هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في أصول الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام
علي عليه السلام
الجزء الأول / ما نذكر به الإمام علي عليه السلام وسببه

الباب الثامن

أُنس النبي وصحبه بذكر أحاديث الولاء ونعم الله على علي وآله  عليهم السلام

 في هذا الباب : أذكار تعرفنا نعمة الله الواجب شكرها والحديث عنها عند ذكر علي في آله وما كرمهم الله به وفضلهم وشرفهم ، وجعلهم أئمة حق وولاة دين وبيان لنور هداه ، وبكل وجودهم علماً وعملاً وصفات وسيرة وسلوك ، حتى عرفنا بكل سبيل فضلهم وشرفهم ومجدهم وعلو شأنهم ومنزلتهم لديه ، لنتعلم منهم ونقيم له العبودية بما يحب ويرضى من دينهم وتعاليمهم ، وهي :

الذكر  الأول
حديث ديني وجداني يبين سبب ذكر الإمام علي وآله

الذكر الثاني
أنس النبي بذكر أحاديث نعمة الله على علي وآله

الذكر الثالث
وصايا النبي في علي وآله وذكرهم بحديث النعم

تفضل يا طيب إلى الفهرس العام


 

الذكر الأول

حديث ديني وجداني يبين سبب ذكر الإمام علي وآله

أذكر للطيب إنه قد مرّ الكلام في هذا المعنى في كل الأبواب وبالخصوص في الباب الأول ، ولكن هنا نذكر كلمات وجدانية يؤيدها الدين وكل تعاليم رب العالمين ، وتعرفنا سبب ذكر فضل الإمام علي في نفسه أو في آله الكرام ، وذلك بعد أن عرّفنا شيء من مناقبه الكريمة وعدم وفاء القوم له ولآله إلا ممن رعى حق الله ورسوله من خالص المؤمنين .

 فمع بيان الله ورسوله لشرفهم وكرامتهم ومجدهم في كل تأريخ الوجود ومراحل التكوين ، نذكر هنا في هذا الذكر بحث عقلي لمن يحب الكلام الوجداني الذي يقبله كل منصف بأقل تدبر في حال تأريخ الدنيا وما عليه الناس في كيفية قبول دين الله ورفضه ، وما يجب أن يتحلى به القائد الديني والإمام الحق الذي يختاره الله تعالى لهداية عبادة ، ثم نشفعه في الأذكار الأخرى الآتية ببيان الحديث الشريف لمن يأنس بالحديث أكثر ، ومن يأنس بالبيانين فهو في نور على نور .

ونسأل الله القبول والرضا بما نذكره ونحدث به المؤمنين الطيبين ليثبتوا على الإيمان الحق مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآله الكرام ، آل رسول الله الذين شرفهم الله بكل دينه ونعيمه ، ويُلحق بهم كل تابع ومشايع لهم ومقتدي ، ونسأله أن يجعله لنا إيماناً صادقاً ويقيناً ثابتاً وعلماً وعملاً مقبولاً إنه ولي حميد :

أقول للطيب ذكرى : إنه كان النبي الكريم صلى الله عليه وآله يستأنس بذكر علي وآله ومجدهم وفضل الله عليهم ، وذلك لأنك عرفت أن ذكر هذه الأحاديث الشريفة عن النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم من نعمة الله التي أمره وأمرنا أن نحدث بها ، بل عرفت أنه كل المؤمنين الصادقين والمتفانين في طاعة رب العالمين كانوا يجدون لبيان الحق وأهله ، وكلما سنحت الفرصة وناسب الزمان والمكان يجاهدون بذكر الحق ، ويُعرفون علي وآله بأنهم أهل دين الله ويحدثون عن محله عندهم صلى الله عليهم وسلم .

 وقد عرفت في الباب الأول إنها من باب أمر الله الواجب إطاعته ، ولأنها من ذكر الله في بيان عظمته وتفضيله وتشريف وتكريمه لعباده المخلصين الذين اصطفاهم وأختارهم هداة لدينه ومعرفته ، حتى يعرفوا بكل مجد وفضيلة وكرامة وعز عند الله تعالى ، وحتى يشتاق المؤمنون لمعرفتهم وبالافتخار والانتساب لهم وأخذ دينه وكل معرفته منهم دون غيرهم ، فلا يخلطوهم بغيرهم وبالخصوص ممن عاداهم وحاربهم وقتلهم بكل سبيل ، فمنع من ذكرهم ومعرفتهم بحق المعرفة فضلاً عن الحديث والتحدث عنهم .

فكان الناس ممن لم يعرف النبي وآله بحق المعرفة ، ولم يذكر شرفهم بحق الذكر ، ولم يحدثه محدث بنعم الله عليهم صلى الله عليهم وسلم بحق الحديث ، قد ساواهم بغيرهم ممن لم يكن له فضل وشرف في الدين من الله ورسوله ، وإن كان له فضل ولم يعادي نبينا وآله ويحاربهم ففضله وشرفه ومجده تبع لهم ، فتعبد من لم يعرف نبينا وآله لله بحق المعرفة بالمجموع من المذهبين دين النبي واجتهاد أعداءهم ومن لم يخلص له المحبة والصحبة ، وما قرر من استحسانه وقياسه ورأيه مما لم يأمره الله به وبكل ما يدعم به سلطانه ، أو يقلد واعظ سلطان يدعم أميره الظالم الغاصب لمنصب رسول الله .

 فترى كل واحد منهم يبين إنه يعلم ويعرف ويقرر ويصمم ، وكأنه هذا المنصب الإلهي قد خصه الله ورسوله به وأنه يستحقه بفهم ، وهذا حال كل حاكم ولو كان ظالم ومَن يعينه ممن ليس له أهلية قيادة المؤمنين وتعليم معارف الله ، لأنه يفتي ويتقول على الله في دينه ويجتهد وليس بأهل ولم يجعله الله محافظ على دينه ، ولم يكرمه بالولاية والإمامة والفضل الحقيقي الذي جعله لأولياء دينه وأئمة الحق ، نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، فضلا من أن يكون له علم أو يعد من العارفين في الدين في زمن رسول الله أو في كلامه وحديثه عن النبي الكريم وشرح كتاب الله وتفسيره بصدق ، فضلا عن قدرته بعلم  لبيان معرفة الله تعالى وكيفية تحليه بالأسماء الحسنى والصفات العليا وغيرها من المعارف الإلهية فضلا عن المعارف العبادية وبل والخلقية وغيرها .

بل بعض من سمي مسلماً يدعي دعوا كبيرة أنه تابع لدين الله حقيقة بكل وجوده علماً وعملاً وإن مذهبه وحده فيه التوحيد الخالص لله تعالى ، مع أنه قد رفض النبي وآله ولا يأخذ دين الله منهم بالمرة ، بل يعاديهم ويحاربهم بكل وسيلة ، بل يحرم ذكرهم ويهجر من يُعرفهم ويعاقب من يسلم عليهم عند مراقدهم الطاهرة ، فلا يعرف مُحب لهم فيأخذ ولو بعض دين الله ورسوله منه ، فكان جده واجتهاده في نصر ممن نصبوا لنبينا وآله العداء بأمر أئمة الكفر ، فيأخذ دين الله منهم وحدهم ويعبده بضلالهم ، فصار في جهل مركب وظلمات متراكمة وهو يحسب أنه يحسن صنعاً .

وإن الله تعالى العليم الخبير يعرف ما يفتتن به عباده وما يصير له الأمر بعد نبينه ، فلكي يُعرف وتُعرف تعاليمه بحق المعرفة من الطاهرين الصادقين المخلصين له دون غيرهم ، بيّن بكل سبيل في كتابه وسنة نبيه الطاهرة شرف نبينه وآله وكرامته لهم ، لأنهم أولياء دينه ، وحدث عنهم وذكرهم بكل كرامة ومجد وعز وملك عظيم قبل الدنيا وفيها وبعدها ، بل على طول الزمان والتأريخ.

 وهو سبحانه في نفس الوقت بذكره لمناقب نبينا وآله وفضائلهم وما شرفهم به ومجدهم ، بيّن وشرح لنا عظمته وكبرياءه ومجده في تشريف أولياءه وبيان ملكه العظيم الذي يحصل عليه المخلصون الخالصين له بما يحب ويرضى ، وهذا شأنهم الكريم عنده من قبل الدنيا وعند معراج أرواحهم ورجوعهم إليه ومالهم من الكرامة في الملكوت الأعلى ، هذا فضلاً عن وجودهم في هذا العالم لتعريفه وتعليم معارفه ودينه وبيان نعيمه وعظمته وكبرياءه بحق .

فلذا بيّن سبحانه وتعالى الحكيم الخبير والهادي الحق وشرح لنا أنه كل طهارة ومجد وشرف جعله في الوجود ، فأنه موجود عند أئمة دينه وهداه نبينا وأله صلى الله عليهم وسلم ومن تبعهم ، وإن كل كرامة وخير حقيقي فهو قد خص به أولياء دينه النبي وعلي وآلهم الكرام صلى الله عليهم وسلم دون غيرهم ، وذلك لكي يطمع بها كل مؤمن فيتوجه له عن محبة وود لفضله ، ويرجو الحصول على كرمه وثوابه وعزه ومجده ، فيرتفع في النور عنده في كل وجوده ، ويكون خالص له بكل سيرته وصفاته ، ويتخلص من كل ظلام وضلال لأعداء دينه ممن منع ذكر ومعرفة أئمة الحق والهداة وأصحاب الصراط المستقيم المنعم عليهم بكل نعمة وفضل ومجد وشرف وخير وفضيلة وكرامة ، فيحصل عليها على الحقيقة عندما يكون معهم وحدهم بكل دينه ويعبد الله بمثل ما عبدوا الله وذكروه ووحدوه بما يحب ويرضى .

وإنك عارف إن الإنسان يكون مع أولياء دينه على الحقيقة ، عندما يكون معهم بكل وجوده حب ودين وطاعة وعلم وتعلم ، وعندما يقتدي بهم سيرة وسلوك وكل صفة تحلوا بها ، وعندما يعرفهم بذكر فضل الله وتشريفه لهم وله ، وأنهم تحت رعاية الله وتربيته وتأديبه ولا يعملون عمل لم  يرضيه ويبعد عنه ، فيكون مثلهم ومعهم فيتفضل الله عليه كما تفضل عليهم .

ولهذا كان الله تعالى أمرنا بكثير من أوامر الدين أن نعرف أئمة الحق والهدى بكل جد واجتهاد والسعي الصادق لمعرفتهم والكون معهم ولا نخلطهم بغيرهم ، فكان أول أدب وأهمه أنه تعالى أمرنا أن نذكره ونتوسل به بعد ذكر عدة من أسماءه الحسنى وصفاته العليا ، فأوجب علينا أن نقر له بأنه الرحمان الرحيم ورب العالمين ومالك يوم الدين ، ونستعين به بكل وجودنا صادقين أن يهدينا للصراط المستقيم للمنعم عليهم ، ولا نكون مع المغصوب عليهم والضالين المضلين .

وهذا معنى ما نقرأه في كل يوم عشر مرات بالصلاة ، تدبر سورة الفاتحة تعرف تربية الله لنا وتأديبنا للبحث بجد عن نبينا وآله ، لأنهم هم المنعم عليهم بحق النِعم والمصدقون عندما يذكر لهم كل فضل وشرف دون غيرهم ، وإن كان شيء لغيرهم فهو تبع لهم إن صدق علمه عمله بمعرفتهم وذكرهم بما فضلهم الله وشرفهم فحبهم بكل وجوده فاقتدى بعلمهم وعملهم وحدث به .

بل الله تعالى صدق نبينا وآله معه في كتابه وسنة نبيه وسيرته معهم ، بل ببيان سننه في الكون وفي تأريخ أولياء دينه ، وبالخصوص في سيرة نبي الرحمة مع آله الكرام من أول التكوين والوجود وتأريخ الدنيا لآخره ، فبان لكل مؤمن ومنصف ما لهم من الفضل والكرامة في خلقهم الطيب الطاهر الذي كان لهم بكل حركة وتصرف ، وإنه كان فيه بحق تعليم ذكر لله حتى كان ذكرهم من ذكر الله وعبادة يبين لنا بها كيف نتصل بمعرفته وتعاليمه سبحانه .

فلذا رفعهم الله تعالى بوجوب معرفتهم بكل ذكر لصفة لهم وسيرة وسلوك وتأريخ ، فضلاً عما شرفهم به من مجد وما كرمهم به من كل كرامة في كل مراتب الوجود قبل الدنيا وفيها وبعدها ، فكان أين ما ذكروا بان وظهر معرفة كبيرة من عظمة الله ومجده ودينه وكرامته لأوليائه ، واتضح لنا سعة ملكه وفضله الذي يسكن فيه أكرم خلقه عنده وأفضلهم منزلة لديه نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وكل من تبع دينهم وأخلص له مثلهم وأبتعد عن كل دين لغيرهم .

فلذا يرى المؤمن الواقعي بكل وجوده إن من أهم تعاليم دين الله الحق الصادق ، إن الله قد صدق نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم بكل علم وعمل لهم في آيات البيوت المرفوعة وآية الركوع والنجوى ولكل قوم هاد وشاهد من أهله ، وسورة الكوثر وسورة الدهر وغيرها ، وأمرنا أن نكون مع الصادقين دون غيرهم ، وأنهم نالوا كل برّ من الله بذكر مناقبهم وفضائلهم وأمرنا أن نطلب منه أن يتوفنا مع الأبرار لنكون معهم .

ولذا كان المؤمن الواقعي الغير مخدوع بدين من حكم بغير حق ، ويعلم بعلم اليقين أن نبينا وآله منعم عليهم بكل نعيم لله وفضل ورحمة وهدى وثواب مزاد وجزاء حسن كامل تام ، فيطلب الله تعالى بضرس قاطع أن يكون معهم في نعيم الله وفضله لهم وتشريفه ، لأنهم أئمته بحق وولاة دينه مع الإيمان و الإخلاص بدينهم لله ، ومع الاعتقاد أن في الإقتداء بهم كل فوز ونجاة وفلاح ، ولذا يكون الكلام عن نبينا وآله صلى الله عليه وآله عبادة لله وطاعة لأمره لا لهم ، وإن كان الكلام والحديث هو ذكر لفضائلهم ومجدهم وكل فخر أنزله الله لعباده ، فهو أحسنه وأجمله وبالأصالة لهم ، وأن شيعتهم وأولياءهم تبع لهم لأنهم يقتدون بدينهم ويعبدون الله بما أمر خالص له وحده لا شريك له بعد معرفة أولياء دينه وأحباءه وأئمة الحق الذين اصطفاهم ، فيتعبدون له بدينهم وتعاليمهم الذي هو دين الله عز وجل وتعاليمه .

ولذا كثر كلام الله في كتابه والنبي في حديثه ببيان حسِن وكلام جميل عن قصص الأنبياء وشرفهم ، وكان فيها أغلب تعاليم الدين وما يجب أن يكون عليه المؤمن وما يحصل عليه من الثواب والفضل والنعيم والشرف ، وبها تعرف حقيقة كرامة الله عليهم بل وحُسن أحوالهم وسيرتهم وسلوكهم ، بل وبأحوال أتباعهم المخلصين ، كما يستبين مصير النار والذل والهوان لأعدائهم وكل من حاربهم وقاتلهم ، حتى كان هذا التتبع لتأريخ الأنبياء وتأريخ ديننا بيان لسنة الله في تشريف أولياءه ، وذل أعداء دينه أين ما كانوا وبأي صفة اتصفوا ، وليس ذكر من غير معنى ، أو أنه مختص بالأمم السابقة دون المسلمين وأئمتهم أو أعدائهم والمنافقين .

والمسلم الحقيقي الواقعي يعرف حق المعرفة أن نبينا وآله هم أهل فضل الله وكرامته ونعيمه ، ومعهم من حبهم وودهم وأخذ دين الله منهم ، وإنهم هم أفضل خلق الله وأشرفهم وأكرمهم ، وإن كل كرامة نزلت من الله وكل شرف وفضل وثواب ورحمة وجزاء أعطاه الله لعباده الأنبياء والمرسلين وكل المؤمنين ، فهو بأكرم وجه وأحسن صورة لنبينا وآله بعده ، وإن شيعتهم ومن حبهم وودهم فصار محب لهم فهو معهم ، لأنه بحق صار مصاحب لهم في كل شيء وعن علم ويقين بالنجاة لأنه أخلص بدينهم لله رب العالمين ، وأنه قد سار بكل مجد على صراط مستقيم لنعيم الله الخالد المقيم لإقتدائه بهم .

وهذا يقر به كل منصف يتتبع قصص القرآن المجيد وعنده يسير من المعرفة في فضل الأنبياء وأتباعهم المخلصين بل نبينا وآله ، وإن كل مؤمن متبع لهم بحق قد عمل صالح بكل وجوده يكون منهم ومثلهم ، وإن الله تعالى شرح حال نبينا وآله وطهارتهم وفضلهم بالخصوص أكثر من غيرهم من الأنبياء الكرام ، وقد خص سور وآيات تحكي بكل حسن وجمال عن كرامته للنبي وآله ومن حبهم ، فكان على النبي شرحها وبيانها مثل الكوثر والإنسان والإنشراح وغيرهن وآيات المودة والمباهلة والقربى والأنفال وآيات الولاية والإمامة والصلاة عليهم مع النبي  وغيرهن ، وبيان نعيم الله الخاص بالنبي وآله من إعطاء الكتاب والحكمة وهو ملك الله العظيم لهم وإن نعيمه الدائم لمن عبده بدينهم كثيرة .

بل يكفيك لمعرفة فضل النبي وآله وبالخصوص أخيه الإمام علي معه في كل مواقفه مراجعة تأريخ الدين الإسلامي الذي عرفت بعضه ، أو بالتدبر في بيان تأريخ الأنبياء وبالخصوص تأريخ الدين الإسلامي وأحوال الناس فيه ونعيم الجنة الخالد ، وبهذا عرّفنا سبحانه بكل سبيل أن كرامة الله قد تخصصت لأولياء دينه ومن تبعهم وأخلص لهم الود واقتدى بهم وحدهم وعبد الله بدينهم الحق .

بل عرفت إن هذا الشرف والمجد للنبي وآله ومحبيهم في الإسراء والمعراج ، بل قبل وجودهم كما في سورة النور ، أو في بيان فضائل خاصة بالنبي وآله والمخلصين له ومَن حبه بصدق ، فتبع أمر الله بودهم وصلى عليهم معه ووصلهم واتصل بهم وسلم لهم تسليماً مطلق ، فكانوا بحق أئمته وهداة دينه ، وما يعبد الله به وحده هو فقط من دينهم الذي خصهم الله به دون غيرهم ، فنال الثواب الجزيل الحسن فصلى الله عليه كما صلى عليهم ووصله بكل خير وفضيلة لأنه أتصل بهم بكل وجوده .

وكلام الله وكلام النبي كثير في بيان فضل الله على النبي وآله بل ولشيعتهم ، لأنهم مؤمنون بالله إيمان مطلق خالص حسب أمره تعالى من دون ترديد وخلط بغيرهم ولا ضلال عنهم ، وإن النبي الكريم كان يحب الكلام عن فضل الله عليه وعلى آله ، وتشريفهم بدينه وبالطهارة والصدق والمجد وكل خير وبركة وعلم ، لأنه الله خصهم بها وأمره بالحديث عنها والذكر لها ، وهو من أحسن الطاعة والعبادة لله .

 فهو مما قال الله عز وجل لنبي الرحمة لبيان نعمته عليه في آله الطيبين الطاهرين : إما بنعمة ربك فحدث ، أو مما قال له : رفعنا لك ذكرك ، أو مما قال : صلوا عليه وسلموا تسليما ، وغيرها الكثير من بيان وجوب طاعته وطاعتهم وحبهم وبيان أن نوره وهداه عندهم لأنهم أولياء دينه وأئمة الحق الأخيار ، ويكفي للمؤمن أن يتذكر فضل الله على النبي وآله ومن يواليهم بنعم الله عليهم في الدنيا والآخرة هدى ونعيم مقيم فيحدث به ، لقول الله تعالى : ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

وأي ذكرى أجمل من ذكر النبي وآله وشيعتهم بعد ذكر الله وما أنزل من الفضل عليهم وخير وبركة ودين خصهم به ، فتبين بهذا الحديث والذكرى بحق حكمته في الدين وهداه المتقن ونعيمه الخالد الكبير وعظمته وكبرياءه في نفوذ أمره ، وخبرته في اصطفاء أكرم وأشرف خلقه للهدى ولكل نعيم تام لا يزول ، ومع الكرامة والشرف والمجد والعظمة والأبهة والفخر ، وكل ما يفرح الطيبين ويسر به المؤمنين العارفين بحق بعظمة الله وحكمته وإتقان هداه في الوجود وبركاته لأئمتهم وسادات البشر نبينا محمد وآله الكرام ولهم إن أخلصوا له بدينهم .

ولهذا الملاك قد شرح نبينا الكريم آيات الله وما علمه الله في كل سيرته وسلوكه وما حدثه وذاكره الله به بوحيه وإلهامه بل إلقاء في روعه من غير واسطة جبرائيل في إسراءه ومعراجه ، وهو صلى الله عليه وآله وسلم بكل وجوده وبكثير من تعاليمه ذكر وحدث عن فضل آله الكرام الطيبين الطاهرين ومن يتبعهم ، وعرفنا كثير مما شرفهم ومجدهم به الله وما خصهم الله به من الكرامة ، وبالخصوص أخيه ووصيه ووارثه بالحق علي بن أبي طالب وآله آل النبي بعده .

وكان نبي الرحمة يذكر خلفاء المصطفون وآله الكرام وبالخصوص الإمام علي بن أبي طالب صلى الله عليهم وسلم بالمحبة والود في كل شيء شرف ومجد وكرامة وفضل ودين ومنصب وإمامة وخلافة وولاية ، وذلك ليعرفوه وآله بكل طهارة وكرامة وشرفه ، فيتبعوهم ويأخذوا دين الله ومعرفته منهم ، بل ليعرف فضل الله وتكريمه لأوليائه فيحب المؤمنون أن يكونون منهم ومعهم ، لا مع غيرهم وأعدائهم فضلاً عمن حاربهم وقتلهم ومنع من ذكرهم والحديث عنهم.

 ولذا كثر تعريفهم لكل طالب حق ومجد يسعى لطلب دين الصادقين ، ومن يريد الإيمان الصادق فقصرت يده عنه وقع إثمه على من منع من ذكرهم وزادت سيئات من حرم الحديث عن معرفتهم ومجدهم ودين الله عندهم ، وفاز من جد وأجتهد في معرفتهم وذكرهم بكل فخر وتدين لله بدينهم .

  فلذا كثر الكلام في بيان الشرف والكرامة والمجد والنعيم والخير والبركة والبر والمحبة واللطف من الله على النبي وآله ومن تبعهم من المؤمنين ، فأمن بحق وعمل صالح بدين الله وفق تعاليمهم ، ولذا الأحاديث النبوية الشريفة صارت جامعة وتتوسع في ذكر الخير والبركة والنعيم وبر رب العالمين الكامل عليهم ، فيصعب وضعها في موضوع واحد ، لأنها تذكر أكثر من فضيلة ومنقبة واحدة بالخصوص في كل حديث .

فلذا العنوان الذي يوضع لحديث معين ترى فيه كلام عن وجوب الحب للنبي وآله وهو في نفس الوقت بهذه الخصائص بيان لولايتهم وإمامتهم وخلافتهم من الله لأنهم أكرم خلق الله وأشرفهم وأطهرهم ، وأيضا يكون بيان لفضل الله عليهم وعلى شيعتهم ومواليهم ، وهو منقبة وكرامة لهم ، وهو بيان لنور الله وهداه الحق ، بل بيان لتأريخ الدين وهدى رب العالمين ، بل بيان لتنزل نور الله من أشرف مراتب الوجود حتى عالم الشهادة ، بل حتى في رجوعه إليه في محل الكرامة والمقام المحمود المشكور السعي ، وخلاصته هو إن دين الله عند النبي وآله ومن حبهم دون غيرهم ممن منع من ذكرهم ولم يعرفهم ، بل خدع حتى عبد الله بمذهب ودين غيرهم ممن حاربهم وقتلهم بكل صورة .

ونحن إن شاء الله نذكر عناوين ذكر للأحاديث الشريفة ونجمع المناسب لها لكل فضيلة مختصرة ولم نذكر كل سند للرواة والمحدثون بهذه النعم بل ولا كل صورها المختلفة ، لأنها موجودة في المصادر المذكورة للحديث عند السابقين الذين نقلنا الأحاديث منهم ، ونختار الجامع منها والسهل في المعرفة الأولية لأئمة الحق والهدى مع شرح بسيط وتعليق لطيف يبني بعض المحتوى ، فنبين فيها فضل الله على النبي وآله وشيعتهم ، وبالخصوص التي فيها ذكر للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حتى نعبد الله بمعرفة فضله وكرامته ومجده الذي أنزله على أخلص عباده وإمام الحق بعد النبي وخليفته الصادق المصدق ، فنقر لله تعالى بكل عظمة شرفه الله بها ، ونعرفه بكل مجد وكبرياء جعله لأوليائه ، فنحبهم بكل وجودنا ونخلص لله عبادة وطاعة بدينهم دون غيرهم .

وأسأله أن يجعل ذكرنا وحديثنا عن نبي الرحمة وآله ، وبالخصوص الإمام الأول علي بن أبي طالب في طاعته ، وعبادة خالصة له وحده لا شريك له ، وهذا بعض أحاديث الكرامة والمجد والنعمة والفضل بين يديك فتتبعها ، بل تحلى وتحقق بها فإنها أس الدين بعد معرفة رب العالمين ، ولأنه تعرفنا بحق المعرفة أولياء الدين وأئمة الحق نبينا وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم أجمعين .

 

إلى الأعلى


 

الذكر الثاني

أنس النبي الكريم بذكر أحاديث نعمة الله على علي وآله

يا طيب : هذه بعض من أحاديث المجد والكرامة للنبي وآله آل الإمام علي مجتمعين ، وكان يأنس بذكرها النبي ويحدث بها عن كرامة آله على الله وعليه ، فنذكر لكل يا يطيب لتفرح وتأنس بها لإيمانك بمجدهم من الله تعالى المختص بهم وبمن والاهم ، ونُحدث بها ونذكرها لأنها من نعم الله تعالى على النبي وآله وبالخصوص وليه ونفسه وصفيه وخليفته بالحق الإمام علي بن أبي طالب ، ونذكر هنا الأحاديث الجامعة مع آله آل سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين .

وبهذه الأحاديث والأذكار المتتالية لنعم الله على آل علي عليهم السلام ، نعرف ولي الرحمة بعد نبينا بالنعمة والخير والفضيلة مع آله وكرامتهم عند الله ، ومجدهم الذي خصهم به وطهارتهم وطيبهم وإخلاصهم في عبادته وتعليم دينه بكل وجودهم ، دون غيرهم ممن عاداهم أو لم يشايعهم في معرفتهم والحديث عنهم ولم يذكرهم بما خصهم الله به من الشرف والمناقب الحسنة ، فلم يعرف للمجد وللكرامة وللعز من الله معنى متحقق ولا واقع يصدقه الله ورسوله وتأريخ الدين وسيرة المخلصين بكل وجودهم لرب العالمين ، حتى يكون ذكرهم من ذكر الله وبيان لفضل الله ومجده وعظمته وملكه الكبير من الكتاب والحكمة وكل نعيم خص به الطيبين الطاهرين ، لأنه لا يكون شيء من فضل الله ورحمته وبره لغير نبي الرحمة وآله وشيعتهم المتعبدين لله بدينهم الخالص من كل ضلال وشرك علمه غيرهم ، فضلاً عمن حاربهم ومنع من ذكرهم ومعرفتهم وهجرهم علماً وعملاً فضلا عن الإخلاص لله بدينهم أو نصرهم بالذكر والتعريف الحَسن.

فإن ربنا سبحانه رب العدل والإحسان والرحمة والجمال والحسن المتقن في التكوين والهدى ، عرفنا بالفطرة وكتابه المجيد وحديث نبيه الكريم إن هذا المجد كان من القديم في كل مراتب الوجود قد خص به نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، ومن تعبد له يدينهم في كل مرتبة من الوجود بما يناسبه ، وأين ما حل مخلوق وعابد يعبد ربنا المعبود من عالم النور المشرق في الجبروت والملكوت والشهادة إنس أو جن أو غيرهم كما عرفت في أحاديث الباب الثالث ، فضلاً عما عرّفنا عن طول التأريخ من نزول نورهم في آلهم من آدم وإبراهيم حتى صار في هاشم فصار لمحمد نبي الرحمة وعلي أخيه ووصيه بل نفسه ، ومنهم لآلهم وأئمة الحق منهم إلى يوم القيامة ، بل سرى منهم لنا فخر وشرف وكرامة من الله عند الحديث عنهم والذكر لهم ، بل بالتحقق بمعرفتهم والتدين بدينهم حتى كنا بإذن الله معهم بل منهم شيعة لهم وموالين ومحبين ومخلصين الدين لرب العالمين وبنعمته متنعمين معهم .

بل لنبينا وآله وشيعتهم فخر وفضل وخير خالد في نعيم الله ورضاه مادامت السماوات وعرش الرحمان والجنة ، خالص لهم ومختص بهم بالأصالة بفضل الله عليهم ، ولمن تبعهم جيران يحف بهم تبعاً لهم ، وهذا كان تأريخ مختصر من ظهور ملك الله وعظمته ومجده في الوجود والكون بأفضل صورة وأحسن نعمة وأتقن هدى ودين على طول الوجود المخلوق لله في جميع مراتبه ، ومر بعض الكلام عنه بالأحاديث والآيات في الأبواب السابقة .

 فنذكره هنا بعض أحاديث النعمة والكرامة والمجد والفضل بل المحبة والود للكرام من عباد الله الذين رفع ذكرهم بأحسن صوره خلقها ربنا الهادي الرحمان الودود ، وبكل يقين حصل لنا من تعاليم الدين أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو بحق وصي رسول رب العالمين ، وبعده آله الكرام خلفاء الله في أرضه وأمناءه على وحيه ، وأنهم هم الحفظة لدينه دون من عادهم ، فنخلص لله العبودية بدينه الحق الذي علمه النبي ووصيه والراسخ بعلمه علي بن أبي طالب وآلهم أهل الذكر والطهارة كالقرآن المجيد في المجد ، بل هم نور واحد متحد لا يمكن التفريق بينهم إلا من يثقل عليه الحق ويصعب عليه دين الله الخالص من كل هوى نفس ووسوسة شيطان وحرام ولهو ولعب ، والذي دسه في دينه أئمة الكفر والنفاق وأتباعهم ممن عادى نبي الرحمة وآله وبل عادى الله ودينه ومعرفته الحقة من الطيبين الطاهرين أئمة المؤمنين الصادقين المصدقين .

فهذا حديث نعيم وذكر كرامة لمجد وفضل ربنا في علي وآله آل نبي الرحمة ، وكلام محبة يختص به من طهر وصفى لله بدينه الحق وآمن بكل معرفة ويقين بحقيقة تعاليم الله ومعارفه الصادقة ، وأنه بالنص الإلهي ونص خاتم المرسلين وحبيب رب العالمين ، وفي كثر من حديثهم الحسن الطاهر الطيب الذي يهدي للحق وينور القلوب والعقول بالحق واليقين ، أنه هذا ما يريده رب العالمين من الذكر والذكرى التي تنفع المؤمنين ، والحديث الحسن الذي يوصل لهدى الله تعالى وعبوديته الخالصة ، فيعرف للإمام علي وآله آل النبي كالنبي الكريم بل وشيعتهم يحفون بهم أنهم قد تحققوا بكل خير وفضل وبر من الله تعالى ، واشرق من نوره سبحانه فكان رحمة منه وبر وإحسان لهم ، بل تعظيم ومجد لعباده الذين أختارهم واصطفاهم لرحمته وهداه ونعيمه ، ويكون المؤمن الصادق بكل وجوده وعلمه وعمله معهم وكل من عرفهم بما فضلهم الله به من الدين والخير والبركة والنعمة الحقيقية الواقعية والتي تصرف في عبوديته بحق .

دون من يملك من غيرهم فيعصي الله بنعمته وفضله فينقلب عليه وبال ، لأنه عاندهم وحاربهم وقتلهم بل منع من ذكرهم ومعرفتهم ، فحصل على أثام الباقين الذين قصروا عن معرفة الحق بسببهم ، فلم يخلصوا العبودية لله كما يريد لما خلطوا بدينه من رأيهم وقياسهم واجتهادهم الباطل ، والذي لم يجعل الله به سلطان لهم ولا علم حق كان لهم يؤهلهم للفتوى بدين الله وتعريف تعاليمه .

وبعد هذه المعرفة الحقة التي يدعمها الله ورسوله ويؤيدها العقل والتأريخ وسنة الله وسيرة أئمة الحق بعد النبي من آله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، يعرف كل منصف قد تدبر في تعاليم الله بأن علي أمير المؤمنين وولي الدين وهكذا بعده آله الطاهرين ، فيتوجه لمعرفتهم بكل معرفة وحديث حسن وذكر جميل ويحصل تبع لهم على معرفة دينهم ويتحقق بكل وجوده مثلهم بدين الله ومعارفه ، لأنه صار محب وصاحب بحق لهم ومن شيعتهم الحقيقيين ، والذين عرفوهم بكل فضيلة وكرامة هدى بأنهم هم المنعم عليهم وأصحاب الصراط المستقيم ، ولم يحاربهم ولم يمنع من ذكرهم ومعرفتهم بأنهم أئمة الدين والمصطفين الأخيار لرب العالمين الذين رباهم الله تعالى بيد القدرة والفضل والنعمة والهدى وكل كرامة خص بها أولياءه المخلصين أئمة الهدى الحقيقيين .

فإليك يا طيب ما قد كان النبي الكريم وأفضل الأنبياء والمرسلين حين يريد أن يعرف فضله وكرامته عند الله وفي أي مرتبة من مراتب الوجود ، ما كان يذكر لآله معه من المجد والفضيلة والمناقب الحسنة النيرة وبالخصوص الإمام علي بن أبي طالب ، وكان يفرح ويسر بالكلام عن فضله في علي وآله لأنه بحق ثمرة جهوده ، وخالصة وجوده في الدين والمعرفة وكل كرامة ونعمة وخير وبركة نزلت له من رب العالمين  .

فإليك يا طيب بعض أحاديث الكرمة والمجد لعلي وآله آل سيده النبي صلى الله عليهم وسلم ، وأنى لغيرهم إذا لم يكن محب لهم مثلها ، ولو واحدة ويصدق أنه له دونهم بل معهم في الفضل وهو معاند ومحارب لهم ، تدبرها تعرف أن لا يجتمع معهم مهما برر عمله وعلمه المخالف لهم ، والحمد لله على ما منّ به علينا بأولياء دينه ، وأسأل الله البر الرحيم أن يجعلنا معهم معرفة بهم ودين وإخلاص ، ومقام سامي محمود في ملكه الخالد في النعيم الذي وعد به المؤمنين في كثير من آيات الذكر الحكيم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ورحم الله من قال آمين .

 

ذكر الصدوق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال النبي صل الله عليه وآله وسلم :

 ( إن عليا وصيي وخليفتي ، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي ، و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي .

 من والاهم فقد والاني ، و من عاداهم فقد عاداني ، و من ناواهم فقد ناواني ، و من جفاهم فقد جفاني ، و من برهم فقد برني ، وصل الله من وصلهم ، وقطع من قطعهم ، ونصر من أعانهم ، وخذل من خذلهم .

اللهم : من كان له من أنبيائك و رسلك ثقل و أهل بيت ، فعلي و فاطمة و الحسن و الحسين ، أهل بيتي وثقلي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) . أمالي الصدوق ص57م13ح10.

أقول : مرّ بعض الكلام عن حديث الثقلين في الباب الثالث وعرفناهم أنهم أغلى شيء على الله ورسوله في الوجود بجميع مراتبه ، وأنفسه شيء قيمة في الكون ، وإن ذكرهم والحديث عنهم هو معرفة الله بعظمته ومجده في الوجود وظهوره بالنور على عباده الذين اصطفاهم برحمته وحكمته وعلمه ، ليتم بهم تعريف كبرياءه وهداه وتحصيل كل نعيمه ونوره ، وفضله وكرمه بتوسط التدين له بدينهم الذي عرّفه لهم ، وخصهم به وبالمحافظة عليه من يد المنحرفين والمؤولين والمنافقين . 

ذكر الصدوق بإسناده عن الحسين بن خالد عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال :

(  قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 من أحب أن يتمسك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعلي بن أبي طالب وليعاد عدوه وليوال وليه ، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم ، وأمير كل مؤمن بعدي .

قوله قولي ، وأمره أمري ، ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي ، وناصره ناصري ، و خاذله خاذلي .

ثم قال عليه السلام : من فارق علياً بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة ، ومن خالف علياً حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار وبئس المصير ، ومن خذل علياً خذله الله يوم يعرض عليه .

ومن نصر علياً نصره الله يوم يلقاه ولقنه حجته عند المساءلة .

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : الحسن و الحسين إماما أمتي بعد أبيهما و سيدا شباب أهل الجنة ، وأمهما سيده نساء العالمين ، وأبوهما سيد الوصيين ، ومن ولد الحسين تسعة أئمة تاسعهم القائم من ولدي .

 طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي ، إلى الله أشكو المنكرين لفضلهم ، والمضيعين لحرمتهم بعدي .

وكفى بالله ولياً وناصرا لعترتي وأئمة أمتي و منتقما من الجاحدين لحقهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب يقلبون ) .

كمال الدين ج1ص260ب24ح6.

 

ذكر الصدوق بإسناده عن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال :

( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام كلمات ثلاثا ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا وما فيها سمعته يقول :

اللهم : أعنه واستعن به .

 اللهم : انصره وانتصر به .

 فإنه عبدك وأخو رسولك .

ثم قال أبو ذر رحمه الله : أشهد لعلي بالولاء و الإخاء و الوصية .

 وقال كريزة بن صالح : وكان يشهد له بمثل ذلك سلمان الفارسي ، و المقداد ، وعمار ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبو الهيثم التيهان ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وأبو أيوب صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و هاشم بن عتبة المرقال ، كلهم من أفاضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) . أمالي الصدوق ص53م12ح3.

أقول : وأنا أشهد لعلي بالولاء والإخاء والوصية ، وأرجو من الله أن يصدقني القول والعلم والعمل بهذا ، وأقول كما قال الإمام الصادق أنه يستحب القول بعد كل صلاة :

( رضيت بالله رباً ، وبمحمد نبيناً ، وبالإسلام ديناً ، وبالقرآن كتاباً ، وبالكعبة قبلتاً ، وبعلي ولياً وإماماً ، وبالحسن والحسين و علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة القائم المهدي الأئمة صلوات الله عليهم ، اللهم إني رضيت بهم أئمة فأرضني لهم إنك على كل شيء قدير ) .

ورحم الله من قال مثلهم وشفعه بما يقال بعد كل صلاة .

 

ذكر الصدوق بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال :

( خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ، ويده في يد ابنه الحسن عليه السلام ، وهو يقول : خرج علينا رسول الله ص ذات يوم ويدي في يده هكذا ، وهو يقول :

خير الخلق بعدي وسيدهم أخي هذا ، وهو إمام كل مسلم ومولى كل مؤمن بعد وفاتي .

ألا و إني أقول : خير الخلق بعدي و سيدهم ابني هذا ، وهو إمام كل مؤمن ومولى كل مؤمن بعد وفاتي ، ألا وإنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وخير الخلق وسيدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء ، أما إنه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة .

ومن بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء الله في أرضه ، وحججه على عباده وأمناه على وحيه ، وأئمة المسلمين ، وقادة المؤمنين ، وسادة المتقين .

تاسعهم القائم : الذي يملأ الله عز وجل به الأرض نوراً بعد ظلمتها وعدلاً بعد جورها وعلما بعد جهلها ، والذي بعث أخي محمدا بالنبوة واختصني بالإمامة ، لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرائيل .

ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده عن الأئمة بعده.

فقال للسائل : والسماء ذات البروج إن عددهم بعدد البروج ، ورب الليالي والأيام والشهور إن عددهم كعدد الشهور .

فقال السائل : فمن هم يا رسول الله .

فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يده على رأسي فقال : أولهم هذا ، وآخرهم المهدي .

 من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني .

 ومن أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني .

 ومن أنكرهم فقد أنكرني ومن عرفهم فقد عرفني .

بهم يحفظ الله عز وجل دينه ، وبهم يعمر بلاده ، وبهم يرزق عباده ، وبهم نزل القطر من السماء ، وبهم يخرج بركات الأرض ، هؤلاء أصفيائي وخلفائي وأئمة المسلمين وموالي المؤمنين ) .

كمال الدين ج1ص259ب24ح5.

 

ذكر الصدوق بإسناده عن عبد الله بن عباس قال : قام رسول الله صلى الله عليه وأله فينا خطيبا فقال في آخر خطبته :

 جمع الله عز وجل لنا عشر خصال لم يجمعها لأحد قبلنا ولا تكون في أحد غيرنا : فينا : الحكم ، والحلم ، والعلم ، والنبوة ، والسماحة ، والشجاعة ، والقصد ، والصدق ، والطهور ، والعفاف .

ونحن : كلمة التقوى ، وسبيل الهدى ، والمثل الأعلى ، والحجة العظمى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين .

ونحن الذين أمر الله لنا بالمودة ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ، فأنى تصرفون ) .

الخصال ب10ص432ح14.

أقول : أشهد الله وكل مؤمن إني مصدق بفضائل النبي وآله الطيبين الطاهرين ، واشهد الله أنه كل من خالفهم قد فقد كل فضيلة ذكرت بهذا الحديث أو غيره ، لأنه من عاند الحق لا خير من الله فيه مهما كان له من الأسماء والمناصب ، فإنه على غير الصراط المستقيم للمنعم عليهم ، وفي غضب الله وكل ضلال له ولمن تبعه .

 

ذكر المفيد بإسناده عن قيس عن أبي هارون قال :

أتيت أبا سعيد الخدري رحمه الله فقلت له : هل شهدت بدراً . قال : نعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لفاطمة و قد جاءته ذات يوم تبكي وتقول يا رسول الله عيرتني نساء قريش بفقر علي .

فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

( أ ما ترضين يا فاطمة : أني زوجتك أقدمهم سلماً ، و أكثرهم علماً ، إن الله اطلع إلى أهل الأرض اطلاعه فاختار منهم أباك فجعله نبيا ، و اطلع إليهم ثانية فاختار منهم بعلك فجعله وصياً ، و أوحى إلي أن أنكحك إياه .

أ ما علمت يا فاطمة : أنك بكرامة الله إياك زوجتك أعظمهم حلماً ، و أكثرهم علماً ، و أقدمهم سلماً ، فضحكت فاطمة عليها السلام و استبشرت .

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا فاطمة إن لعلي ثمانية أضراس قواطع لم تجعل لأحد من الأولين والآخرين :

هو أخي في الدنيا والآخرة ليس ذلك لغيره من الناس .

 و أنت يا فاطمة سيدة نساء أهل الجنة .

 زوجته و سبطا الرحمة سبطاي ولده .

 و أخوه المزين بالجناحين في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء .

 و عنده علم الأولين و الآخرين .

 و هو أول من آمن بي .

 و آخر الناس عهدا بي .

 و هو وصيي و وارث الأوصياء ) . الإرشاد ج1ص36 .

أقول : مرة رأيت في الانترنيت بعض الوهابية يذكر هذا الحديث ويستهزأ به فيذكر إشكال خلاصته : أنه ألم يستطع الله أن يطلع مرة ويختار كل أهل البيت ولم يتعب نفسه ولا يطلع عدة مرات ليختار مرة النبي ومرة علي ؟

ويتجاهل كل الفضائل والمناقب التي فيه ، ويهجر كل شرف ظهر من الله فيه للنبي وآله ، وكأنه في إشكاله هذا أسقط الحديث من المعنى وأطفئ نور الله ، ولم يعلم إن نور الله يجعله كيف يشاء ومتى شاء ، وإن هذا تعبير عن مراتب نور الله وتنزله في الوجود وظهوره في مراتب النبوة والوصاية للنبي بعده ، ولم يدري أن طاقة الوجود لتحمل هذا النور وحسنه بهذا الظهور لله تعالى كما في آية النور وما مثل بها سبحانه ، وهو نور السماوات والأرض وجعل نوره في مشكاة ومصباح وزجاجه يشرق به على أهل محبته والطيبين راجع ما ذكرنا من تفسيرها في صحيفة الإمام الحسين من موسوعة صحف الطيبين .

 وإن هذا البيان من النبي الكريم هو كما أنه لم ينزل الله القرآن كله مرة واحدة ، أو لم يجعل الناس كلهم مؤمنين وإنما باختيارهم يكون الناس مؤمنين وكافرين ، أو أنه خلق عدة عوالم ولم يجعل فقط عالم الدنيا والشهادة .

فإن حسن الخلق وجمال حكمة الله في ظهور هذه المراتب في الوجود والتفاوت بين النبي والوصي وإظهار فظلهم كل بحسبه وإن كانوا نور واحد من الواحد الأحد وعلى دين واحد ، وكما أنه تعالى جعل الناس بالرزق متفاوتين ومختلفين بالزمان والمكان ، وهذا تعبير عن حكمة الله ومراتب وجود الوصي بعد النبي الكريم وإنه تعبير عن استمرار رسالة الله تعالى ودوامها بعلي وآله ، ولكنهم أنى لهم أن يفقهوا هذا وقلوبهم مقفلة عن نور الله المتجلي من النبي السراج المنير وآله الطيبين الطاهرين بعده .

وأقول : هؤلاء أهل ديني وأئمتي وأعتقد أنهم أولياء الله والحفظة لكتابه وهذه بعض مواصفاتهم وشرفهم ، وأتحدى وهابي أن يذكر صفة واحدة منها لأولياء دينه وأئمة من غير علي وآله آل النبي الكريم ، وإذا كان يقول ديني دين علي وآله وأنا أحبهم ، فلماذا لم يتبعهم ويأخذ دينه منهم وحدهم ولم يخلط بهم من قتلهم وعاداهم وغصب حقهم ومنع من ذكرهم والحديث عنهم وعن معرفة شرفهم ومجدهم وكرامتهم .

 ولماذا ينفرد بذكر أئمة الضلال معاوية وحزبه ومن عادا علياً وآله آل رسول الله بل عادا الله ورسوله ، ويأخذ دينه فقط من النواصب ويأخذ أحاديثه منهم ولم يأخذ من شيعة علي ومحبيه ، وما هذا الفعل والإيمان منه إلا دلالة على أنهم يكذبون في حب علي وآله فضلا عن الأنس بذكرهم وعبادة الله بدينهم وتعاليمهم .

وإن وشيعة آل محمد وعلي ومحبيهم يأنسون بذكرهم كما يأنس الله بذكرهم في كتابه وكلامه المجيد ورسوله الذي ستعرف أحاديث الشريفة التي يذكر مجده وفضله وعزه ودينه وهداه فيهم ، وهكذا شيعتهم عن حب وود يزينون بها مجالسهم ويترنمون بذكرهم ويفتخرون بأقل مجال يجدوه ليعرفوا الحق وأهل ومن له الكرامة والمجد .

ثم إن المؤمن في هذا الحديث يسأل عن معركة بدر وهي أول معركة كانت بين المسلمين وجيش الكفار الذي يقوده أبو سفيان أبو أعداء النبي وآله على طول الزمان وهكذا أتباعه وأئمة الكفر أبناءه ، وفي بدر كان النصر على يد علي بن أبي طالب حامل لواء رسول الله وقاتل عتاة الكفر والنفاق .

 وفي هذا الحديث سأل رجل صحابي جليل عن بدر ، فأستغل الفرصة فعرفه مكارم من أنس النبي بذكر آله ، وكأنه يريد أن يعرف السائل حقيقة بدر ونتائجها ، وأين حل دين الله الذي قاتل النبي وعلي وآلهم وكل محب لهم ، أئمة الكفر وأتباعهم معاوية وأبوه وحزبهم على طول الزمان .

وفي هذا الحديث وغيره يبين حسد بعض من صاحب النبي ،  لعلي وآله آل النبي ومحاولة للتنقيص من شأنهم وهم في زمن النبي وفي حال قمة النصر والفرح ، ويحاولن أن يؤذون فاطمة والنبي وعلي وينغصون عليهم كرامة الله لهم بالنصر ، ولكنهم كان بفضل الله الشيعة المخلصون والأصحاب المحبون وسيد البشر وخير أهل الكون يفتخر بآل النبي وحبهم ونصرهم وذكرهم بكلما شرفهم الله به ، وبالخصوص سيدهم علي بن أبي طالب ، وهم يعلمون أنه لن يضرهم من يحسدهم وينتقص منهم وإن كرامة الله لهم بكل حال .

 ولكن سيدة نساء أهل الجنة أم أبيها أرادت أن تفحم أعدائها وتبين فضلها وشرفها وكرامتها عند الله ، فذهبت لمن لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى وقد علمه شيد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ، فحدثها بحديث الكرامة والمجد والشرف الذي سمعته ، وإليك أحاديث مثله ، وليخسأ أعداء آل محمد أن يكون لأئمة دينهم ، مثل أئمة ديننا الذين نأخذ دين الله الخالص منهم ، والصافي من رأي أعداءهم ، ومن آل محمد وحدهم دون خلط لهم بغيرهم .

ثم إن ذكر الفضائل والمناقب لهم في حديث واختلاف الرقم والعدد ، حسب حال السامعين والمكان لأنه لكل مقام مقال ، وهو لا على سبيل الحصر ، ولكن في الغالب ذكر المناسب للسبب الداعي لأن يحدث النبي أو الصحابي أو الإمام علي أو أحد الأئمة أو شيعتهم بعدهم بذكر فضلهم ومناقبهم وما شرفهم الله به ، وإلا عرفت في حديث واحد قد ذكر الإمام علي عليه السلام سبعون منقبة وفضيلة شرفهم الله بها ، لأنه كان هناك مجال للسامعين ، ومقام واسع للكلام ، فإن فقط لو عُدت أوصافها في الجنة أو في المعراج أو قبل الدنيا أو في كتاب الله أو في سيرة رسول الله وكلامه معهم وحبه له لكان كل منها يأخذ كتاب ، فإن الله عندما يذكر حكم في سورة أو عدة أحكام لا يعني أنها كل أحكام الله أو أن يذكر ويعلل موضوع باسم أو اسمين أن يذكر بها ليس هي كل أسماء الله الحسنى ، أو أن يذكر حادثة أو واقعة لا أنه يذكر كلها ، ولكن هناك كلمات جامعة وشرح لها ، وبيان وتفصيل لكل مجمل ومحكم يناسبه ويناسب المقام.

 

وأنظر ما قال النبي في علي بن أطالب في حديث كرامة ومجد وشرف آخر ، والنبي الكريم في حال مرضه وهو الشاهد على كل الأمم بأمر الله ، لتعرف أن حديثه ووصيته واحدة في صحته ومرضه وبكل أحواله ، بالإضافة لما عرفت من الأحاديث في الأبواب السابقة بل والآتية ، بل وهذه مثلها فتدبرها :

ذكر الصدوق بإسناده عن أبي أيوب الأنصاري قال :

( إن رسول الله مرض مرضة فأتته فاطمة عليها السلام تعوده وهو ناقه من مرضه ، فلما رأت ما برسول الله صلى الله عليه واله من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتى جرت دمعتها على خدها ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لها :

 يا فاطمة : إن الله جل ذكره اطلع على الأرض اطلاعه فاختار منها أباك ، واطلع ثانية فاختار منها بعلك ، فأوحى إلي فأنكحتك له .

 أما علمت يا فاطمة : أن لكرامة الله إياك ، زوجك أقدمهم سلماً ، وأعظمهم حلماً ، وأكثرهم علماً .

قال : فسرت بذلك فاطمة واستبشرت بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأراد رسول الله صلى الله عليه واله أن يزيدها مزيد الخير كله من الذي قسمه الله له ولمحمد صلى الله عليه وآله وآل محمد ، فقال عليه السلام : يا فاطمة لعلي عليه السلام ثمان خصال :

إيمانه بالله وبرسوله ، وعلمه ، وحكمته ، وزوجته ، وسبطاه حسن وحسين ، وأمره بالمعروف ، ونهيه عن المنكر ، وقضاؤه بكتاب الله .

يا فاطمة : إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين قبلنا ، ولا يدركها أحد من الآخرين بعدنا :

نبينا خير الأنبياء وهو أبوك ، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك ، وشهيدنا سيد الشهداء وهو حمزة عم أبيك ، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة وهو جعفر ، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك ) .

الخصال ب8ص412ح16.

أقول : هذا الفخر دين وذكره طاعة لله وبمعرفته عبادة لله لا لهم لأنه هو الذي شرفهم به ومكنهم من نعيمه ودينه ، ويمكن أن يتوجه بحق المعرفة لله تعالى ويعرف وتعرف كل تعاليمه من أئمة الحق وأولياء دين الله ، بل هذا بيان مجد الله الظاهر في عباده وعظمته وكرامته لأولياء ، وبه يحصل الرجاء في الحصول لنعيم الله ويخضع الإنسان لطلب رحمة الله ويخاف عقابه في عناد أولياء دينه ومحاربتهم بكلمة واحدة بل بكتم بيان الحق في دينهم ، ويكون بهذا من العلماء الذي تحصل له الخشية من الله والخشوع الذي يحصل بمعرفة عظمة الله ومجده وكبرياءه الظاهر بأوليائه عن علم ومعرفة ويقين بالدين الحق .

إذا أراد الوهابي أن يفتخر يقول آتت هند أبو سفيان راكبة في بدر فرس وعليها كل زينه ومتبرجة كل تبرج أو غيرها متحجبة وهي على جمل وخرجن عن أمر الله وعلى ولي دين الله وهداه ، والذي قال لها الله وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية ، وتقول قاتلوا علي وآل علي وسيده النبي ولم تعتني بأمر الله مع ما شرفهم بالقرابة والقرب بالنبي كأبي جهل ، ولكنهم لم يراعوا حرمة الله وفضله وحاولوا أن يطفئوا نور الله ، يقولن بفعلهم وبكل تعاليمهم بالخروج على آل محمد ويجدون في حربهم وحرب دينهم ، كما قالت هند في بدر راجع أشعارها في تأريخ بدر وأحد ، ونسب معاوية وحزبه في كتاب الغدير الجزء العاشر والحادي عشر لتعرف بماذا يفتخر المخالف للنبي وآله ومن أي حزب يأخذ دينه .

 ولكن دعهم ودع سيرتهم السيرة ، وتشرف بما أذكر لك بحديث عن الإمام السبط الحسن بن علي عليهم السلام يبين فضله ومجده نقله الأميني في الغدير ، فذكر :

عن أبو الفرج  :  حدثني أبو عبيد محمد ابن أحمد قال  :  حدثني الفضل بن الحسن المصري قال  :  حدثني يحيى بن معين قال  :  حدثني أبو حفص اللبان عن عبد الرحمن بن شريك عن اسماعيل بن أبي خالد عن حبيب بن أبي ثابت قال  : 

خطب معاوية بالكوفة حين دخلها والحسن والحسين جالسان تحت المنبر ، فذكر عليا فنال منه ، ثم نال من الحسن .

فقام الحسين ليرد عليه فأخذه الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال  :

 أيها الذاكر عليا ! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمي فاطمة وأمك هند ، وجدي رسول الله ، وجدك عتبة بن ربيعة ، و جدتي خديجة .

 فلعن الله أخملنا ذكرا ، وألامنا حسبا ، وشرنا قديما وحديثا ، وأقدمنا كفرا ونفاقا  .

  فقال طوائف من أهل المسجد  :  آمين  .

 قال الفضل  :  قال يحيى بن معين  :  وأنا أقول  :  آمين  .

 قال أبو الفرج  :  قال أبو عبيد قال الفضل  :  وأنا أقول  :  آمين .

ويقول علي بن الحسين الأصفهاني  :  آمين  . 

قلت  :  ويقول عبد الحميد بن أبي الحديد مصنف هذا الكتاب آمين  .

 قال الأميني ـ صاحب كتاب الغدير ـ وأنا أقول  :  آمين (1) .

 وقال : حسن جليل حردان الأنباري ـ صاحب موسوعة صحف الطيبين ـ وأنا أقول : آمين . ورحم الله من قال آمين  .

1 ـ الغدير ج9ص8.

 

ذكر الصدوق بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي ، قال سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول :

كنت جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضته التي قبض فيها ، فدخلت فاطمة عليها السلام فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها .

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما يبكيك يا فاطمة .

قالت : يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك ، فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البكاء ، ثم قال :

يا فاطمة : أ ما علمت أنا أهل بيت اختار الله عز و جل لنا الآخرة على الدنيا ، وأنه حتم الفناء على جميع خلقه ، وأن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعه فاختارني من خلقه ، فجعلني نبيا ثم اطلع إلى الأرض اطلاعه ثانية فاختار منها زوجك .

 وأوحى إلي أن أزوجك إياه وأتخذه ولياً ووزيراً ، وأن أجعله خليفتي في أمتي ، فأبوك خير أنبياء الله ورسله وبعلك خير الأوصياء ، وأنت أول من يلحق بي من أهلي .

ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة ثالثة فاختارك وولديك ، فأنت سيدة نساء أهل الجنة وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة ، كلهم هادون مهديون .

وأول الأوصياء بعدي : أخي علي ثم حسن ثم حسين ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي ، و ليس في الجنة درجة أقرب إلى الله من درجتي ودرجة أبي إبراهيم .

أ ما تعلمين يا بنية : أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي ، وخير أهل بيتي ، أقدمهم سلماً ، وأعظمهم حلماً ، وأكثرهم علماً .

فاستبشرت فاطمة عليها السلام وفرحت بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

 ثم قال : يا بنية إن لبعلك مناقب :

إيمانه بالله ورسوله قبل كل أحد فلم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي .

 و علمه بكتاب الله عز وجل وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير علي ، و إن الله جل و عز علمني علما لا يعلمه غيري ، و علم ملائكته ورسله علماً ، فكلما علمه ملائكته ورسله فأنا أعلمه ، وأمرني الله أن أعلمه إياه ففعلت ، فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي و فهمي و حكمتي غيره .

و إنك يا بنية زوجته وابناه سبطاي حسن وحسين وهما سبطا أمتي ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، فإن الله جل وعز آتاه الحكمة وفصل الخطاب.

يا بنية إنا أهل بيت أعطانا الله عز وجل ست خصال لم يعطها أحدا من الأولين كان قبلكم ولم يعطها أحداً من الآخرين غيرنا :

نبينا سيد الأنبياء والمرسلين وهو أبوك ، ووصينا سيد الأوصياء وهو بعلك ، وشهيدنا سيد الشهداء وهو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك ، قالت يا رسول الله هو سيد الشهداء الذين قتلوا معه ، قال لا بل سيد شهداء الأولين و الآخرين ما خلا الأنبياء و الأوصياء .

وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة مع الملائكة .

وابناك حسن وحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة .

ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة ، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً .

قالت : وأي هؤلاء الذين سميتهم أفضل .

قال صلى الله عليه وآله وسلم : علي بعدي أفضل أمتي ، وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد علي وبعدك وبعد ابني وسبطي حسن وحسين ، وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا وأشار إلى الحسين ، منهم المهدي .

إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا .

ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها وإلى بعلها وإلى ابنيها ، فقال : يا سلمان أشهد الله أني سلم لمن سالمهم و حرب لمن حاربهم ، أما إنهم معي في الجنة .

ثم أقبل على علي عليه السلام  فقال : يا أخي أنت ستبقى بعدي وستلقى من قريش شدة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك ، وإن لم تجد أعوانا فاصبر وكف يدك ولا تلق بها إلى التهلكة .

فإنك مني بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة إذا استضعفه قومه وكادوا يقتلونه ، فاصبر لظلم قريش إياك و تظاهرهم عليك ، فإنك بمنزلة هارون و من تبعه ، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه .

يا علي : إن الله تبارك و تعالى قد قضى الفرقة و الاختلاف على هذه الأمة ، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من هذه الأمة و لا ينازع في شيء من أمره ، ولا يجحد المفضول لذي الفضل فضله ، ولو شاء لعجل النقمة ، وكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره ، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة دار القرار ، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .

فقال علي عليه السلام : الحمد لله شكراً على نعمائه وصبراً على بلائه ).

كمال الدين ج1ص262ب24ح10.

أقول : وإنا خادم علوم آل محمد عليهم السلام حسن جليل حرادان كذلك أقول : الحمد لله وشكراً على نعمائه وصبراً على بلائه ، كما قال سيد ومولا علي بن أبي طالب عليه وعلى آله وشيعته السلام ، وإن أعتقد وأصدق بهذه المفاخر للنبي وآله أئمة الحق ، ولمن تبعهم له أجره عند الله بمعرفتها أو التحلي بها إن أمكن التحلي بها ، لأن بعضها مختص بهم ، وبعض المناقب تقتبس منهم ويتحلى المؤمن بنورها بعد معرفتهم .

وإنه لي يقين أحب إن يحاسبني عليه الله سبحانه وتعالى ، وهو بأن الله تعالى أمره ماضي وليس له حركة ولا نظر مثل خلقه ولا ينظر له كما عليه الوهابية ، ولكن نظره رحمة وهدى وخير وبركة متوالية لتكريم عباده كلا بحسب منزلته وشأنه ، وهي بيان كرامة الله للنبي وآله ليعرف تفصيل الحق والمنزلة العظيمة والعناية التامة لهم ، وبهذا الحديث وأمثاله يشرح نبي الرحمة ببيان وافي أنه لهم كل خير وبركة وفضل وهدى ودين ورحمة وبر نزل من الله تعالى ، وإن من عادى النبي وعلي وآله ليس له مجد ولا منقبة ولا فضيلة ولا شرف ولا هدى ولا دين ، ولم ينظر الله له نظر رحمة ومجد ولا يكلم الله بلطفه ، ولا يعطيه ذره من نعمته وبركاته يوم القيامة ، وستنقلب عليه النعم الدنيوية وبال يحاسب عليها أشد المحاسبة لأنه صرفها في العداء لآل محمد عليهم السلام وحربه لهم وعدم مسالمتهم وعدم التسليم لهم كما أمر الله ورسوله .

وبما ذكر رسول الله بما كرمه الله وشرفه بآله نفتخر وبمعرفتها نتشرف ، ونسر ونفرح بما تفضل الله علينا من معرفة أئمة الهدى والدين الحقيقيين الصادقين المصدقين في كل زمان ومكان تواجدوا إلى إمام زماننا ، ولهم ولاتباعهم ومن يأخذ دينهم منهم كل خير وبركة ونعيم وفضيلة تجلى الله به على عباده وظهر بها في الكون ، وكل رحمة وبر وكرامة وعز وغفران وشكر وحمد وأجر جزيل جعله لمن عرف الحق من دينه فأخلص العبادة له به ، ولا يكون إلا للنبي وآله ومن حبهم وودهم وطاعهم بأمر الله ورسوله .

 وإن بيان ما جرى على أهل البيت من المصائب والظلم هو كبيان المناقب والفضائل لهم ، فإن كان بالفضائل والمناقب نعرف حقهم وعظيم منزلتهم عند الله وبركاته عليهم وشأنهم الكبير عنده ، فإنه بذكر المصائب نعرف ظلم أعدائهم وخروجهم عن كل دين الله وهداه وكبير معصيتهم وضلالهم ، ولا يجوز لأحد كالوهابية يتبرع ويصحح فعل العتاة والطغاة على أئمة الحق .

وفي هذا الحديث : كما ذكر النبي الكريم المناقب ، ذكر شديد حسد الناس لهم وعداء أئمة الكفر لهم ، وهو سواء بذكر ما ذكره النبي وذكّر به ، بل بتذكر ما ذكر الله به ممن يتربص الدوائر بالدين وأهله وممن ينقلب على الدين أو المنافقين أو الشجرة الملعونة ، هو كله بيان لضلال من ظلم أئمة الحق وما وصل له الناس في الطمع بالدنيا التي يصيب منها من يتبع من حكم ويبتعد عن أئمة الحق ، حتى وصل بهم الأمر فكانوا لا يقرون لعلي وآله آل النبي بكرامة وفضيلة ، ويتناسوها أو يتغافلون عنها من أجل الحكم والسلطان والتفاخر بالظلم وفي تحصيل الملك والحكومة على المؤمنين أو دنانير الظالمين وشيء من الجاه عندهم.

والوهابية والنواصب عرفت يحرمون ذكر أهل البيت عليهم السلام ، وبالخصوص مصابهم وما أجراه عليهم الظلمة ، فمنعوا من ذكرهم والحديث عن نعمة الله عليهم وما شرفهم الله به ، لكي لا يصل الكلام على لعن من قتلهم وحرم الناس من معرفة الحق وأهله ، وكان سبب بكتم دين الله الواقعي الصادق المراد له ومعرفته ، فعبده بدين كل من هب ودب لتعليم الدين حتى ولو لم يُزكى ولم يُعرف بمعارف الله ، ولقد فشلوا بالاختبار الذي بلي به الناس بضرورة البحث عن الحق وأهله ، وعدم قبول قول كل من أفتى مهما كان دينه ولو خلاف النبي وآله وليس له شرف ومن غير دليل له بفضله وصدقه .

والوهابي وأتباعه يحرم ذكر أهل البيت والحديث عنهم ، ويقول أنتم في بعض ما تذكروهم به تبكون وتُشهرون بمن قتلهم ، وهذا حرام وشرك ويكون فيه مسبة وذكر مساوئ للصحابة الذين قتلوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة أهل البيت ، وهو يقتل نفس ليثبت حرمة ذكر أهل البيت عليهم السلام ويبكي عملاً وعلماً وبكل كلام له ، وينهى عن الدمعة التي يعتصره مصاب الطيبين من قلب كل محب ومخلص لله الدين بمعرفة أولياءه وتألمه لتألمهم ، وبكاءه لمصابهم الذي اجروه أعداء الله ورسوله بكل وسيلة محرمة تبعد عن دين الله ومعرفة الحق وأهله ، هذا بعض مصاب أهل البيت وإن أحببت المزيد فعليك بصحيفة الإمام الحسين عليه السلام من موسوعة صحف الطيبين ، وإنا لله وإنا إليه راجعون وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على القوم الظالمين في أي مكان وحين ، ورحم الله من قال آمين .


إلى الأعلى


الذكر الثالث

وصايا النبي في علي وآله وذكرهم بحديث النعم

 إن الله سبحانه وتعالى قد ذكرنا بكل ذكرى وحدثنا بكل حديث في كتابه المجيد يعرفنا بتأريخ دينه المجيد ، فذكر كثير من قصص الأنبياء مع أممهم ، وعرفنا كل عبرة تعرفنا أهل دينه وبالخصوص نبينا وآله الكرام ، وهي وصيا الله في أئمة الحق وضرورة طاعتهم وإتباعهم وحبهم وودهم وأخذ دينه منهم وحدهم ، وهكذا كانت سنة النبي الكريم وسيرته في تعريفنا أئمة الحق ، ووصايا النبي كثيرة في آله حتى أنه كل أحاديث الولاية والإمامة هي بيان لفضله ولمجده ، وهي وصياه في معرفة الحق وأهل دين الله وآله آل هداه الصادقين المصدقين منه ومن الله .

 ولذا في أي موقف حل وأي مناسبة حصلت لرسول الله صلى الله عليه وآله ، كان من الحكمة ولبيان الهدى يستغل صلى الله عليه وآله المناسبة والفرصة ، فيوصي بآله وبالخصوص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ويبين شرفه ومجده وأنه ولي الله الصادق وإنه إمام الهدى الحق ، وذلك لعلهم يوفون لرعاية الحق فيهم ويخلصون الود لهم بعد معرفة فضلهم ومجدهم .

 وجمع هذه الوصايا يحتاج لكتب ، بل حديث منها يحتاج لكتاب كحديث الثقلين أو واقعة الغدير الذي نصب الإمام علي فيه خليفة وولي على المؤمنين بأمر الله تعالى ، وقد عرفت بعضه الأحاديث  ، ونذكر منها جمل متنوعة والذكرى تنفع المؤمنين ، ونبين بها حديث نعمة يدلنا على أكرم خلق الله ، فنعرفهم بحق ويقين ونتعبد لله بمعرفة مجده فيهم وفضله عليهم ونعيمه الذي خص به أولياءه ، وحتى نشتاق له ونطلبه من الله بكل وجودنا عند معرفة محل عظمته وكبرياءه ، ونؤمن أنه لأهميته كان هدى الله ودينه عند أولياءه أئمة المؤمنين ، وعند من تبعهم من عباده المخلصين من كل ضلال لأعداء الدين والمانعين من معرفة نبينا وآله الطيبين الطاهرين .

فلذا نذكرهم بما علمنا الله ورسوله من كل خير وبركة ونعمة أنزلها لهم ، وليعرفهم الناس بأن دين الله وهداه عندهم دون من حاربهم ومَن منع من ذكرهم ، وإن كل  مجد وشرف لهم دون من لم يعرفهم ويخلص الود لهم ، مع الإيمان بما نحدث عنهم ونذكرهم به ، وإن كل ذكر ذكرناه من مناقبهم نرجو به فضل الله وطاعته في معرفة أولياء دينه وعبادة خالصة له نرجو بها ثوابه تعالى ،  سواء بذكر الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في خصائصه النفسية التي سيأتي قسم منها ، أو ما عرفتها في تأريخه ، أو بما نذكره به ضمن آله الكرام ومجدهم كلهم وصفاتهم التي حدثنا بها نبي الرحمة التي بين فيها فضل الله عليهم وكرامته لهم ومجده عليهم .

 وقد عرفت بعض الآيات ، وسيأتي ذكر جميل من كتاب الله في بيان فضلهم في الأجزاء التالية وبعض المعارف القرآنية بضرورة ذكر الطيبين الطاهرين بكل نعيم أنزله الله لعباده المؤمنين ، والذي يحصل عليه من يتبع أئمة الحق دون غيرهم ، فيحسن وجودنا إن شاء الله عند الإيمان به ويحدث لنا نعمة وشكر بمعرفة الحق وأهله .

ولذا نحن نذكر في هذا الذكر كالسابق بعض الأحاديث التي تجمع النبي وآله بالإضافة لما عرفت ، ثم نفتح باب بل أبواب في ذكر ما يختص به الإمام علي بالخصوص ، ثم ما يخص شيعتهم كلهم عندما ما يعرفوهم بحق المعرفة ويذكروهم بكل وجودهم وسيرتهم وسلوكهم وخصائصهم ، حتى يتم لنا اليقين وحق المعرفة أنهم وحدهم رجال البيت المرفوع بذكر الله بكل وجودهم وتعاليمهم ، ودينهم هو الخالص مما أفتى به من حاربهم ومنع من ذكرهم ومعرفتهم .

فذه معارف في رجال البيت الطاهر للنبي وعلي وآله بالإضافة لما عرفت في تاريخ الإمام علي المختصر في الأبواب السابقة ، فإنه كان هناك تأريخ مع المناقب والفضائل والمكارم ، فهنا بيان لما يختصون به من الشرف والمجد والكرامة وكل فضيلة ورحمة ونعمه من الله حدّث بها نبيه الكريم وتناقلها وتذاكر بها المحبون الحقيقيون لهم والذين يفتخرون بها ، لأنها تبين بعض الشأن الكريم لأئمتهم وطهارتهم وطيبهم وفضائلهم الشريفة ومناقبهم الكريم كالذكر السابق .

وهذه الأحاديث الشريفة التي يحدث بها النبي وصحبة وشيعته فيذكروها ليعرفوا عظمة الله وتعظيه لأولياء دينه ، ويذكرون مجده النازل على المصطفين الأخيار وما كرمهم الله به ، ويرجون منه كل ثواب أعده لمؤمن يحب أن يعرفه بخالص المعرفة ويود أن يكون مع أكرم خلقه بكل وجوده دين وطاعة ومقام وجاه وشرف بقدر الإمكان ، فيعرفهم بكل صفة ويفرح بهم ويسر بمعرفتهم لأنهم مجده وشرفه وفضل الله عليه ، إذ عرّفه ربه الهادي الرحمن الرحيم الحق وأهل ودينه وهداه الصادق الواقعي منهم ، وعرف كل نعيم خص به موجود وكرامة نزلت لعبد عبد بحق الرب المعبود .

ذكر المفيد بإسناده عن أنس بن مالك قال :

( كنت خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما كانت ليلة أم حبيبة بنت أبي سفيان أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوضوء ، فقال لي : يا أنس بن مالك يدخل عليك من هذا الباب الساعة أمير المؤمنين و خير الوصيين ، أقدم الناس سلما وأكثرهم علما وأرجحهم حلماً .

 فقلت : اللهم اجعله من قومي .

قال : فلم ألبث أن دخل علي بن أبي طالب عليه السلام من الباب و رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ ، فرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الماء على وجه علي عليه السلام حتى امتلأت عيناه منه .

فقال : علي يا رسول الله أ حدث في حدث .

فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم :  ما حدث فيك إلا خير ، أنت مني وأنا منك تؤدي عني ، وتفي بذمتي ، وتغسلني وتواريني في لحدي ، وتُسمع الناس عني و تبين لهم من بعدي .

فقال علي : يا رسول الله أ وما بلغت .

 قال : بلى ولكن تبين لهم ما يختلفون فيه من بعدي ) .

الإرشاد ج1ص46 .

أقول : رحم الله أم حبيبة لقد آمنت وأخلصت الود لأهل البيت ولم ترضى دين والدها وأخيها الذي تلبس بسببها معاوية ـ كما تلبس بقمص عثمان ـ وقال خال المؤمنين وهو من الفضائل خالي ، وهي مؤمنة مهاجرة وحتى من جاءت للمدينة وأبوها وأخوها معاوية كان يحاربا رسول الله كفر ونفاق مظهرين الإسلام والتسليم ، وهي رحمها الله لم تخرج من الإيمان للباطل ولم تعاند الحق والشرف والكرامة التي كانت لها بسب النبي ونسبتها له ، كما عانده أبوه وأخوها وعمها وخالها وغيرهم من بني أمية والعتاة على النبي وآله في الجاهلية والإسلام ، والذين كانوا كأبي لهب عم النبي المتزوج عمتها حمالة الحطب ولم ينفعهم قربهم من النبي والانتساب له كأبيها وأخيها .

وأين هم منها فهي كانت تسمع فضائل النبي وعلي وآلهم وتفرح بها وتسر ولم تكن كغيرها ممن عاند آهل البيت بكلمة واحدة ، بل تركت زوجها الذي ارتد فتزوجها رسول الله وعرفت قصتها ، وأبيها ومعاوية بعد وفاة النبي على فرض إسلامهم شراهم الحكام وأعطوهم إمارة الشام فقنعوا بها وأقروهم على الحكم ، فمهدوا لحكمهم حتى تمكنوا وبكل خداع سلبه منهم وجعلوا خلافة النبي ملوكية لم يجعل الله بها من سلطان .

فحاربوا هدى الله ومنعوا معرفة أئمة الحق حتى أفشوا رأيهم كتعاليم الله على من يحبهم ويتعبد بدينهم ، ثم يدعي الإيمان بكل وجوده راجع بعض حياة معاوية في الجزء العاشر والحادي عشر من الغدير ، فتراه ومن حبه كيف كان يمنع من ذكر النبي وآله ويقول شرك وحرام ويحرم الحديث عن فضائلهم ومناقبهم ، وإن حدث فلا يعتقد فيها الثواب والكرامة كما أجاب المحاور في كل محاورة بأنه شرك ذكر النبي وعلي وحبهم ، ولم أدري لماذا يدافعون عنهم ويقضون وقتهم بالباطل ، هذا وقد مرّ قسم كبير من منع معاوية للحديث عن آل البيت في الباب السابق السابع كما عرفت في الذكر الثالث منه وهم على دينه .

ولكن عرفت أن الوهابية محقون ونحن نصدقهم أنه لا ثواب في ذكرهم لأئمتهم ، بل عقاب وبعد عن رحمة الله بكل كلمة ودفاع وكل حديث عن بني أمية ومن ولاهم ومكنهم من الملوكية والظلم وذكرهم بالفضائل والمكارم التي لم ينزل الله بها من سلطان ، وإن الثواب بذكر مثالبهم ومساؤهم التي حاربوا بها النبي وعلي وآلهم فقتلوهم وقتلوا محبهم وحرفوا الناس عن دينهم .

كما أنه لا يسري ذكر كل أحد بالفضائل فيكون شرك ولا ثواب فيه ، حتى الذكر والحديث عن النبي وعلي وآلهم الذين جعل الله لهم به كل ثواب الإيمان والعمل الصالح ، وبذكرهم ومحبتهم وإطاعتهم والعمل بدينهم بيان الإخلاص للمؤمن وله به الجنة وشرف نور بالدنيا والآخرة يدخله كل رحمة الله ونعمته ، وهو لهم بالأصالة ولمن حبهم وأخذ دينه منهم بالتبع لهم ، لأنه اقتدى بهم وأخذ دينه منهم وأخلص لله العبادة من كل شرك قاله المخالفون للنبي وعلي وآله صلى الله عليهم وسلم كما أمره الله ورسوله مصدق إيمانه فعله وقوله عمله.

ذكر المفيد رحمه الله عن عباية الأسدي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأم سلمة رضي الله عنها :

( اسمعي و اشهدي هذا علي أمير المؤمنين و سيد الوصيين ) .

الإرشاد ج1ص47 .

أقول : وكثير ما أوصى نبي الرحمة نساءه بأمير المؤمنين وآله الطيبين الطاهرين وكلهن أخلصن لهن الود والنصيحة إلا من غلبها شياطين الجن والإنس ، فخرجت لقتال آله الكرام وقد أمرها الله ورسوله بحب آهل البيت وأن كرامتهن تبع لهم ، وإذا خرجت إحداهن عليهم بالد والحرب خرجت عن كل شرف وفضل خص الله به هذا البيت الطاهر الطيب الذي أعزه الله في الدنيا والآخرة ، ولو قاتل إمام الحق أهل الدنيا كلها وحاربته ومنعت من ذكره ومعرفة مجده وفضله ، لأدخلهم الله ناره وكان عليهم شديد عذابه وغضبه .

 ورحم الله أم سلمه وأرضها فإنها كانت من المتفانيات في نصر أهل البيت وذكرها المتواصل لمناقبهم وفضائلهم ، وحديثها المشرف بما فضل الله به النبي وآله ، وكانت محدثه وناشرة وذاكرة لما ذكرها النبي بل الله في كلامه المجيد ، فكانت معه في الدنيا والآخرة في المقام الأسمى والمحل الأرفع بإذن الله .

 

قال الشيخ المفيد عن عدي بن حكيم عن عبد الله بن العباس قال :

قال : لنا أهل البيت سبع خصال ما منهن خصلة في الناس :

منا النبي صلى الله عليه وآله وسلم  ، و منا الوصي خير هذه الأمة بعده علي بن أبي طالب ، ومنا حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء ، ومنا جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء ، و منا سبطا هذه الأمة و سيدا شباب أهل الجنة الحسن و الحسين ، ومنا قائم آل محمد الذي أكرم الله به نبيه و منا المنصور ) . الإرشاد ج1ص37 .

أذكر لك يا مؤمن : إن الوهابية لما نذكر آهل البيت المطهرون يذكرون إن بن عباس من أهل البيت وكذا عباس عمه وحمزة وجعفر وآلهم كما عرفت في المحاورة الخامسة والسادسة وغيرهن ، وكأنهم يريدون أن يقللوا من شأن الإمام علي والحسن والحسين أئمة الحق والهدى بعد النبي ، ولم يدروا أن هؤلاء كان هم أخلص المخلصين للإمام علي والحسن والحسين ، وهم المحدثون بمجدهم وكرامة الله عليهم ، وهم الذين عرفوا الناس مناقبهم وفضائلهم بعد ما منع الناس معرفة آل البيت وأئمة الحق منهم ، وإنهم كانوا في خدمة النبي وأهل بيته كل حياتهم ولم يعرفوا لأنفسهم فضل دون علي وآله  .

فآل جعفر وعقيل والعباس وكل بني هاشم فهم يتنسبوا بالقرابة للنبي ، ويدعون أن الله شرفهم بالنبي وآله أقصد علي وفاطمة والحسن والحسين،  ويحمدون الله بالإخلاص له بدينهم الذي يتعلموه منهم وينشروه بين الناس بما علموهم ، فيفتخرون بعلي والحسن بأنهم منهم وولاة وأئمة حق لهم صدق الله ورسوله وسيرتهم ، لا أنهم أئمة مثلهم فهم يفتخرون بالنبي والحسن والحسين كما يفتخر كل شيعي محب للنبي وآله ومعترف بإمامتهم له مع مالهم من فخر الإخلاص لله وقربهم بالنبي ، لا أنهم يدعون الإمامة دونهم ، وأنهم مطهرون من دون ولائهم ومحبتهم لعلي وفاطمة والحسن والحسين ،ولو عادوهم ولم يحبوهم .

وكأن الوهابية أن ألقوا هذه الشبهة شبهوا على غيرهم ، وصح كلامه في تعبدهم بدين معاوية وكل من حارب النبي وعلي وفاطمة الحسن والحسين وقتلهم ومنع من معرفة الدين منهم ، بل منع من ذكرهم بما فضلهم الله به كما عرفت في الأبواب السابقة ، من قتل فاطمة وأسقط المحسن جنينها وكسر ضلعها ولطمها وغصب فدك ، بل سلب ملكهم في خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبيان دينه ، وأدعى الخلافة التي لهم ومنع من معرف مجدهم وكرامة الله عليهم ودينه عندهم ، وهو ليس له مجدهم وطهارتهم وكرامة الله ونعيمه عليهم .

 فإن ابن عباس وآله وآل جعفر وعقيل وغيرهم كانوا في خدمة أهل البيت وأخلص المخلصين لهم ، ولم يكونوا معاندين ويعبدون الله بغير دينهم ، فكم من فرق بين الحزبين المحب للمنعم عليهم والذي يذكر فضائلهم ويحدث بها بفخر وعز ، وبها يحصل له اليقين بحق أن دين الله عندهم فيأخذه ويخلص العبودية لله به ، فيصلي عليه الله وينعم عليه كما صلى وأنعم عليهم ، فيرتفع بهم بصراط مستقيم في ملكوت النور في كل وجوده .

وبين من يدين لله بدين أعداء آل محمد ويعتبر ذكرهم والحديث عن مناقبهم شرك لا طاعة ولا عبادة لله به ، ويفصل بين علي والنبي وآله وشيعتهم ويخلط عبادة الله بدين أعداءهم وكل فتوة دين تخالفهم .

ذكر المفيد بإسناده عن أبي الجحاف عن معاوية بن ثعلبة قال :

( قيل لأبي ذر رضي الله عنه : أوصي ، قال : قد أوصيت ، قيل : إلى مَن . قال : إلى أمير المؤمنين ، قيل : عثمان . قال : لا ولكن إلى أمير المؤمنين حقاً ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إنه لزر الأرض ، ورباني هذه الأمة ، لو قد فقدتموه لأنكرتم الأرض ومن عليها ) . الإرشاد ج1ص47 .

أقول : هذا هذه المعرفة من الصحابة المحبين للنبي وآله ولأمير المؤمنين ، وهذا الذي أبعده عثمان من المدينة لمنطقة قليلة الماء والكلاء ،  لأنه أنكر على معاوية واليه على الشام وعملهم الذي كان يدعمون به ملكهم وتصرفهم بما لا يرضي الله به ، فأبعدوه عن عواصم ملكهم للربذة حتى مات شهيد ، ووصية أمير المؤمنين حقاً الذي هداه الله به وبسيده النبي للصراط المستقيم والمقام الرفيع في الدنيا والآخرة ، وحصل على كل نعيم وأن منعوه بعض فضل الله الدنيوي ، ولكنه لعلمه بأن الكرامة للمؤمنين رجح الملك الخالد والنعيم الدائم مع النبي وآله دنيا وأخره فرحمه الله وجعلنا معه نحف بالنبي وآله .

 

 وذكر المفيد : حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي وهو مشهور معروف بين العلماء بأسانيد يطول شرحها قال :

( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني سابع سبعة فيهم أبو بكر و عمر و طلحة و الزبير .

فقال : سلموا على علي بإمرة المؤمنين فسلمنا عليه بذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حي بين أظهرنا ) . الإرشاد ج1ص48 .

أقول : كان النبي قد أقام الحجة التامة على كل البشر بولاية آله الكرام وبالخصوص خليفته بالحق علي بن أبي طالب بعده ، ولكن الناس حلت الدنيا في عينهم وتجمل الملك في قلبوهم حتى أنساهم أن مخالفة الحق وأئمة الحق فيه الضلال عن الله ودينه ، فكانوا إما لم ينتبهوا لما فعلوا وهذا ممن يتفانى في إبعاد أهل البيت بعيد ، وإما أن يكون خرجوا عن الحق كله مع الإصرار على عناده لأنهم لم يرجعوا الحق لأهله حتى ماتوا ، أو لم يدخلوا بما أمر الله به من الإيمان .

 

وأقول : قد ذكر المحاور الوهابي في المحاورة التاسعة وغيرها آية التطهير ، وأن الله قد أمر بحب آل البيت عليهم السلام ، ويدعي أنه آل البيت أهله ونساءه كلهم بالأصالة ، وإن الآية تخص نساء النبي كما تخص رجال البيت المرفوع والذين باهل بهم النبي دونهن ، وأتى بفاطمة من غيرهن ، مع أن لهن الشرف وكل كرامة مادمن في خدمة النبي ودينه ، لا أنه حتى إن خرجن عليهم بالقتال والدين وعلمن غير علومهم ، ثم إن نساء النبي عرفن هذا الفضل لعلي وآله ولم يعاندنه كلهن بما علّم ، بل غلب على بعضهن ذكر فضله ومناقبه .

 ولكن أذكر لكل قصة : أنه أحد الوهابية في يوم كان يناقش في عدم عصمة النبي ويريد أن ينتقص منه بسورة التحريم ، وينزه نساء النبي من تظاهرهن عليه ، وأن النبي أرتكب محرم دونهن فعاتبه الله ، وأجبناه بكلام هرب به من المحاورة لأنه عرف أنتقص أمه فيه لا رسول الله وهو يحترمها أكثر من رسول الله حتى لو عصته وعاندته ، ولم يدري أن المجبور والمكره لا غرو عليه في دين الله تعالى ، ولعن الله من جعل النبي يتخفى مهاجر أو يحرم ما حل الله له معلن ذلك أمامهن وهو لم يحرمه كدين ، ولكن ليرضن ويصفى له الود معهن ويعيش في بيته بأمن وسلام من غير مشاكل ولكي يتفرغ لتبليغ الرسالة ، وهو لم يحرمه كدين ولكن قرر أن لا يعمله لخاطرهن حتى يرضن ولا يؤذنه من غير تشريع وتحريم عليه كدين .

ولكن الله فضحهن وبان أنهن لم يسلمن للنبي تسليم كامل مطلق ويتعصى عليه بعضهن ويتظاهرن على معصيته ، فهن ليس مطهرات كلهن كآله الذين هم نور واحد متأصل في الوجود ، وهذا العتاب أشد منه في سورة الأحزاب لنساء النبي تدبرها ، ولكن المحاور ذكر في المحاورة أنهن مطهرات مع أنه النبي لم يذكر حديث واحد يشرفهن به إن عصين وخالفنه ، بل كل من يخالف الله ورسوله خرج عن دين الله وفضله كان من كان .

 ولكن الله أشار بل بين وأوضح بكل سيبل مجد النبي وآله آل علي دونهن ، سواء بسورة الكوثر أو الدهر أو الضحى والانشراح، والمباهلة والدهر وغيرها آيات كثيرة ، كأنذر عشيرتك الأقربين فأختار الإمام علي وصي ووزير له ، أو آيات الخمس والأنفاق الذي خص آله ممن أقر لعلي ولآله بالخمس ، وهو الذي يكون بيده توزيعه بعد النبي ولم يخصهن بشيء منه دونهم .

ولكن القوم يريدون أن يصححوا أخطاء من علم دون معارف أهل البيت بالخروج عليهم ، ويجعلوا أئمتهم وأن يخرجوا عنهم وعن شرفهم ودينهم وكل كرامة أعدها الله عز وجل لهم ، يكون مع ذلك وإن حاربهم وقتلهم ومنع من ذكرهم ، معهم في الدين والعلم وفضل رب العالمين ، وهيهات لهم أن يقنع منصف هذا الكلام .

 ولكن المنصف يعرف بكل وجوده ودينه وبأقل تتبع أن الله تعالى يريد دينه من الصراط المستقيم لأئمة الهدى الذين أصفاهم ، وإن من خرج عليهم كان من كان ، كان قد ضل ولا تنفع قرابته للنبي فضلاً عن الصحبة ، والكلام عن أهل البيت علي وآله آل النبي المعصومين ليس للقرابة فقط ، بل لأنهم أئمة الحق المطهرون في كل مراتب الوجود مع النبي ، بعلم الله أختارهم ، ومسألة القرابة هي من حكمة الله في تربية أولياء دينه في بيت واحد ، ليعرفوا كما قال تعالى عندما عد أولياء دينه فقال :

{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}آل عمران34 ، وراجع الآيات قبلها . {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}الأنعام87 ، راجع ما ذُكر في ملاك الإمامة وآياتها في صحيفة الثقلين أو الكتب المختصة بالإمامة ، ويكفيك مراجع آية المباهلة وما قبلها لتعلم كيف تسلسل الله في بيان دينه من أبو الأنبياء إبراهيم حتى نبينا وآله وبين سبيلهم الحق وصدقهم المطلق .

ذرية بعضها من بعض أو أخواتهم وعبر عن اجتبائه لهم وهو اصطفاهم بعلم وذكر لهم مواصفات حتى جعلهم أئمة ، ليعرفهم بالناس ولا يضلوا ويتخبطوا في كل جهة ويأخذوا دين الله من كل مدعي ، فالله بعنايته بدينه وعباده لكي يعرف أختار العائلة المطهرة للنبي من خديجة وفاطمة وعلي والحسن والحسين والمعصومين من ذريتهم فاصطفاهم وكرمهم قبل الدنيا وفيها وبعده ، فجعلهم نور واحد ودين واحد ومجد واحد ومقام واحد ، وجعل لهم كل فضل وخير وبركة في الوجود ونعيم منهم ومنهم يؤخذ .

 ولو صرف الإنسان في غير سبيل أئمة الحق علي وآله وعدم إطاعة دينهم ، كل ما فضله الله به من الرزق والصحة والمال والحلال ، يكون نعيم الله الدنيوي وبال عليه لأنه يكون في معصية الله يصرفه ، ويخرجه في نصر الباطل المعادي للنبي وآله ودين الله ، وينفقه ليكون حسرات عليه لأنه في طريق الضلال ، ويكون بنعم الله يعصي الله ، وأنى هو ممن يكون مهتدي بعلي وآله بعد النبي ، والذي يكون كل مال بل كلامه وكتابته التي تنصر دينهم هي طاعة لله وعبادة خالصة له تعالى .

 لأنه يذكر مجد الله وفضله ودينه الحق ، ويعبده خالص من كل شرك جعله أعداءهم في الدين ينبع من أهوائهم التي خدعوا بهم الناس ، فحاربوا أئمة الحق والهدى من آل محمد بكل سبيل حتى أبعدوا الناس عنهم ، بل حرموا ذكرهم والحديث عنهم وجعلوه شرك ، مع أنه أول الطريق الذي يوصل لمعرفة الله ودينه ومجده وفضله والتلبس به وتحصيل نعيمه الخالد على الحقيقية .

ولكن لله في خلقه شؤون ويريد الجد في معرفة والإخلاص بدينه الحقيقي عند النبي وأئمة الحق في عبادته بتعالميهم فقط دون خلط لهم بأعدائهم فضلا عن هجرهم والتعبد له بضلال أعدائهم ، وهيهات أن يحصل على دين الله ونعيمه الذي لم يعرف النبي وعلي وآله الذين شرفهم الله بدينه وبكل كرامة وشرف ومجد ، وخصه بمن يعبده بدينهم ولم يخلطهم بغيرهم الذين ليس لهم فضيلة ولا كرامة إذا عادوهم وحاربهم بأي سبيل سنان أو لسان أو قلم أو كتابة ، أو حرمة السلام عليهم عند مراقدهم أو أي سبيل يمنع من معرفة الحق وأهله ، هذا .

 

وخلاصة الكلام : إن من يتدبر حكمة الله في الوجود وسيرته في تفضيل عباده وسنته في جعل دينه عند الأنبياء وآلهم وأوصياهم وشيعتهم المخلصين الذين يظهرون بكل فخر ومحبة دينهم ومجدهم ، ويذكروهم بكل شرف حسن كريم ويدينون بدينهم ، يعرف بحق المعرفة إن أفضل كرامة أكرمها الله تعالى ، فهي لهم و قد خصهم الله لما أخلصوا لطاعته وحب ما أمر به سبحانه من الحديث والذكر الذي ينفع المؤمنين ، وهو ذكر وحديث يدخل النعيم وكرامة الله وفضلها ومنازل الشرف والمجد في أعلاها وأحسنها وأتمها وأكملها .

ولهذا يكون مع أئمة الحق شيعتهم ومن ودهم وأخلص المحبة في الحديث عنهم ، وذكر دينهم بكل سيرة وسلوك وتصرف لهم ، لأنهم رجال بيت رفعه الله بذكره ولم يلههم مله عن تعليم دين الله ومعارفه حسب ما عرفت في آيات النور ورجال البيت المرفوع .

وهذا وبعد إن عرفنا قسم من مناقب ومكارم الإمام علي في آله كلهم ، وقبل أن نذكر خصائصه الخاصة به بنفسه ، نذكر بعض أحاديث الولاية والإمامة وضرورة التقيد بها كلها والتسليم لها حتى نكون بجد قد سلمنا الدين لله ولرسوله ، ونكون مسلمين بكل إيمان لما أمرنا الله من معرفة أئمة الحق وذكره والتذكير بهم ومعرفة دينهم ، ويكون الباب الآتي والذي بعده يعرفنا نتيجة ما نذكر من المكارم والفضائل التي تبين شرف علي وآله آل النبي الكريم الذين اتحدوا معهم بالنسب والسبب والفضل والمناقب ، لأنه يصب في ضرورة التسليم لهم .

 فنذكر كما ذكرنا هنا بأحاديث أخرى في الباب الآتي قسم من مكارمهم التي حدث عنها نبي الرحمة والنور والسراج المنير عن آله الطيبين الطاهرين بصورة عامة ، وهي أيضا من خلال بيان مكارم آل علي الذين هم آل النبي ، وهي وقد تختص ببيان لولايتهم وإمامتهم لما بان لنا من شرفهم ومجدهم وإخلاصهم وسبب ما اصطفاهم الله به وأختارهم .

 و بها نعرف أنه أين ما ذكرنا الإمام علي عليه السلام في مراتب الوجود أو في تأريخ الدين أو في آله أو خصاله الخاصة وصفاته ، فهو صاحب الشرف والكرامة والمجد والدين والولاية والإمامة والخلافة لرسول الله دون من منع حقه وحق آله ، بل حرم نفسه وأتباعه من معرف الذكر الحق لله ورسوله ، ومعرفة دينهم الحق والحديث عنه حتى يعبد الله بحق المعرفة التي فرضها على عباده ، والتي جعلها خاصة بهم وبأوليائهم الذين بذلوا كل جهدهم في معرفتهم وذكرهم والحديث عنهم ، حتى أخذوا دينهم منهم بكل يقين لعلمهم ومعرفتهم بشرفهم ومجدهم وما فضلهم الله به من كل نعيم هدى ودين وكرامة نزلت من رب العالمين .

وأسأل الله أن يهدينا للصواب في معرفة النبي وآله بحق المعرفة ويمنع عنا كل كلمة من غير تعاليمهم ودينهم ، ويحشرنا معهم في الدنيا والآخرة ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعن الله من عادهم وحاربهم ومنع من معرفة أئمة الدين الحقيقيين الصادقين المصدقين ، ورحم الله من قال آمين .


الهي بحق علي وأخيه وآلهم الطيبين الطاهرين اسقني من حوضهم واجعلني وكل الطيبين نحف بهم تحت لواء الحمد وفي كل مكان كرمتهم به في الجنة إنك أرحم الراحمين
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين  

إلى الأعلى علاك الله بإخلاص له بدين أمير المؤمنين الحق علي عليه السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام