بعد النبي ، وهو يوم يأس فيه الكفار من تحريف دين الله ، لأنهم مهما فعلوا في كتم الحق ، يرى المنصف والطالب للحق في دينه أن يطلب أئمة الحق وإنه لابد على العاقل والطالب لرضا الله وعبادته الصادقة أن يأتي علي وآله آل النبي فيأخذ دين الله منهم في أي زمان كان ، ولا يأخذه من غيرهم ممن عادهم وحاربهم ومن أتباع الظلمة لأنهم لا آية تصدقهم ولا حديث صدق غير موضوع يؤيدهم ، ولا سيرة مشرفة تشهد لهم من غير دغل فيها أو خروج على النبي الكريم بالمعصية أو العمل بغير إذنه أو الفشل الذريع في نصر دينه وفي المهام الموكلة لهم .

 ولهذا ذكر سبحانه أنه في هذا اليوم كمل الدين وتمت نعمة الله علينا التي يجب أن نذكرها ونتذكرها حتى نعرف الله تعالى بحق المعرفة من ولي دينه وإمام الحق ، ونحصل على رضى الله بتعاليم الإسلام التي نأخذها منه ، ونعبده ونذكره بكل أنواع الذكر والعبادة التامة المرضية له ، وعندها ننقلب بنعمة الله التي ينقلب بها وليه الذي لم يبدل تدبر الآيات أعلاه .

ولا يحق لمن يطلب الله أن يتساهل بدينه ولا يجد في معرفة الحق ويذكر فضل من لم ينعم الله عليه بهدى دينه بالحقيقة وأنقلب عن النبي في حياته وبعده ، وترك من أنعم الله عليهم وتعاليم دينهم وعلم رأيه واجتهاده ، فينقلب انقلاب ضلال ، ويكون من المنحرفين عن الدين ونعمة الله الحقيقية بذكر فضائل ومناقب كاذبة لأعداء علي وآله ، ويجعل الناس يتبعون كل منقلب عن نعمة الله وهداية وصراطه المستقيم ، بعد تعريف كاذب وتكريم ليس له حقيقة من فضل الله ، لأنه كان ممن أنقلب عن النبي وعلي وآله الطيبين الطاهرين وقتل فاطمة وعلي والحسن والحسين ، أو تسبب في قتلهم ومحاربتهم وعلم غير دينهم فينطبق عليه قول الله تعالى :

{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } آل عمران144.

وأنت أما أن تذكر نعمة الله والمنعم عليهم فتثبت على دين الله وتكون شاكر لأنعم الله فتنال كل هدى الله ورضاه ونعمته ، وتكون بما تذكرنا مع الحق وأهله ، و من أهل الذكر والذاكرين لأنهم مع الله ومع إمام الحق وكل من تبعه وعلم دينه ، فتذكر فضائله ومناقبه وكل ما كرمه وشرفه به الله تعالى ورسوله .

أو والعياذ بالله تنقلب عن نعمة الله ولن تضر الله شيء ، وإن كنت تذكر وتعرف كاذب لأعداء الله ورسوله والمنقلبين عنه ، ولو ذكرت لغير آل محمد لمن عاداهم ألف فضيلة كاذبة وعبدت الله ألف سنة بدينهم الذي هو غير دين علي والنبي وآلهم الذي جعله الله عندهم ، فلن يرضى عنك الله وتنال الوبال والخسران المبين والعياذ بالله من دين أعداء آل محمد ومذهبهم الباطل .

ويا طيب لا يحق لك بعد معرفة هذا الذكر والتذكر أن تتغافل فلا تطلب الحق وأهله ودين الله وأولياءه ، وتأخذه من كل من يدعي أن دين الله عنده فإنه ضلال محض ، لأن الله ذكر لنا إن نعمة الدين يجب أخذها ومعرفتها من الصادق المصدق الذي لم يبدل وعرفه الله بأنه بولايته كمل الدين ، وبإمامته تمت النعمة التي هي بيان لهدى الله وصراطه المستقيم عنده وهو علي وآله الكرام بعده ، وإن دينهم هو هدى الله الحق بعد النبي .

ولا يحق لمنصف أن ينسى هذه النعمة ويذكر نعم كاذبة لمن أنقلب عن النبي في حياته وبعد مماته فقتل آله وحاربهم ، ومنع من ذكرهم والتذكير بهم والحديث عنهم والتحديث بما فضلهم الله به وكرمهم به من هدى دينه ، ثم يدين بدين محرف عن دين أئمة الحق ، ثم يدعي التوحيد والإخلاص والعبادة والأسماء الحسنة الإسلامية له ولكل من ترك نعمة الله الحقيقية وهداه الواقعي ، ولم يذكر فضل الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وهذا المسلك خلاف رضى الله والإنصاف وتعاليم الدين وتذكير رب العالمين في كل هداه وذكره المبين .

ولما عرفنا بعض المعرفة عن الذكر نذكر لك تأريخ الدين الإسلامي ، وهو الذي يتلخص ويتم بذكر النبي وعلي حتى ندين به ونعبد الله بمعرفته ونتذكر الحق وأهله ، ونحصل على ثواب معرفة فضل الله ونعمته على عباده ، ونتذكره مع الحب والود إن شاء الله ، فتكون لنا ذكرى تنفع المؤمنين لأننا نتذكر بها دين الله وهداه ونحصل على معرفته من سبيله الوحيد وصراطه المستقيم الحق نبينا وآله وسيد البشر علي بعد النبي صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .

وهو ذكر مختصر لتأريخ الدين الإسلامي العزيز نلخصه لك يا طيب ، وإن أردت المزيد عليك بمراجعة تأريخ الإسلام الصادق في الكتب المطولة ، وسنذكر منه إن شاء الله ما هو أكثر تفصيل وسعة في الأجزاء الآتية من صحيفة ذكر الإمام علي عبادة والله هو ولي التوفيق .


الهي بحق علي وأخيه وآلهم الطيبين الطاهرين اسقني من حوضهم واجعلني وكل الطيبين نحف بهم تحت لواء الحمد وفي كل مكان كرمتهم به في الجنة إنك أرحم الراحمين
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين  

إلى الأعلى علاك الله بإخلاص له بدين أمير المؤمنين الحق علي عليه السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام