الولاية

 

بحث حول الولاية من وحي القرآن

(مقدمة لعلم تفسير القرآن)

 

 

تأليف

سماحة آية الله المعظم المولى

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الأحقاقي

 

(1347- 1424هـ)

 

تحقيق

الحاج علي العسيلي العاملي

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

 

 

 

الولاية

 

بحث حول الولاية من وحي القرآن

 

 

 

(مقدمة لعلم تفسير القرآن)

 

 

 

تأليف

سماحة آية الله المعظم المولى

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الأحقاقي

 

(1347- 1424هـ)

 

 

تحقيق

الحاج علي العسيلي العاملي

 

 

الجزء الأول

 

 

 

 

 

 

 

اسم الكتاب :  الولاية

    المؤلف :  آية الله المعظم المولى

              الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي

   المحقق :  الحاج علي العسيلي العاملي

    الناشر :  مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع

              مؤسسة شمس هجر

    الطبعة :  الثانية

   التاريخ :  1427هـ .2006م

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال الله تبارك وتعالى :

إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.

                                                                                         المائدة :55

 

قال الله تعالى في الحديث القدسي:

ولاية علي حصني فمن دخل حصني أمن عذابي .

                                                                           مشارق أنوار اليقين : ص24

 

 

قال رسول الله(ص) :

(من كنت وليه فعلي وليه)

                                                                            منتخب كنز العمال :5/30

                                                   

 

قال رسول الله (ص) :

(من كنت مولاه فعلي مولاه)

                                                                              مسند أحمد 1/231     

 

 

 

 

 

 

عن سعيد بن جبير ,عن ابن عباس,رضي الله عنهما, قال:

                  قال رسول الله (ص)

يا علي ! أنت صاحب حوضي ,وصاحب لوائي , وحبيب قلبي ووصيي , ووارث علمي , وأنت مستودع مواريث الأنبياء من قبلي وأنت أمين الله على أرضه , وحجة الله على بريته , وأنت ركن الإيمان , وعمود الإسلام , وأنت مصباح الدجى , ومنار الهدى , والعلم المرفوع لأهل الدنيا . يا علي! من اتبعك نجا , ومن تخلف عنك هلك , وأنت الطريق الواضح , والصراط المستقيم , وأنت قائد الغر المحجلين , ويعسوب المؤمنين وأنت مولى من أنا مولاه , وأنا مولى كل مؤمن ومؤمنة , لا يحبك إلا طاهر الولادة , ولا يبغضك إلا خبيث الولادة , وما عرجني ربي عز وجل إلى السماء , وكلمني ربي إلا قال :

يا محمد!  اقرأ عليا مني السلام , وعرفه أنه إمام أوليائي ونور أهل طاعتي , وهنيئا لك هذه الكرامة!

 

                                                                            (ينابيع المودة :1/132)

 

 

 

 

الإهداء

 

إلى روح أمي الطاهرة ....

إلى التي ربتني في أحضان الدين ...

إلى التي مزجت روحي وجسمي بحليب المحبة والولاية ...

إلى التي أنارت حياتي بمحمد(ص) وآل محمد(ع) , وعودت لساني على ذكر الأئمة الأطهار الفضل , والفخر والعظمة .

إلى التي عصمت روحي بحبل محبتهم وولائهم ...

إلى التي ما عرفت أنفاسها المباركة إلا حبهم , وهو آخر ما أخذته من الدنيا ...

إلى التي فارقت الحياة , وشوق عظيم , وحنين دافق يشدانها إلى لقائهم , فكانت مع من أحبت , مباركة مع الأبرار والصالحين ...

 

 

إليك  يا أمي الطاهرة أهدي ما كتبت راجيا فضل المشاركة في الأجر والثواب !

 

 

 

 

 

 

 

 

إنما يخشى الله من عباده العلماء

       سماحة آية الله المعظم الفقيه المولى الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي

 

 

 

نبذة من حياة المؤلف

 

1- نسبه :

             هو الميرزا عبدالرسول ابن العبدالصالح , والإمام المصلح , آية الله العظمى , المرجع الديني الكبير , الحاج ميرز حسن الإحقاقي الحائري الأسكوئي , ابن العلامة الكبير والمرجع الديني , آية الله العظمى , الحاج ميرزا موسى الإحقاقي الحائري الأسكوئي , ابن فقيه عصره , ووحيد دهره , وسلمان زمانه , الجامع للمعقول والمنقول , والحاوي لفروع والأصول , الحكيم الإلهي , والمرجع الديني , المولى الميرزا محمد باقر الأسكوئي , ابن العالم العالم , والفقيه الكامل , المجاهد في سبيل الدين , والمروج لأحكام سيد المرسلين , والناشر لفضائل الأئمة المعصومين , صلوات الله عليهم أجمعين , الآخوند محمد سليم الأسكوئي , أعلى الله مقاماتهم .

عرف علامتنا , واشتهر باسم : عبدالرسول الحائري الإحقاقي الأسكوئي , خادم الشريعة الغراء , وناشر فضائل الأئمة الميامين الأطهار , صلوات الله عليهم في الأدوار والأكوار .

وهكذا نرى أن سماحته تسلسل من والد ماجد , وعم كبير , وأجداد سابقين , كانت حياتهم مليئة بالفخر والشرف , والعلم ونخص بالذكر , زعيم الأسرة الأكبر , سماحة العالم العامل , المجاهد في سبيل الدين , الآخوند محمد سليم الأسكوئي ( قدس سره ) .

 

2- ولادته :

        ولد , حفظه المولى , في ( العشرين من مهر عام  1307هـ. ش/ الموافق للثاني عشر من شهر تشرين الأول عام 1928 م ) , في مدينة الكويت , وسط أسرة تميزت بالعلم والتقوى , وولاية ومحبة أهل بيت العصمة (ع) , واختار والده اسمه (عبدالرسول) على أمل أن يكون مستقبلا من خدمة الدين المقدس للرسول الأكرم (ص) .

 

·       إلى (كربلاء) :

            وحمله والده عبر طريق الخليج , وشط العرب , إلى كربلاء المقدسة , وهي محل التقاء أهل الولاء , ولم يكن آنذاك , قد اجتاز العشرين يوما من عمره , فألفت مشامه وحواسه عطر التربة الحسينية المقدسة , وترعرع وجوده وكيانه في تلك التربة الطاهرة , إلى جانب ماء الفرات .

كان والده الجليل دائم السفر بسبب مهماته التبليغية الدينية , لذلك فإن والدته تكفلت بتربيته , وأشبعت جسمه وروحه بحنانها الدافق , وعطفها الزائد , ولبن محبة أهل البيت (ع) وولايتهم , منذ لحظات حياته الأولى .

 

·       إلى (أسكو) :

        انتقل مع والده الجليل (عام 1312هـ. ش/ 1933 م) إلى (أسكو) إحدى مناطق (آذربيجان) لأن والده كلف من قبل سماحة العلامة ميرزا محمد باقر المشهور بـ (ميرزا آغا) للتبليغ الديني في المنطقة المذكورة انطلاقا من (أسكو) .  وكان علامتنا في الخامسة من عمره , وما أن بلغ السادسة , حتى عين له والده , السيد أحمد مدرس فسقنديسي , ليعلمه القران الكريم , وبعض المقدمات , وقد وفق العلامة , وخلال عدة أشهر , إلى تعلم قراءة القرآن الكريم , ومعرفة جوانب من أصول الدين والمذهب , والواجبات والمنهيات , والضرورات من الشرع المطهر , بفضل جهود ذلك الأستاذ الجليل , رحمة الله عليه .

 

·       الطفولة البريئة :

    ولقد تميز سماحة العلامة بحبه للآذان , حيث كان يصدح فيه في الأوقات الشرعية المحددة .  ومن ذكرياته الجميلة , عن تلك الفترة التي كان يقيم فيها الأذان , وعمره لم يكن يتجاوز السادسة , أنه في إحدى المرات , وعندما وصل إلى الشهادة الثانية , وبدلا من أن يقول : (أشهد أن محمدا رسول الله) , قال : (أشهد أن محمدا كاظم الله) !

وبعد أن سمع والده الجليل هذه الفقره خاطبه معترضا ومستغربا :

-        لماذا تقيم الأذان اليوم بهذا الشكل ؟

-        ولماذا قلت (كاظم الله) بدلا من أن تقول (رسول الله ) ؟

فأجابه علامتنا – حفظه المولى :

-        أبي العزيز ! ليس من الإنصاف أن يرد إسمي (رسول) في الأذان دوما , فأردت هذه المرة أن أذكر اسم أخي (كاظم) .

لقد كان يرغب بتفكيره الطفو لي البريء أن يشيع المساواة بينه وبين أخيه , ويواسيه بهذا الشكل , علما أن أخاه العزيز الحاج أحمد , كان يعرف بـ (كاظم) ! !

 

·       تلميذ في المدرسة :

         إجتاز الصفوف الإبتدائية الثلاثة الأولى في مدرسة (شابور) في (أسكو) مكان إقامة والديه .  وبعد أن أنهى تلك الصفوف , دخل في درس خاص آخر , ومن نوع آخر , تحت إشراف جدته لأمه , وكانت سيدة جليلة عالمة , حنونة مفكرة , مثقفة ولها إلمام كامل وتام بقراءات القرآن الكريم , وتفاسيره , وآثار وأخبار أهل بيت سيد المرسلين (ص) .  كما كانت تحفظ تفاصيل تاريخ الأنبياء الماضين .  هذه السيدة كانت تستقبل علامتنا , وتلقنه مختلف العلوم والمعارف , بلغة فارسية فصيحة , كما كانت تضمن أحاديثها تلك مبادئ الواجبات والمحرمات لأحكام الشريعة المقدسة , مما ترك أثرا بالغا في أسسه العقائدية , وكانت توصيه دائما بالحذر من الوعاظ المزيفين , والمتلبسين برداء علماء الدين من العاطلين اللاهثين وراء الفتن والمصالح الشخصية البغيضة .

 

·       إلى ( كربلاء) :

           في السنة العاشرة من عمره , وفق برفقة والده وأفراد الأسرة , في السفر إلى كربلاء المقدسة في العراق , حيث أقاموا عند جده الجليل سماحة آية الله الحاج ميرزا موسى , وأنهى الصف الإبتدائي الرابع في المدرسة ( الحسينية الإيرانية ) , في كربلاء .

      وكان بالإضافة إلى ملازمة دروسه والجد والاجتهاد فيها , يقضي أوقات فراغه عند سماحة جده الأمجد , يحضر مجالسه المباركة , حيث كان آنذاك مرجعا وصاحب التقليد الواسع بين أبناء الشيعة من العرب والعجم , وكان يحفظ الشيء الكثير من ينابيع حكمته وفضيلته .

 

·       إلى (أسكو) :

      وفي أوائل عام ( 1320هـ. ش/ 1941م ) انتقل من كربلاء المقدسة إلى (أسكو) في إيران الثانية , ولما كان في (ﮔرﮔان) مع والده , شهد هجوم الروس على إيران , وذلك نهار الثالث من شهري ود عام (1320هـ. ش/25 آب 1941 م) , حيث قصفت الطائرات الحربية مدينة ( تبريز) , وعددا آخر من مدن (آذربيجان) , واحتلت قواتهم جميع طرق المواصلات والقواعد العسكرية , والمعسكرات في المنطقة, مما أدى إلى قتل وإصابة العديد من أبناء البلد الأبرياء والمظلومين , وذلك ترك أثرا عميقا في أنفاس علامتنا الطيبة .

فعاد الجميع من (ﮔرﮔان) عبر طرق ومسالك وعرة , ومرحلة شاقة , إلى (أسكو) وكان قد احتلها الروس , ومارسوا فيها أبشع الجرائم , وبالطبع كان يسمع علامتنا ببعضها , كما كان يشهد فصول بعضها الآخر .

 

·       إلى (مشهد) :

            لم تستطع العائلة البقاء في هذا الجو الموبوء بالجرائم والأعمال الوحشية المختلفة في (أسكو) حيث أقاموا في زقاق (كبندسبز) .  وكانت بداية الحرب العالمية الثانية .

وفي تلك الأثناء اجتاز العلامة الصفين الخامس والسادس الإبتدائي , بتفوق كبير في مدرسة (ابن يمين) الإبتدائية , في (مشهد) , وكان يرغب كثيرا في دخول المرحلة الإعدادية الثانوية , ويواصل تحصيله العلمي , للوصول إلى الشهادات الجامعية .

 

 

 

·       إلى (الكويت) :

           ولكن في عام (1322هـ. ش/ 1943 م) , أصر , جمع من الزائرين للمدينة المقدسة على والده الماجد , أن ينتقل معهم إلى الكويت , فلبى دعوتهم قبل افتتاح المدارس , وتركت العائلة الطاهرة مجددا مدينة (مشهد) المقدسة , تحت ظروف قاهرة , متجهين إلى الكويت .

استقبل العالم الكبير وعائلته المبجلة , في الكويت , استقبالا حافلا , وراح يمارس والده مهماته التبليغية الدينية على أكمل وجه , وبعد ذلك توجه إلى الحج برفقة مجموعة من الكويتيين والأحسائيين الذين دعوه إلى زيارة الأحساء , بل الانتقال إليها , والإقامة فيها رغبة منهم في الانتفاع بدعواته , وتبليغاته , وعلومه .

 

·       إلى (الأحساء) :

           وانتقلت العائلة مجددا , سالكين طريقا صحراوية قاسية , حيث وصلوا إلى الأحساء , فاستقبلتهم جموع المشتاقين والمحبين في بلدة (عين نجمة) ثم إلى (الهفوف) في منطقة (الهجر) إحدى المناطق الرئيسية الثلاثة في المملكة العربية السعودية . والجدير بالذكر أن (الهفوف) تجاور قرية (مطيرفي) مسقط رأس سماحة الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي – أعلى الله مقامه- .

وعلى الرغم من أن علامتنا كان آنذاك , وفي تلك الفترة , منشغلا في دراسة المقدمات , إلا أنه بسبب حبه وتعلقه بالموضوعات المرتبطة بأهل بيت العصمة (ع) , ورغبته في كسب المعارف الدينية , فقد دأب على حضور مجلس الدرس في الحوزة العلمية التي أنشأها والده في (الهفوف) , والتي كانت تدرس السطوح , والبحث الخارج في الفقه , والأصول , ونصوص الحكمة لآل محمد (ع) .

وعين والده الماجد – حفظه المولى- حضرة الشيخ الأجل أحمد أبي علي الأحسائي , مدرسا لعلامتنا , فانشغل بتحصيل العلوم الدينية , والمعارف الإسلامية , تحت إشراف هذا الأستاذ الجليل , وأبرز تقدما ملحوظا في مراتب التحصيل العلمي , بحيث لم تمض سوى فترة وجيزة على دراسته , حتى اقترح أستاذه الجليل الأحسائي على سماحة والده الماجد , أن يشرفه بزي علماء الدين .

 

·       الشيخ عبدالرسول :

              وفي ليلة الثالث من شعبان (عام 1323هـ . ش) , ليلة ولادة خامس آل الكساء , عليه آلاف التحية والثناء , حيث كان أهالي الأحساء قد أقاموا في تلك الليلة حفلا بالمناسبة السعيدة , حضره عدد كبير من العلماء , والفضلاء , وعموم الناس , بادر سماحة والده الماجد , وأمام تلك الجموع , إلى تشريفه العلني بالزي المقدس لعلماء الدين .

 

 

·       إلى (الكويت) :

           لبثت العائلة في بلدة الأحساء عاما واحدا , تعلم خلالها علامتنا وأخوته , اللغة العربية الفصيحة , وأتقنوها , ثم بعد هذه السنة تركوا البلدة الطيبة , متجهين إلى الكويت , حيث أكمل تحصيله لعلوم المقدمات , والصرف والنحو , والمنطق .

 

·       إلى (كربلاء) :

             بعد مدة ليست طويلة , عادت العائلة إلى بلدة كربلاء الطيبة , وواصل علامتنا تحصيله العلمي هناك , على يد والده الماجد , وعلامة آخر هو الشيخ محمد علي الخرساني , في (المدرسة الهندية) في كربلاء , كذلك كان يدرس على يد السيد جعفر التبريزي في (مدرسة الترك) , حيث انشغل بإكمال الدورة الأولى من مقدمات الأدب العربي , مع طالب فاضل , آخر , هو الشيخ محمد جواد خسروشاهي .

 

·       إلى (مشهد) :

            بعد فترة من الإقامة في كربلاء المقدسة , عزم سماحة والده الماجد , على السفر إلى إيران مجددا , و إلى (مشهد المقدسة) بالتحديد , وكان ذلك بالفعل , حيث درس علامتنا في (مدرسة خيرات خان) عند العلامة الجليل أديب نيشابوري , كتاب (مغني اللبيب) , في علم النحو , وكتاب ( المطول) , في علم المعاني والبيان البديع .  وكذلك فقد درس في (مدرسة نواب) , عند العلامة الكبير سماحة آية الله ميرزا جعفر زاهدي , حيث درسه (شرح المنظومة) , للحاج ملا هادي سبزواري , فضلا عن دراسة علم المنطق والحكمة .  كما درس تفسير القرآن الكريم عند المفسر القدير محيي الدين مهدي الهي قمشه إي , صاحب (خلاصة التفاسير) المعروف .  وكذلك درس علم العرفان عند الخطيب , والعارف الفريد , كمالي سبزواري , ودرس الأصول , والفقه , وحكمة أهل البيت (ع) مجددا, عند سماحة والده الماجد .

وفي تلك الأثناء , أثمرت دراسته تلك عن كتاب صنفه وطبع مستقلا باللغة الفارسية , ووزع في أنحاء إيران بعنوان (نامه شيعيان/ رسالة الشيعة) , وأعيد طبعه ثلاث مرات , ثم ترجم هذا الكتاب إلى اللغة الإنجليزية , كما أنه طبع طباعة فاخرة في (أمريكا) , كما أنه عرب وطبع في بيروت , ووزع بإسم (رسالة الإيمان) , ويعتقد أنه طبع أيضا باللغة الأردية في (باكستان) .

 

·       إلى (تبريز) :

            بعد مرور عامين على إقامة علامتنا مع عائلته في مدينة (مشهد المقدسة) , وحضوره الدائم في مجالسها وحوزاتها العلمية , واستفادته من دروس العلماء الأعلام , والأساتذة الأجلاء , أصر أعيان (تبريز) على عودة والده الماجد معهم , من أجل إحياء مسجد (ﭽﻫﻝ ستون حجة الإسلام) , الذي كان قد أغلق من فترة , والعمل على تنشيط مدرسة (صاحب الأمر العلمية) التي كادت أن تفرغ من الطلاب , إضافة إلى معالجة المشاكل العلمية والدينية التي كانت تواجه الناس هناك .

وصل الوالد مع العائلة المباركة إلى مدينة (تبريز) , وتسلم رعاية مسجد (ﭽﻫﻝ ستون حجة الإسلام) , وهو أكبر مسجد في المدينة , وقد شرح علامتنا قصة المسجد المذكور في مقدمة كتاب (صحيفة الأبرار) للمرحوم محمد تقي حجة الإسلام المتخلص بـ(نير).

رممت مدرسة (صاحب الأمر عليه السلام) بمساعدة بعض القادرين من الفضلاء الأخيار , وفتحت أبوابها لاستقبال الطلبة من جديد , وكلف سماحة العلامة المعظم ميرزا حسن الإحقاقي ولده علامتنا , بمهمة إدارة المدرسة , والإشراف عليها , فانشغل في تدريس وإعداد ذلك الشباب المؤمن , طبقا لنظام ومخطط علمي مدروس , وفي الوقت نفسه واصل دراسته العلمية :

 

 

3- دراسته :

·       تابع دراسة علم المعاني , والبيان , والبديع , في (المطول) , على يد الشيخ علي أكبر النحوي التبريزي .

·       كما أنه أنهى دراسة علم التفسير , وكتاب (شرح الفوائد) , و(شرح الزيارة الجامعة) للأحسائي .

·       ودورة كاملة في الفقه والأصول لدى المحضر المبارك لوالده الماجد .

·       ودرس كتاب (معالم الأصول) , و(شرح اللمعة الدمشقية) , في محضر سماحة آية الله ثقة الإسلام .

·       أتم دراسة كتاب (مغني اللبيب) , و (شرح منظومة السبزواري) , في محضر سماحة العالم الرباني ميرزا محمد جواد عميد الإسلام .

·       ودرس كتاب (المكاسب) للشيخ الأنصاري , في محضر سماحة آية الله السيد مهدي آنكجي , وسماحة آية الله ميرزا عبدالله مجتهدي سرابي .

·       ودرس كتاب (شرح منظومة السبزواري) مرة أخرى , و (رسائل الشيخ الأنصاري) , وقسما من البحث الخارج في (العروة الوثقى) للسيد كاظم يزدي (قدس سره) , و(جامع المعقول والمنقول) في محضر العلامة السيد مرتضى المستنبط الغروي .

·       ودرس كتاب (قوانين الأصول) , و (شرح الباب الحادي عشر) , في محضر سماحة الشيخ ميرزا جعفر شيخ الأئمة.

·       ودرس كتاب (الأسفار الأربعة) لملا صدرا , والبحث الخارج في (تبصرة العلامة) , في محضر سماحة السيد إبراهيم العلوي الخوئي .

·       ودرس كتاب (كفاية الأصول) للآخوند الخراساني , في محضر سماحة السيد مرتضى المستنبط الغروي .

·       وكان يحضر في الحوزة العلمية , لسماحة الحج ميرزا فتاح شهيدي , وسماحة العلامة ميرزا زنوزي , للإستفادة من درس البحث الخارج في أصول الفقه .

ومن الجدير بالذكر أن الأساتذة الكبار الذين نال شرف التتلمذ على أيديهم , كانوا من العلماء الذين درس معهم في (النجف الأشرف) , وفي (قم) , حيث سبقوه في التحصيل العلمي , كما أن الدروس التي كان يتلقاها منهم , كان يعيد تدريسها لأعداد كبيرة من طلبة العلوم الدينية في مدرسة (صاحب الأمر عليه السلام) , ومسجد (حجة الإسلام) في مدينة (تبريز) .

 

·       وخلال (45 يوما) راجع الجبر , والهندسة , والفيزياء , والكيمياء , والتاريخ , والجغرافيا , واللغة الفارسية , واللغة الأجنبية , وباقي الدروس ... واشترك مع جمع آخر من المتقدمين للإمتحان النهائي , وكان من عداد المتفوقين الممتازين , المتميزين في إنهاء الامتحانات النهائية بنجاح , وكان يستغرق ما درسه  في تلك المدة القصيرة جدا , ثلاث سنوات !!

 

·       بعد هذه الظاهرة تسجل في (مركز آذار الثقافي) , وهو مؤسسة علمية متخصصة , وكان يحضر في المساء دروس الصفين العاشر والحادي عشر من المرحلة الثانوية حيث أنهاهما بنجاح تام , ولم يترك خلال دراسته الحديثة تلك , مهماته الأخرى التي ألقيت على عاتقه , فراح يبلغ مهماته الدينية في (تبريز) , و(أسكو) , و(ميلان) , و(خسروشاه) , و(فسقنديس) , و(خسرق) , و(باويل) , و(ﮔرﮔان) , و(دستجرد) , و(فيروز سالار) , و(ديزج) , و(شيرامين) , و(كجاباد) , وغيرها .

 

·       زواجه :

وفي عام (1329 هـ. س/ 1950م) , وباقتراح من والديه المحترمين , اقترن بامرأة صالحة تنتسب إلى أحد أخيار وسادات تلك الديار , وهي إبنة السيد آقا فرقاني أسكوئي , من السادة الأجلاء الأسكوئيين .

 

·       إلى (العراق) :

      وفي عام (1331هـ . ش/1952م) تحرك برفقة والدته المرحومة , من (تبريز) نحو العراق , لزيارة كربلاء المقدسة , وباقي العتبات المشرفة هناك , وقد مكث حوالي خمسة عشر يوما في (طهران) , لإعداد بعض مقدمات الرحلة , فعلم أن امتحانات الدخول إلى (كلية علوم المعقول والمنقول) في (جامعة طهران) ستقام بعد عدة أيام , فاشترك في تلك الامتحانات , وغادر إلى كربلاء المقدسة .

وأثناء إقامته القصيرة في كربلاء المقدسة , بقصد الزيارة , أجازه عمه سماحة آية الله ميرزا علي آقا الحائري الإحقاقي , أعلى الله مقامه , بإجازة الإجتهاد , والدخول في سلسلة رواة أحاديث أهل البيت الأمجاد , عن طريقه , وذلك بعد أن امتحنه في علوم الأصول , والفقه , والحكمة الإلهية , وباقي المعارف الإسلامية , والمصادر الدينية , والمذهبية .

 

·       إلى (إيران) :

      وبعد المكوث القليل نسبيا في كربلاء المقدسة , والإستفادة من مجالس وأحاديث عمه الجليل , ومجالس درس البحث الخارج للمرحوم السيد عبد الهادي الميلاني , عاد ثانية إلى (إيران) , وما أن وصل إلى (طهران) حتى أخبره ابن عمه السيد رائد بالبشرى , وهي قبوله بدرجة (ممتاز) في (كلية العلوم المعقول والمنقول) , وسجل في تلك الكلية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

       * أمضى العلامة ميرزا عبدالرسول الإحقاقي , مدة ستة أعوام متنقلا بين (طهران) , و(تبريز) , حتى تمكن من إنهاء المرحلة الجامعية , ونال الشهادات العلمية في الوعظ , والتبليغ الإسلامي , واللغة والأدب العربي , والعلوم القضائية , وعلم النفس , وتفسير القرآن الكريم , والطبقات الكبرى من علم الحديث , والمعقول والمنقول , على يد علماء ومفكرين كبار في إيران آنذاك , أمثال : العالم والمفسر حسين علي راشد , وسماحة العلامة الشيخ مرتضى الحائري , ونجله المرجع الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي , وسماحة آية الله حليم شيرازي , وسماحة آية الله ميرزا يحيى نصيري نوري , والعالم الجليل الشيخ محمد عبده , والأستاذ القدير بديع الزمان نروزانفر , ومدون الحقوق المدنية في إيران المرحوم صدر الأشراف , والدكتور ناظر زاده كرماني , والدكتور مهدي حميدي , والدكتور ناصر الدين صاحب زماني , والدكتور أمير حسين آريانبور , والدكتور شهريار باكستاني , والدكتور محمود شهابي , والدكتور محمود نجم آبادي , ومير جلال الدين حسيني محدث أرموي , والدكتور مهدي جلالي , والدكتور عبد الحميد بديع الزمان , والدكتور عبدالحسين زرين كوب , والدكتور فرديد , والسيد محمد باقر سبزواري , والدكتور كونيلي , والدكتور إسلامي , وغيرهم ...

 

4- إجازته :

      وهكذا بعد تتلمذه على كبار العلماء , حصل على الإجازات الشاهدة بفضله , وعلمه , وبلوغه مرحلة استنباط الأحكام الشرعية , من أدلتها التفصيلية , فأجازه كل من العلماء :

(أ‌)                      سماحة الإمام المصلح المرجع المعظم الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي .

(ب‌)                 سماحة آية الله المعظم الحاج ميرزا علي الحائري الإحقاقي .

(ج) سماحة آية الله المعظم الحاج ميرزا فتح الله ثقة الإسلام .

(د) سماحة آية الله المعظم الحاج زين الدين جعفر الزاهدي .

(هـ) سماحة آية الله المعظم الحاج السيد إبراهيم علوي الخوئي .

(و) سماحة آية الله المعظم الحاج ميرزا عبدالله ثقة الإسلام .

(ز) سماحة آية الله المعظم الحاج السيد مرتضى المستنبط .

(ح) سماحة آية الله المعظم الحاج ميرزا خليل كمره ئي .

 

 

5- نشاطاته العامة :

وفي عام (1340هـ . ش/ 1961م) غادر والده الماجد مدينة (تبريز) بشكل نهائي إلى الكويت , وفوض علامتنا المؤلف . إدارة أمور تلك المنطقة الواسعة , وحمله عبء مسؤوليتها طوال أربعين عاما , فاستطاع تأدية الكثير من المهمات , والقيام بالكثير من الأعمال , أهمها :

1-تأسيس مجلس تفسير القرآن الكريم , ونشر فضائل وآثار آل محمد (ع)  , وكان هذا المجلس يعقد مرة واحدة في الأسبوع (عصر يوم الجمعة) وبدأ العمل بهذا المجلس منذ عام (1324هـ . ش/ 1945م).

2-تأسيس مجلس درس حكمة آل محمد (ص) , وكان يقام صباح كل يوم جمعة في مسجد (حجة الإسلام) المبارك في مركز مدينة (تبريز) .

3-تأسيس مجلس تفسير القرآن الكريم , ونشر أحكام وفضائل أهل بيت النبوة , وكان خاصا بسيدات (تبريز) , وكان يعقد في عصر يوم  الخميس .

4-تأسيس مجلس تفسير القرآن , ويختص بنساء مدينة (أسكو) , ويقام عصر يوم الأربعاء في (مسجد حاج قربان) في مدينة (أسكو) .

5-تأسيس مجلس تفسير القرآن الكريم , ونشر أحكام وفضائل أهل بيت النبوة (ع) , وكان يقام في ليلة الخميس من كل أسبوع .

6-درس خاص لقرءاة وتجويد وحفظ وتفسير القرآن الكريم , وشرح المسائل الفقهية , ويقام صباح يوم الجمعة من كل أسبوع (قبل تشكيل مجلس الدرس في مسجد حجة الإسلام ) وكان يقام في منزله – حفظه المولى – ويشارك فيه عدد من سيدات (تبريز) .

7-تأسيس مجلس متنقل لقراءة وتفسير القرآن الكريم , ونشر أحكام ومناقب أهل بيت العصمة (ع) , ويقام ليلة الإثنين في المناطق المختلفة في ضواحي (تبريز) , والقرى المحيطة .

8-برنامج خاص لعلماء وفضلاء الحوزة العلمية , ومدرسة (صاحب الأمر ) المباركة , وكان هذا البرنامج ينفذ مرة في كل شهر , ويقام في إحدى القرى المحيطة بمدينة (تبريز) , ويشارك فيه جمع من علماء , وخطباء , وفضلاء الحوزة العلمية .

9-البرامج الدينية الواسعة التي كانت تقام في شهر رمضان المبارك في مدينة (تبريز) وضواحيها .

10-        البرامج الواسعة والعظيمة التي كانت تقام خلال أيام شهر محرم الحرام , وتستمر حتى اليوم الثاني عشر منه , وتقام يوميا عند العصر في مسجد (ﭽﻫﻝ ستون حجة الإسلام) , في مدينة (تبريز) .

11-        إقامة مراسم صلاة الجماعة في مسجد (ﭽﻫﻝ ستون حجة الإسلام) , وكانت هذه المراسم تقام يوميا بإمامته –حفظه المولى- في أوقات الفرائض .

12-        تدريس طلاب العلوم الدينية في مدرسة (صاحب الأمر) المباركة , ودروس الأدب العربي , وعلوم : الأصول , والفقه , والمنطق , والتفسير , والحكمة , وغيرها ... وكانت هذه الدروس تقام يوميا من الصباح وحتى الظهر .

13-        دروس بحث الخارج في الفقه والأصول التي كان يعطيها بين أعوام (1355-1357هـ . ش/  1976- 1978م) في مسجد ( حجة الإسلام) العظيم .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·       نشاطاته الثقافية :

       أنشأ مؤسسة باسم (مكتب شيعيان تبريز) , وكان يتعهد بالإجابة على المسائل الشرعية للناس , وتأليف , وطبع , ونشر الكتب , الدينية المختلفة , والرسائل الدينية والمذهبية , وقد صدر عن المؤسسة تلك :

1-                                    طبع الرسالة العلمية المباركة (منهاج الشيعة) : تأليف سماحة عمه الجليل الحاج ميرزا علي آقا الإحقاقي الحائري الأسكوئي – أعلى الله مقامه- .

2-                                    طبع ونشر كتاب (نامه شيعيان/ رسالة الشيعة) , وهي رسالة استدلالية : تأليف سماحة والده الماجد الإمام المصلح الحاج ميرزا حسن آقا الإحقاقي الحائري الأسكوئي –حفظه المولى- وأعيد طبع هذا الكتاب ثلاث مرات .

3-                                    طبع ونشر (شرح منظومة القدوسي) : تأليف العالم مير فتاح قدوسي تبريزي .

4-                                    الرسالة الحجتية : تأليف العلامة ميرزا محمد حسين حجة الإسلام , وألفها تلبية لطلب أهالي وشيعة (القفقاز) , وجوابا على مسائلهم .

5-                                    حقائق الشيعة : من تأليف علامتنا آية الله ميرزا عبد الرسول الإحقاقي الحائري الأسكوئي –حفظه المولى- .

6-                                    كتاب نداء الشيعة , في رجحان ذكر الشهادة الثالثة : من تأليف علامتنا .

7-                                    كتاب برهان الشيعة : تأليف الحاج ميرزا غلام حسين معتمد الإسلام (ره) .

8-                                    إعادة طبع الرسالة المباركة (منهاج الشيعة) .

9-                                    كتاب علم المحجة : تأليف ميرزا محمد حسين حجة الإسلام , وطبع ونشر بناء على طلب المرحوم ناصر الدين شاه القاجاري .

10-                               رسالة الحكمة البالغة : تأليف علامتنا .

11-                               رسالة توضيح الواضحات : وهي أيضا من تأليف علامتنا.

12-                               رسالة كلمة من ألف : تأليف ميرزا غلام حسين معتمد الإسلام .

13-                               إعادة طبع , ونشر كتاب (كلمة من ألف) : تأليف حجة الإسلام ميرزا غلام حسين معتمد الإسلام , رحمة الله عليه.

14-                               طبع ونشر كتاب (نهج المحجة في إثبات إمامة الأئمة الإثني عشر (ع) : تأليف الشيخ علي نقي . والمجلد الثاني باللغة العربية , ويذكر أن المجلد الأول طبع في كربلاء المقدسة .

15-                               طبع ونشر كتاب (منهاج السالكين) : تأليف الشيخ علي نقي , باللغة العربية .

16-                               شرح حياة الأرواح : تأليف ميرزا حسن الشهير بـ (كوهر) , باللغة العربية .

17-                               طبع ونشر الرسالة المباركة (خير المنهج إلى مناسك الحج) : تأليف عمه الجليل ميرزا علي آقا الإحقاقي الحائري الأسكوئي .

18-                               إعادة طبع ونشر كتاب ( صحيفة الأبرار في مناقب المعصومين الأطهار) : تأليف ميرزا محمد تقي حجة الإسلام , المتخلص ب (نير) , باللغة العربية .

19-                               طبع , ونشر كتاب (الإثنا عشريات) : تأليف العلامة بحر العلوم وترجمه إلى الفارسية السيد زين العابدين بن يوسف الحسيني الأسكوئي .

20-                               مقدمة كتاب (صحيفة الأبرار) , وشرح حياة أسرة (حجة الإسلام) الجليلة : تأليف علامتنا , وطبعت ونشرت مع ذلك الكتاب باللغة العربية .

21-                               إعادة طبع وكتابة الهوامش والمقدمة لديوان أشعار سماحة العلامة ميرزا محمد تقي حجة الإسلام : تأليف علامتنا .

22-                               مقدمة لديوان أشعار سماحة العلامة محمد تقي حجة الإسلام .

23-                               إعادة طبع , ونشر ديوان أشعار سماحة العلامة ميرزا محمد تقي حجة الإسلام , مع مقدمة وهوامش بقلم علامتنا .

24-                               إعادة طبع ونشر ديوان أشعار العلامة ميرزا محمد تقي حجة الإسلام , مع مقدمة وهوامش بقلم علامتنا .

25-                               المجلد الأول من كتاب (ولايت أزديدكاه قرآن / بحث حول الولاية من وحي القرآن) : تأليف علامتنا .

26-                               المجلد الثاني من كتاب (بحث حول الولاية من وحي القرآن) : تأليف علامتنا .

27-                               إعادة طبع المجلد الأول من كتاب (بحث حول الولاية من وحي القرآن) تأليف علامتنا .

28-                               إعادة طبع المجلد الثاني من كتاب (بحث حول الولاية من وحي القرآن)

29-                               كتاب (أحكام الشيعة) , المجلد الأول والثاني والثالث .

30-                               رسالة (دليل أعمال الحج) : تأليف علامتنا .

31-                               الطبعة الثانية من رسالة (دليل أعمال الحج) .

32-                               رسالة (كشف سفينة نوح في أجبال أرارات) : تأليف علامتنا .

33-                               طبع ونشر كتاب (رسالة الإنسانية) : تأليف سماحة الإمام المصلح والد علامتنا –حفظهما المولى تعالى- (المجلد الأول) .

34-                               طبع ونشر (المجلد الثاني) من كتاب (رسالة الإنسانية) .

35-                               الطبعة الثانية من (المجلد الأول) لكتاب (رسالة الإنسانية) .

36-                               ترجمة , وطبع , ونشر (المجلد الأول) من (أحكام الشيعة) , باللغة العربية .

37-                               ترجمة وطبع , ونشر (المجلد الثاني) من (أحكام الشيعة) , باللغة العربية .

38-                               إعادة طبع , ونشر (توضيح الواضحات) : تأليف علامتنا .

39-                               طبع , ونشر المجلدين الأول والثاني من (أحكام الشيعة) .

 

6-  مؤلفاته :

        له مؤلفات ورسائل عديدة , والمطبوع منها :

1-    رسالة (دليل أعمال الحج) .

2-    رسالة (كشف سفينة نوح (ع) في جبال أرارات .

3-    حقائق الشيعة .

4-    نداء الشيعة .

5-    رسالة الحكمة البالغة .

6-    توضيح الواضحات .

7-    مقدمة كتاب (صحيفة الأبرار)  .

8-    مقدمة وهوامش ديوان أشعار ميرزا محمد تقي حجة الإسلام .

9-    بحث حول الولاية من وحي القرآن (الولاية) .

10-        أحكام الشيعة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنبيه هام

 

الجدير بالذكر أنه بعد وفاة سماحة عمه الجليل الحاج ميرزا علي الحائري الإحقاقي الأسكوئي (أعلى الله مقامه) , تحول الناس إلى تقليد والد علامتنا سماحة المرجع المعظم الإمام المصلح الحاج ميرزا حين الحائري الإحقاقي الأسكوئي , دام ظله , الذي لم يكن قد ألف رسالته العملية بعد , وبناء على طلبات الناس إليه , وإلحاحهم عليه , ولكون سماحته مشغولا بإدارة شؤون الناس الدينية , وبالأخص مسألة الإصلاحات العامة في الشؤون الإجتماعية , فقد كلف علامتنا من قبل والده المعظم , أن يدون كتابا في المسائل والأحكام الفقهية , بالإستفادة والإستنباط من مصادر الكتب الإمامية , لكي يقوم سماحة الإمام المصلح بمطالعته , بعد الانتهاء منه , ومن ثم تهميشه , وإضافة ما يرتئيه طبقا لفتاواه , وبالتالي وضعه تحت تصرف ومتناول المقلدين والمحبين .

ولذلك فقد ألف علامتنا حفظه المولى كتاب (أحكام الشيعة) , ويتضمن دورة كاملة في الفقه , وبإذن من والده سماحة المرجع المعظم , الإمام المصلح , وبعد تطابق مسائل الكتاب مع فتاوى سماحته , تم ولأول مرة طبعه في (تبريز) باللغة الفارسية , ومن ثم طبع , ونشر باللغة العربية في (الكويت) , واللغة الأردية في (باكستان) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·       مؤلفاته المخطوطة :

1- الدرالفريد في علم التجويد .

2- الأدب العربي (الجملة , وأقسامها , وأحكامها) .

3- شرح وتفسير آية الوصية المباركة .

4- شرح (الزيارة الجامعة الكبيرة) بـ (الفارسية) .

5- تفسير سورتي الحمد والإخلاص .

6- حكمة أهل البيت (ع) .

7- ألف موضوع وموضوع .

8- ترجمة كتاب (الدين بين السائل والمجيب) .

9- كتاب (قرنان من الإجتهاد والمرجعية) .

10-        ديوان الشعر .

 

ولعلامتنا الكثير من المقالات التي كتبها حول مختلف المواضيع الدينية والأخلاقية , والإجتماعية .

 

يقول سماحة المؤلف نفسه –حفظه المولى تعالى :-

(( . . . ومن الأعمال الأخرى التي أنجزتها في طريقة خدمة الوجود المبارك لولي العصر – أرواحنا فداه – وتشييدا لمقام العلم , وتسهيلا لشؤون طلبة ومحصلي العلوم الدينية : تأسيس مدرسة (حجة الإسلام العلمية) المباركة إلى جوار مسجد (ﭽﻫﻝ ستون حجة الإسلام) , حيث شيدت هذه المدرسة من الأساس , لأنها لم تكن موجودة سابقا , وبعد الإنتهاء من بنائها , سكن في حجراتها عدد من طلاب ومحصلي العلوم الدينية المحترمين , وراحوا ينهلون من ينابيع المعارف الإسلامية فيها .

(( وكان البعض من الأحبة يصرون على تسمية المدرسة باسم (مدرسة الإحقاقي العلمية) , إلا أني بالرغم من كوني شيدتها بنفسي , واحتراما للمقام الشامخ لأسرة (حجة الإسلام) المعظمة التي أكن لها كل الأحترام والتقدير , أقدمت على تسميتها باسم هذه الأسرة الخيرة  والبارة (مدرسة حجة الإسلام العلمية) .

((وسأشير أدناه إلى أسماء عدد من العلماء والفضلاء الذين حضروا في درس سماحة الوالد الماجد , وكذلك في درسي , في مدرسة (صاحب الأمر عليه السلام) العلمية , ومدرسة (حجة الإسلام العلمية) , والذين أصبحوا على الأغلب اليوم من العلماء البارزين , والمبلغين المتمكنين في خدمة الدين الإسلامي المقدس , ومذهب الإمامية الإثنا عشرية الحق , ونشر فضائل ومناقب أهل بيت العصمة , عليهم السلام وأحكامهم وآثارهم المباركة .

(( ولكي لا أقع في تكرار المكررات , لذا سأمتنع عن ذكر ألقابهم العلمية مثل حجة الإسلام , والعلامة , وغيرها , قبل أسمائهم , وسأورد أسماء هؤلاء الأعزاء بشكل مجرد من أي لقب , رغم أنهم على الأغلب يستحقون مثل هذه الألقاب , بل وأكثر منها . . .

(( أما أسماء عدد من هؤلاء العلماء الكبار الذين يمثلون ثمرة أتعاب سماحة الوالد الماجد –روحي فداه- وجهودي أيضا , التي أستمرت أربعين عاما , والذين هم مصدر فخرنا وافتخارنا , وذخيرة أيام حياتنا , وبعد وفاتنا , فهي بالشكل الآتي :

 

أصحاب السماحة حجج الإسلام :

1-    الحاج ميرزا غلام حسين معتمد الإسلام كندجاني , مؤلف العديد من الكتب القيمة مثل (برهان الشيعة) , و(كلمة من ألف) , في الرد على كتيب (عملاء الإستعمار) .

2-    الحاج ميرزا علي كجابادي .

3-    الحاج ميرزا علي إلهي كجابادي .

4-    الحاج ميرزا علي كمالي دستجردي .

5-    الحاج ميرزا إسماعيل آقا بيكي دستجردي .

6-    ميرزا عبد القدير آقا بيكي دستجردي .

7-    ميرزا جعفر حقيقي دستجردي .

8-    الحاج مصطفى داداشي دستجردي .

9-    الحاج حيدر منافي ﮔوﮔاني .

10- الحاج ميرزا محمود طلوعي ﮔوﮔاني .

11- الشيخ عباس علي مسلمي ﮔوﮔاني .

12- الحاج ميرزا غلام علي قربان بور فيروز سالاري .

13- رضا قلي عيوضي فيروز سالاري .

14- الحاج ميرزا أيوب آقا محمدي أمقاني .

15- الحاج ميرزا محمد أمقاني .

   16- ميرزا محمد محمدي أمقاني .

   17- الحاج علي أكبر طريقت أسكوئي .

   18- الحاج سيد علي صميمي أسكوئي .

   19- سيد أحمد توحيدي أسكوئي .

  20- الدكتور محسن خليجي أسكوئي .

  21- الدكتور المهندس بهروز صالح بور أسكوئي .

  22- الدكتور محمد آبادي باويلي .

  23- محمد عابدي ميلاني .

  24- الحاج مير يوسف علوي ميلاني .

  25- كريم صابري خسروشاهي .

  26- الحاج ميرزا محمد عيدي خسروشاهي .

  27- الحاج عزت الله أوحدي ممقاني .

  28- الحاج ميرزا محمود فاضل شيراميني .

  29- ميرزا عباس نجيبي خسرقي .

  30- الحاج ميرزا عباد الله ژاله اي ايرانقي .

  31- مشهدي ملا علي ايرانقي .

  32- ميرزا نوروز علي ايرانقي .

  33- الحاج ميرزا عباس مولائي ايرانقي .

  34- ميرزا محبوب بابائي ايرانقي .

  35- ميرزا حبيب غلامي ايرانقي .

  36- ميرزا إبراهيم نجيب ايرانقي .

  37- الحاج ميرزا علي أصغر أبهري ايرانقي .

  38- ميرزا علي مباركي بارنجي .

  39- الحاج ميرزا حسين واعظي بارنجي .

  40- ميرزا حسن إسحقي كجابادي .

  41- الحاج ميرزا علي أصغر اعتمادي كجابادي .

  42- ميرزا علي أكبر اعتمادي كجابادي .

  43- ميرزا محمد نقشي كجابادي .

  44- الحاج إبراهيم حسني إسكنداني .

  45- الحاج ميرزا أحمد أسد اللهي اسفنجاني .

  46- ميرزا محمد أميني خسرقي .

  47- سيد مصطفى حائري اسكوئي .

  48- مير يعقوب سيد زاده خسروشاهي .

  49- ميرزا محمد اژدري اهري .

  50- مشهدي مير حسين موسوي ﮔوﮔاني .

  51- الحاج مير علي أصغر موسوي .

  52- سيد جواد موسوي ﮔوﮔاني .

  53- الحاج مير عبدالله موسوي ﮔوﮔاني .

  54- محمد حسن علي زاده ﮔوﮔاني .

  55- مير علي أصغر فرقاني ﮔوﮔاني .

  56- مير علي أصغر حسيني ﮔوﮔاني .

  57- الحاج ميرزا غلام صادقي أمقاني .

  58- أصغر عبد اللهي خسرقي .

  59- ميرزا حسن ذاكر خسرقي .

  60- الحاج سيد محمد عماد الإسلام اسكوئي .

  61- الحاج محمد تقي صابري خسروشاهي .

  62- الحاج سيد محمد موسوي تبريزي .

  63- ميرزا مهدي فرشباف خسروشاهي .

  64- الحاج ميرزا علي أشرف مددي كجابادي .

  65- ميرزا علي نقي روابنخش كوكاني .

  66- الحاج ميرزا أحمد احقاقي .

  67- الحاج ميرزا أحمد مشتاقي خسرقي .

  68- مير محمود حسيني اسكوئي .

  69- الحاج ميرزا مختار بكائي اسكوئي .

  70- ميرزا عبد الحسين حجابي خسرقي .

  71- ميرزا علي أصغر ذاكر ميلاني وغيرهم , رحم الله الماضين منهم وحفظ الله الباقين )) .

 

((ويذكر أن عددا من هؤلاء الفضلاء الذين ذكروا أعلاه , أدركوا مجلس درس سماحة الوالد الماجد – روحي فداه- مجدد مدرسة صاحب الأمر (ع) العلمية) في (تبريز) , ومؤسس الحوزة العلمية لدراسة العلوم الدينية لتلك المدرسة المباركة . كما أن البعض من المذكورين أعلاه نالوا , ولله الحمد , المقامات العالية في العلم والتقوى , وكل منهم يدير في محل إقامته مجالس تفسير القرآن الكريم , ونشر فضائل وآثار أهل بيت العصمة –عليهم السلام- فضلا عن اعتلائهم المنبر , وإمامة المصلين في محراب الصلاة والجماعة . . والبعض الآخر منهم سلكوا طريق الجامعة , وتقلدوا مناصب جامعية عالية كرئاسة الجامعة , أو عمادة الكلية أو معاون العمادة , أو أستاذ في الجامعة , وفي ذات الوقت لم ينسوا واجبهم في خدمة مدرسة أهل البيت النبوة , عليهم السلام .

 

((والبعض الآخر سلكوا سبيل الكسب الحر , والزراعة , غير متناسين واجبهم لخدمة الدين المقدس , وإرشاد الناس , والأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , ونشر فضائل وآثار أهل بيت العصمة , عليهم السلام , وفقهم الله لمرضاته , بحق محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين , وصلوات الله عليهم أجمعين .

 

 

((في ختام بحثي هذا رأيت . . . إنه ليس من العدل أن لا أذكر هنا أسماء ثلاثة من العلماء العاملين , والأتقياء البارعين , والمبلغين المخلصين , وهم : الحاج السيد آقاموسوي ﮔوﮔاني , والحاج ميرزا محمد حسين علمي كجابادي , والحاج ميرزا محمد علي معتمد الإسلام كندجاني , رحمة الله عليهم . . حيث كان لكل من هؤلاء العظام خدمات تبليغية ودينية كبيرة , في المحيط الذي نشط فيه , وكانوا كالمصابيح المنيرة للمؤمنين , وقادة أمناء لهم , فضلا عن أنهم كانوا ممثلين ووكلاء لسماحة الوالد الماجد –روحي فداه- .

 

((ومن الواجبات والمهام الخطيرة والمهمة , التي اضطلعت بها , هي مسؤولية دعوة المبلغين , والخطباء, وأئمة الجماعة إلى المناطق المحيطة بمدينة (تبريز) , وضواحيها العديدة , خلال الشهور المباركة والمناسبات الدينية السنوية , مثل أشهر محرم الحرام , وصفر المظفر , ورمضان المبارك , وغيرها , تلبية لطلبات سكان هذه المناطق وإصرارهم ليكسبوا فيضا أكبر من الشعائر الإلهية , والأعمال الدينية , والإستماع إلى أحاديث وآثار وفضائل المعصومين , عليهم السلام , فضلا عن إقامة صلوات الجماعة .

 

((وكنت أسعى في أداء هذا الواجب العظيم بشكل جاد , وأجهد نفسي لاختيار أفراد صالحين , وأمناء وعدلاء من العلماء العاملين , والموثقين لهذه المهام العظيمة , وإرسالهم إلى هذه المناطق للتبليغ الإسلامي . .

 

((وفي الواقع إن أداء هذا العمل , وقبول هذه المسؤولية العظيمة , كان عبئا كبيرا وثقيلا على كاهلي الضعيف , من الناحية الروحية والمعنوية والضمير , وكنت دوما في مثل هذه الأمور أتوكل على الله الكريم , وأتوسل بالمعصومين , عيهم السلام , والحمد لله فقد كنت موفقا دائما بفضل هذا التوكل والتوسل .

 

 

 

 

 

((وفي عام (1355 هـ . ش الموافق لعام 1397 هـ . ق 1976 م) , وتلبية لطلب مجموعة من فضلاء وطلاب المدرسة الطالبية , وباقي المدارس العلمية , في مدينة (تبريز) , أقدمت على تأسيس درس بحث الخارج في الفقه والأصول , في مسجد (حجة الإسلام) العظيم , وكنت ألقيه في كل يوم في ذلك المسجد الشريف , وبحضور أعداد كبيرة من فضلاء مدينة (تبريز) .

 

((واستمرت هذه الدروس الأخرى , بشكل منظم , وترتيب خاص , حتى بداية شهر رمضان المبارك (عام 1401 هـ . ق الموافق لعام 1359هـ . ش (1980م) , حيث تم تعطيل هذه الدروس مؤقتا , كما تفعل باقي الحوزات العلمية , في غرة شهر رمضان المبارك (عام 1401 هجري قمري) , بسبب انشغال الناس بالصيام والعبادة , وكذلك انشغال السادة العلماء والفضلاء , بالتبليغ والإرشاد الديني , واستمر ذلك حتى نهاية ذلك الشهر المبارك .

 

((وأتذكر أن مسجد (هـ ستون حجة الإسلام) الواسع , كان مليئا من الباب وحتى المحراب , بالناس والفضلاء المحترمين , وأعيان وشخصيات مدينة (تبريز) الموقرين , في اليومين الأول والثاني من هذا الشهر المبارك , حيث كانت مجموع المؤمنين تموج في المسجد كالبحر الهادر , حيث حضرت إلى هذا المكان المبارك لأداء صلاة الجماعة , والإستماع لخطبتي .

 

((وقد أقمنا في ذلك اليوم صلاة الجماعة , باشتراك جموع المؤمنين والمؤمنات الغفيرة , وخطبنا خطبة تاريخية ومثيرة , كانت مسك ختام مراسم ذلك اليوم , والحمد لله رب العالمين . . .))

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الولاية

 

بحث حول الولاية من وحي القرآن

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة المؤلف

 

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين , وأشرف الأنبياء والمرسلين , أبي القاسم محمد , وعلى آله الطيبين الطاهرين , المكرمين , المعظمين , الذين أذهب الله عنهم الرجس , وطهرهم تطهيرا , ولعنة الله على أعدائهم أجمعين , آمين يا رب العالمين .

والسلام على أمير المؤمنين , وإمام المتقين , وسيد الوصيين وأبي الأئمة المعصومين .

يا إلهي العظيم ! ويا خالق العقل والقلم , ويا لطيفا بما يشاء , وكيف يشاء ! أحمدك اللهم على خلقك المخلوقات , بنور أول مخلوقك , وآخر أنبيائك , وكشفك لظلمات الجهل والضلال , بإشراقة أنوار القرآن , والولاية اللامتناهية .

وأشكرك اللهم على نعمتك علي بأن نورت قلبي بشعاع ذلك النور المحمدي , وأحييت روحي بقطرة من محيط الولاء العلوي , واخترتني لذلك من بين الملايين من مخلوقاتك العارفة لك , والجاهلة إياك .

وبذلك اقتدرت على أن أمسك القلم بيدي العاجزة , لأكتب بعض الصفحات من فضائل أصحاب الولاية الكلية المطلقة , محمد (ص) , وآله , عليهم الصلاة والسلام اللامتناهية , مقتبسا مضامينها من كتابك العظيم , وقرآنك المجيد , مسميا إياها : (الولاية من وحي القرآن) , وأضعها بين أيدي شيعتهم , ومحبيهم المخلصين .

يا إلهي ! وإني لأعترف بأني قاصر عن تعريف وبيان فضائل محمد (ص) , وأهل بيته (ع) , الذين اخترتهم من بين خلقك , وكنت أنت معرفهم ومادحهم .

ولكن بياني هذا رشفات من حبهم العميق في قلبي , وشعلة من أشواقهم الكامنة في صدري وروحي , وأنت الذي جعلت حبهم وولاءهم , في الحياة الدنيا , وسيلة للفوز والنجاة .

وكلي أمل بلطفك وكرمك , أن تتقبل مني هذه البضاعة المزجاة , بجاههم ومنزلتهم عندك , وأن تجعلها ذخيرة لي , لدنياي وآخرتي , آمين , آمين .

 

وقد طبع (الجزء الأول) , من الكتاب , بعون الله , عز وجل , ورعاية صاحب الولاية الإلهية الإمام المهدي الموعود , صاحب العصر والزمان , عجل الله تعالى فرجه الشريف , باللغة الفارسية , قبل حوالي عشرين عاما , وما أن نشر في الأسواق , حتى كان الإقبال عليه كبيرا , من العلماء والفضلاء , والطلاب المثقفين , وكلهم غمرنى بلطفه , وتشجيعه , وشكره , مشافهة , أو عن طريق البريد والهاتف , وهذا ما حملني على المضي لإنجاز الجزء الثاني من هذا الكتاب .

وحيث أن عددا من الشبان المثقفين , الطالبين فهم القرآن الكريم , ومضامينه العميقة , يحضرون لدي في حلقات التدريس , فقد طلبوا مني أن تكون مباحث (الجزء الثاني) من هذا الكتاب , مدخلا لعلم التفسير , مسهلا لهم الخوض في القرآن وعلومه , لذلك فقد خصصت هذا الجزء لشرح وتبسيط المصطلحات القرآنية , على ضوء ما جاء عن أهل البيت , عليهم الصلاة والسلام , وجعلت هذا الجزء من كتاب (الولاية من وحي القرآن) , مدخلا لعلم التفسير , لعلي أكون قد قدمت بذلك خدمة للعلم والعلماء , مقبولة عند القرآن , وأهل البيت , عليهم السلام .

والآن , إذ أقدم الكتاب بحلته الجديدة , مترجما إلى اللغة العربية , أرجو من القراء الكرام , أن يغضوا من النظر عن بعض الأخطاء المطبعية العفوية , وأن يرشدوني إلى الخطأ الموضوعي , إن ورد في مواضيع الكتاب , أو وقفوا على مثله .

ولا بد من الشكر والتقدير لمن ساهم في طبع هذا الكتاب بلغتيه الفارسية , والعربية , سائلا المولى العلي القدير , أن يتقبل منهم خير قبول , وأن يوفقهم للمزيد من الأعمال الصالحة , والخدمات الجليلة للعلم والعلماء , وأن يوفقني لطبع ما تبقى من أجزاء هذه المجموعة من بيان فضائل ومناقب أصحاب الفضل والمنقبة , محمد(ص) وأهل بيته الأطهار (ع) , إنه سميع مجيب , وهو مولانا , فنعم المولى , ونعم النصير .

 

                                                                    خادم الشريعة الغراء

                                                         ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القرآن الكريم

الظاهرة السماوية الأبدية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                     بسم الله القادر المتعال

 

 

القرآن الكريم الظاهرة السماوية الأبدية :

تلك الظاهرة السماوية الأبدية , والمبتدأ الذي كان خبره يزلزل الدنيا . . . إليك مختصرا من ذلك الخبر الكبير , معدن العلم والنور , الذي راح يشغل فكر العظماء من المفكرين , عبر القرون الأربعة عشرة , ويشد إليه أنظارهم , وبصائرهم . . .

ها نحن وتاريخ التمدن البشرى . . . اليوم , عصر العلم والتقدم العلمي , الذي عمت البلاد والأمم جميعا أخباره . . .

فاليوم عصر الكتب والمطبوعات . . . التي زينت ممرات الطرقات , والشوارع , إضافة إلى البيوت والغرف . . .

فما عليكم إلا أن تواكبوا هذا التقدم والتطور العلمي للبشرية , بالقراءة والمطالعة , ومن ثم التفكر والتعمق , والإستدلال الصحيح , والتجرد , بالحكم العادل . . . لتقفوا على الحقيقة  الجلية التي توضح :

أنه ليس في العالم , معجزة وأعجوبة , أعظم من معجزة القرآن العظيم , لأنه بتجلياته السماوية , استطاع , وفي أقل من نصف قرن فقط  , أن يسخر أكثر العالم المتمدن , وأن يزلزل سطوته , وأن يوقظ العقول الغافلة , ويسلب القرار والإستقرار , من القارات الأرضية , وأن يحول التاريخ تحولا عميقا , من خلال تملكه عقول العلماء والمفكرين في العالم , ذلك التملك الذي سيدوم مادام الدهر !!

هذه النهضة المقدسة السماوية , نهضة العلم , والمنطق , والعقل , والنظام المطلق , هي التي أفاضت على القلوب والأرواح المضطربة , سكونا واستقرارا سماويا , بعد أن ملأ الدنيا دويها , وراح يقرع أسماع أهلها , كما يفعل دوي الرعد والصاعقة , ولكنه بشكل أوسع وأشمل , بحيث تجاوز الأسماع ليصل إلى القلوب , فيوقظها من نومتها وغفلتها , فانتبهت مذعورة مدهوشة , لتصغي لذلك الصوت السماوي المتصاعد من جبال الحجاز , ولتعرف متحيرة من أين هذا الصوت ؟ وأين مصدره ؟ وماذا يقول ؟

 

 

 

ولكن حقا , إن العظماء والعقلاء في ذلك اليوم – فضلا عن عموم الناس- كانوا قاصرين عن فهم ذلك السر السماوي , والتعمق فيه , ولكنهم عرفوا هذه الحقيقة : إن هذا الإنقلاب والحدث العظيم , ليس شيئا وقتيا , وقصير الأجل , نعم , عرفوا أن هذا الخبر مفتاح تحول عظيم , ووراءه الأخبارالجسمية والعظيمة . . . إن هذا المبتدأ ينتظر الأخبار العجيبة , والمعاجز الكبيرة , التي سترد من خلفه !!

فما كان أول تلك الأخبار المحيرة ؟!

في تلك المرحلة , وفي أوائل ظهور ذلك النور , والكتاب السماوي , زلزل العالم المتلاطم والمتعب , وفي أول بزوغ شمسه , قهر صناديد العرب المتعصبة لتقاليدها ومفاهيمها الجاهلية , وتفاعل مع قلوب الفصحاء من العرب , بحيث لم يجدوا سبيلا لمقاومته ومواجهته , ووقفوا تجاهه موقف التسليم , والإنفعال , والإنزواء .

إن تجلي تلك الروح السماوية , وذلك الكوكب الوضاء , قهر أبطال البلاغة والفصاحة , وأجبرهم على الإعتراف بالعجز والضعف تجاهه فذهب البعض منهم , وقد غلبهم الذعر والقلق , لينزلوا معلقاتهم الأدبية - التي كانت وسيلة فخرهم وتفاخرهم – عن جدار الكعبة , معلنين بذلك فشلهم أمام التحدي الأدبي والبلاغي للقرآن الكريم , بينما ذهب الآخرون منهم , وبدوافع عصبية وانتقامية , لينسبوه إلى السحر . . .

إن تحدي القرآن , وصدى نزوله , لم يكن في الحجاز فحسب , بل راح يزلزل عرش كسرى العظيم , وعروش امبراطورية الروم , وكنائس المسيحيين , ويسخرهم , ويضطرهم للإعتراف به والخضوع له . وراح يعبر القارات والبحار , ليصل إلى ( الصين) , وحتى سواحل البحار العظيمة , والجزر , وفي كل مكان على الأرض , ليتفاعل مع فطرة كل إنسان موجود يعيش عليها , فيعلمهم دروس التوحيد والكرامة الإنسانية , فحطم قصور الظلم , والطغاة , والمستكبرين , وفضح أقوالهم , وتعاليمهم الواهية , وأبدل بها عدالته الواسعة , وبيانه الفصيح , وتعاليمه البديعة , وأرسى قواعده الجديدة , المبنية على التوحيد , والعدل , والعلم , والأخوة , والمساواة , في مركز التمدن والتطور , لمدى الدهر , حيث نسخ العنصرية القومية , وعبادة الأصنام , وأقر عبادة الله الواحد , وتساوي العباد تجاهه . . .

وبعد مضي أربعة عشر قرنا , وفي عتبة القرن الخامس عشر , وفي هذا العصر , عصر العلم , وقمة الحضارة والتطور , نجد لهذه الوديعة السماوية , والتذكار المحمدي (ص) , نفوذا عميقا يتحكم في ضمائر وأفكار المجتمعات الحضارية في كل العالم , بحيث اعتلى موقع التوراة والإنجيل في خزانات الكتب , وفي أهم مراكز المسيحيين , ليرفع صوته عاليا بالآية الشريفة : ]  إن الدين عند الله الإسلام[ (سورة آل عمران , الآية : 19) , فيدب في عروشهم وقلوبهم , الخوف من الإنهيار التام , والشامل . . .

إن الجانب العلمي , في هذا الكتاب السماوي العظيم , ليبعث على الإعجاب والإكبار , حيث أنه لم يترك جانبا من جوانب العلوم والفنون إلا وغاص فيه , وكان مرجعا ومصدرا وثيقا فيه .

وعلى رغم مرور الزمن الطويل , من تاريخ نزوله , ومع وجود المناوئين الأقوياء , والمعارضين الأشداء , لم يتمكن أحد منهم أن يثبت عليه , أي إشكال , أو نقص , حتى إنهم عجزوا عن كشف جملة غير بليغة , أو ناقصة , في كل الآيات القرآنية الكثيرة , إذ إنه ما تطرق إلى موضوع إلا بابتكار وإبداع , وما حكم في شيء إلا بالحكم الثابت , والمستدل وبشكل إعجازي .

والحال إن كل تأليف , ومهما كان عليه مؤلفه من الدقة , والتحقيق , والإحتياط , سرعان ما تتوضح أغلاطه , ويخسر موقعه العلمي , ولكن قرآننا المقتدر , بما يحويه من العلوم والحقائق العلمية , يتحكم في الناس , تحكما علميا وأخلاقيا , على الرغم من مرور أربعة عشر قرنا عليه , ولا يزال مرجعا ومصدرا , لكل اكتشاف جديد , ومنبعا لأسرار الكون , وما تقدمت البشرية في زاوية من زوايا التطور العلمي , إلا وكان ذلك التقدم سندا وثيقا لإثبات عظمة هذا الكتاب .

ولم يجد العلماء والمكتشفون سبيلا , إلا المثول أمام القرآن , والوقوف وقفة الإعجاب والإكبار , والإعتراف بأنهم قاصرون عن تعريف هذا الكتاب السماوي ووصفه , بما يستحقه من وصف , وبكل ما قالوه , أو وصفوه , لم يؤدوا حق تعريفه , وبيان كنهه , وما ذاك , إلا لأن القرآن كبير وعظيم , بحيث لا تستوعبه المرايا الموجودة . . .

إن جميع ما قاله القائلون , وكتبه الكاتبون , في حق هذا الكتاب العظيم , ليس إلا كقطرة من الماء , ترشح من خلال الأمواج المتلاطمة في البحار العظيمة , فيتسنى لها الظهور مع تلاطم الأمواج , ولكن سرعان ما تختفي وتضيع ضمن المقادير المتكاثرة من المياه . . .

ولكن هذا لا يمنعنا من وصفه , والغوص فيه , والتحدث عنه , بما يتلاءم مع أفكارنا وعقولنا القاصرة , في إعطاء حقه من البيان .

فكل من يكيل منه بمكياله , ويغرف منه بمقدار همته واستيعابه , فإنه كما يقول الأديب الفارسي : ((إن لم يمكنك قطف الوردة من الشجرة , فكن من الملازمين لها , لتحسب من محبيها!)) .

سأكتفي بهذا المقدار من البيان , لأنقل إلى القراء الكرام , اعتراف العظماء من غير المسلمين , وشهادتهم بعظمة القرآن الكريم في صدر الإسلام , وفي عصرنا الحاضر , ليزدادوا إيمانا به , ومعرفة فيه . . .

إن الإنتشار السريع للإسلام , ونفوذ الآيات القرآنية , وتفاعلها مع أرواح وقلوب أصحاب الضمائر الحرة , وإقبالهم على النبي محمد (ص) , ودخولهم في الإسلام جاء ضربة قاسية على رؤوس المستكبرين والطغاة , من زعماء الجاهليين , فراحوا يخططون لمنع انتشاره وتوسعه , وجعلوا يتوسلون بكل نفيس ورخيص , بإملاء من فكرهم الناقص الجاهل , للحط من قداسته وكرامته , لأنهم وجدوا في الإسلام هدم زعامتهم , ومواقعهم الاجتماعية , حيث أن الإسلام بدأ إصلاحاته العميقة متكئا على قدرته المعنوية , لرفض عبادة الأصنام ,والقتل , وسفك الدماء , والكذب , والسرقة , والسيطرة على الآخرين , والعنصرية , والزعامات الموروثة والإستعباد , و. . . و . . . إلى آخر ما هنالك من مظاهر الجهل والظلم التي كان يمارسها أمثال أبي جهل , وأبي سفيان , و وأبي لهب , وعتبة , وشيبة , وغيرهم , فوجد هؤلاء في الإسلام خطرا يهددهم , ويهدد وجودهم ونزواتهم , فجعلوا يتداولون في أساليب التغلب عليه , وإطفاء نور الهداية الإلهية , فمارسوا كل الأساليب الوحشية للوصول إلى ذلك الهدف , حتى إنهم خططوا لقتل رسول الله (ص) , مرات عديدة , لولا أن الله , عز وجل , وعد رسوله بحفظ القرآن , وصون رسالته . . .

فالتجأ أبو جهل , العدو اللدود لرسول الله (ص) , إلى كبير من كبار الحجاز , وعظيم مكة , الوليد بن المغيرة المخزومي , ليستفيد من موقعه , وكلمته النافذة , وقوله الحاسم , لإطفاء نور الرسالة السماوية .

الوليد بن المغيرة والقرآن الكريم :

والوليد بن المغيرة : وحيد الحجاز والعرب , وكانت قبيلته ((بنو مخزوم)) تسمى ب((ريحانة قريش)) , لمكانتها الإجتماعية العالية . وكانت له ثروة كبيرة , منها قافلة تجارية بين (مكة) , و(الطائف) في الحجاز , و(الشام) , و(اليمن) . وكان له عشرة أولاد أبطال وشجعان , منهم : ((خالد بن الوليد)) فاتح الشام , و((الوليد بن الوليد)) الذي كان من المسلمين الأوائل , و((عمارة بن الوليد)) الذي أمرته قريش بالذهاب مع ((عمرو بن العاص)) لملاحقة المسلمين المهاجرين إلى الحبشة , وكانت له قضايا مع عمرو بن العاص وزوجته, ومواقف مع ملك الحبشة .

وعلى كل حال , ازداد الوليد شهرة وموقعا , من خلال أولاده , بالإضافة إلى تجارته وأسفاره الكثيرة , إلى (الشام) , و(اليمن) , ومقابلته لعلماء وأدباء تلك البقاع , ومخالطتهم , مما أدت به لكسب بعض الآداب , والأخلاق , والبلاغة والشعر , فاحترمه الناس , وأكبروه , وعظموه , حتى قالت قريش , بعد ما نزل القرآن على محمد (ص) , كما يحكي ذلك القرآن الكريم :

]لولا نزل هذا القرآن رجل من القريتين عظيم[ (الزخرف :31) , يعنون بذلك ((الوليد بن المغيرة)) في (مكة) , و((عروة بن مسعود الثقفي)) في (الطائف) .

نعم , فكر أبوجهل أن يتدرع بالوليد , وهو خاله , فجاء إليه مبعوثا من قريش , وقال له : تقول قريش : لماذا سكت الوليد تجاه محمد ودعوته ؟! ولماذا لم يعط الوليد رأيه , ليصد هذه الدعوة ويخمدها ؟

فسكت الوليد هنيهة , ثم رفع رأسه قائلا : إني لم أسمع محمدا يجهر بدعوته إلى الآن , ولا ينبغي لي أن أحكم عليه , قبل أن أعرف عنه شيئا , أمهلني أسمع قرآنه , فأقرر موقفي منه !

وجاء الوليد إلى (البيت) لهذا الغرض , وجلس خلف محمد (ص) , في (حجر اسماعيل) , ليسمع ما يقرأه محمد (ص) , من القرآن .

فلما أحس محمد (ص) , أن وحيد العرب وعظيمهم , جالس خلفه , جعل يقرأ آيات من سورة ((غافر – المؤمن)) , وثم آيات من سورة ((فصلت)) .

وما أن سمع الوليد الآيات المتلوة , حتى تأثر بها تأثرا بالغا , وجعل يرتجف من وقعها في قلبه , ثم نهض من مكانه , طالبا مجمع قريش , الذين كانوا بانتظاره .

ولما تمثلوا بين يديه قال :

لقد طلبتم مني أن أبدي رأيي في محمد (ص) , ودعوته , وأتكلم فيه , فإني قد استمعت إلى آيات من تلاوة محمد , وأنه لا يقال في دعوته أي شيء !!

فإن قلتم : إنه شعر , فإني قد سمعت الشعر كثيرا , وأعرف أنواعه , من الهزج والرجز , والقصيد , والغزل , والمبسوط , والمقبوض , وكلام محمد لم يكن من كل هذه الأنواع ! .

وإن قلتم : إنه قول كاهن , فإني لم أجد فيها أي تكهن , أو إخبار عن مولود ذكر , أو أنثى , أو نفع , أو ضرر , أو موت , أو حياة لأحد .

وإن نسبتم إليه الجنون , فإني لم أجد فيه ما يدل على ذلك أبدا , بل إن له لحلاوة , وإن عليه لطلاوة ,وإن أعلاه لمثمر, وإن أسفله لمغدق , وإنه يعلو ولا يعلى عليه !!

لما سمعت قريش كلام الوليد هذا – ولم يتوقعوا حصوله منه – خابت آمالهم فيه , وقالوا لأبي جهل :

لقد خيبنا الوليد , ونرى أن كلامه هذا , واعترافه , سوف يؤدي إلى تقوية محمد , وتثبيت دعوته وإسلامه !

فقال أبو جهل : أتركوا لي أمر الوليد , ولسوف ألتقي به , وأصحح فكره . . .

وفي المساء , جاء أبو جهل إلى دار الوليد , وجلس بجانبه , ساكتا عبوسا , فسأله الوليد عن ذلك , فأجابه أبو جهل : إنه من أجلك , وحرصا على مكانتك في قريش , فإنهم يقولون : إن الوليد تأثر بموائد أصحاب محمد اللذيذة , وانحرف عن أصنامه وعقيدته , وقبل دعوة محمد , ويدعمه فيه !!

فغضب الوليد وقال : أفي يقال هذا الكلام ؟ وعلي يفترى بأني انقلبت عن ديني بلقمة أصحاب محمد ؟! لا ينبغي أن أهان , ويحط من موقعي بمثل هذا الكلام !!

فقال أبو جهل : إذا كان كذلك , فلا بد أن تقول في محمد ودعوته شيئا يعاكس اعترافك به , ويمحو كلامك الذي قلت في مدحه وصدقه ! وإلا فستبقى قريش تقول فيك ما لا يرضيك !

فاستمهله أبو جهل ليلته , ليفكر في كلام يقوله في محمد , يشينه به , بحيث لم يخالف صريح الكلام الذي قاله بالأمس , فتقول الناس فيه كلاما يمس عقله وفكره .  . .

فكر الوليد ليلته تلك , في كلام يخرجه من المأزق الذي وقع فيه , ودرس جميع جوانب المسألة , وأقنع نفسه بأنه لا بد أن يقول فيه , كلاما قصيرا قاسيا , يقضي على محمد ودعوته , فقال : لا بد من نسبة السحر إليه , ولكن ليس سحرا عاديا يعاكس , ويبطل , ويغلب عليه , ثم قال فيه : ((إنه سحر يؤثر !)) . إنه الموقف الذي يذكره القرآن في الآيات التالية :  

] ذرني ومن خلقت وحيدا $ وجعلت له مالا ممدودا $ وبنين شهودا $ ومهدت له تمهيدا $ ثم يطمع أن أزيد $ كلا إنه كان لآياتنا عنيدا $ سأرهقه صعودا $ إنه فكر وقدر $ فقتل كيف قدر $ ثم قتل كيف قدر $ ثم نظر $ ثم عبس وبسر $ ثم أدبر واستكبر $ فقال إن هذا إلا سحر يؤثر $ إن هذا إلا قول البشر $ سأصليه سقر $ وما أدراك ما سقر $ لا تبقي ولا تذر $ لواحة للبشر[ (المدثر : 11- 29 ).

وكذلك نزلت في هذا المعاند آيات أخرى في سورة القلم :

 ] أن كان ذا مال وبنين $ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين $ سنسمه على الخرطوم[ (القلم : 14 - 16) .

 

 

لقد تحقق هذا الوعيد الإلهي , في هذا المعاند وأمثاله , بانتشار الدعوة الإسلامية , ودخول أفواج الناس في الدين الجديد , بعد أن تفاعل مع قلوبهم وأفكارهم , وراح الناس قديما وحديثا يظهرون إعجابهم وإكبارهم للقرآن , معترفين بعمق مفاهيمه , وهم على دينهم وملتهم , حثهم وجدانهم وإنصافهم على الإفصاح عما يجدون في ضمائرهم , من تعظيم وإجلال للقرآن , من خلال مقالاتهم , أو كتبهم , بم ملأت المكتبات , وخزائن الكتب , ولم يسع كتابنا هذا ذكرها وتعدادها , ولكن ننقل إليكم أبياتا شعرية للشاعر والأديب المسيحي ((مارون عبود)) , وهو رئيس الجامعة الوطنية اللبنانية , حيث أبدى شعوره وأحاسيسه تجاه القرآن وعظمته وإجلاله , من خلال قصيدة شعرية عنونها ((النبي محمد)) فقال :

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قصيدة

مارون عبود والقرآن الكريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النبي محمد (ص)

 

قصيدة مارون عبود والقرآن الكريم :

طبعتك كف الله سيف أمان                كمن الردى في حده للجاني

العدل قائمه , وفي إفرنده                  سور الهدى , نزلن سحر بيان

وعليك أملى الله من آياته                   شهبا هتكن مدارع البهتان

لولا ((كتابك)) ما رأينا معجزا            في أمة مرصوصة البنيان

حملت إلى الأقطار من صحرائها         قبس الهدى , ومطارف العمران

هاد يصور لي كأن قوامه                  متجسد من عنصر الإيمان

وأراه يغضب للإله موحدا                 من نخلة في عرقها صنوان

لم يزهه((بدر)) , ولا((أحد)) ثنى       عزماته , عن خطة العرفان

فهو اليقين يصارع الدنيا , ومن          عادى اليقين يعود بالخذلان

وكذا النبوة , حكمة , وتمرد               وتقى , وإلهام , وفرط حنان

هي ذلك الروح الذي يتقمص الـ           أبطال , للحدث العظيم الشأن

تلقى على الأبطال شكتها فتد               فعهم , فينفجرون كالبركان

وقعة (أحد) :

((أحد)) سبيل الله , سيناء النبيـ                 ـي الهاشمي , ومصرع الأوثان

ألواحه هبطت سطورا من دم                    لما تناضل عنده الحزبان

يمشي براية ((أحمد)) حزب الهدى             والشرك يزجيه أبوسفيان

فعلا فحيح المشركين كأن في                       تلك الصدور جهنم الأضغان

دهموا الرسول فما ألان جناحه                      للكاثرين , وقام كالصفوان

متماسك إيمانه , مستوثق                             وجدانه , من ربه الحنان

سريا محمد لاتخف غمراتها                          فستنجلي عن قدرة الربان

وأمامك الميناء بسام اللمى                           فاضرب بجؤجؤها العباب القاني

((والريح)) بين يديك يرسلها الذي                 يطوي الوجود بأمره الملوان

 

فوز الأبد :

دارت رحى الهيجا على لهواتها             مجنونة , وتلاحم الجمعان

فكأن عاصفة تحرك غابة                     من مشرفيات , ومن مران

فصليل أسيفهم زئير مآسد                    ورنين أنبلهم عزيف الجان

وكأنما في كل لأمة باسل                     عزريل , فالصرعى بكل مكان       

ما أرخص الأرواح عند العرب إن           جهلوا , وكم تمسي بلا أثمان

وقضى المهيمن أن يمهر عبده                بدم بلاغ الوحي للأكوان

فثنيتاه مبسم الدين ازدهى                     بهما , ونال الحق خير ضمان

وكذا الرسالة لا يؤيد وحيها                     إلا إذا كتبت بأحمر قان

 

أم عمارة :

لله ((أم عمارة)) من باسل                   أنثى تطاعن أفحل الشجعان

لله در أبيك أنصارية                         مضت الدهور وأنت نصب عياني

هي مجدلية أحمد , وسلاحها               غير الطيوب , ومدمع هتان

سلكت سبيل الله تحمل قربة                  تروي ظماء مجاهد حران

حتى إذا ما المسلمون تضعضعوا           ومحمد أمسى بلا أعوان

طرحت بقربتها, وسلت صارما             نفحت به عن سيد الفرسان

مهتاجة كلبوءة في فجوة                       منقضة ككواسر العقبان

أنثى تذود يشدها إيمانها                       بالمصطفى , بالله , بالقرآن

 

أبودجانة :

((أبودجانة)) في حسام محمد                 يختال كالجني في الميدان

بطل الجلاد إذا تعصب وانتخى              فالفج ينع , والقطوف دواني

أخذ الحسام من النبي ((بحقه))               فلواه فوق مناقب الأقران

كم مشرك مدرعا , وجندل فارسا            وهوى على متجبر طعان

حم القضاء , فكان ترسا من دم               دون النبي وأسهم العدوان

وابن اليقين إذا دعوت وجدته                 في الساعة السوداء , ثبت جنان

أأبا العصابة أخلدتك هنيهة                     حمراء , صانت بيضة الإيمان

كرمت سيف محمد والموت يفـ              ترش الرجال , فعفت ضرب غواني

أما ((عتيقتك)) التي أطلقتها                    فقد استباحت حرمة الفتيان

لاكت كبود المؤمنين تشفيا                      وعقودها اتخذت من الآذان

كبد المجاهد ((ياهنيدة)) مرة                   والقلب مقدود من الصوان

فاهوي على جثث الرجال , ومثلي            بهم , فيومكم قريب داني

((ياخالد)) أرود , فقبلك ((بولس))            طرق الحواريين كالسرحان

أفتنصر ((العزى)) وقد بزغ الهدى          ملء النواظر في المصف الثاني؟ 

 

فتح مكة :

ماذا , أبا لهب, فمكة أشرعت                    أبوابها , لعساكر الرحمان

قد غمك ((النصر الصغير)) فلو ترى         ((الفتح الكبير)) لمت قبل ثماني

أنظر , فإن الناس حول محمد                   كربائض يحدقن بالرعيان

قد طاف بـ((البيت العتيق)) مطهرا             وغدا سيعدوه إلى البلدان

((الله أكبر)) دهورت أصنامكم                     فتحطمت , أسمعت صوت أذان

هذا ((بلال)) يبلغ النبأ العظيـ                   ـم ويطبع اسم الله في الأذهان

ومحمد مغض جلالا خاشع                      ملء النفوس جماله الروحاني

 

النبي:

إن النبي إذا تأمل مطرقا                          فتحت لديه خزائن الكتمان

يبدو العتيد أمامه متجسدا                         فيمس ظهر الغيب مس بنان

وتمر من قدامه قطع الدهو                       ركتائبا , معروضة لعوان

فيرى الوجود أمامه كمصور ,                  جم الخطوط , منوع الألوان

ما للتخوم مناعة في عرفه ,                        ملك النبي العالم الإنساني

فإذا مشى هوت المعاقل ركعا ,                  وانقض رفرفها على الأركان

والعبقرية إن فرى محراثها الـ                    أرض الموات تبدلت بجنان

هذا ((يتيم)) صار كافل أمة                      وأبا لبيض الأرض والسودان

نصر من الله العزيز لعبده                         يا فاتح الدنيا استرح بأمان

 

المعلم البطل :

لك في السماء منصة قدسية                    قامت على التوحيد والميزان

ما كنت سفاحا ولم تسفك دما                   إلا بحق العادل الديان

لو كنت في قوم تسيغ عقولهم                   وحيا لكنت كأودع الحملان

لولا اعتداؤهم عليك وجورهم                 ما خضت حربا طاعنا بسنان

علمت بـ((القلم)) الذي لم يعلموا              فأتوك بالخطي والمران

قد أحرجوك فأخرجوك , فنلتهم               ومذار عووا عن ذلك الطغيان

أسمحت , ثم صفحت عن آثامهم              وغمرتهم بالفيء , والإحسان

والأمن في ظل السيوف , فإن ترم            أمنا وعزا , فآعتصم بيماني

 

 

 

 

 

 

 

 

روح الإسلام :

لله دينك جنة مختومة                              من كل فاكهة بها زوجان

دين تدفق حكمة وتجددا                          كالبحر لفظا , والسماء معاني

ألفت منه وحدة كونية                            العبد والمولى بها ندان

يا من يموت ودرعه مرهونة                    قددست مجد الأصفر الرنان

لو أدت الناس الزكاة , وأنصفوا               ما كان في الدنيا فقير عان

يسرت للناس الشؤون فأيسروا                 أما الهوى فكبحته بعنان

وجمعت حولك يا رسول صحابة               بعمائم أزهى من التيجان

خشنت ملابسهم , ولان جوارهم               بالعدل , فالأعداء كالإخوان

تشقى العدالة في القصور , وأنت قد          أسعدتها بمضارب العربان

أمعلم التوحيد وحد أمة                           قد فرقتها نعرة الأديان

فتخالفت جمعا وآحاد وأسـ                      ماء فمارون سوى مروان

قوم تقض فراشهم آراؤهم                       ومسيحهم ورسولهم أخوان

يتنازعون على السماء وأرضهم               في قبضة الرواد والحدثان

فلتنحن الأجيال إجلالا إذا                       ذكر النبي الأطهر العدناني

ألمالىء الدنيا بذكر الله , والد                  داعي شعوب الأرض للوحدان

ولينعق المتعصبون فلم يضر                  طير الجنان تمطق الغربان

 

 

 

 

 

هذا ما وقفت عليه من كلام شاعر مسيحي , مثقف , ولاحظت كلامه العذب الصريح , واعترافه إن الإسلام والقرآن , بما فيه من قوانين فطرية , متوافقة مع الضمائر الإنسانية , سيحكم الدنيا , والمجتمعات البشرية , ويسود العالم بمعالمه العالية المتكاملة , وينسخ كل الشرائع السماوية , والأفكار , والأنظمة الإجتماعية الإنسانية , وتلغى كل القوانين الوضعية , ولن يمكنها الثبات أمام قوانين القرآن العظيم . . .

هذا كلام مفكر معاصر , وقد مر عليك تصريح ذلك الرجل ((العظيم)) , عدو الله ورسوله , وعدو الرسالة في صدر الإسلام ((الوليد بن المغيرة)) , حيث نطق بما يملي عليه وجدانه , وفطرته , وقال في القرآن , وهو على ما هو عليه من العناد : ((إنه يعلو ولا يعلى عليه !)) .

وإذ وقفت على شيء من عظمة القرآن الكريم , بمقدار ما يناسب المقام , وقرأت شواهد على ذلك , واعتراف الشخصيات العظيمة فيه , بما ينور أفكار جيل الشباب المتعطش إلى معرفة الحقيقة , لاتباعها والابتعاد  عن الأفكار الوضعية  الضالة المضلة , نرى أن نبين لك بعض الإصطلاحات القرآنية , ومقدمات تفسير القرآن , ليتسنى لأولادنا فهمه , والخوض فيه , والوقوف على واقعه العلمي العميق , فيعتزوا به كتابا , وبرنامجا , ومنهاج حياة , ثم يلتزمون به دون سواه .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القرآن الكريم

الوحي الإلهي على نبي الرحمة (ص)

وأكمل الكتب السماوية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القرآن الكريم الوحي الإلهي على نبي الرحمة (ص) , وأكمل الكتب السماوية :

القرآن صناعة إلهية , لم يتدخل في تأليفه وتنسيقه أي فكر بشري , حتى النبي (ص) .

إنه وحي كله , نزل من عند الله , عز وجل , على خاتم أنبيائه محمد المصطفى (ص) , لسعادة البشرية الدنيوية والأخروية .

وعلى ضوء التواتر الموجود , نحكم :

بأن القرآن الموجود في أيدينا هو الكتاب نفسه المنزل على محمد (ص) قبل أربعة عشر قرنا , بالقطع واليقين , لم يتغير عبر هذا الزمن الطويل , لا نظما , ولا معنى , فهو محفوظ من كل أنواع الزيادة والنقصان , أو التغيير والتحريف . . .

القرآن الكريم آخر وأكمل الكتب السماوية وناسخها , وبما أنه الكتاب المعجز , الحاوي لجميع الشؤون والمسائل البشرية , وهو الكتاب الوحيد المرشح لأن يكون مواكبا للبشرية , على مختلف الأزمنة والأمكنة , إلى يوم القيامة , فهو خاتم الكتب السماوية , كما أن الرسول الأعظم (ص)  خاتم النبيين .

 

ماهية الوحي :

من اللازم علينا , ونحن نبحث في المصطلحات القرآنية , أن نبين المقصود من كلمة ((الوحي)) , فإنها تطلق على الكتب السماوية عادة , وتعرف بها :

فالوحي في اللغة : بمعنى الكلام الخفي , وتطلق على كل إلقاء خفي بين اثنين .

وفي علم التفسير : الوحي عبارة عن الكلام الإلهي المنزل على نبي من أنبيائه ورسله , بشكل خاص , ومن ثم يبلغه الرسول –ما لزم منه – بأمر من الله , عز وجل , للناس .

قال الشيخ محمد عبده في تعريفه : ((عرفان يجده الشخص من نفسه , مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة , أو بغير واسطة , والأول بصوت يتمثل لسمعه , أو بغير صوت .  ويفرق بينه وبين الإلهام : بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس , وتنساق إلى ما يطلب , على غير شعور منها , من أين أتى , وهو أشبه بوجدان الجوع , والعطش , والحزن , والسرور . . .)) .

 

 

 

 

أقسام الوحي :

عرفت أن كلام الله ينزل على الرسول (ص) بواسطة تارة , ومن دونها تارة أخرى , وعلى هذا يصنف الوحي على عدة أقسام .  وقد فهم بعضهم من الآية الكريمة : ] وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم [ , أن الوحي على ثلاثة أنواع :

1-   الوحي المباشر : وهو ما يتلقاه النبي (ص) دون واسطة ظاهرية , مثل الإلهامات التي تلقى على روع النبي (ص) .

2-   مكالمة الله , عز وجل , للرسول (ص) مباشرة : دون واسطة ملك , أو غيره , مثل الخطاب , والكلام الذي سمعه النبي (ص) ليلة المعراج , حيث أنه من المسلمات أنه لم يكن هناك واسطة في المكالمة , وأما لكيفية حصول المكالمة المباشرة بين الله , عز وجل , وبين الرسول (ص) بحث مفصل , ومستقل , ليس هذا مجاله .

3-   نزول الوحي بواسطة ملك مخصوص , أمين على الوحي : يعني جبرئيل الذي كان وسيلة لتنزيل القرآن الكريم , وإبلاغه النبي (ص) .

وقد ذكر بعض علماء التفسير أن أقسام الوحي سبعة , مستندين إلى بعض الأحاديث الواردة في هذا الشأن , وعدوا منها ((الرؤيا الصادقة)) , ولا يستبعد ذلك .

ومن المعلوم أن القرآن الكريم , من النوع الثالث , فقد أنزله الله , عز وجل , بواسطة جبرئيل , وأبلغه بدوره رسول الله (ص) , وقد تم هذا خلال ثلاث وعشرين سنة , أول البعثة ابتداء , وانتهاء بنهاية حياته الشريفة , وإن كان يفهم من بعض الآيات القرآنية , وصريح بعض الروايات الصحيحة المستندة , أن القرآن كله نزل في ليلة القدر , دفعة واحدة , على قلب النبي (ص) , ومن ثم نزل عليه آيات وسورا مجزأة , طوال هذه المدة المذكورة , وذلك ثابت عند المحققين من العلماء , مستدلين على ذلك ببعض الآيات القرآنية.

 

 

 

 

 

 

 

أسماء القرآن الكريم :

إن الله , عز وجل , ذكر هذا الكتاب السماوي المقدس , بعدة أسماء , ووصفه بمواصفات عديدة , وكل إسم وصفه , يلاحظ جانبا ومفهوما ظاهريا , أوباطنيا منه .

وقد ورد عن النبي وأهل بيته , عليهم الصلاة والسلام , أنهم ذكروا للكتاب السماوي هذا أسماء كثيرة , قد تبلغ المئة إسم , نذكر بعض هذه الأسماء :

1- القرآن : في قوله تعالى : ]الرحمن$ علم القرآن( (الرحمن : 1 , 2) .

((القرآن)) من مادة ((قرء)) , بمعنى – ما يستحق القراءة – وفي الحقيقة إن هذا الكتاب جمع التعليمات السماوية , وضمن سعادة الدنيا والآخرة , لمن عمل به من نبي البشر , وأي كتاب سماوي آخر غيره , خال من هذه الخصوصيات – أصبح الكتاب الذي ((يستحق القراءة – وسمي بـ ((القرآن)) .

   2- الفرقان : قوله تعالى :] تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ (الفرقان :1)  .  وجاء هذا الإسم من مادة ((فرق)) , لأنه يفرق بين الحق والباطل , والحلال والحرام .

3-البيان : قوله تعالى :]هذا بيان للناس[ (آل عمران : 137) .

4-التبيان : قال تعالى :]ونزلنا عليك القرآن تبيانا لكل شيء[ (النحل : 89) .

5-المبين : قال تعالى :  ]تلك آيات الكتاب المبين[ (يوسف : 1) .

وهذه الأسماء الثلاثة الأخيرة (البيان- التبيان- المبين) كلها مأخوذة من مادة (بيان) , لأنه يبين للناس الحقائق , والأسرار , والعلوم , في كل موضوع يحتاجه الناس , ويبين الحق من الباطل .

6-البينة : قوله تعالى :]فقد جاءكم بينة من ربكم[ (الأنعام :157) .

إنه كذلك من مادة (بيان) , ولكنه بمعنى (البرهان , والحجة , والدليل) , وبديهي أن القرآن الكريم أكبر برهان وحجة من الله , عز وجل , على عباده , وأكبر دليل يميز الحق من الباطل .

7-البشرى : قوله تعالى :]وهدى وبشرى للمؤمنين[ (البقرة:97) .

8- البشير : قال تعالى : ]قرآنا عربيا لقوم يعلمون$ بشيرا ونذيرا[ (فصلت : 3,2).

والإسمان الأخيران (بشرى , بشير) من مادة (البشارة) , لأن القرآن الكريم يبشر المؤمنين الصالحين بالجنة .

9- شفاء : قال تعالى : ]وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين[   (الإسراء : 82) .

لأن في القرآن الكريم , وآياته المباركة , شفاء لجميع الأمراض المعنوية والروحية , بل الظاهرية والجسمية أيضا , والعمل به وبأحكامه يحفظ جسم الإنسان من غالب الآلام والأمراض الظاهرية , وكذلك يحفظ روح الإنسان من الأمراض النفسية مثل الكبرياء , والحسد , والكفر , والرياء , والجهل , والشرك ,  والنفاق , وجميع الرذائل الأخلاقية والمعنوية , وإلى هذا يشير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بقوله : ((فإن فيه شفاء من أكبر الداء , وهو الكفر والنفاق , والغي والضلال . . . )) .

10-حبل الله : قال تعالى :]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[            (آل عمران: 103) .

لأن القرآن أحكم رابطة , وواسطة بين الله , عز وجل , وعباده , والتمسك به يحفظهم من الإنحراف والإختلاف , ومن المهالك الأخلاقية , والاجتماعية , والفساد , ويوثق رابطة الروح الإنسانية مع عالم ما وراء الطبيعة , يعني عالم اللطائف والحقائق .

ويستفاد من مضمون مجموعة من الأحاديث المنقولة عن أهل البيت (ع) , أن المقصود من (حبل الله) , الولاية المطلقة لأمير المؤمنين , والأئمة المعصومين (ع) , الذين هم الواسطة بين الله , عز وجل وبين عباده , لأنهم السبيل الأعظم , والواسطة الكبرى , بين الخالق , تبارك وتعالى , والمخلوقات , وأن الله أفاض علمه , ورحمته , وحكمته , على عباده , بسببهم , وبواسطتهم .

11- كلام الله : قال تعالى : ]وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله[(التوبة : 6) . لأن القرآن كلام الله , ولم يتدخل غيره في تأليفه .

12- النعمة :]وأما بنعمت ربك فحدث[ (الضحى : 11) .

لا شك أن الله , عز وجل , أنعم على حبيبه الرسول الأكرم (ص) , جميع نعمه الظاهرية والباطنية , وإن من أعظم النعم التي أنعمها عليه , وعلى أمته , نعمة ((القرآن الكريم)) , ولذلك روي عن ابن عباس أن المقصود هو القرآن المجيد .

وفي الواقع أنه النعمة المعنوية والروحية التي أنعم بها الله , عز وجل , على روح الإنسان وعقله .

 

وفي الروايات المتضافرة , والأحاديث المتواترة , عن النبي (ص) وأهل بيته (ع) , أن المقصود من كلمة ((النعمة)) في القرآن الشريف , وتأويلها , الولاية المطلقة لصاحب الولاية الكلية , أمير المؤمنين , عليه الصلاة والسلام , وتفصيل ذلك مذكور في محله , بما لا مجال لذكره .

13- الكتاب : قوله تعالى : ]ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين[ (البقرة : 2) . الكتاب : إسم لكل مكتوب , وما يكتب , وسمي القرآن الكريم بهذا الإسم لأنه كتب في اللوح المحفوظ أولا , ثم في البيت المعمور ثانيا , وفي صدور المسلمين ثالثا , وثم في المصاحف رابعا .

وكذلك ((المكتوب)) بمعنى ((المجموع)) , سمي به القرآن لأنه جمع فيه علم الأولين والآخرين , وجميع الأحكام , وما كان , وما يكون إلى يوم القيامة .

14- النور : قال تعالى :]واتبعوا النور الذي أنزل معه[ (الأعراف : 156) . لأن حقانية القرآن الكريم تزهر كالنور على جميع عقلاء الدنيا , وأصحاب العلم والبصائر أولا , وثانيا : إن مثل هذا القرآن مثل مشعل النور يستضيء به المسلمون لدفع ظلمات الجهل والحيرة .

وقد ذكروا للقرآن أسماء كثيرة أخرى , نذكر بعضها على نحو الإختصار : الآيات , المبارك , البرهان , البصائر , التبصرة , المثاني , الحديث , أحسن الحديث , الحق , حق اليقين , الحكم , الحكمة , الحكيم , المحكم , الذكر , الذكرى , التذكرة , الرحمة , الروح , الصدق , المصدق , الصراط المستقيم , العظيم , العلي , الفصل , التفصيل , المفصل , القصص , القول , القيم , الكريم , الكوثر , المجيد , النذير , التنزيل , المنير , الهدى , الهادي , المهيمن , الوحي , الموعظة .

ولا يخفى أن غالب هذه الأسماء في الواقع , أوصاف وألقاب القرآن , وجاءت لتبين كل منها شرف وعظمة القرآن , في مناسبات خاصة .

السور القرآنية :

السورة في اللغة على أربعة معان :

الأول : السورة , بمعنى المنزلة , وعلو المرتبة والشرف , ولأن كلمات الله في منتهى درجات العلو والشرف , سمي كل قسم من هذه الكلمات بـ ((السورة)) .

الثاني : السور , بمعنى حصن البلد , وبما أن السورة القرآنية قد جمعت قسما من الآيات والكلمات الإلهية , وحصنتها من بعضها , سميت بذلك تشبيها بحصن البلد .

 

الثالث : السور , بمعنى القصر الفخم والعظيم , ولأن السور القرآنية من القوة والإستحكام , كالبنيان المحكم الجميل , لذلك سميت بهذا الإسم تشبيها بذلك , واستفاد من هذا التشبيه الشاعر الحكيم الفارسي الفردوسي , حيث قال شعرا بالفارسية , ما معناه : إنني أسست شعري على أساس متين بحيث لا يتأثر بالعاصفة , والأمطار , وعوارض الطبيعة . . .

الرابع : بمعنى السؤر , وهو قسم وبقية من الطعام والشراب , وبما أن آيات السورة قسم من القرآن , والكلمات الإلهية سميت بـ ((السورة)) .

والسورة في اصطلاح علم التفسير : أنها قسم من الآيات القرآنية , بما لا يقل عن ثلاث آيات .

وعدد السور القرآنية مئة وأربع عشرة سورة , حسب الأدلة الدقيقة في ذلك , ولكن بعض علماء العامة , جعل سورتي (الأنفال) , و(التوبة) , سورة واحدة , واستدلوا بعدم ورود ((البسملة)) في مفتتح ((التوبة)) .

وهذا ليس بصحيح , لأن عدم وجود البسملة , لا يعني عدم استقلالية السورة . وقد ورد في ذلك , عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) , أنه قال : إن سورة ((براءة)) , بيان لغضب الله تعالى , وبراءته من المشركين , ووعيدهم بالحرب والقتل , وهذا يتنافى مع ورود ((البسملة)) التي تعبر عن ((رجمة الله ورأفته)) .

وعند مفسري الشيعة , فإن سورة (والضحى) متحدة بالمعنى والمضمون مع سورة (الإنشراح) , وكذلك سورة (الفيل) , و(قريش) , بمنزلة سورة واحدة , من حيث اللفظ والحكم , ورتبوا على ذلك , بعدم صحة قراءة إحداها , من دون الثانية , في الصلاة الواجبة .

أسماء السور القرآنية :

إن لكل سورة من القرآن إسما , أو أكثر , معينا مذكورا , وهذه الأسماء توقيفية , ومحدودة , وليس لأحد الزيادة في ذلك , أو النقصان .

وقد ذكر علماء التفسير لسورة (الحمد) مثلا , نحو ثلاثين إسما , منها : أم الكتاب , أم القرآن , الحمد , السبع المثاني , الفاتحة , الأساس , التحرز , الدعاء , السؤال , الشافية , الشكر , الصلاة , التفويض , الإستعانة . . . وغيرها بما لكل إسم منها جهة مناسبة مع السورة .

 

 

وينقسم مجموع السور القرآنية المئة والأربع عشرة سورة , إلى قسمين من حيث النزول :

القسم الأول : السور التي نزلت في (مكة المكرمة) , وتسمى (مكية) , وكذلك (نواجب) , و(عتاق) .

القسم الثاني : السور التي نزلت في المدينة المنورة , وتسمى (مدنية) .

وتصنف السور القرآنية حسب الحديث النبوي الشريف إلى أربعة أصناف : السبع الطوال , المئين , المثاني , المفصل .

ولكل عدد من السور القرآنية مجتمعة , عنوان مشترك , مثلا :

-        السور السبع : البقرة , آل عمران , الأعراف , العنكبوت , الروم , لقمان , السجدة , وتسمى سور (آلم) .

-        والسور السبع : بني إسرائيل , الحديد , الحشر , الصف , الجمعة , التغابن , الأعلى , وتسمى : (المسبحات) .

-        السور السبع : المؤمن , فصلت , الشورى , الزخرف , الدخان , الجاثية , الأحقاف , وتسمى : (حواميم) .

-        السور الست : يونس , هود , يوسف , الرعد , إبراهيم , الحجر , وتسمى :(سور آلر) .

-        السور الخمس : الفاتحة , الأنعام , الكهف , سبأ , فاطر , وتسمى : (سور الحمد) .

-        السور الأربع : السجدة , فصلت , النجم , العلق , التي فيها آية السجدة الواجبة , وتسمى : (العزائم) .

-        السور الأربع : الكافرون , الإخلاص , الفلق , الناس , وتسمى : (سور قل) .

-        السور الثلاث : الشعراء , النمل , القصص , وتسمى : (طواسين) .

-        السورتان : البقرة , آل عمران , وتسميان : (زهراوان)

-        السورتان : الأنفال , التوبة , وتسميان : (قرنيتان) .

-        السورتان : الفلق , الناس , وتسميان : (معوذتان) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فضيلة

تلاوة القرآن الكريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فضيلة تلاوة القرآن الكريم :

إن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي المعترف به من قلبنا , نحن المسلمين , الذي أنزله الله تعالى , لسعادة البشرية في الحياة الدنيوية والأخروية .

ومن حيث أننا التزمنا به كتابا سماويا , ودينيا , ونفتخر أن نكون من أمته , فلا بد لنا أن نتعرف عليه , بما يحويه من أحكام , وعلوم , وأسرار , ورموز , لنستفيد منه , كل بقدر وسعه وفهمه , ونطبق ما يوجبه علينا من تكاليف شرعية , وهذا لا يمكن أن يحصل إلا بالممارسة لقراءة آياته قراءة صحيحة , وتلاوة متقنة .

إنه من الجفاء , وعدم الإنصاف , أن نكون أتباعه في الإلتزام والإعتقاد , ونعجز عن قراءته , وتلاوة آياته , وبديهي أن إنسانا كهذا لا ينتفع بالقرآن , لا في الدنيا , ولا في الآخرة .

إن الدين الإسلامي وقائده النبي العظيم (ص) , نهض قبل أربعة عشر قرنا , وفي ذلك الزمن الذي لم يكن لشعوب العالم

نصيب من الثقافة والعلم , نهض لتعليم أتباعه , وتثقيفهم , من خلال تشويقهم وترغيبهم بقراءة القرآن , والتدبر والتعمق فيه , لتقتلع بذلك جذور الجهل من بين الناس .

لقد أراد (ص) من خلال تشجيع الناس على قراءة القرآن , أن يكونوا مجتمعا , مثقفا , واعيا , بالإضافة إلى منافعهم المادية , والمعنوية , من ورائه . . . ولم نجد عقيدة أو دينا حث الناس على التعلم , والقراءة , والكتابة , كما فعل الإسلام !

إن كل هذه الفوائد والفضائل , كامنة في تعلم القرآن وقراءته !

إن القرآن الكريم نزل باللغة العربية , والعربية من أعلى وأغنى لغات الدنيا , من حيث سعتها , واحتواؤها على القواعد والقوانين الصحيحة , والفصاحة , والبلاغة , واللطافة والعذوبة . . . ولها مقام الصدارة بين اللغات الأخرى , إذن لو أن المسلمين (غير العرب) , أصغوا لوصايا النبي المكرم (ص) , والأئمة الطاهرين (ع) , في تلاوة القرآن , والتعرف على لغته , وقواعده , لتعرفوا على لغة عالمية – ولو بمقدار حاجاتهم الضرورية – ووحدوا لغة الإسلام , مهما تغايرت قومياتهم , وألوانهم , وتقاليدهم الإجتماعية , والعرفية , فأصبحوا بذلك أمة واحدة بمعنى الكلمة .

 

 

 

وهذا بالتحديد ما انتبهت إليه الأمم المتمدنة في هذا العالم حديثا , مما جعلهم يندفعون إلى اتخاذ لغة واحدة عالمية , موحدة , يتعلمها جميع المسلمين , فتسهل عليهم اللقاءات , والإجتماعات , والمؤتمرات .

إن هذه الفكرة الحديثة هي التي سعى إليها النبي الكريم (ص) , وفي تلك العصور الجاهلية , وقبل ألف وأربعمئة عام , وأسس أساسها , وأمر باتباع هذا النهج , والسير على هذا الأساس , جميع أتباعه , من العرب والعجم , من خلال قراءة القرآن , وتعلم قواعده , وللتأكيد على ذلك , جاء الأمر بالأذان والصلاة , بالعربية فقط , وعدم صحة أدائهما باللغات الأخرى !!

فلو التزم المسلمون بذلك , التزاما صحيحا كاملا , بحيث صارت اللغة العربية هي اللغة الدولية الإسلامية , لأسهمت اللغة في حل كثير من مشاكلهم الثقافية والإجتماعية .

نعم , وللتأكيد على ذلك , نضع بين يديك نماذج من الأحاديث , والروايات , الواردة عن قادة المسلمين , في تشجيعهم وحثهم على قراءة القرآن , وبيان فضلها :

1-   (كتاب الوافي) : روى بإسناده عن الإمام الباقر (ع) , أن رسول الله (ص) , قال : ((من قرأ عشر آيات في ليلة , لم يكتب من الغافلين , ومن قرأ خمسين آية , كتب من الذاكرين , ومن قرأ مئة آية , كتب من القانتين , ومن قرأ مئتي آية , كتب من المجتهدين (الخاشعين-خ ل) , ومن قرأ ألف آية , كتب له قنطار من تبر)) .

2-   (كتاب الوافي) : بأسناده عن الإمام جعفر الصادق (ع) , أنه قال : ((القرآن عهد الله إلى خلقه , فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده , وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية)) .

3-   (كتاب الوافي) : بأسناده عن الإمام علي بن الحسين (ع) , أنه قال : ((آيات القرآن خزائن , فكلما فتحت خزينة , ينبغي لك أن تنظر فيها)) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ترجمة

القرآن الكريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ترجمة القرآن الكريم :

الترجمة : بفتح التاء وضم الجيم , يعني نقل لغة إلى لغة أخرى , في معناها ومفهومها . ولفظة ((ترجمة)) أصلها فارسية , أخذت من ((ترجمان)) , ولذلك , وعلى القواعد العربية جاءت مصدرا , وفعلا , وإسما . . .

وقال الخفافي : ((ترجمان)) : معربة من كلمة ((ترزبان)) الفارسية .

وقال الآخرون : إنها معربة من ((توكومان)) , بمعنى كلام الأجنبي , ولهذا السبب ضبط بعض علماء اللغة كلمة ((ترجمان)) بـ((ترجومان)) .

والمهم في هذا المجال , والذي يلزم ذكره , هو : إن اللغات غير العربية , لا تسع القرآن في واقعه , وروح كلماته , عند ترجمته إليها , لأن الكلمات القرآنية ليس دورها إيصال المعاني والمضمون فقط , بل في وضع كل منها في مكانها الذي هي فيه , خصوصية معينة .

فمثلا : إذا أخذنا لفظة ((اقتربت)) من الإقتراب , ولها مرادفات أخرى مثل ((دنت)) , وهي عربية كذلك , فكيف يمكن نقلها إلى لغة غير عربية !!

وكذلك الحال في بقية الكلمات والإستعمالات القرآنية , وإذا أردنا أن نتوسع في هذا البحث , لنتطرق إلى التركيبات الجميلة , فسيطول بن المقام إلى حد يخرجنا عن مجال الكتاب , وأدل دليل على ذلك , تحديات القرآن المتكاثرة فيه . . .

إضافة إلى ذلك , وببساطة تامة : إن في بعض اللغات , والعربية الواسعة خاصة , مفردات لا نجد لها معاني تطابقها في اللغات الأخرى , ولهذا يضطر المترجمون , وفي كثير من الأحيان , أن ينقلوا اللغة الأصلية بذاتها , أو يترجموها ترجمة بالمعنى , وفي هذا – من الواضح – فقدان فصاحة اللغة ولطافتها , وجرسها , وانحرافها في الغالب عن المعنى المقصود تماما وأساسا , كما تنعدم روحية الكلام والألفاظ بانعدام تنسيق الجمل ونظمها . وكيف ! وإن القرآن يتحدى الناس بفصاحته , وبلاغة نسجه – إضافة إلى الجهات الأخرى – مما جعل البلغاء , وفصحاء الدنيا , يعترفون بالقصور والفشل , عندما شاهدوا تفاعل القرآن مع أرواح وقلوب المستمعين لآياته , وشدها نحوه , وتعلقها به , فما كان منهم إلا تسميته بالإعجاز !

 

 

هذا وإن كان لا مفر لغير العرب , من الرجوع إلى القرآن المترجم , ولكن لابد من التسليم , أن التراجم مع كثرتها , وتعددها , من حيث تنوع اللغات , لا مجال لطلب تلك اللطافة , والبلاغة , والفصاحة القرآنية منها , بالإضافة إلى أن بعض المترجمين لم يتمكنوا من إيفاء واجبهم في سلامة الترجمة اللفظية , فوقعوا في أغلاط كبيرة , واشتباهات جسيمة , مما يعد ظلما للقرآن , وصاحب القرآن !!

ويحتاج القارئ مع هذه التراجم إلى كتب التفسير والتأويل , لتقربه من فهم القرآن , وتساعده للوقوف على معانيه , ومفاهيمه .

والذين يدعون أن من الممكن فهم القرآن , بالاستقلال , ومن دون حاجة إلى التفسير والتأويل , فإنهم , وبلا شك , وقعوا في خطأ فادح , لنظرتهم السطحية , وعدم تعمقهم في حقائق , ودقائق , الآيات القرآنية .

ولأجل بسط الكلام وشرحه , نبدأ ببيان معنى التفسير والتأويل , على ضوء اللغة والمصطلحات القرآنية :

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تفسير

القرآن الكريم

 

 

 

 

 

 

 

تفسير القرآن الكريم :

التفسير في اللغة : كشف وتوضيح المعنى الواقعي للكلام ومنه قوله تعالى : ]ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا[ (الفرقان : 33)

وهو مأخوذ من مادة ((فسر)) بمعنى الكشف والتمييز . ويقول علماء اللغة : إن كلمة ((فسر)) على قاعدة الإشتقاق الكبير (قانون القلب) , أخذت من كلمة ((سفر)) , وهي في اللغة بمعنى : الكشف , مثل : أسفرت المرأة عن وجهها , إذا كشفته , وعلى هذا تفسير الكلمات , يعني رفع الإبهام عن معاني الكلمات , وتوضيحها , بحيث لا يبقى شيء من الإبهام والإخفاء .

التفسير في الاصطلاح القرآني : عند الإمعان والمراجعة لكلمات العلماء , وأهل الفن , في معنى التفسير , نجد أن لهم آراء وتعريفات مختلفة , وهي إن اختلفت في الألفاظ والصياغة , فإنها ترجع كلها إلى معنى واحد , ونتيجة واحدة , تتلخص في العبارة الآتية : ((التفسير هو علم يبحث في أحوال القرآن من حيث دلالته على مراد الله عز وجل)) .

فإذا موضوع علم التفسير , هو الآيات القرآنية , من حيث دلالتها على مقصود الله تعالى . والمفسر هو الذي يستنبط مقصود الله ومراده , من خلال آيات الله وكلماته .

ولو نظرنا إلى الموضوع نظرة مبسطة وواسعة نرى : أن القرآن كتاب سماوي , ومن عند الله , عز وجل , وكما يصف نفسه ((فيه تبيان كل شيء)) , ومن حيث أن لا أحد في المجتمعات البشرية العادية , حوى جميع العلوم , وبشكل مطلق , أمكن الإستنتاج :

إنه لا يمكن لأحد على الإطلاق , من صدر الإسلام , وإلى آخر الدنيا , أن يفسر القرآن بما هو , وكما هو , إلا ((المعصوم)) , ولذلك لم يدع أحد أنه فسر القرآن تفسيرا مطابقا لإرادة الله وعلمه . . .

وللحصول على تفسير كامل , وجامع , من غير المعصوم , يجب أن يجتمع جميع العلماء , وأصحاب الثقافات المتنوعة , وأساتذة العلوم والفنون العليا , ليبحث كل منهم من منظاره , ومجال تخصصه , في القرآن الكريم , ثم يدون استنباطاته , واستنتاجاته , ويستخرج ما يمكنه من الرموز والأسرار القرآنية , ثم يجمع ويدون جميع ما توصل إليه أولئك المتخصصون , وتنسق المواد فيما بينها , فعندها يمكننا القول : إن لدينا تفسيرا قريبا للواقع , ومتناسبا مع بحره الزخار . . .

ولكن مشروعا مقترحا كهذا , لم يحصل في تاريخ الإسلام , ومن الصعب جدا تحقيقه , من جهة الكمية والكيفية , إذا لم نقل إنه محال . . .

وعلى فرض حصول ذلك الإجتماع , سيكون ما توصل إليه العلماء من كشف رموز القرآن , مطابقا مع مستوى عقول عصرهم وزمانهم فقط , لأن العقول تتكامل , وتتوسع آفاق العلوم , على حسب تكامل العقول . . .

وبذلك ستكون النتيجة المحصلة غير متلائمة مع القرآن الذي يواكب المجتمعات والخطوات العلمية في كل زمان  . . .

وبناء على ذلك , يجب أن نرجع في فهم القرآن وتفسيره , إلى أولئك العظام , الذين لديهم العلوم اللدنية , والمعارف السماوية , ويحيطون بعلوم العالم , بما فيها علم القرآن وتفسيره . . . ولم تكن معلوماتهم محددة ومقيدة بزمان ومكان كغيرهم من العلماء العاديين , فإنهم مؤيدون من عند الله , عز وجل , في فهمهم , واستنباطهم , واستخراجهم , الكنوز القرآنية , ولأن القرآن كتاب سماوي وعالمي , فلا بد لمفسره أن يكون سماويا , عالميا . . .

نعم لهؤلاء فقط الذين يستقون علومهم من نبعه الغيبي الإلهي , أن يقوموا بهذه المهمة الخطيرة , ويتحملوا هذه المسؤولية الشريفة .

وهؤلاء هم الذين عناهم الرسول الأكرم (ص) , في حديث الثقلين المشهور بعترته وأهل بيته : علي بن أبي طالب , وفاطمة الزهراء وأولادهما الأحد عشر , عليهم الصلاة والسلام , إنهم العلماء بالتفسير والتأويل , وأسرار ورموز القرآن الكريم , وهم الذين عينهم النبي (ص) , وجعل علوم القرآن فيهم , ولا مناص من العودة إليهم , واللجوء , والإستمداد من كنز علومهم , كما قال عليه الصلاة والسلام , وأمرنا بذلك , بقوله : ((أنا مدينة العلم , وعلي بابها , فمن أراد المدينة , فليأتها من بابها)) .

وعلى هذا فإنه لا يمكن الركون والإعتماد على تفسير للقرآن الكريم , إلا أن يكون مؤلفه قد أخذ من علوم آل محمد (ع) , واستند إلى أقوالهم ورواياتهم , بل وليس لأحد أن يفسر القرآن متكئا ومعتمدا على نفسه , وعقله , وعلمه , ومهما بلغ من العلم , إلا عن طريقهم , وعلى طريقتهم , فقد ورد عن الرسول (ص) , أنه قال :((من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار !)) .

فإذا كل تفسير للقرآن , لم ينبع من الأئمة المعصومين , الذين هم أساتذة القرآن الواقعيين , بعد الرسول (ص) , لم يكن يعتمد عليه , ولم يستند إليه , عند علماء أهل الفن . . .

والخلاصة : إن القرآن الكريم لوحده , وبغير الإستعانة والإستفادة من علوم آل محمد (ع) , هو كتاب مبهم , وغير قابل للدرك والفهم , مع علمنا الناقص والمحدود .

وها هو النبي الكريم (ص) , يقول : ((إني تارك فيكم الثقلين , ما إن تمسكتم بهما , لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله , وعترتي أهل بيتي , لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) .

ومع هذا النص الصريح , المتفق عليه لدى المسلمين كافة , يتضح أن القرآن والعترة لا ينفصل أحدهما عن الآخر , وليس لنا أن نخوض في القرآن إلا بالإستعانة بعلوم علي وأهل بيته , عليهم الصلاة والسلام . . .

وبهذه المقدمات يتضح بطلان فرضية ((كفانا كتاب الله !)) التي أبدعها الخليفة الثاني , ويثبت أن الأساتيذ الواقعيين للقرآن , المعينين من قبل الله , عز وجل , وهم محمد (ص) , وآل محمد (ع) , وهم الذين لهم صلاحية تفسير القرآن , وقد بينوا علومه , وتفسيره , من خلال أحاديثهم , ورواياتهم , التي حملها إلينا حملة الأخبار والأحاديث من العلماء العظام , أمثال : الشيخ الكليني , والشيخ الطوسي , والشيخ الصدوق , وغيرهم أعلى الله مقامهم , وأوصلوها إلينا .

وها هو مذهب الشيعة (مذهب أهل البيت) , غني بكل العلوم من الأصول والفروع , ولم يبين أهل البيت شيئا لفي جزئيات المعارف الإسلامية , إلا وقد وصلتنا بالشكل الصحيح والكامل , والحمد لله رب العالمين .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تأويل

القرآن الكريم

 

 

 

 

 

 

 

 

تأويل القرآن الكريم :

* التأويل في اللغة : التأويل من مادة (أول) , على وزن (قول) . و((أول)) : يعني (الرجوع) , وجاء في القاموس : ((آل إليه , أولا , ومآلا : رجع . ثم قال : ((تأويل الكلام)) : يعني إرجاع الكلام , وتقديره , وتفسيره .

فستنتج من هذا : إن معنى ((التأويل)) : إرجاع الكلام إلى معنى أصح .

* التأويل في الإصطلاح القرآني : هو إرجاع اللفظ أو الكلام , من معنى مرجوح غلط , إلى معنى راجح , صحيح , بالأدلة الموجودة .

وقال البعض : إن التأويل مأخوذ من (إيالة) بمعنى الجذب والشد , والمؤول يشد الكلام إلى موضعه الصحيح .

*التأويل في القرآن الكريم : وردت لفظة التأويل في القرآن الكريم , بمعان مختلفة , نذكر بعضا منها :

1-   التفسير والتعيين : في قوله تعالى :]فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم[ (آل عمران : 7) .

2-       عاقبة الأمور ونتائجها : قال عز وجل : ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[     (النساء : 59) .

3-       الوقوع والتحقق : قوله عز من قائل : ]هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله[ (الأعراف: 53) .

4-       تعبير الأحلام : قال عز وجل : ]وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين[       (يوسف : 44) .

ولا يخفى أن المقصود من التأويل في كلام العلماء والمفسرين , هو المعنى الأول : تعيين المعنى الواقعي .

 

 

 

 

* الفرق بين التفسير والتأويل :

1-  التفسير في اللغة بمعنى الكشف , والبيان , والتوضيح .

والتأويل : بمعنى الإعادة والإرجاع .

2-  قال أبو عبيدة , وجمع غيره : إن التفسير والتأويل مترادفان , وكلاهما بمعنى واحد .

3-  قال الراغب الأصفهاني : التفسير أعم من التأويل , والتفسير غالبا في الألفاظ , ولكن التأويل يستعمل في المعاني , و(التأويل) غالبا في الكتب السماوية , ولكن (التفسير) يستعمل فيها , وفي غيرها . و(التفسير) غالبا في الألفاظ المفردة , ولكن (التأويل) يستعمل على الأكثر في الجمل , و(التأويل) يستعمل في المعنى العام تارة , وأخرى في المعنى الخاص , مثل كلمة ((الكفر)) التي تستعمل بمعنى الإنكار المطلق مرة , وأخرى بمعنى إنكار الله , وكذلك مثل كلمة ((الإيمان)) , من حيث استعمالها في التصديق المطلق , كما تستعمل في التصديق بالله. . . وكذلك (التأويل) يعني المعنى المقصود من بين المعاني المشتركة , مثل لفظة ((وجد)) المشتركة بين ((الظفر)) , و((الإيجاد)) , و((الحب الشديد)) , وغيرها .

4-  قال الماتريدي : (التفسير) : عبارة عن القطع واليقين في المقصود من اللفظ . و(التأويل) : ترجيح أحد الإحتمالات من دون القطع .

5-  قال أبو البقاء , في الآية المباركة ]يخرج الحي من الميت[ ,(تفسيرها) : أن نأخذ ((الميت)) بمعنى البيضة , و((الحي)) الدجاجة , و(تأويلها) : إن المراد من ((الميت)) : الكافر . والمقصود من ((الحي)) : المؤمن . أو ((الميت)) : الجاهل , و((الحي)) : العالم .

6-  قال البغوي : (التفسير) : عبارة عن بيان أسباب النزول . و(التأويل) : إرجاع الآية إلى المعنى المحتمل صحته بحيث يوافق ما قبلها وما بعدها , ولا يخالف سائر الآيات , والأحاديث .

7-  قال أبو طالب الثعلبي : بيان ظاهر اللفظ , من حيث الحقيقة والمجاز , مثل تفسير ((الصراط)) بالطريق , وتفسير ((الصيب)) بالمطر . ولكن (التأويل) : هو المعنى الباطني للفظ , مثل الآية المباركة : ]إن ربك لبالمرصاد[ , فهي من حيث (التأويل) بمعنى : ينبغي عدم التساهل في أوامر الله , وعدم التغافل عن حسابه .

8-  قال بعضهم : (التفسير) : توضيح ظاهر الآيات . و(التأويل) : الكشف عن باطنها , ولبابها . . .

9-  وقال البعض الآخر : إن (التفسير) : هو المعنى المطابقي للآيات . و(التأويل) : هو المعنى الإلتزامي .

10-        المحصل من كل الآراء والأقوال المذكورة في تعريف (التفسير) , و(التأويل) , ويوافقه ظاهر الآيات القرآنية , والأحاديث الشريفة عن أهل البيت (ع) , أن (التفسير) : عبارة عن توضيح الآيات المحكمات , و(التأويل) : بيان الآيات المتشابهات , بمعنى إرجاع المتشابهات إلى المحكمات .

وبما أن الأساس الأهم في علم تفسير القرآن , هو بيان حقيقة (التأويل) , وهدفنا الأصل في هذه المجموعة , هو البحث في (تأويل) الآيات المباركة القرآنية , ومن أجل التوضيح الكامل للموضوع وبسطه , فإننا نعالج الآية المباركة السابعة من سورة (آل عمران)  , التي تذكر المحكمات والمتشابهات , وكذلك (التأويل) , وغيرها من المفاهيم القرآنية , بشكل مفصل , ونذكر الإختلافات الواردة في قراءتها , وتفسيرها , ونذكر القول الحق فيها , وفقا لما ورد عن محمد (ص) , وآل محمد(ع) , ليتسنى لك فهم الموضوع بشكل جيد , ومن الله التوفيق , وعليه التكلان :

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تفسير الآية المباركة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب

 

 

                                                                                                   ( آل عمران : 7)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تفسيرالآية المباركة :

 

* قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز : ]هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب[ (آل عمران : 7) .

 

القراءة ومحل الوقف : نظريتان وقولان في كيفية قراءة هذه الآية المباركة , من حيث محل الوقف فيها , هل هو ((الراسخون في العلم)) , أم لفظة ((الله)) قبلها ؟

 

إن رأي جمهور المفسرين يشير إلى أن الصحيح في القراءة , هو الوقف على ((الراسخون في العلم)) , وهو ما نقلته الروايات المأثورة عن أهل بيت العصمة , عليهم الصلاة والسلام , يرويها مفسروا الشيعة عنهم , ومنهم الشيخ الطبرسي في تفسيره ((مجمع البيان)) .

 

 

 

ونذكر شطرا منها في الصفحات الآتية من الكتاب , وكذلك قال عبد الله بن عباس (حبر الأمة) , ومحمد بن جعفر بن جرير , وأبو مسلم , وآخرون .

والمحصل من هذا الرأي أن الله , عز وجل , لم يتفرد في علمه بتأويل المتشابهات القرآنية - وهي كثيرة- بل أشرك ((الراسخون في العلم)) , وأعطاهم علم تأويل تلك الآيات .

والرأي الآخر , ما نقل عن عائشة , وتبعها عليه البعض : أن الوقف على لفظة ((الله)) , ويتحصل منه : أن لا أحد غير الله , عز وجل , يعلم تأويل الآيات المتشابهة الكثيرة في القرآن , والتي هي أكثر من المحكمات , وحتى ((الراسخون في العلم)) , وهم عاجزون عن فهم تأويل تلك الآيات !!

ولنا مناقشة لهذا الرأي بالأدلة العلمية والعقلية , نذكرها هنا , بالإضافة إلى أن هذا الرأي مرفوض أساسا , لمخالفته مع تفسير أهل البيت (ع) , الذين هم أدرى بما فيه , فنقول :

 

العقل ونظرية القول على لفظة الجلالة :

1-   يعتقد المسلمون أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الذي أنزله الله , تبارك وتعالى , على نبيه الرسول الأكرم (ص) , ويحوي في طيه برنامج السعادة البشرية , المادية والمعنوية , الدنيوية منها والأخروية , وأن هذا القرآن بكل آياته وأحكامه , وأوامره ونواهيه , يخاطب البشرية جمعاء . . . أنزله رحمة على عباده لينظروا فيه , ويقفوا على محتوياته , ومفاهيمه الحكيمة , فيسعدوا بتطبيقه , والعمل به .

وهذا كيف يتلاءم والقول بأن لا أحد يعرف معنى ومقصود جزء كبير من القرآن المتمثل في الآيات المتشابهة , حتى النبي (ص) , والأئمة (ع) , من بعده ؟! وأنه قد أخفى الله تعالى ذلك عن عباده مطلقا !!

إذا صح هذا !! يلزم أن يكون نزول الآيات تلك في القرآن الكريم عملا عبثيا , لا جدوى منه !! لأن ضبط هكذا آيات وقراءتها , بحيث لا يعرف معناها غير الله , عز وجل , بعيد عن العقل , وعمل العقلاء , وحاشا الله الحكيم أن يأمر بمثل هذا . . .

 

2-   يفهم بالضرورة من هذا الرأي أن : ((الراسخون في العلم)) آمنوا بآيات الكتاب المتشابهة عليهم , وأعلنوا ذلك من دون فهمهم لها , ومعرفتهم بها !!

وكيف يكون ذلك , والعلم والعقل يحكمان بالفهم والمعرفة الكاملة بالشيء , قبل الإيمان به , كي يكون الإيمان إيمانا حقيقيا ثابتا , ويمنعان من الإيمان والتكذيب بالشيء , إلا على موازين الدراية , والتبصر , والتعقل , إلا تعبدا ؟!

وإذا كان لا يعرف أحد تأويل تلك الآيات , كيف آمن ((الراسخون في العلم)) بها , وهم يجهلون تأوليها ؟ ولا نسلم أن يكون إيمانهم تعبديا , لأنه لا يتطابق , ولا يتماشى مع العقل السليم , والمنطق الصحيح !!

ولا نرى إلا أن أصحاب هذه النظرية , قد انحرفوا عن طريق العقل والعلم , وأن في كلامهم هذا , بهتانا على الله عظيما , وتوجيها للآية المباركة , بغير الوجهة الإلهية !

 

3-   إن الله , عز وجل , الذي يأمر عباده في غالب الآيات القرآنية , بالتدبر , والتفكر , والتعقل , في كل الأمور عامة , وفي فهم الآيات القرآنية خاصة , كيف يمكن – والحال هذه – أن يحمل الله الحكيم عباده , الإيمان بالآيات المتشابهة , والتصديق بها , من دون تعقل وتفهم ؟!

هل يشبه العدل الإلهي عدالة حكام الأرض , والمستبدين , فيشوبه بعض الظلم والجور على عباده , فيأمرهم بالإيمان والتصديق , بشكل استبدادي وتحميلي , بحيث لا يسع الرعية إلا الإعلان بالموافقة والتأييد , خوفا على حياتهم , وعرضهم , فيقولوا : آمنا وسلمنا ؟!!

في الواقع والحقيقة , لا نرى أي دليل يدعم هذه النظرية , وإنه خيال باطل لا يتفق مع موازين العقل والعلم , ولا يسعنا إلا أن نحكم على أصحابها بعدم المعرفة بالمنطق الإلهي , والقوانين الربانية , من خلال نسبتهم القهر , والظلم , والإخفاق , إلى ساحة الربوبية العادلة !

 

4-   إذا كانت الآيات المتشابهة , لا يعرفها إلا الله , عز وجل – كما يقولون – وحتى الرسول الأكرم (ص) , والأئمة (ع) , لم يعطوا علمها , في هذه الحال , ما الحيلة إذا دخل أحد على الرسول (ص) , ليسأله عن تأويل إحدى الآيات المتشابهة , وما المقصود منها ؟ فهل يتعقل إنسان عاقل أن يقول له الرسول (ص) : ((لا أعلم!)) , وكم من السخرية بمكان أن يسأل الرسول (ص) , عن آية من آيات كتابه , الذي أنزل عليه , دليلا على نبوته , ويقول : ((لا أدرى !)) .

 

 

 

إلى هنا , وإذا نحن لا نسلم لأصحاب هذه النظرية في مسلكهم , وأوردنا عليها إشكالات غير قابلة للرد , نقول لهم :

إنكم قد ضللتم الطريق لمعرفة القرآن , بل إن الله , عز وجل , بلطفه وكرمه , جعل أمناء لوحيه , فأودع عندهم تفسير القرآن , وتأويله , ومحكمه ومتشابهه , وهم : محمد رسول الله (ص) , وأهل بيته (ع) , من بعده , فهيأهم لذلك , ورباهم , وجعلهم الراسخين في العلم , وأيدهم بذلك , وهم أول من علمهم القرآن , وهم المقصودون من الآية الشريفة : ]الرحمن  ! علم القرآن ! خلق الإنسان[(الرحمن 1-3) , في عالم الأنوار والأرواح , فاختارهم باختياره , أن يحملوا تلك المعلومات اللامتناهية , والأزلية , واللدنية , وأمرهم بأن يعلموا الناس منها , كلا بقدر طاقته واستيعابه , وحسبما تقتضيه الحكمة , لكي يطلع كل ذي بصيرة , وطالب علم ومعرفة , على تعاليم القرآن , وأسراره , ورموزه , فيسعد بالعمل به , ويرقى درجات التكامل , والوصول إلى القرب الإلهي , فيضمن سعادة الدنيا , والفوز بنعيم الآخرة .

وسيكون لنا في الفصل القادم , إن شاء الله تعالى , مزيد من الكلام , في هذا المجال .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة حول

((الراسخون في العلم))

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة حول : ((الراسخون في العلم)) :

الرسوخ في العلم :

قبل كل شيء , ومن أجل الوقوف على معنى الآية الشريفة , بشكل واضح , نبدأ بشرح مفردات الآية , أمثال : ((الراسخون في العلم , المحكم , المتشابه , أم الكتاب , التأويل , وغيرها. . . لنساعدك في فهم الآية فهما كاملا , ومن ثم يتبين بطلان إدعاء الوقف على لفظ الجلالة , وتكون مقدمة لعلم تفسير القرآن , وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم :

نبدأ بتوضيح وتفسير ((الراسخون في العلم)) , التي هي الهدف من الآية الشريفة :

1-   راسخون : جمع راسخ , وهي صفة من مصدر ((رسوخ)) , وجاء في كتب اللغة وكذلك في كتب التفسير : رسخ الشيء , يرسخ رسوخا , يعني : ثبت . والراسخ في العلم : الذي دخل فيه دخولا ثابتا . فإذن الراسخ : بمعنى الثابت . والراسخ في العلم : يعني الثابت في العلم , والثبوت في شيء , يعني الإستقرار والإستقامة , وعدم التزلزل فيه .

وعليه : الراسخ في العلم , هو الذي استقر واستقام في علمه , ولم يدخله تزلزل أو تردد , قد بنى معلوماته على اليقين والإستحكام , ببعدها عن الشك والريب .

 

2-   العلم : إسم محلى بالألف واللام , يفيد العموم , يعني جميع أنواع العلوم , فالمقصود منه في الآية المباركة : جميع أصناف العلوم , وكل ما من شأنه أن يسمى علما , ظاهرا كان أم باطنا , لفظا كان أم معنى .

وإذا قلنا : إن المقصود من ((العلم)) جميع علوم القرآن , فصحيح أيضا , لأن القرآن يصف نفسه أنه يحوي جميع العلوم كما تشير الآية الشريفة : ] ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين[ (الأنعام : 95) .

وقد ذكرنا في الجزء الأول من هذا الكتاب , بحثا مبسطا , مستدلا بأن القرآن الكريم خزانة جميع العلوم والفنون , فعلى من أراد المزيد في هذا المجال أن يرجع إليه .

والمحصل من هذا كله : إن ((الراسخون في العلم)) يعني : أولئك الذين أحاطوا بكل العلوم والفنون , وعلمهم ثابت ومستقر , بحيث لا يدخلهم أي شك , وتردد , أو زوال , أو تغيير .

وإذا تصفحنا تاريخ رجالات العلم في العالم , ونظرنا إلى ماهية علومهم , وكيفيتها , بشكل دقيق , وقسنا نتائج آثارهم , كما يحكيه التاريخ , فسنتوصل إلى الحقيقة الساطعة التي تفيد بأن وسام ((الراسخون في العلم)) , لا يستحقه إلا من رباه الله , وهيأه لإبلاغ رسالته إلى خلقه عموما , وعلى وجه الخصوص , خاتمهم وآخرهم محمد (ص) , وأهل بيته الكرام المعصومين (ع) , الذين غرفوا من ينابيع علمه الصافي , فصاروا معادن كلماته , وخزان علمه . . .

كما يتبين ويتضح إن هذا اللباس القدسي لا يليق إلا لقامة أولئك المقدسين فقط , لأنهم هم المرتبطون مع الملكوت , والمحيطون – بتعليم الله إياهم – بكل العلوم , وعلمهم بعلوم القرآن , وعجائب الإبداع فيه , ثابت ومستقر على نحو الإحاطة , بحيث لا يتسرب إليه أي شك , وتردد , وتزلزل .

إن أولئك الذين ليس لهم حفظ من الغيب , والعناية الربانية الخاصة , واكتسبوا علمهم من أمثالهم , وبشكل تدريجي , ليس عندهم ما يؤهلهم لتلك المنزلة السامية , والمقام الرفيع ((الراسخون في العلم)) إلا عن طريق المجاز , وقد أثبت التاريخ , كما تشهد كتب التراجم , أن أولئك الذين استندت معلوماتهم إلى المراحل الإكتسابية , لم يحيطوا بالعلوم المختلفة , بل كانت لديهم علوم محدودة , وأنهم غالبا مهزومون بالتطور البسيط للعلم الذي يحوونه , ولم يبدوا أي ثبات واستقرار , فسلموا لفشل نظرياتهم .

وكم من هؤلاء العلماء , من بذل جهدا متواصلا لسنين من العمر , لكشف حقيقة , أو التوصل إلى معرفة , ولكنهم بعد جهد عادوا يائسين من الظفر بها وتحصيلها !

وكم منهم من اعتقد بحقيقة , والتزم بنظرية , في مجال من مجالات العلم , ولكنهم سرعان ما تراجعوا عنها , وأعلنوا التزامهم بعكس ذلك !

وكم منهم من الذين ماتوا على الإلتزام بنظرياتهم فجاء تلامذتهم ليصححوا ما التزم به الأساتذة , بعد إبطالها !

إن هذه كلها دلائل كافية لعدم استقرار العلوم الإكتسابية عند هؤلاء .

ولكن التاريخ يسجل هذه الحقيقة :

إن الأنبياء والأولياء , ومحمدا (ص) وآل محمد (ع) , على وجه الخصوص , وحدهم الذين ثبتوا في نظرياتهم , واستقاموا على ما جاؤوا به , وإن مرور القرون المتطاولة على تاريخهم وكتبهم , لم يغير من المفاهيم التي حملتها كتبهم , وهي ما زالت على قوتها واستحكامها , وكأن العهد قريب من ظهورها وانتشارها .

إن (إنشتاين) ذلك العالم والفيلسوف الكبير يعترف بهذه الحقيقة , ويقول قولته المنصفة : ((إن الحقائق العلمية الكونية المستندة إلى الأدلة المذهبية , أقوى وأثبت , وأجدر , بالتحقيق , والتتبع العلمي)) .

ومحصل هذه المقدمات : إن المقصود من ((الراسخون في العلم)) , بالمنظار الحقيقي والواقعي , هم أساتذة القرآن , والمنصوص عليهم من قبل رب القرآن , وهم محمد (ص) , وآل محمد (ع) , دون سواهم , وإذا أطلقت على تلامذتهم الأفذاذ , أمثال :    عبد الله بن عباس , وعبد الله بن مسعود , وغيرهما , فإنه من باب المجاز , ولأنهم استقوا علومهم من تلك الينابيع العذبة , واهتدوا طريقهم بنور علومهم الواقعية , ولأنهم أخذوا من فتات تلك الموائد , وأصابهم رشحات من أمواج بحار علوم أولئك العظماء . . .

وإليك رواية صريحة في ذلك ننقلها استدلالا وتوضيحا للمقام :

نقل العلامة الخوئي , في كتاب ((منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة)) , عن كتاب (المناقب) لابن شهر آشوب , يرويها عن أبي القاسم الكوفي , أنه قال : إن ((الراسخون في العلم)) , هم الذين جعلهم الرسول الأكرم (ص) , عدلا للقرآن الكريم , في الحديث المشهور : ((إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله , وعترتي أهل بيتي , لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) .

وهو حديث صحيح , ومسلم به عند الفريقين .

 

 

 

ثم يعقب صاحب (المناقب) فيقول : ((الراسخ : في اللغة , بمعنى اللازم والثابت , واللازم : ما لا يتغير , ولا يتحول , ولا يزول . وهذه الصفات لا تتوفر في أحد إلا من طبعه الله بالعلم والمعرفة , من حين خلقته , مثل عيسى (ع) , الذي قال في حين ولادته : ]إني عبد الله آتاني الكتاب[ (مريم : 30) , ولكن الذين قضوا شطرا من عمرهم في الجهل , ثم حصلوا بعض العلم على قدر طاقتهم واستيعابهم , لم تتوافر فيهم صلاحية إحراز هذا الموقع الرفيع)) .

 

وهذا دليل عقلي آخر في حصر تطبيق ((الراسخون في العلم)) , على محمد (ص) , وآل محمد (ع) , والسفراء الإلهيين الذين كانت لديهم علوم لدنية .

وبالعودة إلى البحث من خلال الأخبار والأحاديث , نقول :

إن من المسلم عند جميع المسلمين : أن علي بن أبي طالب (ع) , أعلم الصحابة بعد رسول الله (ص) , وأنهم متفقون ومجمعون أنه عليه السلام : المرجع في جميع علوم القرآن , من التفسير والتأويل , والمحكم والمتشابه , والخاص والعام , والناسخ والمنسوخ , وغيرها من أسراره ورموزه . . .

وانهم معترفون أن المسلمين جميعا بحاجة إليه في فهم القرآن , وحل مشكلاته , ولكنه لم يحتج هو إلى غيره من الصحابة على الإطلاق !

وما أكثر ما لدينا من الأدلة والأخبار , من كتب الفريقين , التي تثبت أن علماء الصدر الأول , والخلفاء الثلاثة , رجعوا إلى علي بن أبي طالب (ع) , والتجأوا إليه في فهم ودرك حقائق القرآن , وحل مشكلاتهم العلمية المستعصية عليهم . . .

وكم من شواهد تاريخية تبين أن كبار الصحابة , والمقيمين على الإسلام والمسلمين , أفتوا بغير ما أنزل الله , من خلال جهلهم بالقرآن , وحقائق القرآن , وكادوا أن يقعوا في المهالك والمهاوي , لولا الأستاذ الواقعي للقرآن , أمير المؤمنين , علي بن أبي طالب (ع) , الذي كان يدركهم بعلمه , وينجيهم من انحرافهم , حفاظا على الشرع المقدس , وإحياء له , وضمانا لاستمراره , ونذكر بعض تلك الشواهد , للتثبت وازدياد اليقين :

 

* إعتراف الخلفاء الثلاثة بالمقام العلمي لعلي (ع) :

إنه من دواعي الفخر والإعتزاز لشيعة علي (ع) , إعتراف القريب والبعيد , والصديق والعدو , بفضل إمامهم وقائدهم , والتسليم له , والخضوع أمامه , وأن الجميع , بدءا بالرسول الأكرم (ص) , وانتهاء بالمعاندين من أعداء علي (ع) , رفعوا قدر علي (ع) , فوق الجميع , وميزوه عنهم , وحتى الخلفاء الثلاثة , الذين يعتبرهم أهل السنة والجماعة , وجوه الصحابة ومقدميهم , يصرحون بتفوق علي (ع) , وأفضليته على الجميع , وحتى أنفسهم , ويرجعون قضايا الأمة المصيرية إليه .

 

 

 

 

 

إن الأدلة كثيرة في هذا المجال , نذكر بعضا منها للنموذج , لا للحصر :

1-   يقول المحقق , والمؤرخ الشهير , والمنصف من أهل السنة : القاضي محمد بهلول بهجت أفندي , ما مضمونه :

روى علماء أهل السنة , أن الخلفية أبا بكر بن أبي قحافة , رقي المنبر , بعد أيام من خلافته , وقال : ((أقيلوني , ما أنا بخيركم وعلي فيكم . . .)) .

لقد انصف أبو بكر في مقاله حيث أجريت الحقيقة على لسانه , واعترف بوضوح , بأفضلية علي (ع) , على جميع الصحابة , وحتى على أبي بكر نفسه , وهذا دليل محكم على أن عليا (ع) , أعلم , وأشرف , وأفضل الصحابة في كل الجهات , وفي علوم القرآن خاصة .

2-   روى ابن حجر المكي في (الصواعق المحرقة : ص78) , وابن الأثير في (أسد الغابة : 4/22) , وأكثر من أربعين من العلماء , ورواة الأحاديث , أمثال : القاضي فضل الله روزبهان , وابن قتيبة الدينوري , وجلال الدين السيوطي , والإمام أحمد بن حنبل , وإبراهيم بن محمد الحمويني , وابن حجر العسقلاني , وابن عبد البر القرطبي , وعشرات العلماء أمثالهم , مما يطول ذكرهم في هذا المجال , كلهم ذكروا في مؤلفاتهم , وبروايات متواترة وقضايا متنوعة , تدل على اعتراف الخلفية عمر بن الخطاب , وفي أكثر من سبعين واقعة , ومأزقا علميا مختلفا , أنقذه علي (ع) منها , وساعده فيها , بما يحفظه من الزلل , والفشل , والإنحطاط , وقال عندها قولته المعروفة : ((لولا علي لهلك عمر!)) .

ونشير إلى عدد من تلك الوقائع والحوادث :

3-   (المناقب) للخوارزمي : ((لما كان في ولاية عمر , أتى بامرأة حامل , سألها عمر عن ذلك , فاعترفت بالفجور , فأمر بها عمر أن ترجم .  فلقيها علي بن أبي طالب (ع) , فقال : ما بال هذه المرأة ؟ فقالوا : أمر بها عمر أن ترجم ! فردها علي (ع) , فقال له : أمرت بها أن ترجم ؟ فقال : نعم , اعترفت عندي بالفجور , فقال : هذا سلطانك عليها , فما سلطانك على ما في بطنها ؟ ثم قال له علي (ع) : فلعلك انتهرتها , أو أخفتها ! فقال عمر : قد كان ذلك . قال علي (ع) : أوما سمعت رسول الله (ص) يقول : ((لا حد على معترف بعد البلاء)) أنه من قيدت , أو حبست , أو تهددت , فلا إقرار له . فخلى عمر سبيلها , ثم قال : ((عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب (ع) , لولا علي لهلك عمر)) .

4-   (الفصول المهمة) لإبن الصباغ المالكي : ((إن رجلا أتى به إلى عمر بن الخطاب (رض) , وكان صدر منه أنه قال لجماعة من الناس , وقد سألوه : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت أحب الفتنة , واكره الحق , وأصدق اليهود والنصارى , وأؤمن بما لم أره , وأقر بما لم يخلق ! فرفع إلى عمر (رض) فأرسل إلى علي , كرم الله وجهه , فلما جاءه , أخبره بمقالة الرجل , قال : صدق , يحب الفتنة , قال الله تعالى : ]إنما أموالكم وأولادكم فتنة[ (التغابن : 15) , ويكره الحق : الموت : قال الله تعالى : ]وجاءت سكرة الموت بالحق[ (ق : 19) , ويصدق اليهود والنصارى , قال الله تعالى : ]وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء[ (البقرة : 113) , ويؤمن بما لم يره :  يؤمن بالله , عز وجل , ويقر بما لم يخلق : يعني الساعة . فقال عمر (رض) : أعوذ بالله من معضلة لا علي لها !)) .

5-   (الجمع بين الصحيحين) , للحميدي : أتي عمر بخمسة نفر , يزنون بامرأة في محل واحد , وثبت لديه شرعا أن الخمسة زنوا بها . فأمر أن يقام على كل واحد منهم الحد . في هذا الوقت , دخل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) , المسجد , واطلع على القضية , واستمع إلى فتوى عمر حيث خاطبه قائلا : يا عمر ! إن حكم الله تعالى في هذه المسألة , غير هذا الحكم , وأنت حكمت فيها بغير حكم الله تعالى . فقال عمر : يا علي ! ثبت الزنا , وبعد ثبوته حكمهم الرجم ! فقال (ع) : حكم الزنا في الموارد المختلفة يختلف , وهذه من الموارد المختلفة التي يختلف فيها حكم الرجم , فقال عمر : أجر بما هو حكم الله ورسوله , لأنني سمعت  رسول الله (ص) , يقول : ((علي أعلمكم وأقضاكم)) . فأحضر الخمسة , فقدم واحدا منهم فضرب عنقه , وقدم الثاني فرجمه , وقدم الثالث فضربه الحد , وقدم الرابع فضربه نصف الحد , وقدم الخامس فعزره , فتحير عمر , وتعجب الناس من فعله . فقال عمر : يا أبا الحسن ! خمسة نفر في قضية واحدة , أقمت عليهم خمسة حدود , ليس شيء منها يشبه الآخر ؟! فقال أمير المؤمنين (ع) : أما الأول : فكان ذميا , خرج عن ذميته , لم يكن له حكم إلا السيف , وأما الثاني : فرجل محصن , كان حده الرجم , وأما الثالث : فغير محصن , جلد الحد , وأما الرابع , فعبد ضربناه نصف الحد , وأما الخامس : فمجنون , مغلوب على عقله , فعزرناه . فقال عمر : لولا علي لهلك عمر , لا عشت في أمة لست فيها يا أبا الحسن ! .

6-   القرطبي , في تفسيره , والعلامة الحلي , في ((كشف الحق)) , عن ((صحيح مسلم)) , وهو من أمهات الكتب الحديثة المعتبرة عند أهل السنة : ((إن امرأة دخلت على زوجها , فولدت لستة أشهر , فذكر ذلك لعثمان بن عفان , فأمر بها أن ترجم , فدخل عليه علي , فقال : إن الله , عز وجل , يقول : ]وحمله وفصاله ثلاثون شهرا[ (الأحقاف : 15)  , وقال أيضا : ]وفصاله قي عامين[ (لقمان : 14) , قال : فوالله ما كان عند عثمان إلا أن بعث إليها فرجمت)) .

7-   ((تاريخ الخلفاء)) , للسيوطي , و((حلية الأولياء)) , لأبي نعيم الأصفهاني , و((أسنى المطالب)) , لمحمد الجزري , و((الطبقات)) , لابن سعد , و((التاريخ الكبير)) , لابن كثير , و((الاستيعاب)) , لابن عبد البر , وهذه كلها من الكتب المعتبرة عند أهل السنة , ومؤلفوها من أجلة العلماء عندهم , وكلهم يروون عن عمر بن الخطاب أنه قال عدة مرات : ((علي أقضانا)) .

8-   ((الاحتجاج)) , للشيخ الطبرسي : ((روي أنه وفد وفد من بلاد الروم إلى المدينة , على عهد أبي بكر , وفيهم راهب من رهبان النصارى , فأتى مسجد رسول الله (ص) , ومعه بختي موقر ذهبا وفضة , وكان أبو بكر حاضرا , وعنده جماعة من المهاجرين والأنصار . فدخل عليهم , وحياهم , ورحب بهم , وتصفح وجوههم , ثم قال : أيكم خليفة رسول الله , وأمين دينكم ؟ فأومي إلى أبى بكر , فأقبل إليه بوجهه , ثم قال : أيها الشيخ ! ما اسمك ؟ قال : عتيق . : ثم ماذا ؟ قال : صديق . قال : ثم ماذا ؟ قال : لا أعرف لنفسي إسما غيره . فقال : لست بصاحبي !

فقال له : وما حاجتك ؟ قال : أنا من بلاد الروم , جئت منها ببختي موقر ذهبا وفضة , لأسأل أمين هذه الأمة مسألة , إن أجانبي عنها أسلمت , وبما أمرني أطعت , وهذا المال بينكم فرقت , وإن عجز عنها , رجعت إلى الوراء بما معي , ولم أسلم .

فقال له أبو بكر : سل عما بدا لك ! فقال الراهب : والله لا أفتح الكلام ما لم تؤمني من سطوتك , وسطوة أصحابك . فقال أبو بكر : أنت آمن , وليس عليك بأس , قل ما شئت . فقال الراهب : أخبرني عن شيء ليس لله , ولا من عند الله , ولا يعلمه الله ؟!

فارتعش أبو بكر , ولم يحر جوابا , فلما كان بعد هنيهة قال لبعض أصحابه : إئتني بأبي حفص , عمر , فجاء به , فجلس , عنده , ثم قال : أيها الراهب ‍ يله . فأقبل بوجهه إلى عمر , وقال له مثل ما قال لأبي بكر , فلم يحر جوابا .

ثم أتي بعثمان , فجرى بين الراهب وعثمان , مثل ماجرى بينه , وبين أبي بكر وعمر , فلم يحر جوابا , فقال الراهب : أشياخ كرام , ذوو فجاج لا سلام ! ثم نهض ليخرج .

فقال أبو بكر : يا عدو الله ! لولا العهد , لخضبت الأرض بدمك ! فقام سلمان الفارسي , رضي الله عنه , وأتى علي بن أبي طالب (ع) , وهو جالس في صحن داره , مع الحسن والحسين (ع) , وقص عليه القصة .

فقال علي (ع) , وخرج ومعه الحسن والحسين (ع) , حتى أتى المسجد , فلما رأى القوم عليا (ع) , كبروا الله , وحمدوا الله , وقاموا إليه أجمعهم , فدخل علي (ع) , وجلس .

فقال أبو بكر : أيها الراهب ! سله , فإنه صاحبك وبغيتك .

قاقبل الراهب بواجهه إلى علي (ع) , ثم قال : يا فتى ! ما اسمك ؟

قال (ع) : إسمي عند اليهود ((إليا)) , وعند النصارى ((إيليا)) , وعند والدي ((علي)) , وعندي أمي ((حيدرة)) .

 

قال : ما محلك من نبيكم ؟

قال (ع) : أخي , وصهري , وابن عمي .

قال الراهب : أنت صاحبي ورب عيسى ! أخبرني عن شيء ليس لله , ولا من عند الله , ولا يعلمه الله .

قال (ع) : على الخبير سقطت . أما قولك : ((ما ليس لله)) : فإن الله تعالى أحد , ليس له صاحبة , ولا ولد . وأما قولك : ((ولا من عند الله)) : فليس من عند الله ظلم لأحد . وأما قولك : ((لا يعلمه الله)) : فإن الله لا يعلم له شريكا في الملك .

 

 

 

 

 

فقام الراهب , وقطع زناه , وأخذ رأسه , وقبل مابين عينيه , وقال :((أشهد أن لا إله إلا الله , وأن محمدا رسول الله , وأشهد أنك أنت الخليفة , وأمين هذه الأمة , ومعدن الدين , والحكمة , ومنبع عين الحجة , لقد قرأت اسمك في التوراة (إليا) , وفي الإنجيل (إيليا) , وفي القرآن (عليا) , وفي الكتب السابقة (حيدرة) , ووجدتك بعد النبي وصيا , وللإمارة وليا , وأنت أحق بهذا المجلس من غيرك , فأخبرني ما شأنك وشأن القوم ؟

فأجابه بشيء , فقام الراهب , وسلم المال إليه بأجمعه . فم برح علي (ع) مكانه , حتى فرقه في مساكين أهل المدينة , ومحاويجهم , وانصراف الراهب إلى قومه مسلما . (اهـ) .

 

9- ((الصواعق المحرقة)) لابن حجر المكي : ((أخرج أحمد أن رجلا سأل معاوية عن مسألة , فقال : إسأل عنها عليا فهو أعلم , فقال : يا أمير المؤمنين ! جوابك فيها أحب إلي من جواب علي . قال : بئس ما قلت , لقد كرهت رجلا كان رسول الله (ص) يغره بالعلم غرا . ولقد قال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي , وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه . وأخرجه آخرون بنحوه , لكن زاد بعضهم : قم لا أقام الله رجليك- ومحا اسمه من الديوان- ولقد كان عمر يسأله , ويأخذ عنه , ولقد شهدته إذا أشكل عليه شيء قال : هاهنا علي)) .

إن الناظر البصير , والمدقق في هذه الأحاديث المتواترة , التي هي نموذج من تلك الأحاديث المتكاثرة في كتب الفريقين , من المسلمين , سوف يقف على هذه الحقيقة الجلية : أن علي بن أبي طالب (ع) , أعلم أصحاب رسول الله بالقرآن , بل في جميع العلوم , من دون شك أو تردد .

وسيجد فيها , وبشكل واضح , كيف أن الخلفاء الثلاثة , وحتى معاوية ذاك العدو اللدود للإمام , يعترفون ويقرون بفضل علي (ع) , وعلو مرتبته العلمية , وأنهم بحاجة ماسة إليه , في فهم القرآن , وتفسيره , وتأويله . وإن عمر بن الخطاب , الذي كان معجبا بنفسه , يقول قولته المعروفة : ((لولا علي لهلك عمر !)) , وبأكثر من سبعين مرة , وقال عدة مرات : ((لا يفتين أحد في المسجد , وعلي حاضر !)) , مما يؤكد حاجة الصحابة الشديدة له في فهم القرآن الشريف .

ولو كان بمقدورهم التوصل إلى تفسير القرآن , وتأويله , من دون الرجوع إلى علي (ع) , أو كان لديهم في بطانتهم مرجع آخر , في هذا المجال , غيره , لما اضطروا للتنويه باسم علي (ع) , والإعتراف بالخضوع والتذلل تجاهه , مع أنهم يشغلون مقاما , يدعون أنه لهم من دون علي (ع) .

ولو تصفحنا صفحات التاريخ , ودققنا في سطوره , لم نجد على الإطلاق أن الخلفاء الثلاثة تواضعوا لأحد , واعترفوا بعظمته , كما فعلوا مع علي (ع) .

ويكفي هذا دليلا قاطعا على أنه لا يمكن تسمية أحد ووصفه بأنه ((راسخ في العلم)) بعد رسول الله (ص) , إلا علي بن أبي طالب , أمير المؤمنين , وأن الباقين عيال عليه في فهم القرآن وعلمه .

وأي دليل أبين , وأقوى من كلام معاوية , ذاك الخصم المعاند تجاه علي – كما قرأت وقديما قيل : ((والفضل ما شهدت به الأعداء)) .

ولا ريب أن هذه المنزلة العلمية الرفيعة بعد علي (ع) , انتقلت إلى أهل بيت النبوة , يعني الأئمة الأطهار , وأوصياء رسول الله (ص) المحقين , وخزائن علمه , بحيث لا يشاركهم في تلك المرتبة والمنزلة أحد .

وللتأكيد على هذا , ولكي يثبت الذين ترددوا فيه , ووسوس , الشيطان في قلوبهم وراحوا يتأولون في تطبيق الآية الكريمة , للتعرف الواضح على هوية ((الراسخون في العلم)) وإثباتا بأنهم علي (ع) وأولاده , عليهم السلام , ننقل جملة من الروايات الصحيحة , والمعتبرة عند الفريقين :

1- ((حلية الأولياء)) للحافظ أبي نعيم الأصفهاني : بأسناده إلى عبد الله بن مسعود , قال : ((إن القرآن أنزل على سبعة أحرف , ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن , وأن علي بن أبي طالب (ع) عنده علم الظاهر والباطن)) .

2- ((ينابيع المودة)) للشيخ سليمان الحنفي , بأسناده إلى حبر الأمة عبد الله بن عباس , قال : ((علم النبي (ص) من علم الله , وعلم علي من علم النبي (ص) , وعلمي من علم علي , وما علمي وعلم الصحابة في علم علي , إلا كقطرة في سبعة أبحر)) .

3- ((الفصول المهمة)) لنور الدين بن الصباغ المالكي , الذي هو من أجلة علماء العامة , يقول في وصف علي (ع) : ((في ذكر شيء من علومه : فمنها علم الفقه الذي هو مرجع الأحكام (الأنام – خ ل) , ومنبع الحلال والحرام فقد كان علي (ع) , مطلعا على غوامض أحكامه , منقادا له , جامحا بزمامه , مشهودا له فيه بعلو محله ومقامه , ولهذا خصه رسول الله (ص) بعلم القضاء , كما نقله الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي , رحمة الله عليه , في كتابه ((المصابيح)) , مرويا عن أنس بن مالك : إن رسول الله (ص) خصص جماعة من الصحابة , كل واحد بفضيلة : خصص عليا بعلم القضاء , فقال : وأقضاكم علي)) .

4-   كتاب ((ألف باء)) لأبي الحجاج البلوي , روى فيه :

((عندما بلغ معاوية نبأ مقتل علي بن أبي طالب (ع) , قال : ((لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب)) .

أقول : ما أفخر وما أحلى هكذا شهادة , إنها شهادة صريحة وبينة تخرج من لسان ألد الأعداء !

وهذا إن دل على شيء , فإنما يدل على الأمواج اللامتناهية من بحار علوم علي (ع) السماوية , التي راحت تسخر العالم الإسلامي والعربي آنذاك , وتشد إليها أفكار وعقول العلماء والعظماء , بحيث أن العدو والصديق لا يجد حلية في الهروب من الإعتراف والتصديق , وإظهار الخضوع والتواضع تجاهها .

 

 

 

ولا عجب من علي (ع) , ذلك المربى بالعناية الملكوتية , وصاحب الإتصال الوثيق بالعوالم السماوية , لا عجب من أن تشرق أنوار علومه وتمتد , لتغطي بإشعاعها العلم والفضيلة حيث كانا , وحتى في زماننا هذا عصر العلم والإكتشافات العلمية , وتبقى نجما مضيئا ينير درب العلم والعلماء إلى يوم القيامة .

5-((الفتح المبين)) , لأبي عبد الله محمد بن علي , الحكيم الترمذي , قال في فضل علي (ع) , ومقامه العلمي : ((كانت الصحابة (رضي الله عنهم) , يرجعون إليه في أحكام الكتاب , ويأخذون عنه الفتاوى , كما قال عمر بن الخطاب (رض) في عدة مواطن : ((لولا علي لهلك عمر )) , وقال رسول الله (ص) :

((أعلم أمتي علي بن أبي طالب)) .

6- ((المناقب)) , لإبن شهر آشوب المازندراني : ((عن عكرمة , عن ابن عباس : أن عمر بن الخطاب , قال له : يا أبا الحسن ! إنك لتعجل في الحكم والفصل , للشيء , إذا سئلت عنه ؟ قال : فأبرز علي كفه , وقال له : كم هذا ؟ فقال عمر : خمسة , فقال : عجلت يا أبا حفص , قال : لم يخف علي , فقال علي : وأنا أسرع فيما لا يخفى علي)) .

 

* المقصود من (( الراسخون في العلم)) : بعد رسول الله (ص) هم علي وأولاده الأطهار (ع) :

ثبت بما ذكرنا أن المقصود من ((الراسخون في العلم)) , هم محمد (ص) , وآل محمد (ع) , فقط وليس لأحد أن يدعي ذلك المقام , وتلك الرتبة , إلا الكذاب والمفتري .

وللمزيد من التأكيد والإثبات , نذكر بعض الأدلة الإضافية :

1- ((نهج البلاغة)) , يقول أمير المؤمنين في ((الراسخون في العلم)) : ((أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا , كذبا وبغيا علينا أن رفعنا الله ووضعهم , وأعطانا وحرمهم , وأدخلنا وأخرجهم ؟! بنا يستعطى الهدى , ويستجلى العمى . إن الأئمة من قريش , غرسوا في هذا البطن من هاشم , لا تصلح على سواهم , ولا تصلح الولاة من غيرهم . . .)) .

2- ((أصول الكافي )) , كتاب الحجة , باب ((الراسخون في العلم هم الأئمة , عليهم السلام)) : عن أبي بصير , عن الإمام الصادق (ع) , أنه قال : ((نحن الراسخون في العلم , ونحن نعلم تأويله)) .

3- ((أصول الكافي)) : عن عبد الرحمن بن كثير , عن الإمام الصادق (ع) , قال : ((الراسخون في العلم : أمير المؤمنين , والأئمة من بعده , عليهم السلام)) .

4- ((بصائر الدرجات)) : بأسناده عن بريد العجلي , عن الإمام الباقر (ع) , أنه قال في تفسير الآية المباركة )وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم( : ((رسول الله (ص) أفضل الراسخين , قد علمه الله جميع ما أنزل الله إليه , من التنزيل , والتأويل , وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله , وأوصياؤه من بعده , يعلمونه كله , والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيه العلم , فأجابهم الله : )يقولون آمنا به كل من عند ربنا(  .

والقرآن له خاص وعام , ومحكم ومتشابه , وناسخ ومنسوخ , والراسخون في العلم يعلمونه)) .

 

5-((بصائر الدرجات)) : عن أبي الصباح الكناني , عن الإمام الصادق (ع) , قال : ((يا أبا صالح ! نحن قوم فرض الله طاعتنا , لنا الأنفال , ولنا صفو المال , ونحن الراسخون في العلم , ونحن المحسودون الذين قال الله : )أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله( (النساء :54) .

 

6-((ينابيع المودة)) : عن موفق بن أحمد , قال : قال علي (ع) : ((ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت , وأين نزلت , وعلى من أنزلت , وإن ربي وهب لي لسانا طلقا , وقلبا عقولا)) .

 

     7- ((ينابيع المودة)) : الحمويني بسنده عن شفيق , عن ابن مسعود , قال : ((وإن عند علي (ع) , علم القرآن , ظاهره وباطنه)) .

نستنج من مجموعة الأحاديث المتواترة والصحيحة المتقدمة , التي هي جزء من مجموع الأحاديث , في هذا الشأن , عن طريق الخاصة والعامة , أنه :

أولا : ((الراسخون في العلم)) : هم محمد (ص) , وآل محمد (ع) , فقط , ولا يشاركهم , ولا يصلح لمشاركتهم فيها أحد .

ثانيا : إنهم يعلمون جميع الأسرار والرموز , والظاهر والباطن , والتفسير والتأويل , والمحكم والمتشابه , من القرآن الكريم , مؤيدون بذلك من الله , تبارك وتعالى , وليس باستطاعة أحد أن يستقل في تفسير وتأويل القرآن الكريم , مستندا إلى معلوماته المحدودة , أو أن يرجع متشابهات القرآن إلى محكماته , أو يخوض في أسرار المتشابهات . . .

بل على الناس الرجوع إليهم , والإستفادة من علومهم , والتتلمذ عليهم , حيث يقول الإمام الصادق (ع) : ((نحن العلماء , وشيعتنا المتعلمون)) .

وفي الخلاصة : إن الوقف على لفظة الجلالة , في الآية المذكورة , لا يتفق مع الهدف الإلهي , عقلا , ونقلا , والقول به باطل وعاطل .

ولتثبيت هذه الحقيقة نذكر نماذج من تأويل الأئمة المعصومين من آل البيت (ع) , للآيات المتشابهة من القرآن الكريم .

 

 

 

 

* علي مصدر كل علم :

هناك اعترافات صريحة من أساطين العلم , وكبار العلماء , بأن عليا (ع) , مؤسس , ومبتكر كل العلوم , بعد رسول الله (ص) , وإليه يعود أصل كل علم , إليك بعضها :

1- ابن أبي الحديد المعتزلي , في مقدمة شرحه لـ (نهج البلاغة) , قال : ((وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة , وتنتهي إليه كل فرقة , وتتجاذبه كل طائفة , فهو رئيس الفضائل وينبوعها , وأبو عذرتها , وسابق مضمارها , ومجلي حلبتها , كل من برع فيها فمنه أخذ , وله اقتفى , وعلى مثاله احتذى . . .)) .

ثم جعل يذكر العلوم وأنواعها , وإرجاعها إلى علي (ع) , إلى أن قال :

((ومن العلوم : علم تفسير القرآن , وعنه أخذ , ومنه فرع , وإذا رجعت إلى كتب التفسير , علمت صحة ذلك , لأن أكثره عنه , وعن عبد الله بن عباس , وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له , وانقطاعه إليه , وأنه تلميذه وخريجه . وقيل له : أين علمك من علم ابن عمك ؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط)) .

وفي الحقيقة , إن الذي ينظر في مقدمة (شرح النهج) لابن أبي الحديد , ليفتخر ويتباهى , أن إنسانا عالما مثله , يحثه إنصافه , ويدفعه ليقول قوله الفصل , النابع من قلب معجب , ومؤمن , بفضل علي (ع) , وموقعه العلمي , فيقول :

((وهذا يكاد يلحق بالمعجزات , لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر , ولا تنهض بهذا الإستنباط)) .

 

2- ((التفسير والمفسرون)) : يقول مؤلفه الأستاذ محمد حسين الذهبي , وهو أستاذ الحديث في (جامعة الأزهر) بـ (مصر) , وله شهرة عالمية في تفسير القرآن , وهو من المتعصبين لمذهبه , ولكن لا تمنعه طائفيته من أن يقول في مقام علي (ع) , العلمي , وإحاطته بأسرار القرآن وعلومه :

((كان , رضي الله عنه , بحرا في العلم , وكان قوي الحجة , سليم الإستنباط , أوتي الحظ الأوفر من الفصاحة , والبلاغة , والشعر , والعقل القضائي الناضج , وبصيرة نافذة إلى بواطن الأمور . وكثيرا ما كان يرجع إليه الصحابة في فهم ما خفي , واستجلاء ما أشكل . . .)) .

إلى أن قال :

(( جمع علي , رضي الله عنه , إلى مهارته في القضاء والفتوى , علمه بكتاب الله , وفهمه لأسراره , وخفي معانيه , فكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل , ومعرفة التأويل . . .)) .

 

 

 

3- ((ينابيع المودة)) , ينقل عن ابن طلحة الحلبي قوله : ((إعلم إن جميع أسرار الكتب السماوية في (القرآن) , وجميع ما في القرآن في (الفاتحة) , وجميع ما في الفاتحة في (البسملة) , وجميع ما في البسملة في (باء) البسملة , وجميع ما في (باء) البسملة , في (النقطة) التي هي تحت (الباء) . قال الإمام علي , كرم الله وجهه , أنا النقطة التي تحت (الباء) (اهـ) .

أقول : لنا في المقام شواهد , وروايات كثيرة , نذكر بعضا منها :

 

4-((المناقب)) للخوارزمي , و((مطالب السؤول)) لابن طلحة الشافعي كلاهما عن ((الدر المنظم)) , لابن طلحة الحلبي : عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : ((سلوني عن أسرار الغيوب , فإني وارث علوم الأنبياء والمرسلين)) .

 

5- ((ينابيع المودة)) , عن الإصبع بن نباتة , قال : سمعت أمير المؤمنين (ع) , يقول : إن رسول الله (ص) علمني ألف باب , وكل باب منها يفتح ألف باب , فذلك ألف ألف باب , حتى علمت ما كان , وما يكون إلى يوم القيامة . . .)) .

 

6- ((ينابيع المودة)) , عن ابن عباس , أنه قال : ((أخذ بيدي الإمام علي (ع) , في ليلة مقمرة , فخرج بي إلى البقيع , بعد العشاء , وقال : إقرأ يا عبد الله فقرأت : بسم الله الرحمن الرحيم . فتكلم لي في أسرار الباء , إلى بزوغ الفجر)) .

 

7- ((الفردوس بمأثور الخطاب)) , للديلمي , و((كنز العمال)) , للمتقي الهندي , وآخرون غيرهم , رووا أن رسول الله (ص) , قال : ((أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب)) .

 

8- ((المناقب)) لإبن المغازلي الشافعي , و((المناقب)) للخوارزمي , وغيرهما , عن عبدالله بن مسعود , وكذلك محمد بن طلحة الشافعي في ((مطالب السؤول)) , نقلا عن ((حلية الأولياء)) : عن علقمة بن عبدالله , كلهم عن رسول الله (ص) , قال : ((قسمت الحكمة على عشرة أجزاء , فأعطي علي تسعة أجزاء , والناس جزءا واحدا , وهو أعلم بالعشر الباقي)) .

 

 

 

9- ((المناقب)) للخوارزمي , و((ينابيع المودة)) للحافظ سليمان الحنفي : عن أبي الصباح الكناني , عن رسول الله (ص) : ((أتاني جبرئيل بدرنوك من الجنة , فجلست عليه , فلما صرت بين يدي ربي , كلمني وناجاني , فما علمت شيئا , إلا علمته عليا (ع) , فهو باب علمي)) , ثم دعاه إليه , فقال : ((يا علي ! سلمك سلمي , وحربك حربي , وأنت العلم فيما بيني وبين أمتي)) .

 

10-((ينابيع المودة)) للحافظ سليمان الحنفي : عن محمد بن علي الحكيم الترمذي في شرح الرسالة الموسومة بـ ((الفتح المبين)) , عن أمير المؤمنين (ع) , أنه قال :

((لو ثنيت لي الوسادة , وجلست عليها , لحكمت لأهل التوراة بتوراتهم , ولأهل الإنجيل بإنجيلهم , ولأهل القرآن بقرآنهم )) . ولهذا كانت الصحابة , رضي الله عنهم , يرجعون إليه في أحكام الكتاب , ويأخذون عنه الفتاوى , كما قال عمر بن الخطاب (رض) في عدة مواطن : ((لولا علي لهلك عمر)) . وقال (ص) : ((أعلم أمتي علي بن أبي طالب)) (اهـ) .

إن هذه الأحاديث المسندة , والصحيحة , التي ذكرت على سبيل المثال , لا الحصر , والتي أيدها وصدقها كبار علماء العامة , والخاصة , تدل بوضوح على أن الإمام علي بن أبي طالب , وارث علوم رسول الله (ص) , وعالم بجميع أحكام وأسرار القرآن الكريم , والكتب السماوية كلها , وإليه تنتهي كل العلوم والفنون , ومنها علم التفسير والتأويل للقرآن الكريم , وإن هذا من المقامات العالية , والمكانات السامية , لدى أهل العقل والفهم .

وكما هو ثابت في محله , من خلال الأدلة القوية القويمة , التي ذكرنا بعضها في هذا الكتاب , أن الأئمة الأحد عشر من أولاد علي عليهم الصلاة والسلام , هم ورثة علومه ومقاماته , وأنهم نظراؤه في مقام الإمامة والولاية العامة الإلهية , وفي غيرها من الشؤون العلمية والمعنوية , ولا فرق بينهم وبينه فيها .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بعض

الآيات المتشابهة وتأويلها

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بعض الآيات المتشابهة وتأويلها :

إن الآيات المذكورة ذيلا هي نموذج من الآيات القرآنية المتشابهة , التي في حملها على معناها الظاهري , مخالفة للتوحيد , ومساوقة للكفر , والشرك المحض .

ثم نبين المعنى الصحيح للآية المتشابهة , وتأويلها , من كلمات الأئمة المعصومين (ع) :

1- )وجاء ربك والملك صفا صفا( (الفجر : 22)

2- )كل من عليها فان # ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام( (الرحمن : 27,26) .

3- )كل شيء هالك إلا وجهه( (القصص : 88) .

4- )يد الله فوق أيديهم( (الفتح :10) .

5- ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور( (البقرة :210) .

إن الآيات التي ذكرناها ما هي إلا على سبيل المثال , ولها نظائر كثيرة في القرآن الكريم , تدل في ظاهرها على تجسم الله , تبارك وتعالى , وبشكل صريح , حيث أن الآية الأولى , والخامسة منها , تحكي عن ظهور الله , عز وجل , في صفوف الملائكة , للرائين والناظرين .

والآيات : الثانية , والثالثة , والرابعة , تثبت لله , عز وجل , أعضاء وجوارح , ويدا , ووجها , ورجلا , كسائر المخلوقات , وبديهي أن هذه الأمور تخالف عقيدة التوحيد , وتناقض بقية الآيات القرآنية .

ومن المسلم به عند جميع الموحدين في العالم , والمسلمين منهم على وجه الخصوص , أن الله , تبارك وتعالى , ليس بجسم , وليست له جوارح مثل مخلوقاته , بل هو موجود لا كالموجودات , وليس لأحد أن يصوره في فكره , ووهمه , وخياله , وهو تعالى منزه عن كل ذلك .

فإذا لا حيلة في فهم هكذا آيات متشابهة , يخالف ظاهرها العقائد الحقة , إلا بالعودة والرجوع إلى أساتذة القرآن الواقعيين , أعني أهل البيت (ع) , فنسألهم لكشف الصواب عن معانيها .

وفي هذا الصدد , نذكر روايات عدة , عن أئمة أهل البيت (ع) , ليتبين المعنى الواقعي , والتأويل الصحيح للآيات :

 

 

 

1- ((عيون أخبارالرضا (ع) )) : بأسناده عن علي بن موسى الرضا (ع) , أنه قال : ((من شبه الله تعالى بخلقه , فهو مشرك , ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر)) .

والملاحظ من هذا الحديث , أن الإمام الرضا (ع) يعتبر أن كل من يشبه الخالق بالمخلوق , كأن ينسب إليه تعالى أعضاء وجوارح , أو يدعي رؤيته بالعين المجردة , مما يستلزم الجسمية , فهو كافر محضا , ومن يعتقد بذلك فهو مشرك .

ويؤيد القرآن الشريف هذه الرواية حين يقول تعالى : )ليس كمثله شيء( (الشورى : 11)  , وكذلك قوله تعالى : )لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار( (الأنعام : 103) .

وعليه , فالإعتقاد بظاهر الآيات المتشابهة , يتعارض مع عقيدة التوحيد , وصريح الآيات , والروايات الواردة عن آل محمد (ع) , فلا مناص من الرجوع إلى الأئمة (ع) , لكسب المعنى الحقيقي لها , المطابق للعقيدة التوحيدية الخالصة , ويدعمها الحديث التالي :

 

2- ((عيون أخبار الرضا (ع) )): بأسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي (أبو الصلت) , قال : ((قلت للإمام علي بن موسى الرضا (ع) : مولاي ! ما تقول فيما يرويه العامة (أهل الحديث – خ ل) , أن المؤمنين يزورون ربهم في منازلهم في الجنة؟!

((فقال (ع) : يا أبا الصلت ! إن الله , تبارك وتعالى , فضل نبيه محمدا (ص) , على جميع خلقه , من النبيين , والملائكة , وجعل طاعته طاعته , ومتابعته متابعته , وزيارته في الدنيا والآخرة , زيارته , فقال , عز وجل : )من يطع الرسول فقد أطاع الله( (النساء : 80) , وقال : )إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم( (الفتح : 10) .

(( وقال النبي (ص) : من زارني في حياتي , أو بعد موتي , فقد زار الله تعالى)) , ودرجة النبي (ص) في الجنة , أرفع الدرجات , فمن زاره في درجته في الجنة , من منزله , فقد زار الله , تبارك وتعالى . . .)) .

 

المحصل من هذا الحديث : إن المقصود من الآيات والروايات , التي تتضمن رؤية الله , عز وجل , ليس ذات الله , لأنه ثابت أن ذات الله ليست بجسم , ولا يتجسم ليرى بالعين , بل المقصود من رؤية الله , رؤية مظاهر قدرته , وسفرائه , أعني محمدا (ص) , وآل محمد (ع) , كما بينه الإمام الرضا (ع) , في الحديث الماضي .

 

* وجاء في تأويل الآية المباركة : ) وجاء ربك والملك صفا صفا( :

1- ((عيون أخبار الرضا (ع))) : إبن بابويه , بأسناده عن علي بن فضال , عن أبيه , عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) , في تأويل الآية المباركة , قال (ع) : ((إن الله تعالى , لا يوصف بالمجيء والذهاب , تعالى عن الإنتقال , إنما يعني بذلك : ((وجاء أمر ربك , والملك , صفا صفا)) .

ومعلوم أن حاملي الأمر الإلهي في الدنيا والآخرة , هم محمد (ص) , وآل محمد (ع) .

 

2- ((عيون أخبار الرضا (ع) )) : بأسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي (أبو الصلت) , قال : يا بن رسول الله ! فما معنى الخبر الذي رووه : ((إن ثواب لا إله الله , النظر إلى وجه الله تعالى ؟ )) فقال (ع) :

((يا أبا الصلت ! من وصف الله تعالى بوجه كالوجوه , فقد كفر , ولكن وجه الله تعالى , أنبياؤه , ورسله , وحججه , صلوات الله عليهم , هم الذين بهم يتوجه إلى الله , عز وجل , وإلى دينه ومعرفته , وقال الله تعالى : )كل من عليها فان# ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام( (الرحمن : 26 , 27) , وقال , عز وجل : )كل شيء هالك إلا وجهه( (القصص : 88) , فالنظر إلى أنبياء الله تعالى , ورسله , وحججه (ع) , في درجاتهم , ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة , وقد قال النبي (ص) : ((من أبغض أهل بيتي وعترتي , لم يرني , ولم (فلم – خ ل) أره يوم القيامة)) , وقال (ص) : ((إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني)).

((يا أبا الصلت ! إن الله , تبارك وتعالى , لا يوصف بمكان , ولا يدرك بالأبصار , ولا تدركه الأبصار والأوهام )) .

إن المستفاد من هذا الحديث , وهو كلام الإمام الرضا (ع) , بشكل صريح  , أن المقصود من ((وجه الله)) الأنبياء , والرسل , والأئمة الطاهرون , الذين بواسطتهم يتعرف الناس على الله تعالى , ودينه .

والدليل العقلي والعلمي على ذلك هو : كما أن الوجه عند الإنسان وسيلة معرفته من بين أعضائه وجوارحه , فيتعرف الناس , بعضهم على بعض , من خلاله وواسطته , كذلك أبين وسيلة للتعرف على الله , وقدرته , وعظمته , من بين جميع مخلوقاته , هم الأنبياء , والأوصياء , ومحمد (ص) , وآل محمد (ع) , على وجه الخصوص , وبهذا السبب يسمى كل منهم ((وجه الله)) .

وتأييدا لهذا , يقول عليه الصلاة والسلام : ((بنا عرف الله , وبنا عبد الله , لولانا ما عرف الله , ولولانا ما عبد الله ))

فإذا , ليس المقصود من الآيات المذكورة , وجه الله , ويد الله , جل وعلا عن ذلك , بل المقصود مظاهر أمره , وقدرته , وفعله , يعني محمدا (ص) , وآل محمد (ع) .

 

ومن الآيات المتشابهة التي يلزم المعتقد بظاهرها الكفر والإلحاد , قوله تعالى :

1-  )فيسخرون منهم سخر الله منهم((التوبة : 79) .

2-  )الله يستهزئ بهم((البقرة :15) .

3-  )ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين(( آل عمران : 54) .

4-  )إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم((النساء : 142) .

5-  )وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا( (الرعد : 42) .

 

إن هذه الآيات وآيات أخرى , تنسب إلى الله , عز وجل , صفات مثل الإستهزاء , والخدعة , والمكر , وجل وعز عنها .

والحال , إن الموحدين جميعهم متفقون على أن الله سبحانه , يستجمع جميع صفات الكمال , ومنزه عن الصفات الذميمة , ونسبة هذه الأوصاف لا تتماشى مع كثير من الآيات القرآنية , التي تنفي عن الله تعالى , كل نقص .

 

وإن نسبة هذه الصفات إلى المخلوقين ممنوعة , شرعا وعقلا , إلا إذا كان أحدهم متلبسا بها حقيقة , فالله , عز وجل , الذي ينهى عن نسبة هذه الصفات إلى المخلوقين , كيف ينسبها إلى نفسه ؟! فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

فإذا , لا حيلة , إلا الإعتقاد بأن الآيات متشابهة , ولها تأويل خاص , يجب العودة إلى أرباب التفسير والتأويل , محمد (ص) , وآل محمد (ع) , لحلها وكشف حقائقها .

وفي هذا المجال روايات كثيرة تؤول الآيات المتشابهة , بما يتطابق مع الأدلة الشرعية والعقلية :

1- ((عيون أخبار الرضا ((ع)) : علي بن الحسن بن علي بن فضال , عن أبيه , عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) , أنه قال : ((إن الله تعالى , لا يسخر , ولا يستهزىء , ولا يمكر , ولا يخادع , ولكنه تعالى يجازيهم جزاء السخرية , وجزاء الإستهزاء , وجزاء المكر , والخديعة , تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا)) .

 

 

 

مع هذا التوضيح والإستدلال المحكم , للإمام (ع) , يتوضح : أن الآيات لا تؤخذ بظاهرها , وليس المقصود فيها نسبة الإستهزاء , والمكر , والخديعة , إلى الله , عز وجل , ابتداء , بل المعنى الصحيح هو : أن الله , عز وجل , يجازي ويعامل , كلا من العاصين على طريقته , ويعامله بالمثل .

 

2-((تفسير مجمع البيان)) , و((الصافي )) , عن ((تفسير العسكري(ع))) , وروى ابن عباس , وجمع من مفسري العامة , في تأويل الآية المباركة )الله يستهزئ بهم( (البقرة :15) , عن الأئمة الطاهرين (ع) .

 

قال الطبرسي : ((قيل في معنى الآية وتأويلها , وجوه :

أحدها : أن يكون معنى  )الله يستهزئ بهم( : يجازيهم على استهزائهم . والعرب تسمي الجزاء على الفعل باسمه . وفي التنزيل : )وجزاء سيئة سيئة مثلها( (الشورى : 40) ,)وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به( (النحل : 126) . . .

 

ثانيها : أن يكون معنى استهزاء الله تعالى بهم , تخطئته إياهم , وتجهيله لهم , في إقامتهم على الكفر , وإصرارهم على الضلال . . .

 

ثالثهما : أن يكون معنى الإستهزاء المضاف إليه تعالى , أن يستدرجهم ويهلكهم من حيث لا يعلمون . وقد روي عن ابن عباس , أنه قال في معنى الإستدراج : أنهم كلما أحدثوا خطيئة , جدد الله لهم نعمة , وإنما سمي هذا الفعل استهزاء , لأن ذلك في الظاهر نعمة , والمراد به : استدراجهم إلى الهلاك والعقاب الذي استحقوه بما تقدم من كفرهم .

 

رابعها : إن معنى استهزائه بهم : أنه جعل لهم بما أظهروه من موافقة أهل الإيمان ظاهر أحكامهم , من الموارثة , والمناكحة , والمدافنة , وغير ذلك من الأحكام , وإن كان قد أعد لهم في الآخرة أليم العقاب , بما أبطنوه من النفاق , فهو سبحانه كالمستهزئ بهم , من حيث جعل لهم أحكام المؤمنين ظاهرا , ثم ميزهم منهم في الآخرة .

 

 

 

 

خامسها : ما روي عن ابن عباس , أنه قال : يفتح لهم , وهم في النار , باب من الجنة , فيقبلون من النار إليه مسرعين , حتى إذا انتهوا إليه سد عليهم , فيضحك المؤمنون منهم , فلذلك قال الله , عز وجل : )فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون( . (المصطفين : 34) (اهـ) .

ثم قال الشيخ (الطبرسي) في تفسيره ((مجمع البيان)) , بعد نقله الحديث : ((وهذه الوجوه التي ذكرناها , يمكن أن تذكر في قوله تعالى : )ويمكرون ويمكر الله( (الأنفال : 30) , و) يخادعون الله وهو خادعهم( (النساء : 142) .

 

3-((تفسير القمي)) : علي بن إبراهيم , قال في ذيل الآية المباركة )فلله المكر جميعا( (الرعد : 42) : ((المكر من الله : هو العذاب)) .

وأما الآية الشريفة : )إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم( (النساء : 142) , فإن الجزء الأول منها من المتشابهات التي تحتاج إلى تأويل , لأن المخادعة من فئة الإنس مع الله , عز وجل , تستلزم المعاشرة والتعاطي المباشر معه سبحانه , وهذا محال ,  والقول به يؤدي إلى الكفر بالله العظيم , لأنه ليس بجسم , ولا يتجانس مع البشر .

فإذا هذا القسم من الآية , يتبين معناه من خلال البيان الآتي :

((تفسير مجمع البيان)) : (خداع المنافقين لله : إظهارهم الإيمان الذي حقنوا به دماءهم , وأموالهم . وقيل معناه : يخادعون النبي (ص) كما قال : )إنما يبايعون الله( (الفتح : 10) , فسمى مبايعة النبي (ص) , مبايعة الله , للإختصاص , ولأن ذلك بأمره , عن الحسن , والزجاج . ومعنى خداع الله إياهم : أن يجازيهم على خداعهم , كما قلناه في قوله : )الله يستهزئ بهم( (البقرة : 15) وقيل هو حكمه بحقن دمائهم مع علمه بباطنهم . وقيل : هو أن يعطيهم الله نورا , يوم القيامة , يمشون به مع المسلمين , ثم يسلبهم ذلك النور , ويضرب بينهم بسور , عن الحسن , والسدي , وجماعة من المفسرين)) . (اهـ) .

·  ومن الآيات القرآنية المتشابهة , التي تحتاج إلى تأويل أهل البيت (ع) , قوله تعالى :

)فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لاأحب الآفلين# فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين #  فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون # إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين( ( الأنعام : 76-78)

فالذي تحكيه الآيات الشريفة بظاهرها : أن إبراهيم (ع) اتخذ ((الكوكب)) إلها , ثم انتقل إلى ((القمر)) , ثم تركه وجعل يعترف بألوهية ((الشمس)) , ثم تركها جميعا , وتبرأ منها , واعترف بألوهية الله الواحد الأحد .

ولكن الإعتقاد بظاهر الآيات , ونسبة الشرك إلى إبراهيم (ع) , من الإساءة إليه , وإلى موقع النبوة والرسالة بمكان !!

وكيف ينسب الشرك إلى إبراهيم (ع) , وهو خليل الله , ومعلم التوحيد ؟

والحال انه من الإعتقاد الصحيح القول بعصمة الأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام , من الشرك بالله , والإنقطاع عن التوجه إليه , وعبادته, وهذا يستفاد من الآية الصريحة : ) لا ينال عهدي الظالمين ( (البقرة:124)

وظاهر أن أكبر الظلم وأعظمه , هو الشرك بالله , تبارك وتعالى , كما يقول , عز وجل : )إن الشرك لظلم عظيم( (لقمان : 13) , ويفهم من مدلولها أن من ظلم في شركه بالله , ولو لحظة واحدة , لا يمكن أن يبلغ مقام النبوة والرسالة .

ولأن ظاهر الآيات المذكورة في إبراهيم (ع) , تتعارض مع آيات أخرى , والعقيدة الحقة , وجب الرجوع إلى تفسير أهل البيت (ع) , وأخذ المعنى الصحيح للآيات منهم , وها هو الإمام علي بن موسى الرضا (ع) , يشرح تأويل الآيات :

((عيون أخبار الرضا (ع) )) : (( عن علي بن محمد بن الجهم , قال : . . . فقال المأمون : فأخبرني عن قول الله , عز وجل , في حق إبراهيم (ع) : )فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي( فقال الرضا (ع) : إن إبراهيم (ع) وقع على ثلاثة أصناف : صنف يعبد الزهرة , وصنف يعبد القمر , وصنف يعبد الشمس , وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه )فلما حن عليه الليل( , فرأى الزهرة , قال : )هذا ربي( على الإنكار والإستخبار )فلما أفل( الكوكب , )قال لا أحب الآفلين( , لأن الأفول من صفات المحدث , لا من صفات القدم .

 

 )فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي( , على الإنكار والإستخبار      )فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين( , يقول : لو لم يهدني ربي , لكنت من القوم الضالين . فلما أصبح و )رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر( من الزهرة والقمر , على الإنكار والإستخبار , لا على الإخبار والإقرار . )فلما أفلت( قال للأصناف الثلاثة , من عبدة الزهرة , والقمر , والشمس : )يا قوم إني بريء مما تشركون# إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين( . وإنما أراد إبراهيم (ع) , بما قال , أن يبين لهم بطلان دينهم , ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة , والقمر , والشمس , وإنما تحق العبادة لخالقها , وخالق السماوات والأرض . وكان ما احتج به على قومه , مما ألهمه الله تعالى وأتاه , كما قال , عز وجل : )وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه((الأنعام : 83) . (اهـ) .

 

·  ومن الآيات المتشابهة في القرآن الكريم , التي يحتاج ظاهرها إلى التأويل , الآية المباركة التالية :

)وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم # ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد # وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم( (الحج : 52 , 53 , 54) .

قال بعضهم في سبب نزول هذه الآيات : إن النبي (ص) , كان يصلي مع بعض أصحابه في (المسجد الحرام) , بحضور جمع من المشركين , منهم الوليد بن المغيرة المخزومي , وجعل النبي يقرأ في صلاته , سورة ((النجم)) , وعندما بلغ في قراءته : )أفرأيتم اللات والعزى # ومناة الثالثة الأخرى( (النجم : 19 , 20) , أجرى الشيطان على لسانه كلمات من غير القرآن , وقال : ((فإنها الغرانيق العلى , وإن شفاعتهم لترتجى)) .

 

 

فلما سمع المشركون الذين جاؤوا لينظروا إلى صلاة النبي (ص) , ارتفعت أصواتهم , فرحين مستبشرين , بأن محمدا رجع عن عقيدته , وذكر أصنامهم بالإحترام والتقديس , ثم سجدوا بأجمعهم شكرا على ذلك , وأخذ الوليد بن المغيرة , وهو زعيمهم حفنة من البطحاء , ووضعها على جبينه , لأن محمدا (ص) , اعترف بشفاعة اللات والعزى !!

في هذا الوقت نزل جبرئيل (ع) , على النبي (ص) , وقال : يا محمد ! قرأت شيئا لم أنزله عليك من الله , عز وجل !!

فانقبض النبي (ص) , أسفا على حدوث مثل ذلك , وضاق صدره , عند ذلك أنزل الله عليه الآيات من سورة ((الحج)) تسلية وعزاء لرسوله .

أنظر إلى سخافة هذا الكلام في تفسير الآيات , وسبب نزولها !! ثم فكر في الضربة الموجعة التي أنزلها أصحاب هذا التفسير على هيكل الدين الإلهي , حيث أنهم بتفسيرهم العدائي هذا , أنزلوا الأنبياء والأولياء من مقامهم الشامخ المعصوم , وجعلوهم لعبة للشيطان , ووساوسه , وأعطوا للوحي والرسالة صورة واهية يتلاعب بها الشيطان حين يشاء ! ليخلط الآيات النازلة بالوحي , بكلمات من عنده , ويجريها على لسان النبي (ص) !

والحال إن الآيات القرآنية المباركة صريحة في عدم سلطة الشيطان , وعدم نفوذه في أنبياء الله وأوليائه , وإليك بعضها :

1- )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين((الحجر : 42) .

2-)إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون # إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون( (النحل : 99 , 100) .

إن الآيتين الكريمتين صريحتان في عدم قدرة الشيطان وفرض سلطانه على المؤمنين العاديين , فكيف على النبي (ص) , الذي هو قائد المؤمنين , ومعلمهم ؟ ! .

وإذا التزمنا بصحة الحديث المفتعل : إن الشيطان , أجرى تلك الكلمات على لسان النبي (ص) , وتصرف فيه , لزم أن تنطبق الآية المذكورة على النبي (ص) (معاذ الله !) ليصبح مواليا للشيطان , ومن زمرته !! وفي هذا أقصى انحطاط العقيدة الفاسدة , والمسلك الخطر !! لأن فيه التعارض , وعدم التماشي مع الحكمة الإلهية , وعصمة الأنبياء , عليهم الصلاة والسلام , وينتج منه أنه لا قيمة لدين , ولا مصداقية لنبي , تتلاعب بهما وساوس الشيطان !!

والحال , إن القرآن الكريم يسوق كلام النبي مساق كلامه , ويجعله في مرتبته حينما يقول : )وما ينطق عن الهوى #إن هو إلا وحي يوحى( (النجم : 3 , 4) . ومعها كيف يمكن أن يدعي أحد أن الشيطان ألقى على لسان النبي (ص) , كلمات , وهو يقرأ القرآن في أثناء الصلاة , ولا يتنبه لها النبي , ومن ثم يندم على ذلك !

فعليه يجب علينا , ونحن بصدد تفسير وتأويل هكذا آيات , يتعارض ظاهرها مع العقائد المسلمة , أن نرجع إلى أهل البيت المعصومين , عليهم الصلاة والسلام , لنرتوي من علومهم العذبة , ونقف على حقائق التنزيل , ودقائق التأويل , وبهذا الصدد ننقل إليك الحديث الآتي :

((صحيفة الأبرار)) : بأسناده عن الإمام الصادق (ع) :

((إن رسول الله (ص) , أصابه خصاصة , فجاء إلى رجل من الأنصار فقال له : عندك من طعام ؟ قال : نعم يا رسول الله (ص) , وذبح له عناقا , وشواه . فلما أدناه منه , تمنى رسول الله (ص) , أن يكون معه علي , وفاطمة , والحسن والحسين , صلوات الله وسلامه عليهم , فجاء رجلان من رؤساء المنافقين , ثم جاء علي (ع) , بعدهما , فأنزل الله , عز وجل , في ذلك :

)وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي( , ولا محدث )إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته( (الحج : 52) , يعني الرجلين اللذين جاءا قبل علي (ع) , )فينسخ الله ما يلقي الشيطان( , يعني لما جاء علي (ع)  بعدهما , )ثم يحكم الله آياته( : يعني ينصر الله المؤمنين (ع) , )ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة( , يعني الرجلين .

(( فحاصل معنى الآية : إنه (ص) تمنى أن يأتيه من يحبه الله , وهو أمير المؤمنين (ع) , فأحضر الشيطان عند تمني النبي (ص) , ما يكرهه الله , ليجعل ما يلقيه فتنة للذين في قلوبهم مرض , بأن سول لهم الشيطان : أن هذا هو ما تمناه النبي (ص) , فيكون ذلك فتنة واختبارا من الله للناس , فأتى بعد ذلك ما تمناه النبي (ص) , وهو أمير المؤمنين (ع) , فنسخ الله بذلك ما ألقاه الشيطان .

)ليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك( , أي رب محمد (ص) , يعني أن عليا (ع) , هو الحق من عند الله .

ويهدي )الذين آمنوا إلى صراط مستقيم( : يعني إلى علي (ع) . (اهـ).

ومن الآيات المتشابهة التي تحتاج إلى تأويل صحيح , عن طريق أهل البيت (ع) , قوله تعالى :

)إنا فتحنا لك فتحا مبينا # ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر( (الفتح : 1 , 2) . وقوله تعالى : )ووجدك ضالا فهدى((الضحى : 7) .

فالآيتان يتعارض ظاهرهما مع الأدلة العقائدية الحقة , المثبتة في محلها , وتحتاج إلى تأويل أهل البيت (ع) , نذكره بعد هذه المقدمة :

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلام حول

عصمة الأنبياء والأئمة(ع)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلام حول عصمة الأنبياء (ع) , والأئمة (ع) :

إذا أخذنا الآيات المذكورة بظاهرها , يستلزم أن ننسب الخطأ والذنب إلى رسول الله (ص) , وهذا يتعارض مع أصل عصمة النبي (ص) والإمام (ع) , وكذلك مع الآيات القرآنية الأخرى , والدلائل العقلية , حيث أن نسبة الخطأ والذنب إلى أولياء الله مخالفة للأصول المسلمة , النقلية منها والعقلية , ومع ماهية العصمة الذاتية فيهم .

وأجمعت الفرقة الناجية الإمامية الإثنا عشرية , على عدم صدور الذنب والخطأ منهم لعصمتهم الذاتية عنها , لأن المعصوم من لا يقترف الذنب والخطأ , كبيرة وصغيره .

وللإستدلال والتوضيح , نعرف مادة ((العصمة)) لغويا , ثم نورد الأدلة على عصمة الأنبياء والأئمة (ع) :

 

*تعريف العصمة والمعصوم :

العصمة في اللغة : بمعنى المنع والحفظ . قال علماء اللغة : ((عصم الله فلانا من المكروه : حفظه ووقاه )) .

وفي مصطلح علماء الإمامية : ((العصمة ملكة ربانية تمنع من فعل المعصية , والميل إليها , مع القدرة عليها)) .

فالمحصل من التعريف أن المعصوم : من لا يرغب في ارتكاب الذنب , ولا يميل إليه بشكل ذاتي , مع تمكنه وقدرته عليه , فهو ليس من لا يذنب فحسب , بل لا يفكر ولا يخطر بباله ذلك .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وهذا مما لا يمكن تصور حصوله حتى من الأشخاص العاديين , فضلا عن المعصومين !

مثلا : إن من نشأ وترعرع في أحضان أسرة مؤمنة طاهرة , لا يقدم على قتل إنسان آخر , وإن كان قادرا عليه , بل ولا يسمح لنفسه أن يفكر في قتل أحد .

ففي هذه الصورة , يمكننا القول : إن هذا معصوم عن صفة القتل . وهكذا من تربى تربية صالحة , تشمئز نفسه وذاته , عن ارتكاب الزنا بالمحصنة , أو مع المحارم , وحتى إنه يأبى التفكير في هكذا عمل شنيع , وإن كانت لديه القدرة الجسمية الكاملة لارتكاب هذه الجريمة , لولا وجدانه الذاتي الحي .

وأمثال هؤلاء كثيرون في المجتمعات البشرية العادية , وتتوفر فيهم عصمة ذاتية , بالنسبة إلى بعض الذنوب والمعاصي .

أما الفرق بينهم وبين المعصومين (ع) , أن الأشخاص العاديين تنحصر عصمتهم في ذنوب معدودة , محصورة , مع إمكان خضوعهم لبعض التغيير والتبديل , بحسب الزمان , والبيئة , والمجتمع , وحتى إمكانية نسخها منهم .

ولكن المعصومين (ع) معصومون بالنسبة إلى جميع الذنوب والمعاصي والخطايا , ثابتين عليها , ولا تتأثر عوامل التغيير الزمنية والمكانية فيهم , تفاعلت صفة العصمة مع أرواحهم , وقلوبهم , فهي ملازمة لهم , غير منفكة عنهم , حيث قال الله , عز وجل : )إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم( يعني محمد وآل محمد , )وآل عمران( يعني أنبياء بني إسرائيل )على العالمين( ( آل عمران : 33) , ومن البداهة بمكان : إن وجه الإصطفاء هذا , وسببه يمكن في العصمة الذاتية المتواجدة في الأنبياء (ع) , والأئمة الطاهرين (ع) , وبها امتازوا عن الخلق فهم يتمتعون بحصانة تجاه كل أنواع الكفر , والشرك , والذنوب الكبيرة والصغيرة , والخطأ العمدي , أو السهوي , أو النسيان , لأنهم يسقطون من مرتبة الإصطفاء الإلهي بمجرد صدور الذنب عنهم , ولأن العقل السليم لا يقبل أن يصدق أن فردا يذنب , ويعصي الله , عز وجل , ويكون مصطفى ومقربا إليه !

ولنا على ذلك أدلة كثيرة , نذكر بعضا منها :

1- إن الله , تبارك وتعالى , يأمر عباده بالطاعة التامة , والمتابعة للنبي (ص) في ما يفعل , ويأمر في آيات كثيرة , منها:

 ( أ ) )قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله( (آل عمران : 31) .

 ( ب ) )قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين( (آل عمران : 32) .

 ( ج ) )من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا(          (النساء : 80) .

 ( د ) )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب( (الحشر : 7) .

 ( هـ ) )فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية( (الحاقة : 10) .

إن الملاحظ من مجموع هذه الآيات , أن الله , عز وجل , أوجب على الناس جميعا الطاعة التامة , للرسول (ص) , بل جعل طاعة الرسول من طاعته , ومساوية لها .

فإذن كيف تصح طاعته , ومتابعته في أقواله وأفعاله , على فرض صدور الذنب منه , وعدم عصمته ؟ بل سنتبعه في الخطأ والذنب الصادر عنه , إن صح الإفتراض !

وإذا افترضنا أن الله , عز وجل , أمر عباده بالطاعة التامة , للنبي غير المعصوم , ومتابعته – حتى في الذنوب – فإذن يلزم أن يكون الله أمر بالجمع بين الوجوب والحرمة : وجوب الطاعة , وحرمة المعصية – وهذا يخالف الحكمة الإلهية , فإنه من المستحيل أن يأمر الله عباده بمتابعة الرسول (ص) – وإن كان خاطئا أو مذنبا – في بعض الآيات , وفي البعض الآخر منها , ينهى عباده عن الذنوب والمعاصي ! وهذه تناقض الأخرى , والله عز وجل , لا يأمر بالنقيض .

وهنا لا مجال – بحكم العقل – إلا أن نختار عصمة الرسول (ص) عن كل خطأ وذنب , لأنه إذا لم يتصف النبي (ص) بالعصمة , وكان يجوز الخطأ عليه , لم يأمر الله الناس بطاعته ومتابعته , وعندها نجد الأمر بالطاعة المطلقة والمتابعة , بل جعل أقواله وأعماله أسوة للناس ومنهاجا , نقطع بعصمته , وبراءته من كل خطأ صغر أم كبر , وسهو ونسيان مؤديين للخطأ .

 

2- يلزم من الإعتقاد بعدم عصمة الرسول (ص) , والأئمة (ع) , وجواز صدور الذنب والخطأ منهم , القول : بأنهم – والعياذ بالله – يطيعون الشيطان , ويتابعونه ! ذلك أن حقيقة الذنب والمعصية وماهيتها , طاعة الشيطان وتنفيذ رغباته , والقاءاته ووساوسه , والذي يطيعه في ذلك , يكون من حزبه , ومخالفا للرحمن , كما يقول الله , عز وجل :

)استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون( (المجادلة : 19) , علما بأن القرآن يصف أهل البيت (ع) بأنهم حزب الله , في قوله تعالى :

)أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون( (المجادلة : 22) .

 

3- يلزم من افتراض صدور الذنب والخطأ منهم , عليهم الصلاة والسلام , أن يكونوا من ((الفاسقين)) , لأن ((الفسق)) : هو الخروج من طاعة الله , عز وجل , والتزام طاعة الشيطان , وهو ما يحصل بارتكاب الذنوب , ويترتب على ذلك أن لا تقبل شهادتهم , عليهم الصلاة والسلام , لأن الله يأمر برد شهادة الفاسقين , في قوله تعالى : )ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون( (النور : 4) , وكذلك في قوله تعالى : )يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا( (الحجرات : 6) .

وبديهي أن رد شهادة الأنبياء والأولياء , يتعارض مع حكمة إرسالهم , وهذا واضح البطلان , لأنهم سفراء الله , عز وجل , وخلفاؤه على الأرض , يبلغون ما حملوا من الله إلى البشر , فيجب على الناس جميعا الإستماع إليهم , وتنفيذ أوامرهم , دون تردد أو سؤال , لأن في الرد عليهم , وعدم قبول أوامرهم , رفض للوحي , ولأوامر السماء .

 

4- إذا كان النبي (ص) , والأئمة (ع) غير المعصومين , ويصدر منهم الذنب والمعصية , وجب على الناس إنكار ذلك عليهم , من باب (النهي عن المنكر) , وكذلك إيذاءهم , وإجراء الحد والقصاص عليهم في بعض الموارد , ولكن من المعلوم أن إيذاء الأنبياء فعل حرام ومحرم في القرآن , ومن يقوم بذلك فهو ملعون بقوله تعالى : )الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم( (التوبة : 61) , وكذلك في الآية الشريفة : )إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا( (الأحزاب : 57) .

 

وعندما نرى أن الله , عز وجل , ينهى عن إيذاء الرسول (ص) , ويشدد على ذلك , نعرف بالضرورة أنهم (ع) , لا يعصون الله , ولا تصدر منهم الذنوب , ليستحقوا بذلك الإيذاء , والقصاص , والحد !

 

5- إنهم , عليهم السلام , على فرض ارتكابهم الذنوب والمعاصي , لا يستحقون منزلة النبوة والإمامة , لأن مسؤولية النبي والإمام : منع الناس عن الخطأ والذنب , وإرشادهم إلى طاعة الله , عز وجل , والإبتعاد عن وساوس الشيطان .

وكيف يمكن أن يبعث الله , عز وجل , من يمنع الناس عن الذنوب والمعاصي , وهو يرتكبها , وتصدر منه ؟!

وفي هذا القول إساءة إلى الله , عز وجل , وتعارض لحكمته وعدله .

والحال , إن الله يصرح في القرآن الشريف بأن عهد النبوة والإمامة لا يناله الظالمون , وذلك عندما أخبر الله سبحانه إبراهيم (ع) بإمامته , بقوله تعالى : )إني جاعلك للناس إماما( , قال إبراهيم (ع) طالبا تلك المنزلة لذريته : )ومن ذريتي( , فأجابه الله , عز وجل , بقوله : )لا ينال عهدي الظالمين( (البقرة : 124) .

وعندما نجد أن الله , عز وجل , شرف نفرا من الناس , برتبة النبوة والإمامة , نفهم أنه لا يصدر عنه أي نوع من الظلم , والذنب , والخطأ , وإن لم يكن كذلك , وصدر أو يصدر منه الذنب , لما فضل بهذه الفضيلة , والمنزلة .

وواضح من هذا كله , أن الذنوب والمعاصي تتنافى ومنزلة النبوة والرسالة , وأن بعث الأنبياء والرسل , وجعل الأئمة بعدهم , كل ذلك من أجل هداية الناس إلى سواء السبيل , وعمل الخير وتحصيل الثواب , ونهيهم وردعهم عن الذنوب والمعاصي , وهذا لا يتماشى مع ارتكابهم مثل ذلك , وفي هذه الفرضية اجتماع للنقيضين , وهو محال , ولا يمكن للإنسان العاقل أن يتصور فيهم مثل ذلك , إلا أن يكون ناقض العقل , أو يكون في قلبه مرض .

وإذا أثبتنا بالأدلة المذكورة ((عصمة الأنبياء , والأئمة , عليهم الصلاة والسلام)) , عن الخطأ والذنب , وحتى السهو والنسيان , لا بد أن نذكر تأويل أهل البيت (ع) , للآيات القرآنية , التي تدل في ظاهرها على صدور الذنب والمعصية منهم , سلام الله عليهم , لنقف على المقصود الحقيقي من تلك الآيات المغايرة لظاهرها , ومن الله التوفيق وعليه التكلان :

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تأويل

بعض الآيات في سورة (الفتح)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تأويل بعض الآيات من سورة (الفتح) :

 

قوله تعالى : ) إنا فتحنا لك فتحا مبينا # ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر( (الفتح : 1 , 2) .

((عيون أخبار الرضا (ع) )) : ((. . . فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن ! فأخبرني عن قول الله , عز وجل : )ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر( ؟ قال الرضا (ع) : لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة , أعظم ذنبا من رسول الله (ص) . لأنهم كانوا يعبدون من دون الله , ثلاثمائة وستين صنما . فلما جاءهم (ص) بالدعوة إلى كلمة الإخلاص , كبر ذلك عليهم , وعظم , وقالوا :

)أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب # وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على ءالهتكم إن هذا لشيء يراد # ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ( (ص : 5 , 6 , 7) . فلما فتح الله , عز وجل , على نبيه (ص) مكة , قال له : يا محمد ! )    إنا فتحنا لك فتحا مبينا # ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر( عند مشركي أهل مكة , بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم , وما تأخر , لأن مشركي مكة , أسلم بعضهم , وخرج بعضهم عن مكة , ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه , إذا دعا الناس إليه , فصار ذنبه عندهم , في ذلك , مغفورا , بظهوره عليهم )) .

 

((تفسير الصافي)) , للفيض الكاشاني , في ذيل الآية الشريفة , عن ((مجمع البيان)) , و((تفسير القمي)) , بأسناده عن الإمام جعفر الصادق (ع) , أنه قال : ((ما كان له ذنب , ولا هم بذنب , ولكن الله حمله ذنوب شيعته , ثم غفرها له)) .

 

وفي ((المجمع)) , عنه عليه السلام , أنه سئل عنها فقال : ((والله ما كان له ذنب , ولكن الله سبحانه , ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة علي (ع) , ما تقدم من ذنبهم , وما تأخر)) .

 

وذكر المرحوم الفيض الكاشاني , بحثا لطيفا , في هذه الآية الشريفة , عن بعض الأعلام , من أهل اليقين , نذكره هنا , ليزداد المؤمنون إيمانا بمواليهم المعصومين (ع) , ويتبصر القاصرون , والمقصرون , ويزدادوا بمعرفة أهل البيت (ع) :

قال الفيض الكاشاني , رضوان الله تعالى عليه :

(( قال بعض أهل المعرفة : قد ثبت عصمته (ص) , فليس له ذنب , فلم يبق لإضافة الذنب إليه , إلا أن يكون هو المخاطب , والمراد أمته , كما قيل : (إياك أدعو واسمعي يا جارة) .

 

((قال : )ما تقدم من ذنبك( : من آدم إلى زمانه , )وما تأخر( من زمانه , إلى يوم القيامة , فإن الكل أمته , فإنه ما من أمة إلا وهي تحت شرع محمد (ص) , من اسم الباطن , من حيث كان نبيا (وآدم بين الماء والطين) , وهو سيد النبيين والمرسلين , فإنه سيد الناس , فبشر الله تعالى محمدا (ص) بقوله : )ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر( لعموم رسالته إلى الناس كافة , وما يلزم الناس رؤية شخصه , فكما وجه في زمان ظهوره , رسوله , عليا (ع) , إلى (اليمن) , لتبليغ الدعوة , كذلك وجه الرسل والأنبياء إلى أممهم من حين كان نبيا , (وآدم يبن الماء والطين) , فدعا الكل إلى الله , فالكل أمته , من آدم إلى يوم القيامة , فبشره الله بالمغفرة , لما تقدم من ذنوب الناس , وما تأخر منها , وكان هو المخاطب , والمقصود الناس , فيغفر للكل , ويسعدهم , وهو اللائق بعموم رحمته , التي وسعت كل شيء , وبعموم مرتبة محمد (ص) , حيث بعث إلى الناس كافة , بالنص , ولم يقل : أرسلناك إلى هذه الأمة خاصة , وإنما أخبر أنه مرسل إلى الناس كافة , والناس من آدم (ع) , إلى يوم القيامة , فهم المقصودون بخطاب مغفرة الله , لما تقدم من ذنبه وما تأخر)) (اهـ) .

لا يبقى مع ما ذكرنا من الأدلة , مجال للشك , أو التردد , بأن المراد من الذنب المنسوب إلى النبي (ص) , في الآية الكريمة المبحوث عنها , هو ذنوب شيعة محمد (ص) , وآل محمد (ع) , وليس ذنب النبي (ص) نفسه , لأنه أرفع من أن يذنب , ثم يغفر له الله عز وجل .

والآن فإنه من الممكن أن يتبادر إلى ذهن أحد من القاصرين أنه : كيف يمكن أن يغفر الله , عز وجل , من أجل النبي (ص) , جميع ذنوب الشيعة , وأن يسامحهم فيها , علما أنه من الممكن أن يكون فيهم من ارتكب الكبائر من الذنوب , مثل : القتل , والكذب , والبهتان , وتجاوز حقوق الناس , بحيث أن غض النظر عنهم , وعدم معاقبتهم , يتنافى والعدل الإلهي ؟! فنقول :

 

ليس من المحال أن يعفو الله , عز وجل , عن هؤلاء المذنبين , إكراما للنبي (ص) , وتقديرا ومكافأة , لما تحمل من أعباء تبليغ الرسالة , ولا يستبعد , بل من الجدير بصفته الرحمانية والرحيمية , والغفارية , أن يفعل ذلك , وهو الرؤوف الذي وعد عباده في كثير من الآيات , أن يغفر للناس – والمؤمنين منهم خاصة- ذنوبهم ومعاصيهم .

أليس من مكانة الرسول (ص) , العالية , والمقربة من الباري , عز وجل , أن يقول الله , عز وجل , له : )ولسوف يعطيك ربك فترضى( (الضحى : 5) .

 

ومن المعلوم أن عطايا الله لنبيه , إنما هي ترجع إلى أمته , وشيعته , وإنما هو منبع الفيض الإلهي , والوسيلة العظمى للعطايا الإلهية , وفي هذا روايات كثيرة , نستعرض قسما منها , من ((مجمع البيان)) , وغيره من تفاسير المسلمين الشيعة :

 

((التوحيد)) : ((عن ابن عباس , قال : قال رسول الله (ص) : . . . فيقول الله , جل جلاله : ((ملائكتي ! وعزتي وجلالي , ما خلقت خلقا أحب إلي من المقرين لي بتوحيدي , وأن لا إله غيري , وحق علي أن لا أصلي بالنار أهل توحيدي)) .

 

((صفات الشيعة)) : ((عن زيد بن أرقم , عن النبي (ص) , قال : من قال لا إله إلا الله مخلصا , دخل الجنة , وإخلاصه بها أن يحجزه ((لا إله إلا الله)) , عما حرم الله عز وجل)) .

 

((فضائل الشيعة)) : ((عن علي بن الحسين(ع) , عن أبيه (ع) , قال : قال رسول الله (ص) : حبي وحب أهل بيتي , نافع في سبعة مواطن , أهوالهن عظيمة : عند الوفاة , وفي القبر , والنشور , وعند الكتاب , وعند الحساب , وعند الميزان , وعند الصراط)) .

 

((فضائل الشيعة)) : ((عن أبي جعفر , محمد بن علي (ع) , عن آبائه (ع) , قال : قال رسول الله (ص) , لعلي (ع) : ما ثبت حبك في قلب امرئ مؤمن (مسلم – خ ل) , فزلت به قدمه على الصراط , إلا ثبت له قدم , حتى أدخله الله بحبك الجنة)) .

 

((فضائل الشيعة )) : ((عن جعفر بن محمد (ع) , قال : إذا كان يوم القيامة , نشفع في المذنبين (المذنب – خ ل) , من شيعتنا , فأما المحسنون فقد نجاهم الله)) .

 

((فضائل الشيعة)) : ((عن محمد القبطي , قال : سمعت أبا عبد الله (ع) , يقول : الناس أغفلوا قول رسول الله (ص) , في علي (ع) , يوم (غدير خم) , كما أغفلوا قوله يوم (مشربة أم إبراهيم) , أتى الناس يعودونه , فجاء علي (ع) , ليدنوا من رسول الله (ص) , فلم يجد مكانا , فلما رأى رسول الله (ص) أنهم لا يفرجون لعلي (ع) , قال : 

((يا معشر الناس ! هؤلاء أهل بيتي تستخفون بهم , وأنا حي بين ظهرانيكم ؟! أما والله لئن غبت , فإن الله لا يغيب عنكم . إن الروح والراحة , والرضوان والبشرى , والحب والمحبة , لمن ائتم بعلي وتولاه , وسلم له وللأوصياء من بعده , حق علي أن أدخلهم في شفاعتي , لأنهم أتباعي , فمن تبعني فإنه مني مثلما جرى في من إبراهيم , لأني من إبراهيم , وإبراهيم مني , وديني دينه , وسنتي سنته , وفضله فضلي , وأنا أفضل منه , وفضلي له فضل , تصديق قول ربي : )ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم( (آل عمران : 34) . وكان رسول الله (ص) , قد أثبت رجله في (مشربة أم إبراهيم) حين عادة الناس)) .

 

((مجمع البيان)) : في تفسير الآية : )عسى أن يبعثك ريك مقاما محمودا( (الإسراء 79) , قال الشيخ أبو علي الطبرسي : ((عسى : من الله واجبة . والمقام : بمعنى البعث , فهو مصدر من غير جنسه : أي يبعثك يوم القيامة , بعثا أنت محمود فيه . ويجوز أن يجعل البعث : بمعنى الإقامة , كما يقال : بعثت بعيري : أي أثرته وأقمته , فيكون معناه : يقيمك ربك مقاما محمودا , يحمدك فيه الأولون والآخرون , وهو مقام الشفاعة , تشرف فيه على جميع الخلائق , تسأل فتعطى , وتشفع فتشفع . وقد أجمع المفسرون على أن المقام المحمود وهو مقام الشفاعة , وهو المقام الذي يشفع فيه للناس , وهو المقام الذي يعطى فيه لواء الحمد , فيوضع في كفه , ويجتمع تحته الأنبياء والملائكة , فيكون (ص) أول شافع , وأول مشفع))  .

 

 

 

 

((تفسير العياشي)) : من حديث عن الرسول (ص) : ((إن الجن والإنس , يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد , فإذا طال بهم الموقف , طلبوا الشفاعة , فيقولون : إلى من ؟  فيأتون نوحا , فيسألونه الشفاعة , فيقول : هيهات ! قد رفت حاجتي . فيقولون إلى من ؟ فيقال : إلى إبراهيم , فيأتون إلى إبراهيم , فيسألونه الشفاعة , فيقول : هيهات ! قد رفعت حاجتي . فيقولون إلى من ؟ فيقال : إيتوا موسى , فيأتونه , ويسألونه الشفاعة , فيقول : هيهات ! قد رفعت حاجتي . فيقولون : إلى من ؟ فيقال : إيتوا عيسى , فيأتونه , ويسألونه الشفاعة , فيقول : هيهات ! قد رفعت حاجتي .

 

فيقولون : إلى من ؟ فيقال : إيتوا محمدا , فيأتونه , فيسألونه الشفاعة , فيقوم مدلا , حتى يأتي باب الجنة , فيأخذ بحلقة الباب , ثم يقرعه , فيقال : من هذا ؟ فيقول : أحمد , فيرحبون , ويفتحون الباب , فإذا نظر إلى الجنة , خر ساجدا يمجد ربه ويعظمه , فيأتيه ملك فيقول : ارفع رأسك , وسل تعط , واشفع تشفع , فيقوم فيرفع رأسه , ويدخل من باب الجنة , فيخر ساجدا , يمجد ربه ويعظمه , فيأتيه ملك , فيقول : إرفع رأسك , وسل تعط , واشفع تشفع , فيمشي في الجنة ساعة , ثم يخر ساجدا , يمجد ربه ويعظمه , فيأتيه ملك , فيقول : إرفع رأسك , وسل تعط , واشفع تشفع , فيقوم فما يسأل شيئا إلا أعطاه إياه)) .

 

((تفسير القمي)) : عن أبي جعفر (ع) أنه قال : (( ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد (ص) , يوم القيامة , ثم قال أبو جعفر (ع) : إن لرسول الله الشفاعة في أمته , ولنا الشفاعة في شيعتنا , ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم , ثم قال : وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر , وإن المؤمن ليشفع لخادمه , ويقول : يا رب حق خدمتي , كان يقيني الحر , والبرد)) .

 

((الخصال)) : ((عن علي (ع) , قال : قال رسول الله (ص) : ثلاثة يشفعون إلى الله , عز وجل , فيشفعون : الأنبياء , ثم العلماء , ثم الشهداء)) .

 

وهناك روايات كثيرة , في هذا السياق , لا مجال لذكرها , ولكن يلزم هنا أن نوضح حقيقة الشيعة , والصفات التي تعرف بها شيعة أهل البيت (ع) , ففي فضيلتهم , وعلو منزلهم , روايات وأحاديث كثيرة , لا تحصى , ويستفاد من بعضها , أن الأنبياء السابقين , كانوا من شيعة آل محمد (ع) , ونذكر بحثا حول الموضوع في مكان آخر , ولكن نذكر هنا بعض الأحاديث الدالة على مكانة الشيعة السامية :

1- ((كنز الكراجكي)) : بأسناده عن أبي حمزة الثمالي , عن نوف البكالي , عن أمير المؤمنين , علي بن أبي طالب (ع) , في حديث مفصل , يذكر فيه فضل شيعته , فيقول :

((ألا من سأل عن شيعة أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس , وطهرهم في كتابه , مع نبيه , تطهيرا : فهم العارفون بالله , العاملون بأمر الله , أهل الفضائل والفواضل , منطقهم الصواب , وملبسهم الإقتصاد , ومشيهم التواضع , . . .)) .

ثم سرد عليه السلام , صفاتهم , إلى أن قال : ((. . .أولئك عمال الله , ومطايا أمره وطاعته , وسرج أرضه وبريته , أولئك شيعتنا , وأحبتنا , ومنا ومعنا , آها (ألاها – خ ل) شوقا إليهم)) .

 

2-((بحار الأنوار)) : عن الإمام جعفر الصادق (ع) , في فضل الشيعة قال : ((إنما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين : عين في الرأس , وعين في القلب , ألا والخلائق كلهم كذلك , إلا أن الله فتح أبصاركم , وأعمى أبصارهم)) .

 

3-((مجمع البحرين)) : عن النبي (ص) , أنه قال لأصحابه في المسجد : ((يا قوم ! إذا ذكرتم الأنبياء الأولين , فصلوا عليهم , وإذا ذكرتم أبي إبراهيم , فصلوا عليه , ثم صلوا علي .

قالوا : يا رسول الله ! بم نال إبراهيم ذلك ؟

قال (ص) : إعلموا  إن ليلة عرج بي إلى السماء , فرقيت السماء الثالثة , نصب لي منبر من نور , فجلست على رأس المنبر , وجلس إبراهيم تحتي بدرجة , وجلس جميع الأنبياء الأولين حول المنبر , فإذا بعلي قد أقبل , وهو راكب ناقة من نور , ووجهه كالقمر , وأصحابه حوله كالنجوم .

فقال إبراهيم : يا محمد ! هذا أي نبي معظم , وأي ملك مقرب ؟!

قلت : لا نبي معظم , ولا ملك مقرب , هذا أخي , وابن عمي , وصهري , ووارث علمي , علي بن أبي طالب .

قال : وما هؤلاء الذين حوله كالنجوم ؟! قلت : شيعته .

فقال إبراهيم : اللهم اجعلني من شيعة علي !

فأتى جبرئيل بهذه : )وإن من شيعته لإبراهيم( (الصافات : 83)

 

4- ((بحار الأنوار)) , و((الإختصاص)) , للمفيد : ((عن سليمان الديلمي , قال : كنت عند أبي عبد الله (ع) , إذ دخل عليه أبو بصير , وقد حفزه نفسه , فلما أن أخذ مجلسه قال له أبو عبد الله : يا أبا محمد ! ما هذا النفس العالي ؟ قال : جعلت فداك يا بن رسول الله ! كبرت سني , ودق عظمي , ولست أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي ! فقال أبو عبد الله : يا أبا محمد ! إنك لتقول هذا ؟! فقال : جعلت فداك ! وكيف لا أقول هذا ؟! فذكر كلاما , فقال : يا أبا محمد ! لقد ذكركم الله في كتابه , فقال : )إخوانا على سرر متقابلين( (الحجر : 47) , والله ! ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد , فهل سررتك ؟ قال , قلت : جعلت فداك ! زدني , فقال : ذكركم الله في كتابه , فقال : )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان( (الحجر : 42) , والله ما أراد بها إلا الأئمة وشيعتهم , فهل سررتك ؟)) .

 

5-((بحار الأنوار)) : دخل جماعة من الشيعة , على الإمام الصادق (ع) , فقالوا : يا بن رسول الله ! ((إن عمارا الدهني , شهد اليوم , عند ابن أبي ليلى , قاضي الكوفة , بشهادة , فقال له القاضي : قم يا عمار , فقد عرفناك , لا تقبل شهادتك , لأنك رافضي !

 

فقام عمار , وقد ارتعدت فرائصه , واستفرغه البكاء , فقال له ابن أبي ليلى : أنت رجل من أهل العلم والحديث , إن كان يسوءك أن يقال لك رافضي , فتبرأ من الرفض , فأنت من أخواننا .

 

فقال له عمار : يا هذا ! ما ذهبت والله حيث ذهبت , ولكن بكيت عليك وعلي , أما بكائي على نفسي : فإنك نسبتني إلى رتبة شريفة لست من أهلها , زعمت أني رافضي , ويحك ! لقد حدثني الصادق (ع) , أن أول من سمي ((الرافضة)) السحرة الذين لما شاهدوا آية موسى في عصاه , آمنوا به , واتبعوه , ورفضوا أمر فرعون , واستسلموا لكل ما نزل بهم , فسماهم فرعون ((الرافضة)) , لما رفضوا دينه , فالرافضي كل من رفض جميع ما كره الله , وفعل كل ما أمره الله , فأين في هذا الزمان مثل هذا ؟

 

وإن ما بكيت على نفسي : خشيت أن يطلع الله , عز وجل , على قلبي , وقد تلقبت بهذا الإسم الشريف على نفسي , فيعاتبني ربي , عز وجل , ويقول : يا عمار ! أكنت رافضا للأباطيل , عاملا بالطاعات , كما قال لك ؟ فيكون ذلك بي مقصرا في الدرجات إن سامحني , وموجبا لشديد العقاب علي إن ناقشني , إلا أن يتداركني موالي بشفاعتهم !

 

وأما بكائي عليك : فلعظم كذبك في تسميتي بغير إسمي , وشفقتي الشديدة عليك من عذاب الله , أن صرفت أشرف الأسماء إلي , وان جعلته من أرذلها , كيف يصبر بدنك , على عذاب كلمتك هذه ؟

 

فقال الصادق (ع) : لو أن على عمار , من الذنوب , ما هو أعظم من السماوات والأرضين , لمحيت عنه بهذه الكلمات , وإنها لتزيد في حسناته عند ربه , عز وجل , حتى يجعل كل خردلة منها , أعظم من الدنيا ألف مرة)) .

 

أقول : كم من شبه لشيعة علي ومحبيه في هذا اليوم , في التظلم والإضطهاد , بأولئك الشيعة , في عصر الإضطهاد والظلم الأموي والعباسي !!

فكما أن أولئك الحكام النواصب , والمعاندين المتسترين بالإسلام , راحوا يعملون على سلب القرار والإستقرار من شيعة علي (ع) , بأساليب وطرق متعددة ومختلفة , كذلك اليوم , ما زال الشيعة يتعرضون للإيذاء والإستهزاء , من مجموعات حذت حذو أولئك الظالمين من أسلافهم .

وإذا كان أولئك يسمون الشيعة ((رافضة)) , ليجعلوا من الإسم ذريعة لظلمهم , فقد راح الناس السذج والبسطاء , ينسجون على هذا المنوال , والوهم , وينظرون إلى الشيعة بمنظار الخارجين عن الإسلام .

واليوم , راح الأعداء يخترعون أسماء جديدة , ويلقون عليهم تهما جديدة , لتبرير ظلمهم , وعدائهم , لناس مسلمين مؤمنين , وليس ذلك إلا لأنهم شيعة لعلي (ع) , وأولاده , ومحبون وتابعون لهم , وحريصون على نشر فضائلهم ومناقبهم .

والحال , إن الله سبحانه ورسوله , لا يرضيان عن هذه الإفتراءات والأكاذيب التي تورث النفاق والإختلاف بين المسلمين , وتشق صفوفهم , وتمزق وحدتهم , ووحدة كلمتهم .

ولكن الشيعة سيظلون ملتزمين بمبادئهم الإسلامية , ومنتهجين خط أئمتهم , من أهل البيت (ع) , وصابرين على كل ظلم وبلاء يصيبهم من أعداء الإسلام , كما صبر أسلافهم من الشيعة في عصر بني أمية الظالمين , وفترة بني العباس الغاشمين , لا تأخذهم في ولايتهم ومحبتهم لعلي وأولاده (ع) , لومة لائم , ولن يثني عزمهم , ويلوي قرارهم هذا , اشتداد الظلم والجور عليهم , وبذلك يثبتون للعالم – كما هو ثابت حقا – صفاء نواياهم في عقيدتهم , وصدقهم في التزامهم وولايتهم .

 

6- ((شرح الزيارة الجامعة)) للشيخ الأجل , الشيخ أحمد بن زيد الدين الأحسائي : ما روي عن السيد الجليل المرحوم , رضي الدين بن موسى بن طاوس , عن بقية الله في أرضه , ولي العصر , الحجة بن الحسن العسكري , أرواحنا فداه , في فضيلة ومنزلة شيعة أمير المؤمنين , عليه الصلاة والسلام , يقول ك

((اللهم إن شيعتنا منا , خلقوا من فاضل طينتنا , وعجنوا بولايتنا , اللهم اغفر لهم من الذنوب , ما فعلوه , اتكالا على حبنا , ولنا يوم القيامة أمورهم , ولا تؤاخذهم بما اقترفوه من السيئات إكراما لنا , ولا تقاصصهم يوم القيامة مقابل أعدائنا , وإن خفت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا . . .)) .

وبديهي أن الشيعة الخلص هم الذين لا يرتكبون الكبائر , ولا يتحملون حقوق الناس في ذمتهم , بل تصدر منهم بعض صغائر الذنوب , لأنهم غير معصومين , فيقبل الله توبتهم , ويعفو عنهم ,لمكانة مواليهم , محمد (ص) , وآل محمد (ع) , عنده . )إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم # وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون( (الزمر : 53 , 54) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تأويل

آيات سورة (الضحى)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تأويل آيات سورة (الضحى) :

*ومن الآيات القرآنية المتشابهة التي تحتاج إلى تأويل, قوله تعالى : )ووجدك ضالا فهدى( (الضحى : 7) .

ولأن أكثر آيات سورة (الضحى) متشابهة , ومن بينها الآية المذكورة , نذكر تأويل أهل البيت , لآيات هذه السورة بأجمعها , ليستفيد منه المطالع الكريم , ولئلا يتمسك بها الجاهل , في نسبة المعصية إلى الرسول الأكرم (ص) :

قال الله تعالى في كتابه العزيز:

)والضحى # والليل إذا سجى # ما ودعك ربك وما قلى # وللآخرة خير لك من الأولى # ولسوف يعطيك ربك فترضى # ألم يجدك يتيما فآوى # ووجدك ضالا فهدى # ووجدك عائلا فأغنى # فأما اليتيم فلا تقهر # وأما السائل فلا تنهر# وأما بنعمة ربك فحدث( .

(الواو) في (والضحى والليل) : للقسم . وإنما يصح القسم إذا كان المقسم به شيئا عظيما , وذا احترام وقدسية خاصة , والقسم بالأمور الصغيرة والحقيرة عمل بلا جدوى , بعيد عن العقل والعقلاء , ولأن (الضحى) , و(الليل) , من آيات الله , تبارك وتعالى , جاء القسم بهما , كما في الآية (37) من سورة (فصلت) : )ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر( .

وجاء في تفسير ((مجمع البيان)) للشيخ الطبرسي , في تفسير الآية المباركة عن الجبائي , أن معناها : ((ورب الضحى , ورب الليل إذا سجى)) , وهذا المعنى صحيح في التفسير , ولا إشكال عليه . ولكن المهم في الآيتين ونظيراتهما الكثيرة في القرآن , هو تأوليها الصحيح الذي سنشير إليه قريبا .

التأويل : لابد من القول إن المقصود من (الشمس) , و(القمر) , و(الضحى) , و(النهار) , و(الليل) , في القرآن الكريم , في المنظور الواقعي , والجانب التأويلي , هو : محمد (ص) , وآل محمد (ع) , الذين هم أشرف وأعز المخلوقات الإلهية .

مثلا : في قوله تعالى : )والشمس وضحاها # والقمر إذا تلاها( : جاء القسم بهاتين الآيتين بـ(الشمس) , و(القمر) لعظمتهما , وعلوهما عن المخلوقات الأخرى بالخصوصيات الآتية :

أولا : إن الشمس والقمر هما مصدر النور والضياء , وبهذا كان لهما الموقع الممتاز بالنسبة للكرات السماوية الأخرى , ولهما بذلك عندنا مكانة خاصة , لأن كل شيء نير في حياتنا إنما يستمد نوره وضياءه منهما .

ثانيا : كما هو بين , إن الشمس والقمر سبب حياة كل الموجودات , من الجمادات , والنباتات والحيوانات , والإنسان , فإن كل صنف منها يستمد حياته منهما بطريقته الخاصة .

وبعبارة أخرى : إن نمو , وبقاء حياتنا , وعالمنا , يرتبط بأمر الله وتدبيره , ارتباطا وثيقا بالشمس والقمر .

ثالثا : إنهما من الآيات والعلامات الإلهية , وكما ذكر من قبل , أن الله , عز وجل , عدهما من آيات ودلائل وجوده , وقدرته , وحكمته , ولهذا السبب , ولامتيازات كثيرة أخرى فيهما , استحقا أن يكونا مورد قسم , يقسم به الله , تبارك وتعالى .

 

 

 

ومع ذكر هذه المقدمات نستدل بها على أن الآيات التكوينية الإلهية , على قسمين :

( أ ) الآيات الآفاقية : وهي مجموعة صنع الله المتقن المنتشرة في السماوات والأرضين , وما فيها من الشمس , والقمر , والكواكب , والسيارات , وعجائب المخلوقات , البرية والبحرية , وما أبدع الله في خلقتها , ونظامها , وإدارتها , وتسييرها , مما لا يترك مجالا للناظر العاقل فيها , إلا الإعتراف والإقرار بوجود صانع قدير, ومدبر حكيم لها .

ومن حيث أن هذه المشهودات منتشرة في الآفاق الكونية , وخارج نفس الناظر والشاهد , سميت بـ ((الآيات التكوينية الآفاقية)) .

(ب) الآيات الأنفسية : وهي القسم الداخلي من الآيات والدلائل على الله , عز وجل , وما أودع في خلقة الإنسان من عجائب الصنع في عينه , وأذنه , وقلبه , وعقله , وسائر أجزاء جسمه , وما ترك فيها بمجموعها , ومفرداتها , من نظام في العمل , والترتيب , والدقة , مما يكفي الناظر البصير فيها , والمتمعن في أسرارها , لأن يعتقد ويستيقن بصانع , وخالق , قادر , حكيم , لها .

ولأن هذا الصنف من الآيات , في وجود الإنسان نفسه , وفي باطنه , فلذلك سميت :        بـ ((الآيات التكوينية الأنفسية)) . وإشارة إلى هذا , يقول الله , عز وجل : )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق( (فصلت : 53) .

ومن الوضوح بمكان أن (الآيات الآفاقية) أمثال الشمس , والقمر , والنجوم , محكومة بالفناء والزوال , كما يقول القرآن الكريم : )إذا الشمس كورت # وإذا النجوم انكدرت( (التكوير : 1 - 2) ولم تثبت لها العودة والوجود , في عالم الآخرة , بعد زوالها وفنائها , في دار الدنيا .

وذلك بعكس (الآيات الأنفسية) , فإن لها وجودا وحياة دائمة باقية , في الآخرة , بعد موتها وفنائها , في دار الدنيا .

وهذا ما يؤكد عليه القرآن الشريف , بآياته الكثيرة الصريحة .

وبديهي أن الموجودات الباقية الدائمة أشرف من تلك الفانية والزائلة , مع الأخذ بعين الإعتبار , العام والخاص , أن (الآيات الآفاقية ) مثل الشمس والقمر , تفقد العقل والإدراك , بخلاف (الآيات الأنفسية) , لأن الإنسان الذي تتجسد فيه تلك الآيات , يملك العقل , والمنطق , والإدراك , وبهذه يفضل الإنسان , ويمتاز عن الآيات الآفاقية .

ونستنتج أن المقصود من الشمس والقمر , المقسم بهما , في الآيات المذكورة , هو الشمس والقمر الأنفسية , إضافة إلى الآفاقية منها , وهما لا يتصوران إلا في النبي العظيم (ص) , وأمير المؤمنين (ع) , لأن ما ذكرناه من المميزات , في الشمس والقمر , الآفاقيتين , موجودة في النبي (ص) , وعلي (ع) , وبشكل أعم وأكمل .

أما أولا : فلأنهما ضياء ونور , بل منبع الأضواء والأنوار , ولنا على ذلك شواهد كثيرة في القرآن الكريم , منها قوله تعالى : )يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا # وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا( (الأحزاب : 45 - 46) , وقوله , عز وجل : )يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا( (النساء : 174) .

 

 

 

((تفسير العياشي)) : عن عبد الله بن سليمان , قال : سألت الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) , عن هذه الآية فقال : ((البرهان : محمد (ص) , والنور : علي عليه السلام )) .

فالنبي الأكرم (ص) هو الشمس المشرقة في العالم المعنوي , وهو (ص) الذي قال : ((أول ما خلق الله نوري )) فإنه (الشمس) الذي أضاء نوره ظلمات زوايا هذا الكون , وعلي (ع) هو القمر المنير فيه .

فكما أن القمر يقتبس نوره من الشمس , فإن عليا (ع) قد اقتبس نوره وضياءه , من نور الرسول الأكرم (ص) .

وأما ثانيا : فإنهما , عليهما الصلاة والسلام , الهاديان والمرشدان للخليقة والموجودات عامة من جهة التكوين , ومن جهة التشريع , وفي هذا آيات قرآنية كثيرة منها قوله , عز وجل : )إنك لتهدي إلى صراط مستقيم( (الشورى : 52) , وقوله : )إنما أنت منذر ولكل قوم هاد( (الرعد : 7) .

((أصول الكافي)) : حسين بن محمد الأشعري , عن معلى بن محمد , عن محمد بن جمهور , عن محمد بن إسماعيل , عن معدان , عن أبي بصير , أنه سأل الإمام جعفر الصادق (ع) , عن الآية المباركة , فقال : رسول الله (ص) المنذر , وعلي الهادي)) .

((تفسير علي بن إبراهيم القمي)) بأسناده عن أبي بصير , عن الإمام الصادق (ع) , أنه قال : المنذر رسول الله (ص) , والهادي أمير المؤمنين (ع) , وبعده الأئمة (ع) , وهو قوله (ولكل قوم هاد( : أي في كل زمان إمام هاد مبين)) .

فثبت من الآيات المذكورة , التي هي جزء من الآيات الكثيرة في هذا الصدد , أن الرسول الأكرم (ص) , وأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من ولده , عليهم الصلاة والسلام , هم الهداة للخليقة كلها , ونقصد من (الهداية) هنا : التربية المعنوية ((التكوينية التشريعية)) لموجودات الكون , فهما وأولادهما الأطهار (ع) , الهداة للكون والخلائق أجمعين .

وأما ثالثا : فإنهما , عليهما الصلاة والسلام , من الآيات الإلهية , مثل الشمس والقمر بل أعظم وأكبر الآيات الإلهية , ومن تتبع وتدبر في آثار أهل البيت (ع) وأقوالهم , تجلى له بداهة ذلك , حيث الآيات والأخبار المتكاثرة في ذلك , ونشير إلى بعضها :

1-((أصول الكافي)) : بأسناده عن داود الرقي قال : ((سألت أبا عبد الله (ع) , عن قول الله , تبارك تعالى : )وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون( (يونس : 101) , قال : الآيات هم الأئمة , والنذر هم الأنبياء)) على نبينا وعليهم الصلاة والسلام .

 

2-((أصول الكافي)) : عن أبي حمزة , عن أبي جعفر (ع) , قال : قلت له : جعلت فداك ! إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية )عم يتساءلون # عن النبأ العظيم( (النبأ : 1 - 2) , قال : . . . هي في أمير المؤمنين , صلوات الله عليه , كان أمير المؤمنين , صلوات الله عليه , يقول : ما لله عز وجل آية هي أكبر مني , ولا لله من نبأ أعظم مني)) .

 

3-((أصول الكافي)) ((عن أبي عبد الله (ع) , في قوله تعالى : )عم يتساءلون# عن النبأ العظيم( , قال : النبأ العظيم : الولاية)) .

 

4- ((عيون أخبار الرضا)) : بأسناده عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) , عن آبائه (ع) , أن رسول الله (ص) , قال لعلي (ع) : يا علي ! أنت حجة الله , وأنت باب الله , وأنت الطريق إلى الله , وأنت النبأ العظيم , وأنت الصراط المستقيم , وأنت المثل الأعلى . . .) .

نستخلص مما تقدم : إن الآية الإلهية الكبرى هي ((الإمام)) , وفسر ((الشمس والقمر)) بالرسول الأكرم (ص) , وعلي (ع) , في الأغلب , وعلى هذا فالمقصود بالسراج والضياء , زمن ظهور الإمام , وإشراق نوره وضيائه , وبالليل وظلامه , غيبته واختفاؤه , بسبب ظلم أهل الجور , وفي هذا روايات كثيرة نشير إلى بعض منها :

((تفسير الصافي)) : في رواية عن الإمام الصادق (ع) , أنه قال : ((الشمس : رسول الله (ص) به أوضح الله للناس دينهم , والقمر : أمير المؤمنين , تلا رسول الله , ونفثه بالعلم نفثا , والليل : أئمة الجور الذي استبدوا بالأمر دون آل الرسول (ع) , وجلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به منهم , فغشوا دين الله بالظلم والجور , فحكى الله فعلهم , وقال : )والليل إذا يغشاها( , والنهار : الإمام من ذرية فاطمة (ع) , يسأل عن دين رسول الله (ص) , فيجليه لمن شاء له)) .

ومن الروايات الصحيحة ما روي عن محمد بن عباس بأسناده عن سليمان الديلمي عن الإمام محمد الباقر (ع) , قال :

((سألته عن قول الله , عز وجل : )والشمس وضحاها( ؟ قال (ع) :

((الشمس : رسول الله , أوضح للناس دينهم .

((قلت : )والقمر إذا تلاها( ؟ قال (ع) :

((ذاك أمير المؤمنين , تلى رسول الله .

((قلت : )والنهار إذا جلاها( ؟ قال (ع) :

((ذاك الإمام , من ذرية فاطمة , نسل رسول الله , فيجلي ظلام الجور والظلم , فحكى الله سبحانه عنه , وقال (ع) : )والنهار إذا جلاها( يعني به القائم (ع) . .

بالدراسة التفصيلية لتأويل الآيات المذكورة , نستحصل على تأويل الآيات المباركة التالية : )والضحى والليل إذا سجى( , ويتبين أن المقصود من ((الضحى)) , عصر الرسالة , وزمن الرسول الأكرم (ص) , وارتفاع أمر الدين , وظهوره , وكمال قدرته , وبتطبيقها مع رواية سليمان الديلمي , عن الإمام الصادق (ع) تؤول كذلك بعصر ظهور الإمام الحجة القائم بن الحسن العسكري (ع) , وتؤيد كل منها الأخرى , وتتطابق , ولا تتعارض .

وكذلك المقصود من )والليل إذا سجى( , أيام غيبة الإمام , وظهور الحكومات الظالمة والجائرة , حيث أسدلوا ستار الظلم والجور , على ولاية أهل البيت , وخفيت خلفه حقيقة الدين ومعالمه , إلا عن الخواص من الشيعة , وموالي أهل البيت (ع) , لأنهم موضع الأسرار .

قال , عز من قائل : )ما ودعك ربك وما قلى( :

((تفسير مجمع البيان)) , و((تفسير الصافي)) , عن ((تفسير علي بن إبراهيم القمي)) , بأسناده عن الإمام محمد الباقر (ع) , في تأويل الآية المباركة , أنه قال : ((إن جبرئيل أبطأ عن رسول الله (ص) , وأنه كانت أول سورة نزلت )إقرأ باسم ربك الذي خلق( , ثم أبطأ عليه , فقالت خديجة : لعل ربك قد تركك , فلا يرسل إليك ! فأنزل الله , تبارك وتعالى :   )ما ودعك ربك وما قلى( .

يفهم من منطوق الآية , وخطاب الله , عز وجل , لنبيه بعدم تركه , وعدم بغضه , أنه في طهارة دائمة , ومنزه عن كل مذموم , ومعصوم ومبرأ من كل عيب , ولولا ذلك , وكان ممن يصدر منه معصية وخطأ , أن يستوجب الغضب من الله , عز وجل , فمن انتفاء الغضب الإلهي , عليه , نستدل على عدم صدور ذلك منه , وهذا من دلائل عصمته وطهارته , وأهل بيته , عليه وعليهم آلاف التحية والثناء .

)وللآخرة خير لك من الأولى( :

عندما وعد الله , سبحانه وتعالى , نبيه (ص) , بالآيات السابقة , وبشره بظهور دولة الحق , المتمثلة في ظهور ولده المهدي (ع) , وألمح من خلالها بدولة الباطل , وإشاعة الظلم والجور , تبين أن دولة الباطل قبل دولة الحق , ولذلك قال الله , عز وجل , مخاطبا نبيه :  )وللآخرة خير لك من الأولى( ,لأن المتقدمة منهما متلازمة مع الإنقضاء والإنتهاء , ومتعارضة مع الدوام والإستقرار , بعكس المتأخرة , فلا منافاة بينها وبين الدوام والبقاء .

 

ولذلك قدر الحكيم المتعال أن تكون دولة الحق بعد دولة الباطل . وبديهي ظاهر , أن علة إيجاد الدولتين , هي امتحان واختبار الناس , لأنه لا بد أن يفترق ويتميز الحق من الباطل , فكان لا بد أن يتعاقب الحق والباطل ودولتاهما .

 

وهكذا نجد أنه ليس المقصود من ((الآخرة)) , في الآية , الآخرة المقابلة لـ (الدنيا) , بل وعلى حسب ما يفهم من رواية القمي , عن الإمام جعفر الصادق (ع) , هي بمعنى : عاقبة الأمر , وظهور دولة الحق , مع ظهور الإمام الثاني عشر , الحجة بن الحسن العسكري , أرواحنا فداه , وعجل الله تعالى فرجه الشريف .

)ولسوف يعطيك ربك فترضى( :

ما يفهم من الآية الشريفة (وعلى ضوء تسلسل الآيات قبلها ) , كأن الله , عز وجل , خاطب رسوله الكريم (ص) , قائلا : إن ما تحرص عليه من إعلاء كلمة الدين , وكثرة المؤمنين برسالتك , وعزتهم , سيكون مع ظهور ولدك القائم من آلك (ع) , بحيث أنه سيسخر لدينك الشرق والغرب , ويرتفع أمره عاليا , ويشيع الإيمان , ويزداد المؤمنون , حتى يبلغ أملك , ويحصل رضاك وطلبك .

ورأى بعض المفسرين , استنادا إلى أحاديث الأئمة الطاهرين (ع) : أن المقصود من هذه الآية الكريمة : ((الشفاعة)) , وهي التي وعد الله بإعطائها إلى النبي (ص) , فيرضى .

وعليه , يكون معنى الآية : سيدخل من المؤمنين المذنبين الجنة بشفاعتك , وشفاعة أهل بيتك , بمقدار ترضى معه .

وهذا ما يؤيد التفسير السابق من ظهور دولة الحق , وإعلاء وسيطرة كلمة الإيمان والتوحيد , بما يزداد معها عدد المؤمنين , فيدخل الله بشفاعة النبي وآله عددا كبيرا من المؤمنين المذنبين , بحيث يؤدي ذلك إلى سرور النبي ورضاه , علما بأن الكفار , والمنافقين , ومنكري ولاية أهل البيت , لا يدخل الجنة منهم أحد البتة .

)ألم يجدك يتيما فآوى( :

 

 

اليتيم في اللغة : على معنيين :

1-                                                                                                                                                                                                                       الطفل الذي فقد أبويه أو أحدهما .

2-                                                                                                                                                                                                                       من يكون وحيدا بين أقرانه , وبلا نظير مثله .

والملاحظ أنها تنطبق على النبي بالمعنيين معا :

أما على المعنى الأول : فمعروف أن النبي (ص) , ولد بعد مرور أشهر على وفاة والده , وتكفله جده عبد المطلب , وتوفي جده وعمره ثمانية أعوام , ثم قام عمه أبو طالب بكفالته ورعايته , ولذلك يذكر الله , عز وجل , النبي (ص) , بأنه كان يتيما فاقد الأب , فآواه الله وحفظه بوسيلة جده وعمه , ولم يتركه بلا حافظ , وكفيل .

وأما على المعنى الثاني : فمعلوم أن الله , تبارك وتعالى , خلق أول ما خلق نور محمد (ص) , وذلك على حسب قوله , عليه الصلاة والسلام : ((أول ما خلق الله نوري)) , ثم خلق الكون والكائنات جميعها لأجله , ومن شعاع نوره , وهذه واحدة من صفات كثيرة امتاز بها , وانفرد من خلالها , عن جميع الكائنات والموجودات .

وبهذا التقريب يكون معنى الآية , ما ورد عن الإمام الرضا (ع) أنه قال في الآية : ((أي ألم يجدك وحيدا , فآوى إليك الناس)) بمعنى خلقك أولا , ثم خلق الخلق من أجلك , ومن نورك .

)ووجدك ضالا فهدى( :

يعني : كنت ضائعا ومجهولا بين الناس , لا يعرفون قدرك , وعظمتك , ثم عرفك الله لهم , وهداهم إليك .

وفي كتاب ((عيون أخبار الرضا , عليه السلام)) بأسناده إليه , أنه قال في تفسير الآية : ((وضالا في قوم لا يعرفون فضلك , فهداهم إليك)) .

)ووجدك عائلا فأغنى( :

المقصود من العائلة , في الآية المباركة : أمة محمد والمسلمين , بمعنى أن الله , عز وجل , أغنى أمة محمد (ص) , بعلوم محمد (ص) , وهدايته لهم , كما في ((تفسير الصافي)) بأسناده عن الإمام الرضا (ع) قال : ((وعائلا تعول أقواما بالعلم , فأغناهم الله بك)) .

)فأما اليتيم فلا تقهر # وأما السائل فلا تنهر( :

الخطاب في منطوق الآيتين للنبي (ص) , ولكن ليسمع ويقرأ الناس عبر هذا التخاطب , من باب (إياك أدعو واسمعي يا جارة) , ولا يحتاج النبي بنفسه إلى هذه الوصية , وهو الذي يحدث التاريخ عنه , أنه كان مأوى الأيتام , وملجأ الفقراء , من أيام طفولته , ولم يرد سائلا , أو يتيما , عن بابه قط , ومن كان هكذا فلا يحتاج إلى تلك الوصية .

)وأما بنعمة ربك فحدث( :

يعني : يا رسول الله ! حدث وأبلغ الناس عن نعمة ((الولاية)) التي وهبك الله , عز وجل , إياها , ليتعرف الناس على علو مقامك , وفضل منزلتك عند الله , لأن في معرفتهم لك , ولآل بيتك , والإعتراف بولايتكم , عبادة لله , عز وجل , وخير وسيلة يتقربون بها إلى الله , سبحانه وتعالى .

 

 

 

 

مع ما مضى من بيان تفسير أهل البيت (ع) , لسورة ((الضحى)) , ثبت أن المقصود من ((الضلال)) في السورة , ليس ((الإنزلاق , والوقوع في الضلال)) , في مقابل ((الهداية)) , كما قال بعض أهل الظاهر , الذين لم يتعرفوا على فكر أهل البيت , وموقعهم العلمي الرفيع , فوقعوا في متاهات الجهل , وأساؤوا إلى النبي , بنسبتهم إليه (ص) , عدم الهداية , وعدم المعرفة بالله , فضلوا هم , وأضلوا أتباعهم السذج .

وكذلك شأن كل آية , ينسب ظاهرها عدم الهداية , والإنحراف , والخطأ , إلى أحد من الأنبياء والأولياء , فإنها , وباليقين , من الآيات المتشابهة , التي تضطر في تفسيرها وتأويلها للرجوع إلى أهل البيت (ع) , وتفسيرهم , وإرشادهم إلى ما هو الحق فيها , وبيان إرادة الله تعالى , ومقصوده منها .

وأما من يأخذ بظاهر الآيات , ويعتمد في تفسيرها على فكره القاصر , وينسب الذنب والمعصية إلى الأنبياء والأولياء , فإنه آثم قطعا , بانحرافه هو , وحمل الآخرين على الإنحراف عن العقيدة السليمة , والصراط المستقيم , وبذلك يقترفون أكبر الإثم تجاه التوحيد , والقرآن , والدين , بحيث يشكل ذلك كسرا لا يجبره شيء .

إلى هنا , وقد ذكرنا , فيما مضى , بعض الآيات القرآنية المتشابهة , المتكاثرة في القرآن , وذكرنا تأويلها الحق , عن أهل البيت (ع) , من باب التمثيل , لا الحصر , ليتعرف المطالع الكريم , من خلالها , على نماذج من علم أهل البيت بالقرآن , فيقتبس من نورهم , ويهتدي بهداهم , ويسترشد بالوقوف على المعاني الحقيقية للآيات القرآنية , ثم ننتقل بعد ذلك إلى بحوث ومفاهيم أخرى من القرآن الكريم , وما توفيقي إلا بالله , عليه توكلت , وإليه أنيب .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحروف المقطعة

في فواتح السور القرآنية

                                                            

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحروف المقطعة في فواتح السور القرآنية :

إن بعض السور القرآنية , تبتدئ بكلمات مثل : (ألم) , (المر) , (المص) , (كهيعص) , (حم) , وأمثالها , ولم تكن لها معان واضحة ظاهرة , وهذه الكلمات تسمى : ((الحروف المقطعة , أو فواتح السور)) , وإنها من الآيات المتشابهة , عند أكثر المفسرين , وذكروا لها معاني وتفسيرات مختلفة , نشير إلى بعضها :

1- عن ابن عباس , قال : إن كل كلمة منها تشير إلى اسم من أسماء الله , تبارك وتعالى , مثلا : (الم) يعني : ((أنا الله أعلم)) , و(المر) يعني : ((أنا الله أعلم وأروى)) , و(المص) يعني : ((أنا الله أعلم وأفضل)) .

2- سعيد بن جبير , يقول : إن الحروف المقطعة يتألف منها ((الإسم الأعظم)) لمن كان يعرف كيفية تأليفها , مثلا : يتألف من تركيب ثلاثة أسماء منها , وهي (الر . حم . ن) كلمة ((الرحمن)) , الذي هو من أسماء الله , عز وجل , ولكن علم التأليف هذا مخصوص بالمعصومين , ومن عندهم علم الكتاب .

3- قتادة : من رأيه أن كلا من الحروف المقطعة , إسم من أسماء القرآن .

4- عكرمة , يقول : إن كلا منها إسم من أسماء الله , فـأقسم الله بها .

5- الثعلبي في تفسيره : مسندا إلى علي بن موسى الرضا (ع) , قال : سئل جعفر بن محمد الصادق (ع) عن قوله ((الم)) , فقال : ((في (الألف) ست صفات من صفات الله , عز وجل :

1- الإبتداء : فإن الله عز وجل ابتدأ جميع الخلق , والألف , ابتدأ الحروف .

2-   الإستواء : فهو عادل غير جائر , والألف مستو في ذاته .

3-   الإنفراد : فالله فرد , والألف فرد .

4- اتصال الخلق بالله : والله لا يتصل بالخلق , وكلهم يحتاجون إليه , والله غني عنهم .

5- والألف كذلك لا يتصل بالحروف , والحروف متصلة به , وهو منقطع عن غيره .

6- والله تعالى باين بجميع صفاته من خلقه , ومعناه من ((الألفة)) فكما أن الله , عز وجل , سبب ألفة الخلق , فكذلك (الألف) , عليه تألفت الحروف , وهو سبب ألفتها .

7- حبيب الله النجومي , في كتابه ((ديوان دين)) : رفض كل الأقوال المذكورة , وحمل عليها بشدة , وراح يذكر للحروف المقطعة تأويلات وتفسيرات من نسجه , ولأنه لم يستند فيها إلى دليل مقبول , ويتعارض بعضها مع قواعد اللغة , ولم يلحظ فيها أقوال المعصومين (ع) , فإن أقواله ساقطة عن الإعتبارات العلمية , ولا قيمة لها عند العلماء والمحققين منهم .

8- والقول الحق في الموضوع هو قول المسلمين الشيعة , ووافقهم عليه بعض علماء العامة : إن الحروف المقطعة هي من الأسرار الإلهية , ولا يطلع عليها إلا المعصومون , عليهم الصلاة والسلام , وإن معانيها عندهم , وإنها رموز بين الله , وبين أوليائه المصطفين , محمد وآله الطاهرين , صلوات الله عليهم أجمعين .

وعلى كل حال , إنها تسع وعشرون سورة , افتتحت بالحروف المقطعة , وفيها , وفي فواتحها أقوال ونكات لطيفة نذكر منها ما يلي :

إذا حذفنا الحروف المتكررة منها , تبقى أربعة عشر حرفا , وهي نصف حروف اللغة العربية , وتتألف منها الجملة الآتية : ((صراط علي حق نمسكه)) , ويؤيد هذا المعنى ما يلي :

( أ ) قول الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير : ((ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب , فقد اهتدى)) , وروي عن رسول الله (ص) أنه قال : ((اللهم أدر الحق مع علي حيثما دار)) .

(ب) شهاب الدين الآلوسي في تفسيره ((روح المعاني)) : ((ومن اقتدى في دينه بعلي فقد اهتدى)) .

(ج) تفسير الزواري : عن رسول الله (ص) , قال : ((حب علي إيمان , وبغضه كفر)) .

 

.................................................................................................

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الناسخ والمنسوخ

في القرآن الكريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم :

تعريف النسخ :

·  (النسخ) في اللغة : الإزالة , والإبطال , والنقل , نسخت الشمس الظل : أي أزالته , وأبطلته , وفي الحديث : ((شهر رمضان نسخ كل صوم : أي أزاله وأبطله)) . ومنها الآية الكريمة : )فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته( (الحج : 52) : أي فيزيل الله .

والنسخ في الكتابة : بمعنى الإنتقال من حرف إلى حرف , غالبا من دون تغيير . و(نسخ الكتاب) : أي نقله واكتتبه حرفا بحرف , وفي هذا المعنى ,قوله , عز وجل : )إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون( (الجاثية : 29) . وجاء (النسخ) بمعنى التتابع , والتوالي , والتعاقب , مثل : ((تناسخ الأزمنة)) . و(التناسخ) : انتقال الروح من بدن إلى بدن آخر , كما قالوا .

و(التناسخ) في الميراث : موت الورثة واحدا بعد آخر , قبل توزيع الإرث وتقسيمه .

و(النسخ) في اصطلاح المتشرعة وعلماء التفسير : ((رفع الحكم الشرعي بدليل متأخر عن الدليل المتقدم)) , أو ((رفع الحكم الشرعي الثابت بانقضاء زمانه ومدته)) .

 

* ما هو البداء ؟

إن موضوع البداء , خارج بذاته عن بحثنا , ولكننا نذكره باختصار , لشدة ارتباطه ومناسبته مع ((النسخ)) .

قلنا : إن النسخ في مصطلح أهل الشرع : رفع حكم ثابت وشرعي , بانقضاء زمانه , ولا بد من القول , في تعريف (البداء) : إذا كان الرفع في التشريع , فهو ((نسخ)) , وإذا كان في التكوين فهو ((البداء)) .

وبعبارة أخرى : ((النسخ)) بداء في التشريع , و((البداء)) نسخ في التكوين , ولنا في البداء آيات في القرآن الكريم : )بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون( (البقرة : 117) , وكذلك : )إن يشاء يذهبكم ويأت بخلق جديد( (إبراهيم : 19) , وكذلك : )يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب( (الرعد : 39) .

والآيات المذكورة دليل على وقوع البداء في التكوينات , وتتفرع من البداء , مسائل اعتقادية فلسفية كثيرة , لا مجال لذكرها في هذا المجال الضيق , وسوف نبحثها في الأجزاء القادمة من هذا الكتاب , إن شاء الله تعالى .

 

 

 

 

 

 

* هل حصل النسخ ؟ :

قال بعضهم باستحالة حصول النسخ في الشريعة , لأن النسخ فيها – على حد قولهم- يعني إبطال حكم ونقضه , لأن إبطال حكم وإبداله بحكم آخر , لا يكون إلا بعامل الجهل , أو الندامة , وهما ممنوعان على الله , عز وجل , وهو منزه عن نسبة النقص إليه .

ولكن هذا القول توهم باطل , ناشئ من عدم التتبع والتحقيق في المعنى الواقعي للنسخ , لأن النسخ في الشرايع والأحكام , ليس من باب الإبطال والنقض , بل هو كما قلنا من قبل , بمعنى : انتهاء الحكم الشرعي , وانقضاء مفهومه , لأن الأحكام قابلة للتعديل والتغيير من قبل الله , تبارك وتعالى , حسب المصالح المكانية والزمنية التي يرتئيها , وهذا ما اتفق عليه المسلمون , فمثلا : شريعة موسى نسخت قسما من شريعة إبراهيم (ع) , ونسخ الإنجيل بعض ما في التوراة , وأخيرا نسخ الإسلام جميع الشرايع والأديان السابقة .

والعلة في ذلك : ان الأحكام الشرعية , إنما وضعت على حسب مصالح البشر , والمصالح هذه تتغير وتتبدل مع تغيير الزمن , فتقتضي الحكمة الإلهية أن يشرع لكل زمان ما يتماشى ويتلاءم معه , وكما يجوز أن ينسخ شريعة بأخرى , كذلك يجوز أن ينسخ قسما من أحكام شريعة , بأحكام أخرى متأخرة , ولنا في تغيير القبلة , ونسخها بأخرى خير دليل على ذلك .

وانفرد أبو مسلم , محمد بن بحر الأصفهاني في رأيه أنه : لم يقع النسخ في أية آية قرآنية , ويعتقد أن النسخ في القبلة لم يتوجه إلى آية قرآنية , بل إلى حكم لا نعرف مصدره , هل كان اجتهادا من النبي (ص) , أم كان وحيا بأمر إلهي خارج عن القرآن , لأن الوحي لم ينحصر بالقرآن !

ولكن هذا الرأي مردود , بإجماع المسلمين على إمكان نسخ آية بآية قرآنية أخرى , ولا مانع من بقاء الآية المنسوخة في القرآن , يثاب المسلمون بتلاوتها , ويتذكرون اللطف والرحمة الإلهية بإلغاء حكم كان مطابقا لمصلحة المسلمين , في صدر الإسلام , والاستبدال به حكما آخر يتماشى مع كل الأزمنة , ويتطابق مع مصلحة المسلمين في كل العصور .

وعلى كل الأحوال , لا يمنع في العقل من أن يشرع الله , الحكيم القادر , حكما لمصلحة يعرفها , لمدة زمنية يعلمها هو , ويخفيها عن الناس , وعند بلوغ الأجل المعين عنده , يشرع حكما جديدا , ينسخ الحكم الماضي . وذلك لأن عقول البشرية , تتقدم في سيرها التكاملي , ولا بد للأحكام الإلهية , أن تواكب هذا التكامل بما يتلاءم وعقولها , وبهذا تتوضح إمكانية النسخ , بل وجوب ذلك في بعض الموارد , فإن لبعض الأحكام , حكما ثابتا , مهما تغيرت الأزمنة والأمكنة , مثل : حرمة شرب الخمر , ونكاح المحارم , والقمار .

ولكن البعض الآخر معرض للتعديل والتغيير , مع اختلاف الأزمنة والأعصار , إلا في حال يحكم على العقول والأفكار , أنها بلغت حدها من الكمال , أو أن الحكم النازل يتماشى مع كل العصور والعقول , وأنها لا حظت مصالح البشرية في أدوارها كلها , مثل ((القرآن الكريم)) الذي لا تفقد أحكامه صلاحيتها , مع تحولات العقول والأفكار , ويظل يوافق متطلبات كل العصور , ويحافظ على دوره الإعجازي في كل المجالات العلمية , والفكرية , في شرق الأرض وغربها , كما وصفه الله , عز وجل , في قوله : )ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء( (النحل : 89) .

إنه مهما تطور المستوى العلمي , وتعمق البشر في أسرار الخلقة , ورموز الكون , فإن القرآن يتجلى أبدا بإعجازه , وعمقه العلمي .

وكذلك الجانب التشريعي فيه , فإنه يضمن سعادة البشرية في كل أدوارها , ومجتمعاتها , ويلبي حاجاتها الإنسانية , والأخلاقية , والمعيشية , وغيرها من الأمور , مما لا مفر للإنسان المتتبع لمفاهيمه , والمنصف في حكمه , إلا أن يذعن , ويقر به , إنه : الكتاب السماوي الذي يسع عقول الناس جميعهم , ويساير ركبهم , في الأزمنة كلها , وهو الناسخ لكل الشرايع قبله , ولا تنسخه شريعة بعده .

 

* أقسام النسخ :

1-                                                              نسخ التلاوة والحكم : كما في رواية عائشة , أنها قالت : ((كان فيما أنزل الله عشر رضعات يحرمن , فنسخت بخمس)) .

2-                                                              نسخ التلاوة فقط : كما في الرواية التالية : ((كان في القرآن : ((الشيخ والشيخة , إذا زينا فارجموهما نكالا من الله , والله عليم حكيم)) فلا توجد الآية في القرآن , ونسخت منه , وإن كان الحكم ثابتا فيه .

3-                                                              نسخ الحكم دون التلاوة : مثل الآية المباركة : )فأينما تولوا فثم وجه الله( (البقرة : 115) , فإنها نسخت الآية الكريمة : )فول وجهك شطر المسجد الحرام( (البقرة : 144) , والآية الأولى موجودة في القرآن , وإن نسخ حكمها .

والنسخ بالشكلين الأولين : حاله حال تحريف القرآن , فإن القول به , والإعتقاد فيه , خطأ كبير , ومساوق ومعادل للكفر , وإن الحديثين المرويين من الأخبار الشاذة , ومن الآحاد , ولا يترتب عليهما أي أثر علمي .

ولكن النسخ بالمعنى الثالث : فإن المحققين من العلماء , أقروا بذلك , واعترفوا والتزموا بأن في القرآن آيات نسخت أحكاما لشرايع ماضية , كما أن فيه آيات نسخت أحكاما نازلة في صدر الإسلام , بأحكام أخرى غيرها .

 

* أقسام الناسخ :

1-                                                              نسخ الحكم القرآني بالسنة المتواترة , أو الإجماع المحصل , الكاشف عن قول المعصوم , وهو لا غبار على إمكان حصوله , وهو ثابت لا إشكال فيه عقلا , ولا نقلا .

2-                                                              نسخ الحكم الثابت في القرآن , بآية أخرى , بحيث أن الآية الثانية , ترفع حكم الآية الثانية , ترفع حكم الآية الأولى , وهذا النوع أيضا لا إشكال فيه , من العقل والنقل .

3-                                                              نسخ الحكم الثابت في القرآن , بآية أخرى لا تبين رفع حكم الآية الأولى , بل حصول التنافي بين الآيتين , يدلنا على نسخ الآية السابقة بالآية اللاحقة , فلا وجود لهكذا نسخ في القرآن , وكيف يمكن وجود ما يؤدي إلى التناقص في الآيات القرآنية , وهذا أمر محال , تشير إليه الآية الكريمة : )أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا( (النساء : 82) , فإنها تنفي أي اختلاف بين ألفاظ ومعاني القرآن الكريم .

* شروط النسخ :

1-                                                              أن يكون النسخ بالخطاب , فزوال الحكم عن المكلف بموته , ليس ناسخا .

2-                                                              أن يكون المنسوخ حكما شرعيا , فإن الأمور العقلية الملغاة بالحكم الشرعي , ليست من أقسام النسخ .

3-                                                              أن يكون الحكم المنسوخ ظاهرا في الإستمرار والدوام , فانتهاء زمانه المحدد , وانتفاء الشروط المقيد بها . فإن هذا ليس من النسخ .

4-أن يكون الناسخ كلاما مستقلا , ومنفصلا عما قبله , فالمخصص بالاستثناء وأمثاله , لم يكن نسخا .

5- أن يكون نزول الناسخ بعد المنسوخ زمنيا .

6-                                                              أن يكون حصول الناسخ بالشروط المذكورة بعد العمل بالحكم السابق – المنسوخ , فإذا نسخ حكم قبل العمل به , فإنه تخصيص للحكم وليس نسخا , وهذا ما تحقق وتقرر في علم الأصول .

7-                                                              أن يكون بين الناسخ والمنسوخ تباينا كاملا , وإن لم يكن كذلك , فإنه من قبيل المطلق والمقيد , أو عموم المطلق , أو عموم من وجه .

 

* الآيات المنسوخة في القرآن الكريم :

الآيات المنسوخة , كما ذكرها ((علم الهدى السيد المرتضى)) في رسالته ((المحكم والمتشابه)) , عن الإمام أمير المؤمنين (ع) , كما يلي :

1-                                                                                                                                                                                                                              )واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا # واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما( (النساء : 15 , 16) .

يقول أمير المؤمنين (ع) , في كيفية النسخ في هذه الآية :  كان في عصر الجاهلية , ما قبل الإسلام , إذا زنت امرأة حبسوها في بيتها أجلها , فتموت , وأما الزاني فيزجر بالشتم والضرب حتى يتوب . ولما بعث الرسول (ص) , رحمة للعالمين , وأمره الله بالرأفة والمداراة للناس , نزلت الآية المباركة , تثبت وتؤيد عقوبتهم للزاني والزانية . وعند انتشار الإسلام , وقوته , وإقبال الناس عليه , وعلى تعاليمه , وتركهم العادات والتقاليد الجاهلية , نسخ الله , عز وجل , آية حبس الزانية , وزجر الزاني , بآية الجلد التالية : )الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة( (النور : 2) .

2-)والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج( (البقرة : 240) : كانت المرأة في العهد الجاهلي – قبل الإسلام- إذا مات عنها زوجها , تأخذ مقدارا من البعرة , وتقول : ((إن هذا أحب إلي من الزواج ‍!)) – كناية عن رفضها للزواج المجدد – وكانت تمتنع من الزينة , والكحل , والعطر , لسنة واحدة , ولا تتزوج , ولا تخرج من البيت , وكانت نفقتها من تركة زوجها المتوفى , فنزلت الآية هذه في صدر الإسلام , ثم نسخت بالآية التالية : )والذين يتوفون منكم يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا((البقرة : 234) .

3- )يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا # وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا # وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا # ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا( (الأحزاب : 45 - 48) .

كان الرسول في مبتدأ الرسالة مأمورا بدعوة الناس للإسلام , والتحاشي عن المقابلة مع المشركين , ومنازعتهم , ومقاتلتهم , حتى أنه اضطر إلى الهجرة من مكة , عندما أحس بالخطر على حياته , ولكن بعد ذلك نسخ الأمر بالمهادنة هذه بالآية التالية : )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير( (الحج : 39) .

4-                                                              في معركة (بدر) التي كانت أول مقابلة بين المسلمين والمشركين , أنزل الله على رسوله الآية التالية يشجعه فيها على المصالحة معهم : )وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم( (الأنفال : 61) , وعندما اشتدت قوة الإسلام , وكثر عدد المسلمين , واشتد عناد المشركين , نسخ الله أمره بالصلح , بالآية التالية : )فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم( (محمد : 35) .

وأخيرا ومع قوة الإسلام , وقدرة المسلمين , وتعنت المشركين المتزايد , نزل أمر الجهاد , على المسلمين بالآية التالية : )فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد((التوبة : 5) .

5-                                                                                                                                                                                                                       )إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا( (الأنفال : 65) , نسخت هذه الآية الشريفة بالآية التالية : )الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله( (الأنفال : 66) .

6-                                                              آخى رسول الله (ص) , بين المهاجرين والأنصار من أصحابه , وأمر بالتوارث بينهم بالأخوة الإيمانية فقط , ولم يلحظ فيه القرابة النسبية , أو السببية على حسب الآية الكريمة :)إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا( ( الأنفال : 72) , على أن يكون الولي في الآية بمعنى : ((الوارث)) .

وعندما كثر المسلمون عددا وعدة , واستقر أمرهم , نسخ الله الآية بالآية التالية : )النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين( (الأحزاب : 6) .

7-                                                                                                                                                                                                                       )وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا( (النساء : 8) ونسخت هذه الآية بالآية التالية : )يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين( (النساء : 11) .

8-                                                                                                                                                                                                                        بعد البعثة النبوية , ونزول وجوب الصلاة جعل (بيت المقدس) – وهو قبلة اليهود- قبلة لصلاتهم , طوال وجود النبي (ص) في (مكة) ولأشهر , بعد الهجرة إلى (المدينة المنورة) , فأبدل الله , عز وجل , قبلتهم وجعلها الكعبة , بالآية الشريفة : )قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره( (البقرة : 144) .

وبنزول الآية التالية , بين الله , عز وجل , علة عدم تغيير القبلة طوال الفترة الماضية :

)وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم( (البقرة : 143) .

9-                                                              لقد أثبت الله , عز وجل , حكم القصاص الذي كان قد أنزله في التوراة بالآية التالية : )وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص( (المائدة : 45) .

ثم نسخها الله , عز وجل , بالآية التالية : )يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان( (البقرة : 178) .

10- كان الصيام على المسلمين , في صدر الإسلام , على ما كان في التوراة بالآية الشريفة : )يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم( (البقرة : 183) .

ووقت الصوم في التوراة , من بعد صلاة العشاء , إلى غروب الشمس , من اليوم الثاني , وكذلك إذا نام الصائم قبل وقت الإفطار , ولم يستيقظ , يجب عليه البقاء صائما حتى الليلة الثانية , وكانت مباشرة النساء محرمة عليهم طوال شهر رمضان , ولكن الله خفف على الأمة المشاق , بنسخ تحريم النساء , بالآية التالية : )أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم( (البقرة : 187) .

وكذلك تعين ابتداء الصوم : من طلوع الفجر حتى الغروب فقط , بدلا من بعد العشاء , بالآية الكريمة : )كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل((البقرة : 187)  .

قال البيضاوي في (أنوار التنزيل) , وأبو السعود في (إرشاد العقل السليم) , في سبب نزول الآية المباركة : )أحل لكم ليلة الصيام الرفث . . . ( : أن عمر بن الخطاب جامع زوجته ليلة من شهر رمضان , بعد العشاء , ثم ندم من عمله هذا , فلما أصبح , أخبر رسول الله (ص) بذلك , وكان آخرون مثله , استحيوا من إخبار النبي (ص) , فأنزل الله , تبارك وتعالى , هذه الآية , تيسيرا لهم .

وقال أبو الفتوح الرازي , في شأن نزول الآية : ) كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل( , قيل :

((نزلت الآية في رجل أنصاري , اختلف في اسمه , فعن معاذ بن جبل : إن اسمه أبو صرمة , وعن البراء بن عازب : إن اسمه قيس بن صرمة , وعن عكرمة والسدي قالا : إن اسمه أبو قيس بن صرمة بن مالك بن عدي النجار .

عمل هذا الرجل طوال النهار في نخل له كان يملكها , حتى إذا أمسى , أتى أهله , ومعه بعض التمر أعطاه لزوجته , لتصلح له طعاما , ولما انصرفت المرأة لتهيئة الطعام , وأبطأت عليه , غلبه النوم حتى حان وقت صلاة العشاء , وهو لا يزال صائما , فأيقظ وقد حرم عليه الأكل والشراب والطعام , ولم يتناول منه طبقا للشريعة , خوفا من الله , عز وجل , فأضاف إلى يوم الصوم يوما آخر , وكان متعبا جدا , فرآه الرسول (ص) , فرق له وانزعج , ولأجل رفع الأذى والإنزعاج عن رسول الله (ص) , فقد أنزل الله سبحانه وتعالى , هذه الآية المباركة)) .

11- أمر الله , عز وجل , بالتقوى , بما يليق بشأنه تعالى , وعظمته , في الآية الكريمة : )يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون( (آل عمران : 102) .

وكان ذلك من الصعب عليهم أن يبلغوه نسبة إلى حق الله الذي لا يدرك بالمطلق , فنسخ الله ذلك ليجعل تقواهم بمقدار طاقتهم ووسعهم , بالآية الشريفة )فاتقوا الله ما استطعتم . . .( (التغابن : 16) .

12- قوله تعالى : )ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا( (النحل : 67) , نسخت هذه الآية بقوله تعالى : )قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق( (الأعراف : 33) .

13- قوله , عز وجل : )وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا( (مريم : 71) , فنسخت الآية , ليستثنى الله , عز وجل , ((المؤمنين)) من دخول النار , بقوله تعالى : )إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون( (الأنبياء : 101) .

14- عقد النبي (ص) معاهدة الصلح مع اليهود , على أثر هذه الآية الشريفة : )وقولوا للناس حسنا( (البقرة : 83) .

وعند رجوعه من (غزوة تبوك) , وكان اليهود قد نقضوا عهدهم مع الرسول (ص) , نسخت آية الصلح هذه , بآية المقاتلة : )قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون( (التوبة : 29) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مبهمات

القرآن الكريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مبهمات القرآن الكريم :

المبهمات : هي الكلمات التي ليس لها معنى ظاهر من ألفاظها , مثل : الموصولات والنكرات , وقد استعملت في القرآن كثيرا , بحيث أصبحت الآية مبهمة في مفهومها الواقعي , إلا لمن له دليل على معناها , من خارج الآية , ولولا ذلك لا يتسنى الوصول إلى المعنى , ونذكر بعضا منها للنموذج :

1- )صراط الذين أنعمت عليهم( (الفاتحة : 7) : فلم يتبين المقصود جليا من هم الذين أنعم الله تعالى , عليهم , في منطوق الآية , بل نحتاج في ذلك إلى بسط وتوضيح أكثر .

2- )فقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة( (البقرة : 35) : فإن قارئ الآية لم يتعرف , من خلالها , على زوجة آدم , من هي إلا بسابقة ذهنية .

3- ) وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر( (الأعراف : 163) : ما هي هذه القرية ؟ ما اسمها ؟ أين تقع ؟ كل هذا لا يعرف من منطوق الآية .

4- )ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله( (النساء : 100) : ما هي حدود الهجرة إلى الله ورسوله , ومن المقصود في الآية ؟

5- )والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون( (الزمر : 33) : من يقصد الله , عز وجل , بالآية الكريمة ؟

6- )إن شانئك هو الأبتر( (الكوثر : 3) : من هو الأبتر الملام في الآية ؟ .

نكتفي بهذه النماذج الستة , من استعمال المبهمات الكثيرة في القرآن , ولكن لابد من القول إن في استعمالها سرا معقولا , وحكمة منطقية , ذكرها , وفصلها , وشرحها , علماء التفسير , ونشير إلى بعضها :

1- إذا كانت الكلمة مفسرة وموضحة , في آية قرآنية , فلا لزوم للتوضيح والتفسير , عند كل استعمال لها , فالمقصود من الآية الكريمة المبهمة :

)الذين أنعمت عليهم( : تبين وتتوضح في الآية الشريفة : )فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين((النساء : 69) .

2- إذا كان المبهم مشهورا ومعروفا عند الناس , فلا حاجة للتوضيح والتعريف , مثل : الآية الثانية , فإن الناس عامة يعرفون أن زوجة آدم (ع) , هي حواء , وأنه ليس لآدم (ع) , زوجة غيرها , ولذلك لم يسمها في الآية , ولم يذكرها باسمها .

3- أن لا تكون فائدة تستوجب البسط والتفصيل , بل حلاوة الكلام , ولطافته يستوجبان الإبهام , مثل تعيين القرية وتوصيفها في الآية الثالثة .

4-  عند ذكر المبهم وإرادة العموم منها , فلا مجال للتعيين والتجديد , كما هو في الآية الرابعة , فإنه لم يكن المقصود فيها شخصا معينا , أو ناسا معينين , بل يمكن أن تنطبق على كثيرين من غير تعيين .

5-    إذا كان المقصود منها المدح والتعظيم , مثل الآية الخامسة .

6- إذا كان القصد منها الذم , والتنقيص , والتحقير , كما في الآية السادسة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العام والخاص

في القرآن الكريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العام والخاص في القرآن الكريم :

* اللفظ العام :

العام : هو كل كلمة تضم كل أفراد النوع الواحد , أو الجنس من حقيقة واحدة , وهي كثيرة الإستعمال في القرآن , منها : كل , الذي , التي , أي , من , ما , , في الآيات التالية :

1- )كل من عليها فان( (الرحمن : 26) .

2- )والذي قال لوالديه أف لكما( (الأحقاف : 17) .

3- )واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم( ( النساء : 15) .

4- )أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى( (الإسراء : 110) .

5- )إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم( (الأنبياء : 98) .

6- )من يعمل سوءا يجز به( (النساء : 123) .

7- من كلمات العام : اسم الجنس , وكذلك الجمع المحلى بالألف واللام , مثال الأول : )والعصر# إن الإنسان لفي خسر( (العصر : 1-2) , والثاني : )قد أفلح المؤمنون # الذين هم في صلاتهم خاشعون( (المؤمنون : 1-2) .

8- ومن العام : اسم الجنس المضاف , مثل : )فليحذر الذين يخالفون عن أمره(         (النور : 63) .

9- ومنه إسم النكرة في سياق النفي , أو النهي , مثل : )ذلك الكتاب لا ريب فيه(       (البقرة : 2) , وقوله تعالى : )وإن من شيء إلا عندنا خزائنه( (الحجر : 21) .

 

* أنواع ((العام)) في القرآن الكريم :

العام في القرآن على ثلاثة أنواع :

الأول : الآيات التي استعمل فيها لفظ العام , والقصد منه العموم والشمول , مثل :

( أ ) )الحمد لله رب العالمين( : فالحمد : عام محلى بالألف واللام , بمعنى كل أنواع الحمد , وأشكاله , أو جنس الحمد .

(ب) )يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم( (الحجرات : 13) : الناس : في الآية عام , والمقصود منه ((العموم)) , أي عموم الناس .

(ج) )كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين( (البقرة : 213) : الناس في الآية هذه , كسابقتها , ومعنى الآية : ان الناس , كل الناس , كانوا أمة واحدة , على عرف واحد , وتقاليد واحدة , ثم حصل الخلاف , ووقع الإختلاف بينهم , وذلك قبل بعثة نوح , على نبينا وعليه الصلاة والسلام , عندها أرسل الله , عز وجل , الرسل , إليهم ليعلموهم ويرشدوهم , ويبينوا لهم طريق الخير , ويبشروهم أن بالسير عليه دخول الجنة , وكذلك ليعرفوهم طريق الشر ويحذروهم أن في السير عليه ولوج النار والعذاب .

الثاني : الآيات التي استعملت فيها ألفاظ الـ ((عام)) , وأراد منها معنى ((الخاص)) , أي فردا خاصا , أو أفرادا منه , مثل الآية الكريمة :

( أ ) )إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون( (المائدة : 55) : ففيها ((الذين)) التي تفيد العموم , ولكن المقصود منها , فرد واحد , وهو شخص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) , كما جاء في تفسير الفريقين , عند ذكرنا لذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب , من خلال البحث المفصل والمستدل , فعلى الطالب أن يراجعه هناك .

(ب) )أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله( (النساء : 54) : فالناس في هذه الآية تفيد عموم الناس , ولكن الله , عز وجل , قصد منها الرسول الأكرم (ص) , وأهل بيته المعصومين (ع) , الذين هم معه كالنفس الواحدة .

(ج) )الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل( (آل عمران : 173) : لفظ ((الناس)) بمعنى العموم , والمقصود منه معنى ((الخاص)) , وهو – كما ذكرت التفاسير- رجل من قبيلة ((أشجع))اسمه ((نعيم بن مسعود)) , وشأن نزول الآية نختصره بما يلي :

عندما كانت معركة (أحد) , بين المسلمين والمشركين , وانتهت إلى فشل المسلمين , بسبب طمع البعض , وخيانة البعض , واستشهد عم النبي , حمزة بن عبد المطلب , مع عدد من المسلمين , وجرح بعضهم , ولم يبق مع النبي (ص) سوى علي بن أبي طالب (ع) ,    وأبو دجانة الأنصاري , وأم عمارة , ورجع الرسول (ص) إلى المدينة .

عندما كان ذلك , نزل جبريل (ع) على الرسول الأكرم (ص) , وأبلغه أمر الله , عز وجل , بوجوب تعقب المشركين ومقاتلتهم , على أن لا يخرج معه إلا الجرحى من أصحابه , فأخبر النبي (ص) المسلمين بذلك .

عندها ضمد الجرحى من المسلمين جراحاتهم , وخرجوا مع النبي (ص) بعزم ثابت , وشجاعة مستعرة , من المدينة المنورة , يتعقبون المشركين العائدين إلى مكة , حتى وصلوا إلى ((حمراء الأسد)) , فنزلوا بها .

وبلغ المشركين خبر خروج المسلمين , وملاحقتهم , فأرعبهم ذلك , ودخلهم الذعر والخوف .

وكان شخص من قبيلة ((أشجع)) , يقال له : ((نعيم بن مسعود)) , قد خرج من مكة متوجها إلى المدينة , فالتقى بالمشركين في بعض الطريق , فعرض عليه أبو سفيان , وهو قائدهم , أن يعطيه عشرة من الإبل , على أن يميل في طريقه إلى ((حمراء الأسد)) , ويلتقي محمدا (ص) , والمسلمين , ويبلغهم أن قريشا قد اجتمعوا بعدد كبير من قبائل ((كنانة)) , وعدة قوية , وخرجوا في طلبهم , للقتل والغلبة عليهم , وذلك , ليدخل القلق والرعب في قلوب المسلمين , علهم يرجعون إلى المدينة المنورة .

وقبل ((نعيم بن مسعود)) هذا العرض , وأكمل طريقه , ثم مال نحو ((حمراء الأسد)) , حيث أخبر النبي (ص) والمسلمين , بخبر قريش , وبشكل مضخم , وذلك ليرعبهم , وإلى هذا يشير قوله تعالى : ) الذين قال لهم الناس . . .( : فالناس في الآية , عام قصد منه فرد واحد , وهو ((نعيم بن مسعود)) .

لكن ((نعيم)) هذا فشل في مهمته , وما ازداد المسلمون من تخويفه , إلا ثباتا , وعزما , وتصميما على متابعة المسير إلى المشركين , مستمدين العزم والقوة من الله , عز وجل .

الثالث : الآيات التي استعمل فيها لفظ الـ ((عام)) , وخصص قسم منه , مثل :

( أ ) )يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين(  (البقرة : 47) .

 

 

(ب) )إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين((آل عمران : 33) : فلفظة ((العالمين)) في الآيتين , جاءت عامة , ولكن المقصود منها زمان بني إسرائيل فحسب , دون الأزمنة الأخرى , في الآية الأولى , وزمان الأنبياء آدم , ونوح , وآل إبراهيم , وآل عمران فقط , دون غيره , في الآية الثانية . وأمثال هذا الإستعمال العام للمورد الخاص كثير في القرآن .

 

*الفرق بين العام المراد منه الخاص , والعام المخصص :

1- إن المخصص في الأول عقلي , وفي الثاني لفظي .

2- المخصص لا ينفك عن العام , في الأول , وقابل للفصل في الثاني .

3- إرادة الفرد الواحد صحيحة في الأول , وفي الثاني مختلف فيها , ولا يصححها الكثيرون .

 

* اللفظ الخاص :

اللفظ الخاص : هو ما يشمل الفرد الواحد من الجنس , أو النوع في الأغلب . واستعماله في القرآن على نحوين :

1- أن لا يقصد من لفظ الخاص غير الخاص , مثل الآية الكريمة :

( أ ) )يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك( (المائدة : 67) : ففيها اللفظ الخاص ((الرسول)) , واستعمل خطابا للنبي محمد (ص) .

(ب) )إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي( (آل عمران : 68) : فالمراد من اللفظ الخاص في الآية ((هذا النبي)) : المفهوم الخاص الذي هو خاتم الأنبياء محمد (ص) .

 

2- أن يطلق اللفظ الخاص , ويقصد منه المعنى العام , كما في الآية الكريمة : )من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا( (المائدة : 32) .

فروى علم الهدى , الشريف المرتضى , حديثا , عن أمير المؤمنين (ع) , أنه قال في ذيل الآية : نزل هذا الحكم على بني إسرائيل في اللفظ والخطاب خاصة , ولكن معناه عام يشمل جميع الأمم , من الأولين والآخرين .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الظهر والبطن والحد والمطلع

في القرآن الكريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الظهر والبطن والجد والمطلع في القرآن الكريم :

هناك حديث مشهور , رواه أكثر المفسرين عن الأئمة الأطهار (ع) , وممن ذكره الفيض الكاشاني , في مقدمة تفسيره ((الصافي)) , أنهم قالوا : إن للقرآن ظهرا وبطنا , وحدا ومطلعا)) , وقال المفسرون في معناه :

1-                                                                                                                                                                                                                       الظهر : ظاهر القرآن , وهو ما اتفق عليه أرباب اللغة وعلماء العربية .

2-                                                                                                                                                                                                                       البطن : باطن القرآن , وهو خاص لأصحاب اليقين , وليس لكل أحد الوصول إليه , وإن كان حاذقا في العربية وقواعدها .

3-                                                                                                                                                                                                                       الحد : آخر ما يفهم من معاني كلمات القرآن .

4-                                                                                                                                                                                                                       المطلع : نهاية ما يحصل من معاني القرآن , لمن له نصيب من النورانية , والصفاء القلبي , وإلى هذه المنزلة , أشار الحديث الشريف : ((ليس العلم بكثرة تعلمه وتعليمه , إنما العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء)) .

ونقل عن الإمام الصادق (ع) , في هذا المجال , أنه قال : ((أساس القرآن أربعة أمور : العبارة , والإشارة , واللطائف , والحقائق)) .

وقيل في شرح هذا الحديث :

العبارة : خاصة لعامة الناس الذين يكتفون بالمعنى الظاهر من عبارة القرآن , وليس لهم نصيب من بواطنه , ولبابه .

الإشارة : خاصة لأهل المعنى , والخواص الذين لا يكتفون بالظاهر , بل يتعمقون بباطنه , وما يحويه من حقائق , ودقائق المعاني .

اللطائف : لأولياء الله تعالى , من أهل اليقين الذين شملتهم الألطاف الإلهية .

الحقائق : من مختصات الأنبياء والأئمة من أهل البيت , عليهم الصلوات والسلام , الذين هم خزان علوم القرآن , ومعارفه , وأسراره .

وقال صاحب ((بحر الحقائق)) :

((ظاهر القرآن : للقراءة والتلاوة , وباطن القرآن : للفهم والدراية , وحد القرآن : أحكام الحلال والحرام , والعبارة : حظ الأذن من الصوت فقط , والإشارة : خاصة للعقل وما يفهمه من الحقائق , والمعاني اللطائف : خاصة للقلب الذي هو محل الإشراقات النورانية , والحقائق : خاصة للروح وبها تتعالى وتكبر)) .

وقيل في معناها أيضا :

العبارة : تقوم الطبع الإنساني في مقام فهم الظواهر .

الإشارة : تقوي وتقوم القلب في درك الأسرار .

اللطائف : تجلي الروح لا ستقبال الأنوار الصفاتية .

الحقائق : تحرك الأسرار لاقتباس التجليات الذاتية .

فالعبارة والإشارة : عامة لكل الناس , وأما اللطائف والحقائق : لا يعرفها إلا الصفوة والمقربون من عباد الله وخواصه .

 

 

 

 

يقول المؤلف : نكتفي بهذا المقدار من مقدمات علم التفسير , وإن كانت هناك مباحث أخرى في هذا المجال , تستحق الذكر .

وبه نتوصل إلى نهاية ما ارتسمناه من ذكر فضائل أهل البيت (ع) , وبيان بحوث من علوم القرآن لتكون مدخلا لتفسير القرآن الكريم , وهو (الجزء الثاني) من كتابنا : ((الولاية)) . فأسأل الله , عز وجل , أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه , وأن يتقبل مني هذه البضاعة المزجاة بلطفه وكرمه , وأن يوفقني لطبع ونشر الأجزاء الأخرى منه , بمحمد وآله الطاهرين , عليهم الصلاة والسلام , والحمد لله رب العالمين .

 

 

                                                                        خادم الشريعة الغراء

                                                              ميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي                                                                                                             ميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مصادر الكتاب

 

 

( أ )

القرآن الكريم .

الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي (ت 911هـ) – ط . المكتبة الثقافية – بيروت 1404هـ /1984م .

الإحتجاج : أبومنصور , أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي , من علماء القرن السادس – تحـ . السيد محمد باقر خرسان – ط . مؤسسة الأعلمي – بيروت 1401هـ / 1981م.

الإختصاص : أبو عبدالله , محمد بن محمد بن النعمان العكبري , البغدادي , المقلب بـ (الشيخ المفيد) (ت 413هـ ) – ط . مكتبة الصدوق – طهران 1379هـ / 1960م .

الأربعين الهاشمية في شرح جملة من الأحاديث الواردة في العلوم الدينية : إبنة الحاج السيد محمد علي ((أمين النجار)) الإصبهاني – ط. مكتبة مسجد الإمام زين العابدين (ع) – الكويت 1399هـ/1979م .

إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم : أنظر : تفسير أبي السعود .

الإرشاد : أبو عبدالله , محمد بن محمد بن النعمان العكبري , البغدادي , المقلب بــ (الشيخ المفيد) (ت 413هـ) – ط/3 –مؤسسة الأعلمي – بيروت 1979م .

الإستيعاب في معرفة الأصحاب : أبو عمر , يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر ين عاصم النمري , القرطبي , المالكي (ت 463هـ) – على هامش ((الإصابة)) لإبن حجر .

الإصابة في تمييز الصحابة : شهاب الدين , أبو الفضل , أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي الكناني , العسقلاني , المصري , الشافعي , المعروف بـ (ابن حجر) (ت852هـ) – مصورة الطبعة الأولى في مطبعة السعادة – مصر 1328هـ , عن مكتبة المثنى           – بغداد .

الإعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار : أبو بكر , محمد بن موسى بن عثمان بن حازم الهمذاني (ت 584هـ) – نشره وعلق عليه راتب حاكمي – الطبعة الأولى – مطبعة الأندلس – حمص 1386هـ/1966م .

الإعجاز والإيجاز : أبو منصور , عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي , النيسابوري (ت429هـ) – تحـ .

د. محمد التونجي – ط/1 – دار النفائس – بيروت 1412هـ/1992م .

الأعلام : خير الدين الزركلي – ط/5 – دار العلم للملايين –بيروت 1401هـ/1980م .

الأغاني : علي بن الحسين بن محمد القرشي الكاتب , المعروف بـ (الأصفهاني) (ت356هـ) – مصورة عن طبعة دار الكتب/ مصر 1383هـ/1963م .

الإمامة والسياسة : أبو محمد , عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت276هـ) – تحـ . د. طه محمد الزيني – ط . مؤسسة الحلبي وشركاه – مصر1387هـ/1967م .

أنوار التنزيل وأسرار التأويل : أنظر : تفسير البيضاوي .

الأنوار اللامعة في شرح زيارة الجامعة : السيد عبدالله شبر – ط . مؤسسة الوفاء – بيروت 1403 هـ/1983م .

الأنوار النعمانية : السيد نعمة الله بن عبدالله بن محمد الجزائري (ت1112هـ) ط/4- مؤسسة الأعلمي – بيروت 1404هـ/1984م .

إتمام الدارية لقراء النقاية : جلال الدين , عبد الرحمن السيوطي (ت911هـ) – الطبعة الأولى – دار الكتب العلمية – بيروت 1405هـ/1985م .

إحقاق الحق وإزهاق الباطل : السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري (الشهيد سنة 1019هـ) – ط . المطبعة الإسلامية – طهران – دون تاريخ .

إحياء الميت بفضائل أهل البيت (ع) : أبو الفضل , عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي (ت910هـ) – ط . مؤسسة الوفاء – بيروت 1983م .

إرشاد القلوب : أبو محمد , الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي (ت448هـ) – ط . مكتبة التعاون – بيروت – دون تاريخ .

أساس البلاغة : للزمخشري .

أسباب النزول : أبو الحسن , علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت468هـ) – ط/2 –القاهرة 1387هـ/1968م .

ألف باء : أبو الحجاج , يوسف بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن غالب البلوي , المالقي , الأندلسي , المالكي , المعروف بـ (ابن الشيخ) (ت604هـ) – ط/2 – عالم الكتب – بيروت 1405هـ/1985م .

أمالي الـشيـخ الطوسي : أبو جعفر , محمد بن الحسن الطوسي , المعروف بـ (شيخ الطائفة) (ت 460 هـ) – ط / 2 – مؤسسة الوفاء – بيروت 1401 هـ / 1981 م .

أمالي الصدوق : أبو جعفر , محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي , المعروف بـ (الشيخ الصدوق) (ت 381 هـ) – ط / 5 – مؤسسة الأعلمي – بيروت 1410 هـ / 1990 م .

أمل الآمل في علماء جبل عامل : الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين الحر العاملي المشغري (ت 1104 هـ) – تحـ . السيد أحمد الحسيني – الطبعة الأولى – مكتبة الأندلس – بغداد 1385 هـ / 1965 م .

إنباه الرواة على أنباه النحاة : الوزير جمال الدين , أبو الحسن , علي بن يوسف القفطي (ت 646 هـ) – تحـ . محمد أبو الفضل إبراهيم – ط . دار الكتب المصرية 1369 هـ / 1950 م .

 

 

 

 

 

( ب )

 

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار : المولى الشيخ محمد باقر المجلسي (ت 1110 / 1111 هـ) – ط / 2 – مؤسسة الوفاء – بيروت 1403 هـ / 1983 م .

بدائع الزهور في وقائع الدهور : أبو البركات محمد بن أحمد بن إياس الناصري الحنفي (ت نحو 930 هـ ) .

البداية والنهاية : أنظر : تاريخ ابن كثير .

البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع : محمد بن علي الشوكاني (ت 1250 هـ) مصورة الطبعة الأولى – مطبعة السعادة – مصر 1348 هـ - عن دار المعرفة بيروت .

البرهان في تفسير القرآن : أنظر : تفسير البرهان .

البرهان في علوم القرآن : بدر الدين , محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت 794 هـ) – تحـ . محمد أبو الفضل إبراهيم – منشورات المكتبة العصرية – بيروت , عن الطبعة المصرية الثانية 1391 هـ / 1972 م .

بصائر الدرجات : أبو جعفر , محمد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت 290 هـ) – ط . مطبعة الأحمدي – طهران 1404 هـ / 1948 م .

بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس : أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي (ت 599 هـ) – ط . مجريط 1884 م .

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة : جلال الدين , عبد الرحمن السيوطي الشافعي (ت 911 هـ) – تحـ . محمد أبو الـفضل إبراهـيم – مصورة الطبعة المصرية 1399 هـ / 1979 م – عـن دار الفكر – بيروت .

البيان في غريب إعراب القرآن : كمال الدين , أبو البركات , عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن مصعب بن أبي سعيد الأنباري (ت 577 هـ) – تحـ . د . طه عبد الحميد طه – ط . دار الهجرة – قم 1403 هـ / 1983 م .

 

 

( ت )

 

تاج العروس من جواهر القاموس : السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت 1205 هـ) – تحـ . عبد الستار فراج – ط . وزارة الإرشاد والأنباء – الكويت 1385 هـ / 1965 م .

تاريخ آداب اللغة العربية : جرجي بن حبيب زيدان (ت 1332 هـ) – منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت 1403 هـ / 1983 م .

تاريخ ابن الأثير : (الكامل في التاريخ) : عز الدين , أبو الحسن , علي بن أبي الكرم , محمد بن محمد بن عـبد الكريم بن عـبد الواحد الشيـبـاني , المعروف بـ (ابن الأثير الجـزري) (ت 630 هـ) – ط . دار صادر وبيروت في بيروت 1385 هـ / 1965 م .

تاريخ ابن كثير : (البداية والنهاية) : عماد الدين , أبو الفداء , إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصروي , الدمشقي (ت 774 هـ) – ط . دار الفكر – بيروت 1398 هـ / 1978 م .

 

تاريخ البغدادي : (تاريخ بغداد) : أبو بكر , أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) – ط . دار الكتب العلمية – بيروت – دون تاريخ .

تاريخ الخلفاء : جلال الدين , عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي (ت 911 هـ) – تحـ . محمد محيي الدين عبد الحميد – الطبعة الأولى – مطبعة السعادة – مصر 1371 هـ / 1952 م .

تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس : حسين بن محمد بن الحسن الديار بكري (ت 966 هـ) – ط . مؤسسة شعبان – بيروت – دون تاريخ .

تاريخ الطبري : (تاريخ الرسل والملوك) : أبو جعفر , محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) – تحـ . محمد أبو الفضل إبراهيم – ط / 2 – دار المعارف – مصر 1396 هـ / 1976 م .

تذكرة الخواص : شمس الدين , أبو المظفر , يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي , المعروف بـ (سبط ابن الجوزي) (ت 654 هـ) – ط . مؤسسة أهل البيت (ع) – بيروت 1401 هـ / 1981 م .

تراجم مشاهير الشرق : جرجي بن حبيب زيدان (ت 1332 هـ) – ط / 3 – دار مكتبة الحياة – بيروت – دون تاريخ .

التعريفات : علي بن محمد الجرجاني (ت 816 هـ) – الطبعة الأولى – دار الكتب العلمية – بيروت 1403 هـ / 1983 م .

تفسير أبي السعود : (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) : أبو السعود , محمد بن محمد العمادي (ت 951 هـ) – ط / 2 – دار إحياء التراث العربي – بيروت 1411 هـ / 1990 م .

تفسير البرهان : (البرهان في تفسير القرآن) : السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني , البحراني , الثوبلي , الكتكاني (ت 1109 هـ) – ط . مؤسسة الوفاء – بيروت 1403 هـ / 1983 م .

تفسير البيضاوي : (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) : ناصر الدين , أبو سعيد , عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت 685 هـ) – الطبعة الأولى – مؤسسة الأعلمي – بيروت 1410 هـ / 1990 م .

تفسير الثعالبي : (جواهر الحسان في تفسير القرآن) : أبو زيد , عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجزائري (ت 875 هـ) – ط . مؤسسة الأعلمي – بيروت – دون تاريخ .

تفسير الدر المنثور : (الدر المنثور في تفسير بالمأثور) : عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) – الطبعة الأولى – دار الفكر – بيروت 1403 هـ / 1983م.

تفسير الـصافي : محمد محسن بن مرتضى بن محمـود , المعـروف بـ (الفـيض الكـاشاني) (ت 1091 هـ) – ط . مؤسسة الأعلمي – بيروت 1399 هـ / 1979 م .

تفسير العسكري : الإمام أبو محمد , الحسن بن علي العسكري (ع) (ت 260 هـ) – ط . مدرسة الإمام المهدي (عج) – قم 1409 هـ / 1989 م .

تـفسير العمروسي : (نور الثـقليـن) : عبد علي بن جمعة العمروسي الحويزي , الشيرازي (ت 1112 هـ) – ط / 2 – المطبعة العلمية – قم 1382 هـ / 1963 م .

 

تفسير العياشي : أبو النضر , محمد بن مسعود بن عياش السلمي , السمرقندي , المعروف بـ (العياشي) (من أعلام القرن الثالث والرابع) – ط . المكتبة العلمية الإسلامية – طهران 1380 هـ / 1961 م .

تفسير فرات الكوفي : فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (من علماء القرن الثالث) – ط . المطبعة الحيدرية في (النجف الأشرف) – دون تاريخ .

تفسير القمي : أبو الحسن , علي بن إبراهيم القمي (من أعلام القرنين الثالث والرابع) – ط / 3 – مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر – قم 1404 هـ / 1984 م .

تفسير الكشاف : (حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل) : أبو القاسم , جار الله , محمود بن عمر الزمخشري , الخوارزمي (ت 538 هـ) ط . الدار العالمية – بيروت – دون تاريخ .

تفسير مجمع البيان : (مجمع البيان في تفسير القرآن) : أبو علي , الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 هـ) – نشر المكتبة العلمية الإسلامية – طهران – دون تاريخ .

تفسير النسفي : (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) : أبو البركات , عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (ت 701 هـ) – الطبعة الأولى – دار القلم – بيروت 1408 هـ / 1989 م .

التفسير والمفسرون : د . محمد حسين الذهبي – الطبعة الأولى – دار القلم – بيروت – دون تاريخ .

تقريب المعارف في الكلام : أبو الصلاح , تقي الدين بن نجم الدين بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد الحلبي (ت 447 هـ) – تحـ . رضا الأستاذي – ط . مؤسسة أهل البيت (ع) – بيروت 1408 هـ / 1988 م .

تنزيه الأنبياء : السيد الشريف المرتضى , علم الهدى – الطبعة الأولى – مؤسسة الأعلمي – بيروت 1408 هـ / 1988 م .

تـنقيح المقال في عـلم الرجال : الشيخ عـبد الله الـمامقاني – ط . حجرية – طهران 1349 هـ / 1930 م . 

تهذيب أسنى المطالب : محمد بن محمد الجزري , الدمشقي , الشافعي (ت 833 هـ) – ط . المحمودي – بيروت 1403 هـ / 1983 م .

 

 

( ث )

 

ثلاث رسائل في إعجاز القرآن : للرماني , والخطابي , وعبد القاهر الجرجاني – تحـ . محمد خلف الله , ود . محمد زغلول سلام – ط / 2 – دار المعارف – مصر 1387 هـ / 1968 م .

ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : أبو جعفر , محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي , المعروف بـ (الشيخ الصدوق) (ت 381 هـ) – مكتبة الصدوق – طهران 1391 هـ / 1971 م .

 

( ج )

 

جامع الأخبار والآثار عن النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) : (كتاب القرآن) : السيد محمد باقر بن المرتضى الموحد الأبطحي الإصفـهاني – تحـ . ونشر مؤسسة الإمام المهـدي (عج) – الـطبعـة الأولى – المطبعة العلمية – قم 1411 هـ / 1991 م .

 

( ح )

 

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : أبو نعيم , أحمد بن عبد الله الإصفهاني (ت 430 هـ) – الطبعة الأولى – دار الكتب العلمية – بيروت 1409 هـ / 1988 م .

 

حياة محمد (ص) : محمد بن حسين بن سالم هيكل (ت 1376 هـ) – الطبعة الأولى – دار الكتب المصرية 1355 هـ / 1936 م .

 

( خ )

 

الخصال : أبو جعفر , محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي , المعروف بـ (الشيخ الصدوق) (ت 381 هـ) – ط . مكتبة الصدوق – طهران 1389 هـ .

 

( د )

الدر المنثور في التفسير بالمأثور : أنظر : تفسير الدر المنثور .

الدر الكامنة في أعيان المئة الثامنة : شهاب الدين , أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد , الشهير بـ (ابن حجر العسقلاني) (ت 852 هـ) – ط . دار الجيل – بيروت – دون تاريخ .

ديوان مارون عبود : ط . دار المكشوف الأولى – بيروت 1946 م .

 

( ر )

رسالة الإيمان : الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي الأسكوئي – ط/2 – بيروت – منشورات مكتبة الإمام الصادق (ع) العامة – الكويت – 1412هـ / 1992م .

رسالة التوحيد : محمد عبده بن حسن خير الله التركماني (ت 1323هـ) – الطبعة الأولى- دار الكتب العلمية – بيروت 1406هـ / 1986 م .

الرسالة المستطرفة في بيان مشهور كتب السنة المشرفة : محمد بن جعفر الكتاني – ط . دار الكتب العلمية – بيروت 1400هـ/ 1980م .

الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية : أبو القاسم , عبد الرحمن السهيلي (ت581هـ) – ط . مصر 1393هـ/1973م .

روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات : ميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري الإصبهاني – ط . المطبعة الحيدرية – طهران 1390هـ/1970م.

الرياض النضرة في مناقب العشرة : أبو العباس , أحمد بن عبد الله بن محمد , الشهير بـ (المحب الطبري) (ت694هـ) – ط . دار الكتب العلمية -  بيروت – دون تاريخ .

 

( س )

سفينة البحار : الشيخ عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (ت1359هـ) – ط . دار المرتضى – بيروت – دون تاريخ .

السيرة النبوية : أبو محمد , عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري (ت213هـ) – تحـ . السقا , الإبياري , شلبي – ط . مصر – دون تاريخ .

 

( ش )

شذرات الذهب في أخبار من ذهب : أبو الفلاح  , عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت1089هـ) – ط/2 – دار المسيرة – بيروت 1399هـ/1979م .

شرح سنن ابن ماجه القزويني : أبو الحسن الحنفي المعروف بـ (السندي) – ط . دار الجيل – بيروت – دون تاريخ .

شرح نهج البلاغة : محمد عبده – ط . الدار الإسلامية – بيروت 1412هـ/1992م .

شرح نهج البلاغة : عز الدين , أبو حامد بن هبة الله ابن أبي الحديد المدائني المعتزلي (ت655/656هـ) – تحـ . محمد أبو الفضل إبراهيم – ط/2 – القاهرة 1385هـ / 1965م .

شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات : أبو بكر , محمد بن القاسم الأنباري (ت328هـ) – تحـ . عبد السلام هارون – ط/2- دار المعارف – مصر 1382هـ/1963م .

شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : عبيد الله بن عبد الله بن أحمد , المعروف بـ (الحاكم الحسكاني) (من أعلام القرن الخامس) – تحـ . محمد باقر المحمودي – الطبعة الأولى – مؤسسة الأعلمي – بيروت 1393هـ/ 1974م .

 

( ص )

صحيفة الأبرار : ميرزا محمد تقي , الملقب بـ (حجة الإسلام) (ت1312هـ) – إعتناء وتصحيح حجة الإسلام , ميرزا عبد الرسول الحائري  الإحقاقي الأسكوئي – ط . دار الجيل – بيروت 1406هـ/1986م .

صفات الشيعة : أبو جعفر , محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381هـ) – تحـ . ونشر مؤسسة الإمام المهدي (عج) – رقم 1410هـ/1990م .

صفة الصفوة : جمال الدين , أبو الفرج , عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن جعفر الجوزي (ت597هـ) – تحـ . محمود فاخوري – ط/3 – دار المعرفة – بيروت 1405هـ / 1985م.

الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة : أحمد بن حجر الهيثمي المكي (ت974هـ) – ط/2 – القاهرة 1385هـ/1965م .

 

( ض )

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : شمس الدين , أبو الخير , محمد بن عبد الرحمن ابن محمد السخاوي الشافعي (ت902هـ) – ط . دار مكتبة الحياة – بيروت – دون تاريخ .

 

( ط )

طبقات الشافعية الكبرى : تاج الدين , أبو النصر , عبد الوهاب بن تقي الدين , علي بن عبد الكافي بن تمام الأنصاري , السبكي , الشافعي (ت771هـ) – ط/2 – (أوفست) – دار المعرفة – بيروت – دون تاريخ .

طبقات ابن سعد : محمد بن سعد بن منيع الزهري (230هـ) – ط . دار بيروت – 1398هـ/1965م .

طبقات المفسرين : جلال الدين , عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي (ت911هـ) – الطبعة الأولى – دار الكتب العلمية – بيروت 1403هـ/1983م .

 

( ع )

عصمة الأنبياء : محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري , المعروف بـ (فخر الدين الرازي) (ت606هـ) – الطبعة الأولى – مؤسسة البلاغ – بيروت 1408هـ/1988م.

علل الشرائع : أبو جعفر , محمد بن علي , ابن بابويه القمي , المعروف بـ (الشيخ الصدوق) (ت381هـ) – ط . المطبعة الحيدرية – النجف الأشرف- دون تاريخ .

العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده : أبو علي , الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (ت456هـ) –تحـ . محمد محيي الدين عبد الحميد – ط/4 – دار الجيل- بيروت 1391هـ/1972م .

عيون أخبار الرضا (ع) : أبو جعفر , محمد بن علي , ابن بابويه القمي , المعروف بـ (الشيخ الصدوق) (ت381هـ) – ط . المطبعة الحيدرية – النجف الأشرف 1390هـ /1970م .

 

( غ )

الغدير في الكتاب , والسنة , والأدب : الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي – ط/2 – دار الكتاب العربي – بيروت 1397هـ/1977م .

 

( ف )

فتوح البلدان : أبو الحسن , أحمد بن يحيى بن جبر البغدادي , البلاذري (ت279هـ) – ط . دار الكتب العلمية – بيروت 1398هـ/1978م .

فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين : إبراهيم بن محمد , ابن محمد الجويني الخراساني (ت730هـ) – تحـ . المحمودي – الطبعة الأولى – مؤسسة المحمودي- بيروت 1398هـ/1978م .

الفردوس بمأثورالخطاب : ابن شيرويه الديلمي (ت509هـ) – الطبعة الأولى- دار الكتب العلمية – بيروت 1406هـ/1986م .

الفصحى لغة القرآن : أنور الجندي – ط . دار الكتاب اللبناني – بيروت 1402هـ/1982م.

فضائل الشيعة : أبو جعفر , محمد بن علي , ابن بابويه القمي (ت381هـ) تحـ . ونشر مؤسسة الإمام المهدي (عج) – الطبعة الأولى – قم 1410هـ/1990.

الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة : علي بن محمد بن أحمد المالكي , المكي , الشهير بـ (ابن الصباغ) (ت855هـ) – ط . مطبعة العدل – النجف الأشرف – دون تاريخ .

فوات الوفيات : محمد بن شاكر الكتبي (ت764هـ) – تحـ . د. إحسان عباس – ط . دار صادر –بيروت 1393هـ/1973م .

 

( ق )

القاموس المحيط : مجد الدين , محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت817هـ) – الطبعة الأولى – مؤسسة الرسالة – بيروت 1406هـ/1986م .

 

( ك )

الكافي : أبو جعفر , محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ت328هـ/329هـ) – ط . دار الكتب الإسلامية – طهران 1388هـ/1986م .

كشف الحق ونهج الصدق : جمال الدين , أبو منصور , الحسن بن يوسف بن علي بن محمد , ابن المطهر الحلي , المعروف بـ (العلامة) (ت726هـ/736هـ) – ط . دار الكتب اللبناني 1402هـ/1982م .

كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب (ع) : أبو عبد الله , محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (قتل سنة 658هـ) – تحـ . محمد هادي الأميني – ط/3 – دار إحياء تراث أهل البيت (ع) – طهران 1404هـ/1984م .

الكني والألقاب : الشيخ عباس بن محمد , رضا بن أبي القاسم القمي (ت1359هـ) – ط/4 – طهران 1379هـ /1960م .

 

( ل )

لسان العرب : جمال الدين , أبو الفضل , محمد بن مكرم بن علي ابن منظور الأفريقي (ت711هـ) – ط . دار المعارف المصرية – دون تاريخ .

لسان الميزان : شهاب الدين , أبو الفضل , أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) – ط . مؤسسة الأعلمي – بيروت 1406هـ/1986م.

اللوامع النورانية في أسماء علي وأهل بيته (ع) القرآنية : السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني , البحراني , الثوبلي , الكتكاني (ت1109هـ) – الطبعة الأولى – المطبعة العلمية – قم 1394هـ/1974م .

 

( م )

مباحث في علوم القرآن : مناع القطان .

متشابه القرآن : ابن شهر آشوب المازندراني .

مجمع البحرين : فخر الدين بن محمد علي بن أحمد الطريحي (ت 1085هـ) تحـ . أحمد الحسيني – ط . مؤسسة الوفاء – بيروت 1403هـ/1983م .

مجمع االبيان في تفسير القرآن : أنظر : تفسير مجمع البيان .

المحبر : أبو جعفر , محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي البغدادي (ت 245هـ) – منشورات المكتب التجاري – بيروت – دون تاريخ .

المحكم والمتشابه : السيد المرتضى , علم الهدى – دار الشبستري للمطبوعات – قم – دون تاريخ .

مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان : أبو محمد , عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني , المكي (ت 768هـ) – ط/2 – مؤسسة الأعلمي – بيروت 1390هـ/ 1970م – مصورة الطبعة الأولى – حيدر آباد الدكن 1377هـ .

المستدرك على الصحيحين في الحديث : أبو عبد الله  , محمد بن عبد الله , المعروف بـ (الحاكم النيسابوري) (ت405هـ) – نشر مكتبة ومطابع النصر الحديثة – الرياض/ دون تاريخ .

مسند أحمد : أبو عبد الله , أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي البغدادي (ت 241هـ ) – ط . دار الفكر – بيروت – دون تاريخ .

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي (ت770هـ) – تحـ . عبد العظيم الشناوي – ط . دار المعارف المصرية 1977م .

مصباح المتهجد وسلاح المتعبد : أبو جعفر , محمد بن الحسن بن علي الطوسي , المعروف بـ (شيخ الطائفة) (ت460هـ) – ط . حجرية – قم – دون تاريخ .

المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ : جمال الدين , أبو الفرج , عبد الرحمن ابن الجوزي – تحـ . د. حاتم صالح الضامن – الطبعة الأولى – مؤسسة الرسالة – بيروت 1405هـ/1984م .

معجم المطبوعات العربية والمعربة : يوسف إليان سركيس – مطبعة سركيس – مصر 1346هـ .

مفتاح السعادة ومصباح السيادة : أحمد بن مصطفى , الشهير بـ (طاش كبرى زاده – الطبعة الأولى – دار الكتب العلمية – بيروت 1405هـ/1985م .

مفحمات الأقران في مبهمات القرآن : جلال الدين السيوطي – الطبعة الأولى – مؤسسة علوم القرآن – بيروت 1403هـ/1982م .

المفردات في غريب القرآن : أبوالقاسم , الحسن بن محمد , المعروف بـ (الراغب الإصفهاني) (ت 502هـ) – ط . دار المعرفة – بيروت – دون تاريخ .

مناقب آل أبي طالب : رشيد الدين , أبو جعفر , محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني السروي (588 هـ) – ط . دار الأضواء – بيروت 1395هـ/1985م .

مناقب علي بن أبي طالب (ع) : أبو الحسن , علي بن محمد الشافعي , الشهير بـ (ابن المغازلي) (ت 483 هـ) تحـ . البهبودي – منشورات دار الأضواء – بيروت 1403هـ/1983م .

المناقب : أبو المؤيد , الموفق بن أحمد بن محمد البكري , الحنفي , المكي , المعروف بـ (أخطب خوارزم) (ت568هـ) – ط . مكتبة نينوي الحديثة – طهران – دون تاريخ .

منتخب كنز العمال في السنن والأقوال والأفعال (على هامش المسند) : علي بن حسام الدين , الشهير بـ (المتقي الهندي) – ط . دار الفكر – بيروت – دون تاريخ .

منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : مير حبيب الله بن محمد بن هاشم بن عبد الحسين الخوئي (ت 1324هـ) – الطبعة الثانية – مؤسسة الوفاء – بيروت 1403هـ/1983م .

منية المريد في آداب المفيد والمستفيد : زين الدين بن علي بن أحمد العاملي , الشامي (ت 965هـ) – لقب بالشهيد الثاني – ط . دار المرتضى – بيروت 1399هـ/1979م .

الموسوعة العربية الميسرة : طبعة دار الشعب / مصر – ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر – بإشراف محمد غربال 1959م .

ميزان الإعتدال : محمد بن أحمد الذهبي (ت 748هـ) – تحـ . البجاوي – ط . دار المعرفة – بيروت – دون تاريخ .

 

( ن )

الناسخ والمنسوخ : قتادة بن دعامة السدوسي (ت117هـ) – تحـ . د . حاتم صالح الضامن – الطبعة الأولى – مؤسسة الرسالة – بيروت 1404هـ/ 1984م .

ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه : هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم , المعروف بـ (شرف الدين ابن البارزي) (ت 738هـ) – تحـ . د . حاتم صالح الضامن – ط /2 – مؤسسة الرسالة – بيروت 1403هـ/1983م .

نقد الرجال : السيد مير مصطفى الحسيني التفريشي ( من أعلام القرن العاشر الهجري) – ط . حجرية – قم- دون تاريخ .

نكت الهميان في نكت الأعيان : صلاح الدين , خليل بن أبيك الصفدي – ط . المطبعة الجمالية – مصر 1329هـ/ 1911م .

النهاية في غريب الحديث والأثر : مجد الدين , أبو السعادات , المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري , الموصلي , الشافعي (ت606هـ) – تحـ . الزاوي والطناجي – ط . إسماعيليان – قم – دون تاريخ .

الوافي بالوفيات : صلاح الدين , خليل بن أبيك الصفدي – باعتناء هلموت ريتر – ط . الدار الألمانية – بيروت 1401هـ/1981م .

وفيات الأعيان وأنباء وأبناء الزمان : أبو العباس , شمس الدين , أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت 681هـ) – تحـ . إحسان عباس – ط . دار صادر – بيروت 1398هـ / 1978م .

الوحي المحمدي : السيد محمد رشيد رضا – ط/3 – دار عز الدين – بيروت 1406هـ/1986م .

الولاية (بحث حول الولاية من وحي القرآن) : الحاج ميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي – تحـ . الحاج علي العسيلي العاملي – الطبعة الأولى – بيروت 1413هـ/1992م .

الوافي : المولى محسن , الملقب بالفيض الكاشاني – ط . إيران – دون تاريخ .

 

 

 

 

 

( ي )

ينابيع المودة : الشيخ سليمان بن إبراهيم بن محمد القندوزي الحنفي (ت1270هـ) – مصورة الطبعة الأولى بـ (إستانبول) - منشورات مؤسسة الأعلمي – بيروت – دون تاريخ .

 

                                                                                           المحقق

                                                                             الحاج علي بن عبد المحسن

                                                                               العسيلي الرشافي العاملي