بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم
إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في أصول
الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام
علي عليه السلام
الجزء الأول / ما نذكر به الإمام
علي عليه السلام وسببه
الباب السابع
تذكير ومناشدة الإمام علي وآله
ليعرف الناس نعمة الله عليهم وإمامتهم
في هذا الباب : نتعرف على مناشدات أهل
البيت الإمام علي وآله الكرام عليهم السلام لدفاعهم عن الدين وتعريف
ولايتهم وإمامتهم على كل المسلمين ، وهم في اصعب الظروف والأحوال من تأريخ الدين
وحياتهم الكريمة ، وفيه بيان ضرورة ذكر فضائلهم والحديث عن مناقبهم للمسلمين ،
حتى يعرفوا ويأخذ دين الله منهم والذي حرفه أعدائهم ومن أنحرف عن تعاليمهم وغصب
حق ولاية الله منهم وتسمى بها باسم الدين من غير حق ولا فضيلة له :
الذكر الأول
أهمية ذكر تأريخ الإمام علي وآله في تعريف نعمة الإمامة لهم
الذكر الثاني
الإمام علي يُذكر الناس إمامتهم عندما رجع له بعض حقهم
الذكر الثالث
الإمام الحسن يُذكر بنعمة الولاية وخلافة رسول الله لهم
الذكر الرابع
جهاد الصحابة لضلال أئمة الكفر و أمر الإمام الحسين بتعريف إمامتهم
أولاً : أنصار الحق وطغيان معاوية
ما أجراه لتعريف أئمته من البدع :
ثانياً : أمر الإمام الحسين بذكر
فضائلهم ليعرف الحق وأهله :
تفضل
يا طيب إلى الفهرس العام
الذكر الأول
أهمية ذكر تأريخ الإمام علي وآله في تعريف نعمة الإمامة لهم
بعد أن عرفنا شيء من كون ذكر نبينا وعلي وآلهم
عبادة لله تعالى لأنه فيه معرفة تأريخ ديننا وهداه ، وهو أهم من ذكر
تأريخ الأديان والأنبياء في الأمم السابقة في بيان معرفة دين الله ، وإن كانت أهم
موعظة في ذكر من سبق من الأنبياء هي معرفة جهادهم في تعريف دين الله وكثرة من
تخلف عنهم وأنحرف عن دينهم ، ومنه نعرف سنة الله تعالى في هداية البشر ، وجديته
في دعوته لدينه بحيث لم يخلي الأرض من حجة حق يدعوا لدين الله ويُعرف هداه .
بل بذكر تأريخهم وجهادهم يبين لنا بحق سنة الله
المحكمة في تعريف دينه ، وفي أن الهداية متوارثة في ذرية نبي الله
إبراهيم بعضها من بعض حتى نبينا الكريم وآله ، وبهذا السبيل الواضح يُعرفنا الله
تعالى ويمكننا من معرفة ولاة دينه وأئمة الحق بسهولة ، ويعرف صدق المدعي لتعليم
دين الله بيسر ، ولا يتخبط الإنسان في معرفة أئمة الدين الصادقين والمُعرفين لهدى
الله ، فيعرف المؤمن دينه مع اليقين والإيمان الراسخ من غير شك ولا شبهة ، ويعتقد
بحق إنه عند نبينا وآله ويقتدي بهم لمعرفة تعاليم الله من غير خلط لدينهم بدين من
عاداهم وعرف غير تعاليمهم.
وقد عرفت هذا وأن دين الله عز وجل عند
نبينا ثم عند آله الطيبين الطاهرين بعده ، وإنه بنص القرآن وبما ذكرنا من بعض
الأدلة في الذكر السابق ، ولو كان ما ذكرنا بقليل من الأدلة والبراهين ، وإذا
أردت المزيد من المعرفة فراجع ما كتبناه في موسوعة صحف الطيبين ، بل ما كتبه
أعلام قومنا وأفاضلهم في بيان شأن الإمامة وبيان الإمام الحق لأهل البيت عليهم
السلام ككتاب الغدير والمراجعات وإحقاق الحق وغيرها من الموسوعات في حقهم عليهم
السلام .
ولنتشرف بذكر أئمة الحق وتأريخهم المشرف
الذي هو أشرف من كل تأريخ ، ونذكر دعوتهم لدين الله تعالى وجهادهم مع قومهم الذي
هو أكرم دعوة بعد دعوة الله ورسوله ، فنذكر شيء يسير من الأحاديث التي تبين أهم
مطالب تأريخ ديننا وفي أصعب أدواره التي جاهد فيها آل محمد علي وآله عليهم السلام
أئمة الضلال ، وهو جهاد وكلمات ودعوات تبين الحق ودين الله كجهاد الأنبياء إن لم
نقل أصعب ، وفي محن أشد من كل محنة مر بها دين ، ومواقفهم الكريمة التي استحقوا
بها الإمامة بأمر الله ، حتى كانوا أفضل الدعاة إلى الله وفي سبيله ، حتى
استشهدوا من أجل تعريف دينه وكيفية عبادته وطاعته تعالى بحق وصدق .
وقد مرت عليك بعض الأدوار من تأريخهم
وما سعوا فيه لبيان حقهم ، وهذا قسم آخر بأحاديث وذكر يبني نعمة الله علينا
بنبينا وآله الكرام في بيان الحق ودعوته ، وجهادهم وعملهم من أجل تنبيه الغافلين
والمخدوعين للرجوع لمعرفة أئمة الحق والهدى ، والذين اصطفاهم الله وأختارهم لدينه
حتى يتعبدوا لله بما يريد منهم بحق وصدق من دون هوى المضلين وأراء وأفكار من يسير
بركابهم ويدعم ظلمهم ، هذا وسيأتي في الجزء الآتي كثير من مناشداتهم واحتجاجاتهم.
فبعد أن عرفنا في الأبواب السابقة شيء
من تأريخ نور الله في الأرض وأهمية وجود الهداة لدين الله وأئمة الحق نبينا محمد
وآله وضرورة وجودهم وهداهم ، لكي يعرف الله تعالى ويعبد بحق العبادة من الصادقين
المصدقين ، وقد عرفنا بعض الأدلة القرآنية وعرفنا تأريخ نورهم وعرفنا شيء من
فضلهم وكيف تجاوزه القوم وغصبوا خلافة رسول الله تعالى منهم وعرفوا غير دينهم .
وعرفنا في الأبواب السابقة كيف سعى نبي
الرحمة وصحبه في تعريف الحق فضلا عن تعريف الله لولاة دينه في كتابه ، وعرفنا كيف
سعى الإمام علي في بيان فضله ومناقبه الكريمة التي تشرح إعداد الله له وتأهيله
لقيادة الناس لهدى الله ونعيمه ، والآن حان بيان آخر وهو بيان لمناشدات ومناظرات
بين بها الإمام علي عليه السلام أحقية إمامته وولايته ، واستمرار أئمة الحق في
تعريف هذا الحق بكل جهدهم وبكل فرصة سنحت لهم ، حتى الشهادة وبكل سبيل يرضي الله
ويُعرف ولايته عندهم .
فالبحوث في هذا الباب هي بيان شيء من
تأريخهم المشرف ، وبيان كل تأريخ الإسلام وجهاد أهل البيت ويحتاج له موسوعة ، بل
كتبت الموسوعات في الفترة الأخيرة في بيان حياة الإمام علي وحياة أهل البيت في كل
صحفهم ، ولكن هنا نقتطف بعض احتجاجهم وأهم الأحاديث التي تعرفنا حقهم ، وكيف
كانوا يدافعون عنه وبيانه لكي يقتدي بهم الناس مطمئنين بإمامتهم ، ويتبعهم كل
منصف يحب الله ورسوله ودينهم الحق وهداهم الصادق .
وهذا الذكر فيه بعض الأحاديث التي تبين
الحق في أدوار مختلفة ومتباعدة بعض الشيء من بعد تمكن الإمام علي ورجوع بعض حقه
له ، وكيف تسلط الظلمة بعد خذلان المسلمين للحق ، وكيف دافع الإمام الحسن والحسين
عن حقهم وبيان شيء من ولايتهم ، وقد ذكرنا تفاصيل أخرى في صحيفة الإمام الحسين من
موسوعة صحف الطيبين فراجعها إن أحببت المزيد .
هذا ونسأل الله أن يقبل تعبدنا له بما
نبين ونذكر من الحق وتعريف ما حل بالإسلام وأهله وأئمة هداه ، وشرح شيء مختصر من
تأريخ الدين الذي هو أهم من أي تأريخ مر في زمان الدنيا ، لأنه يبين محل ديننا
الذي نتعبد به لله بل نعرفه سبحانه بمعرفة سبيله وصراطه المستقيم حق المعرفة ،
فنتمسك به ونصل لنعيمه وأحسن غاية خلق لها موجود ، وهو الولي والموفق وأرحم
الراحمين.
تفضل
يا طيب إلى الفهرس العام
الذكر الثاني
الإمام علي يُذكر الناس إمامتهم عندما رجع له بعض حقهم
هذا الذكر الشريف هو في واقعة الجمل
وكيف كان الإمام يحدث صحبه ويناشدهم الإقرار بحقه والتسليم لولايته وإمامته حتى
يمكنه أن يقودهم لجهاد الضلال وأهله ، وكيف الناس طمعوا بالدنيا وانحرفوا عن الحق
والعدل ، وكيف استهانوا بدماء المسلمين وقتل المؤمنين من أجل زينة الحياة الدنيا
وهم ظالمين لأنفسهم وللمؤمنين فضلا عن أميرهم وإمامهم ولكل من تبعهم على طول
الزمان وتعبد لله بأفكارهم وتعليمهم ، التي خالفوا بها إمام الحق والصادق المصدق
من الله ورسوله وبكل سيرته الشريفة وتعاليمه الكرمة .
وذكر كل مناشدات ومناظرات واحتجاج الإمام علي
لا يجمعا جزء كامل وقد ذكر قسم منها الأميني في الغدير ، وغيره في موسوعة أمير
المؤمنين ومن جمع كلماته كلها ، ولكن هنا نذكر واحدة منها وفيها بيان الكثير من
ولايته وإمامته وحقه ، وبها نعرف كيف ظُلم وكيف جاهد ، ومن نصره ومن توانى ، بل
ومن حاربه وعانده فخسر دينه وهداه ونوره الذي هو نور الله ورسوله وهداهم ، وأنت
بهذه المعرفة إن شاء الله تعرف الحق وأهله وتذكره وتحدث عنه لمن يطلب الله ودينه
وهو صادق ، ومن أهله دون المنحرفين عن أئمة الحق والهدى وعرف غير هداهم .
ذكر :
الإمام علي يحدث الأصحاب
بعد واقعة الجمل :
قال سليم بن قيس : شهدت عليا عليه
السلام حين عاد زياد بن عبيد بعد ظهوره على أهل الجمل ، وإن البيت لممتلئ من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله فيهم عمار و أبو الهيثم بن التيهان و أبو
أيوب ، و جماعة من أهل بدر نحو من سبعين رجلا ، و زياد في بيت عظيم شبه البهو ،
إذ أتاه رجل بكتاب من رجل من الشيعة بالشام .
إن معاوية : استنفر الناس و دعاهم إلى الطلب
بدم عثمان ، و كان فيما يحضهم به أن قال : إن عليا قتل
عثمان و آوى قتلته ، و إنه يطعن على أبي بكر وعمر ويدعي أنه خليفة رسول الله وإنه
أحق بالأمر منهما . فنفرت العامة والقراء واجتمعوا على معاوية إلا قليلا منهم .
قال: فحمد الله و أثنى عليه وقال عليه السلام :
أما بعد : ما لقيت من الأمة بعد نبيها
منذ قبض صلى الله عليه وآله ، فأقام عمر وأصحابه الذين ظاهروا عليَّ أبا بكر
فبايعوه ، وأنا مشغول بغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وكفنه دفنه ، و ما فرغت
من ذلك حتى بايعوه وخاصموا الأنصار بحجتي و حقي .
والله إنه ليعلم يقينا والذين ظاهروه "أني أحق
بها من أبي بكر".
فلما رأيت اجتماعهم عليه وتركهم إياي
ناشدتهم الله عز و جل و حملت فاطمة عليها السلام على حمار ، و أخذت بيد ابني
الحسن والحسين لعلهم يرعوون ، فلم أدع أحدا من أهل بدر ولا أهل السابقة من
المهاجرين والأنصار إلا استعنتهم و دعوتهم إلى نصرتي وناشدتهم الله حقي فلم
يجيبوني ولم ينصروني ، أنتم تعلمون يا معاشر من حضر من أهل بدر أني لم أقل إلا
حقا .
قالوا : صدقت يا أمير المؤمنين و بررت ،
فنستغفر الله من ذلك و نتوب إليه .
قال عليه السلام : وكان الناس قريبي
عهد بالجاهلية فخشيت فرقة أمة محمد و اختلاف كلمتهم ، و ذكرت ما عهد إلي رسول
الله صلى الله عليه و آله لأنه أخبرني بما صنعوا وأمرني إن وجدت أعوانا جاهدتهم ،
وإن لم أجد أعوانا كففت يدي و حقنت دمي .
ثم ردها أبو
بكر إلى عمر ، والله إنه ليعلم يقينا أني أحق بها من عمر فكرهت
الفرقة فبايعت و سمعت و أطعت .
ثم جعلني عمر : سادس ستة فولي
الأمر ابن عوف ، فخلا بابن عفان فجعلها له على أن يردها عليه ثم بايعه ، فكرهت
الفرقة و الاختلاف .
ثم إن عثمان : غدر بابن عوف
وزواها عنه ، فبرئ منه ابن عوف وقام خطيبا فخلعه كما خلع نعله . ثم مات ابن عوف
وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان ، و زعم ولد ابن عوف أن عثمان سمه .
ثم قُتل ـ عثمان ـ ، و اجتمع
الناس ثلاثة أيام يتشاورون في أمرهم.
ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين .
ثم إن الزبير وطلحة أتياني يستأذناني
في العمرة ، فأخذت عليهما ألا ينكثا بيعتي ولا يغدرا بي ولا يبغيا علي غائلة ، ثم
توجها إلى مكة فسارا بعائشة إلى أهل مدرة كثير جهلهم قليل فقههم ، فحملوهم على
نكث بيعتي واستحلال دمي . ثم ذكر عليه لأم عائشة وخروجها من بيتها وما ركبت منه .
فقال عمار : يا أمير المؤمنين ، كف عنها فإنها أمك ، فترك ذكرها وأخذ في شيء
آخر ، ثم عاد إلى ذكرها فقال أشد مما قال أولا . فقال عمار : يا أمير المؤمنين
كف عنها فإنها أمك ، فأعرض عن ذكرها .
ثم عاد الثالثة فقال أشد مما قال ، قال فقال عمار : يا أمير المؤمنين ،
كف عنها فإنها أمك" . فقال : كلا ، إني مع الله على من خالفه ، و إن أمكم ابتلاكم
الله بها ليعلم أ معه تكونون أم معها .
قال سليم ثم ذكر علي عليه السلام : بيعة
أبي بكر وعمر وعثمان ، فقال : لعمري لئن كان الأمر كما
يقولون ، ولا و الله ما هو كما يقولون ، ثم سكت . فقال له عمار : وما
يقولون .
فقال عليه السلام : يقولون : إن
رسول الله صلى الله عليه و آله لم يستخلف أحدا وإنهم إنما تركوا ليتشاوروا ،
ففعلوا غير ما أمروا في قوله ، فقد بايع القوم أبا بكر عن غير مشورة و لا رضي من
أحد ، ثم أكرهوني و أصحابي على البيعة .
ثم بايع أبو بكر عمر عن غير مشورة.
ثم جعلها عمر شورى بين ستة رهط و أخرج من ذلك
جميع الأنصار و المهاجرين إلا هؤلاء الستة ، ثم قال : يصلي صهيب بالناس ثلاثة
أيام ، ثم أمر الناس : إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغ القوم أن تضرب رقابهم ، وإن
اجتمع أربعة و خالف اثنان أن يقتلوا الاثنين .
ثم تشاوروا في ثلاثة أيام ، وكانت بيعتهم عن
مشورة من جماعتهم و ملئهم ، ثم صنعوا ما رأيتم .
ثم قال إن موسى قال لهارون : { مَا
مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ
أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي
خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ
قَوْلِي }طه94.
وأنا من نبيه بمنزلة هارون من موسى ،
عهد إلي رسول الله صلى الله عليه و آله ، إن ضلت الأمة بعده وتبعت غيري أن
أجاهدهم إن وجدت أعوانا ، وإن لم أجد أعوانا أن أكف يدي وأحقن دمي ، وأخبرني بما
الأمة صانعة بعده .
فلما وجدت أعوانا بعد قتل عثمان على
إقامة أمر الله وإحياء الكتاب و السنة لم يسعني الكف ، فبسطت يدي فقاتلت هؤلاء
الناكثين ، و أنا غدا إن شاء الله مقاتل القاسطين
بأرض الشام في موضع يقال له "صفين" .
ثم أنا بعد ذلك مقاتل المارقين
بأرض من أرض العراق يقال لها "النهروان". أمرني رسول الله صلى الله عليه و آله
بقتالهم في هذه المواطن الثلاث.
و كففت يدي لغير عجز ولا جبن ولا كراهية
للقاء ربي ، ولكن لطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظ وصيته ، فلما وجدت
أعوانا نظرت فلم أجد بين السبيلين ثالثاً : إما الجهاد في سبيل الله و الأمر
بالمعروف و النهي عن المنكر ، أو الكفر بالله والجحود بما أنزل الله
ومعالجة الأغلال في نار جهنم أو الارتداد عن الإسلام .
وقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه و آله :
أن الشهادة من ورائي ، و إن لحيتي ستخضب من دم رأسي ، بل قاتلي أشقى الأولين و
الآخرين رجل أحيمر يعدل عاقر الناقة و يعدل قابيل قاتل أخيه هابيل و فرعون
الفراعنة ، و الذي حاج إبراهيم في ربه ورجلين من بني إسرائيل بدلا كتابهم و غيرا
سنتهم . ثم قال صلى الله عليه و آله : و رجلين من أمتي .
ثم قال عليه السلام : إن عليهما خطايا
أمة محمد : إن كل دم سفك إلى يوم القيامة ، و مال يؤكل حراماً ، و فرج يغشى
حراماً ، و حكم يجار فيه عليهما من غير أن ينقص من إثم من عمل به شيء .
قال عمار : يا أمير المؤمنين ، سمهما
لنا فنلعنهما .
قال : يا عمار ألست تتولى رسول الله
صلى الله عليه و آله و تبرأ من عدوه . قال :
بلى .
قال : و تتولاني و تبرأ من عدوي .
قال : بلى .
قال : حسبك يا عمار ، قد برئت منهما و
لعنتهما و إن لم تعرفهما بأسمائهما .
قال : يا أمير المؤمنين لو سميتهما
لأصحابك فبرءوا منهما كان أمثل من ترك ذلك .
قال : رحم الله سلمان و أبا ذر و
المقداد ، ما كان أعرفهم بهما وأشد براءتهم منهما و لعنتهم لهما.
قال : يا أمير المؤمنين جعلت فداك ،
فسمهما فإنا نشهد أن نتولى من توليت و نتبرأ ممن تبرأت منه .
قال : يا عمار ، إذاً يقتل أصحابي و تتفرق
عني جماعتي و أهل عسكري و كثير ممن ترى حولي .
يا عمار : من تولى موسى و هارون و برئ
من عدوهما فقد برئ من العجل و السامري ، و من تولى العجل و السامري و برئ من
عدوهما فقد برئ من موسى و هارون من حيث لا يعلم.
يا عمار : و من تولى رسول الله و أهل
بيته و تولاني و تبرأ من عدوي فقد برئ منهما ، و من برئ من عدوهما فقد برئ من
رسول الله صلى الله عليه و آله من حيث لا يعلم .
فقال محمد بن أبي بكر : يا أمير المؤمنين
، لا تسمهما فقد عرفتهما ، و نشهد الله : أن نتولاك ونبرأ من عدوك كلهم ، قريبهم
وبعيدهم وأولهم وآخرهم و حيهم و ميتهم و شاهدهم و غائبهم . ـ ، وأنا حسن
الأنباري كذاك أشهد الله إني أتبرأ من أعداء أمير المؤمنين كلهم أولهم وأخرهم
وحيهم وميتهم وشاهدهم وغاءبهم ، ورحم الله من قال وأنا كذلك ـ.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يرحمك
الله يا محمد ، إن لكل قوم نجيبا و شاهدا عليهم و شافعا لأماثلهم ، و أفضل
النجباء النجيب من أهل السوء ، و إنك يا محمد لنجيب أهل بيتك .
أما إني سأخبرك : دعاني رسول الله صلى
الله عليه وآله وعنده سلمان وأبو ذر والمقداد ، ثم أرسل النبي صل لله عليه وآله
عائشة إلى أبيها ، وحفصة إلى أبيها وأمر ابنته فأرسلت إلى زوجها عثمان ، فدخلوا .
فحمد الله و أثنى عليه و قال : يا أبا
بكر ، يا عمر ، يا عثمان ، إني رأيت الليلة اثني عشر رجلا على منبري يردون أمتي
عن الصراط القهقرى ، فاتقوا الله و سلموا الأمر لعلي بعدي و لا تنازعوه في
الخلافة ، و لا تظلموه و لا تظاهروا عليه أحدا .
قالوا : يا نبي الله ، نعوذ بالله من
ذلك أماتنا الله قبل ذلك .
قال صلى الله عليه و آله : فإني أشهدكم جميعا ومن
في البيت من رجل و امرأة "إن علي بن أبي
طالب خليفتي في أمتي ، و إنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى فابني هذا و
وضع يده على رأس الحسن عليه السلام ، فإذا مضى فابني هذا و وضع يده على رأس
الحسين عليه السلام ، ثم تسعة من ولد الحسين عليه السلام واحد بعد واحد .
و هم الذين عنى الله بقوله : { أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }النساء59 ، ثم
لم يدع آية نزلت في الأئمة إلا تلاها رسول الله صلى الله عليه و آله .
فقام أبو بكر و عمر و عثمان ، و بقيت أنا و أصحابي أبو ذر و سلمان والمقداد و
بقيت فاطمة والحسن والحسين ، وقمن نساءه وبناته غير فاطمة.
فقال رسول الله صلى الله عليه و آله :
رأيت هؤلاء الثلاثة ، و تسعة من بني أمية وفلان من التسعة من آل أبي سفيان ، و
سبعة من ولد الحكم بن العاص بن أمية يردون أمتي على أدبارها القهقرى .
قال ذلك علي عليه السلام و بيت زياد
ملآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم أقبل
عليهم فقال : اكتموا ما سمعتم إلا من مسترشد .
يا زياد : اتق الله في شيعتي بعدي ،
فلما خرج من عند زياد أقبل علينا فقال "إن معاوية سيدعيه ، و يقتل شيعتي ، لعنه
الله ).
كتاب سليم بن قيس ص : 917ح67.
أقول : حرب الجمل وغيرها بل قتل آل
البيت كلهم فاطمة وعلي والحسن والحسين وكل شيعتهم ومواليهم وما كُتم من الحق ودين
الله ومعارفه بسبب منع الناس من ذكرهم وحرمة التعلم منهم ، فُحرموا بحق معرفة
الله وهداه ، وكله بسبب السقيفة المشؤومة التي تسلط بها الحاكم الأول بالخداع
والمكر والحيلة بدل الإمام الصادق علي أبن أبي طالب عليه السلام ، ولهذا جهل
الناس الحق وأختلط عليهم معنى الهدى وأهمية الولاية والإمامة .
وحسب الناس أن
الحاكم الأول والثاني والثالث بل معاوية هو الإمام والهادي وشريك الله ورسوله
بسبب مما لقنوهم من ذكرهم وبما عرفوهم خلفاء لرسول الله وأمير المؤمنين وصديق
وفارق وذو النورين وخال المسلمين وغيرها ، وهم لا شاهد لهم من دين يحق
لهم به تسلم هذا المنصب الخطير ، حتى هجر إمام الحق وكل دينه وتعاليمه
، وأنهم عندما كانوا يفتحون البلاد لا يعرف أحد النبي بل
يُعرف الخليفة الغاصب وبه ينادى ويعرف كحاكم ، والناس في أول
الدين ما يدريهم من هو الإمام الحق ومن هو صاحب الولاية ، والمعرف هو متملق
للحاكم وهو الذي نصبه يفتي لهم ما يشتهون .
وعلى كل حال بعد حرب الجمل كانت حرب
صفين مع معاوية وكيف كان يقتل المؤمنين ويغزوا بلاد المسلمين ، والإمام علي كان
لا يطيعه أحد إلا من أخلص لله الإيمان ولم يطمع بالدنيا التي يمني الناس بها
معاوية ويواعدهم ، والإمام علي عليه السلام لزهده ولعدله قتل في محراب عبادته لا
طمع معه في دنيا ، بل كله دين ومعارف لرب العالمين والناس بين جاهل وطامع بمعاوية
وحزبه بل حرب الجمل كانت مصداق عظيم لبيان طمعهم بالحكم والدنيا ، وإلا ما تنكر
أم المؤمنين وطلحة والزبير من الإمام علي وهو أخلص مؤمن لله ورسوله وهم أعرف
الناس بمناقبه وفضائله ، ومع ذلك حاربوه ولو الزبير ترك الحرب وأقر للحق ولكن بعد
أن شعل الحرب ، والكلام في تأريخ الإمام علي يطول الذكر فيه ، راجع الغدير أو
كتاب الجمل أو كتاب صفين وغيرها ، وهذا مختصر نكتفي به ونسأل الله أن يتجاوز عن
تقصيرنا ، وإن شاء الله نكمل البحث في الأجزاء القادمة من صحيفة ذكر علي عليه
السلام عبادة .
ولكن نذكر أحاديث للإمامين الهمامين سبطي رسول
الله الحسن والحسين تبين الطامة الكبرى الثانية واستمرار الضلال وأهل
الهوى متسلطين على حكومة المسلمين ، والتي حصلت للمسلمين بتولي بني أمية على
حكومتهم بسبب ما مهده لهم الحكام الأوائل ، فجهل الناس حق دين الله ومعارف ولايته
ومحل نوره فخذل الإمام الحسن والحسين حتى قتلا كما لم ينصر السابقون دين الله عند
أبوهم بل وجدهم في أخر غزوة جهزها لم ينفروا مع كثرتهم ولعن رسول الله للمتخلف عن
جيش أسامة وعرفت كيف عزلوه ، ونقل التاريخ كله لا يسعه المختصر ولكن لنسمع سيدي
شباب أهل الجنة وهما يحدثان عن الحق ، لنؤمن بما ذكروه لنا من نعمة الهداية التي
جعلها الله لهم ولم تبعهم ، والضلال لمن عاندهم ولو ملك وتسلط بالظلم والخداع
والمكر في أي زمان ومكان كان .
تفضل
يا طيب إلى الفهرس العام
الذكر الثالث
الإمام الحسن يُذكر بنعمة الولاية وخلافة رسول الله لهم
هذا الذكر للإمام الحسن بن علي سبط رسول الله عليهم
السلام وتحديثه بنعمة الله التي رفعهم الله بها ، وأمرهم وأمرنا
بذكرها والتذكير بها كما عرفت مما ذكرنا من الآيات التي تحدث بها عن رفع الأنبياء
وآلهم السابقين وكيف ذكر تأريخهم وشرفهم ، وهو نفس أمره تعالى لنبيه الكريم أن
يتحدث بها ويذكر المؤمنين بشرفهم وشرف آله ومجدهم وما خصهم الله به من الهدى
والنعمة والمجد والفضائل والمناقب التي عرفت بعضها ، وهذا الذكر يعرفنا آيات
الإمامة والولاية ، ومواقف وأحاديث لرسول الله بها يعرفنا الإمام الحسن عليه
السلام شيء من خصالهم الكريمة وصفاتهم الحميدة وبعض من مناقبهم وفضائلهم وتطهيرهم
وتصديقهم .
وبما نذكر وما سيأتي من فضائلهم التي
حدث بها النبي الكريم رفع الله ذكرهم ، وكما عرفت في سورة الضحى والانشراح بل
والكوثر وغيرها من آيات الإمامة وأحاديث النبي الكريم ، بل على كل مؤمن أن يذكر
بها ويحدث لأنها بأمر الله ، وهي عبادة له خالصة تبين دينه وتُخلص الإنسان من كل
شرك وضلال لأعداء الله وخدعهم ودينهم ، ونذكر في هذا الذكر حديث يبين بعض من مقام
وشأن أهل البيت الذي أمرنا أن تحدث به ، وهو بعد ما يسمى بصلح الإمام الحسن عليه
السلام ، والذي غدر به القوم ولم ينصروا لله ورسوله ودينه بنصر سبط رسول الله
وسيد شباب أهل الجنة سلام الله عليه .
وبما ذكرنا من حديث أهل البيت ولو مختصر
فإنه يظهر به بعض شأنهم وفضلهم ومقامهم ، وبعض مما أسرف قومهم به من تضييع حقهم
وكيف تسلطوا على الحكم أعداء الله ورسوله ، ولمعرفة التفصيل راجع صحف الأئمة
والكتب المؤلفة في التأريخ الإسلامي المفصل ، وهذا كلام نور يبني هدى الله عند
أهل البيت ويذكرنا بأهل ديننا الواجب أخذه منهم وإن غصب الملك الدنيوي منهم ،
ولكن لهم ملك القلوب والعقول المؤمنة بالله وتعليمه وكل هداه وبدينه والتي تطيع
وتخشى الله وتعظمه لحلمه مع علمه وقدرته وكرمه وفضله على عباده المؤمنين بأي حال
كانوا ، وإنه لهم المقام الأسمى بأي ظروف تسلط السابقون ولهم أسوة بالأنبياء
السابقين الذين كان يعاندهم وقومهم ولم يقبلوا الحق منهم حتى قتلوهم وصلبوهم
وتركوا دينهم وهداهم .
ذكر الطوسي في الأمالي بسنده عن عبد الرحمن
بن كثير ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين عليهم السلام قال :
لما أجمع الحسن بن علي عليهما السلام على صلح معاوية خرج حتى لقيه.
فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر وأمر
الحسن عليه السلام أن يقول أسفل منه بدرجة .
ثم تكلم معاوية فقال : أيها الناس هذا الحسن بن علي
وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا ، وقد أتانا ليبايع طوعا .
ثم قال : قم يا حسن .
فقام الحسن عليه السلام فخطب فقال :
الحمد لله : المستحمد بالآلاء وتتابع
النعماء ، وصارف الشدائد والبلاء عند الفهماء وغير الفهماء المذعنين من عباده ،
لامتناعه بجلاله وكبريائه ، وعلوه عن لحوق الأوهام ببقائه ، المرتفع عن كنه ظنانة
المخلوقين من أن تحيط بمكنون غيبه رويات عقول الرائين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده في ربوبيته ووجوده
ووحدانيته ، صمداً لا شريك له ، فرداً لا ظهير له .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اصطفاه
وأنتجبه وارتضاه ، وبعثه داعيا إلى الحق سراجا منيرا ، وللعباد مما يخافون نذيرا
، ولما يأملون بشيرا ، فنصح للامة ، وصدع بالرسالة ، وأبان لهم درجات
العمالة ، شهادة عليها أموت واحشر ، وبها في الآجلة اُقرب وأحبر .
وأقول : معشر الخلائق فاسمعوا ، ولكم أفئدة
وأسماع فعوا :
إنا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام ،
واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا ، والرجس هو الشك ،
فلا نشك في الله الحق ودينه أبداً ، وطهرنا من كل أفن وغية ، مخلصين إلى آدم نعمة
منه ، لم يفترق الناس قط فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما .
فأدت الأمور وأفضت الدهور إلى أن بعث
الله محمدا صلى الله عليه وآله للنبوة ، واختاره للرسالة ، وأنزل عليه كتابا .
ثم أمره بالدعاء إلى الله عز وجل فكان
أبي عليه السلام أول من استجاب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله ، وأول من
آمن وصدق الله ورسوله ، وقد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل : {
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ }هود17
، فرسول الله الذي على بينة من ربه ، وأبي الذي يتلوه وهو شاهد منه .
وقد قال له رسوله صلى الله عليه وآله حين أمره أن
يسير إلى مكة والموسم ببراءة : سر بها يا علي فإني أمرت أن يسير بها
إلا أنا أو رجل مني وأنت هو ، فعلي من رسول الله ، ورسول الله منه .
وقال له النبي حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي
طالب ومولاه زيد بن حارثة في ابنة حمزة : أما أنت يا علي فمني وأنا
منك ، وأنت ولي كل مؤمن من بعدي .
فصدق أبي رسول الله صلى الله عليه وآله سابقاً ووقاه بنفسه .
ثم لم يزل رسول الله في كل موطن يقدمه ،
ولكل شديد يرسله (يرصده ) ثقة منه به وطمأنينة إليه ، لعلمه بنصيحة الله ورسوله ،
وأنه أقرب المقربين من الله ورسوله ، وقد قال الله عز وجل : { وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ }الواقعة11 ، فكان أبي سابق
السابقين إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وأقرب الأقربين .
وقد قال الله تعالى : { لاَ يَسْتَوِي
مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ
دَرَجَةً }الحديد10 ، فأبي كان أولهم إسلاما وإيمانا ، وأولهم إلى الله ورسوله
هجرة ولحوقا ، وأولهم على وجده ووسعه نفقة .
قال سبحانه : { وَالَّذِينَ جَاءُوا
مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَِلأَخْوَانِنَا الَّذِينَ
سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ
آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } الحشر10 ، فالناس من جميع
الأمم يستغفرون له بسبقه إياهم إلى الإيمان بنبيه صلى الله عليه وآله ، وذلك أنه
لم يسبقه إلى الأيمان به أحد .
وقد قال الله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ } التوبة100 ، فهو سابق جميع السابقين ، فكما أن الله عز وجل فضل
السابقين على المتخلفين والمتأخرين فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين .
وقد قال الله تعالى : { أَجَعَلْتُمْ
سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }التوبة19 ، فهو المجاهد في
سبيل الله حقا ، وفيه نزلت هذه الآية ، وكان ممن استجاب لرسول الله صلى الله عليه
وآله عمه حمزة وجعفر ، فقتلا شهيدين رضي الله عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله .
فجعل الله تعالى حمزة سيد الشهداء من
بينهم ، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم ، وذلك
لمكانهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنزلتهما وقرابتهما منه ، وصلى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين
استشهدوا معه .
وكذلك جعل الله تعالى لنساء النبي صلى
الله عليه وآله للمحسنة منهن أجرين ، وللمسيئة منهن وزرين ضعفين لمكانهن من رسول
الله صلى الله عليه وآله ، وجعل الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
بألف صلاة في سائر المساجد إلا مسجد الحرام مسجد خليله إبراهيم عليه السلام بمكة
، وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وآله من ربه .
وفرض الله عز وجل الصلاة على نبيه صلى الله عليه
وآله على كافة المؤمنين ، فقالوا :
يا رسول الله كيف الصلاة عليك ؟
فقال : قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد
، فحق على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فريضة
واجبة .
وأحل الله تعالى خمس الغنيمة لرسوله صلى الله عليه وآله وأوجبها له
في كتابه ، وأوجب لنا من ذلك ما أوجب له .
وحرم عليه الصدقة وحرمها علينا معه ،
فأدخلنا وله الحمد فيما أدخل فيه نبيه صلى الله عليه وآله ، وأخرجنا ونزهنا
مما أخرجه منه ونزهه عنه كرامة أكرمنا الله عز وجل بها .
وفضيلة فضلنا بها على سائر العباد ، فقال الله
تعالى لمحمد صلى الله ليه وآله حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه :
{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ
مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } آل عمران61 ، فأخرج
رسول الله صلى الله عليه وآله من الأنفس معه أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن
النساء أمي فاطمة من الناس جميعا .
فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ونحن منه وهو منا ، وقد
قال الله تعالى :
{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }الأحزاب33 .
فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى
الله عليه وآله أنا وأخي وأمي وأبي فجللنا ونفسه في كساء لام سلمة خيبري ، وذلك
في حجرتها وفي يومها فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وهؤلاء أهلي وعترتي فاذهب
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
فقالت أم سلمة رضي الله عنها : أدخل
معهم يا رسول الله ؟
قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله :
يرحمك الله أنت على خير وإلى خير أرضاني عنك ! ولكنها خاصة لي ولهم .
ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وآله
بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه الله إليه ، يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر فيقول
: ( الصلاة يرحمكم الله ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
) .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله
بسد الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا ، فكلموه في ذلك .
فقال : أما إني لم أسد أبوابكم ولم أفتح باب علي
من تلقاء نفسي ، ولكني أتبع ما يوحى إلي ، وإن الله أمر بسدها وفتح بابه
، فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
ويولد فيه الأولاد غير رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي علي بن أبي طالب عليه
السلام ، تكرمة من الله تبارك وتعالى لنا ، وفضلا أختصنا به على جميع الناس .
وهذا باب أبي قرين باب رسول الله صلى الله عليه
وآله في مسجده ، ومنزلنا بين منازل رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذلك
أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يبني مسجده فبنى فيه عشرة أبيات تسعة
لبنيه وأزواجه ، وعاشرها وهو متوسطها لأبي ، وها هو بسبيل مقيم ، والبيت هو
المسجد المطهر .
وهو الذي قال الله تعالى : ( أهل البيت )
فنحن أهل البيت ، ونحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا .
أيها الناس : إني لو قمت حولا فحولا
أذكر الذي أعطانا الله عز وجل وخصنا به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى
الله عليه وآله ،لم أحصه .
وأنا ابن : النبي النذير البشير والسراج
المنير ، الذي جعله الله رحمة للعالمين ، وأبي علي عليه السلام ولي المؤمنين ،
وشبيه هارون .
وإن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا ،
ولم أر نفسي لها أهلا ، فكذب معاوية
، وأيم الله لانا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان
رسول الله صلى الله عليه وآله .
غير أنا لمنزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين
منذ قبض رسول الله ، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا ، ونزل على رقابنا ، وحمل
الناس على أكتافنا ، ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفيء والغنائم ، ومنع أمنا
فاطمة عليها السلام إرثها من أبيها ، إنا لا نسمي أحدا ، ولكن اقسم بالله قسما
تألياً لو أن الناس سمعوا قول الله ورسوله لأعطتهم السماء قطرها ، والأرض بركتها
، ولما اختلف في هذه الأمة سيفان ، ولا كلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة .
وإذا ما طمعت
يا معاوية فيها ، ولكنها لما اخرجت سالفا من
معدنها وزحزحت عن قواعدها ، تنازعتها قريش بينها وترامتها كترامي الكرة ، حتى
طمعت فيها أنت يا معاوية وأصحابك من بعدك .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
( ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه ، إلا لم يزل أمرهم
يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا ) وقد تركت بنو إسرائيل وكانوا أصحاب
موسى عليه السلام هارون أخاه وخليفته ووزيره ، وعكفوا على العجل و أطاعوا فيه
سامريهم ، وهم يعلمون أنه خليفة موسى عليه السلام .
وقد سمعت هذه الأمة رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول ذلك لأبي : ( إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )
.
وقد رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله حين نصبه
لهم بغدير خم ، وسمعوه ونادى له بالولاية ، ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب
.
وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله حذرا
من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به ، وهو يدعوهم لما لم يجد عليهم
أعوانا ، ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم ، وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث
أصحابه فلم يغث ولم ينصر ، ولو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم .
وقد جعل في سعة كما جعل النبي صلى الله عليه وآله
في سعة .
وقد خذلتني الأمة وبايعتك يا ابن حرب
، ولو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك
، وقد جعل الله عز وجل هارون في سعة حين استضعفوه قومه وعادوه ، كذلك
أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد عليه أعوانا .
وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا .
أيها الناس : إنكم لو التمستم بين المشرق
والمغرب رجلا جده رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأبو وصي رسول الله لم تجدوا
غيري وغير أخي ، فاتقوا الله ولا تضلوا بعد البيان ، و كيف بكم وأنى ذلك منكم ؟
ألا وإني قد بايعت هذا وأشار بيده إلى معاوية ، وإن أدري لعله فتنة لكم
ومتاع إلى حين .
أيها الناس : إنه لا يعاب أحد بترك حقه
، وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له ، وكل صواب نافع ، وكل خطاء ضار لأهله .
أيها الناس اسمعوا وعوا واتقوا الله وراجعوا
، وهيهات منكم الرجعة إلى الحق ، وقد صارعكم النكوص وخامركم الطغيان والجحود ،
أنلزمكموها وأنتم لها كارهون .
والسلام على من اتبع الهدى .
قال : فقال معاوية : والله ما
نزل الحسن حتى أظلمت علي الأرض ، وهممت أن أبطش به ) .
بيان وشرح : الأفن بالتحريك : ضعف الرأي
. و بالفتح : النقص . والغية : الزنا . والتألي على التفعل : الحكم بالجزم ،
والحلف على الشيء . الوجد بالضم والكسر : الغنى القدرة ، خامر القلب : داخل
. وخامر الشيء الأخر : خالطه .
أمالي ابن الشيخ 10- 14. بحار الأنوار ج10ص138ـ145ب9ح5.
أقول : وللأئمة الكرام احتجاج في كل
أبواب معارف الدين وبالخصوص الإمامة ، وقد أُلفت كتب كثير فها بالخصوص كتاب
الاحتجاج للطبرسي ، وفي البحار الجزء الحادي والثاني عشر خصص في باب المحاجة وألف
في الفترة الأخيرة كتاب في المناظرات وكتاب الانتصار في محاورات الشيعة على
الانترنيت وغيرها ورجع تاريخ الأئمة ، و كتاب الفتن .
وإنما أوردنا ههنا قليلا من الاحتجاج
لبيان الحق وأهله ومقام الشرف وهدى الله عندهم دون غيرهم ، وهي بنفسها تبين ما حل
بالأمة ، حيث يتسلط بن آكلة كبد حمزة سيد الشهداء وأبن أبي سفيان الذي كان إمام
الكفر والنفاق في زمانه وتوارثه من آل أمية .
ويجلس الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول
الله وبن فاطمة وخديجة ووارث علم الله والأنبياء والمرسلين والمحافظ بأمر الله
على تعاليم الدين بعد جده رسول الله ، تحته منبر الطاغية الذي خدع
المسلمين ومهد له من سبق ، مجبور لخذلان المسلمين له وعدم حول وقوة للمؤمنين في
نصره .
وهذا التأريخ لو تدبرته في الأمم
السابقة في الإسلام لرأيته نفسه في خذلان الأمم لهداتها ومن يدعوهم للحق ، ولو
تدبرت الفضائل والمكارم للأنبياء وآل الأنبياء لرأيتها لنبينا وآهل أكرم وأشرف
وأعلى ، ولرأيت صبرهم وجهادهم وكلامهم أمام الطغاة أعظم بلغة وبيان .
ولكن مع هذا كله : ترى الوهابية
والنواصب يذكرون معاوية بالفخر ويتشرفون بدينه ، ويتنكرون لذكر نبينا وآله ويقولن
شرك ، ما ذلك إلا ليحرفوا الناس عنهم ثم عن دين الله كله .
وكانت في زمن الإمام الحسن عليه السلام
وبعده كثير من الأحداث والوقائع التي تبين لؤم بني أمية وعنادهم للحق وتحريفهم
للدين ، وجعل وعاظ السلاطين من المنافقين واليهود والمسيحيين حتى كان كاتب البلاط
المقدم سرجون المسيحي ، والزناة والطغاة ولاة على أهم بلاد المسلمين كعمر بن
العاص الذي ذهب للنجاشي لكي يرجع جعفر والمهاجرين من الحبشة ولكن خذله الله فجعله
معاوية والي على مصر ، وأدعى عبيد الله بن زياد أخيه من الزنا وجعله والي على
الكوفة ، وقتل معلمي القرآن حجر وصحبه .
وأسمع بعض أفعاله في حديث آخر عن
الإمام الحسين عليه السلام السبط الثاني لرسول الله وأخو الإمام الحسن لتطلع على
شيء من واقع الأمر الذي حل بالمسلمين ، نذكره ونسأل الله أن ينفعنا به دين وذكرى
وثواب جزيل وطاعة له ، فإن الذكرى تنفع المؤمنين في الدنيا والآخرة ، فتدبره وقل
اللهم أرني الحق حقاً فأتبعه وأرني الباطل باطل فأجتنبه ، وصلى الله على نبينا
محمد وآله الطيبين الطاهرين .
تفضل
يا طيب إلى الفهرس العام
الذكر الرابع
جهاد الصحابة لضلال أئمة الكفر
وأمر الإمام الحسين بذكر إمامتهم
إن الأحداث التي جرت في زمن من حكم بعد
رسول الله يشيب منها الصغير ويهرم فيها الكبير لما يرى من المصائب التي جرت على
أهل البيت عليهم السلام ، بل على كل المؤمنين وجميع المسلمين الذين كانوا يعانون
من ظلم بني أمية وجور حكامهم ، وكان الحكام يشترون شيوخ القبائل ويسلطوهم على من
يخرج عن حكمهم حتى كان يخاف الإنسان على رزقه ونفسه وعرضه أن يذكر كلمة حق
تخالفهم ، أو تبين ما حل بالإسلام وأهله في تحريف الدين والإفتاء والتحديث
والكلام بما لا يرضي رب العالمين .
وفي دور معاوية زاد الطين بله بسنه سب ولعن
ـ والعياذ بالله منه ومن أتباعه وعليهم لعن الله و على من كتم دين الله والحق
ومنع من ذكره الهدى والتذكير به ـ أهل البيت ، وبالخصوص أمير المؤمنين
على منابر المسلمين وجعلها باقية في من خلفه سبعين سنة حتى رفعها وحرم سب أهل
البيت ولعنهم عمر بن عبد العزيز .
فأنتشر كل قول ضلال يحسبوه من الدين وكل راوي
يلعق قصعهم يسمى إمام مسجد أو إمام سُنة وحديث ، وخدع الناس بكل حديث باطل وشرى
الذمم وأديان الناس ، ولو أردنا تتبع تأريخ معاوية ويزيد أبنه بل جدهم أبو سفيان
بل تأريخ كل بني أمية وما أجروه على الإسلام ، لعرفت المصيبة التي حلت بالدين حين
تسلطهم وهم أرجس خلق الله وأعداء أعداء دينه .
ولكن إذا أردت : أن تعرف المزيد فعليك
بكتاب الغدير للأميني وبالخصوص الأجزاء الأخيرة منه فضلاً عن الأولى ، وإن أردت
الاختصار فهذا الحديث وما قاله أصحاب آل محمد عليهم السلام وما نقله الصحابي
الجليل سليم بن قيس رحمه الله وأسكنه رضوانه ، وما نقله عن قيس وبن عباس والحسين
، وما فعله معاوية عليه ما على من كتم علم الله وقتل الأنبياء وأوصيائهم .
فإن بني أمية ومن مهدوا لهم :
كانوا يتحدثون بكل حديث إلا فضل آل محمد ودينهم فكان محرم على الناس ذكره
كالوهابية اليوم ، وخالفوا أمر الله وسنته ودينه في كل شيء ، فشاع كل منكر في
البلاد والكذب على رسول الله وتفسير الكتاب برأيهم، وتشجع اليهود والمسيح
الذين دخلوا بعد رسول الله في الإسلام أن يحدثوا في مسجد رسول الله بأخبار
التوراة والإنجيل وكل قصة في دينهم ، ومنعوا
حديث رسول الله بحجة أن لا يخلط بالكتاب ، وخدعوا الناس عن دينهم وذِكر الحق
وأهله ، وحرموا الحديث عن أهل هدى الله وفضل الله عليهم .
فتشجع كل معادي للإسلام من المنافقين والكفار
والنواصب ومن قتل آبائهم نبينا محمد وعلي وصحبه الكرام ، لينتقموا من الإسلام
وأهله ، وفعلاً عملوا أفظع فجائع بالإسلام حتى قتلوا أئمة الحق .
والله لولا حزب الله المفلحون وما
أرشدهم إليه آل محمد ، وأشراف الصحابة الذين باعوا أنفسهم لله ودينه ونشر الحق ،
لما عرف هدى الله من أئمة الحق ، ولما أخضر للدين عود ، ولما قام للإسلام وللحق
وللهدى فيهم عمود .
ولكن جهاد آل محمد صلاة الله وسلامه عليهم
وأنصارهم على طول التأريخ ، وعلى طول الزمان وفي كل مكان كان سبب في تعريف الحق
وأهله وذكرهم ، والتحديث عن نعم الله التي جعلها لهداة دينه وفضل بها أئمة الحق
فنشرت مناقبهم وعرف الناس شيء من فضلهم .
وإن الله الرب الهادي والبر القيوم أحكم
وأعدل من أن يريد أن يعبد بدين صادق أنزله بما فيه من الإتقان في الهدى والإحكام
في التشريع ، ويجعل نبيه يجاهد بكل سبيل في رفع كلمته ونشره ، ثم يتركه بيد
شراذمة الأمة وأعداء الدين والمنافقين وكل ظالم غاصب لا كرامة له عند الله في
الإسلام وقبله ، ولا يجعل لدينه وللمسلمين أئمة حق وهدى ثابتين قد رعاهم ورباهم
بيد قدرته وحكمته ونعمته ، فينصبهم أئمة ويعرفهم بكتابه وسنة نبيه الكريم ، ليهدي
بهم عباده لصراط المستقيم ، فيجعلهم خير البشر وسادة العباد وأكرم خلقه ، وهم
الأخيار الأشراف بسيرتهم وسلوكهم وحديثهم ، وفي كل تصرف لهم يعرفون دينه ويذكرونه
، ويُذكرون بهداه وكل معارفه الحقة .
ولنذكر لك فضائل ومناقب أخرى لآل محمد عليهم
السلام ومقامهم الشامخ عند الله تعالى ومنزلتهم لديه ، ولتعرف اليسر
مما جرى على الأمة وأحداثها ، بالإضافة لما عرفت ، فإليك قسم منها نذكرك يا طالب
الحق بذكر عرفنا به الإمام الحسين وهو يبين فيه ما حل بالإسلام وما يجب على
المؤمنين من ذكر الحق وأهله ، وضرورة بيان دين الله تعالى ومحل هداه عندهم
وكرامتهم عليه ، ولتعرف المزيد راجع ما كتب في كتب التأريخ ، ولتعرف جهاد الإمام
الحسين راجع موسوعة صحف الطيبين والخصوص صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، لترى
ما حل بالآل الرسول من آل أبي سفيان وأتباعهم .
وهذا ذكر مختصر للإمام الحسين عليه السلام
وصحبهم الكرام ومن نصرهم بكل وجوده ، فيحدثنا بنعمة الله علينا بما عرفنا
من حقهم بالإضافة لما عرفت نتدبره معناً ، وهو بيان لمحل ديننا وأهله ، وإن
الوهابية يعتبروه شرك والعياذ بالله ، ونحن نعتبره ذكر وتحديث بأنعم الله في بيان
الحق وأهله ، وإنه أهم من ذكر تأريخ الأديان السابق وقصص الأمم التي أنقرض دينها
، وهو عبادة وفيه رضى الله وبيان لدينه وأعلى علم يعطي ثوابه بعد معرفته وتوحيده
، وهذا الذكر يبين ما يجب علينا من الذكر والتذكير والتحديث به لنعرف الحق وأهله
وأئمة الحق والهداة للصراط المستقيم .
ويا أخي الطيب إن الكلام ليطول ولا يسعه
هذا المختصر ، ونسأل الله أن لا يجعله تقصير في بيان الحق ولكن كتبناه وكلنا عزم
على تفصيله في الأجزاء الآتية ، ونسأل الله أن يوفقنا لبيانه ويأجرنا بأحسن أجر
مَن حدث بفضائل أهل البيت عليهم السلام وذكر مناقبهم ونشر علومهم إنه ولي حميد .
فإليك أولاً ما جرى بعد صلح الإمام
الحسن من معاوية لعنه الله وما سنه من البدع وطغيانه في حكمة ومكره في نشر
المناقب الباطلة له ولمن ولاه ، وبعده نذكر ما علمنا به صحب النبي وعلي ودفاعهم
عن الحق ، وما أمر به الإمام الحسين من ضرورة ذكرهم والحديث عن مناقبهم للناس حتى
يعرفوا الحق وأهله ، وثم نذكر بعد ذلك معارف تصب في تعريف الحق وأهله نتقرب
بذكرها لله تعالى لكي نعرف هداه ونعيمه وكل ما يوصل لرضاه ودينه عند أئمة الحق :
أولاً :أنصار الحق
وطغيان معاوية ما أجراه لتعريف أئمته من البدع :
عن أبان عن سليم و عمر بن أبي
سلمة حديثهما واحد هذا و ذلك قالا :
قدم معاوية حاجا في خلافته المدينة بعد ما قتل أمير المؤمنين عليه السلام وصالح
الحسن عليه السلام ، فاستقبله أهل المدينة فنظر فإذا الذي استقبله من قريش أكثر
من الأنصار .
فسأل عن ذلك ، فقيل له : إنهم محتاجون
ليست لهم دواب ، فالتفت معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة ، فقال : يا معشر
الأنصار ما لكم لا تستقبلوني مع إخوانكم من قريش .
فقال قيس و كان سيد الأنصار و ابن سيدهم
: أقعدنا يا أمير المؤمنين أن لم تكن لنا دواب .
فقال معاوية : فأين النواضح ،
فقال قيس : أفنيناها يوم بدر و يوم أحد وما بعدهما في مشاهد رسول الله ، حين
ضربناك وأباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله و أنتم كارهون .
قال معاوية : اللهم غفرا .
قال قيس : أما إن رسول الله قال إنكم سترون بعدي أثرة . فقال معاوية
: فما أمركم .
قال : أمرنا أن نصبر حتى نلقاه ، فقال : فاصبروا
حتى تلقوه .
ثم قال قيس : يا معاوية تعيرنا
بنواضحنا ، والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر و أنتم جاهدون على إطفاء نور الله ،
وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا ، ثم دخلت أنت و أبوك كرها في الإسلام الذي
ضربناكم عليه .
فقال له معاوية : كأنك تمن علينا
بنصرتك إيانا ، والله لقريش بذلك المن و الطول ، أ لستم تمنون علينا يا معشر
الأنصار بنصرتكم رسول الله وهو من قريش وهو ابن عمنا ومنا ، فلنا المن والطول إذ
جعلكم الله أنصارنا وأتباعنا فهداكم بنا ـ أقول يشبه على
الناس ويستخدم نعمة الحديث عن أهل البيت علي والحسن والحسين وسيدهم محمد نبينا
وذكر ما فضلهم الله به وجهادهم له ولأبيه في حقه ، وهذا ما يستخدمه الوهابية إذ
يخترعون له نعم وهو ظالم غاصب منصب أئمة الحق وحكومتهم للناس لبيان دين الله
وهداه ، وهو يبين رأيه وفكره بدله ، وهكذا من تبعه لا يتكلمون في الدين إلا عن
رأيه كأنه مشرع آخر وإن لم يسمي نفسه نبي ، ولذا تخلف عنه العارفون بالحق بعد ما
عرفهم أهل البيت ونبهتهم الأحداث والوقائع التي جرت على الإسلام ـ .
فقال قيس : إن الله عز و جل بعث محمدا
صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين ، فبعثه إلى الناس كافة وإلى الجن و الإنس
و الأحمر و الأسود و الأبيض و اختاره لنبوته و اختصه برسالته ، فكان أول من صدقه
وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب ، وكان أبو طالب عمه يذب عنه ويمنع منه ، ويحول
بين كفار قريش وبينه أن يروعوه أو يؤذوه ويأمره بتبليغ رسالات ربه .
فلم يزل ممنوعا من الضيم والأذى حتى مات عمه أبو طالب ، وأمر ابنه
عليا بمؤازرته ونصرته فوازره علي ونصره وجعل نفسه دونه في كل شديدة وكل ضيق وكل
خوف ، واختص الله بذلك عليا عليه السلام من بين قريش و أكرمه من بين جميع العرب
والعجم .
فجمع رسول الله جميع بني عبد المطلب
فيهم أبو طالب وأبو لهب ، وهم يومئذ أربعون رجلا فدعاهم رسول الله وخادمه يومئذ
علي عليه السلام ورسول الله يومئذ في حجر عمه أبي طالب .
فقال : أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري و
وارثي و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن بعدي .
فسكت القوم حتى أعادها رسول الله ثلاث مرات .
فقال علي : أنا يا رسول الله صلى الله
عليك ، فوضع رسول الله رأس علي في حجره وتفل في فيه ، وقال : اللهم املأ جوفه
علما وفهما وحكما ، ثم قال لأبي طالب : يا أبا طالب اسمع الآن لابنك علي وأطع ،
فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى و أخي بين الناس ، و آخى بين علي و
بين نفسه .
فلم يدع قيس بن سعد شيئاً من مناقبه إلا
ذكرها واحتج بها ، وقال : منهم أهل البيت جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة
بجناحين اختصه الله بذلك من بين الناس ، ومنهم حمزة سيد الشهداء ومنهم فاطمة سيدة
نساء العالمين .
فإذا وضعت من قريش رسول الله وأهل بيته و عترته الطيبين ،
فنحن والله خير منكم يا معشر قريش وأحب إلى الله ورسوله وإلى أهل بيته منكم ،
لقد قبض رسول الله فاجتمعت الأنصار إلى والدي سعد ، ثم قالوا : لا نبايع غير سعد
.
فجاءت قريش بحجة علي وأهل بيته وخاصمونا بحقه
وقرابته من رسول الله ، فما يعدو قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار وظلموا آل محمد
صلاة الله عليهم .
ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا لقريش ولا لأحد
من العرب و العجم في الخلافة حق ولا نصيب مع علي بن أبي طالب
و ولده من بعده .
فغضب معاوية و قال : يا ابن سعد
عمن أخذت هذا وعمن رويته وعمن سمعته ، أبوك أخبرك بذلك و عنه أخذته .
فقال قيس : سمعته وأخذته ممن هو خير من
أبي و أعظم علي حقا من أبي.
قال: و من هو .
قال : ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عالم هذه
الأمة ، وديانها وصديقها وفاروقها الذي أنزل الله فيه ما أنزل ، وهو قوله عز وجل
: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى
بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ
}الرعد43 ، فلم يدع قيس آية نزلت في علي عليه السلام إلا ذكرها .
فقال معاوية : فإن صديقها أبو بكر و فاروقها
عمر والذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام ـ هذا من تحريفهم
ونشرهم لأحادث الكذب وتأويل الكتاب على رأيهم منهم ومن أتباعهم ، والتأريخ شاهد
وتعاليم الدين وحكمة رب العالمين وعنايته بدينه ورجال هداه ورفع ذكره وتحديثه
عنهم سبحانه يكذب معاوية وكل ما يؤول في أصحابهم ـ .
قال قيس : أحق
بهذه الأسماء و أولى بها الذي أنزل الله فيه : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ }هود17 ، و الذي أنزل
الله جل اسمه فيه : { إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }
الرعد7 ، و الله لقد نزلت وعلي لكل قوم هاد ، فأسقطتم ذلك .
والذي نصبه رسول الله ص بغدير خم فقال :
من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه .
وقال له رسول الله : في غزوة تبوك أنت مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .
وكان معاوية يومئذ بالمدينة ، فعند
ذلك نادى مناديه وكتب بذلك نسخة إلى جميع البلدان إلى عماله :
ألا برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي بن
أبي طالب أو فضائل أهل بيته ، وقد أحل بنفسه العقوبة .
وقامت الخطباء في كل كورة ومكان وعلى كل
المنابر بلعن علي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة منه والوقيعة فيه وفي أهل
بيته عليهم السلام ، واللعنة لهم بما ليس فيهم .
ثم إن معاوية : مرّ بحلقة من
قريش فلما رأوه قاموا له غير عبد الله بن عباس .
فقال له : يا ابن عباس ما منعك
من القيام كما قام أصحابك إلا موجدة في نفسك علي بقتالي إياكم يوم صفين ، يا ابن
عباس إن ابن عمي أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوماً .
قال له ابن عباس : فعمر بن الخطاب قد
قتل مظلوما أ فسلمتم الأمر إلى ولده وهذا ابنه . قال : إن عمر قتله مشرك
.
قال ابن عباس : فمن قتل عثمان . قال :
قتله المسلمون .
قال : فذلك أدحض لحجتك وأحل لدمه إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس
إلا بحق .
قال معاوية : فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن
ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك يا ابن عباس و اربع على نفسك .
فقال له ابن عباس : أ فتنهانا عن قراءة
القرآن . قال : لا .
قال : أ فتنهانا عن تأويله . قال : نعم
.
قال : فنقرؤه و لا نسأل عما عنى الله به
. قال : نعم .
قال : فأيما أوجب علينا قراءته أو
العمل به .
قال معاوية : العمل به .
قال : فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى
الله بما أنزل علينا .
قال : سل عن ذلك من يتأوله على غير من تتأوله
أنت وأهل بيتك .
قال : إنما أنزل القرآن على أهل بيتي ،
فأسأل عنه آل أبي سفيان أو أسأل عنه آل أبي معيط أو اليهود و النصارى و المجوس .
قال له معاوية : فقد عدلتنا بهم وصيرتنا منهم .
قال له ابن عباس : لعمري ما أعدلك بهم
غير أنك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن ، وبما فيه : من أمر ونهي ، أو حلال أو حرام
، أو ناسخ أو منسوخ ، أو عام أو خاص ، أو محكم أو متشابه ، وإن لم تسأل الأمة عن
ذلك هلكوا واختلفوا و تاهوا.
قال معاوية : فاقرءوا القرآن و تؤولوه ، ولا
ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم من تفسيره و ما قاله رسول الله فيكم و ارووا ما
سوى ذلك .
قال ابن عباس : قال الله تعالى في
القرآن : { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى
اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون َ} التوبة32 .
قال معاوية : يا ابن عباس اكفني نفسك و كف عني
لسانك ، و إن كنت لا بد فاعلا فليكن ذلك سرا و لا يسمعه أحد منك علانية ، ثم رجع
إلى منزله فبعث إليه بخمسين ألف درهم .
ثم اشتد البلاء بالأمصار كلها على شيعة علي و
أهل بيته عليهم السلام و كان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة ،
واستعمل عليهم زيادا أخاه ـ من الزنا ـ و ضم إليه البصرة و الكوفة وجميع العراقين
، وكان يتتبع الشيعة وهو بهم عالم ، لأنه كان منهم فقد عرفهم و سمع كلامهم أول
شيء ، فقتلهم تحت كل كوكب وحجر و مدر ، وأجلاهم وأخافهم وقطع الأيدي و الأرجل
منهم و صلبهم على جذوع النخل و سمل أعينهم و طردهم وشردهم حتى انتزعوا عن العراق
فلم يبق بالعراقين أحد مشهور إلا مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب .
وكتب معاوية : إلى قضاته و ولاته في جميع
الأرضين والأمصار أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي بن أبي طالب ولا من أهل بيته ولا
من أهل ولايته الذين يرون فضله و يتحدثون بمناقبه ، شهادة .
وكتب إلى عماله : انظروا من قبلكم من شيعة عثمان
ومحبيه وأهل بيته وأهل ولايته الذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه ، فادنوا مجالسهم
وأكرموهم وقربوهم وشرفوهم واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم فيه واسم الرجل
واسم أبيه وممن هو ففعلوا ذلك .
حتى أكثروا في عثمان الحديث : وبعث إليهم
بالصلات و الكسى و أكثر لهم القطائع من العرب والموالي ، فكثروا في كل مصر
وتنافسوا في المنازل والضياع واتسعت عليهم الدنيا ، فلم يكن أحد يأتي عامل مصر من
الأمصار و لا قرية فيروي في عثمان منقبة ، أو يذكر له فضيلة إلا كتب اسمه و قرب
وشفع ، فلبثوا بذلك ما شاء الله .
ثم كتب بعد ذلك : إلى عماله أن الحديث قد كثر في
عثمان و فشا في كل قرية و مصر و من كل ناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس
إلى الرواية في أبي بكر و عمر ، فإن فضلهما و سوابقهما أحب إلي و أقر لعيني و
أدحض لحجة أهل هذا البيت وأشد عليهم من مناقب عثمان و فضائله .
فقرأ : كل قاض و أمير من ولاته كتابه على الناس
و أخذ الناس في الروايات في أبي بكر عمر و في مناقبهم ، ثم كتب نسخة جمع فيها
جميع ما روي فيهم من المناقب و الفضائل وأنفذها إلى عماله وأمرهم بقراءتها على
المنابر و في كل كورة و في كل مسجد ، وأمرهم أن ينفذوا إلى معلمي الكتاتيب أن
يعلموها صبيانهم حتى يرووها و يتعلموها كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموها بناتهم
و نساءهم و خدمهم و حشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله .
ثم كتب معاوية : إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع
البلدان انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته ، فامحوه من الديوان
و لا تجيزوا له شهادة .
ثم كتب كتابا آخر من اتهمتموه و لم تقم عليه
بينة أنه منهم فاقتلوه .
فقتلوهم : على التهم و الظن و الشبه تحت كل كوكب
حتى لقد كان الرجل يغلط بكلمة فيضرب عنقه ، ولم يكن ذلك البلاء في بلد أكبر و لا
أشد منه بالعراق و لا سيما بالكوفة .
حتى أنه كان الرجل : من شيعة علي عليه السلام ،
وممن بقي من أصحابه بالمدينة و غيرها ليأتيه من يثق به فيدخل بيته ، ثم يلقي إليه
سره فيخاف من خادمه و مملوكه فلا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمه
عليه .
وجعل الأمر : لا يزداد إلا شدة ، وكثر عندهم
عدوهم وأظهروا أحاديثهم الكاذبة في أصحابهم من الزور و البهتان ، فنشأ الناس على
ذلك و لم يتعلموا إلا منهم ، و مضى على ذلك قضاتهم و ولاتهم و فقهاؤهم .
وكان أعظم الناس في ذلك بلاء و فتنة القراء
المراءون المتصنعون الذين يظهرون لهم الحزن و الخشوع والنسك ، ويكذبون ويفتعلون
الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم و يدنوا بذلك مجالسهم و يصيبوا بذلك الأموال و
القطائع و المنازل .
حتى صارت أحاديثهم تلك و رواياتهم في أيدي من
يحسب أنها حق و أنها صدق ، فرووها و قبلوها و تعلموها و علموها و أحبوا عليها و
أبغضوا ، حتى جمعت على ذلك مجالسهم ، وصارت في أيدي الناس المتدينين الذين لا
يستحلون الكذب ، ويبغضون عليه أهله فقبلوها وهم يرون أنها حق ، و لو علموا أنها
باطل لم يرووها و لم يتدينوا بها و لا ينقصوا من خالفهم .
فصار : الحق في ذلك الزمان باطلا والباطل حقا ،
والصدق كذبا و الكذب صدقا .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
( لتشملنكم فتنة يربو فيها الوليد و ينشأ فيها الكبير ، يجري الناس عليها و
يتخذونها سنة ، فإذا غير منها شيء قالوا : أتى الناس منكرا غيرت السنة ) .
فلما مات الحسن بن علي عليه السلام :
لم يزل الفتنة و البلاء يعظمان و يشتدان ، فلم يبق ولي لله إلا خائفا على دمه
أو مقتول أو طريد أو شريد ، و لم يبق عدو لله إلا مظهرا حجته غير مستتر ببدعته
وضلالته .
ـ نذكر تمام الحديث بما عرفنا به الإمام الحسين بعد ما أبدع معاوية من الظلم
وما طغى به في حرف الناس عن دين الله في تعريف من ولاه وجعل المناقب لهم ومنعه من
الحق ، وتمام الحديث يبين بعض جهاد الإمام الحسين لبيان الحق وراجع تمامه في
صحيفة الإمام الحسين من موسوعة صحف الطيبين ـ
ثانياً : أمر الإمام الحسين
بذكر فضائلهم ليعرف الحق وأهله :
فلما كان قبل موت معاوية بسنة .
حج الحسين بن علي عليهم السلام : و عبد
الله بن عباس و عبد الله بن جعفر معه ، فجمع الحسين عليه السلام بني هاشم رجالهم
ونساءهم ومواليهم وشيعتهم من حج منهم ، ومن الأنصار ممن يعرفه الحسين عليه السلام
وأهل بيته ، ثم أرسل رسلاً لا تدعو أحدا ممن حج العام من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم المعروفين بالصلاح والنسك إلا أجمعوهم لي .
فاجتمع إليه بمنى : أكثر من سبعمائة
رجل وهم في سرادقه عامتهم من التابعين ، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي صلى
الله عليه وآله و غيرهم.
فقام فيهم الحسين عليه السلام خطيباً :
فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد :
فإن هذا الطاغية قد فعل بنا و بشيعتنا
ما قد رأيتم و علمتم و شهدتهم ، و إني أريد أن أسألكم عن شيء ، فإن صدقت فصدقوني
وإن كذبت فكذبوني ، أسألكم بحق الله عليكم و حق رسول الله و حق قرابتي من نبيكم ،
لما سيرتم مقامي هذا و وصفتم مقالتي و دعوتم أجمعين في أنصاركم من قبائلكم من
أمنتم من الناس و وثقتم به .
فأدعوهم إلى ما تعلمون من حقنا ، فإني
أتخوف أن يدرس هذا الأمر و يذهب الحق و يغلب و الله متم نوره ولو كره الكافرون .
و ما ترك : شيئاً مما أنزل الله فيهم
من القرآن إلا تلاه و فسره ، و لا شيئا مما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم في أبيه وأخيه وأمه و في نفسه و أهل بيته إلا رواه .
و كل ذلك يقول الصحابة : اللهم نعم قد
سمعنا و شهدنا .
و يقول التابعي : اللهم قد حدثني به من
أصدقه وأئتمنه من الصحابة .
فقال عليه السلام : أنشدكم الله إلا
حدثتم به من تثقون به و بدينه .
قال سليم : فكان فيما ناشدهم الحسين
عليه السلام و ذكرهم أن قال :
أنشدكم الله : أ تعلمون أن علي بن أبي
طالب كان أخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين آخى بين أصحابه ، فآخى بينه
و بين نفسه ، و قال : أنت أخي و أنا أخوك في الدنيا و الآخرة .
قالوا : اللهم نعم .
قال أنشدكم الله : هل تعلمون أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ، اشترى موضع مسجده و منازله فابتناه ، ثم ابتنى
فيه عشرة منازل تسعة له و جعل عاشرها في وسطها لأبي ، ثم سد كل باب شارع إلى
المسجد غير بابه ، فتكلم في ذلك من تكلم .
فقال صل الله عليه وآله : ما أنا سددت
أبوابكم وفتحت بابه ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه ، ثم نهى الناس أن
يناموا في المسجد غيره ، وكان يجنب في المسجد ومنزله في منزل رسول الله صل الله
عليه وآله ، فولد لرسول الله صل الله عليه وآله وله فيه أولاد .
قالوا : اللهم نعم .
قال : أ فتعلمون أن عمر بن الخطاب حرص
على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد فأبى عليه ثم خطب صلى الله عليه وآله
وسلم ، فقال :
إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه
غيره و غير هارون و ابنيه ، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه
غيري و غير أخي و ابنيه . قالوا
: اللهم نعم .
قال أنشدكم الله : أ تعلمون أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم نصبه يوم غدير خم ، فنادى له بالولاية وقال
ليبلغ الشاهد الغائب .
قالوا : اللهم نعم .
قال أنشدكم الله : أ تعلمون أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال له في غزوة تبوك :
أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وأنت ولي كل مؤمن
بعدي . قالوا : اللهم نعم
.
قال : أنشدكم الله أ تعلمون أن رسول
الله صل الله عليه وآله حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلا به
و بصاحبته و ابنيه .
قالوا : اللهم نعم .
قال أنشدكم الله : أ تعلمون أنه دفع
إليه اللواء يوم خيبر ، ثم قال : لأدفعه إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله
ورسوله كرار غير فرار يفتحها الله على يديه . قالوا : اللهم نعم .
قال : أ تعلمون أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بعثه ببراءة ، وقال : لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني .
قالوا : اللهم نعم .
قال : أ تعلمون أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لم تنزل به شدة قط إلا قدمه لها ثقة به ، وأنه لم يدعه باسمه
قط إلا أن يقول يا أخي و ادعوا لي أخي . قالوا : اللهم نعم .
قال : أ تعلمون أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قضى بينه و بين جعفر و زيد ، فقال له : يا علي أنت مني و
أنا منك ، وأنت ولي كل مؤمن و مؤمنة بعدي . قالوا : اللهم نعم .
قال : أ تعلمون أنه كانت له من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم كل يوم خلوة ، و كل ليلة دخلة إذا سأله أعطاه و إذا سكت أبدأه .
قالوا : اللهم نعم .
قال : أ تعلمون أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلك فضله على جعفر و حمزة حين قال لفاطمة عليها السلام : زوجتك
خير أهل بيتي أقدمهم سلما و أعظمهم حلما و أكثرهم علما .
قالوا : اللهم نعم .
قال : أ تعلمون أن رسول الله صلى
الله عليه وآله قال : أنا سيد ولد آدم ، و أخي علي سيد العرب ، و فاطمة سيدة نساء
أهل الجنة ، و ابناي الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .
قالوا : اللهم نعم .
قال : أ تعلمون أن رسول الله ص أمره
بغسله و أخبره أن جبرائيل يعينه عليه . قالوا : اللهم
نعم .
قال : أ تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال في آخر خطبة خطبها : أيها الناس إني تركت فيكم الثقلين كتاب
الله و أهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا . قالوا
: اللهم نعم .
فلم يدع شيئا أنزله الله في علي بن أبي
طالب عليه السلام خاصة ، و في أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيه صل الله عليه
وآله وسلم إلا ناشدهم فيه.
فيقول : الصحابة اللهم نعم قد سمعنا .
و يقول التابعي : اللهم قد حدثنيه من
أثق به فلان و فلان .
ثم ناشدهم : أنهم قد سمعوه صل الله
عليه وآله وسلم يقول : من زعم أنه يحبني و يبغض عليا فقد كذب ليس يحبني وهو
يبغض عليا .
فقال له قائل : يا رسول الله و كيف ذلك
.
قال : لأنه مني و أنا منه ، من أحبه فقد أحبني ، و
من أحبني فقد أحب الله ، و من أبغضه فقد أبغضني ، و من أبغضني فقد أبغض الله .
فقالوا : اللهم نعم قد سمعنا و تفرقوا
على ذلك ) .
سليم بن قيس ص777ح26.
أقول : هذا الذكر كان يذكر لنا شيء يسير
من سيرة وسلوك آهل البيت وصحبهم عليهم صلاة الله وسلامه ، وبيان لقليل من عمل
أعدائهم وطغيانهم ، ويصدقه كل مَن له وجدان منصف قد تدبر في تأريخ الدين الإسلامي
الحنيف ، وكل من تدبر كتاب الله وسنة رسوله في بيان هداة الدين على طول التاريخ
وملاك ولايتهم وهدايتهم واختيارهم من قبل الله تعالى .
ويا طيب : عرفنا في هذا الذكر كغيره
الملاك الذي اصطفى أولياء دينه من الأنبياء أو الرسل أو الأئمة وأوصياء للأنبياء
، وأنه كان لوجودهم الخالص له وطهارتهم وصدقهم وصبرهم وجهادهم بأنفسهم وبكل
وجودهم في سبيل رفع دين الله تعالى وتعريفه بما يحب ويرضى .
فيتيقن كل مؤمن إن لله تعالى له عناية
بأولياء دينه ويختار من لم يلبس إيمانه بظلم لولاية دينه وتعليم هداه
، وليس كل من يدعي الخلافة على المسلمين ولو كان سيطر بالظلم والغصب يمكنه
أن يكون هو المعلم لمعرفة الله المقدسة الطاهرة من كل شك وشبهة ، ولا كل من ليس
له رعاية من الله تعالى يمكنه أن يكون إمام دين وولي لرب العالمين وخليفة لله على
خيار عباده المؤمنين ، راجع كتاب الله وتدبر فيه ملاك الإمامة وأسسها ، تعرف أنه
لا يمكن أن يكون ولي لله وإمام حق غير نبينا وآله الطيبين الطاهرين .
ولكن مغفلين ظلموا أنفسهم
ومن تبعهم وغرتهم الدنيا والسلطة والحكم وأحقاد من أحد وبدر وخيبر وحنين وغيرهن ،
وأعانهم قوم آخرين فتسلطوا ، ولا يعني مجرد تسلطهم وحكمهم إنه بحق صاروا أولياء
دين الله ومعلمين له ولو برأيهم ، فإنه من لم يتبع دين الله من عند أولياءه
ويأخذه من أئمة الكفر فإنه يعبده بدينهم ، بل يعبد غير الله بل رب أخترعه له
معاوية ومن لف لفه فضلاً عن التعاليم الأخرى للدين .
فإنها كانت منافسة في تعاليم الدين فضلاً عن مسائل الإمامة ، فإنه من
ناصر معاوية وحزبه وكل من صار مثله والي أو مفتي أو حاكم على بلاد المسلمين ليس
له صحبة إلا أيام أو سنة أو سنتين ، ولم يكن له علم دين يذكر ولا صحبة تُعرف
أهمية وجوده واهتمام الرسول به ، حتى معاوية الذي سمي كاتب الوحي لم يكتب شيء من
الوحي ، بل كان أحد كتاب الوحي وممن صحب النبي قد هدر دمه رسول الله لأنه كان
يكتب خلاف ما يقول له رسول الله ، ومعاوية لم يكتب شيء يذكر ولكنه هو الذي جعل
نفسه كاتب الوحي وصهر رسول الله وسمى نفسه خال المسلمين وهو من الفضائل خالي ،
وكله ما مهد له الحكام الأوائل ، وبلباقته وما دبر له من لعق قصعته وأعطاه من
أموال المسلمين ، فتحدثوا عنه ولم يصدقه أحد فحتى من ينقل عن النواصب كالبخاري
ترك معاوية بدون فضيلة .
وإليك حديث يبين كيف جعله أبوه أبو سفيان
كاتب للوحي وإن لم يمارس الكتابة ولكنه لما هاجر أبو سفيان وأبنه في أخر عمر
رسول الله ، طلب أبو سفيان طلبات من رسول الله ، فأجابه وهو النبي الكريم وكان
ينفق الأموال لكي يجعل كل الناس مسلمين ويؤلف بين قلوبهم وإليك هذا الحديث .
ذكر في مكارم الأخلاق عن أبن عباس قال :
كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه ـ وذلك لما قتل منهم في
حروبه مع المسلمين وما كان يظهر عليه من علامات النفاق ـ .
فقال : يا رسول الله ثلاث أعطنيهن ،
قال : نعم ،
قال : عندي أحسن العرب وأجملهم أم حبيبة
أزوجكها ، قال : نعم
، قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك ،
قال : نعم ، قال : وتؤمرني حتى
أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين ، قال :
نعم .
قال ابن زميل : ولولا أنه طلب ذلك من
النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما أعطاه إياه لأنه لم يكن يسأل شيئا قط إلا
قال : نعم .
عن كتب مكارم الأخلاق عن كتاب شرف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وغيره
:ص18.
أقول : إن أبو سفيان ما قاتل في سبيل
الله ولا ابنه معاوية ولا كتب للوحي بل كانوا سادة الكفار والمنافقين طول وجودهم
، ولكن أم حبيب رضوان الله عليه تزوجها رسول الله وكانت من الثابتات ولم ترضى بهم
وأخذت جانب أهل البيت ورسول الله في عمرها .
ولكن معاوية يحاول أن يخدع نفسه
والناس ويحرفهم عن الحق وكتاب الله ويفسره برأيه بما يخدم ملكه ويثبت سلطانه ،
وهكذا من كان قبله وضع حديث أن النبي لم يورث ، وليس لفاطمة الزهراء فدك راجع قصة
فدك ، وبكل صورة لما سيطروا وأحكموا القبضة أبعدوا المسلمين عن أهل البيت عليهم
السلام ، وقد عرفت شيء يسير ، وراجع التأريخ الإسلامي وتدبر غزواته وراجع ما
كتبناه في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام .
ولكنهم يكذبون حتى يصدقون
أنفسهم فضلاً عن الناس ، ويتبجحون حتى يجادلون أهل الحق ، ولكنهم لما ينبههم أهل
البيت لخطئهم يلفون ويدورون في خداعهم وإليك ، حديث وقصة أخرى في ما كتبه معاوية
للإمام علي عليه السلام وجوابه له :
ذكر العلامة الأميني في الغدير شعر للإمام علي
عليه السلام فقال :
محمد النبي أخـي وصنـوي
وحمـزة سيد الشهدآء عمي
وجعفر الذي يضحي ويمسي
يطـير مع الملائكة أبن أمي
وبنت محمد سكني وعـرسي
منـوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولـداي منهـا
فأيكـم لـه سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسـلام طـراً
على ما كان من فهمي وعلمي
فأوجب لي ولايتـه عليكـم
رسـول الله يـوم غدير خم
فويـل ثم ويـل ثـم ويـل
لـمن يلقى الاله غدا بظلمي
قال الأميني رحمه الله : هذه الأبيات كتبها
الإمام عليه السلام إلى معاوية لما كتب معاوية إليه : إن لي فضائل كان أبي
سيدا في الجاهلية ، وصرت ملكا في الإسلام ، وأنا صهر رسول الله ، وخال المؤمنين ،
وكاتب الوحي .
فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه :
أبا الفضائل يبغي علي أبن آكلة الأكباد ؟ اكتب يا غلام ؟ : محمد النبي أخي وصنوي
إلى آخر الأبيات المذكورة ، فلما قرأ معاوية الكتاب قال : أخفوا هذا الكتاب لا
يقرأه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب .
والأمة قد تلقتها بالقبول ، وتسالمت على
روايتها ، غير أن كلا أخذ منها ما يرجع إلى موضوع بحثه ، من دون أي غمز فيها ، بل
ستقف على أنها مشهورة ، ورواها النقلة الأثبات ، ونقلها الحفظة الثقات ، وذكر جمع
من أعلام السنة والجماعة عن البيهقي : أن هذا الشعر مما يجب على كل متوال لعلي
حفظه ، ليعلم مفاخره في الإسلام .
فرواها من أصحابنا : 1 - معلم الامة
شيخنا المفيد المتوفى 413 ، رواها بأجمعها في " الفصول المختارة " 2 ص 78 وقال :
كيف يمكن دفع شعر أمير المؤمنين في ذلك ؟ وقد شاع في شهرته على حد يرتفع فيه
الخلاف ، وانتشر حتى صار مذكورا مسموعا من العامة فضلا عن الخاصة ، وفي هذا الشعر
كفاية في البيان عن تقدم إيمانه عليه السلام ، وانه وقع مع المعرفة بالحجة
والبيان ، وفيه أيضا : انه كان الإمام بعد الرسول صلى الله عليه وآله بدليل
المقال الظاهر في يوم الغدير الموجب له للاستخلاف.
الغدير للأميني ج2ص25 .
أقول : وذكر كثير من المصادر وراجع
شعراء الغدير بل راجع الجزء الأول بل كله ، لتعرف الحق وأهله وما حل بالمسلمين
وكيف يذكر ويتحدث الموالين لعلي عليه السلام بفضائله ومناقبه وما كرمه الله به
وآله آل محمد عليهم السلام ، ويفتخرون بذكره ويرجون ثواب الله.
وإن ذكر أعداءه أئمة الباطل والضلال بالفخر
والفضل وأخذ دين الله منهم ، هو اللهو واللغو وبه يحرفون الناس عن الحق فيقعوا في
الشرك الحتمي والكفر التام ، وهم لا يعتقدون في ذكر أولياء دينهم فيه
ثواب ولا عبادة لله ولا طاعة ، ومع ذلك تراهم في الانترنيت بل في كل مكان من
كتبهم شغلهم الشاغل هو ذكر أعداء علي وأحاديثهم وتمجيدهم بنقل دينهم دون أحاديث
ودين علي والنبي وآله .
ولا أدري هل
أنه لا يعتقدون بالثواب بعبادتهم بذكر دين أولياءهم والتعبد به كما لا يعتقدون
الثواب بذكر أئمة حديثهم أم يفصلون ، كما يفصلون بين النبي وآله
ودينهم ويعتقدون أهل البيت الذين طهرهم الله على ضلال ، ولا ينقلون من أحاديثهم
ودينهم شيء ويعبدون الله بغير دينهم ، ويدعون أنهم على دين محمد وبمثل ما أنزل
الله يتعبدون ، ويقولون بالجبر وأن الله عرشه يأط من تحته وأنه ينزل من السماء ،
أو يرى في القيامة وله يد ورجل وغيرها من الأوصاف والله نفسه يقول ليس مثله شيء
ولا تحيطون به علما .
بل معرفة الله إيمان يدخل القلوب
فتتوله له بما ترى من تصاغرها أما عظمته وحكمته وعلمه وقدرته في نظم الكون حسنه
وإتقانه وهدايته ، بل هداية البشر بكل دليل متقن وبرهان محكم راجع ما كتبنا في
صحيفة التوحيد وصحيفة الأسماء الحسنى تعرف المزيد من دين الله عند آل البيت عليهم
السلام ومعارف الله تعالى التي علموها لنا ، والتي لا تجد منها ذرة في عبادة
الوهابية ومع ذلك يدعون هم موحدون .
بل نفس ما ذكرنا في المحاورة الرابعة
عشر لا يعتقدون بشيء منه راجع توحيدهم وتوحيدنا ، ولكنه أعترف لما رأى أنه لا
يمكن أن يكون التوحيد إلا هكذا ولا الشرك ، فهرب من دينه وجاء في صراط أهل البيت
بمسافة كبيرة وأن كان بقي على دين معاوية ومن لف لفه وأشرك في حاكمية الله
وتقنينه وتشريعه بل وعبادته بكل تعاليمه .
وإذا عرفنا هذه المقدار من تأريخ الإسلام
ودين الله وما خص سبحانه من الفضائل والمكارم نبينا وآله ، وذكرهم بها ليعرف
الناس الحق وأهله وهداه ومن يصدع به ويهدي به ، ويعلم ويعرف رب العالمين بما هو
أهله ، نأتي لأحاديث قصار ومواضيع أخرى نذكر بها علي وآله آل النبي صلاة الله
وسلامه عليهم ، حتى نتقرب لله تعالى في بيان الحق وأهل وفي طلب العلم ومعارف
الإسلام وتأريخه هذا .
ونسأله أن يجعلنا مخلصين بذكرها
والحديث عنها لوجهه الكريم ، وفي كل حرف نتعلمه أو نكتبه أو كلام نقوله ، إنه ولي
حميد وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ،
ورحم الله من قال آمين .
الهي بحق علي وأخيه
وآلهم الطيبين الطاهرين اسقني من حوضهم واجعلني وكل الطيبين نحف بهم تحت لواء
الحمد وفي كل مكان كرمتهم به في الجنة إنك أرحم الراحمين
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين
إلى الأعلى علاك الله بإخلاص له بدين أمير
المؤمنين الحق علي عليه السلام
تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين
أئمة الضلال والظلام