هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في أصول الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام
علي عليه السلام
الجزء الأول / ما نذكر به الإمام علي عليه السلام وسببه

الباب الثالث

ذكر لإمامة الإمام علي وآله عليهم السلام في تأريخ الدين والوجود في كل مراتبه

في هذا الباب : معرف قيمة عن تأريخ الإمامة والهدية ونور الله في السماوات والأرض وكل مراتب الوجود وتأريخ الدنيا ، وكلها مختصة بنبينا الكريم وعلي وآلهم ، وإن شيعتهم ممن عرفهم وذكرهم بحسن الذكر الإلهي الذي عرفنا بهم وبشرفهم ودينهم يكونون معهم ، لأنهم عبدوه تعالى بما علموه مخلصين له بدينهم ، وفيه أذكار وأحاديث نعمة تعرفنا شيء عما نذكر به الإمام علي في آله الكرام وسيده نبينا محمد صلى الله عليه وآله  :

الذكر الأول
نعمة إلهية في سنة وجود الحجة والإمام من أول الدهر لآخره

الذكر الثاني
إن الأرض لا تخلو من وإمام هادي للعباد

الذكر الثالث
آيات وأحاديث نعمة في إمامة نبينا وآله بعده لمعرفة الله ودينه

الذكر الرابع
نعمة الحديث عن الثَّقَلين القرآن المجيد وعترة النبي الكريم

الذكر الخامس
حديث نعمة الإمامة للنبي وآله في الملكوت الأعلى قبل الأرض

الذكر السادس
الحديث عن نعمة ظهور نور الله في النبي وعلي وآلهم وشيعتهم

 

إلى الأعلى



الذكر الأول

نعمة إلهية في سنة وجود الحجة والإمام من أول الدهر لآخره

 بعد أن عرفنا بعض المعرفة المختصرة لوحدة التأريخ المشترك لنبينا الكريم والإمام علي عليه السلام وآلهم في كل شيء في هذه الدنيا ، سواء في الآل والنسب أو الدين والهدى وفي كل نعمة وفضل ، وأنهم لهم المجد المشترك والمناقب المتوحدة والفضل الإلهي الكامل ، وعلى المؤمن معرفة وذكر هؤلاء الأطهار الذين أختارهم الله لدينه والتحدث عنهم ليعرف دينه الحق ، وذكرنا أن هذا التاريخ مشترك من قبل الدنيا وبعدها فضلاً عن اشتراكهم في الهدى والدين الإلهي .

فإن كان الباب السابق في ذكر التأريخ الدنيوي لأشرف وأكرم خلق الله ، والباب الأول في معرفة أن ذكر أئمة الحق ضرورة من ضروريات الدين بالخصوص عند الذكر والحديث عن أكرم عباد الله نبينا وآله عليهم السلام ،  فإليك مطالب جميلة تعرفنا هدى الله ودينه ومعارفه الحقة الصداقة من خلال الذكر والحديث عن ضرورة وجود الإمامة في الدنيا ، وبالخصوص تحققها في نبينا وآله وأولهم الإمام علي صلى الله عليهم وسلم .

 بل ستعرف أن فضل الله ورحمته ونوره لهم هدى ودين وخلق ونعمة  وإمامة ، كان في كل مراتب الوجود العليا لهم هذه الإمامة والولاية فضلا عن الدنيا والآخرة ، وإن هذا الذكر هو من الأمور التي نذكر بها الإمام علي وآله وما شرفهم الله به ونتشرف بها لمعرفتهم ، ونفتخر بذكرها لنصل لدين الله من خلالهم ، بل نرجو من الله أعلى ثواب واشرف كرامة وعبودية له وحده لا شريك له ، لأنه هو المثيب والرافع لدرجتنا بما عرفنا من أئمة الدين والحق علي وآله آل أشرف رسول كريم صلى الله عليهم وسلم .

حتى تتيقن بكل وجودك الطيب إن تحقق الإمامة والولاية لأشرف الخلق وأحسنهم وأكملهم أمر يقره العقل والشرع والوجدان والدين ، وقد ذكرنا وستأتيك كثير من الأدلة والبراهين التي تعرفنا حتى اليقين أن الله تعالى لما خلق الخلق لم يتركهم من غير هادي وإمام حق يُعرف العباد شأنه ومجده وكبرياءه وعظمته ، سواء بما يحكيه الله بتشريفه لهم حتى جعلهم أجمل مظهر للأسماء الحسنى وما يتجلى منها من جمال وكمال في الوجود ، أو بهداهم وما عرفوا عن عظمة الله وكبرياءه في تعاليم دينه التي بها حَسن الوجود وكمل معناه وأتقن صنعه وهداه وغايته ، حتى يكون الإنسان الشريف الذي يحب الكمال يمكنه أن يصل له بمعرفة أكمل خلق الله وأشرفهم ، فيتبعهم ويأخذ معرفة الله ودينه منهم ويطيعه بما يحب ويرضى ، فيسعد في وجوده وصفاته وذاته ويصل لأفضل نعيم خالد دائم من الله تعالى .

وهذه أحاديث نعيم وذكر في بيان إمامة أهل البيت النبوي الطاهر وولايتهم بعد النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وتبين شيء من شأنهم العظيم ومقامهم الرفيع عند الله ، وهي مما نرويها نحن في كتبنا ونتناقلها في مجلسنا مع الإيمان بها علماً وعلماً ، وإن أردت ما يذكره العامة في كتبهم فعليك بكتاب الغدير للعلامة الأميني أو كتاب إحقاق الحق أو كتاب المراجعات ومستدركه أو كتاب عبقات الأنوار ، وقد ألفت في السنوات الأخير موسوعات كبيرة حول الإمام علي عليه السلام وكل ما يتعلق بحياته وإمامته ، وهي مثل موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنة والتأريخ في اثنا عشر جلد لمؤسسة دار الحديث ، أو دانش نامه إمام علي عليه السلام في اثنا عشر جلد ، أو مؤسسة بنياد نهج البلاغة ومؤلفاتها القيمة الكثيرة والتي منها جامع أحاديث الإمام علي في أربعة عشر جلد ، فإنهم ذكروا أحاديث النعيم بشأن أئمة الحق والهدى لدين الله من مصادر الخاصة والعامة وشرحوها بإتقان .

ونعتقد أن هذه فضائل الله وتكريمه لعباده الأخيار والمصطفين الأبرار الأطهار ليعرفنا بها أئمة دينه ونقر له بحسن اختياره وجميل هداه لنا ، وهو الرب الرحيم والودود اللطيف أمرنا أن نأخذ دينه من أشرف خلقه وأكرهم ، وبما خصهم بما لم يخص به غيرهم من معارفه وتعاليم دينه مع تمكنهم من الثبات على طهارتهم في العلم والعمل والتعليم والسيرة والسلوك بما لا مزيد عليه لممكن ، حتى كانوا أشرف وأكرم وأكمل ما خلق الله في الوجود ولا يدانيهم أحد في الفضيلة والنعيم والشرف والتكريم الإلهي والمنزلة السامية والمقام المحمود عنده ، وبهذا يلحق بهم شيعتهم الذين يقتدون بهم ويأخذون دين الله الواحد منهم .

فربنا العليم القادر والهادي الحكيم ربى نبينا محمد وأخيه ووصيه علي بن أبي طالب وآلهم بيد القدرة ورعاهم برحمته وفضله وكرمه ، حتى نعرفهم بكل فضيلة وشرف وكرامة في كل تأريخ الوجود وفي حياتهم وسيرتهم وخصائصهم وصفاتهم وتعلميهم وحديثهم الذي يظهر لنا علمهم وعملهم ، فعرفهم لنا سبحانه بما مكنهم بكل وسيلة سواء في كتابه المجيد والذكر الحكيم ، ولذا شرفهم به معلمين ومحافظين عليه ، أو في سنة نبيه سيد المرسلين وخاتم النبيين حتى كانوا منه وهو منهم في كل مراتب الوجود ، وهذه بعض أحاديث النعيم وذكر التفضيل بالإمامة والولاية ، نضيفها لما عرفت في أحاديث الذكر السابقة ، فإن أحببت المزيد فعليك بالموسوعات المذكورة آنفاً ، وقد حققنا كثير من بحوث الإمامة في صحف موسوعة صحف الطيبين ، ونجعل البحث هنا في أحاديث نعمة تذكرنا ضرورة وجود الهداة في الكون والعالم البشري على طول الزمان وصفاتهم وما كرمهم الله به وشرفهم في كل مراتب الوجود .

 

إلى الأعلى


 

الذكر الثاني

إن الأرض لا تخلو من وإمام هادي للعباد

 إن حُسن الوجود وإتقان الصنع يدلنا دلالة تامة على ضرورة وجود الخالق له ، بل هو الهادي له بالهداية التكوينية والهداية التشريعية حتى يوصله لأحسن غاية له ، وإن أهم مسألة بعد الإيمان بالله تعالى هو البحث عمن يبلغ هداه ويعرفنا شأنه العظيم وكبرياءه ودينه القويم ، وعندها كان ومازال على الإنسان العاقل أن يعرف شأن الأنبياء والمرسلين ، وبالخصوص نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم ، لأنهم أوصياءه الحقيقيين وأئمة المسلمين المنتجبين ، ليأخذ المؤمنون دين الله منهم في كل ما تبقى من الدهر من بعد نبينا الكريم إمام بعد إمام وبأمر الله يهدون ويعلمون .

وقد قال الله تعالى :

{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِيرٌ }فاطر24، في هذه الآية الكريمة نعرف أن وجود النذير في كل أمة من سنن الله تعالى المحكمة في الكون ، ومن قضاء الله المحكم الذي يقره العقل بأدنى تفكر في الوجود وفي عظمة الله تعالى حتى ليذعن أنه من خلق الخلق المتقن وسخر كل شيء للإنسان لكي يعبده ، وإنه من شدة حكمته وإتقانه لهده ودينه ، نتيقن أنه لا يمكن أن يترك الوجود بدون هادي يعلم العباد دين الله وينذرهم مخالفة تعاليمه التي فيها سعادتهم وكل أمر يوصلهم لنعمته .

ولكن الله بعد أن ختم النبوة جعل بعد المنذر للعباد ونبي الرحمة السراج المنير سيد البشر ، الهادي الذي يحافظ على تعاليم الله من آله الطيبين الطاهرين وأولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليهم وسلم ، وهو الإمام الحق للعباد فقال تعالى :

 { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7 ، فهذا الهادي بعد النبي الكريم هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآله بعده إمام بعد إمام ، وهم الذين يهدون العباد بعد المنذر نبينا الكريم وقد عرفت بعض شأنه وشأن آله الكرام ، وسيأتي ذكر متواصل نتحدث به عن نعمة الإمامة والولاية الإلهية له ولكل آله آل النبي الكريم صلى الله عليهم وسلم .

 وقد عرفت في الباب السابق إن أمر الإمامة والإمام الحق مستمر وهو الذي سيدعونا به الله في يوم القيامة يوم لا دعاء لأحد بنسبه بل بإمامه ، وأنت يا طيب فإما تتبع إمام حق والهدى فتنجوا ، أو يتبع غيرك من أعداء المؤمنين لا أنت أن شاء الله إمام كفر وضلال فيكون أعمى وعليه غضب الله ، وأذكرك بالآية لأن الذكرى تنفع المؤمنين ، قال الله تعالى :

{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)

وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً }الإسراء72. وعلى الإنسان العاقل أن يعرف بكل دليل محكم البنيان وبرهان يوصل لأكمل الإيمان بمعرفة الإمام الحق حتى يأخذ دين الله منه ، ولا يحق لعاقل ومدعي الإيمان أن يعبد الله ويطيعه بكل إمام ولو كان من أئمة الكفر الذين أمر الله أن يقاتلوا ويحاربوا فضلاً عن قتل تعاليمهم ومحاربتها ، ولا يحق لمؤمن وعاقل أن يتبع أئمة الكفر والضلال ويقاتل أئمة الحق ودينهم ومعارفهم بمنع ذكرهم وتحريم معرفتهم ومعرفة دينهم الحق ، فيبتعد عن الله تعالى بكل خطوة يخطوها وكلام يتكلم به ، بل كل فكرة يفكر بها ، ويعصي الله بنعمه فيحب من أمر الله بلدهم ويترك من أمر الله بودهم .

وهذه بعض الأحاديث التي تبين سنة الله في الوجود بوجود أئمة الحق وحججه الذين يعرفون دينه وهداه على طول الزمان ، وهو بيان بصورة كلية لقانون السنة الإلهية لضرورة وجود الإمام في الأرض لآخر الدهر ، وسنتوسع بالذكر والحديث عن أئمة ديننا لأنه هم الواجب علينا معرفتهم وإطاعتهم وإتباعهم وأخذ معرفة الله ودينه منهم ، وهذا بالإضافة لما عرفت أن كتب الإمامة كلها أدلة متقنة على معرفة ضرورة وجود الإمام في كل زمان وبالخصوص بعد نبينا الكريم ، وإليك بعض أحاديث النعيم في ضرورة وجود الإمام والحجة .

 

ذكّر الصدوق حديث نعمة بالإسناد عن موسى بن جعفر عليه السلام :

( قال : ما ترك الله عز و جل الأرض بغير إمام قط منذ قبض آدم عليه السلام ، يهتدي به إلى الله عز و جل ، و هو الحجة على العباد ، من تركه ضل ، و من لزمه نجا حقا على الله عز و جل ) .

 كمال ‏الدين ج1ص221ب22ح3 . أقول ذكر الصدوق في هذا الكتاب كثير من الأحاديث في هذا المعنى إذا أحببت المزيد فعليك بمراجعته في هذا الباب وغيره ، وقال رحمه الله :

عن أبان بن تغلب قال قال أبو عبد الله عليه السلام :

 ( الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق ) .

كمال ‏الدين ج1ص221ب22ح5 .

وذكر الصدوق بالإسناد عن أبي الحسن الليثي قال حدثني جعفر عن محمد عن آبائه عليهم السلام أن النبي صل الله عليه وآله وسلم قال :

( إن في كل خلف من أمتي عدلا من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .

 وإن أئمتكم قادتكم إلى الله عز وجل فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم ) .كمال ‏الدين ج1ص221ب22ح7 .

أقول : إذا عرفنا أنه لابد للإنسان من ولي دين وإمام حق ، وهادي لمعرفة رب العالمين بحق المعرفة المرادة له بعد رسوله الكريم ، وهو الإمام المعلم لتعاليم دينه التي يحب أن يعبد بها ويطاع سبحانه ، نذكر بعض الأحاديث في اصطفاء الله لنبينا وآله واختيارهم أولياء لدينه إلى يوم القيامة واحد بعد واحد ولا يخلو الزمان من حجة لله منهم ، وبهذا نعرف إتقان الله لهداه الحق بالصادقين المصدقين في كل سنة الوجود الأرضي بل في كل عالم الملكوت كما سترى ، فتدبر .
 

إلى الأعلى



الذكر الثالث

آيات وأحاديث نعمة في إمامة نبينا وآله بعده لمعرفة الله ودينه

الأحاديث التي تعرفنا أئمة الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة فضلاً عن الآيات الشريفة ، وقد عرفت بعض الآيات التي ذكر الله بها مجد نبينا الكريم وفضله في آله وحدثنا عن نعيمه عليهم والضحى والانشراح بل سيأتي بيان سورة الإنسان الدهر والكوثر وغيرهن ، وإن كل آيات تأريخ الإسلام وبيان شأن المؤمنين فهي لنبينا وآله وبالخصوص أخيه بل نفسه الإمام علي وهي بيان لمقامهم عند الله ، وإن الناس تبع لهم على طول التأريخ في العبادة لله والدين والإيمان الحق الصادق الذي يرضى به تعالى .

 فإن آل النبي هم المقدمون المصدقون في كل التأريخ الإسلامي كما عرفت ، فضلاً الآيات الخاصة بهم من التطهير والولاية والمباهلة والقربى والأنفال والخمس وغيرها ، وأنهم هم أولياء دينه بعده والهداة للصراط المستقيم الذي نسأل الله في كل يوم أن يعرفنا بهم في الصلاة ، ويبعدنا عن المغضوب عليهم والضالين من أعدائهم والمنحرفين عنهم ، وهذا تأديب الله لعباده على طول الزمان ، وستأتي بعض التفاصيل لبحوثه .

وقد عرفنا أنه لابد أن يكون الإمام والهادي لدين الله أشرف الخلق وأكرمهم ، وسيد العباد وأكملهم في زمانه ، ولا يعقل أن يجعل الله الحكيم غير الفاضل المكرم عنده يسوده غيره بحق ، ويقوده للهدى وهو أهدى منه ، بل على كل عاقل ومؤمن أن يعرف إمامه الحق الذي يهدي بأمر الله ،  لأنه به يعرف الله ويطاع ، وقد مرت أدلة وبراهين وذكر وأحاديث تعرفنا إمامة أهل البيت وتذكرنا بهم ، وهنا في هذه الأذكار بعد أن نعرف الحق بضرورة وجود الإمام الحق على طول الزمان وبالخصوص بعد نبينا الكريم ، بل في كل الدهر وملكوته.

نأتي في الأذكار للأبواب الآتية لمواصفات الإمام الأول بعد النبي الكريم علي بن أبي طالب عليه السلام بل وذكر آله وشيعتهم معهم ، وما لهم من الشأن والشرف والفضل بمعرفتهم وأتباعهم وطاعتهم حتى الكون معهم دنيا وآخره ، وهذا ذكر لأحاديث نعيم أخرى تعرفنا شأن نبينا وآله الكرام ، وهي تعرفنا عددهم وما قال نبي الرحمة ضرورة وجودهم في كل الزمان الأرضي إلى يوم القيامة وكما سيأتي بيان أخر لوجدهم قبله وبعده في عالم الملكوت ، حتى نستأنس لأمر الإمامة وضرورة وجودها في الكون بصورة عامة ، ثم نتدرج في معرفة شأنهم ومواصفاتهم وبالخصوص الإمام الأول أمير المؤمنين عليه السلام :

ذكر وحدث بحديث نعمه في العمدة بإسناده قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

( قال لي جبرائيل : يا محمد قلبت الأرض مشارقها و مغاربها فلم أجد إنسانا خيرا من بني هاشم ) .

 العمدة ص : 273ح434 .

ذكر الصدوق بإسناده عن الرازي عن أبي جعفر الثاني عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

( لأصحابه آمنوا بليلة القدر إنها تكون لعلي بن أبي طالب ، وولده الأحد عشر من بعده ) .

كمال الدين ج1ص280ب24ح30 . الخصال ب12ص480ح48.

وذكر بإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عباس :

( إن ليلة القدر في كل سنة وأنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة ، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله .

فقال ابن عباس : من هم ؟

قال : أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون ).

 الخصال ب12ص479ح47.

أقول : ليلة القدر يترقبها المؤمنون فتكرمهم الملائكة ، ويترقبها النبي والإمام بعده فيتنزل عليه بالروح بأمر الله ما يهم وجوده الشريف وأمره كهادي لدين الله ومعارفه وما يقود به المؤمنين والأمة لخير فضيلة وسعادة ممكنة لهم وتوصلهم لرضى الله تعالى ونعيمه الخالد ، فالإمام أختص بليلة القدر وشُرف بها كالنبي وهو أولى بها من غيره ، وهي مستمرة لآل محمد إلى يوم القيامة بالهدى وتعاليم الدين وما يحتاجه صلاح المسلمين ، وقد شرحنا هذا البحث في صحيفة الثقلين وصحيفة الإمامة وغيرها فراجع .

وذكر الصدوق بإسناده عن يحيى بن أبي القاسم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب و آخرهم القائم ،

هم خلفائي و أوصيائي و أوليائي و حجج الله على أمتي بعدي ,

 المقر بهم مؤمن و المنكر لهم كافر ) .

 كمال الدين ج1ص259ب24ح4.

وذكر الصدوق بالإسناد عن عامر عن جابر أنه قال : قال سول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( لا يزال أمر أمتي ظاهرا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) .كمال الدين ج1ص273ب24ح24.

أقول : حديث الأئمة اثنا عشر حديث متواتر حتى قسم ألف به كتاب كامل في بيانه وشرحه وذكر مصادره من مصادرنا ومصادر العامة ، وهو من الأحاديث الذاكر لنعمة الإمامة واستمرارها في آل محمد عليهم السلام إلى يوم القيامة ، أولهم الإمام علي بعد النبي الكريم وبعده آله الطيبين الطاهرين إلى الإمام المهدي عليهم السلام ، والحديث شرح لليلة القدر .

كما إن الحديث من الأحاديث المشكلة عند غير الإمامية لأنه لا ينطبق على أئمتهم وإن طبقوه على الحكام بعد النبي ، ولكنهم لم يطبقوه على معاوية وحزبه ـ غير الوهابية فإنهم يرون الأئمة آل أمية لا آل محمد وعلي وستعرف بطلان قولهم في أدلة هذه الصحيفة ومعارفها ـ ، وإما غيرهم من أهل السنة والجماعة فحاروا به ويفرون من شرحه وإن ذكروه في كتبهم لتواتره ، وفرق بين ذكره مع إيمان وعمل وذكر عن معرفة وحديث نعمة ، وذكر وتحديث لا يعرف معناه وكيف يطبق ، ومن هم أئمة الحق المصدقون بكتاب الله وأشراف الأمة في كل وجودهم ودينهم وتعاليمهم ، وليس لهم خباثة ومكر وخداع وظلم وشرك وكفر وفسق وفجور وعداء لأئمة الحق والهدى ، وبالخصوص في زمن حكومة بني أمية وإن أمنوا به أنه من النبي صادر وهو من تعاليم الله تعالى ، والحمد لله على ما أنعم علينا بالإيمان به وبولاته أئمة الحق نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وذكر الصدوق عن زرارة بن أعين قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ( اثنا عشر إماما من آل محمد عليهم السلام كلهم محدثون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام منهم ) . الخصال ب12ص480ح49.

وذكر بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

( يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم عليهم السلام  ) . الخصال ب12ص480ح50.

وعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :

( اثنا عشر إماما منهم علي والحسن والحسين ، ثم الأئمة من ولد الحسين عليهم السلام ) .

قال الصدوق قد أخرجت ما رويته في هذا المعنى في كتاب كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة  .الخصال ب12ص480ح51.

أقول : سمي الذاكرون لفضائل آل محمد وشيعتهم بالشيعة اثنا عشرية لما عرفت من أحاديث إن الأئمة اثنا عشر بنص النبي ، وهم من قريش ومن النبي وآله ذرية بعضها من بعض عرفهم الله ورسوله الكريم لنا ، ولذا يرفضون إمامة كل مدعي لخلافة رسول الله غيرهم لأنه كاذب لا دليل له ولا برهان من الله ورسوله يصدقه ، ولا حديث نعمة وشرف يحكي عنه ويصدقه .

وذلك لأنه الحق الذي يؤيده الدليل وكل الدين وآياته وسيرة سيد المرسلين مع آله ، ويعرفنا بأنه لهم عليهم السلام كل النصيب الواقعي منه ، وإنه إن تبعهم المسلم وحبهم وودهم ناله الخير والإيمان ومعرفة الله ودينه ، وإن كذبهم كان له انحراف عن أئمة الحق والهدى وعن دين الله الحق ، لأنه بضرورة العقل والدين يجب أن نؤمن أن هدى الله عند إمام حق ، ويجب أن يكون أشرف خلق الله في زمانه وأفضلهم ، ويجب أن يكون قد أيده الله ورسوله وسيرته وعرفوه لنا بمواصفاته ، ولهذا نذعن بأن غير إمام الحق و المخالف له ، إما إمام باطل وضلال أو تابع له مهما كان ومهما تسمى به من الأسماء .

 وإذا عرفنا الإمامة المصدقة من الله ورسوله مختصة بآل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وإن عدد الأئمة اثنا عشر نذكر بعض شأنهم وشرفهم وما كرمهم الله به ومجدهم به في كل مراتب الوجود ، ثم نذكر خصائصهم ومواصفاتهم بصورة عامة وبالخصوص مواصفات الإمام علي وشيعته وآله معه ، لنعرف الحق وأهل دين الله وهداه ، حتى نعبده بحق المعرفة وندين له بما يحب ويرضى من سبيلهم .

وحسب أمر الله ولطاعته نتحدث بنعيم الإمامة ونذكرهم بكل ذكر جميل ذكره الله في كلامه المجيد وبينه النبي الكريم في سنته وسيرته ، فيحق للشيعة الإمامية والأثناء عشرية أن يؤمنون بأن الله لم يخلي الأرض من حجة وهذا كل من يطلب دين الله الحق من أئمة الحق ، وأن أئمة الحق المصدقون من الله ورسوله والمؤيدون بكل دليل يدل على إمامتهم بعد النبي الكريم هم من آله الطيبين الطاهرين ، أولهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وأخرهم الإمام الحجة القائم المهدي ، فحق لهم أن يرفضوا غيرهم ولذا سموا بالرافضة لأعداء آل محمد مهما كانوا لأنهم منحرفين عن الحق المبين .

 وما نذكره هنا من مناقبهم وفضائلهم في كل أبوب ذكر صحيفة ذكر علي عليه السلام الخاصة به أو بآله معه ، فهي ألقاب حقيقة تبين دينهم بحق ويصدقهم فعلهم وقولهم وكلامهم في بيانها وتعريفها لنا ، بل كل ما نذكره مما شرفهم الله به وكرمهم في هذه الصحيفة بكل أبوابها وأجزاءها مختص بتعريفنا لشرفهم ومقامهم السامي عند الله ، وإن الأحاديث التي تعرفنا بهم كثيرة سيأتي ذكرها .

 وغير أتباع آل محمد عليهم السلام لا يعرف إمام الحق ويتخبط في معرفته بالمواصفات التي ذكرها الله لأئمة الحق سواء في الكتاب أو سنة النبي الكريم ، فضلاً عن كونهم اثنا عشر وذرية بعضها من بعض ، أو أنهم أكرم البشر في السيرة والسلوك والمواصفات ، فلذا يكون منقبض الوجه والقلب عند ذكرها ويحاول أن يفر منها ويتجاوزها علماً ، وأما عملاً فيتبع أعداء أئمة الحق بكل وجوده ودينه .

ولذا كان من الظلم للنفس وللعقل وللوجدان والضمير والدين ولتعاليم رب العالمين وحكمته أن يترك العاقل نبي الرحمة وآله ، ويهجر مالهم من الشرف وما خصهم الله به من الفضل والكرامة والمجد وتعاليم الدين ومعرفته التي عرفوها وذكروها بكل صدق وبيان في كل سيرتهم وسلوكهم ، ويتبع غيرهم ممن عاداهم وحاربهم وقتلهم بأي صورة سواء بالسنان أو باللسان والقلم أو الكتابة في الانترنيت ويمنع من ذكرهم ومعرفتهم بأحاديث النعم التي تبين شرفهم وكرامتهم عند الله ورسوله وفي الوجود كله ، وإذا عرفت هذا المقدار عن ضرورة الإمام في الوجود نذكر أهم حديث يبين تلازم الهداة لدين الله في سنة النبي الكريم .

وإن كان حديث الثقلين جزء من بيان الإمامة بل له بيان جزء من حديث الغدير ، لكنه لكونه ذُكر في كثير من الوقائع فتواتر كواقعة الغدير ، لأنه حديث جامع فيه كل معنى الإمامة وأهدافها وخصائصها ، وفيه معجزة بقاء الثقلين وتلازمهم : القرآن ذو الذكر الحكيم وكلام الله المجيد ، والمحافظون عليه عترة النبي الكريم الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم .

إلى الأعلى



الذكر الرابع

نعمة الحديث عن الثَّقَلين القرآن المجيد وعترة النبي الكريم

 

أول حديث نعمة متواتر في الإسلام من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو حديث الثقلين ، وقد ذكره كل من كتب عن الإمامة وتعريف الإمام وحجة الله في أرضه ، بل والسيرة والفضائل والمناقب لأهل البيت عليهم السلام ، سواء كان ذكر الحديث مع الدراية بمعناه وما يرمي له النبي ، أو ذكر حديث رواية دون معرفة معناه وتطبيقه على إمامة أهل البيت عليهم السلام.

 وعرفت أن الله تعالى قد أحكم تعاليم دينه وبين أمر الإمامة بكل سبيل وأوضحه بكل دليل ، حتى كان كثير من آيات القرآن المجيد إما تحكيها في تأريخ الدين والأنبياء والمرسلين ، أو تذكره في آل النبي وتحدث بتعريفهم وشرفهم وكرامتهم عند الله تعالى ، فضلاً عن بيان النبي الكريم لشرف وشأن آله عند الله وفي تعريف تعاليم الله تعالى بكل بيان ممكن ، وكان أكثر حديث ردده رسول الله وبيّن فيه الإمامة في آله وأنهم خلفائه في دينه ومعارفه بعده هو حديث الثقلين.

ونبيا الكريم حدث بحديث النعمة الثقلين وذكّر به المؤمنين في عدة مواقف وبكل صورة يفهمها المسلمون حتى كثرة طرقه ورواته ومضامينه ، وقد عبر صلى الله عليه وآله وسلم عن تراثه القرآن المجيد وعترته الطاهرة :

بالثَّقَلين ، والثقلين : هما أثقل شيء يمكن أن يتحمله الإنسان ، لأنه يجب عليه بأن يأخذ دينه من إمام الحق حتى في زمان سلطان يمنع ذكره ويعاقب على التعلم منه فضلاً عن الاقتراب منه ، كما ويجب عليه أن يتولاهم ويحبهم ويقترب منهم ويتبرأ من أعادهم ومن كل ما شرع من التقول في الدين مخالف لهما .

والثَّقَلين من الثقل : ثقل الإنسان هو أغلى شيء عنده وأفضل شيء في وجوده بحيث يصرف كل عمره على تحصيله والمحافظة عليه ، لأنه يعبر عن أنفس شيء عند الإنسان مما يعتز به ويقدره ويعتبره كل وجوده وخالصة جهوده وأفضل شيء تمكن من تحصيله في الدنيا ، فيعتز به ويقدره ويفتخر به ويحب أن يُعرف به بين الناس وإن ذكر شيء من كرامته وشرفه ومجده ، ذكره معه وحدث عنه بحب له وبيان لأهميته وأن توفق لتحصيله ، وسواء كان مادي من أثاثه ومتاعه وتراثه 2، أو معنوي من كتاب أو عترة طيبة طاهرة شريفة كريمة مقدرة عزيزة عنده وعند الله .

ونبينا الكريم بعد معرفة الله والإيمان به ومعرفته لعظمته وكبرياءه وبعد نبوته ، أشرف وأكرم شيء عنده وأعزه وكل فخره وشرفه وكرامة الله له ، فهو اختصاصه بكتاب الله المجيد القرآن العزيز ، وعترته وأهل بيته وآله الطيبون الطاهرون وكوثر الوجود المطهرون الذين باهل الله بهم وصدقهم ورفع عنهم الرجس وكرمهم كل كرامة وشرف ، وهذان الثقلان النفيسان لرسول الله القرآن والعترة ، وهما اللذان يفتخر بهم نبي الرحمة لعزتهم وكرامتهم ومنزلتهم عند الله ويذكرهم ويحدث عنهم بكل فخر واعتزاز وتمجيد ، ويبين شرفهم ومنزلتهم عند الله وعنده وفي كل مراتب الوجود ، وهما تراثه الذي يمكن أن يتركه ويتمسك به الناس بعده فيعرفوا الله ورسالته ودينه بما يحب ويرضى .

بل الثَّقلان : هما اللذان يفتخر بهما كل مؤمن ويعتز بهما لما يعتز بهم الله ورسوله ، ومعرفة أهمية تلازمهما إلى يوم القيامة وفيه اشرف معرفة وأكرمها بعد الإيمان بالله ورسوله ، والنبي يذكر أنه مَن لم يشرب منهما ومَن لم يتمسك بهم في الدنيا ، لا يشرب من الحوض لأنه أول شيء يبين كرامته ويفرح المؤمن ويرويه يوم العطش الأكبر الذي مَن لم يشرب منه لا كرامة له ولا عز ولا شرف ولا فضيلة ، وذلك لأن العترة هي الناطقة بالقرآن بحق دون من خالفها لآخر الدهر ، ومنهم يعرف الله وتعاليمه حق المعرفة من غير اختلاف وانحراف وضلال ، بل هدى كامل ودين الله القيم الذي يعبد به الله ويطاع بما يحب ويرضى .

ولذا كان الثقلان : القرآن المجيد والذكر الحكيم الذي لا يمسه إلا المطهرون ، عند العترة النبوية الماجدة الطاهرة والراسخون بالعلم وهم المحافظون عليه والمختصون به دون غيرهم ، وهما الثقلان النفسان الغاليان والعزيزان على رسول الله ويشيد ويفتخر بهما في كل مناسبة ، ويُظهر كرامتهما عليه وعلى الله تعالى في كل موقف ليعرفهم للناس بعده وليتمسكوا بهما ويحبوهما ويأخذون دين الله منهم ، ولذا كثر كلام نبي الرحمة عنهما وبيان فضلهما ومناقبهما في كل مناسبة ممكنة حتى كثر طرق الحدث وألفاظه ورواته والمستشهدين به لإمامة أهل البيت عليهم السلام .

وبحديث النعمة ـ حديث الثقلين الشريف ـ وذكره وتذكره نعرف أن عترة النبي الكريم ملازمون للقرآن ولا تفارقهم تعاليمه ، وإن من خالفهم خالف القرآن في تعاليمه ومعارفه ، وأنهم هم حجة الله في الأرض وفخر النبي ، وهم تمام حكمة الله في إتقان دينه وبقاء هداه بعد نبي الرحمة متقن محكم ، ويمكن أن يعرفه كل مؤمن صادق في طلب عبودية الله بحق المعرفة .

وبأقل توجه لمعنى حديث الثقلين يمكن كل مؤمن أن يتصل بكتاب الله من الناطقين به واللذين عرفهم رسول الله بكل شرف وفضيلة وبين تلازمهم له ، وأنهم هم الناطقون به والراسخون بعلمه ، بل الله الهادي الحق في كتابه في كثير من أحاديث النعمة والذكر الحكيم عرف مواصفات الكتاب المجيد والأمجاد من آل محمد عليهم السلام ، وتقارنهم وتلازمهم بالاسم والمعنى والصدق والطهارة والحُسن والفضل ، حتى يعرفهم كل مؤمن يحب الله ورسوله ويحب أن يعبد الله ويطيعه بما يحب ويرضى من سبيلهم وصراطهم المستقيم لهدى الله وكل نعيمه .

ولذا كان هذا الذكر للثقلين هو ذكر لفضل الله ونعمته ورحمته وهداه على عباده وتكريمهم بدين قويم حتى يعرفوه ويعبدوه بما شرع لهم من غير خلاف واختلاف ، ولذا كان ذكر الثقلين والتحدث عنهم هو الحديث عن نعمة الهداية وحديث تذاكر أفضل علم ومعرفة بعد معرفة الله ، وهو ذكر عبادة لله وطاعته ورضاه ، بل حديث وذكر فخر وكرامة من الله لعباده نبي الرحمة وآله ، ولكل عباده المؤمنون الصادقون في معرفة دينه وطلبه بحق وصدق ومجدين في معرفة هداه الواقعي الصادق .

وحديث الثقلين : وهو بيان لعظمة الله وفضله وكل عز وهدى ورحمة جعلها في الوجود ، وبيان لعلمه وحكمته وخبرته في اختيار أولياء الدين ، وتعريفهم والحديث عنهم بكل سبيل وأحسنه حتى يعرفهم المؤمنون المحبون له والطالبون لدينه بالدليل المحكم و البرهان القاطع ، والذي يمكن أن يفتخر بمعرفته كل موجود ويكون نفيس عليه وعنده ، يحافظ عليه بكل وجوده ولا يستبدله بالدنيا وما فيها ، ويبذل في سبيله الغالي والنفيس ويصرف الزمان في معرفته والتحديث عنه ، لأنه يصب ويسير به بصراط مستقيم لمعرفة الله ودينه وفضله وكرامته وتشريفه وهداه وعزته لأولياء دينه وأئمة الحق ، ولكل من يتصل بهم ويعرف أهميتهم ونفاستهم في الوجود ، يعرف حقيقة كرامة الله وتشريفه لعباده المخلصين وأئمة المؤمنين ، بل يعرف فضله ورحمته ونعيمه لكل من يطلب الله صادق محق بما عرفه بكل سبيل حسن متقن على أئمة هداه الصادقون المصطفين الأخيار ليعرف دينه منهم ويعبده خالص له بهداهم الحق .

 وفي حديث الثقلين أشرف معرفة وإيمان وذكر وحديث بعد معرفة الله سبحانه ، وإن أحببت مصادره من العامة فعليك بكتاب الغدير للأميني رحمه الله ، ومستدرك المراجعات أو ما ذكرنا من الموسوعات ، وإن أحبب المختصر فهذا بين يديك ويدي كل طيب ، وهو ما نذكره به نحن نعمة الله علينا وعلى نبيه وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ونحدث به حسب أمر الله ورسوله.

وهذه بعض الأحاديث من أحاديث النعمة في الذكر والحديث عن الثقلين ومعرفتهم ، بالإضافة لما عرفت من أنهما : القرآن المجيد وعترة نبي الرحمة محمد المعصومين الذين أولهم وسيد الإمام علي بن أبي طالب صلى الله عليهم وسلم والذين جعلهم الله مطهرون مثل القرآن ليحافظوا عليه ، وهو ذكر وهم أهل الذكر ، والقرآن أحسن الحديث هم أحسن ما خلق الله واشرفهم ، وحديثهم أحسن الحديث لأنهم عنه ينطقون والراسخون بعلمه ، والقرآن مجيد وهم أمجاد ، ولذا تلازموا لآخر الدهر وكل من خالف آل محمد والأئمة المعصومون الاثنا عشر لعترة نبي الرحمة علي وآله عليهم السلام ، يكون قد خالف القرآن لأنه خالف المصدقون الراسخون بعلمه والذين جعلهم الله حديث نعمة وذكر ينفع المؤمنين ، وطهارة من كل شرك وضلال مثل القرآن المجيد وقرناء له ، بل رفع ذكرهم بذكر الله وتعريف دينه ومعرفته وعلومه كلها .

ثم إن هذا ذكر هو ذكر وتحديث بحديث نعمة من الله لنا ولنبينا وآله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ذكر وحديث عن بعض مضامين حديث الثقلين وطرقه ، وتمام الكلام قد ذكرناه في صحيفة الثقلين من موسوعة صحف الطيبين ، فراجع الآيات القرآنية التي ذكرناها لتلازم القرآن المجيد والأمجاد من آل محمد صلى الله عليهم وسلم وحشرنا الله برحمته معهم :

ذكر الصدوق بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

( إني أوشك أن أدعى فأجيب و إني تارك فيكم الثقلين :

كتاب الله عز وجل ، وعترتي .

كتاب الله حبل ممدود بين السماء و الأرض .

 و عترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا بماذا تخلفوني فيهما ) .

 كمال الدين ج1ص235ب22ح46.

ذكر الصدوق بإسناده عن الحارث عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

( إني امرؤ مقبوض و أوشك أن أدعى فأجيب ، و قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أفضل من الآخر ، كتاب الله و عترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) . كمال الدين ج1ص235ب22ح49.

ذكر الصدوق بإسناده عن أبا العباس ثعلب سئل عن معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني تارك فيكم الثقلين )لم سميا الثقلين .

قال : لأن التمسك بهما ثقيل . كمال الدين ج1ص235ب22ح51.

ذكر الصدوق بإسناده عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

( إني تارك فيكم أمرين أحدهما أطول من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض طرف بيد الله و عترتي .

 ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

فقلت لأبي سعيد : من عترته ، قال : أهل بيته عليهم السلام ) .

 كمال الدين ج1ص235ب22ح50. الخصال ب2ص64ح97.

 ذكر الصدوق : عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني تارك فيكم الثقلين :

 كتاب الله و عترتي أهل بيتي ،

 فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) . كمال الدين ج1ص234ب22ح44.

عن عامر بن واثلة عن زيد بن أرقم قال :

( لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  من حجة الوداع نزل بغدير خم ، ثم أمر بدوحات فقم ما تحتهن ، ثم قال : كأني قد دعيت فأجبت ، إني تركت فيكم الثقلين : أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله و عترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

ثم قال : إن الله مولاي و أنا مولى كل مؤمن .

ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال :

من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه .

قال فقلت لزيد بن أرقم : أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : ما كان في الدوحات أحد إلا و قد رآه بعينيه و سمعه بأذنيه ) .

كمال الدين ج1ص234ب22ح45.

أقول : هذه بعض أحاديث الثقلين وسيأتي في الأذكار الآتية غيرها وبإسناد ومضامين أخرى نتشرف بذكرها والحديث عنها ، لأنه من الأحاديث الجامعة لمعاني الدين وسبيله ، وفي ذكرها والحديث عنها العبادة الخالصة والمشرفة بحق بمعرفة الله ودينه من سبيله القويم وصراطه المستقيم ، فلا نفصل بين القرآن والعترة ، ولا نفسر كتاب الله بالرأي الذي لم ينزل الله به سلطان ، ونسميه اجتهاد ونأجر عليه وهو عين الضلال لأنه عُجب برأي لم ينزل الله به أمر يقره وتعليم كما عليه أعداء آل محمد وعلي وليس لهم نفاسة في كلامهم ودينهم ومكرهم توجب أخذ دين الله منهم .

 مع أنه جاءت معارف كتاب الله مقارنه وملازمة لعترة النبي الكريم علي وآله ، بأنهم مثل القرآن المجيد الطاهر الحسن المجيد ، ولهم علمه وتفسيره ومنهم التوضيح الحسن الحق ، لمقارنتهم له بنص الله والنبي لأنهم مثله ، ولا يحق أن نخالفهم ونأخذ أو نذكر تفسير لغيرهم وندعي أن فيه دين مع أنهم لم يشهد الله بصدقهم ولا رسوله ونترك من أوصى بهم الله ورسوله ، بل لابد أن نأخذ دين الله ممن شرفهم الله وجعلهم قرناءه إلى يوم القيام وهم العترة الطاهرة و أئمة الحق والهدى ، فإن الله قد بين أصول دينه في كتابه ، وأوكل التفصيل لنبيه الذي أتقنه ولآله وعترة الطاهرة الذين عرفت عنايته بهم واهتمامه بتربيتهم وتعلميهم كل أمور دينهم لملازمتهم له وطهارتهم بأمر الله معه وتصديقهم له واختصاصهم به .

ولذا كانوا هم الذين عرفوا كل تفاصيل كتاب الله المجيد المطهر ، وما يبينه من العام والخاص والمطلق والمقيد والناس والمنسوخ ، وكيف العمل بآياته وشرحها من النبي وبنص العترة بعد النبي الكريم والذي سيدهم وأولهم الإمام علي عليه السلام ، وهم الذين أخلصوا تعاليم النبي من كل رأي لأعدائهم ، ولذا قد فضح بالتحريف والانحراف عن الحق كل من خالفهم وعلم غير دينهم ومعارفهم.

 قد عرفت إن حديث الثقلين هو من الأحاديث المتواترة وذكره القوم في الصحاح ، وذكره كل من كتب الحديث فيتبرك بذكره ، ولكن عرفت لنا به إيمان عملي فضلاً عن العلمي ونطبقه على نبينا وآله لا غيرهم ونأخذ ديننا منهم ، وهذا هو مناط وملاك الفوز والنجاح والفلاح والصراط المستقيم لهدى الله ودينه عند شيعتهم وموليهم دون غيرهم .

وإن هذا الحديث ألفت فيه كتب وكلاً حسب معرفته ينهل منه ويتوسع في بحثه كالغدير والمراجعات وعبقات الأنوار وغيره من الموسوعات ، وقد كتبنا في حديث النعمة هذا ذكر باسم صحيفة الثقلين بحثنا فيه عن مفهومه من ناحية دلالة القرآن الكريم على محتواه وكيفية استفادة العترة الطاهرة من القرآن تعاليم الدين ، مثبتين تلازمهما وضرورة الأخذ بهما معاً ، لأن العترة هي الناطقة به بحق وصدق وكل من خالفهم ليس له به فهم حق ، ولكون القرآن طاهر وذكر ، فلابد أن يفسره المطهرون أهل الذكر ، والقرآن مجيد ولابد أن يطلب علمه من الأمجاد ، والقرآن أحسن الحديث ونعمه الله وهداه ولابد أن يفسره ويبينه بحق أشرف الناس وأحسنهم حديث وأئمة الهدى ، ولابد نعرفهم بأنهم هم الذين صدقهم القرآن المجيد وبين مقامهم عند الله ، ورعاهم الله بيد قدرته حتى جعلهم بحق أئمة لدينه وولاة حق لهداه ، فإن أحبب التفصيل فراجع ما كتبنا هناك .

إلى الأعلى



الذكر الخامس

حديث نعمة الإمامة للنبي وآله في الملكوت الأعلى قبل الأرض

 

عرفنا إن حكمة الوجود وحُسن هداه وإتقانه في الأرض هو وجود من سخر الله له نعمه ليعبده بهداه الذي يوصله لأحسن غاية له ، وبه يحصل على أشرف نعمه وكمال وفضل يمكنه أن يتحدث عنه وذكر يعتز به ، وهذا الهدى هو دين الله وصراطه المستقيم الذي جعله الله عند حججه وولاة أمره في الأرض ، والذين أختارهم لدينه وجعل تعاليمه عندهم ، فأختارهم على علم على العالمين وهو الخبير بالمخلصين في عبوديته وتعريف دينه وهداه ، فاصطفاهم واجتباهم وطهرهم من كل ما يوصل لتعريف شأنه العظيم وعلوه وكبريائه ، فضلاً عن معارف دينه العلمية والعملية الأخرى .

وهذا الذكر لفضل الله وتكريمه وتشريفه للأنبياء والمرسلين وأوصياءهم من أئمة الحق ، هو حديث النعمة لأولياء الله وحجج الهدى ، وهو ذكر وحديث عن نعمة الله التامة وفضله وتشريفه الكامل الذي جعله في البشر عند الأنبياء والمرسلين وأوصيائهم من أئمة الحق والهدى من أول الوجود إلى أخره ، ومعهم من تبعهم مخلص له بدينهم دون خلط بدين أعدائهم والمانع من معرفتهم.

 وكان أشرف الوجود وأكمله وأفضله هو نبينا نبي الرحمة وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، ولذا كرمهم بأكمل هدى وجعلهم أئمة حق ليوم الدين ، فكان الحديث عنهم وذكرهم أشرف ذكر والحديث عنهم أفضل حديث ، ومعرفتهم بما لهم من المناقب والفضل هو معرفة أكرم عباد الله وأشرفهم وأهل النعمة الذين عندهم الصراط المستقيم وهدى الدين ، ومن عرفهم عرف أكرم وأفضل واشرف نعم الله ، ومن ذكرهم ذكر أكبر فضل لله تجلى وظهر في عباده ، ومن تحدث عنهم فقد تحدث وذكر عظمة الله وكبرياءه في تشريف عباده المكرمين المصطفين الأخيار وأحسنهم وأكملهم .

وعرفنا بعض أحاديث الكرامة والتذكر وذكر الشرف والمجد عن النبي وآله وبالخصوص أخيه ووصيه والإمام الأول بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهنا نتعرف على معرفة أخرى راقية ليفتخر ويتفاخر بها الله ورسوله في أعلى مرتبة من مراتب الوجود وأكمل محل يصل له في الشرف عبد لله ، وهو محل قاب قوسين في القرب وأكمل محل في ملكوت الله ، بل أرقى وأجمل وأكرم محل خص به النبي وكان له به كل عزة ومجد من جبروت مُلك الله المعبود ، وفيه كلامه وتشريفه بكل ما يحب ويرضى الله عز وجل وأحب موجود لله في خلقه وعباده بل ويحبه شيعتهم والمخلصين الود لهم .

وهذا الحديث والذكر هنا وهو حديث الشرف والكرامة والعز في المحل الرفيع والمقام الأسمى المحمود ، وذكر وأنس ومجالسة محبة وتكريم وتشريف في الملأ الأعلى بين نبي الرحمة المكرم ورب العزة الممجد الذي لا يحاط به علم فضلا عن محل ، وهو تحديث حسِن بين الله الواحد الأحد الذي لا شريك له وبين أشرف الأنبياء والمرسلين وخاتم النبيين المخصوص بأتم وأكمل دين يُعبد به رب العالمين .

حديث الإسراء الذي يسري بالإنسان لقمة المعرفة والذكر والحديث عن نعمة عظمة لله وتشريفه لأولياء دينه ، ويعرج به بالعلم واليقين أن من يصطفيه الله ويختاره ، فإنه تعالى يكرمه بكل كرامة ويعزه بكل عز ويشرفه بكل شرف ، ويحدثه بأحب حديث يرضيه ، بل يذكر له أعلى مجد وكرم وتشريف وعز ويعطيه حتى يرضى ، ويا طيب يا مؤمن أ تدري ماذا دار من الحديث في الملأ الأعلى وفي منزلة قاب قوسين أو أدنا بين رب العزة والمجد والكمال وبين أشرف خلقه وأكرمهم محمد صلى الله عليه وآله سلم .

فإن الله لما عرج بنبينا الكريم وأسرى به للملكوت الأعلى وحدثه الله الواحد الأحد بأحب حديث وشرفه وكرمه بأحسن شرف وكرامة وأعطاه كمال المجد وتمام النعمة ، فهو عز وجل قد جعل الإمامة والخلافة في عترة الطيبة الطاهرة المكرمة المرفوعة الذكر الذي أمر بالحديث عنها بأنها أفضل نعمة وأكرم ذكر له ، وهذا ما أمر الله به نبيه أن يحدث به من نعمته عليه ، وهي أفضل نعمة الله على نبينا بعد معرفته وإنزال القرآن كلامه المجيد عليه .

فإنه تعالى لما رفعه إليه في المحل الأعلى ليشرفه ويريه من ملكوته وعظمته وكبرياءه ويحدثه بحديث يحبه ويشرفه بتشريف ويفتخر به ، فإنه حدثه وذكر له بأنه جعل الإمام والولاية في آله الكرام وخص أخيه علي بني أبي طالب بالإمامة والولاية بعده ، فجعله خليفته وإمام الحق والهدى بعده ، وهذا هو التشريف والكرامة لنبي الرحمة بأن يجعل آله وأخص وأحب إنسان إليه في مثل منصبه بعده إمام وولي وحجة الله وعنده دينه وتعاليمه ومعرفته .

وهذا كان أهم حديث في المعراج بين الله ونبيه بأن جعل الإمامة في آله بالخصوص علي بين أبي طالب وآله آل النبي وعترته وخصهم بدينه ومعرفته وكرمهم بكل كرامة وشرفهم بكل شرف ، فتم الدين وكملة النعمة وحلى الحديث وحسن الذكر وبان مجد الله في النبي وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .

ومَن يراجع سورة المعراج يعرف حديث الإمامة وكيف يشير لها الله بلطف ، ولمن يراجع أحاديث المعراج يرى أكرم شيء وتشريف للنبي وهو جعل آله وعترته أئمة حق وهدى لدينه بعده وصراطه المستقيم لمعرفة الله وتعاليمه عندهم إلى أخر الدهر ، ولن يفارقان القرآن حتى الحوض ويسقى فيه الكرامة من يشرب منه ، وهذا كان في غلب أحاديث المعراج والإسراء التي تكلم بها نبي الرحمة مما خصه الله به وشرفه وكرمه وحدث بها ، وذكّر به من عظمة الله وتشريفه وتمجيده له وكرمه عليه .

ولكن بعض الناس ممن نصب العداء لآل محمد يرون الكلام في تشريف النبي وتكريمه وجعل الإمامة وحقيقة المعرفة لله بعد النبي في عترته ، غلو وضلال وشرك ، وإن أحاديث المعراج وذكر عظمة الله وتشريفه لنبيه خرافه ، وإن الملكوت والعالم الأعلى لا مصداق له بيّن ، فضلا بأن يكون أحلى كلام فيه وأجمله وأشرفه ، ولا يعرفون فيه أنه بهذا المقام الشريف قدر عز وجل أن يكرم الله نبيه بآله ويجعلهم خلفاءه دينه ومعارفه بعده ، وإنه تعالى أره ملكوت عظمته المعد لهم ولمن يقتدي بهم فيحدث به عن شرفهم وكرامتهم على الله تعالى ويرهم ما كان لهم في عالم ملكوته في أول الخلق وكيف تنزل وجودهم الشريف في أرضه نور وهدى ويذكرهم بنعمته عليهم ويحدثهم بشرفهم ومجدهم وفضلهم ليعرفوه للناس ويرون فيهم تجلي عظمته وقدرته .

وهم عندما يمرون على سورة الإسراء سموها بسورة بني إسرائيل أسيادهم الحاليين ، ويكون تلاوتهم لها على عجله يخافون من تفسيرها ومعناها وما خص الله نبيه فيها من الكرامة ، فهم عندهم الملكوت اسم مجهول من غير سكن ، ولا كرامة لنبي الرحمة وللأنبياء فيه ، وهم في الملأ الأعلى عند الله لا شرف لهم وبالخصوص نبينا وآله ، بل أعداءهم أكمل منهم ومن حاربهم اشرف منهم ، ويرون أن دين الله عند من قتل نبي الرحمة في آله ومنع من ذكرهم ومعرفة دينهم.

 وإن نبينا وآله في المحل الأعلى والملكوت الأسمى أموات لا يفقهون شيء والآن لا دعاء لهم مجاب ولا يسمعون صوت ولا يعرفون مؤمن ولا يشفعون ، ولا يمكن أن يسألون ولا يطلب منهم شيء ، ومن كان هذه معرفته بملكوت الله وجبروت رحمة الله وعظمة ملكه والساكنين فيه بالخصوص بأشرهم نبينا محمد وآله وكل الأنبياء والمرسلين من آدم حتى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام والمؤمنين بهم ، وإنهم في الملكوت لا حياة لهم ولا توجه لمعرفة أهل الأرض ولا كرامة ولا إجابة وشفاعة لمؤمن يسألهم أن يسألوا لله له بأن يرزقه أو يرحمه أو يرفع عنه بلاء ، بل هم أموات لا حركة لهم هناك ، بل يضربون من يسلم على النبي عند قبره ويسموه شرك ويعاقبون أشد العقاب من يقف أمام قبره بإعجاب وتقدير واحترام ويسلم عليه ، وإن الوقف أمام الأهرام والفراعنة والطواغيت أهون عندهم من الوقوف أمام نبي الرحمة والهدى .

فكيف تراهم يقبلون فضل الله على نبي الرحمة وآله وما كرمه الله به ، وهم يعبدون الله بما يبعدهم عنه بدين أعداء آل محمد عليهم السلام والذين قتلوهم وحرفوا الناس عنهم ، بل منعوا من ذكرهم وشرفهم ومجدهم واعتبروه شرك وضلال كما عرفت بالمحاورة كلها .

ولكن للمؤمنين الذين صفى دينهم من دين أعداء النبي وآله ، وخلص لله وحده من كل ضلال لمن حارب النبي وآله في الجاهلية والإسلام ، والذين يعرفون عظمة الله وكبرياءه وتشريفه لنبي الرحمة ولكل مؤمن ، يقرون بل يؤمنون بكل وجودهم أن الله الذي ذكر الإسراء في كلامه المجيد القرآن الحكيم ذو الذكر وحدث به سبحانه بكلامه الحسن ، قد حدث سبحانه نبينا وأكرم الخلق وأشرفهم بأحب كلام إليه يرضيه به ، وذكر له اشرف كرم له وأفضل نعمه يخصه بها ، بأن جعل إمام المتقين وسيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خليفة له وهكذا آله من بعده ، وأوصاه أن يحدث بحديث النعمة والكرامة والشرف هذا ، ويذكره ويذكر به المؤمنين كل ما أمكن .

ولذا كان يتلذذ بذكره نبي الرحمة ويكثر الحديث عن عالم الملكوت ونعيم الله المعد لهم ولمن التحق بهم بحق عن حب ومعرفة ، وهذه حق المعرفة وفضل الله والذكر لعظمته وتشريفه وكرامته ومجده ، يتقينه أقل منصف يعرف معنى للشرف والكرامة والعز والمجد الحقيقي من الله لعباده المصطفين الأخيار والكرام الأبرار نبينا وآله الكرام ومن تبعهم وتعبد لله بدينهم الحق الصادق الواقعي .

وهذا حديث النعمة والذكر في المعراج والإسراء مما خص به الله نبيه الكريم ، يتحدث به ويذكره بكل فخر واعتزاز ممن آمن بالله وعظمته ، ولم يمر بها حين يتلو القرآن المجيد وقلبه مقفل عن معرفته ، بل بأقل تأمل يعتقد إن الحديث الذي جرى في المعراج هو فيه أشرف الكرامة لنبي الرحمة ، وبجعل آله خلفاء دينه بعده ، وهذه بعض أحاديث الكرامة والشرف عن المعراج الذي يذكر ويتحدث بها الله تعالى لنبيه الكريم عن آله وخلفاءه بعده من أئمة الهدى والحق وحدث به وذكره النبي والمؤمنون المخلصون بعده بأمر الله ، وبالخصوص حديث النعمة والذكر بالرفعة والمجد والشرف والكرامة برفع أخيه وحبيبه علي بن أبي طالب سيد آله وعترته عليه السلام وجعله إمام الحق وخليفة الهدى .

 و نحن بأمر الله بمعرفة نبينا وحديثهم وذكرهم وتذكرهم نعبد الله ، ونطيعه بالحديث والذكر لمعرفة هذا التشريف والتكريم لهم ، وبما أمر مما يحب ويرضى من الحديث والذكر في أعلى محل وأجمل مكان في الوجود وأسمى معرفة وكرامة خص بها عبد من المعبود ، وبه تتم المعرفة لعظمته وكبرياء الله تعالى وتشريفه ورحمته وبره وتفضيله لعباده .

وأحاديث الإسراء والمعراج التي حدث بها النبي الكريم كثيرة نختار منها اليسير ، ونذكرها لنعبد الله بمعرفة عظمته وكرامته وتشريفه بأفضل نعمة ظهر بها وخص بها أكرم رسله وآله وكل مؤمن إلى يوم القيامة ، وأساله سبحانه وتعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، ويقبلها مني طاعة وعبادة له وحده لا شريك له في معرفة كرامته وفضله وتشريفه وعزه ومجده لعباده المخلصون له بكل وجودهم علم وعمل وسيرة وسلوك  وبكل ما مكنهم من دينه وهداه ، وكل ما أذكر لهو مع الإيمان مني بما خص به أكرم عباده المطهرون نبينا محمد وآله وبالخصوص علي أمير المؤمنين عليهم الصلاة والسلام .

 

ذكر الصدوق بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن قال قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام :

لأي علة عرج الله بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم  إلى السماء ، ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومنها إلى حجب النور ، وخاطبه و ناجا هناك ، والله لا يوصف بمكان .

فقال عليه السلام : ( إن الله لا يوصف بمكان و لا يجري عليه زمان و لكنه عز و جل أراد أن يشرف به ملائكته و سكان سماواته ، و يكرمهم بمشاهدته و يريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه ، و ليس ذلك على ما يقوله المشبهون سبحان الله وَ تَعالى‏ عَمَّا يَصفُونَ ) .

علل الشرائع ج1ص132ح2.

 

ذكر الصدوق بإسناده عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

( ما خلق الله خلقا أفضل مني و لا أكرم عليه مني .

 قال علي عليه السلام فقلت : يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرائيل .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم :

يا علي : إن الله تبارك و تعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين ، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك ، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا .

يا علي : الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا بولايتنا .

يا علي : لو لا نحن ما خلق الله آدم عليه السلام ولا حواء ، و لا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه .

لأن أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا فأنطقها بتوحيده و تمجيده ، ثم خلق الملائكة ، فلما شاهدوا : أرواحنا نورا واحدا استعظمت أمرنا ، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون ، وأنه منزه عن صفاتنا ، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا .

فلما شاهدوا : عظم شأننا ، هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وإنّا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إله إلا الله .

فلما شاهدوا : كبر محلنا ، كبرنا ، لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به .

فلما شاهدوا : ما جعله الله لنا من العزة و القوة ، فقلنا : لا حول و لا قوة إلا بالله ، لتعلم الملائكة أنه : لا حول لنا و لا قوة إلا بالله .

فلما شاهدوا : ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة ، قلنا : الحمد لله لتعلم الملائكة ما يستحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه ، فقالت الملائكة : الحمد لله .

فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله عز وجل وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ، ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراماً ، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ، ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سجدوا لآدم كلهم أجمعون .

وإنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرائيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ، ثم قال لي : تقدم يا محمد ، فقلت له : جبرائيل أتقدم عليك ، قال : نعم لأن الله تبارك و تعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين ، وفضلك خاصة .

قال : فتقدمت فصليت بهم ولا فخر .

فلما انتهيت إلى حجب النور ، قال لي جبرائيل : تقدم يا محمد ، وتخلف عني ، فقلت له : يا جبرائيل في مثل هذا الموضع تفارقني .

 فقال : يا محمد إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان ، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي جل جلاله .

 فزخ بي النور زخة حتى انتهيت إلى ما شاء الله عز وجل من علو مكانه فنوديت ، فقلت : لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت .

فنوديت : يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل ، فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي ، لك و لمن تبعك خلقت جنتي ، ولمن خالفك خلقت ناري ، ولأوصيائك أوجبت كرامتي ، ولشيعتهم أوجبت ثوابي .

فقلت : يا رب ومن أوصيائي . فنوديت : يا محمد أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي ، فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نوراً في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي .

أولهم : علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمتي .

فقلت : يا رب هؤلاء أوصيائي بعدي .

فنوديت : يا محمد هؤلاء أوصيائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي ، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك .

 وعزتي وجلالي : لأظهرن بهم ديني ، ولأعلين بهم كلمتي ، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرن له الرياح ، ولأذللن له السحاب الصعاب ، ولأرقينه في الأسباب ، ولأنصرنه بجندي ، ولأمدنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ، ثم لأديمن ملكه و لأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة ).عيون‏ أخبار الرضا عليه السلام ج1ص262ح22.علل‏ الشرائع ج1ص5ب7ح1.

 

ذكر لك يا مؤمن : من لم يعرف الله من أئمة الحق والهدى لا يمكنه أن ينال معرفة مراتب الوجود وملك الله العظيم وكبرياءه وعزه ومجده ، بمثلما ذكر به نبي الرحمة وأمره الله أن يحدث به من نعيمه وكبرياءه وعظمته وبيان ما شرفه به ، وبهذه النعم كان أمر الله في سورة الضحى والانشراح حيث رفع الله ذِكر النبي الكريم وآله معه في كل مراتب الوجود وأمره أن يحدث عن هدى الله ونوره المشرق منهم ، ويذكرهم ويذكر بهم المؤمنون ليروا كبير عظمة الله وكبرياءه و مجده لأوليائه .

وأين الوهابية والنواصب من هذه المعارف الإلهية والتعاليم الربانية والنعم الكريمة الصادقة التامة لنبي الرحمة وآله الكرام معه علي وآله ، وهم لا يتعقلون معنى لسورة الإسراء والمعراج في شرف النبي وتفضيله ، وليس عندهم معناها ، ومجهول محل الكرامة للنبي الكريم وما شرفه الله به وما أمره أن يذكره في هذا الحدث العظيم والنعمة الكبيرة .

 والذكر والتذكرة التي تنفع المؤمنين والمعرفة الراقية والملكوت ومقام النور والهدى الحق ، هو بين المحبوب والحبيب وآله وشيعتهم وكل من أخلص له المحبة والصحبة ، وصار صاحب محب لهم في أي زمان ومكان كان وتعبد لله بدينهم  ، وعرف عظيم منزلتهم وشأنهم الكبير عند الله في كل كرامة ومجد وعز وفضل .

ولهذا شيعة آل محمد يعتقدون أن أول الخلق في النور والهدى نبينا وآله معه ، في كل مرتبه كانوا وهم أشرف خلق الله وأنبلهم عند الله ، وهم هكذا في أي مرتبه من مراتبه وأين ما تنزل وحل نورهم في عالم الذر أو الشهادة أو رجع للملكوت والجبروت في حياتهم وبعد وفاتهم ، فإنه روحهم معلقة بعز قدسه تعالى في اشرف محل وأكرم مكان وليس وجودهم الحق ونورهم ميت الروح كل البدن والجسد وهو أكرم خلق الله .

 فعندما يرتفع النبي في الإسراء أو بعد الوفاة ويوم القيامة فالله بأكمل عظمته ورحمته ونوره ونعيمه هو المكرم له ولآله ولمن تبعهم وأقتدى بهم ، ولهم منه تعالى أشرف كرامة وأعز منزلة ومقام محمود ، وهذه المعارف خاص بالنبي وآله ومن تبعهم من المؤمنين وبها تتم معرفة عظمة الله وكل كرامة ومجد وشرف نزل منه ، وكيف حافظ على دينه بأفضل خلقه ، وكيف يحفظهم ويكرمهم ويمجدهم بكل نعيم في مراتب الوجود .

فإن المحاور لأن أئمتهم بني أمية وعمر بن العاص وأبو هريرة ومن لف لفهم ممن كان على بلاط معاوية ، قمة ما عندهم من الكرامة لأئمة دينهم أنهم صحبوا النبي في أخر سنة أو سنتين بعد فتح مكة مكرهين على الإسلام ، حتى ولو كان قد نزل في المنافقين في زمن النبي في القرآن أكثر من ثلاثمائة آية ، وأضعافها في الكفار والمشركين ، وأضعافها تحكي انقلاب الناس بعد النبي وفي كل زمان على الأنبياء في حياتهم وقتلوهم أو بعدهم وقد حرفوا الدين .

فمن هذا دينه ويدافع عن مسمى بصحابي قد ظهر له آلف موقف أنه لم يحب النبي ولم ينطبق عليه صار محب له وصاحبه بالود له ، لأنه قتل آله وحاربهم وبكل صورة منع الناس منهم ومكر وكاد وعاند وعلم الناس باللعن لآل النبي لعنهم الله من لعنهم أكرم خلقه علي وآله ، ثم نشر دين غلب عليه رأيه ومكره وحيله وكل ما يثبت سلطانه ، وهم يحاولون أن يتشبثوا بالكلام كاذب لتزيكتهم وتبرير آلاف الأعمال التي لم يقرها الإسلام لهم ، فمن هذا دينه ومذهبه قد أخذه من أعداء آل محمد ومن حاربهم ونصب لهم العداء كيف يعقل مسائل الكرامة للنبي وآله ، وكيف يتصور خلافة علي عليه السلام وحقيقة إمامته بأمر الله في الملكوت الأعلى فضلاً عن الأرض ، فإن علي عليه السلام هو الذي قتل في يوم واحد أخ معاوية وعمه وخاله ، فكيف من عاداه وأتباعه يعتقدون بكرامة لعلي ولآله الطيبين الطاهرين عترة النبي وما كرمهم الله به وشرفهم وجعل دينه عندهم ، وإن هذا التكريم والتشريف في كل مراتب الوجود وفي أي مكان كانوا فيه وزمان .

فقولهم شرك ذكر علي وسيده النبي وآلهم ، لأنه لا كرمة لأصحابهم وأئمة دينهم ، لا شرك ذكر عظمة الله وكبرياء ملكه وموهبة عزته وتشريفه لنبينا وآله وبالخصوص نفسه علي بن أبي طالب ، والذي يبين به كل تفضيل لله لعباده وجميل حبه لأولياء دينه وعباده المخلصين ، فهم اشتبه عليهم المصادق في الذكر والعبادة في بيانها ومعناها , وقد كتبنا جزء خاص في معنى العبادة والذكر ، وذكرنا أن العبادة هي كل ما يوصل الإنسان لرضا الله وإطاعة الله بكل أمر من أوامره وقد عرفت بعض الشيء في الباب الأول .

 وهذه الذكرى الحق التي تنفع المؤمنين ومأمور بها بأمر رب العالمين والحديث عنها مرضي له ومراد ، وبيان لعظمة الله وكبرياءه ، وإن ذكر الله كل ما يوصل لعظمته ويبين كبرياءه ومنه نسلك لتحصيل الخوف والرجاء ، وبه يكون عندنا ملاك تحصيل الخشية والخشوع العقلي والقلبي عندما نعرف كيف يكرم أولياءه وقدرته في بيان هداه والمحافظة عليه بأحب خلقه وأشرفهم وأكرمهم وما أعد لهم من النعيم والنور في كل منازل الوجود ، حتى يبين لنا عزة دينه وكرامة تعاليمه وأنها مطهرة عند المطهرين دون أعداءهم من أئمة الضلال والكفر والنفاق .

وهم لا يستشعرون العظمة في النبي وآله وما فضلهم وكرمهم الله به ،  وما ذكره من ملكوت الله تعالى الذي أعد لهم دون أعداءهم من أئمتهم ، ولكنهم يقولون ةيستشعروه وتحصل لهم الخشية بتزيكة معاوية وأبو هريرة وعمر بن العاص ويزيد الذين قاتلوا وقتل آل محمد عليهم السلام ، ونصروا من نصب لهم العداء ومنع من ذكرهم ، فإنك إن ذكرت وحدث لمعاوية وحزبه فعل قبيح يقف شعره ويستغفر الله كأنك تلعن ربه .

 فإنه الفرق بين ذكر الأسماء الحسنى لله تعالى وما أمر الله بكتابه من الذكر والتذكير لنعمته ، وهو أن ظهور تجلي الأسماء الحسنى بنعم الله في كل شيء في الوجود ، وأحسنه وأكمل واشرف ظهور لها هو لنبينا وآله وبالخصوص نفسه علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وتبع لهم كل ما فضل الله به عباده وتجلى به من قدرته وكبرياءه ، فإنه للنبي وآله الكرام بعده ، وبعدهم من تبعهم من كل المؤمنين واشرف الخلق في كل زمان ، وذكر الله بنعمه وعظمة ملكه وهداه وإتقانه وحسنه ، وقد كتبنا بيان وافي في شرح الأسماء الحسنى في موسوعة صحف الطيبين نسأل الله أن يوفقنا لنشره على الانترنيت وفي كتاب به تعرف معنى تجليها وذكرها .

وإن ذكر الله لا يمكن أن يكون في التفكر في ذاته سبحانه حتى لو رددنا الأسماء الحسنى فإنه لابد أن نعرف لها معنى ونرى عظيم تجليها ومظهر قدرتها وأحاطتها وسعتها وظهوره في أكرم خلقه وأعظم عباد لله عِزّ وشرف عنده ، فإنه من تصور الله في خياله أشرك ومن جسمه على عرشه ضل عن الله وحدده ، كما يؤمن به الوهابية وأمثالهم بأنه تعالى علوا كبيرا عما يقولون أنه جالس على عرشه وله يد وعين ووجه .

 ومع أنه الإيمان الحق إن الله لا يوصف وإنه تعالى يعرف بعظمته وكبرياءه الذي عرفه النبي من خلال الإسراء والمعراج ، وبكل أحاديث النعم به التي كانوا فيها والمعدة لهم ولأوليائهم ، والتي يُذكر بها النبي الكريم وحدث بها بأنه له ولآله في الملك والملكوت في كل مراحله ومراتبه بأتم نور وأعظم محل وأوسع مكان مخلوق وبأبهى حُسن وسناء لا يوصف ، وهكذا ذكر الله وهو ما اعد لهم من حقائق أوصاف الجنة لأوليائه ، وإن النار وجهنم وشديد العذاب وأنتن مكان وأظلمه لأعدائه في نفسه وفي آله ودينهم ولمن كتم معرفة دينهم بعد أن منع من ذكرهم ومعرفتهم .

وهكذا تعرف عظمة الله وكبرياءه بأقل مرتبة ومعرفة بسيطة بالتفكر في الكون والنفس ودقة الصنع والإتقان في الوجود والكائنات في هذا العالم المادي فقط ، ولذا أمر سبحانه بالتفكر والمعرفة في كل شيء من حقائق عظمته تعالى ومجده لأوليائه ، والتدبر في بيان حكمة الصنع فيه ومنهم المكرمون فيه المشرفون بنعمه ، وبه يصل المؤمن الحق لأحسن معرفة بالله وإيمان به وعبادة خالصة من كل ضلال وهوى نفسه متحقق به أعداء أئمة الحق .

وإن قلب المعادي لآل محمد والمانع من ذكرهم لقاسي حيث يدله حجر على الله وعظمته ، ولا يدله النبي وآله وما شرفهم الله به وما عندهم من البيان والحكمة وحسن السيرة وما كرمهم الله به في كتابه ، وكل حديث لشرفهم ومناقبهم وما فضلهم الله به لا يدله على الله ، ولا يرى به عظمته ويستشعر كبرياءه ، ولا تحصل له الخشية والخوف والرجاء والخشوع والخضوع عندما يرى آيات المقدرة في كرامتهم  وسيرتهم وسلكوهم وجهادهم وصبرهم ، والذي فيه كل بيان لعظمة الله وكبرياءه في إعداد أولياء دينه وما مكنه منهم وكل ما كرمهم الله به وشرفهم .

فإن ما حدث به الله تعالى وذكره نبيه بأمره لنا من بيان ملك الله وملكوته وجبروته وعظيم الخلقة والهدى في التكوين والتشريع ، وما وصفوه من ملك المعراج والجنة والملكوت وغيرها من أحوال تكريم الله وتشريفه له ولآله ، وبالخصوص مراتب الكرامة لنفسه وأخيه ووصيه علي بن أبي طالب عليهم السلام ، فإنه عند المنصفين والمؤمنين الحقيقيين لأولى في تحصيل الخضوع البدني والخشوع لله والخشية منه من ذكر أي شيء في الوجود ، ولكن من عاداهم وحرم ذكرهم قد حرموا أنفسهم وأتباعهم هذه النعمة ولا أعتقد يروها ولا يتشرفون بها لا دنيا ولا آخره ماداموا مصرين على نصب العداء للنبي وآله ، وإن أرهم الله شيء منها فرؤية واحدة للحسرة والندامة لعدم اتباع الحق وأهله .

وإن ذكروا قسم من أحاديث المعراج والإسراء في كتبهم فهم يتجاوزوها ولا يصدقون بها وهي كالمجهولة عندهم في المعنى ، بل لا يعتقدون في يوم أن يتحققون بها ويكذبوها ، وهم أين من آل محمد وشيعتهم الذين يذكروها ويحدثون بها ويعتقدون أنهم أن أخلصوا لله بدين النبي وآله ، أنه لهم هذه المنازل في الملكوت والتشريف في الملأ الأعلى ، وهذا بعض الكلام ونذكر أحاديث أخرى عن الإسراء والمعراج لنتشرف بما شرف الله به نبينا وآله وسيأتي كلام آخر في الجزء الثاني عن القيامة والجنة في من هذا المعنى ما يفرح كل طيب ومؤمن إن شاء الله ، فانتظر .

 

ذكر بن طاووس بإسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  لعلي عليه السلام :

( يا علي : أنت إمام المسلمين و أمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين و حجة الله بعدي على الخلق أجمعين و سيد الوصيين و وصي سيد النبيين .

يا علي : إنه لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ومنها إلى حجب النور وأكرمني ربي جل جلاله لمناجاته .

قال لي : يا محمد قلت لبيك رب و سعديك تباركت و تعاليت .

قال : إن عليا إمام أوليائي و نور لمن أطاعني و هو الكلمة التي ألزمتها اليقين من أطاعه أطاعني و من عصاه عصاني فبشره بذلك .

فقال علي عليه السلام : يا رسول الله بلغ من قدري حتى أذكر هناك .

قال صلى الله عليه وآله وسلم : نعم يا علي فاشكر ربك .

فخر علي عليه السلام ساجدا شكرا لله على ما أنعم به عليه‏ ) .

التحصين ص563ب20. بشارة المصطفى ص 34 .

أذكر لك يا طيب : إن أحاديث المعراج كثيرة ، وكان النبي والإمام علي وصحبهم المحبين الحقيقيين الذي كان عندهم علم كتاب الله كابن عباس وبن مسعود وأبي بن كعب وسلمان وأبو ذر والمقداد وكميل وغيرهم لكثيرين التحديث بها ، بل كان النبي عندما يكون الجمع من المخلصين يسألوه ويحدث بها وهم يفتخرون ويفرحون بالحديث بها وبتذاكرها كلما سنحت الفرصة ، لأنهم يعتقدون إما أنها لهم لأنه إمام حق كعلي وآله ، أو أنهم معهم لأنهم من الصحب المحبين للنبي وآله فكانوا يحبون الحديث والذكر والتذاكر لها لكي يصيرون يوم القيامة بل الآن معهم ، وأحاديث الشرف والنعيم هذه كان أنسهم وصبرهم على نوائب الزمان وبها يتسلون ويستأنسون عن علم ومعرفة ويقين بكرامة الله لهم .

بل النبي كان عندما يتذكر الشجرة الملعونة في القرآن لا يتبسم ويتألم ولا يفرج همه إلا ذكره لعظمة الله في تشريفه وتكريم لآله معه في كل مراتب الوجود ، فلذا كان يكثر الحديث والذكر بينهم لبيان عظمة الله وأسلوب التحديث بها والحكاية عنا لذكر ما شرفه وكرمه الله بكل موقع من مواقع المعراج والإسراء المختلفة وفي كل مراتب السماوات العلى ، وأن هذه المصائب هنا زائلة وهي اختبار وابتلاء لعباده لمعرفة من يطلب الدنيا وزينتها ويتبع الشهوات بغير حق ، ممن يصبر على الهدى ويطلب الله على كل حال وهو مخلص له بدينه من رأي وضلال الظلمة وأهل الضلال أولياء الشيطان .

بل كان هذا الذكر والحديث عما كرم الله به نبيه في الإسراء قمة المعرفة والحديث عن عظمة ملك الله الذي يجعل كل إنسان مؤمن ، يأمل أن يحصل عليه ويكون فيه مع النبي وآله ، ولذا من يواليهم ويعرف منزلتهم وشأنه العظيم يحب أن يكون معهم ، فيخلص لله عبادة من دينهم الذي يأخذه منهم وحدهم ، ولا يخلطه بدين أعداءهم ويتوجه بكل وجوده لله لما يرى من عظمة الله وملكه وملكوته علماً ويقيناً وعملاً .

ومسألة عالم الخلق الأول ونور الله وظهوره في السماوات والأرض من المعارف العالية في بيان عظمة الله تعالى ، ذكرنا قسم منها في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام وتمام الكلام في صحيفة النور الإلهي إن شاء الله وقد جمعت الذكر والحديث فيها ، وإليك نزر يسير منها بالإضافة لما عرفت ، لنتعرف على يسير من عظمة الله وتعظيمه لأولياء دينه وحقيقة كرامتهم عليه ومنزلتهم عنده في كل مراتب الوجود قبل عالم الشهادة ، بل حتى في معراج وهو في الدنيا المشهودة فهو يشهد الغيب فيها ، وسيأتي بعض الكلام في الجزء الآتي عن القيامة وهو من باب قوله تعالى كما بدئكم تعودون ، فنذكر الآن بدأ الخلق وما يجب من المعرفة عن أئمة الحق وشأنهم العظيم عند الله ، وهناك نذكر إن شاء الله مقامنا مع النبي وآله عند العودة لمحل العظمة عند الله تعالى ومقام الكرامة مع سادت الوجود ونور الله في كل مراتب الخلق تكوين وهدى .

إلى الأعلى



الذكر السادس

الحديث عن نعمة ظهور نور الله في النبي وعلي وآلهم وشيعتهم

 

معرفة نور الله في التكوين وظهروه في الوجود معرفة واسعة نذكر منه أحاديث نعمة فيها باقة عطرة من معرفة نور الله في الوجود وتحققه بالنبي وآله ومن اهتدى بنورهم لمعرفة الله ، فكان منهم ويحف بهم في كل مراتب الوجود ، وصار متنور بنور الله تعالى في ذاته وصفاته ، وقد بينا بعض البيان لمعنى النور في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام فإن أحببت المزيد فراجعها ، وهنا ذكر مختصر في معرفة نور الله في الملكوت وظهوره حتى نزوله في الأرض بعد أن عرفنا منه معرفة يسيرة في أحاديث المعراج .

قال الله تعالى :

{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35 ) ـ

 هذا بيان لنور الله في السماوات والملكوت حتى نزوله في الأرض تكوين وهدى ، وقد عرفنا إن نور الله هو الذي يهتدي به المهتدون في كل مراتب الوجود حتى يظهر هدى بكل شيء لرجال خصهم الله به في البيوت المرفوعة للنبي وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين فقال عز من قائل رب النور والجمال ـ

{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) ـ

هذه الأوصاف لا تنطبق إلى على النبي وعلي وآله وهم أهل البيت المطهرون الذين باهل بهم الله ، وهم كوثر الوجود خيره ونوره وبهم يهتدي المهتدون لنور الله ويترقون في مراتب كماله ويحصلون على أشرف المنازل عنده ، ولهم أحسن أجر وقد عرفته ، وستعرفه أنه الله أمر بمودة القربى والصلاة عليهم والاتصال بهم لأخذ دينه وأن لهم في الآخرة أحسن أجر من فضل الله تعالى وكرامته ، بل ويزيدهم من فضله بما لا إذن سمعت ولا عين رأت وبهذا قال تعالى لهم ولمن يتبعهم :

{ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) ـ

هذا كان ثواب الله لنبينا وآله وشيعتهم المتبعون لأئمة الحق والهدى ونور الله لهم في كل الوجود ومراتبه تكوين وهدى ودين وطاعة وعبادة وثواب وجزاء ، واسمع كلام الله في المخالفين لهم أولياء الشيطان ، فتعرف أنهم في ظلمات متراكمة لأنهم في جهل مركب ويعبدون الله بدين أئمة الضلال فتراهم في ظلمات متراكبة كما قال الله تعالى :

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} النور40 .

 وهذه أوصاف أئمة الكفر والضلال من أعداء نبينا وآله ممن حاربهم وقتلهم ومنع من ذكرهم ونشر رأيه وقياسه واستحسانه ، وعلى هذا تبعه الناس فعبدوا الله بدينه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، ويمنعون من ذكر النبي وعلي وآلهم سواء في مناقبهم أو في تعاليمهم ويعتبروه شرك وضلال ، ولكنهم تراهم يفرحون إذا سمعوا بحديث يذكر فيه أئمة الكفر أو تعاليمهم ممن حارب نبينا وآله على طول الزمان وفي كل مكان .

ولكن الله أمر أن يؤخذ دينه الخالص من النور الذي أوجده في رجال البيوت المرفوعة الذين بقي بابهم مفتوح لمسجد رسول الله وسد كل باب دونه ، لا قه وكسره والاعتداء على أهله باسم الدين كما فعل الخلفاء الأوائل وأتباعهم ، وكانوا في جهل مركب وظلمات متراكمة ، وهذا الدين عند نبينا وآله بعده ، وسيأتي الحديث عنهم وعرفت بعضه ، ولكن لنذكر معرفة بسيطة في أوليا الهدى والنور ، وأولياء الشيطان والظلام فنتدبر قوله تعالى :

{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ  (29) ـ

أن الإنسان وجد مع نور الفطرة ولكنه قد يخرج منها إذا لم يطع الله وأتبع أولياء الشيطان ومن يضله عن هدى الله ، فمن آمن بالله وأخذ دينه من الله بحق وصدق بقي على النور والهدى فيخرج لكل للنور الخالص في الملكوت الأعلى ، ومن تبع أولياء الشيطان سيكون في ظلمات متراكبة ويخرج من نور الفطرة التي كان له نصيب منه ، لأنه لم يتبع الحق وأهل النور والهدى ممن جعل الله له نور وتبع من ليس له نور ، ونتلو قول الله تعالى بعد تلك الآية لنعرف الحزبين :

{فَرِيقًا هَدَىوَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}الأعراف30 ـ

  وهذه المعرفة بأن الإنسان إما يرجع لله من هذه الدنيا ويكون في نور خالص مع أهل النور إذا تبع نبينا وآله وهداهم الذي هو نور الله لمن يعرفه ويذكره ويتحدث عنه ، فيكون له النور الصافي الخالص من كل ظلام وخرج لمطلق النور في عالم النور والملكوت الأعلى معهم ، ومن لم يأخذ من نور الله عند علي وآله الذين هم رجال النور النبوي بل الإلهي وهداه ، ويأخذ من ظلام أئمة الكفر وأولياء الشيطان من أعدائهم يكون في ظلمات متراكبة ، ولذا قال الله تعالى في الآيات المحلقة بآية الكرسي :

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}البقرة257 ـ

 نعم إن الله يخرج من الظلمات للنور ولكنك عرفت أنه برجال البيوت المرفوعة الذين هم نور الله وأولياءه ، فإن الله جعل نوره عندهم ومنهم يشع هداه فمن يعرفه ويذكره ويتذاكر به مع المؤمنين ، ويتحدث به وعنه عرف هدى الله ونوره وتحقق به عند إقامة أوامر الله التي علموها بكلامهم وسيرتهم وسلوكهم ، كما عرفت بأنهم كل وجودهم يذكر بالله وتعالى وبتعاليمه لأنهم مجلى لظهور نور الله وهداه وبكل حركة وتصرف لهم ، راجع آيات النور والبيوت المرفوعة حتى تعرف أن الله هو النور والساطع بنوره هو النبي الكريم وبعده الإمام علي وآله صلى الله عليهم وسلم ، وحزبهم بقدر أخذهم منهم يرجعون لله في الملكوت الأعلى نور خالص كامل غالب لكل ظلام تحقق به أعداء آل محمد ومنع من ذكرهم وتعريف دينهم والحديث عنهم وعن معارف الله عنده قال الله تعالى :

{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) ـ

هذه آيات ولاية النور مختصة بالله والنبي وعلي وآله ومعهم من تبعهم دون من عاداهم وتبع أعدائهم ومن منع من ذكرهم ومعرفتهم ، والله يخرج من الظلمات إلى النور بهم ، وذلك لأن ولايتهم امتداد لولايته كما عرفت بالآية الملحقة بآية الكرسي وهذه الآية ، وبهم يعرف المؤمن بصراط مستقيم هدى الله فيعرف كيف يتنور من يتولاهم بولاية الله النور التي يخرج بها من الظلمات للنور ، ويغلب المؤمن المتولي لهم كل ظلام لأعدائهم ومكر وحيلة سموها بدين الله وعبدوا الله بها ولم ينزل بها الله من سلطان فقال بعدها ـ

وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ } المائدة56 ـ

آية التولي لنور الله والاقتباس منه لأنه عرفت أن الله هو الولي الذي يخرج من الظلمات إلى النور الذي جعله عند أولياء دينه ، وهذه الآيات نزلة في حزب الله ورسوله وعلي بين أبي طالب هو الذي أعطى الزكاة في الصلاة وهو راكع ، وكان حزبه معه هم الفائزون المتحققين بنور الله وخرجوا من كل ظلمات , وكان كل من خالفهم من حزب الشيطان وفي ظلمات متراكمة .

 وعرفت شيء عن بدء نور الله في الحديث السابق وما ذكرنا عن نور النبي وعلي وآلهم في المعراج ، وما أمر الله نبيه أن يحدث به من نورهم وولايتهم وهداهم وإمامتهم التي تُعرف وتُحدث عن عظمة الله وكبرياءه ومجده وتشريفه لأوليائه وتذكره بأحسن الذكر المرضي لله ، وعرفت في آيات النور ونزوله من السماوات والأرض في كل مراتب الوجود ، فيخص في أول وجوده وإشراقه من تعالى وتجليه نبينا وآله الإمام علي بعده ثم الحسن والحسين والمعصومين من ذرية الحسين وحزبهم المفلحون بعدهم ، فيكونوا في نور خالص قد تجلى الله به لولي النور الذي نور به السماوات والأرض وجعله نور كامل تام في كل مراتب الوجود كما بدأ نور يرجع نور ، فيكون النبي وآله وصحبهم المحب لهم في أول الوجود وفي الهدى في عالم الشهادة والدنيا والعبادة والطاعة ، فيخلص بالنور حتى يرتفع لعالم النور بكل وجوده ويخلص من كل ظلام .

وبهذا تعرف أنه  ليس يوجد نور لأعداء نبينا وآله وحزبهم ، ولا لكل من منع من ذكرهم والحديث عنهم ولم يعرف نور الله منهم ، لأنهم في ظلمات وجهل مركب في معرفة نور الله واتبع ظلمات أعداء النبي وآله ومنع بالحديث عن النور وحقيقته فلم يتحققوا به ، والكلام واسع في نور الله ذكرنا منه شيء في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، وهذه أحاديث يسيرة والتفصيل إن شاء الله في صحيفة النور .

 

ذكر الكليني بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَقُولُ :

( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ فَأَقَامَهُمْ أَشْبَاحاً فِي ضِيَاءِ نُورِهِ يَعْبُدُونَهُ قَبْلَ خَلْقِ الْخَلْقِ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَ يُقَدِّسُونَهُ وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ) .

الكافي ج1ص530.

 

ذكر الصدوق بإسناده عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

( أفضل الكلام قول : لا إله إلا الله ، وأفضل الخلق أول من قال لا إله إلا الله ، فقيل : يا رسول الله ومن أول من قال لا إله إلا الله .

قال صلى الله عليه وآله وسلم : أنا وأنا نور بين يدي الله جل جلاله و أوحده و أسبحه و أكبره و أقدسه و أمجده ، ويتلوني نور شاهد مني .

فقيل : يا رسول الله و من الشاهد منك .

فقال : علي بن أبي طالب أخي وصفيي ووزيري وخليفتي ووصيي وإمام أمتي وصاحب حوضي وحامل لوائي .

فقيل له : يا رسول الله فمن يتلوه . فقال : الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم الأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة ) .

كمال الدين ج2ص660ق58ح14.

أذكر للطيبين المتنورون بالنبي وآله : عرفت آيات النور في السماوات والأرض وظهور الله في كل عوالم الوجود في رجال البيوت المرفوعة بذكر الله والحديث عنه وبيان عظمته ومعرفته وإن اقتباس نوره من أولياءه وبهم يخلص المؤمن من كل ظلمات ويخرج للنور الكامل التام بإذن الله تعالى ، وعرفت أن هدى الله نور والقرآن نور وقد قال الله في رسوله الكريم :

{ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } التغابن8 ـ فإن مع نبينا نور نازل والله تعالى يبينه لنا ، وهو به يخرج من الظلمات إلى النور بإذن الله وهو وآله أولياء النور كما عرفت إذ قال تعالى : {رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}الطلاق11 ـ

وعرفت أولياء النور في الحديث وهو نور الشاهد والولي بعده والزجاجة المحيطة بمصباح النبي الكريم الذي هو منه يشع نور الله وهدى يُخرج من الظلمات كل من آمن به وتمسك به وأخذ دين الله منه ، لأنه تبع الشاهد من أهل البيت المرفوع المطهر كمال قال تعالى :  

{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ }هود17 والشاهد موجود ليوم القيامة ، وهو الإمام الذي يدعى به كل إنسان فيتنور بنوره الله الذي يشرق منه نور وذكر لتعاليم الله تعالى ، فيتولى ولي الله ويكون من حزبه فيعرفه ويذكره في كل وجوده حتى يتحقق به نور الله المشرق منه هدى ويخلص به لله وحده لا شريك له عبادة وطاعة ، ويخلص من كل ظلام لأولياء الشيطان وأعداء أولياء الله وأئمة الحق ، الذين ذكر الله حالهم بأنهم لا نور لهم بل هم في ظلمات متراكمة ويخرجون من النور نور الفطرة والدين للظلمات التامة لهم ، وقال في حقهم في آية أخرى :

{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ }الحديد13 ـ

 نبينا وآله وحزبهم هم أهل النور وأولياءه بإذن الله ورحمته وتكريمه لهم في كل مراتب الوجود قبل الدنيا وفيها وبعدها ، وليس لأعداء نبينا وآله ومن يمنع من ذكرهم نور لأنهم كانوا يقولون شرك معرفة الحق وأهله والحديث عن نبينا محمد وما كرمه الله به من النور والهدى ، وأرادوا أن يطفئوا نور الله ، فأطفئ الله نورهم كما عرفت ولذا قال الله تعالى :

{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }الصف8 ـ وإطفاء نور الله هو المنع من ذكره والحديث عنه وتعريفه لمن يطلب نور الله وهداه ودينه من أئمة الحق ، وأولياء النور الذين رفع الله ذكرهم وأمرنا أن نحدث عنهم ، وهذا نور الله في السماوات والأرض وهداه لنبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين في جميع مراتب الوجود ، وبالخصوص من يقتبس منه هدى يرتفع معهم في أجمل مقام عند الله ويعود نور يسعى بين يديه في القيامة ، والمنافقون وإن صحبوا النبي ليس لهم نور فضلاً عمن تبع دينهم ، ومن لم يحب النبي لم يقتبس منه ومن آله نور الله تعالى ، راجع الآيات السابقة وهذا أحاديث نعمة تذكرنا بنور الله نتدبر فيها ونسأله أن يجعل نورنا يسعى بين أيدينا إنه ولي النور :

ذكر الصدوق عن أبي صالح عن أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول :

( خلقت أنا و علي من نور واحد نسبح الله يمنة العرش قبل أن خلق آدم بألفي عام ، فلما أن خلق الله آدم جعل ذلك النور في صلبه و لقد سكن الجنة ، و نحن في صلبه و لقد هم بالخطيئة و نحن في صلبه ، و لقد ركب النوح السفينة ، ونحن في صلبه ولقد قذف بإبراهيم في النار ونحن في صلبه .

فلم يزل ينقلنا الله عز وجل من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب فقسمنا بنصفين .

 فجعلني في صلب عبد الله وجعل عليا في صلب أبي طالب ، وجعل في النبوة والبركة وجعل في علي الفصاحة والفروسية ، وشق لنا اسمين من أسمائه فذو العرش محمود و أنا محمد و الله الأعلى و هذا علي ) .

معاني ‏الأخبار ح1ص56ح4 . وبحار الأنوار ج15ص7ب1ح7 . 

أذكر لك يا طيب : أن هذه مراتب تنزل نور الله في الوجود في أكرم خلقه في مرتبة أخرى حتى كان منهم نور النبي وعلي وآهل الطيبين الطاهرين منهم ، وهم نور الله واحد وهدى واحد وكل من تبعهم صار منهم وحصل على نور الله ، وخرج من كل ظلمات لأعدائهم ، كما عرفت أن الله يخرج من النور بالنور الذي أنزله ، وعرفت أنه قد جعل النور عند أولياء دينه وبهم يخرج من الظلمات إلى النور ، وخلافهم فيه الظلام لأنه منع من معرفة النور وتولي أعداءهم أولياء الشيطان الذين يخرجون من نور الفطرة إلى الظلمات والعياذ بالله من منع الحق وتعريف عليه فكان هو وحزبه في الظلمات .

وذكر الصدوق بإسناده عن معاذ بن جبل أن رسول الله قال :

( إن الله عز و جل خلقني و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام .

 قلت : فأين كنتم يا رسول الله .

قال : قدام العرش نسبح الله تعالى ونحمده ونقدسه ونمجده .

قلت : على أي مثال .

 قال : أشباح نور حتى إذا أراد الله عز و جل أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ، ثم قذفن في صلب آدم ، ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر ، يسعد بنا قوم و يشق بنا آخرون .

فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور فشقه نصفين فجعل نصفه في عبد الله ونصفه في أبي طالب ، ثم أخرج النصف الذي لي إلى آمنة و النصف إلى فاطمة بنت أسد فأخرجتني آمنة ، وأخرجت فاطمة علياً .

 ثم أعاد عز وجل العمود إلي فخرجت مني فاطمة ، ثم أعاد عز وجل العمود إلى علي فخرج منه الحسن و الحسين يعني من النصفين جميعا ، فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن ، وما كان من نوري صار في ولد الحسين ، فهو ينتقل في الأئمة من ولده إلى يوم القيامة ) .

علل الشرائع ج1ص208ح11.

 ذكر الصدوق بإسناده عن عمرو بن ثابت عن أبي حمزة قال سمعت علي بن الحسين عليهم السلام يقول :

( إن الله تبارك و تعالى خلق محمدا و عليا و الأئمة الأحد عشر من نور عظمته أرواحا في ضياء نوره ، يعبدونه قبل خلق الخلق يسبحون الله عز و جل و يقدسونه و هم الأئمة الهادية من آل محمد عليه السلام ) .

كمال ‏الدين ج1ص318ب31ح1 .

أذكره يا طيب : فهذا نور هدى الله وحقيقته في نبينا وآله وعترته الطاهرة في كل وجودهم وصفاتهم وكل علم وعلم وسلوك وسيرة لهم يعلمون نور الله ويظهرون به ، وإنه في كل مراتب الوجود قبل عالم الشهادة في الملكوت بدأ وعوداً وإن شاء الله نحن معكم نكون معهم بل الآن بإذن الله وفضله معهم إن شاء الله ، وكل من يقتبس منه هدى الله يسير على صراط مستقيم ويحصل على نعيم الله ونوره ويتنور ويرتفع لمحل المجد والعظمة المنزلة الرفيعة والرضى عند الله ، ومن لم يعرفه ولم يذكره ولم يحدث به فما له منور ، كما عرفت في آيات النور ورجال البيت المرفوع بذكر الله تعالى علم وعمل وتعليم وظهور وإشراق لكل طالب حق .

ذكر الصدوق بإسناده عن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي يعقوب البلخي قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام قلت له : لأي علة صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن عليه السلام .

قال : ( لأن الله عز و جل جعلها في ولد الحسين و لم يجعلها في ولد الحسن و الله لا يسأل عما يفعل ) .

علل الشرائع ج1ص209ح10. أذكرك : أنه ذكر أحاديث أخرى في هذا المعنى فراجع ، والله هو الذي يصطفي ويختار ما كان لأحد الخيرة والله العالم بأولياء دينه وأئمة الحق وأين أكرم خلقه ليجعل هدى دينه عندهم ، وذلك لأنهم أخلصوا له بكل وجودهم ويعلمون ذكره ومعرفته ودينه بكل علم وعمل لهم .

ذكر محمد بن إبراهيم بإسناده عن أبي خالد الكابلي قال سألت أبا جعفر عليه السلام : عن قوله : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا ) فقال :

يا أبا خالد : النور و الله الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم  إلى يوم القيامة ، وهم والله نور الله الذي أنزل ، وهم والله نور الله في السماوات والأرض .

 يا أبا خالد  : لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين ، ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم.

 و الله يا أبا خالد : لا يحبنا عبد و يتولانا حتى يطهر الله قلبه ، ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلماً لنا ، فإذا كان سلماً لنا سلمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر ) .

تفسير القمي ج2ص371 آية64 من سورة التغابن .

أذكرك يا طيب : بتدبر الحديث فإنه الآيات والروايات السابقة تؤيده فإن القرآن والنبي وآله وشيعتهم ومواليهم الذين أخذوا تعاليم الله منهم يتحدون في النور بين مفيد ومستفيد ، ومشرق به بفضله الله وكرمه ، وبين أخذ منه ومتحقق به ، فيرتفع عن كل ظلام رأي وفكر لأولياء الشيطان ممن قتل آل محمد ومنع من ذكرهم والحديث عنهم ومعرفتهم ، فخلط وجوده الظلام وكان في جهل مركب وظلمات متراكمة واحترق بنار العدم ومنع من كل نعيم لأنه منع عن التحقق به بل معرفته وعرّف غيره وتعبد به .

 وهذا الذكر في هذا الحديث كنتيجة لما ذكرنا ، فإنه فيه معارف قيمة في اقتباس نور الله من أئمة الحق نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، وإن من لم يعرفهم ولم يذكرهم ولم يروي حديثهم ولا يحدث بما أنعم الله علينا بهم وكرمهم الله به وشرفهم فليس له من نور ، فهنيئاً لمن تولى نبينا وآله وذكرهم بكل كرامة وشرف وعز رفع الله به ذكرهم سواء بمناقبهم والحديث عن شرفهم ومجدهم ، أو بالحديث عن تعاليم دينهم ومعارفهم التي عرفوها بحديثهم وكل سيرة وسلوك لهم ، الذي سماه الله ذكر لله ولم يكن فيه أي مله يبعد عن الله ومعرفته ومعرفة دينه القيم .

وأنى بمثل هذه المعارف من يمنع من ذكرهم ويعبد الله بدين أعداء النبي وآله ، ويحرم ذكرهم ويقول شرك حديث النعمة عنهم ، وهذا هو نور الله في الوجود عند نبينا وآله وشيعتهم بدأ وعودا ، وهذا نزر من المعرفة يسير وتابع البحوث والذكر في هذه الصحيفة والأجزاء الآتية من ذكر علي عبادة لله خالصة ، فإنها بإذن الله تعرفنا الكثير من تعاليم ديننا ومعارفه ، بل معرفة الله بما يحب ويرضى من غير تجسيم وشك وشرك ، بل معرفة العظمة والكبرياء والمجد لله وتشريفه وتكريمه لأولياء دينه وأحباءه .

 
الهي بحق علي وأخيه وآلهم الطيبين الطاهرين اسقني من حوضهم واجعلني وكل الطيبين نحف بهم تحت لواء الحمد وفي كل مكان كرمتهم به في الجنة إنك أرحم الراحمين
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين  

إلى الأعلى علاك الله بإخلاص له بدين أمير المؤمنين الحق علي عليه السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام