الباب الاول

الولاية والوضوح الاسلامي


 

تمهيد

 

لابد للتعرف على عنصر الوضوح الاسلامي في ولاية علي عليه السلام من البدء معها من المراحل المبدئية الاولى لوضوح الحجة الالهية التي صدعت بأمرها ، ومن اضطراد خصائص الحق وشرائطه فيها – كما علمناه في المباحث المتقدمة .

لان الحجة الالهية في ولاية علي عليه السلام لا تختلف في خصائصها عن أي حجة لله اخرى ، ترد في أي حقيقة من حقائق الاسلام فلابد ان تكون حينئذ في الحديث سعة تستوعب هذه الحجة في اطارها الاسلامي العام ، لان ملاحظة هذا الاطار – وان كانت بنحو من الاختزال او الاجمال السريع – هي التي تمكننا من ادراك صورة جامعة عن استيعاب خصائص الحق لجميع مظاهر تلك الحجة ، وللافاق الاسلامية التي تنتهي اليها ، بما فيها مفهوم الولاية والولي – فهي جميعها فروع تكتسب سماتها وميزاتها من تلك الاصول الاولى- كما هو معلوم - .

ولهذا كان لابد من الانطلاق في متابعتنا لخصائص هذه الحجة من اول حلقاتها الاسلامية الثابتة وامتدادها – من ثم – في الحلقات الاخرى ، لان الغموض او القصور في أي من تلك الحلقات عن استيعاب شيء من متطلبات الحق سينعكس – ولا ريب – في سلبياته على كل ما يستتبعه من حلقات وشؤون ، فالفرع تبع لاصله والنتائج تتبع اخس المقدمات ( كما يقول المنطقيون ).

بل – وحين نلتفت الى المسألة من خلال ذلك التوحد الاسلامي العام ، وتكامل البنيات الاسلامية كافة ـ كما أشرنا الهما اكثر من مرة ـ فان تلك السلبيات ستطال تلك البنيات الاسلامية باجمعها ، ما سبق من حلقاتها وما لحق بعد ثبوت التزام الاسلام لها . وهذا محال ، بعد فرض ان الاسلام هو دين الحق ، وانه منزل من الله العليم القدير الحكيم .

على ان من المحال – من جهة ثانية – ان ندرك وضوح الحق في هذه الولاية وشؤونها قبل ان نقف على مستلزماته في الحلقات السابقة التي اعتمدت هذه الولاية في وجودها ، وبيّنت دورها العظيم في دين الله .

ونحن – بهذا الصدد – نعود الى ما ذكرناه سابقا من حاجة المذهب الحق الى المصدر الالهي ، وان هذه الحاجة انما هي لقصور الانسان عن الاستقلال بنفسه في الاحاطة بواقع الامور ، وعن ادراك مستلزماتها في وجود الانسان وحياته ، وانتظام علاقاته المختلفة مع بارئه تعالى ، ومع ذاته ، ومع مختلف مظاهر التكوين الاخرى . ولهذا فهو عاجز عن ان يضع لنفسه التصورات والمناهج المناسبة التي تكفل له الاستقامة مع ذلك الواقع ، ومع متطلبات الحكمة الربانية فيه ، حيث يعنيه مفهوم الحق ذاته، وحيث يستدعيه تحققه في سلوك الانسان.

كما نعود ايضا الى ما ذكرناه من ان الله تعالى قد قضى – للطفه الشامل ورحمته الواسعة – بسداد هذه الحاجة للانسان في الاسلام بدينه العظيم ، فجعله هو ذلك المنهج والنور الذي يهيء له البلوغ الى غاياته تلك من ايسر سبيل واهنئه.

ومن المستلزما ت الواضحة لهاتين الملاحظتين : ضرورة ان يصبح وفاء الاسلام بحاجة الانسان تلك ، وفاء عاماً لا تحدّه حدود ، دون حدود الانسانية ذاتها ، ودون حدود أصعدة حياتها في هذه الارض ، لان قصور الانسان نفسه عام شامل ، وحاجته الى مذهب الحق عامة ايضاً ، يستوعبان تلك الحدود بأجمعها كذلك.

ومن هنا كان لابد أن تكون الحجة الالهية – وهي تأخذ بيد الانسان في سبيل الحق تلك – عامة كذلك ، وبدرجة من الوضوح تمكنها من ان تملا افاق الوعي الانساني حين يسترشد هداها في كل صعيد ، وعلى أي حال ، لانها لا تستطيع تحقيق غاياتها في واقع الانسان مع أي غموض يغلق امامها منافذ الوعي .

ومن هنا كان وضوح هذه الحجة في الاسلام هو الاساس الذي يستند اليه أي وضوح اخر فيه يرد في أي موقع من مواقعه ، في أي رشد او هدى يمليه فبوضوح هذه الحجة يصبح الحق عنواناً لأي حقيقة من حقائق الاسلام ، وقاعدة أساسية في أي أطروحة يقدمها للانسان في أي صعيد .. وهي خاصة اسلامية فريدة يستحيل ان تتراءى في غير دين الله من الاديان والمذاهب ، لانها تتطلب اضطراد سمته الواقعية، واستقامة دلائلها في كل شان من شؤون الدين او المذهب ، وفي كل جزء من اجزائها ، وهو مالم – ولن – يتوفر في غير الاسلام.

ويمكن استفادة هذه الخاصية الاسلامية من التأمل في الايات التي ذكرناها سابقا شواهد على عنصر الوضوح في الاسلام ، كقوله تعالى مثلا :

] قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني [([1])

وقوله تعالى : ] قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه انه سبل السلام ، ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صارط مستقيم [ ([2]).

وما اكثر ما يتخذ القران هذا الجلاء والوضوح في ذاته وفي البيانات الاسلامية الاخرى مستنداً لايضاح مختلف المفاهيم والحدود الاسلامية ، وتتراءى هذه الطريقة القرانية للباحث مع قليل من التامل في الايات السابقة وغيرها ، كما تتضح في العديد من اشارات القران الى إعجاز ذاته لينطلق من هذا الاعجاز الى بناء مفاهيمه وحقائقه التي يطرحها امام الوعي البشري .

ولا اشكال في الأمر ، اذ النور كما هو جلي في نفسه يمكن ان يصبح منشأ للجلاء في كل شيء ينبثق منه او ينعكس عليه.

ولا افيض في الحديث حول هذه الناحية من دين الله ، اذ التفضيل مما لا يعنينا الآن ، وراء هذه الحدود العامة التي نريدها هنا . حيث استبان لنا ان أقرب السبل لرؤية وضوح الحق في ولاية علي عليه السلام هو تتبع منابع هذا الوضوح في دلائل الاسلام وبياناته العامة ، وتسلسلها الى حيث تستند ولاية علي عليه السلام ، واعلان الرسول صلى الله عليه وآله لها في غدير خم ،فمن وضوح حجة الله تعالى فيها يتضح مفهومها الاسلامي المطلوب ، وتتجلى ابعادها كافة ، كما تتضح جميع الشرائط والشؤون والمستلزمات والاثار التي تتعلق بها ، لا في حدود الافاق الاسلامية خاصة ، وانما في حدود ما يمليه الواقع في تطلع الانسان الى الحق ، وفي مسؤولياته الكبرى في اتباع سبيله.

 

 

شواهد التصديق الالهية

 

من الحلقات الاولى التي يتجلى بها وضوح الحجة الالهية في دلائل الاسلام وبيناته كافة ، هي تلك الشواهد التصديقية التي يؤيد الله تعالى بها كلمته وهداه في هذه الارض ، ويبين بها صحة انتساب شخص من الاشخاص اليه ، ورفع جميع الريب والشكوك التي يمكن ان ترد في النفوس السليمة حول هذا الانتساب.

فمع ما تحمله الدعوى الصادقة لهذا الانتساب من الدلائل الذاتية على صدقها ، بحيث ان النفوس السامية قد لا تحتاج الى شواهد اخرى دون ما في ذاتها من معالم الحق ، وما في فطرتها من دلائل الهدى لتدرك بدون ادنى ريب صحة انتسابها الى الله تعالى حيث ترى النور في منابعه، الا ان عموم حاجة الناس للهدى الالهي وشمولها فيهم كافة مما يوجب ان تسند تلك الدعوى ببعض الشواهد الالهية ، التي تثبت صحتها لكل احد وان زاغ به الهوى عن سلامة الطريق ، وتملا بها كل وعي وان قصرت به الصوارف عن ادراك النور في منابعة ، اذ ليست النفوس الانسانية كلها بدرجة من الصفاء والاستقامة تمكّنها من ان تدرك الحق في ذات الدعاوى المحقة ، وان لم يكن معها من الشواهد الملفتة ما يأخذ بالعقول اليها بشكل جازم لا ريب معه ، في حين انه لابد ان تقام حجة الله على الناس كافة ليهلك من يهلك عن بينة كما يحيي من يحيي عن بينة.

هذا اضافة الى ان عجز الانسان ذاته عن الاحاطة بالواقع ومتطلباته قد يقعده عن التمييز بين المحق والمبطل من تلك الدعاوى ، اذ للباطل طرقه الاخاذة في التمويه وجلب الانتباه ، مما يعني ضرورة أن نجعل له من الشواهد ما يرفع من نفسه أي ريب وهو يسلّم زمام ذاته وحياته الى تلك الدعاوى الصادقة ، ويستهدي انوار من اصطفاه الله حقاً لابلاغ كلمته الى الناس ، وللتعبير عنه في البشرية.

بهذه الشواهد – مع تلك الدلائل الذاتية للصدق في الدعاوى طبعاً – يمكن أن يتضح ذلك الانتساب الى الله تعالى ويتجلى فيه برهانه بشكل تقام به الحجة على الناس كافة ، وان رانت على بعضها اوضار الانحراف والشذوذ عن قويم السبيل .

فاي دعوى من أي احد تبقى ناقصة الحجة دون هذه الشواهد التي تثبت صدقها أمام كل وعي ، وتغني بها كل بصيرة.

والعكس صحيح يضا ، اذ من غير الممكن ان تسند أي دعوى كاذبة ولو ببعض تلك الشواهد ، لانها ستصبح اغراء بالباطل ، وهذا محال في حكمة الله سبحانه كما هو واضح .

اذن فتلك الشواهد هي الحد الفاصل بين الصادقة من دعاوى الاصطفاء الالهي وكاذبتها ... بين الوضوح الذي يملأ العقل المنفتح بالنور والهدى ، والغموض الذي لا تهتدي معه النفوس الى قرار .


 

رسالات الله وشواهد التصديق

 

ولا تختص رسالة محمد صلى الله عليه واله وحدها بالضرورة الى هذه الشواهد ، وانما هي نقطة مشتركة في جميع الرسالات والمناصب الالهية إذ لابد من اثبات صدقها أمام البصائر كافة، وتعهد الله لها ، ورعايته إياها، فالملاك فيها واحد والحاجة معها واحدة ، والحكمة التي قضت بوجود تلك الرسالات والمناصب واحدة كذلك .

وهكذا واكبت الشواهد التصديقية دعوات اصفياء الاسلام ، وسفارات منتجبة في مراحلها المختلفة وصورها كافة منذ اولى الرسالات الله في هذه الارض ، وحتى الرسالة العظمى التي صدع بها محمد خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله .

وعنصر الاعجاز كان ولا يزال هو أجلى واهم تلك الشواهد – ولا ريب – لوضوح إرتباطه بالله سبحانه وحده اذ لا يستطيع التطاول اليه بشر بدون اذنه تعالى .. وعلى هذا الوضوح يعتمد جلاء الحجة الالهية ذاتها ، وما تدل عليه من حقائق في كل جانب من جوانب تلك الدعوات .. فحين تسند دعوى الإصطفاء الإلهي أو السفارة عن الله في أمر بما تعجز عنه القدرة البشرية ـ كما في خرق بعض النواميس الطبيعية مثلاً ـ فلا مجال حينئذ لأي ريب أو شك في صدقها وصحة ماتتضمنه من مفاهيم ومناهج وبينات.

ومن هنا كانت المعجزات هي العنصر البارز من شواهد التصديق التي واكبت الرسل واصفياء الله في البشرية ، لتأييدهم في كل دعوى ، واسنادهم في كل موقف يحتاجون فيه الى هذا الاسناد ، دون فرق بين دعوى الاصطفاء ذاتها ، وبعض مستلزماتها الفرعية.

وهي مسألة لاتختلف فيها رسالة أو نبوة أو ولاية أو وصاية الهية على الحق ، فمستند الجميع واحد ، والقدرة الكافلة لها جميعاً واحد ـ كما أشرت ـ .

وهكذا فمن سفينة نوح عليه السلام .. الى نار ابراهيم عليه السلام .. الى عصا موسى عليه السلام .. الى مائدة عيسى عليه السلام .. الى ناقة صالح عليه السلام .. الى جذع مريم عليها السلام .. الى جلب من كان عنده علم من الكتاب  لعرش بلقيس من اليمن الى بيت المقدس قبل ارتداد الطرف .. الى غيرها من معاجز وكرامات الرسل والأوصياء والاولياء ، فهي جميعها ترد ضمن هذه القاعدة التي ذكرناها ولا ندخل في تفاصيل هذه المسألة فهي لاترد ضمن اهتمامنا وراء هذه الاشارة السريعة .

 

                           

 

                            سعة الرسالة المحمدية

 

ورساله محمد صلى الله عليه وآله لاتختلف عن غيرها من رسالات الله في هذه الناحية ، اذ لابد أن يكون  لها من شواهد التصديق مايثبت ارتباطها بالله تعالى دون أدنى شك او ريب يمكن أن يعتور بعض النفوس حولها ، وحول صدقها في الانتساب اليه سبحانه ولابد أن يكون هذا الارتباط بدرجة من الوضوح تكفي لأن تكون منطلقاً لكل وضوح أخر فيها ، وعلى أي صعيد .

إلا أن هناك فوارق مهمة بين هذه الرسالة العظمى ورسالات الله تعالى التي سبقتها ينبغي الالتفات اليها هنا ، لما لهذه الفوارق من آثار كبرى في دلائل هذه الرسالة وبيناتها ، وفي الشواهد التصديقية التي تفرض وجودها على الوعي البشري.

ومن أهم هذه الفوارق : تلك القاعدة الانسانية الواسعة التي جعلتها حكمة التشريع موضوعاً لهدى الله في هذه الرسالة ، اذ لم يؤخذ فيها ـ ماأخذ في غيرها من رسالات الله ـ شيء من الاختصاص بمجتمع من المجتمعات ، او طائفة من الطوائف ، او قومية من القوميات ، او زمن من الأزمان . أو بيئة من البيئات ، منذ نزولها وحتى القيامة ، وانما هي شاملة الهدى والنور للبشرية في كل زمان ومكان .

وهذه ناحية معروفة في هذه الرسالة ، وبها صرح القرآن دستورها الخالد ، اذ قال تعالى فيه:

] ومآ ارسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً .. [([3]).

] قل يا أيها الناس اني رسول الله اليكم جميعاً .. [([4]).

وشمولية الموضوع هذه مما يستوجب أخذه أساساً أو رصيداً في البينات الالهية التي تعتمدها هذه الرسالة كذلك ، وفي الشواهد التصديقية التي تثبت صدقها في الانتساب الى الله عز وجل، او تثبت بعض حقائقها امام البصائر .

فحكمة الله جل شانه حين شاءت أن تجعل من هذه الرسالة هدىً للبشرية جمعاء، كان من الضروري ان تملأ بيناتها ألباب البشرية جمعاء ، وان تجعل في شواهد تصديقها غناء البشرية جمعاء أيضا.

وحين قضت بان تجعل منها نوراً يستضيء به الإنسان في كل مسلك من مسالك الحياة ، وفي كل زمام و مكان، وفي كل مستوى حضاري ، كان لابد أن تجعل في دلائلها ما يملأ بصيرته في كل أولئك ايضاً.

وحين ارادت ان تختم بمحمد صلى الله عليه واله جميع الرسل، وبرسالته العظمى جميع الرسالات، لتبقى هي الشفاء الدائم للناس، والنور الأبدي لاستقامتهم في سبيل الحق ، كان لابد أن تجعل في بيناتها وحججها ذلك النصوع والجلاء الأبديين كذلك لرفع أي ريب في النفوس.

اذ – وكما قلنا سابقا – لا تفاوت في حاجة البشر، ولا عجز في قدرة الله عز وجل ولا قصور في سلطانه ولا تفاوت في حكمته .. وكل ما قلناه مما تقضي به هذه الحكمة – كما وهو واضح .

وهكذا شاءت تلك الحكمة ان يكون القرآن – وهو اعظم الحجج الإلهية ، والشواهد المعجزة – هو المصدق الأول لمحمد صلى الله عليه وآله في رسالته ، وأن يصبح – وهو الاجلى وضوحاً والانصع بينة -  هو المستند الاول لتوفيق دعوة محمد صلى الله عليه واله ، واثبات ارتباطها اليقيني بالله تعالى وبارادته.

ولهذا فقد جعلته شامل الإعجاز ، دائم الإعجاز ، بين الإعجاز لكل بصيرة ، يفي لكل متطلع للحق بحاجته من القناعة واليقين حين يخلص لله بنيته.

وهكذا كان القران هو الدليل الواضح على صدق ذاته – اولاً – والمصدق للرسول صلى الله عليه وآله الذي انزل عليه – ثانياً – وهو عنوان الوضوح في أي حقيقة اسلامية ترد فيه ، أو في السنة الحجج الالهية التي يعترف بها على امتداد حلقاتها اليقينية – ثالثا –

بل وكان القران ايضاً هو المصدق لمن سبق محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من رسل الله تعالى واصفيائه عليهم السلام كافة ، وما سبق رسالته من رسالات الحق ونبواته جميعاً، اذ ما كانت دلائل الصدق فيها لتثبت امام البصائر في هذه العصور لو لم يكن لها شاهد من كتاب الله العظيم .

 

التحدي القرآني

 

وقد اتخذ القران السبل لتنبيه الوعي الانساني الى ما في ذاته من منابع الاعجاز ودلائله ، واتخذ من هذه المنابع اساساً لاقامة الحجة ببيناته على الناس ومدركا لارشادهم الى ما فيه من بصائر .

وكما كانت هذه السبل السديدة المتعمدة في البيان القرآني فعالة التأثير في زمن الرسالة ، فهي لاتزال فعالة في نتائجها بنفس الدرجة والوضوح في هذه العصور ايضا ، وستبقى ابدية التاثير بنفس الدرجة كذلك مع خلود القران ، واستمرار الرسالة ودورها في حياة الانسان ، دون أدنى تحديد لفئة من الناس ، أو اتجاه حضاري معين، او مستوى علمي خاص ، وانما هو عموم الحجة الالهية ، وشمول الهدى الرباني لجميع البشرية.

واول ما يلفت الانتباه من القرآن في هذا المجال ، هو التحديات الصريحة والمتكررة للعقول بالاتيان بالمثل .. فمن تحدي البشرية – وغير البشرية ممن يمكنه حمل عنصر العقل والتفكير من المخلوقات – بأن بأتوا بمثله وان تضامّت جميع القوى وتكاتفت الطاقات والقابليات :

] قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القران لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [([5]).

الى التنزيل مع الجميع – كذلك – بالاتيان ولو بعشر من سوره:

] ام يقولون افتراه . قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين . فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله وان لا اله الا هو فهل انتم مسلمون [ ([6])

الى التنزيل اخيرا بتحدي الجميع ايضا بالاتيان ولو بسورة واحدة .. نعم سورة واحدة من سوره القصار التي لا تتجاوز كلماتها عدد الاصابع .. بل وبتحديهم باثبات عجزهم حتى قبل محاولتهم التطاول والشروع بالاتيان:

] وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين . فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين [([7])

وحين يلتفت المرء الى حقيقة ان هذه الآيات المباركة هي مما يقرأ اليوم في القرآن ، كما كانت تقرأ في عصر الرسالة ، وان العجز هو جوابها اليوم ، كما كان جوابها في ذلك العصر، فمن الطبيعي أن يعلم فارق مابين القرآن وغيره ، ويدرك ان مصدر القران هو ذلك العلم المطلق ، والقدرة المهيمنة ، التي لا ترقى اليها العقول ، وهي نتيجة واضحة لكل ذي بصيرة ، ولاتحتاج الى اطلاع واسع او فهم عميق لمعنى الاعجاز او موارده في القرآن  او افاقه في حقائقه وكلماته .

 

 

 

 

اعجاز الخصائص القرآنية

 

وفي اتجاه آخر في هذا المجال أيضاً ، نرى القرآن في الكثير من آياته المباركات يلفت العقول الى مافي ذاته من سمات خاصة ومزايا معجزة ، والى مايحويه من جوانب للكمال تقصر العقول عن ادراك مداها ، وتضيق طاقاتها عن الاحاطة بافآقها كما في قوله تعالى ـ مثلاً ـ :

] ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد [([8]).

] قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين [([9]).

] الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً . قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجراً حسناً ماكثين فيه أبداً [([10])

الى غير هذه الآيات الكريمة ، فهذه النعوت تملأ جميع الآيات التي يعرض فيها القرآن الكريم الى بيان مافي ذاته من خصائص ، او الى ماله من أهداف في حياة الانسان .

ويلاحظ ان القرآن ـ وهو يذكر سمات الكمال هذه لنفسه ـ لا يأتي بها لمجرد الثناء والتعظيم لذاته ، دون ان يكون له من الأرصدة مايثبت به قوله أمام البصائر .. فهذا مما يستحيل في حقه ، لأنه ـ وكما علمنا سابقاً ـ يلتزم سمة الحق أساساً له في الوجود ، وقيمة عليا له ، حيث تنتهي اليها قيمة الاخرى كافة . ومن الطبيعي أن تعظيم ذاته دون رصيد من الواقع مما يتنافى مه هذا الالتزام ـ كما هو واضح ـ هذا من جهة .

ومن جهة أخرى ، فإن القرآن وهو يعرض صور الكمال تلك لنفسه ، لا يعرضها كصور شاعرية خيالية ، من اجل استقطاب العواطف ، واثارة الاستحسان الأدبي ـ كما هو المشهور في قراءة القصائد الشعرية ، او النوادر والنصوص الأدبية ـ وانما هو يعرضها في موارد اقامة الحجة ، وتنبيه البصائر ، وتحدي العقول . ومن الطبيعي ـ حينئذ ـ ان يعد للحساب عدته المناسبة ،ويتخذ للصراع أهبته ، فهو يعلم أنه محاسب على كل كلمة فيه ، وان كل مفهوم له سيكون مجالاً لتمحيص الافكار والعقول ، لامن النفوس المعاندة فحسب ، وانما من العقول المتطلعة الى الحق ايضاً ، اذ لا يمكن اقامة الحجة عليها مع أدنى خلل يثبت عليه في أي مفهوم يقدمه او تفاوت يؤاخذ به في أي اطروحة يلتزمها . ولهذا كان عليه أن يتخذ من أرصدة الاثبات ما يحقق له أهدافه كاملة مع الانسان ، دون أي نقطة من الضعف يمكن ان تورد عليه ، حتى في أعماق النفوس .

وبالفعل فهذا هو المشهود من أمر القرآن العظيم ، في كل ما يطرحه من قضايا ومفاهيم ، في مختلف الجوانب ومنها ماسبق ان لاحظناه في التحديات الصريحة السابقة ، ومانراه في الآيات والسياقات التي يعرض فيها لخصائصه وبيان صور الكمال فيه ، فان العقول البشرية ـ في مختلف مستوياتها واتجاهاتها ـ لم تتمكن من ان تقف معه على قدم فيها ، او تثبت أمامه في موقف مواجه ، فضلاً عن أن تبدي في أي مما ذكره بعض الخلل في دعوى ، او مجانبة للحقيقة في مورد ، او شططاً فيما طرحه من تحد او التزامه لذاته من سمات عليا .. وهو قصور لم يتميز به عصر من العصور ، أو مستوى من المستويات وانما هو عام شامل لجميع العصور والمستويات ، اذ ليس هناك أسهل من نقض كيان الاسلام ـ من اساس ـ لو وجدت البصائر شيئاً من الوهن في القرآن ، او رأت شيئاً يستحق ان تلتفت اليه العقول منها ، فحدّية الحق الذي يلتزمه القرآن لنفسه ، واستقامته المطلقه مع الواقع ، مما يبعد به عن الالتواءات والدخائل والنسبية ، فحقائقه ، أما ان توجد في اقصى درجات السمو والكمال واما أن لا توجد بالمرة ، اذ لا مرحلة وسطى بين الأمرين ، وهي ميزة قرآنية أو بالأحرى اسلامية خاصة لا يدانيه فيها مذهب او دين آخر سواه .

ولهذا فان نفس بقاء الاسلام والقرآن ، ونفس خلود تحدياته فيه دون جواب ، وسلامة نعوته وخصائصه دون وهن ، هي من أوضح المثبتات أيضاً على أنه من الله العليم الخبير .

وهي نتيجة واضحة كذلك ، لاتحتاج الى كبير تأمل او فهمم عميق .

 

التقدم العلمي شاهد لإعجاز القرآن

 

ومجال آخر لاعجاز القرآن ، لا ينبغي ان نغفله ، وان كنا بهذه السرعة ايضاً ، لما لهذا المجال من وضوح تدركه جميع العقول وعلى مر العصور ، ولا سيما في هذا العصر الذي لمست فيه البشرية بعض أثاره المباشرة .

وهذا المجال هو ذلك الوعد القاطع الذي أخذه القرآن على نفسه ، وعلى الاسلام ككل بأن يكون تقدم البشرية في العلم ، ومسيرتها في ركاب المعرفة ، وترقّيها في سلّم الكمالات الانسانية ، وما ستناله من نتائج التقدم في سبيلها ، كلها منابع متنامية الرفد والعطاء في ابراز ما يحمله الاسلام من أرصدة الحق ، واستقامته مع الواقع .

وهو وعد يعني أن تقدم الانسان في العلم والمعرفة ، وترقيه في درجات الكمال سيكون كذلك من الشهواد التصدقية الدائمة لرسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم وبعض دلائلها على ارتباطها المطلق بمصدرها العظيم ، وركونها الى مشيئته وحكمته . قال تعالى :

] سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد [

وهو وعد ثابت ، جرت بتصديقه الايام ، ومضت لتحقيقه مسيرة الانسان في ركاب العلم ، كما يبدو مع قليل من التأمل .

وهكذا ، فبينما تتهاوى صروح اديان ومذاهب اخرى مع تقدم الانسان في المعرفة وتتساقط كتساقط اوراق الخريف اذ لا تستطيع الثبات امام تمحيص العقول ، وانوار العلوم ، وعواصف الزمن نرى ان حقائق الاسلام تتبلور يوما بعد آخر ، وتتجلى امام وعي الانسان عنوانا لبصائر الحق ، وسبيلاً فريدا لخلاص البشرية من الانحراف والسقوط.

الى غير هذه النواحي من اعجاز القران واصعدته التي يراها طالب الحق في كتب الاختصاص .. وللمرحوم السيد الخوئي قدّس سرّه مباحث جيدة حول هذا الاعجاز في مقدمة تفسيره للقرآن (البيان) وكذلك للشيخ البلاغي رحمه الله في مقدمة تفسيره ( الاء الرحمان ) فليرجع اليها من يرغب الاستزادة.

وهكذا تعددت اصعدة الاعجاز القراني ، وتعددت تحديات القرآن بها ، فلم تخل منها آية من آياته ، كما لم تستثن كلمة من كلماته او اشارة من اشاراته عن ان تكون مجلى لواحد او اكثر من منابع هذا الاعجاز . ولئن استطاعت البشرية ان تدرك شيئا من هذا المنابع خلال ممارستها الطويلة معه الا ان لقادم الزمان ، ولارتقاء البشرية في سلم المعرفة آثارهما المؤلمة في فتح منافذ اوسع لرؤية اشمل في هذا الاعجاز وادراك موارده ، وهذا بعض ما عنته الاية الكريمة السابقة ، واثبتت صدقها فيه الايام.

اذن فالقران هو كتاب الله الذي لا ريب فيه ، وهذه القضية هي اول ما يعنيه الاعجاز القراني من دلائل ، فهي قضيه واضحة بذاتها ، كما انها منبع لكل وضوح موجود في الاسلام ، وفي القران ايضا ، بل وفي أي التزام اسلامي دلت عليه البينات التي يقيمها، حيث تنظم بها سلسلة الحجة الالهية ، ويتكامل فيه تسلسل الوضوح ، اذ من البين ان القران بهذا الاعجاز – قد اصبح الصورة الفعلية القائمة للالتزام الالهي ذاته ، واليه تنتهي تلك السلسلة الاسلامية حين تكون مترابطة الحلقات محكمة الاصول .

 

 

دلائل الوضوح في رسالة محمد ( صلى الله عليه واله )

 

ومع ملاحظة النتيجة السابقة التي انتهينا في الفصل المتقدم .. فاننا نعلم ان القران حين يلتزم محمداً بن عبد الله صلى الله عليه واله رسولاً في هذه البشرية ومثلاً شاحصاً لحقائقه في النوع البشري ، اذ يجسد امر الله تعالى بوجوده ، ويقيم كلمته في حياته ،وحين يتعهده ابدية لقيمه ومفاهيمه حيث يمكن للبشرية ان تترسم خطاه، وتنتهج سبيله في كل ما ينطبق به من قول ، وما يأتيه من عمل .. كان لابد ان يكون محمد صلى الله عليه واله هو هذا الرسول المصطفى ، وان يكون هو المثل الاعلى الذي يريده الله لمتبعي دينه دون شك ، وان يكون هو القدوة الخالدة للمهتدين بنوره مع الزمان . فما كان للقران ان يتفاوت في كلمة ، او التزام ، لانها كلمة الله سبحانه والتزامه – كما علمنا - .

ولهذا فان آيات كريمة مثل قوله تعالى :

] يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا . وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا .. [([11])

] هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا . محمد رسول الله .. [ ([12]).

.. ان ايات مثل هاتين كافيه كل الكفاية في الدلاله على هذا الالتزام بكل ما فيه من حدود وافاق وان لم تكن هناك دلائل اخرى لتاييده في دعوته صلى الله عليه واله وتصديقه في القيام بمهمته .. اذ لا نحتاج بعد هذا التصريح الى شيء اخر من هذا القبيل .

على ان وجود رسول الله صلى الله عليه واله نفسه ، ومواقفه ، وكلماته ، وما صدر على يديه من معاجز وكرامات كلها شواهد قائمة ومتواترة في تصديقه في رسالته ككل ، وفي كل جزئية من جزئياتها .

نعم وحين ضمن القران للانسان بان كل ما يصدر من الرسول صلى الله عليه واله وسلم من قول انما هو مظهر لكلمة الله سبحانه وارادته ، وان جميع ما يأتيه من فعل انما هو تجسيد لامر الله واذنه، وان كل ما منع منه انما كان لنهي الله وزجره .. كان لابد ان تكون هذا الضمان – وفي جميع موارده هذه – ثايتاً يسمو بالعقول عن ان تشك ، ويربأ بالبصائر عن ان ترتاب..

فما ورد مثل قوله تعالى :

] .. ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . ان هو الا وحي يوحى [ ([13]).

] ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين . فما منكم من احد عنه حاجزين [([14])

.. انما هو تعهد قراني والهي للانسان بان لا يخرج هذا الرسول المطهر عن استقامة الحق في كلمة ، ولا يقصر عن حدود الله تعالى في عمل ، اذ لاهوى يمتلكه ، ولا ضلال يقعد به عن بلوغ الغاية ، ولا زيغ يحيد به عن الصواب ، و الا وجب – في حكمة الله تعالى – ان لا يملي له بمدد او يمهله في الحياة يوما .

والقران حين رسم للنبي صلى الله عليه واله دوراً خاصاً في البشرية كولايته عن الله تعالى فيها ، وأولويته بالمؤمنين من انفسهم . او حين حدد له مهمات معينة في هذه الحياة ، كا بلاغ رسالة الله عز وجل الى الناس ، وقيادتهم في سبيل الهدى ، او غير هذه النواحي من مسؤولياته صلى الله عليه واله .. كان لابد ان يكون له ذلك الدور ، ولابد ان يقوم بتلك المهمات كافة ، دون ادنى تفاوت او تقصير .

] انما وليكم الله ورسوله .. [([15])

] النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم .. [([16])

] هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين [([17])

وحين يصرح القرآن العظيم بوجوب اسلام المؤمن زمام نفسه الى الرسول صلى الله عليه واله ، والانقياد المطلق لامره ونهيه ، واطاعة كلمته ، وتولّيه ، والاستجابة لكل ما يصدر منه .. كل هذه كمسؤوليات اساسية يعتمدها نفس الايمان بدين الله تعالى واتباع هديه .. كان لابد ان تكون هذه المسؤوليات ايضاً بعض الاسس الاولى لهذا الايمان ايضاً ، اذ يعني استحالة تحققه بدون الوفاء بها كأدق واوفى ما يكون الوفاء .

] فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [([18])

] يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم [([19])

] يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم [([20])

] قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم [([21])

] ومن يتولى الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون [([22])

الى غير هذه الايات الواردة في بيان مسؤولية المؤمنين تجاه الرسول صلى الله عليه واله وسلم .

والقران – بهذه الاحكام واشباهها – انما يستقيم مع ذاته كبصائر لله ، ومع التزامه لسمة الحق ، فان وجود شخص كهذا المنتجب ، رسول عن الله سبحانه فيما يبلّغ، لا ينطق عن الهوى بكلمة ، ولا يقول الاما يريد عليه به الوحي ، ولا يعمل الا ما شرعه الله له عمله ، وله مثل تلك الولاية الالهية العامةعلى المؤمنين والاولوية بهم حتى من انفسهم ، وله مثل ذلك الارتباط المطلق بالحق والهدى الرباني .

.. ان وجود شخص كهذا المنتجب ، لابد ان تكون مسؤوليات الامة تجاهه هي بمثل هذه الحدود المطلقة ، في التبعية والانقياد والتسليم ، دون ادنى حرج في النفوس ولا غضاضة في هذا ، فهي – قبل هذا – مسؤولية الحق نفسه ، وهي مسؤولية الانسان تجاه ذاته ، وتجاه استقامتها في الحياة معه وسعادتها ، اذن فهي ليست مفروضة عليه من خارج كيانه – كما هو واضح – وليست بعيدة عن تطلعاته الفطرية الى الدرجات التي يحتاجها من الكمال الذاتي .

 

دلائل الوضوح في ولاية علي عليه السلام

 

وفي هذا المسلك ايضا ترد ولاية علي عليه السلام ..

فحين يصدر الامر الرباني في القران الى الرسول صلى اله عليه واله و سلم بتبليغها الى الامة – فيما يبلغه من امر الله عز وجل ورسالته – وحين يعين لها القران ذلك الموقع الرفيع بين اصول الاسلام الاولى ، والتي لا يتحقق له كيان بدونها ..

] ... يا ايها الرسول بلّغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس [

.. كان لابد ان تكون هذه الولاية امراً ربانياً وجزءاً من رسالة الله العظمى ، ولابد أن يكون لها ذلك الموقع المكين من دين الله ، كما صرح به القران تماماً .. اذ القران لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وحين يقف الرسول صلى الله عليه واله بها ذلك الموقف المشهود في يوم غدير خم ( وفي غيره من المواقف التي اعلن بها الولاية ) ليعلن أن ( من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ) .. كان لابد ان تكون هذه الولاية الكبرى لعلي عليه السلام ، وان يكون الرسول صلى الله عليه واله  صادقا في هذا الاعلان ، وان يمضي التعيين كما قاله صلى الله عليه واله ونطق به ، اذ الرسول صلى الله عليه واله (( لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى )) بنص القرآن .

وحين ياخذ الرسول صلى الله عليه واله البيعة بهذه الولاية على العباد ، ويأمرهم بجعلها كدرجة ولايته هو صلى الله عليه واله في التوالي والانقياد والاستجابة لامر علي عليه السلام ونهيه..

.. (( فان الله قد نصب لكم ولياً واماماً وفرض طاعته على كل احد ، جائز قوله ، ملعون من خالفه مرحوم من صدّقه ـ اسمعوا واطيعوا فان الله مولاكم وعلي امامكم .. ))

(( ايها الناس ، انا اولى بالمؤمنين من انفسهم ليس معي أمر ، وعلي من بعدي اولى بالمؤمنين من انفسهم ليس لهم معه أمر ))

.. كان لابد ان تمضي هذه البيعة مع المؤمن وهو يستمسك بدين الله ، وان تكون لولاية علي عليه السلام نفس ولاية الرسول صلى الله عليه واله ، وأولويته بالمؤمنين من انفسهم دون ادنى مجاملة او مبالغة ، اذ لا مجاملة في الحق ولا مبالغة في بيناته.

اذن فولاية علي عليه السلام التزام اسلامي واضح لا ريب فيه ، لانها حلقة ثابتة من هذه السلسلة الجلية المترابطة الحلقات .. حيث لم يسبقها وهن في حلقات ثبوتها ولا غموض في دلالات حجتها..

فالقران الذي أمر الرسول صلى الله عليه واله باعلان الولاية هو تلك المعجزة الالهية الخالدة، التي ثبتت بها رسالة محمد صلى الله عليه واله نفسها ، وصدقت من سبقه من رسل الله واصفيائه كافة.

ومحمد صلى الله عليه واله الذي اعلنها على الاشهاد ، هو ذلك النبي الذي يستحيل عليه ان يتقول على الله سبحانه بكلمة ،او ان يكذب عليه في مدعى ،اذ تعهد منه الله تعالى – صدقه في كل قول .

كما لا خفاء في مفهوم وحدودها ومعالمها ، بعد ان وضع لها القران والرسول صلى الله عليه واله كل تلك الدلائل والمهمات  والادوار الخاصة في دين الله عز وجل – وفي البشرية كما سبق ان استعرضناه في احاديث سابقة – فهي ولاية كولاية الرسول صلى الله عليه واله التي جعلها الله تعالى ، وهي اولوية مطلقة بالمؤمنين كافة حتى من انفسهم فلا امر لهم مع علي عليه السلام ، كما لا امر لهم مع رسول الله صلى الله عليه واله.

ولا خفاء في دور هذه الولاية في البينة الاسلامية ذاتها ، حيث تمتد بها وبالشخص الذي اصطفى لها وجود الاسلام نفسه ، ومهماته الكبرى في البشرية ، وقيادة الحياة ، وابلاغ حجته بعد المولى الاول صلى الله عليه واله ، فكانت هذه الولاية – بحق – اكمالا للدين واتماما للنعمة ، وبها كان رضا الله بالاسلام دينا للبشرية ، كما صرحت به آية الاكمال التي قرأناها .

ولا خفاء كذلك في موقع هذه الولاية من مسؤولية الانسان المؤمن ، وهو يستمسك بعروة الله الوثقى ويتبع دلائل دينه القويم بعد ان ربط الرسول صلى الله عليه واله وسلم بين هذه المسؤولية ومسؤلية المؤمن تجاه رسالته المقدسة ذاتها وولايته الكبرى التي جعلها الله له بنص القران . فالاتباع والتولي والطاعة والتسليم المطلق دون حرج هي الموارد الواضحة لتلك المسؤولية – كما هو معلوم - .

ولهذا فلم يكن القران ، ولا الرسول صلى الله عليه واله خارجين عن وحدة الحق ، ولا عن وضوح حلقاته في هذه المسؤولية ، كما لم يكونا خارجين عنها في اصل التزامهما للولاية ، وارتضائهما لعلي بن ابي طالب عليه السلام وليا فيها . فهي سلسلة واحدة متضامنة الحلقات ، لها مبدؤها الواحد ، وسبيلها الواحدة ، ونتائجها الواحدة المتكاملة ايضاً.


 

وضوح ولاية علي عليه السلام مع الزمن

 

 اما نحن – فحيث نروم التعرف على وضوح الحجة الالهية في هذه الولاية من منطلق مسؤولياتنا الخاصة في هذا العصر الحاضر – فيجب ان نلتفت الى ما في هذه االحجة ودلائلها من هذا الوضوح خلال سلسلتها الطويلة التي مرّت بها في تأريخ الاسلام كله ، اذ الغموض في أي منها يستوجب – ولا شك – غموضها في أي  مرحلة تستتبعها ، اذ النتائج تبع لاخس المقدمات – كما هو معلوم - .

وحين نلتفت الى ما قلناه سابقا ، من ان دور الاسلام في قيادة الانسان يمتد مع وجوده في هذه الحياة الدنيا ، ويستوعب جميع ازمنة  بقائه فيها ، دون ان يحّده اتجاه حضاري او مستوى علمي ، وهذا يعني ضرورة ان تكون لدلائل الاسلام وبيناته نفس هذه السعة في ملء العقول ، والخلود في قيام الحجة ، والقدرة على هداية البصائر حتى اخر بشري هذه البسيطة.

وحين يكون لولاية علي عليه السلام من الشأن والاهمية ما قد علمنا ، فمن الطبيعي ان لا تقتصر في وضوح حجتها ، وجلاء بيناتها وحدودها عن هذه السعة ايضا ، والا قصر الاسلام ذاته عن ان تقوم له حجة امام العقول مع الزمن ، وهذا مستحيل ، فقد تعالى رب الاسلام ومنزله عن أي قصور في القدرة، او تفاوت في الحكمة .

وبالفعل فقد اضطردت الولاية وبيناتها مع الضرورة، ولم يقتصر عنا في عصر من عصور الاسلام حتى اليوم ، فكما كانت هذه البينات واضحة المفهوم والحدود والحجة حين اعلنها القران والرسول صلى الله عليه واله في عصر الرسالة فكذلك هي اليوم تتخذ نفس الوضوح والثبوت امام كل بصيرة تتطلع الى الحق ، كما هو شأنها ايضا في مختلف مراحل التأريخ الاسلامي وعصوره السابقة كافة .

وهي قضية لا يناقش فيها احد قرأ تاريخ الاسلام ولاحظ شيئاً من أحداثه ..

 فتواتر بينات هذه الولاية ، وتصريح القران بها في العديد من اياته ، وكلمات الرسول صلى الله عليه واله في بيان حدودها ، ومواقفه المشهودة في اعلانها – بما فيها موقفه في يوم الغدير خاصة – كلها مما لم يرتب فيها احد من الناس في كل عصر ، وعلى أي مستوى في حياة الامة المسلمة على امتدادها ودخول هذه الولاية كمفهوم اسلامي في مختلف قضايا الفكر الشائعة في الحياة الاسلامية ، والاتجاهات السياسية والعلمية التي هيمنت على تاريخ الامة المسلمة في مختلف العصور ، وطرح مضمونها كمحور للنقاش والاخذ والرد .. كل هذا مما لا يجعل مجالاً للريب من ذي مسكة في انها اطروحة اسلامية ، وردت بها الحجة الالهية الخاصة ، واقيمت عليها مختلف البينات مع غض النظر الان عن اجتهادات العقول ونتائج الأخذ والرد في تعيين مدلولها ونتائجها .

والقضية – بهذه الحدود – من المسلمات الاسلامية العامة لدى المسلمين كافة ، على مختلف مذاهبهم ، حتى لدى اولئك الذين انطلقوا في التعامل مع الولاية ، و مع مشهد الغدير من منطلق سلبي ، او غير منصف يعتمد التعصب ورواسب الاحن والضغائن والأهواء اساساً في هذا التعامل.

ولاعطاء صورة واضحة قريبة لهذه القضية يكفينا ان نستعرض جهداً واحداً- من بين عشرات الجهود التي عنيت بالغدير خاصة – استطاع ان يقدم بلغة الارقام ما يعنيه ثبوت موقف الغدير خاصة – من بين مواقف الرسول صلى الله عليه واله وسلم في ولاية علي عليه السلام – ووضوح حجته امام المدارك البشرية في جميع عصور الاسلام ، ويؤكد تواتره والتسالم عليه ،  وجلاء مفهومه للعقول في مصادر الاسلام ، ومختلف اطوار تأريخه .

..انه جهد المرحوم الشيخ عبد المحسن الاميني قدّس سرّه في موسوعته المعروفة : ( الغدير في الكتاب والسنة والادب ). فهو جهد – والحق يقال – سابق على ما سبقه من الجهود ، فالاصول العلمية التي اعتمدها ، والمثابرة التي وفق اليها ، وسعة الاطلاع التي كان عليها لم تتأت لاحد من قبله من باحثي الغدير – على كثرتهم - .

كما ان الملفت في هذا الجهد – بالرغم من سعته ودقته في الملاحظة والاستنتاج – هو استبعاده للمصادر التي تعود الى مذهب التشيع ، واعتماده على مصادر غيره من المذاهب الاسلامية خاصة .

فجزاه الله تعالى كما جزى من قبله من مخلصي رجال الله عن الاسلام وكلمته وولايته خير جزاء المحسنين ، انه ارحم الراحمين .


 

سير عام لمعالم وضوح الولاية مع التأريخ

 

ونبدأ مع هذا الجهد من اثبات وضوح هذه الولاية في عصر الرسالة خاصة ..

اذ احصى ( قده) من اسماء صحابة رسول الله صلى الله عليه واله الذين رأي هو اسماءهم كرواة الحديث الغدير في المصادر الموجودة لديه – مائة وعشرون صحابياً حضروا مشهد الغدير وسمعوا من رسول الله صلى الله عليه واله اعلانه لهذه الولاية وتعيين علي عليه السلام في منصبها .

ولم يكن هؤلاء الصحابة يمثلون اتجاها معيناً في مواقعهم تجاه هذه الولاية ، او كانوا ممن يذعن لعلي عليه السلام بها – بالمعنى الذي يراه شيعته له – بل شملت القائمة اسماء من مختلف المشارب والاتجاهات ، بل وردت فيها اسماء حتى اولئك الذين تقدموا علياً بالخلافة ، واولئك الذين حملوا عليه راية الصراع والشقاق .

ويمكنني أن اذكر هنا من هولاء اسم الخليفة الأول أبي بكر بن قحافة : اذ ( روى  عنه حديث الغدير ابن عقدة باسناده في ( حديث الولاية ) ، وابو بكر الجعابي في ( النخب ) ، ومنصور الرازي في كتابه ( حديث الغدير ) ، وعده شمس الدين الجزري الشافعي في ( أسنى المطالب ) ممن روى حديث الغدير من الصحابة ) ([23]).

ومنهم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب .

وقد تقدمت احدى رواياته لهذا الحديث في الرواية الخامسة من الروايات التي اوردناها في فصل ( مشهد الغدير في السنة ) من التمهيد حيث قال :

( نصب الرسول صلى الله عليه واله علياً علما ً فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ..).

كما توجد له عدة روايات اخرى بهذا المضمون ايضاً ([24]).

ومنهم الخليفة الثالث عثمان بن عفان .

( اخرج عنه الحافظ بن عقدة في ( حديث الولاية ) والمنصور الرازي في كتاب (الغدير) وهو احد العشرة المبشرين الذين عدهم ابن المغازلي من المائة الرواة لحديث الغدير بطرقه) ([25])

ومنهم الزبير بن العوام .

( روى الحديث عنه ابن عقدة والجعابي في نخبة ، والمنصور الرازي في كتاب ( الغدير ) وهو احد العشرة المبشرين الذين عدّهم الحافظ ابن المغازلي من رواة الغدير ، وعده الجزري الشافعي من رواة حديث الغدير ) ([26])

ومنهم طلحة بن عبيد الله التميمي ، اذ روى ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ([27]).

هذا اضافة الى ما اخرجه حافظ الحديث من شهادته لعَلي عليه السلام بهذه الولاية واعلانها يوم الغدير حينما ناشده علي عليه السلام يوم الجمل ، كما أخرجه الحاكم في المستدرك بسنده عن رفاعة بن اياس الضبي عن ابيه عن جده قال :

( كنا مع علي يوم الجمل ، فبعث الى طلحة بن عبيد الله ان القني . فاتاه طلحة فقال : نشدتك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ؟.

قال : نعم .

قال : فلم تقاتلني ؟.

قال : لم اذكر . فانصرف طلحة ) ([28])

وفي رواية المسعودي انه قال : ( أستغفر الله ثم رجع ).

وقد روى هذه الماشدة ايضاً جمع من حفظة الحديث ([29]).

ومن رواة حديث الغدير من الصحابة سعد بن أبي وقاص ، اذ روى الحاكم في المستدرك : أن رجلا قال له : ان عليا يقع فيك انك تخلفت عنه .

فقال سعد: والله انه لرأي رايته واخطاء رأي .. ان علياً اعطي ثلاثة لأن أكون اعطيت احداهن أحب الي من الدنيا وما فيها :

قال له رسول الله صلى الله  عليه واله يوم غدير  خم – بعد حمد الله والثناء عليه - : هل تعلمون اني اولى بالمؤمنين ؟.

قلنا ،بلى ..

قال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من مولاه وعاد من عاداه .. الى اخره ) ([30])

وكان سعد بن ابي وقاص يكرر هذه المقولة في مناسبات شتى ، ويكرر فيها روايته لحديث الولاية مع احاديث اخرى في فضل علي في كل مناسبة ، وقد جمع صاحب الغدير من المصادر التي روت عن سعد حديث الغدير ما يربو على ثلاثين مصدرا ([31]).

وفي شهادة اصحاب الشورى بصحة حديث الغدير حينما ناشدهم علي عليه السلام به ما يثبت انهم جميعا قد رووه ، اذ لم ينكر عليه احد منهم مناشدته ، او يبدي جهله به .

واصحاب الشورى هم الذين جعل عمر بن الخطاب الخلافة في احدهم حينما اشرف على الموت، وهم عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن ابي وقاص ، وعبد الرحمان بن عوف ، والزبير بن العوام ، اضافة الى علي بن ابي طالب عليه السلام ، اما عبد الله بن عمر فكان فيمن يشاور ولا يولي .

وقد روي هذه المناشدة والشهادة ، بصحة الحديث جمع من الحافظ منهم الخوارزمي في مناقبه بسنده عن ابي الطفيل عمار بن واثلة قال :

( كنت على الباب يوم الشورى مع علي في البيت وسمعته يقول لهم : لأحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك .. الى أن قال :

فانشدكم بالله : هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله : (( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره ليبلغ الشاهد الغائب )) غيري .

قالوا : اللهم لا ) ([32]).

ومن الصحابة الذين رووا حديث الغدير عمرو بن العاص . روى عنه ابن قتيبة : ان رجلاً من همدان يقال له برد ، قدم على معاوية فسمع عمرواً يقع في علي عليه السلام فقال له : يا عمرو ان اشياخنا سمعوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول : (( من كنت مولاه فعلي مولاه )) فحق ذلك أم باطل ؟

فقال عمرو: حق ، وأنا ازيدك : انّه ليس أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم له مناقب مثل مناقب علي ) ([33]).

كما ذكر له الخطيب الخوارزمي كتاباً له أرسله الى معاوية يقول فيه :

( وقال فيه يوم غدير خم : الاّ من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله )

وسيأتي – أن شاء الله – ذكر قصيدته الجلجية المعروفة، اذ هو يذكر فيها هذا الحديث ايضاً.

الى غير هؤلاء من الصحابة الذين رووا حديث الغدير مثل ابي سعد الخدري ، واسامة بن زيد ، وابي هريهرة ، وعبد الله بن عمر ، كما روته عائشة ام المؤمنين ، وغيرها من ازواج النبي صلى الله عليه وآله ...

اما من التابعين الذين رووا حديث الغدير ، فقد احصى الشيخ الاميني قدّس سرّه  منهم أسماء أربعة وثمانين تابعياً منهم الاصبغ بن نباتة ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز ، وغيرهم.

اذا خرج عنه الحافظ ابو نعيم في كتاب ( حلية الأولياء )  بسنده عن يزيد بن عمر بن مورق قال: كنت بالشام ، وعمر بن عبد العزيز يعطي الناس، فتقدمت اليه فقال لي : ممن أنت ؟

قلت : من قريش . قال : من أي قريش

قلت : من بني هاشم . قال : فسكت.

فقال : من أي بني هاشم ؟

قلت : مولى علي .

قال : من علي ؟

قال فوضع يده على صدره فقال :

وانا – والله مولى علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه )... ثم قال : حدثني عدة أنّهم سمعوا النبي صلى الله عليه واله يقول : (( من كنت مولاه فعلي مولاه)) ([34]).

الى غير هؤلاء من أعلام التابعين ([35])

كما أحصى كتاب الغدير من اسماء العلماء وحفاظ الحديث الذين رووا حديث الغدير في مختلف القرون – من غير رواة مذهب التشيع – ثلاثمائة وخمسين اسماً منذ القرن الثاني للهجرة وحتى القرن الرابع عشر لها ([36])..

اما الذين الفوا في رواية الغدير خاصة ، فقد ذكر منهم اسماء ستة وعشرين من رجال مختلف المذاهب الاسلامية .

منهم ابو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التأريخ المشهور ، حيث نقل عنه ابن كثير في كتاب ( البداية والنهاية ) عند ترجمته له قائلاً:

( وقد رأيت له كتاباً جمع فيه احاديث غدير خم في مجلدين ضخمين ) ([37]).

ومنهم ابو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ المعروف بابن عقدة ، له كتاب في الولاية في طرق حديث الغدير رواه بمائة وخمسة طرق . اكثر عنه النقل ابن الاثير في ( اسد الغابة) وابن حجر في ( الاصابة ).

وقال في فتح الباري : اما حديث : (( من كنت مولاه فعلي مولاه )) فقد اخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً، وقد استودعها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من اسانيدها صحيح وحسان.

ومنهم الحافظ ابو سعيد السجستاني ، له كتاب ( الدراية في حديث الولاية ) في سبعة عشر جزءاً جمع فيه طرق حديث الغدير ورواه عن مائة وعشرين صحابياً.

الى غير هؤلاء ([38])

كما احصى قدّس سرّه ممن صرح بصحة حديث الغدير أو تواتره ، من علماء الاسلام من غير الشيعة الامامية انثنين وأربعين ممن يشهد لهم ذوو الخبرة بالتثبت والقدرة على  تمحيص الاحاديث ، وتمييزها  ومن هؤلاء العلماء :

الترمذي صاحب السنن المعروف ، قال في صحيحه بعد نقله لحديث الغدير : ( هذا حديث حسن صحيح ) ([39]).

والطحاوي صاحب كتاب ( مشكل الآثار ) قال – بعد نقله لهذا الحديث – ( هذا الحديث صحيح الاسناد ولا طعن فيه ) ([40]).

والحاكم النيسابوري في كتابه ( المستدرك على الصحيحين ) حيث روى الحديث بعدة طرق وصححها جميعاً ، كما لا حظناه في حديثين سابقين .

وابن عبد البر في ( الاستيعاب ) قال بعد ذكره لحديث المؤاخاة  وحديثي الراية والغدير - : (هذه كلها آثار ثابتة ) .

والغزالي حجة الاسلام ابو حامد قال في كتابه ( سر العالمين ) ،( أسفرت الحجة وجهها ، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته صلى الله عليه واله في يوم غدير خم باتفاق الجميع ، وهو يقول: (( من كنت مولاه فعلي مولاه )) . فقال عمر : بخ بخ ... الى آخره ).

وابن حجر العسقلاني قال في كتابه ( فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) : وأوعب من جمع مناقب ( يعني عليا ) النسائي ... الى ان يقول : ( وكثير من اسانديها صحاح وحسان ).

وابن حجر الهيثمي في كتاب ( الصواعق المحرقة ) قال عن حديث الغدير : ( انه حديث صحيح لا مرية فيه ).

وجلال الدين السيوطي نقل عنه زين الدين المناوي والشافعي في ( فيض القدير ) انّه قال في حديث الغدير : ( حديث متواترة ) ، ونقل هذا القول عنه آخرون .

ومن هؤولاء ايضا : ضياء الدين المقبلي ، حيث عد حديث الغدير في كتابه : ( الابحاث المسددة في الفنون المتعددة ) من الاحاديث المتواترة المفيدة للعلم . بل ونقل عنه قوله ايضا : ( فان لم يكن هذا معلوما فما في الدين معلوم ) .

ومنهم اخرون ذكرهم قدّس سرّه واسند قول كل واحد منهم الى مصادره ([41]).

نعم هذا بعض ما احصاه الشيخ الاميني قدّس سرّه في كتاب الغدير ، وهناك مجموعات اخرى تتبعت هذا الحديث ، ولا ننسى بهذا الصدد جهدهم المرحوم السيد شهاب الدين المرعشي قدّس سرّه في تكملته لكتاب ( احقاق الحق ) للسيد التستري رحمه الله ، فقد تتبع من احاديث الولاية والغدير ما لم يبلغه الشيخ الاميني قدّس سرّه ايضا ، ولكن بمنهج آخر ([42]).

كما لا ننسى أيضاً ما نقله السيد الفيروزآبادي في كتابه : ( فضائل الخمسة من الصحاح الستة) ([43]). ففيه مجموعة جيدة من هذه الاحاديث .

وهكذا يتضح ما يعنيه حديث الغدير من وضوح في كل العصور الاسلامية حيث يبدو ما في قول القبلي من صدق :

( فان لم يكن هذا معلوماً فما في الدين معلوم ).


 

الولاية في نصوص الاسلام

 

هذا وتكملة للحديث السابق ينبغي ان نتذكر ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يكن هو الوحيد من مصادر الاسلام التي صرحت بولاية علي بن ابي طالب عليه السلام ، فالقران الكريم كان قد صرح بهذه الولاية ايضا اذ قال تعالى :

{ انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [44]

فقد تواتر ان هذه الاية الكريمة قد نزلت في علي عليه السلام ، حينما تصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة .

كما اخرجه الهيثمي في ( مجمع الزائد ) عن عمار بن ياسر قال :

( وقف سائل على علي بن ابي طالب وهو راكع في تطوع ، فنزع خاتمه فاعطاه السائل ، فاتى رسول الله صلى الله عليه واله فاعلمه لذلك ، فنزلت على رسول الله صلى الله عليه واله هذه الاية:  { انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}.

فقراها رسول الله صلى الله عليه واله ثم قال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) ([45])

ومما صرح به القران في ولاية علي عليه السلام ايضا قوله تعالى :

] هنالك الولاية لله الحق [ ([46])

اذ روى الحاكم الحسكاني في ( شواهد التنزيل ) بسنده الى ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال :

( تلك هي ولاية امير المؤمنين التي لم يبعث نبي الا بها ) ([47]).

بل وقبل هذا فان ولاية علي هي بعض ما كتبه الله سبحانه على ابواب الجنة وأوراق اشجارها كما يرويه الحافظ جمال الدين محمد بن احمد الحنفي الموصلي في كتابه ( در بحر مناقب ) بسنده عن ابن مسعود قال :

( قال النبي صلى الله عليه واله : لما اسري بي الى السماء قال لي جبرائيل : قد امرت بعرض الجنة والنار .. الى ان قال : ( والجنة لها ثمانية ابواب ، وعلى كل باب منها اربع كلمات كل كلمة منها خير من الدنيا وما فيها لمن يعلمها ، ويعمل بها . قال لي جبرئيل : فعلى الباب الاول مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله .. الخ ) ([48]).

وهو حديث طويل يذكر ان الابواب الاخرى كتبت عليها هذه العبارة ايضا.

وفي حديث اخر روى ان هذه العبارة مكتوبة على اوراق اشجار الجنة كذلك ([49]).

كما أن موقف الغدير لم يكن هو الموقف الوحيد الذي صرح فيه الرسول صلى الله عليه واله بولاية علي عليه السلام فهنالك موقف اخرى ذكر فيها هذه الولاية واسندها – بلفظها الصريح – اليه ، مما يعني انه صلى الله عليه واله كان يستغل الفرص المناسبة للتأكيد على هذا المنصب العظيم ، وتعيين علي عليه السلام فيه ، ويقيم الحجج بها على الناس ، لا في تلك الحقبة القصيرة من حياته بل كل الحقب وعلى مدى التاريخ .

ومن هذه المواقف ما ورد في قضية بريدة المشهورة في كتاب الحديث ، اذ نقل الحافظ عنه – كما في لفظ الحاكم في ( المستدرك ) ان قال :

( غزوت مع علي الى اليمن .. الى ان قال :

فقدمت على رسول الله صلى الله عليه واله فذكرت علياً فتنقصته ، فرايت وجه النبي صلى الله عليه واله يتغير ، فقال : يا بريدة الست اولى بالمؤمنين من انفسهم ؟

فقلت : بلى يا رسول الله .

فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ) ([50]).

ومنها كذلك قضية اسامة مع علي عليه السلام وهي مشابهة للقضية السابقة .

اضافة الى موارد اخرى كثيرة يطول الحديث باقتباسها ، وهي موجودة في اكثر مصادر سنة الرسول صلى الله عليه واله ، سواء منها ما ورد بلفظ المولى ، او الولى ، او مشتقات اخرى من هذه المادة . حيث بقي صلى الله عليه واله يؤكد هذه المقولة في علي عليه السلام حتى قرب وفاته صلى الله عليه واله ، كما اخرجه محمد بن احمد الحنفي الموصلي بسنده عن حارثة بن زيد قال :

( شهدت مع عمر بن الخطاب حجته في خلافته ، فسمعته يقول : (( اللهم قد عرفت بحبيبي(كذا ) لنبيك وكنت مطلعاً من سرك )) ( كذا ) . فلما رآني أمسك وحفظت الكلام ، فلما انقضى الحج وانصرفت الى المدينة تعمدت الخلوة به فرأيته يوماً على راحلته وحده ، فقلت له :

يا امير المؤمنين ، بالذي هو أقرب اليك من حبل الوريد الا أخبرتني عما أريد ان أسألك عنه.

قال : سل عما شئت.

قلت : سمعتك يوم كذا وكذا تقول : كذا وكذا . قال فكأني القمته حجراً.

فقلت له : لا  تغضب ، فوالذي انقذني من الجاهلية وادخلني في الاسلام ما اردت بسؤالي الا وجه الله عز وجل . قال فعند ذلك  ضحك وقال :

يا حارثة : دخلت على رسول الله صلى الله عليه واله وقد اشتد وجعه ، واحببت الخلوة به ، وكان عنده علي ابن ابي طالب والفضل بن عباس ، فجلست حتى نهض ابن عباس وبقيت انا وعلي . فتبين لرسول الله صلى الله عليه واله ما اردت .

فالتفت اليّ وقال : جئت لتسألني الى من يصير الامر من بعدي ؟.

قلت : صدقت يا رسول الله.

فقال : يا عمر ، هذا وصيي وخليفتي من بعدي .

فقلت : صدقت يا رسول الله.

فقال : هذا خازن سري ، فمن اطاعه فقد اطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن تقدم عليه فقد كذب بنبوتي . ثم ادناه فقبل بين عينيه ، وقال : وليك الله وناصرك، والى الله من والاك ، فانت وصيي وخليفتي من بعدي في امتي .

وعلا بكاؤه وانهملت عيناه بالدموع حتى سالت على خده ، وخده على خد علي . فو الذي منّ عليّ بالاسلام ، لقد تمنيت في تلك الساعة ان أكون مكانه على الارض.

ثم التفت صلى الله عليه واله وقال لي : اذا نكث الناكثون وقسط القاسطون ومرق المارقون فاقر هذا مقامي حتى يفتح الله عليه وهو خير الفاتحين.

قال حارثه : فتعاظمني ذلك ، فقلت : ويحك يا عمر ! كيف تقدمتموه وقد سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله ؟.

فقال : يا حارثه بأمر كان .

فقلت : من الله ام من رسوله ام من علي ؟.

فقال : لا بل الملك عقيم والحق لابن ابي طالب ) ([51]).


 

مرادفات الولاية في النصوص

 

أما ما ورد في كتاب الله الكريم وعن الرسول صلى الله عليه واله مما يستقيم مع هذه الولاية ، وان لم تذكر بواحد من مشتقاتها فهو اكثر من ان يحصى ، بل واكثر من ان يشار اليه اشارة وافية في هذا الموقف السريع ، ويكفينا ان نَعلم :

.. ان عليا عليه السلام كان مع محمد صلى الله عليه واله نوراً واحداً بين يدي الله ( عز وجل) قبل ان يخلق ادم عليه السلام باربعة عشر الف عام ، فلما خلق الله ادم عليه السلام قسم  ذلك النور جزءين فكان الرسول صلى اله عليه واله جزء وكان علي عليه السلام جزءاً ([52]).

وان الرسول صلى الله عليه واله وعلياً عليه السلام كانا من طينة واحدة .. ([53])

وانهم من شجرة واحدة والناس من شجر شتى .. ([54])

وان الله (سبحانه) قد اختار علياً عليه السلام كما اختار محمداً صلى الله عليه واله ([55]) ، وان الله (تعالى )قد ايد الدين به ([56]).

وانه خليفة رسول الله صلى الله عليه واله في امته ([57]). وانه وصّي رسول الله صلى الله عليه واله وموضع سره ، وخير من ترك بعده ، ينجز عدته ، ويقضي دينه ([58]).. وهكذا.

ولا نقيض في هذه الاشارات اكثر ، فكما قلت : انها اوسع من ان تستوفي بمثل هذه السرعة .. على ان مناقب علي عليه السلام ونصوص الرسول في حقه، هي اوضح من ان تخفى على متتبع ، او تخفى على من يروم الاطلاع ويكفينا ان نتذكر ما قاله عمر بن العاص لبرد في حديثه السابق حينما استنكر عليه هذا ايقاعه بعلي عليه السلام :

( وانا ازيدك : انه ليس احد من صحابة رسول الله صلى الله عليه واله له مناقب علي )

وفي هذا المضمون يقول الامام احمد بن حنبل ايضا :

( ما روي لاحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله من الفضائل الصحاح وما روي لعلي بن ابي طالب ) ([59]).

وبعد فان هذا الوضوح الذي كان لولاية علي عليه السلام ولحجة الله فيها على الامة ، هو الاساس الذي اعتمده الاسلام في القاء مسؤوليتها على اعناق البشرية ، وفي تحديد هذه المسؤولية بدرجة ما لهذه الولاية من اهمية في كيان الاسلام ، ومالها من دور اساسي فيه ، حيث لا يتم للاسلام وجود بدونها – كما علمنا

فقد روى ابو سعيد الخدري قال : ان النبي صلى الله عليه واله قول : ( وقفوهم انهم مسؤلون عن ولاية علي ) ([60])

وعن ابي بكر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : (  انَّ على الصراط لعقبة لا يجوزها احد الا بجواز من علي ابن ابي طالب ) ([61]).

فكما لم يتم للاسلام وجوده – ككيان قائم – بدون تبليغ هذه الولاية ، واقامة الحجة بها ، كذلك لا يتم استمساك المرء بهذا الدين ، دون جعلها في موقعها المناسب من هذا الاستمساك ، والوفاء بمسؤوليتها في الحدود التي جعلها الله لها ايضا .

اما حين يركب الانسان رأسه ، ويتمادى في الغي ، ويخالف ما اقيم عليه من الحجج والبيانات ، فمن الطبيعي ان يترقب ما يستحقه من الجزاء المناسب للتقصير بحق ذلك الدور ، وتلك الاهمية ايضاً..

وهكذا ، فمن أبغض عليا فقد ابغض الله عز وجل([62]) ..

وان بغض علي هو من النفاق ([63]) ، وان من فارقه فقد فارق الله عز وجل .. ([64])

وان الله يعادي من عادى علياً ([65]) ...

وان من ظلم علياً مقعد رسول الله صلى الله عليه واله من بعده فقد كذب بنبوته صلى الله عليه واله وبنبوة الانبياء قبله ([66]) ..

والروايات الواردة في هذه المضامين اكثر من أن تحصى ايضاً.

ومن الحري ان نشير الى ان جهوداً مشكورة كثيرة بذلت في جمع الروايات الواردة في حق علي عليه السلام ومناقبه في مجموعات تسهيل متابعتها والاطلاع عليها لمن يرغب الاطلاع .. ويمكنني ان اذكر هنا :

كتاب ( فضائل الخمسة من الصحاح الستة وغيرها من الكتب المعتمدة عند اهل السنة والجماعة ) للسيد مرتضى الفيروزآبادي .

وكتاب ( الغدير في الكتاب والسنة والادب ) للشيخ عبد الحسين الاميني .

وكتاب ( احقاق الحق وازهاق الباطل ) للمرحوم السيد التستري قدّس سرّه . مع ملحقاته الواقعية للمرحوم السيد شهاب الدين المرعشي النجفي قدّس سرّه.

وكتاب ( ينابيع المودة ) للقندوزي و ( ذخائر العقبي في فضائل ذوي القربى ) للمحب الطبري ، و ( شواهد التنزيل لقواعد التأويل ) للحاكم الحسكاني الحنفي وغيرها .

 

 

تواتر المضمون المشترك للنصوص

 

وحينئد فمع هذا الاهتمام الاسلامي بعلي عليه السلام وولايته ، وهذا التواتر الذي فرضهما على مختلف المصادر ومختلف الاتجاهات والدراسات الاسلامية ، فان المناقشة إن امكنت في صحة بعض النصوص الواردة في هذا المجال ، او في دلالته على المطلوب ، الا أن اجتماعها ـ بهذه الكثافة ، وبهذا التركيز عليها من مصادر التشريع الاسلامي ومن القرآن كتاب الله خاصة ، ومن ولي الحق الأول محمد صلى الله عليه وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، وبهذه العناية التي واكبت هذه النصوص من علماء المسلمين ورواتهم كافة على اختلاف مذاهبهم ، ولا سيما في تلك الحقب المظلمة من تاريخ الاسلام ، حيث كان لها مواقفها السلبية المشهودة من علي عليه السلام وولايته.

أقول : فأن المناقشة لو أمكنت في البعض كحالات جزئية خاصة في هذا الحديث او ذلك ، الا أنها غير محتملة أبداً في المضمون العام لهذه النصوص بأجمعها .

لأن توفرها بهذا الشكل الواسع ـ ومع تلك الظروف القاسية معها ـ مما ينفي أي احتمال بوهنها أو وهن مضمونها المشترك لها ، أي التزام الاسلام للولاية ، ولعلي عليه السلام وارتضائه لها بعد الرسول صلى الله عليه وآله .

 

 

على اننا يجب ان نلتفت الى ان تلك الروايات ـ وكما يقول الشيخ محمد حسن المظفر في كتاب دلائل الصدق ـ : ( مما يقطع عادة بصحتها ، لأن كل رواية لهم في مناقب اهل البيت عليهم السلام ومثالب أعدائهم محكومة بوثاقة رجال سندها وصدقهم في تلك الرواية وان لم يكونوا ثقاة في انفسهم ، ضرورة أن ما تعرف به وثاقة الرجل وصدقه في الرواية التي يرويها عدم اغتراره بالجاه والمال وعدك مبالاته في سبيلها بالخطر الواقع عليه ، فان غير الصادق لا يتحمل المضار بأنواعها لأجل كذبة يكذبها لا يعود عليه منها نفع ، ولا يجد في سبيلها الاّ الضرر ) .

( ومن المعلوم ان من يروي في تلك العصور السالفة فضيلة لأمير المؤمنين علي عليه السلام أو منقصة لأعدائه فقد غرر بنفسه ، وجلب البلاء كما هو واضح لكل ذي أذن وعين ) .

( ذكر الذهبي في " تذكرة الحفاظ " بترجمة الحافظ بن السقا عبدالله بن محمد الواسطي ، قال : انه أملى حديث الطير في واسط ، فوثبوا به وأقاموه وغسلوا موضعه ) .

( وذكر ابن خلكان في " وفيات الاعيان " بترجمة النسائي أحمد بن شعيب صاحب السنن (أحد الصحاح الستة ) : أنه خرج الى دمشق فسئل عن معاوية ، وما روي في فضائله فقال : ( أما يرضى معاوية ان يخرج راساً برأس حتى يفضل ) .

وفي رواية أخرى : ( لا أعرف له فضيلة الا " لا أشبع الله بطنه " ) .

فما زالوا يدفعون في حضنه ، و ( في رواية يدفعون في خصييه ) ، وداسوه حتى حمل الى الرملة ومات بها .. الخ ) .

وهذه الناحية ـ التي اشار اليها الشيخ المظفر في الفقرة السابقة ـ قضية ارتكازية معروفه بين الناس ، ولها دلالاتها التي لا ينكرها أحد منهم ـ على تصحيح ماينقل من الأخبار عامة ، وفي  مختلف نواحي الحياة ، لأنها نوع من شواهد الحال التي ترفع احتمال الصدق في خَبر المخبر ، مقابل احتمال الكذب فيه ،

وحتى مع غض النظر عن هذه الناحية التي لها اثرها في رفع قيمة احتمال الصدق في كل رواية وردت في فضل اهل البيت عليهم السلام وبيان فضلهم ، فان ذلك المضمون المشترك للروايات الواردة في علي عليه السلام وولايته ، تبقى في مأمن من أي ريب وان امكنت المناقشة في بعض الروايات الواردة فيه كما قلت .

فان ورود قضية من القضايا بطرق مختلفة ، وبكيفيات مختلفة ، ومن مصادر مختلفة مما يوهي احتمال كذبها ، حيث تتناقص قيمة هذا الاحتمال مع كل طريق ترد فيه ، ومع كل كيفية ترد عليها ، ومع كل مصدر يذكرها ، حتى يتلاشى الاحتمال تماماً ، ولا تبقى له أي قيمة يمكن أن تسبب الشك أو الريب .

وهذا هو المعروف في كيفية دلالة القضية المتواترة على اليقين عند تحليلها ، بل وهذا هو السبب في حصول اليقين في جميع القضايا اليقينية غير البدهية ايضاً ، إذ اليقين فيها ينشأ نتيجة لتضاؤل احتمال الكذب فيها مع كل حالة يثبت فيها صدقها فهو ينشأ بشكل قهري لا يستطيع العقل تجاوزه بحال .

كما لا يمكن التفكيك بين هذا اليقين الحاصل من القضية المتواترة واليقين الحاصل من غيرها من القضايا اليقينية الاخرى المعروفة ، كالبدهية والحسية والحدسية ، وان استبعاد هذا اليقين الناشئ من التواتر عن الاعتبار ، مما يحيل على الانسان ان يمضي في المعرفة خطوة واحدة ، لتداخل عوامل اليقين حتى في أبسط قضاياه ، بل واستبعاد هذا اليقين مما يحيل على الحياة الانسانية أن تجري على طبيعتها في أي جانب من جوانبها ، فاعتماد الحياة والمعرفة والخبرة على القضايا المتواترة مما لا يحتاج الى بيان .

اما المجالات الدينية ، فان للقضايا المتواترة دورها الأكبر فيها ، اذ تواتر النقل عن المشرع هو القمة التي يأملها الدين في ثبوت ما يرد عن مصدر لدى أتباعه ، وقيام حجته أمام وعيهم ، واستبعاد اليقين الناشئ من التواتر عن الاعتبار في أي دين من الاديان معناه الحكم عليه بالموت والفناء من أساس .

والاسلام ـ بدوره ـ لا يخرج عن هذا الخط العام في المعرفة الانسانية أيضاً ، حيث شاءت حكمة الله تعالى ان يمضي مع الفطرة ، ومع مستلزماتها ، ومع حدودها في كل شيء، ولهذا فقد كان اعتماده الأساسي في اقامة كيانه في حياة الانسان ، ونشر هداه ، وتمام حجته على العباد ، وهوعلى التواتر بعد بداهة العقول والحدس ولهذا فقد كان يستخدم مختلف الوسائل لبلوغ بيناته الأولى الى هذه الدرجة العليا من أسباب اليقين ..

اما لو شاء أحد أن يستبعدـ ولو ـ بعض قضاياه المتواترة او اليقين الناشئ منها عن الاعتبار أو الحجية ، فان هذا يعني نسف كيان الاسلام من أساس ، والحكم على حقائقه كافة بالموت ، اذ لا يمكن التفكيك بين يقين وأخر ، ولا بين قضية متواترة وأخرى .. وهي نتيجة لا يرتضيها مسلم لنفسه .

ولهذا فبعد ثبوت التواتر لكل من الولاية وارتضاء علي عليه السلام ولياً لها ، فلا بد من اعتماد هاتين الحقيقتين كأي حقيقة يقنية اسلامية أخرى ثبتت بهذا السبب ، وبنفس الدرجة من الاعتماد والوضوح دون أي تفرقة ، والا لم يمكن اثبات أي حقيقة اسلامية أخرى مهما كانت أهميتها في دين الله تعالى .

" فان لم يكن هذا معلوماً فما في الدين معلوم " .

 

 

وضوح ولاية علي عليه السلام لدى المسلمين عامة

 

      وهكذا يبدوا أن التزام الاسلام لولاية علي عليه السلام التزام قطعي الثبوت ، واضح الحجة ، لا في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وحده ، ولا في هذه العصور الحاضرة فحسب ، وانما في مختلف الحقب التي يمر بها تأريخ الاسلام ، وبيناتها جليلة ، سهلة المثال لكل أحد يتطلع الى الحق ليستمسك به . سواء في اثباتها لنفس الولاية لعلي عليه السلام ، أم في بيان معناها وموقعها من دين الله عز وجل .

      فما كانت هذه النصوص المتواترة الواردة في مختلف مصادر الروايات ـ وبهذه الألسن التي عرفناها ـ لتفتعل على الاسلام ومشرعه تعالى دون اعتماد منه ، أو كان ورودها لمجرد اضفاء صفات المدح والثناء على علي عليه السلام ، دون سند مناسب من الحق ودلائله .

نعم ماكان هذا الاهتمام الكبير في رعاية الله تعالى ومن دين الحق ، ومن حجته في القرآن ، ومنطق الرسول صلى الله عليه وآله ، كله مجاملة لعلي عليه السلام دون أي اعتبار من هذا الدين العظيم ، ففيوض الله لا مجاملة فيها ، وهي لا تكال جزافاً على أحد .

     ولهذا فان أي تجاوز الحقيقة الاسلامية الكبرى حين يصدر من أي أحد من الناس ـ ولأي سبب من الأسباب ـ أكبر من ان يعتذر عنه ـ في منطق الحق ـ بعذر ، فضلاً عن أن يسمح هذا التجاوز بالتطاول على هذا الصرح الاسلامي المكين .

فهذا التطاول ـ أو حتى التشكيك ـ بعلي عليه السلام ، او بمنصبه مما يلقي بظلال قاتمة على المتطاول او المشكك نفسه ، دون أن ينال غرضاً من الاسلام أو من الولاية او من علي عليه السلام .

       وهذه الحقيقة مما يعلمه حتى اولئك الذين اجتهدوا في ولاية علي عليه السلام ، وعارضوا تسليم لواء القيادة الاسلامية اليه بعد الرسول صلى الله عليه وآله  ، بل ومما يعلمه حتى اولئك الذين سلبوه حقه في تسنمه لمركز القيادة التي انيطت به مسؤولياتها بعد الرسول صلى الله عليه وآله وزعامته للأمة المسلمة بعد فقده صلى الله عليه وآله .

وكم أثبت التاريخ من كلمات أولئك المجتهدين في لحظة من لحظات الصفاء ، أو في ساعة من ساعات الضعف الانساني أمام هذه الحقيقة الكبرى أو لاسباب أخرى .

     وقد قرأنا شطراً من هذه الكلمات ، كما في موقف سعد بن أبي وقاص حينما أخبره رجل بأن علياً يقع فيه لأنه تخلف عنه ، ذا لم يجد عذراً الا ان يقول :

     ( والله انه لرأي رأيته وأخطأ رأيي ) .

    وفي موقف طلحة بن عبيد الله حينما احتج عليه امير المؤمنين يوم الجمل بحديث الولاية ، اذ لم تسعفه حجته الا ان يقول  ( نسيت ولم اذكر ) .

    .. بل وكما قرأناه في  رواية المسعودي لهذه المناشدة ان طلحة قال:( استغفر الله ) ثم رجع .

    كما قرأناه في موقف عمر بن الخطاب في حديثه مع حارثة بن زيد حينما قال له : ( كيف تقدّمتموه وقد سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وأله حيث لم يجد من العذر الا أن يقول : ( يا حارثة بأمر كان )) .

    وحينما يتمادى حارثة بالسؤال عن مصدر هذا الأمر ( من الله أم من رسوله أم من علي عليه السلام ) . لم يستطع الا ان يقول ( لا ، بل الملك عقيم ، والحق لابن ابي طالب ) .

      وما كان أبو حفص لينطق بهذه الكلمة لو لم تكن الولاية بدرجة من الوضوح لا يمكن له الاعتذار معها بغير هذا الاعتراف الرهيب .

     ولم يكن موقفه هذا هو الوحيد منه ، فقد روي له العديد من المواقف المشابهة .. منها ما رواه الراغب الاصفهاني في ( المحاضرات ) عن ابن عباس قال : كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة ، وعمر على بغل وانا على فرس ، فقرأ آية فيها ذكر علي بن ابي طالب فقال : اما والله يا بني عبد المطلب لقد كان علي فيكم اولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر .

فقلت في نفسي : لا اقالني الله ان اقتله . فقلت : انت تقول ذلك يا امير المؤمنين وانت وصاحبك عدوتما عليه وافرغتما الامر منا دون الناس ؟؟

فقال : اليكم يا بني عبد المطلب ، اما انكم أصحاب عمر بن الخطاب .

فتأخر وتقدم هنيئة . فقال : سر لا سرت . وقال أعد علي ّ كلامك .

فقلت : انما ذكرت شيئا ورددت عليك جوابه ، ولو سكت سكتنا .

فقال : إنا ـ والله ـ مافعلنا الذي فعلنا عن عداوة ، ولكن استصغرناه ، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لما قد واترها .

فاردت ان أقول : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره ، أفتستصغره انت وصاحبك ؟؟

فقال : لا جرم ، فكيف ترى ؟ والله ما نقطع أمراً دونه ، ولا نعمل شيئاً حتى نستأدنه([67]) .

 

ولا نطيل في نقل مثل هذه الكلمات ففي الذي ذكرناه كفاية . وبعد ، فهي كلمات موجودة في مختلف كتب السير والتأريخ .

اذن فوضوح الالتزام الاسلامي لولاية علي عليه السلام مما لا ريب فيه ، سواء في ثبوت الحجة الالهية فيها ام في دلالة هذه الحجة ، وبيان مفهومها الاسلامي المطلوب ، أم في أي شأن آخر من شؤونها . وبهذا الوضوح يستقيم ما رواه ابو سعيد الخدري عن الرسول صلى الله عليه وآله في ورود قوله تعالى : ] وقفوهم انهم مسؤولون [ عن ولاية علي عليه السلام.

فان السؤال الالهي والحساب لجميع الامة على موقفها من الولاية غير ممكنين مالم تكن الحجة بها واضحة لكل فرد من أفرادها ، كما ان العقوبة على مخالفة مقتضياتها غير واردة بدون هذا الوضوح الشامل ايضاً ، قال تعالى :

] وما كان الله ليضل قوماً بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون [ ([68]).


 

[1]  - يوسف : 108.

[2]  - المائدة : 15 – 16 .

[3]  - سبأ : 28.

[4]  - الاعراف : 57.

[5]  - الاسراء : 88.

[6]  - هود : 13 – 14 .

[7]  - البقرة .

ـ فصلت : 41 ـ 42 .[8]

ـ النحل : 102 .[9]

ـ الكهف : 1 ـ 3 .[10]

[11]  - الاحزاب : 45 – 46 .

[12]  - الفتح : 28 – 29 .

[13]  - النجم : 2- 4 .

[14]  - 44 – 47 .

[15]  - المائدة :55 .

[16]  - ااحزاب :6.

[17]  - الجمعة :2.

[18] - النساء: 65.

[19] - محمد: 33.

[20] - الانفال : 24.

[21]  - ال عمران: 31.

[22] - المائدة : 56.

[23]  - الغدير : ج 1 ص 16.

[24]  - المصدر السابق ص 54.

[25]  - ن . م : ص51.

[26]  - ن. م : ص 28.

[27]  - ص 44.

[28]  - المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 371 ن مكتبة النصر الحديث – الرياض – سنة 1968.

[29]  - تراجع مصادر هذه المناقشة في الغدير ج 1 ص 171 – 172.

[30]  - المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 116.

[31]  - الغدير ج 1 ص 37 – 40.

[32]  - ن . م . ص 146 – 149 .

[33]  - ن . م . ص 184.

[34]  - ن . م 185.

[35]  - ن . م ، ص 59 – 68.

[36]  - ن ز م ، ص 69 – 139.

[37]  - البدايه والنهاية : ج 11 ص 147.

[38]  - يراجع كتاب الغدير : ج 1 ص 140 – 145 .

[39]  - صحيح الترمذي ج 2 ص 298

[40]  - مشكل الاثار : ج 2 ص 308.

[41]  - يراجع كتاب الغدير : ج 1 ص 216 – 280 .

[42]  - يراجع كتاب احقاق الحق وازهاق الباطل : ( ج 2 ص 426 – 465 ) و ( ج 3 ص 322 – 327 ) و ( ج 6 ص 225 – 378 ) ط طهران ن المكتبة الاسلامية سنة 1382 .

[43]  - يراجع كتاب ( فضائل الخمسة من الصحاح الستة وغيرها ..) ج 1.

[44]  - المائدة : 55.

[45]  - مجمع الزوائد ج 7 ص 17 ويراجع للمزيد من المصادر كتاب ( فضائل الخمسه من الصحاح الستة ج 2 ص 17 ، كما يراجع كتاب ( شواهد التنزيل ) للحسكاني ج 1 ص 161 – 184 حيث روى نزول هذه الاية في علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم باكثر من اربعة وعشرين طريقا.

[46]  - الكهف :44 .

[47]  - شواهد التنزيل ج 1 ص 356.

[48]  - احقاق الحق ج 5 ص 281 عن كتاب ( در بحر مناقب ) ص 31 مخطوط.

[49]  - نفس المصدر السابق .

[50] - المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 110 وللمزيد من المصادر يراجع كتاب ( فضائل الخمسة من الصحاح الستة ) ج 1 ص 354 وما بعدها .

[51]  - احقاق الحق ج 4 ص 81 عن كتاب ( در بحر مناقب )

[52]  - فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص 168 عن ( الرياض النضرة ) ج 2 ص 164 و ( ميزان الاعتدال ) ج 1 ص 235.

[53]  - مجمع الزوائد ج 9 ص 128.

[54]  - المستدرك على الصحيحين ج 2 ، ص 241 وغيره . يراجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة .

[55]  -.- المستدرك ج 3 ص 129 واسد الغابة ج 4 ص 42.

[56]  - الدر المنثور للسيوطي ج 4 ص 153 وذخائر العقبى ص 69.

[57]  - مجمع الزائد ج 9 ص 113 وتهذيب التهذيب ج 2 ص 6.

[58]  - شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 ص 19.

[59]  - شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 ص 19.

[60]  - المصدر السابق ج 2 ص 107 والصواعق المحرقة ص 89.

[61]  - فضائل الخمسة من الصحاح السته ج 3 ص 104 عن تاريخ بغداد ج 10 ص 356 ومصادر اخرى .

[62] - يراجع فضائل الخمسة ج 2 ص 200 – 207 لمعرفة مصادره.

[63]  - ن . م ص 207 – 212.

[64]  - ن . م ص 228 – 229 .

[65]  - ن . م ص 229.

[66]  - شواهد التنزيل ج 1 ص 207.

-الغدير : ج1 ص346  عن المحاضرات للراغب الأصفهاني ج2 ص 213[67]

[68]  - التوبة: 116.