هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في أصول الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام
علي عليه السلام
الجزء الأول / ما نذكر به الإمام علي عليه السلام وسببه

الباب السادس

ذكر الوفاء والجفاء لنعم الله المتحققة

بالإمام علي عليه السلام

في هذا الباب :ذكر وتأكيد لمعرفة لما حل بالإسلام وأهله من فجائع أدت لانحراف كثير من السلمين عن ولي الدين الحق علي أمير المؤمنين ، كما ونذكر أهم مَن وفى له ومن جفاه ، لنعرف المصداق الحق والواقعي للصحابي المحب للنبي في دينه وآله من غيره القالي والطاغي والمتمرد على أمر الله ورسوله ، وكان سبب في حرف نفسه وكل من قلده وتبعه عن كل نور هدى الله ، ولك الحكم في اختيار إمامك وأنت المسؤول بعد الذكرى أمام الله وتدعى به يوم القيامة ، وإليك الاختيار ، والله تعالى لم يجبر أحد على عبادته ومعرفة دينه ، ولكن أودع في الناس العقل ويطالبهم بالدليل والبرهان عما علموا وفعلوا وكل شيء ، وأول سؤال يوم القيامة هو عن الإمام وولولي الدين: إن كان إمام حق فالجنة والنعيم ، وإلا عدو له معاند فإلى النار.

 

الذكر الأول
أحداث مؤلمة في آخر أيام النبي وتمردهم على أوامره

الذكر  الثاني
خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر ومن جفا ووفى للإمام علي

الذكر الثالث
ذكر  الخطبة الشقشقية التي بين فيها الإمام علي حاله مع الظالمين

 

تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله ونورك بدين الإمام وخلصك من الظلام



الذكر الأول

أحداث مؤلمة في آخر أيام النبي وتمردهم على أوامره

ذكر تأريخ الإسلام ضروري لمعرفة الحق وأهله وبه نعرف الله حق المعرفة ، لأنه به نعرف منهم أهل الحق فيه والثابتين على تعريفه من غير خلط لرأي وفكر يجبرهم عليه تثبيت ملكهم أو أمرائهم ، أو قول يذكروه لكي يحرفوا الناس عن التمرد عليهم وعن إزالتهم من سلطانهم ، فيذكرون أمور ليس من الدين لكي يخدعوهم عن معرفة الحق وأهله .

فإن تأريخ الدين كما هو بيان لفضائل أهل البيت عليهم السلام ، فهو ذكر لبيان حال من حسدهم وأقصاهم عن تبيين معارف الله وحدوده ، حتى صعب تحصيل الحديث الحق من أهله بعد النبي حتى زمن طويل ، راجع كتب منع تدوين الحديث والجزء الأول من كتاب الملل والنحل لآية الله السبحاني ، وذلك لأن الحاكم الأول والثاني واستمر لزمن المنصور مائة وخمسون سنة ، فمنعوا الناس من ذكر تأريخ الدين ومنعوهم عن ذكر أحاديث سيد المرسلين ، وبخدعة ومكر قالوا نكتفي بالقرآن المجيد فإنه فيه تبيان كل شيء ويكفينا ، وكتموا ما كانوا يعرفون أن التفسير له مختص بأئمة الحق والمطهرون الذين هم يبينوا أحكامه بما علمهم رسول الله وبما خصهم به من معارفه ، بل الله أعدهم لهذه المهمة وجعلهم أئمة محافظين على دينه وهداه بعده من غير تخلف واختلاف .

 وإن كان هذا من اختبار الله لعباده ليجدوا في طلب دينه الحق ولا يعتمدوا على التقليد ، فإنه تعالى لا يريد الإجبار في الدين ولو أراد هذا لخلقهم مسلمين ، ولكنه تعالى يداول الأيام بين الناس ليعرف الثابت على الدين ممن ينحرف عنه ويطمع في الدنيا وزينتها ، وقد بيّنا هذا في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام وفي صحيفة الثقلين فراجع .

ولكن لتعرف ما حل بالإسلام وأهله وكيف حصلوا على حكومة المسلمين نذكر يسير من المعارف التي تبين تأريخ الدين ، ثم نذكر فضائل شاملة لأهل البيت عليهم السلام لتعرف مصيرك في خضم الأحداث التي عاشها المسلمون ، فتختار إمامك من بينهم وتتبع دينه عن معرفة ويقين ، ويكون حجة لك إن سألك الله تعالى يوم القيامة لماذا تدينت لي بدين هذا دون هذا ، وهم مختلفون ودينين ، والدين والهدى الحق واحد عند أئمة الحق الذين عرفتهم لك في كتابي وسنة نبيي الذي لا ينطق عن الهوى إنه هو إلا وحي يوحى ، وأنت عليك الجواب المنجي وبالدليل الحق الصادق ، ودين الله دين العلم والمعارف ولم يرضى الله تعالى بالجهل والظلمات والمكر والحيلة وخداع النفس والتقول بغير علم .

ولو بحثت عن الحق بجد وبتدبر صادق ، لوجدته ناصع أظهر من نار على منار ومن الشمس في رابعة النهار ، وتعرف أن الإمام علي هو الولي الحق والفاضل الصادق في دين الله وهداه وكل معارفه ، وغيره بفلتة تسلط على الحكم وأظهر كل ما لم يرضى به الله ، فولى المنافقين ليثبت سلطانه ومكن الظالمين ليخلص من شرهم في عاصمة ملكه ، ولكي يحرفوا الناس عن المطالبة بالحق والرجوع لولي الله الصادق المصدق ، وتجرأ الناس على كتم دين الله وإظهار كل ما يرضي السلطان من أجل دنانير يبذلها لهم ودنيا يمكنهم منها .

 فتنافس المغرضون ومن في قلبه مرض ليُعرفهم بأنهم هم أولياء دين الله وأخص المختصين بهدى الله ويذكروهم بالفضائل والمناقب ، وهم لا علم لهم ولا سيرة تشرفهم ولا منقبة يحق أن تذكر لهم بعد أن انحرفوا عن ولي الله ودينه ونوره ، ولتعرف ما حل بالإسلام وأهله بعد رسول الله إليك مختصر منه ، والحكم لك في معرفة وليك ، وأحسن الثواب والنعيم والأجر الجزيل لمن تبع إمام الحق ، والعقاب الشديد والنار التي لا تبيد لمن تبع إمام الباطل والكفر وصار من أولياء الشيطان .

وبهذا الذكر هنا وأمثاله تعرف إمامك وأتباعه لتأخذ دينك منهم ، فهذا الذكر والآتي يؤكدان تعريف حزبين وأئمة مذهبين حق وباطل ، وبما عرفت من البحوث عرفت أن الحق مع النبي وعلي وآله وكل مَن تبعهم نجى وفاز والخذلان لأعدائهم ، وأنت المسؤول أمام الله تعالى ، فإليك أهم الأحداث الواقعة في آخر أيام رسول الله وحين وفاته فتدبرها :

 

ذكر مؤلم : أخر خطب رسول الله يحذر بها المتمردين عليه :

للأسف الشديد أن يُذكر هذا الكلام ونسمعه أنه حصل في زمن رسول الله بعد جهاده المرير لنشر الإسلام وتعريف دين الله وأئمة الحق فيه  ، وكان المتوقع أن كل من حوله مسلمون لأمره ولا يرون لهم رأي خلافه ، ويجب أن لا ينافق ويطمع بما ليس له حق من كان يحف حول النبي الكريم ، ولكن في كل زمان لكل عظيم ترى من يلتف حوله من المؤمنون به والصادقون ، وهكذا يأتي بينهم منافقون لا يرون إلا المصالح في متابعته ، وهذا قد حكاه الله في كتباه المجيد ورسوله الكريم في أحوال المنافقين حتى كانت ثلاثمائة آية فيهم ، ولو قستها لكل تعاليم الإسلام وحجم آيات القرآن لتيقنت كثرتهم وأنه كانوا يشكلون الخطر العظيم على الإسلام ، وفعلا صدق الله ورسوله ، بأنهم يتربصون الدوائر .

 ولكن شاءت حكمة الله في الاختبار في معرفة الصادقين في طلبه ممن ينقلب على عقبه ويهجر النبي وكل تعاليمه ويطمع بالجاه والسلطة ، ويحرف المسلمين ، وكان على المؤمن في كل زمان أن يعرف دين الله الحق عند أهل دين الله الذين صدقهم الله ورسوله ولا يتبع كل ناعق ، فيجد في طلب الدليل المحكم لأئمة دينه ، ولتعرف ما حل في أخر زمن النبي الكريم عقدنا هذا الذكر وإن كان يؤلم المؤمن ، ولكنه يجعله يتحمس لطلب الحق ولعن أولياء الشيطان وكل ضال آذى النبي في حياته وبعد حياته .

ذكر صلى الله عليه وآله وسلم هذه الخطبة بعد أن عرف تخلف أهم من كان يحيط بالنبي الكريم عن جيش أسامه الذي أعده لغزوا الروم ، وقاموا بأعمال لها أكبر الأثر في تثبيط عزم المسلمين عن المسير للحرب وتكاسلهم عن المسير ، بحجة أن رسول الله مريض لنرى ما يحل به ، وكما كان ديدانهم في أحد وحنين وخيبر وغيرهن في معاندة رسول الله ، وكما في هذا الزمان في غرفته المسجى فيها مريض اتهموه بأنه يهجر لا يحق له أن يكتب كتاب يعرفهم أهم أمور دينهم ، وغيرها من مواقف الأذى التي كانوا يسببوه له في حياته ، وقد لعن الله تعالى من يؤذي النبي في نفسه أو في أهله ، فضلاً عن حرف الناس عن دينه وأهله بعد مماته وقتلهم وحربهم وحرف الناس عن دينهم الذي هو دين الله ، وهذا مختصر يسير ولتعرف التفصيل عليك بكتاب الغدير للعلامة الأميني رحمه الله .

في أمالي المفيد بإسناده عن أبي سعيد الخدري يقول :

( إن آخر خطبة خطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لخطبة خطبنا في مرضه الذي توفي فيه ، خرج متوكئا على علي بن أبي طالب و ميمونة مولاته ، فجلس على المنبر ثم قال :

يا أيها الناس : إني تارك فيكم الثقلين و سكت .

فقام رجل فقال يا رسول الله : ما هذان الثقلان .

فغضب حتى أحمر وجهه ، ثم سكن وقال : ما ذكرتهما ـ إلا و أنا أريد أن أخبركم بهما و لكن ربوت فلم أستطع ـ

سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم تعملون فيه كذا وكذا ، إلا وهو القرآن والثقل الأصغر أهل بيتي .

ثم قال : و أيم الله إني لأقول لكم هذا ورجال في أصلاب أهل الشرك أرجى عندي من كثير منكم ، ثم قال : والله لا يحبهم عبد إلا أعطاه الله نورا يوم القيامة حتى يرد علي الحوض ، ولا يبغضهم عبد إلا احتجب الله عنه يوم القيامة) . أمالي المفيدص134م16ح3.

أقول : ستأتي كلمات للنبي في بيان فضل علي وآله ، وعرفت بعضها ، وإن استنكار النبي لأنه عرف هذا في كثير من المواقف المشرفة وشرح لهم الثقلين ، وهنا أراد أن يذكرهم فإن الذكرى تنفع المؤمنين ، ويُقيم الحجة على الكافرين والمنافقين ، وهذا من نعم الله عليه وواجب تعريفها والحديث عنها كما عرفت ، وكذا على المؤمنين ليعرفهم خلاصة دينه ومحله ووليه وخليفته الحق وإمامهم الواجب أتباعه ، راجع كتاب صحيفة الثقلين والباب الثالث من هذه الصحيفة ، بل راجع ما أخرجه في مستدرك المراجعات وسيأتي ذكر آخر له .

 ولكن القوم يتناسون إما متعمدين لأنهم في قلوبهم مرض ، ولا يريدون أن يبين أئمة الحق ويُعرفهم في هذا الزمان الذي يعدون العدة لغصب الخلافة والتسلط على المسلمين وهم عالمين أنه سيعرف علي وآله ، أو جهل يأخذهم في قطع كلام رسول الله وهو في حال لا يقوى على الكلام .

 ولكن بيّن رسول الله أن كلامه غير مؤثر في الأجلاف ، ويرجوا من يأتي بعده من المسلمين الصادقين في طلب الله ودينه ولو كانوا في أصلاب المشركين ، فيبحثوا عن الحق ويعرفوا الحال ويطلبوا دينه وهداه من أئمة الحق وأولياءهم المصدقين من رب العالمين وسيد المرسلين ، وما أيسر الوصول له للمنصفين .

ذكر : رزية يوم وفاة الرسول الأكرم :

وعن أبان بن أبي عياش عن سليم قال : إني كنت عند عبد الله بن عباس في بيته و عنده رهط من الشيعة قال‏ : فذكروا رسول الله صلى الله عليه وآله ، و موته فبكى ابن عباس وقال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين :  و هو اليوم الذي قبض فيه و حوله أهل بيته وثلاثون رجلا من أصحابه ، أيتوني بكتف أكتب لكم فيه‏ كتابا لن تضلوا بعدي ، و لن تختلفوا بعدي‏ .

 فمنعهم فرعون هذه الأمة فقال إن رسول الله يهجر .

فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : إني أراكم تخالفوني و أنا حي فكيف بعد موتي‏ ، فترك الكتف .

قال سليم ثم أقبل عليَّ ابن عباس فقال : يا سليم لو لا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا كتابا لا يضل أحد ولا يختلف .

فقال رجل من القوم : ومن ذلك الرجل . فقال : ليس إلى ذلك سبيل .

فخلوت بابن عباس بعد ما قام القوم ، فقال : هو عمر .

فقلت : صدقت قد سمعت عليا عليه السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون : إنه عمر .

فقال يا سليم : اكتم إلا ممن تثق بهم من إخوانك ، فإن قلوب هذه الأمة أشربت حب هذين الرجلين كما أشربت قلوب بني إسرائيل حب العجل و السامري ) .كتاب ‏سليم‏ بن ‏قيس ص : 794ح27.

أقول : هذه المصيبة وغيرها منعت معرفة أهل دين الله وذكرهم ، وهي من أسس المصائب التي حلت بالدين ، وأنظر الذكر الآتي لتعرف سبب المنع .

 

تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله ونورك بدين الإمام وخلصك من الظلام



الذكر  الثاني

خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر ومن جفا ووفى للإمام علي

والله مصيبة وحدها تبين نفسها ، كيف يجرأ إنسان أن يترك نبي الرحمة وهو ملقى من غير غسل وكفن ودفن ويدعي الصحبة والمحبة والولاء ، ويذهب يتآمر على الحكم والسلطة ويغصب حق ليس له ، وما هو إلا كان قد أعد العدة لهذا وخرج عن وصية الله ورسوله ولم يؤمن بما أمره الله وما يكون عليه عاقبة الأمر ، وهو بهذا قد كفر بالله ودينه وكل تعاليمه وحرف الناس عنها وعن معرفتها بما يؤدي إليه فعله وعمله وطمعه بالسلطة وآثار توليه وتوليته للمنافقين والظالمين يعلم بعواقب فعله أو على فرض بغير علم ، حتى نشر منهم المكر وحيل وخداع وقياس وفكر ورأي كله باسم دين الله .

 ما أجرئهم على الله ورسوله وكأنه الله أهمل خلق على طول التاريخ ، والآن لا من عاصم من الضلال ولا هادي وولي ، الله اصطفاه وإمام حق قد رعاه ورباه لهذا الأمر ، والذي فيه معرفة الله ودينه وكل ما جاهد في سبيله رسول الله ، وكأنه الله أو رسوله هو أنقض غزل ما سعى له بنفسه ، وهو الذي سمح بأن يتسلط على خلافته في أمته ودينه المنافقون ، ومن غير أن يُعرف أئمة حق وهداة صادقون يرعاهم لهذا المنصب الخطير ويربيهم بأمر الله وإرشاده حتى يهدوا عباده للحق من الدين ، وكأنه بعد هذا الجهاد المرير همل الأمر وهو الذي مكن كل ضال وكل طامع بالسلطة والجاه ليعرف هدى رب العالمين ، ولا يهمه ما يكون عليه أمر الأمة فلم يعرف ولي الدين بأمر الله في كتباه وكل سنته .

فإليك يا طيب هذه الواقعة المؤلمة ، وعليك التدبر بها وما أدت إليه الأحداث من توليهم وسعيهم لنشر فكرهم وضلالهم ودينهم ، وما أدى إليه من جعل مناقب لهم وفضائل ما أنزل الله بها من سلطان من المتملقين لهم ، حتى حسب الناس أنه لا ولي لدين الله ولا إمام مصطفى من الله قد رعاه ورباه لكي يعرف دينه الصادق وهداه الواقعي الذي يرضى التعبد به ويخلص له به العبودية .

ذكر اليعقوبي :

اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، يوم توفي رسول الله وعلي مشغول بغسله ، فأجلست سعد بن عبادة الخزرجي وعصبته بعصابة وثنت له وسادة .

وبلغ أبا بكر وعمر و المهاجرين ، فأتوا مسرعين ، فنحوا الناس عن سعد ، وأقبل أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا : يا معاشر الأنصار ! منا رسول الله ، فنحن أحق بمقامه .

وقالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ! فقال أبو بكر : منا الأمراء وأنتم الوزراء . فقام ثابت بن قيس ابن شماس ، وهو خطيب الأنصار ، فتكلم وذكر فضلهم .

فقال أبو بكر : ما ندفعهم عن الفضل ، وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل ، ولكن قريش أولى بمحمد منكم ، وهذا عمر بن الخطاب الذي قال رسول الله : اللهم اعز الدين به ! وهذا أبو عبيدة بن الجراح الذي قال رسول الله : أمير هذه الأمة ، فبايعوا أيهما شئتم !

فأبيا عليه وقالا : والله ما كنا لنتقدمك ، وأنت صاحب رسول الله وثاني اثنين . فضرب أبو عبيدة على يد أبي بكر ، وثنى عمر ، ثم بايع من كان معه من قريش .

ثم نادى أبو عبيدة : يا معشر الأنصار ! إنكم كنتم أول من نصر ، فلا تكونوا أول من غير وبدل . وقام عبد الرحمن بن عوف فتكلم فقال : يا معشر الأنصار ، إنكم ، وإن كنتم على فضل ، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي .

وقام المنذر بن أرقم فقال : ما ندفع فضل من ذكرت ، وإن فيهم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد ، يعني علي بن أبي طالب .

فوثب بشير بن سعد من الخزرج ، فكان أول من بايعه من الأنصار ، وأسيد بن حضير الخروجي ، وبايع الناس حتى جعل الرجل يطفر وسادة سعد بن عبادة ، وحتى وطئوا سعدا .

وقال عمر : اقتلوا سعدا ، قتل الله سعدا .

وجاء البراء بن عازب ، فضرب الباب على بني هاشم وقال : يا معشر بني هاشم ، بويع أبو بكر .

 فقال بعضهم : ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه ، ونحن أولى بمحمد .

فقال العباس : فعلوها ، ورب الكعبة .

وكان المهاجرون والأنصار لا يشكون في علي ، فلما خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس ، وكان لسان قريش ، فقال : يا معشر قريش ، إنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه ، ونحن أهلها دونكم ، وصاحبنا أولى بها منكم . وقام عتبة بن أبي لهب فقال :
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف
عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن
عن أول الناس إيمانا وسابقــة
وأعلم النــاس بالقرآن والسنن
وآخر الناس عهدا بالنبي ومــن
جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا يمتـــرون به
وليس في القوم ما فيه من الحسن
 

فبعث إليه علي فنهاه ، وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، منهم : العباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، والزبير بن العوام بن العاص ، وخالد بن سعيد ، والمقداد بن عمرو ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبي بن كعب .

فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة ، فقال : ما الرأي ؟ قالوا : الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب ، فتجعل له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبه من بعده ، فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب ، حجة لكم على علي ، إذا مال معكم .

فانطلق : أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلا ، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله بعث محمدا نبيا وللمؤمنين وليا ، فمن عليهم بكونه بين أظهرهم ، حتى اختار له ما عنده ، فخلى على الناس أمورا ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم مشفقين ، فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعيا ، فوليت ذلك ، وما أخاف بعون الله وتشديده وهنا ، ولا حيرة ، ولا جبنا ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت ، وإليه أنيب .

وما انفك يبلغني عن طاعن يقول : الخلاف على عامة المسلمين ، يتخذكم لجأ ، فتكون حصنه المنيع وخطبه البديع ، فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه ، وإما صرفتموهم عما مالوا إليه ، ولقد جئناك ونحن نريد أن لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك ، ويكون لمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله ، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان صاحبك عنكم ، وعلى رسلكم بنى هاشم ، فإن رسول الله منا ومنكم .

فقال عمر بن الخطاب : إي والله وأخرى ، إنا لم نأتكم لحاجة إليكم ، ولكن كرها أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم .

 

فحمد العباس الله وأثنى عليه وقال : إن الله بعث محمدا كما وصفت نبيا وللمؤمنين وليا ، فمن على أمته به ، حتى قبضه الله إليه ، واختار له ما عنده ، فخلى على المسلمين أمورهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين الحق ، لا مائلين بزيغ الهوى ، فإن كنت برسول الله فحقا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ، فما تقدمنا في أمرك فرضا ، ولا حللنا وسطا ، ولا برحنا سخطا ، وإن كان هذا الأمر إنما وجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنا كارهين .

ما أبعد قولك : من أنهم طعنوا عليك من قولك إنهم اختاروك ومالوا إليك ، وما أبعد تسميتك بخليفة رسول الله من قولك خلى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك .

 فأما ما قلت : إنك تجعله لي ، فإن كان حقا للمؤمنين ، فليس لك أن تحكم فيه ، وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض ، وعلى رسلك ، فإن رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها . فخرجوا من عنده .

وكان فيمن تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب ، وقال : أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم ؟

وقال لعلي بن أبي طالب : امدد يدك أبايعك ، وعلي معه قصي ، وقال :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم
ولا سيما تيم بن مـرة أو عدي
فما الأمـــر إلا فيكم وإليكم
وليس لـها إلا أبـو حسن علي
أبا حسن فاشـدد بها كف حازم
فإنك بالأمـر الذي يرتجى ملي
وإن أمرء يرمي قصي وراءه عزيز
 الحمى والناس مـن غالب قصي
 

وكان خالد بن سعيد غائبا ، فقدم فأتى عليا فقال : هلم أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك ، واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : اغدوا على هذا محلقين الروؤس . فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر .

وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله ، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار ، وخرج الزبير ومعه السيف فلقيه عمر فصارعه عمر فصرعه وكسر سيفه . ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت : والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولاعجن إلى الله ! فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياما .

ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع ، ولم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر وقيل أربعين يوما .

تأريخ اليعقوبي 123 .

ـ أقول : وتفصيل خبر السقيفة وكيفية بيعة علي عليه السلام والهجوم على الدار راجع كتاب السقيفة ، وما كتبه المؤرخون عنها ـ .

 

وقالوا : وبعثوا إلى عكرمة بن أبي جهل وعمومته الحارث بن هشام وغيره فأحضروهم ، وعقدوا لهم الرايات على نواحي اليمن والشام ، ووجّهوهم من ليلهم ، وبعثوا إلى أبي سفيان فارضوه بتولية يزيد بن أبي سفيان .

قال : ولمّا بايع الناس أبا بكر قيل له : لو حبست جيش اُسامة واستعنت بهم على من يأتيك من العرب ؟ وكان في الجيش عامّة المهاجرين .

فقال اُسامة لأبي بكر : ما تقول في نفسك أنت ؟

 قال : قد ترى ما صنع الناس ، فأنا اُحبّ أن تأذن لي ولعمر، قال : فقَد أذنت لكما .

قال : وخرج أسامة بذلك الجيش ، حتى إذا انتهى إلى الشام عزله واستعمل مكانه يزيد بن أبي سفيان ، فما كان بين خروج أسامة ورجوعه إلى المدينة إلاّ نحو من أربعين يوماً، فلمّا قدم المدينة قام على باب المسجد ثمّ صاح : يا معشر المسلمين ، عجباً لرجل استعملني عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فتأمّر عليّ وعزلني !

إعلام الورى 371 إرشاد المفيد 1 : 188 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 529 | 35 .

 

 أقول : هم شروا أبو سفيان بهذا الفعل بجعل أبنه قائد لجيش الله ورسوله وهذا ثاني المكر وعظيم الخطر الذي جرأهم أن يولوا كل طامع بالسلطة ينصر حكمهم ويعرفهم أولياء دين عندما تفتح البلاد ، وكانوا بالفعل هذه خطتهم فلم يعرف علي وسابقته فضلا عن إمامته وولايته ، فجهله الناس في كل بلاد المسلمين ولم يسمع باسمه أحد ولا يعرف له منقبة وفضل ، بل أخذوا ينشرون مناقب لهم لم يثبت لها ما يصدقها من موقف مشرف في الإسلام أو علم دين وهدى يشرح تعاليم رب العالمين ، بل مكر وخداع يجر الناس للتنافس في السلطة وعداء أئمة الحق ، وإليك باقي القصة وتابع الباب الآتي لتعرف ما أدى إليه الأمر.

 

 

ذكر : من لم يبايع أبا بكر وتعبد لله بذكر فضائل الإمام علي :

عرفت أن هذا الذكر لبيان الحق وأهله ومحل دين الله وهداه ، وهم من أجل الصحابة المعرضون عن اللغو واللهو ، ويريدون بهذا الذكر والتذكير لمن غفل عن أمر الله في خليفة رسوله وما بينه نبينا الكريم ، وهم أصحابه المحبون والمودون له ولآله والثابتون على دينه .

وانقلبوا بنعمة الله ورضوانه : فقاموا بالواجب فذكرا وتحدثوا بنعمة الله على النبي وآله وفضل الله عليهم ، ليبينوا إن الله أرحم من أن يجعل ممن ينقلب عن رسول الله في حياته وبعد مماته خليفة على المسلمين ويبني تعاليم الدين ، وهو يدعي أن له شيطان يعتريه ويطلب من المسلمين أن يقوموه إن أخطاء كأنهم أئمة وليس هو إمامهم حيلة ومكر بهم ليجعلهم يتوانون عن مطالبته بالتخلي عن المنصب الذي حل به وليس له بأهل ولا له به حق ، وكان عليه أن يعطي خلافة رسول الله لمن نصبه الله ولي لدينه واصطفاه وجعل هداه عنده ليسير بالمسلمين على صراط مستقيم .

ولكن لما خدعوا الناس في السقيفة رغبوا بالسلطة وحلى لهم الحكم ولو من غير حق ، ويجهل منهم بالعواقب أو على علم وإصرار على المعصية وعناد الحق ، بأنه بعدهم سيتجرأ على الدين كل منافق ويطمع به ويحرف الناس عن هدى الله حتى يقتل أئمة الهدى ويحاربهم ، لما يروا أن الأوائل يفعلوا ذلك فهم كان أجرأ وكثر في العناد للحق ولكل تعاليم أولياء الدين وهدى رب العالمين .

 

قال الصدوق : حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال : حدثني أبي ، عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال : حدثني النهيكي قال ، حدثنا أبو محمد خلف بن سالم قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب قال :

كان الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدمه على علي بن أبي طالب عليه السلام أثنى عشر رجلا من المهاجرين والأنصار :

وكان من المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص ، والمقداد بن الأسود ، وأُبي بن كعب ، وعمار بن ياسر ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وعبد الله بن مسعود ، وبريدة الأسلمي .

وكان من الأنصار : خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وسهل بن حنيف ، وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو الهيثم بن التيهان وغيرهم .

فلما صعد المنبر ـ أبو بكر ـ تشاوروا بينهم في أمره ، فقال بعضهم : هلا نأتيه فننزله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله .

 وقال آخرون : إن فعلتم ذلك أعنتم على أنفسكم وقال الله عز وجل : { وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }البقرة195 ، ولكن امضوا بنا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام نستشيره ونستطلع أمره ، فأتوا عليا عليه السلام فقالوا :

 يا أمير المؤمنين : ضيعت نفسك وتركت حقا أنت أولى به ، وقد أردنا أن نأتي الرجل فننزله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله فإن الحق حقك ، وأنت أولى بالأمر منه فكرهنا أن ننزله من دون مشاورتك .

 فقال لهم علي عليه السلام : لو فعلتم ذلك ما كنتم إلا حربا لهم ولا كنتم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد ، وقد اتفقت عليه الأمة التاركة لقول نبيها والكاذبة على ربها ، ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلا السكوت لما تعلمون من وغر صدور القوم ـ توقد عليهم من الغيظ ـ وبغضهم لله عز وجل ولأهل بيت نبيه عليهم السلام .

 وإنهم يطالبون : بثارات الجاهلية والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال كما فعلوا ذلك حتى قهروني وغلبوني على نفسي ولببوني ـ أي أخذوا بتلبيبي وجروني ـ وقالوا لي : بايع وإلا قتلناك ، فلم أجد حيلة إلا أن أدفع القوم عن نفسي ، وذاك أني ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وآله :

( يا علي إن القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك ، وعصوني فيك  ،  فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر ، ألا وإنهم سيغدرون بك لا محالة ، فلا تجعل لهم سبيلا إلى إذلالك وسفك دمك ، فإن الأمة ستغدر بك بعدي كذلك أخبرني جبرائيل عليه السلام عن ربى تبارك وتعالى ) .

ولكن ائتوا الرجل : فأخبروه بما سمعتم من نبيكم ولا تجعلوه في الشبهة من أمره ، ليكون ذلك أعظم للحجة عليه وأزيد وأبلغ في عقوبته إذا أتى ربه ، وقد عصى نبيه وخالف أمره .

قال : فانطلقوا حتى حفوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله يوم جمعة فقالوا للمهاجرين : إن الله عز وجل بدأبكم في القرآن فقال : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ٌ}التوبة117 ، فبكم بدأ .

 

وكان أول من بدأ وقام خالد بن سعيد بن العاص بإدلاله ببني أمية فقال: يا أبا بكر :

اتق الله فقد علمت ما تقدم لعلي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله ، ألا تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لنا ونحن محتوشوه في يوم بني قريظة ، وقد أقبل على رجال منا ذوي قدر فقال :

( يا معشر المهاجرين والأنصار أوصيكم بوصية فاحفظوها وإني مؤد إليكم أمرا فاقبلوه ، ألا إن عليا أميركم من بعدي وخليفتي فيكم ، أوصاني بذلك ربي وإنكم إن لم تحفظوا وصيتي فيه وتأووه وتنصروه ، اختلفتم في أحكامكم ، واضطرب عليكم أمر دينكم ، وولي عليكم الأمر شراركم .

 ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون أمري ، القائلون بأمر أمتي .

 اللهم فمن حفظ فيهم وصيتي فاحشره في زمرتي ، واجعل له من مرافقتي نصيبا يدرك به فوز الآخرة .

 اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فأحرمه الجنة التي عرضها السماوات والأرض ) .

فقال له عمر بن الخطاب : اسكت يا خالد فلست من أهل المشورة ولا ممن يرضى بقوله .

 فقال خالد : بل اسكت أنت يا ابن الخطاب فوالله إنك لتعلم أنك تنطق بغير لسانك ، وتعتصم بغير أركانك ، والله إن قريشا لتعلم ، أني أعلاها حسبا وأقواها أدبا وأجملها ذكرا وأقلها غنى من الله ورسوله ، و إنك ألأمها حسبا ، وأقلها عددا وأخملها ذكرا ، وأقلها من الله عز وجل ومن رسوله ، وإنك لجبان عند الحرب ، بخيل في الجدب ، ليئم العنصر ما لك في قريش مفخر .

 قال : فأسكته خالد فجلس .

 

ثم قام أبو ذر فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه : أما بعد يا معشر المهاجرين والأنصار ، لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال :

 ( الأمر لعلي عليه السلام بعدي ، ثم للحسن والحسين عليهما السلام ، ثم في أهل بيتي من ولد الحسين ) .

فأطرحتم قول نبيكم ، وتناسيتم ما أوعز إليكم ، واتبعتم الدنيا ، وتركتم نعيم الآخرة الباقية التي لا تهدم بنيانها ولا يزول نعيمها ، ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها ، وكذلك الأمم التي كفرت بعد أنبيائها بدلت وغيرت ، فحاذيتموها حذو القذة بالقذة ، والنعل بالنعل ، فعما قليل تذوقون وبال أمركم وما الله بظلام للعبيد ثم قال :

 

ثم قام سلمان الفارسي فقال :

 يا أبا بكر إلى من تستند أمرك إذا نزل بك القضاء ، وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلم ، وفي القوم من هو أعلم منك وأكثر في الخير أعلاما ومناقب منك ، وأقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله قرابة وقدمته في حياته ،  قد أوعز إليكم فتركتم قوله وتناسيتم وصيته .

 فعما قليل يصفوا لكم الأمر حين تزوروا القبور ، وقد أثقلت ظهرك من الأوزار ، لو حملت إلى قبرك لقدمت على ما قدمت ، فلو راجعت إلى الحق وأنصفت أهله لكان ذلك نجاة لك يوم تحتاج إلى عملك وتفرد في حفرتك بذنوبك عما أنت له فاعل ، وقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا ، فلم يروعك ذلك عما أنت له فاعل ، فالله الله في نفسك فقد أعذر من أنذر .

 

ثم قام المقداد بن الأسود فقال :

يا أبا بكر : إربع على نفسك ، وقس شبرك بفترك ـ أي لا تتجاوز حدك ـ وألزم بيتك ، وابك على خطيئتك ؛ فإن ذلك أسلم لك في حياتك ومماتك ، ورد هذا الأمر إلى حيث جعله الله عزّ وجلّ ورسوله ولا تركن إلى الدنيا ولا يغرنك من قد ترى من أوغادها ـ الدني ـ فعما قليل تضمحل عنك دنياك ، ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك وقد علمت أن هذا الأمر لعلي عليه السلام ، وهو صاحبه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد نصحتك إن قبلت نصحي .

ثم قام بريدة الأسلمي فقال :

يا أبا بكر : نسيت أم تناسيت أم خادعتك نفسك ، أما تذكر إذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله فسلمنا على علي بإمرة المؤمنين ، ونبينا عليه السلام بين أظهرنا فاتق الله ربك وأدرك نفسك قبل أن لا تدركها وأنقذها من هلكتها ، ودع هذا الأمر ووكله إلى من هو أحق به منك ، ولا تماد في غيك ، وارجع وأنت تستطيع الرجوع ، فقد نصحتك نصحي وبذلت لك ما عندي ، فإن قبلت وفقت ورشدت .

 

ثم قام عبد الله بن مسعود فقال :

يا معشر قريش قد علمتم وعلم خياركم أن أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منكم ، وإن كنتم إنما تدعون هذا الأمر بقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وتقولون : إن السابقة لنا .

فأهل نبيكم أقرب إلى رسول الله منكم وأقدم سابقة منكم ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام صاحب هذا الأمر بعد نبيكم ، فأعطوه ما جعله الله له ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين .

 

ثم قام عمار بن ياسر فقال :

يا أبا بكر : لا تجعل لنفسك حقا جعله الله عز وجل لغيرك ، ولا تكن أول من عصى رسول الله صلى الله عليه وآله وخالفه في أهل بيته ، واردد الحق إلى أهله تخف ظهرك وتقل وزرك وتلقى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو عنك راض ، ثم يصير إلى الرحمن فيحاسبك بعملك ويسألك عما فعلت .

 

 

ثم قام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال :

يا أبا بكر : ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري ؟ قال : نعم .

 قال : فأشهد بالله أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

 ( أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل ، وهم الأئمة الذين يقتدى بهم).

 

ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال :

يا أبا بكر : أنا أشهد على النبي صلى الله عليه وآله أنه أقام علياً ، فقالت الأنصار : ما أقامه إلا للخلافة ، وقال بعضهم : ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه ولي من كان رسول الله صلى الله عليه وآله مولاه .

 فقال عليه السلام :

( إن أهل بيتي نجوم أهل الأرض فقدموهم ولا تقدموهم ) .

 

ثم قام سهل بن حنيف فقال :

 اشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال على المنبر :( إمامكم من بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو أنصح الناس لأمتي ) .

 

ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال :

اتقوا الله في أهل بيت نبيكم وردوا هذا الأمر إليهم فقد سمعتم كما سمعنا في مقام بعد مقام من نبي الله صلى الله عليه وآله :

( أنهم أولى به منكم ) ثم جلس .

 

ثم قام زيد بن وهب فتكلم ، وقام جماعة من بعده فتكلموا بنحو هذا .

 

 فأخبر الثقة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله : أن أبا بكر جلس في بيته ثلاثة أيام .

 

 فلما كان اليوم الثالث : أتاه عمر بن الخطاب وطلحة والزبير ، وعثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح مع كل واحد منهم عشرة رجال من عشائرهم شاهرين السيوف فأخرجوه من منزله وعلا المنبر ، وقال قائل منهم : والله لئن عاد منكم أحد فتكلم بمثل الذي تكلم به لنملان أسيافنا منه ، فجلسوا في منازلهم ولم يتكلم أحد بعد ذلك ) .الخصال ص462 ب12ح4.

 

أقول : هكذا تسلط القوم وسلطوا من نصرهم في دينهم ومذهبهم وعرفوا مناقبهم وفضائلهم لكل من دخل الإسلام ، ونسي علي وفضله وما خصه الله من ولاية الدين ، وقد ذكرنا في الباب السابق وقبله بعض من مناقبه ومكارمه وما خصه الله من ولاية دينه وإمامة الناس وسيأتي غيرها ، وهم سمعوها وعرفوا قدره ، ولكن السلطة حلت لهم والدنيا قد تزينت وسيطر الشيطان فحرفوا الناس إلا من طلب الحق بجد وأجتهد .

 

 والله ولي دينه يسأل عن الإمام الحق ويقبل من تدين له بدينه ، ويرفض أولياء الباطل وكل من خلط رأيه وعرف غير الحق في الدين ، وعليك بالهدى ومحله ، فإن دين الله محكم وهداه حق وقد أتقن معارفه لكل من يطلبها بحق ، وأنت عليك الجد في معرف الله ودينه من وليه لكي تسمى لك عبادة مرضية لله ، وإلا في هجر علي ومناقبه وتأريخ الدين وذكره ومعرفته ، تهجر الحق وأمير المؤمنين المصدق وتعبد الله بدين كل رأي لمتملق وفتوى لواعظ لسلطان يجري عليه راتب فيه رزقه فلا يذكره إلا بالفضل ويصحح خطئه وظلمه ، وتكون في خدمة أعوان الظلمة ومن عرف غير هدى الله وزوى الحق عن أهله تدري أو لا تدري .

ويا طيب : المسألة جد إما هدى أو ضلا أو جنة أو نار ، وعليك في عبادة لله الهدى الصادق من وليه الحق الذي خصه الله ورسوله بعلم دينه كله .

 

تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله ونورك بدين الإمام وخلصك من الظلام



 

الذكر الثالث

ذكر  الخطبة الشقشقية التي بين فيها الإمام علي حاله مع الظالمين

 

في هذه الخطبة يلخص الإمام علي حاله وما حل بالإسلام وكيف تسلط القوم وعرفوا دينهم ومكنوا من ساعدهم على حكمهم ، وكيف زووا الناس عنه وعن معرفة دين الله منه ، حتى حل بالناس ما حل من هجر دين الله والتقول على الله بكل رأي وقياس واستحسان ، وكأن دين الله يصاب بالعقول وليس تعليم من الله ورسوله ، والله كأنه ليس ولي دينه ولم يحكم هداه بأئمة حق .

ويا طيب : أقرأ القرآن تجد سنة الله سارية في كل تأريخ الدين بمن يعرف دينه من الأنبياء وأوصياءهم ، وما كان يهجر أتم دين وأكمله يتلاعب به كل واعظ سلطان وطامع بالدنيا يسلطه الحاكم على الوعظ بما يوافق هواه ويثبت ملكه ويمدحه ، ولو بهجر أئمة الحق وحرف الناس عنهم ومنعهم من ذكرهم ومعرفتهم ومعاقبة من يقترب منهم .

والمسألة مؤلمة والمتسلطون ظلموا أنفسهم والناس وهذا إمام الحق يعرفنا حال تسلطهم وإقصائه عن تعريف هدى الله تعالى :

 

ذكر الصدوق في معاني خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه ، قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عمار بن خالد ، قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، قال حدثنا عيسى بن راشد عن علي بن خزيمة عن عكرمة عن ابن عباس و حدثنا محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال :

 

ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال :

(و الله لقد تقمصها أخو تيم وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عنه السيل و لا يرتقي إليه الطير ، فسدلت دونها ثوبا و طويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي ما بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء ، يشيب فيها الصغير و يهرم فيها الكبير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى الله ربه .

فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا ، حتى إذا مضى الأول لسبيله عقدها لأخي عدي بعده ، فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، فصيرها والله في حوزة خشناء يخشن مسها ويغلظ كلمها ويكثر العثار والاعتذار منها .

فصاحبها كراكب الصعبة : إن عنف بها حرن و إن سلس بها غسق فمني الناس بتلون واعتراض وبلوا مع هن وهني .

فصبرت على طول المدة و شدة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة ، زعم : أني منهم ، فيا لله لهم وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن بهذه النظائر ، فمال رجل بضبعه وأصغى آخر لصهره .

 و قام ثالث القوم : نافجا حضينه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أمية يهضمون مال الله هضم الإبل نبتة الربيع حتى أجهز عليه عمله .

فما راعني : إلا والناس إلي كعرف الضبع قد انثالوا علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان و شق عطافي ، حتى إذا نهضت بالأمر نكثت طائفة و فسقت أخرى و مرق آخرون ، كأنهم لم يسمعوا قول الله تبارك و تعالى :

( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ  ) بلى والله لقد سمعوا ولكن احلولت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها .

 و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو لا حضور الناصر ، و قيام الحجة ، و ما أخذ الله تعالى على العلماء أن لا يقروا على كظة ظالم و لا سغب مظلوم ؛ لألقيت حبلها على غاربها و لسقيت آخرها بكأس أولها و لألفيتم دنياكم أزهد عندي من عفطة عنز .

قال بن عباس : وناوله رجل من أهل السواد كتابا فقطع كلامه و تناول الكتاب ، فقلت : يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك إلى حيث بلغت .

 فقال : هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت .

فما أسفت على كلام قط كأسفي على كلام أمير المؤمنين ، إذ لم يبلغ حيث أراد ) .

 

قال مصنف كتاب ـ معاني الأخبار الصدوق ـ : سألت الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري عن تفسير هذا الخبر ففسره لي ، و قال تفسير الخبر قوله عليه السلام : لقد تقمصها :  أي لبسها مثل القميص يقال تقمص الرجل أو تدرع و تردى و تمندل . و قوله : محل القطب من الرحى أي تدور علي كما تدور الرحى على قطبها.

 و قوله : ينحدر عنه السيل و لا يرتقي إليه الطير : يريد أنها ممتنعة على غيري لا يتمكن منها و لا يصلح له. و قوله : فسدلت دونها ثوبا : أي أعرضت عنها ولم أكشف وجوبها لي والكشح الجنب والخاصرة  فمعنى قوله : طويت عنها : أي أعرضت عنها و الكاشح الذي يوليك كشحة أي جنبه.

 و قوله : طفقت : أي أقبلت و أخذت أرتئي أي أفكر و أستعمل الرأي و أنظر في أن أصول بيد جذاء و هي المقطوعة و أراد قلة الناصر.

و قوله : أو أصبر على طخية : فللطخية موضعان أحدهما الظلمة و الآخر الغم الحزن يقال أجد على قلبي طخيا أي حزنا و غما ، و هو هاهنا يجمع الظلمة و الغم و الحزن . و قوله : يكدح مؤمن : أي يدأب و يكسب لنفسه و لا يعطى حقه ، و قوله : أحجى : أي أولى يقال هذا أحجى من هذا و أخلق و أحرى و أوجب كله قريب المعنى . و قوله : في حوزة : أي في ناحية يقال حزت الشيء أحوزه حوزا إذا جمعته و الحوزة ناحية الدار و غيرها.

و قوله : كراكب الصعبة : يعني الناقة التي لم ترض إن عنف بها و العنف ضد الرفق . و قوله : حرن : وقف و لم يمش و إنما يستعمل الحران في الدواب فأما في الإبل فيقال : أخلت الناقة و بها خلا و هو مثل حران الدواب إلا أن العرب ربما تستعيره في الإبل . و قوله : إن سلس : غسق : أي أدخله في الظلمة.

و قوله : مع هن و هني : يعني الأدنياء من الناس تقول العرب فلان هني و هو تصغير هن أي هو دون من الناس و يريدون بذلك تصغير أمره . وقوله : فمال رجل بضبعه : و يروى بضلعه و هما قريب و هو أن يميل بهواه و نفسه إلى رجل بعينه. و قوله : و أصغى آخر لصهره : و الصغو الميل يقال صغوك مع فلان أي ميلك معه.

و قوله : نافجا حضينة : يقال في الطعام و الشراب و ما أشبههما قد انتفج بطنه بالجيم و يقال في كل داء يعتري الإنسان قد انتفخ بطنه بالخاء و الحضنان جانبا الصدر. و قوله : بين نثيله و معتلفه : فالنثيل قضيب الجمل و إنما استعاره الرجل هاهنا و المعتلف الموضع الذي يعتلف فيه أي يأكل و معنى الكلام أنه بين مطعمه و منكحه. و قوله : يهضمون : أي يكسرون و ينقضون و منه قولهم هضمني الطعام أي نقضني.

و قوله : حتى أجهز : أي أتى عليه و قتله يقال أجهزت على الجريح إذا كانت به جراحة فقتلته . و قوله : كعرف الضبع : شبههم به لكثرته و العرف الشعر الذي يكون على عنق الفرس ، فاستعاره للضبع . و قوله : قد انثالوا : أي انصبوا علي و كثروا و يقال انثلت ما في كنانتي من السهام إذا صببته. و قوله : و شق عطافي : يعني رداءه و العرب تسمي الرداء العطاف. و قوله : و راقهم زبرجها : أي أعجبهم حسنها و أصل الزبرج النقش و هو هاهنا زهرة الدنيا و حسنها.

 و قوله : ألا يقروا على كظة ظالم : فالكظة الامتلاء يعني إنهم لا يصبرون على امتلاء الظالم من المال الحرام و لا يقاروه على ظلمه. و قوله : و لا سغب مظلوم : فالسغب الجوع و معناه منعه من الحق الواجب له .و قوله : لألقيت حبلها على غاربها : هذا مثل تقول العرب ألقيت حبل البعير على غاربه ليرعى كيف شاء.

 و معنى قوله : و لسقيت آخرها بكأس أولها : أي لتركتهم في ضلالتهم و عماهم . و قوله : أزهد عندي فالزهيد القليل . و قوله : من حبقة عنز فالحبقة ما يخرج من دبر العنز من الريح ، والعفطة ما يخرج من أنفها. و قوله : تلك شقشقة : فالشقشقة ما يخرجه البعير من جانب فمه إذا هاج و سكر .

معاني الأخبار ص360 ح1 . ونهج البلاغة خطبة 3ص35.

 

أقول : والله لهي خطبة لإمام الحق وولي الهدى يعرفنا كيف تأمر القوم وكيف غصبوا منصب لا يحق لأحد إلا بأمر الله ورسوله ، لأنه به يتم جعل الحكام والوعاظ وأئمة دين الناس في بلادهم وتعريف الحق وأهله أو الباطل وأهله ، والآن الحكام مضوا والزمان تغير والدين أختلف بين الخصمين ، إما دين من إمام حق ، أو دين من إمام باطل ورأي وقياس شجع عليه أئمة الكفر .

 وعليك يا طيب : بالتدبر بحال الدين والأولى في تعريف هدى الله الواقعي الصادق ، لتعبد الله به ، وما يضرك ترك الباطل بعد أن ولى أهله ولا مخادع وظالم يجبرك على التعبد لله بدينه ولو كان رأيه ويسميه دين ، وأنت والبحت والتحقيق عن الهدى الواقعي وأهله ، والله مطالبك بجد بدينه الصادق ، فلا تدخل نفسك والعياذ بالله النار بالهجر لإمام الحق وعدم التعبد له بمعارفه .

هذا وأسأل الله أن يصدقني النية والعلم والعمل في تعلم معارف الإمام علي عليه السلام ودينه وهداه ، وكل ما يعرفه لنا بحق وصدق بأنه ولي دين ، ويقبله سبحانه منا طاعة خالصتاً له ، ويرضى به تعبد علم ومعرفة وتحقق به علم وعمل وإيمان ودين ، والتعبد له بكل ما يرضيه من معرفة الحق ونصره والتعبد له به ، إنه ولي حميد وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعن الله القوم الضالين والظالمين  ، ورحم الله من قال آمين .

 


الهي بحق علي وأخيه وآلهم الطيبين الطاهرين اسقني من حوضهم واجعلني وكل الطيبين نحف بهم تحت لواء الحمد وفي كل مكان كرمتهم به في الجنة إنك أرحم الراحمين
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين  

إلى الأعلى علاك الله بإخلاص له بدين أمير المؤمنين الحق علي عليه السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام