مقدمة
الحمد لله لأمنية قديمة لدي في أن أجد الدراسة الإسلامية لحياة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) وأئمة أهل البيت ( عليهم السلام) من خلال ما يعنيه الاصطفاء الإلهي في ذواتهم المطهرة من دلالات خاصة..
الدراسة الإسلامية التي توحّد في أولياتها ومنهجيتها واستنتاجاتها بين مقتضيات هذا الاصطفاء وشرائطه، وما تجلت به شخصيات أولئك المنتجبين من سمات معجزة، وما تراءت به في كلماتهم ومواقفهم من خصائص عظمى.
أمنية قديمة لدي .. نشأت معي منذ أن وعيت بعض مستلزمات الاصطفاء الإلهي، وأدركت بعض ضروراته في موارده الأزكياء ( عليهم السلام) ووعيت بعض جوانب العظمة في هؤلاء الموارد ومميزاتهم الخاصة في واقع الإنسان، وفي وقت افتقدت فيه تلك الدراسة ، إذ لم جد في المكتبة الإسلامية ما يعينني على الوصول إلى الاطمئنان بفكرة واضحة ومتكاملة في هذا السبيل.
وطبيعي أن تزداد أهمية مثل هذه الدراسة مع تنامي الثقافة ومع انفتاح آفاق الوعي الإنساني على الإسلام ، وتطلعه لدلائل الحق فيه ، وإدراكه لجوانب العظمة في تجلياته، وإعجاز آثاره في النفوس، وفي كل جانب من جوانب الحياة.
.. صحيح أن هناك جهودا مشكورة بحثت في موضوع الاصطفاء الإلهي، وما يعنيه هذا الاصطفاء من مفهوم، وشرائط.
.. ان هناك جهود أخرى بحثت دلائل اختيار الله تعالى لتلك الذوات المطهرة وارتضائه اياها حملة لدينه القويم بما يرفع الشك أو الريب عن أي بصيرة متطلعة إلى الحق، والى حجة الله تعالى فيه ..
.. وان هناك جهودا مخلصة تتبعت ما ورد عن أولئك النجباء، وما خلده التأريخ من أحوالهم ومواقفهم وكلماتهم، مما يهدي المخلصين من الناس إلى الرشد والى الاستمساك بعروة الله الوثقى، في كل مسلك من مسالك الحياة، وفي كل صعيد من أصعدتها.
.. وان هناك جهودا حاولت التعمق إلى منابع النور في سيرة هؤلاء الأصفياء وما أثر عنهم لتقتبس منها مناهج وتعاليم محددة واضحة المعالم، ينتج احكامها المهتدون في مختلف جوانب الحياة.
.. وان هناك جهودا اخرى عرضت لنواحي اخرى في هذا المضمار او ذاك يراها المتتبع في مختلف ميادين المعرفة الاسلامية..
وأنا لا اغمط أياً من هذه الجهود ما يستحقه من الثناء والتقدير، فلكل منها فضله في سداد حاجة انسانية مهمة، في اتباع بصائر الهدى. الا انه لابد من القول كذلك.
ان جميع هذه الجهود ونتائجها تبقى في حاجة ماسة الى النقطة السابقة التي اشرت اليها..
.. الى فهم ما يعنيه الاصطفاء الرباني في أولئك النجباء، ومايستوجبه من دلالات تمتد الى كل حالة فيهم، والى كل كلمة ينطقونها ، وكل موقف يصدر منهم . اذ لايمكن استيضاح أي من النتائج الاسلامية المطلوبة دون اعتماد تلك الدلالات وتجلياتها في شخصياتهم كافة، وفي كل ما يصدر عنهم من مواقف وكلمات. فالاصطفاء هو حقيقة وجودهم ومصدر الروح في حياتهم، كما انهم - في الوقت نفسه – مثله الشاخصة في واقع الانسان وتجلياته الفعلية في هذه الارض.
ولهذا فما يؤخذ هذا الاصطفاء وشرائطه ودلالاته في الاسس المبدئيه للجهد الذي يبذله في التعرف على واحد من موارده، او على ما يصدر عن هذا المورد من مواقف وكلمات، ولايمكن لهذا الجهد ان يكتسب الطابع الاسلامي المطلوب، او يؤتي ثماره المبتغاة في الموازين الصحيحة التي يقرها الاسلام في التعامل معه، وان سما هذا الجهد دقة ومنهجية من جوانب اخرى .
بل – ومن ناحية اخرى اكثر اهمية – انه مالم تكن هناك دراسات اسلامية متكاملة الاصول والمناهج ، واضحة النتائج ، تاخذ بالافهام الى طبيعة التمازج والتوحد بين ذلك الاصطفاء، ومنتجيه من خلال الافاق الاسلامية السليمة، فإنّه من غير الممكن لاحد من الناس ان يدرك المعنى الصحيح للاصطفاء نفسه، او يعي شيأ من تجلياته المعجزة في ذويه، وان بلغ شأواً بعيدا في الثقافة الاسلامية، مالم يكن من ذوي الاختصاص في الدراسات الاسلامية.
.. بمعنى ان معظم الناس – سوى أولئك المختصين – بعيدون كل البعد عن فهم جوانب العظمة الاسلامية في هذه الافاق العليا من البشر .
ولا ريب انه نقص فادح له سلبياته الكبرى حتى على علقة المؤمن بالاسلام ذاته، وعلى التزامه باصوله واذعانه لتراث مصادره النجباء ( عليهم السلام)
يفترض ان تغيب هذه الناحية على المخلصين من حملة الفكر الاسلامي في مختلف العصور، فاهميتها اكبر من ان تخفى على ذي لب ، وكان جديرا بهم ان يبادروا الى سداد هذه الحاجة من كل وجه، واغنائها في الدراسة والبحث وايضاح مستلزماتها بما يتناسب ومتطلبات الاتجاهات الثقافية السائدة في كل عصر ومع مستويات المعرفة فيه.
.. فالكل يعلم - ولو من خلال الاوليات العامة لدين الله تعالى ، ومن خلال ما هو ثابت من سيرة اولئك الاصفياء – ان الاصطفاء الالهي مميزات وضرورات يجب ان يبني عليها كيان كل منهم ، ليستطيع السمو الى مستوى الحق وشريعة وهداه ، بشكل مطلق ، سواء في مكوناته الذاتية ام في استقامة التامة مع امر الله ( عز وجل) ، ام في تعبير عن حجة في كل ما يقوله وما يفعله ...
كما ان الكل يقرأ قوله تعالى :] يا ايها النبي إنا ارسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا . وداعياً الى الله باذنه وسراجاً منيراً [ ([1] )
وقوله تعالى: ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً [ ([2] )
وقوله ( عز من قائل ) : ] ان الله اصطفى آدم ونوحا وال ابراهيم وال عمران على العالمين. ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم [ ([3] ). الى غير هذه الايات والنصوص الواردة في مختلف المصادر الاسلامية ، وهذا كله من جهة .. ومن جهة اخرى ، فان الكل يعلم - حق العلم - ان احد لا يستطيع فهم تلك الدلائل وتجلياتها في مكونات أولئك النجباء ، او ادراك حدودها بسهولة يمكّنه من اتخاذها أسساً واضحة المعالم في التعامل معهم واسترشاده لهداهم ، اللهم الا اذا كان على اطلاع واسع المعرفة الاسلامية، وقدرة كبيرة على متابعة جزئيات الامور فيها.
وسبب هذا العجز واضح كل الوضوح ، فان فهم هذه الدلائل وتجلياتها يستدعي من الانسان اقل تقدير، وحين يفتقد الدارسات المتكاملة فيها - احاطة واسعة بشتات متفرق من الاشارات السريعة والمقتضبة التي وردت هنا وهناك في مصادر العلوم والثقافات الاسلامية..
بل – وهي في مجموعها – اقل من ان توفي للمؤمن حاجته التامة هذه الناحية، ولا سيما هذا العصور التي تميزت بالسهولة والوضوح في تقديمها حتى لاعمق جوانب المعرفة، وعناصر الثقافة في مختلف الميادين..
وكل هذا يستدعي تركيز – ولو – بعض الجهود على هذه الناحية ، بما يعين طالب الحقيقة في تبصرها، وادراك ابعادها التي يحتاجها في علقته باولئك المصطفين ( عليهم السلام ) ، وانتهاج سبيلهم.
الا انني – مع كل الاسف – لم اجد – وفي حدود اطلاعي القاصر – ولو واحدة من تلك الدراسات المتكاملة التي يمكنني ان اعتمدها انا في هذا المجال ، او ارشد اليها احد من اخوتي في الله .. يتخذها ركيزة ثابتة في تفهمه لمعالم الحق في شخصيات اولئك النجباء وما يعينه ارتضاء الله اياهم هداة للبشرية ..
متطلبات الاصطفاء الالهي
ونستبين اهمية هذه الملاحظة أكثر ، حين نلتفت الى ان الاصطفاء الالهي لا يقف – في دلالاته ومقتضياته في منتجبيه – عند حدود الاعتبار والتشريع فحسب ، ولا يقتصر على اختيار بعض الناس، كي يقوم ببعض المهام الخاصة في حياة بعض الناس ،كي يقوم ببعض المهام الخاصة في حياة الناس ، لتسلم اليه جميع هذه المهام ونتائجها ، وما يمكن أن تؤول اليه من آثار في الحياة، دون ضمان من الله تعالى وتعهد منه ، يكفلان الوفاء بالحاجات الموضوعية التي يستوجبها ذلك الاصطفاء في شخصية، المنتجب، كاكمل واوضح ما يتطلبه الوفاء سواء في تكوين هذه الشخصية ، ام في الارصدة الذاتية لها، ام في اوليات السلوك فيها ، ام في مظاهر هذا السلوك وجزئياته.
اذا ما كان لدرجات كبرى جعلها الله تعالى لاصفيائه ، كمحمد بن عبدالله ( عليه السلام ) خاتم رسله ( عليهم السلام ) في البشرية – مثل الشهادة على الناس : ] وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ ([4] ).
.. والاولوية بالمؤمنين من انفسهم : ]النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم .. [ ([5])
ولأسوة الحسنة للإنسان في طريق الله تعالى ، واتباع بصائره : ] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر وذكر الله كثيراً [ ([6] )
.... وما كان لأوامر الهية مطلقة ترد على البشرية كقوله تعالى :
] قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم . قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [ ([7] ).
وقوله تعالى: ] فلا وبك لا يؤمنون حتى يحكمون فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً ... [ ([8] )
وقوله تعالى : ] إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله وسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ... [ ([9])
وما كان لنواهي إلهية شديدة كقوله تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم . يا أيها الذين آمنوا لا ترفعو أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهرو له كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون [ ([10] )
وقوله عز من قائل : ] إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم . لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا . قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [ ([11] ).
وما كان لغايات إلهية كبرى اريد لها أن تحقق في حياة الانسان من انزال الاسلام على محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وتشريع حقائقه في مثل قوله تعالى : ] الر كتاب انزلناه اليك من الظلمات الى النور باذن ربهم الى صراط العزيز الحميد [ ([12] ).
] هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون [ ([13])
] هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين [ ([14] )
وما كان هنان معنى لمصير ينتهي اليه الانسان في واقع الحياة ، وفي الحساب الالهي ، سواء في حالة انقياده لهدى هذا الرسول ( صلى اله عليه واله وسلم ) واتباعه له، ام في حالة النكول عنه ، وفي طاعة امره امة في عصيانه: ] الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله اضل اعمالهم . والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنو بما نُزل على محمد وهو الحق من ربهم كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم . ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل وان الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم [ ([15] )
اقول: ما كان كل هذا واشباهه ليرد من الله سبحانه دون ضمان كامل منه، بأن يكون محمد ( صلى الله عليه واله وسلم) هو السراج المنير ، والداعي اليه باذنه وان يكون سبيله هو الحق وان يكون في العالمين، وان لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ] وما ارسلناك الا رحمة للعالمين [ ([16])
] ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحيٌ يوحى [ ([17] )
الى غير هذه الضمانات المناسبة واستقامة الحق .
اذن فهي مسألة تكوينية قبل ان تكون قضية اعتبارية...
وهذه هي إحدى الفوارق المهمة بين الاسلام وغيره، فبينما يعتمد الاسلام هذه الاسس التكوينية، او الواقعية لبلوغ اهدافه في حياة الانسان، لا يرقي غيره من المذاهب والاديان في اولياته ومناهجه وغاياته الى ابعد من ظواهر الامور والاستحسان المتعارف بين الناس ..
اذن ... فهناك حلقات مهمة ذات ابعاد، واسس تكوينية وتشريعية – معاً – هي التي تربط بين ذلك الاصطفاء الرباني لواحد من منتجبيه والامر بطاعة هذا المنتجب، واتباعه هدية في كل خطوة من خطواته..
ولكي يكون المسلم على بصيرة من التزامه الصحيح بدين الله القويم يجب ان يكون على شيء من العلم بتلك الحلقات – ولو في خطوطها العامة – قبل ان يستقيم في ايمانه بالله تعالى الى دينه زمان نفسه، ويمضي معه حتى النقطة النهائية المطلوبة منه فيه، والاستهداء بنوره.
فبتلك الحلقات التي تتجلى بها حقيقة الاصطفاء الالهي في ذواته – يستكمل الحق شرائطه التي سنعلم بعضا منها – بعون الله تعالى – في هدى الانسان وقيام حجة الله عليه .
وبتلك الحلقات تستتم للحكمة الربانية مقتضياتها في تلك النفوس السامية.. وبها كذلك تنتظم لسلسلة الهدى بصائرها الربانية ومقتضياتها في تلك النفوس السامية .. وبها كذلك تنتظم لسلسلة الهدى بصائرها دون غموض او خفاء ، وبها يتضح لدين الله برهانه كواقع فعلي قائم في عالم الانسان .
فرق ما بين الجهد الانساني والرعاية الربانية الخاصة
ومن الثمار المهمة في دراسة هذا التمازج بين الاصطفاء الالهي ومنتجبيه، فهم الفوارق الكبيرة بين الجهد الانساني ، وهو يتطلع للكمال، ويداب ساعيا لبلوغه ومجالي الاصطفاء الالهي من المنتجبين. فالانسان لا يستطيع السعي نحو الكمال الا بعد ان يصنع لنفسه فكرة خاصة عنه، قد تكون سليمة وقد تكون لا. ثم يمضي في سبيل يشرّعها هو لمسيرته قد تستقيم مع الواقع وقد لا تستقيم ، لينتهي معها الى نتائج معينة قد تحقق له الغاية وقد لا تحقق.
وهذه من جهة، بينما يتجلى في الجهة الاخرى دلائل الكمال الالهي، ومظاهر الحكمة الربانية، وهي تستكمل غاياتها في كل مورد من موارد ذلك الاصطفاء، وفي كل بعد من ابعاد شخصياته المرتضاه، وفي كل شأن من شؤونها.
اجل .. فالانسان في سعيه نحو الحق ، والكمال الذي يجسده انما ينطلق على اساس من صوره خاصة يراها هو لمفهومها ، وطبيعي ان تخضع هذه الصورة لكل ما يحكم الجهد الانساني من قصور في قابليات الانسان المحدودة، وخبرته الضيقة، وفهمه الذي لا يرقى ـ بأي حال من الأحوال ـ إلى درجة الاحاطه التامة بالواقع ودلائله وموازينه الكبرى، الا حيث ينتهل البصائر والهدى من حجة ربانية بالغة، والا حيث يستمسك بما تمليه عليه بنانها ، دون ان يحيد عنها في فكرة او ينحرف عنها في سلوك .
كما ان الانسان في مسعاه نحو غايته من الكمالـ،، انما ينتج سبيلا معينة يؤمن بانها هي التي تبلغ به الى تلك الغاية، ولا ريب ان ادراكه هذا – وهو يفتقد الاحاطة المطلوبة بمستلزمات الحق – مما يقصر بتلك السبل – التي يشرّعها لنفسه – عن نيل الحقائق ، او يحيد بها عن مرامه منها ، مالم يعتمد فيها كذلك مددا مناسبا من هدى الله وبصائره.
وايضا، وحتى لو اعتمد الانسان دلائل البصائر الربانية التي ترشده الى مكامن الحق ، وادرك من سبل الهدى ما يمكنه من الوصول الى مبتغاه منها، دون قصور او انحراف ، الا انه لا يبلغ في مسعاه معها الى الدرجة التي يصبح وايّاها وحدة متكاملة ، اذ للذاتيات الانسانية احكامها في الاستجابة لهذا الهدى والاقتباس من تلك البصائر .. مما يعني عدم قدرة الانسان على ان يجعلها في تصوره وسلوكه بتلك الدرجة المطلقة التي تمكنها من ان تمتلك جميع افاق نفسه، وتستوعب جميع محفزاتها الى الايمان به ، ودوافعها الى العمل في سبيله والمثابرة عليه دون تفاوت او اختلاف حتى في اعماقها حيث يعني التوحد مع الحق.
فلا ريب ان للاهواء، او الغايات الجانبية، او صوارف الحياة، من الاثار على شخصية الانسان ولو في بعض مراحل نضجها ما قد يعيقه عن الخلوص المطلق للحق، والتجرد للكمال، كما يقتضيه مفهوم الوحدة والاستقامة المطلقه معه. وان اكتملت لديه، جميع شرائطه الاخرى، وهو أمر يراه كل انسان من نفسه، قبل ان يراه من الاخرين.
اما في مورد الاصطفاء الالهي من الناس، فهناك كمال الهي مطلق ، وهناك حكمة ربانية شاملة وعلم نافذ في دقائق الامور، ورعاية خاصة كانت هي الرصيد الاول لذلك الاصطفاء وموارده كافة وهي الضمان الثابتة لتحقيق متطلباته ونتائجه في تلك الذوات، فمن الطبيعي - حينئذ – ان تكون لهذه التجليات الربانية دلالاتها في أي مورد ترد فيه، سواء في القيم العليا التي يترسمها هذا المورد ، ام في السبيل التي ينتهجها لنيل تلك القيم ، ام في الدرجة التي يحققها منها في حياته ، وفي أي بعد من ابعاد شخصيته، او موقف من مواقفه.
فمثل هذه الدلالات حتمية لا محيد عنها، بعد افتراض ان منشأ الاصطفاء هو الله سبحانه، اذ ان القصور او الانحراف مما يستحيل تصوره حينئذ ، لان الكمال المتصور هنا ليس جهدا انسانيا محدودا بقدر ما هو تجلٍ لتلك الرعاية الربانية العظمى التي اختارت هذا الانسان من بين البشر ، وارتضته لتحقيق هداه في الحياة ، وتعهدت ان يكون هو المثل الشاخص لبنيانها في هذا الوجود.
ومن هنا انبثقت الضرورة السابقة في ان لا يقف ذلك الاصطفاء مع تلك الذوات في حدود الله اختيار الله تعالى لها ألسنة لتبليغ حجته الى الناس فحسب ، بل لا بد ان يبدا معها منذ الاوليات التكوينية لوجودها، ليمضي معها حتى اخر مظهر من مظاهرها، وكل موقف من مواقفها ، فبهذه الطريقة وحدها تستكمل تلك الحكمة الربانية غاياتها في تلك الذوات ،وتستتم للاصطفاء فيها مقتضياته، فلا شذوذ ولا انحراف ولا قصور.
فعند هذا الاصطفاء تقف الحدود الانسانية القاصرة لتتخذ الرعاية الالهية دورها في بناء تلك الشخصيات، وتدبير شؤونها ، كما يقتضيه الحق ، وكما يعينه الهدى ، وكما يستوجبه الاسلام المطلق لله تعالى ، والانقياد الشامل لبصائره ، وطبيعي ان تستكمل الرعاية الربانية دورها هذا بادق واتم ما للاستكمال من معنى ، دون ادنى خلل او تفاوت، اذا الكمال الذي تستند اليه كمال مطلق والقدرة التي تعتمدها قدرة مهيمنة.
ولهذا، فان ادرك تلك الذوات المطهرة من خلال هذه النقطة بالخصوص، واستيضاح دلالاتها فيهم ، واثارها في حياتهم هو الذي يضع الانسان في الطريق الصحيح في فهم السمات والملامح المعجزة التي يتميزون بها ، ومعرفة المدى الذي يجب ان تمضي فيه هذه السمات معهم ، وهي نتيجة لا يصل فهم الانسان اليها دون ملاحظة هذا العنصر المهم ، ودون استيضاح دوره في تكوين شخصياتهم ولا يخفى ما لهذه النتيجة من اثار ايجابية كبرى، سواء في تصور المسلم لحقيقة ذلك الاصطفاء ، ام في تلك تعرفه على ملامح تلك الذوات الزكية ، وفهم ما يصدر منهم ، ام طبيعة التزامه بهم كهداة له في اسلامه لله عزّ شأنه، واقتدائه بأنوارهم في طريقه اليه.
كما ان ادراك تلك الذوات المطهرة من خلال هذه النقطه بالخصوص يجب ان يكون هو المقياس الذي يميز به المرء، ويقوّم مختلف الدراسات التي تناولتهم بالبحث ، وحاولت استعراض حياتهم ومواقفهم، اذ من خلاله وحده تستبين معالم الكمال والنقص الذي يتسم به كل منها ومداه .. فان الدراسة التي لا تعتمد هذا الخط اساسا ارتكازيا لها، هي ادنى من ان تحيط بشيء من امرهم او تستوعب جانبا من عظمتهم .
والملفت للنظر : ان هذه النقطة – بالذات – هي الاساس الذي تعتمده نصون الاسلام كافة، في تعريفها لاي من شخصيات الاصطفاء الالهي ، وبيان بعض جوانبها واحوالها . مما يعني ان تقصير حملة الفكر الاسلامي في تجاهل هذه النقطه هو اكبر من ان يعتذر عنه بعذر.
وهكذا رايت ان استغل هذه المناسبة العظيمة في احتفال الامة الاسلامية بمرور اربعة عشر قرنا كاملة على موقف الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) يوم غدير خم ، واعلانه لولاية علي بن ابي طالب ( عليه السلام) على الاشهاد فيه ، واخذ البيعة له بها من الناس..
...كما رأيت ان استغل هذا المهرجان الاسلامي المقدس في اقامة هذه الذكرى الخالدة كمنبر اطرح فيه امنيتي هذه امام مخلصي حملة الفكر الاسلامي الابرار، بدعوتي الصريحة لتلافي هذا النقص المشين في الثقافة الاسلامية الرائدة ، قبل ان اطرحها بجهدي المتواضع هذا ، وانا استشرف الولاية وصاحبها العظيم ( عليه السلام) عسى ان تجد دعوتي هذه صداها المناسب لدى أولئك المخلصين، ليتخذوا منها موقفا يتناسب واهمية القضيه التي لا تخفى على لبيب.
والله تعالى اسال لي ولهم كل عون ومدد، ورعاية تسدد منا الخطى وتسير لنا المسعى نحو مرضاته انه سميع مجيب..
وختاما اقدم شكري لاخوة اعزة ، كان لهم الفضل في توجهي نحو هذا الجهد وتهيئة الظروف المناسبة للشروع فيه ، وانجازه بهذا الشكل الذي ارجو ان يجد فيه القارئ ولو بعض ما ينشده فيه. كما اشكر اخوة اعزة كان لهم الفضل في ايصال ما كتبته الى لجنة التحكيم فبل فوات الاوان بالرغم من ضيق الوقت وعسر الطريق.
كما اشكر لجنة التحكيم من الفضلاء ورعاة الفكر الاسلامي التي اولته بعناية فائقة قد تكون اكثر مما يستحق ..
ولا انسى ان اعتذر عن السرعة التي جرى فيها الحديث في الكثير من نقاط البحث ، اذ سيشعر القارئ معي انها بحاجة الى المزيد من البيان او التفصيل ، فضيق المجال هو الذي حتم علي مثل هذه السرعة والاختصار .
كما اعتذر كذلك من متابعة الكثير من الروايات التي اورتها في البحث من مصادرها الاولى ، والاكتفاء بما نقلته منه من المصادر ، اذ لم تتوفر لدي الان تلك المصادر الاولى . او ان تحصيلها هو مما يصعب عليّ ، اذ لم اجد في الوقت فسحة لمثل هذا التحصيل ، ولاسيما انني لم اجد ضرورة للمتابعة . بعد ان وجدت في المصادر التي اخذت منها تلك الاحاديث دقة في النقل اطمأنت اليها نفسي في صحة نسبتها الى مصادرها الاولى .. هذا مع انني قد اشرت في هوامش البحث الى كل من المصدرالذي اقتبست منه الحديث والمصدر الذي نقل عنه ذلك المصدر، ليتسنى لمن يروم التحقق من صحة النسبة الرجوع الى تلك المصادر الاولى حيث توجد لديه.
والله تعالى أسال ان يهيئ لي في المستقبل من القدرة والوقت ما يكفيني لتلافي هذا النقص وغيره مما اطلع انا عليه ، او يرشدني اليه اخوتي في الله ..
ومنه سبحانه استمد التوفيق والسداد للجميع انه سميع مجيب.
20 رمضان المبارك سنة 1410 للهجره
بين يدي البحث
يوم غدير خم ، والمشهد جرى فيه ، هو من الوقائع المتواترة بين المسلمين عامة ، ولا يناقش فيه ذو بصيرة منهم ...
وموقف الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) فيه لا يزال مشهوداً ، بالرغم من مرور هذه الحقب المتمادية من الزمان ، واعلانه الولاية الاسلامية الكبرى لعلي بن ابي طالب (عليه السلام ) واضح البيان ، خالد الحجة ، ابديّ البلوغ مع بقاء الاسلام وخلوده ، وتكاد تتفق الاحاديث الواردة فيه حتى على الالفاظ التي تم بها هذا الاعلان ، وهي موجودة في معظم مصادر السنة النبوية وكتب التفسير والتاريخ والادب وغيرها مما عرض لحياة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) ومواقفه وكلماته.
كما ان الحوادث التي واكبت ذلك الموقف لها صداها المعروف في تأريخ الامة المسلمة حيث يستحيل تجريد هذا التاريخ من اثارها ونتائجها ، وسواء في سابق الزمن ام في حاضره ام في مستقبله كذلك .
وكل هذه النواحي واضحة كل الوضوح ، ولا ريرتاب فيها احد اطلع على الحقائق منها ، وسياتي – ان شاء الله – بعض شواهدها ضمن هذا الحديث .
الا اننا – ونحن نحاول دراسة مشهد الغدير والولاية وشؤونها كالتزام اسلامي ، وفهمها كحقائق اسلامية خاصة ، تتراءى فيها متطلبات الاسلام وقيمه وشرائطه كافة وكاي حقيقة إسلامية اخرى – لابد ان نقف اولا عند بعض الاوليات المهمة التي يعتمده الحديث في مجرياته .. وهي اوليات يجب استحضارها في كل مرحة من مراحل البحث ، وفي كل نتيجة من نتائجه نصل اليها.
فهناك في البدء ما يعنيه مفهوم الالتزام ذاته، وما يتطلبه – في معناه العام – من شرائط في نفسه وفي منشئه ومتطلباته وحدوده .
وهناك ما يعنيه الالتزام الاسلامي بالخصوص من شرائط اضافية وحدود خاصة تتناسب وطبيعة الاسلام ذاته. كما لابد من الوقوف كذلك على صورة واضحة لمشهد الغدير نفسه ، فيها نوع من تكامل الملامح ، ووضوح الخطوط. اضافة الى التعرف على بعض الاحداث والجزئيات التي واكبت هذا المشهد ، لما لها من دلالات عميقة واثار كبرى في اكتمال تلك الصورة عنه ، وقيام الحجة الالهية به وبلوغها فيه . أي لما لها من دلالات في تحديد الالتزام الاسلامي لهذا المشهد ، وللولاية التي اعلنت فيه ، وللشخص المرتضى الذي اسندت اليه مهماتها ، وبالتالي لما لها من دلالة في تعيين مسؤولية المسلم تجاه ذلك الالتزام الاسلامي وحدوده.
(1)
شرائط الالتزام
الالتزام انما هو شأن الملتزم نفسه ، دون أي مصدر اخر يرد ضمن التزامه ..
وهي قضية واضحة في أي التزام يصدر من أي ملتزم، وفي أي شأن من الشؤون، سواء في تعيين الملتزم به ، ام في تحديد موقعه ومهمته، ام في غير هذه النواحي .. ولا اعتقد ان احدا يناقش في هذا ،لما لهمن اصول عقلية مسلّمة،وعقلائية جرت عليها الحياة الانسانية في قولنينها ومعرفتها وتعارفاتها الشائعة بين الناس وعليها كذلك جرى الاسلام في مختلف حقائقه ومصادره التي يعترف بها لنفسه .
وطبيعي ان يكون هناك اختلاف في الموارد الفعلية لمفهوم الالتزام والملتزم وحدود كل منها ، لاختلاف الاعتبارات التي يلحظ هذان المفهومان من خلالها ومدى القابلية التي يقرها العقلاء لاي منهما.
فمن الالتزام ما لا يتجاوز شخص الملتزم وذاته فحسب ، ومنه ما يشمل الاخرين معه بدءا من الدائرة الاجتماعية الضيقة وقد تتسع لتشمل البشرية كافة في مختلف الازمنة والامكنة.
فمع الالتزام الشخصي (( مثلا)) – حيث تكون للفرد قابلية على تحقيق مثل هذا الالتزام – فان الفرد لايسند اليه ولايحاسب الا بما اخذه هو على نفسه من عهد ، او اقر به عليها من عمل ،أو يؤاخذ شخص آخر بهذا الإلتزام أو يضفي عليه وإن كان من أقرب الناس إليه وأمسهم علقة به .
نعم ، قد يكون صدور هذا الالتزام سبيلا لبلوغ الواقع حين يؤيده القرائن .. أو يكون ذلك الشخص الآخر قد أقر على نفسه بالتزام مماثل .. وهكذا وهي نواح أخرى غير التي ذكرتها.
كما أن الالتزام الملتزم أو إقراره بشيء إنما يحدد في حدود يعينها هو لنفسه، دون ادنى تجاوز او قصور .. وهي كذلك مسالة واضحة وامثلتها معرفة لكل احد..
فانا انما يلزمني بشيء من الاشياء او بعهد من العهود هو ما آخذه انا على نفسي واقرّ به ضمن الحدود التي اعلنتها ، فلا اؤاخذ بما اقر به غيري على نفسه ، ولا العكس ، كما لا اؤاخذ انا بأوسع او ادنى مما التزمت به من الامور..
الا ان دائرة الملتزم قد تتسع مع اتساع موقعه، ودوره الذي يعترف به الاخرون له، ليصبح – من ثم – ضمن التزامهم ايضا ، وفي حدود ما يقرون به على انفسهم ، فالقائم على هيئة من الهيئات ، او المتولي لامر جماعة من الجماعات، او المتنفذ في دولة من الدول ، يتسع التزامه ليشمل ما تحت مسؤوليته من الهيئات والجماعات او الدول ، بل و يشمل كل فرد ينتسب اليها .. فكلمات ذوي هذه المناصب واشباههم لا تلتزم اصحابها كاشخاص فحسب ، بل تشمل كل ما يتزعمونه فيها . كما ان الجميع لا يلزم بقرارات او التزامات غير ذوي تلك المناصب ، مهما كانت درجة تلك الهيئات او الجماعات او الدول .
وفي هذا الخط يرد الالتزام الفكري او المذهبي او الديني .. فهو انما يعتبر اذ قيمة اذا صدر ممن اهلتهم مواقهم الخاصة في مدرسة من المدارس الفكريه، او مذهب من المذاهب ، او دين من الاديان ، لا تخاذ القرار هذا او اصدار هذا الالتزام، وفي الحدود التي يقتضيها موقع كل منهم في مجاله، وفي مدى متطلباته ، دون أي مصدر اخر لاتعترف به تلك المدرسة او المذهب او الدين ، ولا يؤهله احد لا تخاذ مثل هذا وان كان من اكثر الناس قناعة به ، واشدهم تحمسا له ، او تمسكا بقضاياه وحقائقه.
والمناصب الالهية والاسلامية الكبرى كالرسالة والامامة والولاية العامة واسناد أي منها الى شخص معين من الناس انماترد ضمن هذه الحقيقة الواضحة ايضا.
فهي – كالتزام الهي واسلامي – يجب ان تستلهم مما جعله الله سبيلا لمعرفة هذا الالتزام منه تعالى ، ومما يعترف به الاسلام لنفسه من الحجج والبينات ، وان تؤخذ مما يقره لذاته من المصادر ، وفي الحدود التي تصرّّح بها تلك الحجج، وتبينها هذه المصادر فحسب.
وفي المقابل فان الاسلام لا يلزم باي مفهوم او منصب لا يرد ضمن تلك البينات ، ولا يحتسب عليه أي شخص لم يضفِه هو على نفسه من الناس ، وان سمت معالم ذلك المنصب في التصور البشري، ومهما استقام ذلك الشخص في حياته وسلوكه مع حقائق الاسلام ومرتكزاته.. وهي نتيجة واضحة لما قلناه ، وقد ايدتها جميع النصوص الاسلامية الواردة في مختلف المصادر . كقوله تعالى :
] ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء .. [ ([18] )
] وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا .. [ ([19] )
] واذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [ ([20] )
] انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون [ ([21] )
] الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس .. [ ([22] )
الى غير هذه الايات المباركات وعلى اساس من هذه الحقيقة ايضا ترد مسؤولية الانسان تجاه تلك المناصب الاسلامية ، اواتجاه مدعيها من الناس كذلك ، فما اقرّته مصادر الاسلام منها التزمه ، وفي حدود ما ذكرته له من مسؤولية والا فلا.
تناسب ما بين الالتزام والملتزم
ومما يستتبع في القضية السابقة قضية مهمة اخرى تتفرع عنها وهي : ضرورة التناسب ما بين الملتزم والتزامه ، واستقامة هذا الالتزام مع خصائصه ومميزاته .
ولهذه القضية اساسها المبدئي المعروف في قانون السببية، اذ لابد من التناسب او ما يسمى – بالاصطلاح الفلسفي – بالسنخيه بين السبب والمسبب ، وضرورة ان تبرز خصائص المسبب ومميزاته في كل ما يصدر عنه من اثار ، فالنار تصدر منها الحرارة والضوء دون البروده والظلام وهكذا ..
ولهذه القضية كذلك اساسها العقلائي في حكمة الملتزم كعاقل مختار، فما يصدر عن احد العقلاء من الاعمال لا بد ان تتراءى فيه سجاياه وكفاءاته وقابلياته واصوله الاخلاقية ، وقيمه التي يسعى اليها في الحياة ، ومن هنا كان هذا التناسب احد الاوليات الاساسية التي ارتكزت عليها حياة الانسان ، وجرى عليها التعامل بين الناس ، في الصعيد الفردي او الاجتماعي ، وفي مجال السلوك العلمي او الفكري او الاخلاقي .
كما ان التناسب في صعيد المذاهب والاديان خاصة ، هو ما تقتضيه وحدة المذهب او الدين ككيان قائم له اصوله واهدافه الموحدة . فالتزام مذهب من المذاهب الاجتماعية او الفكرية ، او دين من الاديان لنظرية من النظريات ، او لحكم من الاحكام ، او شخص من الاشخاص ، لابد ان يعتمد فيه على اولياته المبدئية التي يستند اليها والاهداف والقيم التي يرتكزها في قيام كيانه ، وتعامله مع الانسان وتصوره للغايات التي يرنو اليها في قيادته له ، والا لم تستقم له وحدته ، ولم تتماسك له مفاهمه واحكامه وقيمه ..
وطبيعي ان لا يعدو الاسلام هذه القضية ايضا ، فما يلتزمه من فكرة، او منهج او شخص يجب ان لا يقتصر عن الاسس التي ينطلق منها الاسلام في وجوده ، وان لا يخرج عن الخطوط العامة التي تنتظم بها حقائقه وقيمه كافة . فبدون هذه الوحدة بين تلك الاسس والخطوط وامتدادها فيما يلتزمه يستحيل ان يقوم له كيان متكامل او تنهض له بنية قائمة.
وكما تصدق هذه الضرورة في مختلف حقائق الاسلام حيث لا يستثني منها حقيقة ، فمن الطبيعي ان تصدق كذلك – وبما لها من شمولية ، وما تستوجبه من مستلزمات – في الولاية الاسلامية العامة فهي واحدة من اهمها – كما سنعرف ان شاء الله – كما تصدق في الشخص الذي اسندت اليه ، والقيت عليه مسؤولية الوفاء بمتطلباتها ، لانه – بهذا الاصطفاء لا يصبح واحد من تلك الحقائق الاسلامية الكبرى فحسب، وانما يصبح المثل الانساني القائم لجميع تلك الحقائق والسبيل للوصول اليها والحجة الربانية فيها ، ولهذا فالضرورة فيه اكد لما لشخصيته من شان رفيع في كيان الاسلام كله ، وقيمومته على كل حقيقة اخرى فيه .
اذن فدراسة ولاية علي ( عليه السلام ) من منطلق الالتزام الاسلامي تستوجب – ولا شك – استحضار بعض القيم والحدود العامة التي يعتمدها الاسلام في وجوده ككل، وفي الفكر والمناهج والاهداف والشخصيات التي يتبناها و – باختصار – في كل ما يمتّ اليه بصلة ..
فالوقوف على مثل هذه القيم مما يوضح لنا طبيعة الاسلام ذاته ، وطبيعة أي شيء ينتسب اليه.
لان القيم العليا للدين او المذهب ، - سواء منه الاسلام او غيره – انما هي الاسس التي يعتمد عليها مختلف حقائقه ، وهي الصبغة العامة التي تبرز من خلالها ملامحه ، وهي التوجهات العامة في انتظام مناهجه وسننه والسلك الرابط بين اولياته وتعاليمه وغاياته كافة .
( 2 )
القيم الاسلامية العليا
ما هي القيم العليا في الاسلام ..؟
وما هي الحدود التي بني عليها كيانه واقيمت عليها حقائقه؟..
وهمية هذا السوال المبدئي مما لا تختفي على احد من حملة الايمان، فالاجابة عنه في استمساك المسلم بدينه وايمانه باصوله وفروعه كافة ، هي من الاسس التي لا محيد عن اعتبارها ، لا في الحدود التي ذكرناها فقط وانما في أي موضوع او مفهوم يرد في الاسلام وفي أي بعد من ابعاده وفي أي مجال من مجالاته .
ولبلوغ اجابة واضحة عن هذا السؤال يمكن سلوك العديد من السبل التي ينتهي كل منها الى عطاء صورة معينة عنها ، الا ان كل من هذه السبل اصوله الخاصة واتجاهاته الفكرية المعروفة لدى الباحثين المسلمين.
وحيث اننا لا نطمح هنا الى اكثر من الوصول الى فكرة اجمالية عامة عن هذه القيم والحدود ، فلا نحاول اكثر من الوقوق على بعض الدلالات السريعة لبعض النصوص الاسلامية – والقرآنية منها بالخصوص – وما تميل هذه الدلالات في بيان افاق تلك الفكرة ، دون الدخول في تفاصيلها ، لان هذه التفاصيل اوسع من ان يحاط بها في هذا الموقف المقتضب .
والملاحظ – في هذا المجال – ان النصوص الاسلامية الوردة في هذه الناحية تتخذ سبلا سهلة وواضحة في بيان هذه القيم ، بعيدا عن التداخلات الفلسفية التي تعتمدها المذاهب والاديان الاخرى ، وعن الغموض الذي يكتنف هذه التداخلات، وان كانت في الوقت نفسه هي الصورة المثلى التي يطمح اليها الجهد الانساني في تلك القيم .
فهي تركز على مفهوم الحق خاصة ، لتجعله القاعدة الاساسية الاولى للبنية الاسلامية كلها ، وما تحتويه من مفاهيم وسنن ثم – من هذا المفهوم – تنتزع جميع القيم والحدود الاسلامية الاخرى ، ليصبح الحق – من ثم – هو الطابع الواضح في تلك القيم والحدود كافة.
فالقران الكريم – مثلا ، وهو المصدر الاسلامي الاول – يتخذ مختلف السبل التي يعبّر عن هذه الظاهرة الاسلامية ، فهو يذكر في بعض آياته كلمة الحق صراحة ليجعلها الاساس الاول لقيام صرح الاسلام وحقائقه كافة ، والمحور الذي يستقطب قضاياه قبل ان يعبّر بهذه الكلمة عن الاسلام ذاته فيقول تعالى مثلا :
] انا ارسلناك بالحق بشيراً ونذيرا [ ([23])
] يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم .. [ ([24] )
] وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما ارسلناك الا مبشراً نذيراً [ ([25] ) .. الى غير هذه الايات .
بينما هو في آيات اخرى يعبّر عن مفهوم هذه الكلمة من خلال بعض لوازمه ، كما في قوله تعالى:
] يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم ، وانزلنا اليكم نوراً مبينا [ ([26] )
] وانك لتدعوهم الى صراط مستقيم [ ([27] )
] ثم جعلناك على شريعة من الامر .. [ ([28] ) الى ايات اخرى وردت في مثل هذا المضمون. ولا نطيل في اقتباس مزيد من الايات ، كما لا نفيض بمراجعة مصادر اخرى غير القرآن الكريم من جوامع النصوص الاسلامية ، لان التزام الاسلام بهذا العنصر أجلى من ان يخفى على احد.
وهذا الارتباط الاسلامي المطلق بعنصر الحق، والتاكيد عليه في مختلف النصوص، يستوجب منا الوقوف على هذا العنصر بالذات ، ومحاولة التعرف على مقتضياته وملامحه في الدين او المذهب الذي يلتزمه كقيمة عليا فيه ، فمثل هذه المحاولة لابد منها في ادراك تلك الصبغة العامة في مختلف حقائق الاسلام وقضاياه.
ومع وضوح معنى كلمة الحق في الاستعمال اللغوي الجاري بين الناس ، الا ان تسلسل الحدث – بشكل متكامل الحلقات – يستوجب منا الرجوع الى ما كتبه اللغويون من معنى هذه الكلمة ، قبل ان ننطلق منه الى استلهام تلك الشؤون والمتطلبات لاحاطتهم – عادة – بموارد استعمال الالفاظ واوجهها.
ومما ذكروه في معنى كلمة الحق : انها ترد بمعنى المطابقة والموافقة ، كمطابقة رجل الباب في حقه لدورانه على الاستقامة – كما يقول الزبيدي في تاج العروس – ثم يضيف ايضا:
( والحق يقال لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة ، ولهذا قيل في الله تعالى : هو الحق ، وللموجود بحسب مقتضى الحكمة ولذلك يقال : فعل الله كله حق ، وللاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه ، نحو اعتقاد زيد في البعث حق ، وللفعل والقول الواقع بحسب ما يجب ، وقدر ما يجب في الوقت الذي يجب نحو فعلك حق ، وقولك حق ) ([29] ).
ومع تحليل بسيط لهذا النص ، نجد ان مفهوم ( الحق ) في الفعل او الاعتقاد او القول يستوجب وجود واقع معلوم وثابت تتجلى به معالم الحكمة ومتطلباتها، لتكون – من ثم – مطابقة فعل الفاعل ، او اعتقاده ، او قوله ، لذلك الواقع واستقامته معه حقاً، والا افتقد هذا المفهوم كل رصيد له في التحقيق.
اذن فوجود ذلك الواقع في نفسه ، و وجود الحكمة التي يركن اليها ، شرطان في تحقق هذا المفهوم نفسه، وهذه القضية – في افاقها العامة – ليست مجالاً لريب احد وعليها جرى الناس في استعمالهم لهذه الكلمة حتى في محاوراتهم العرفية الجارية ، فهم لا يسلَمون بأن قضية من القضايا هي من الحق، إلا حين يكون لها واقع يرتبط به مفهومها، ويستقيم معه دون خلل أو تفاوت.
ومن هنا أصبح هذا الارتباط والاستقامة من المقاييس المثلى في تمحيص الافكار والدعاوي وجوانب السلوك وبيان مافها من قوة أو وهن.
ولكن السؤال المهم هنا هو : الى أي مدى يستطيع الانسان أن يجسد هذا المفهوم في تصوراته وأفعاله؟ وماهو مدى توفيقه في هذا المجال؟..
ومنشأ هذا السؤال هو بروز الفارق الكبير بين جلاء مفهوم كلمة ( الحق ) كفكرة تصورية قد لا يرتاب بها أحد ــ كما قلت ــ وغموضه كرصيد صعب المنال على الانسان في المجال التطبيقي لهذه الكلمة ، وبناء سلوكه واعتقاده عليه بشكل واضح لاغموض فيه ، ولا سيما في الالتزام الديني أو المذهبي.
إذن لابد من الاعتراف بأن ذلك الوضوح الذي لمسناه للحق ــ كمفهوم تصوري في وعي الانسان ــ لا يستتبعه وضوح مماثل في تطبيق هذا المفهوم في مختلف الموارد السلوكية والفكرية ، لأسباب سنتعرف على بعضها ــ ان شاء الله ــ وهو فارق أكبر من أن يخفى على أحد أيضاً .
فما أبعد مابين قناعات الناس وآرائهم ، حتى في المفاهيم العامة والبسيطة التي تعتمدها مجريات حياتهم اليومية !!
وما اكبر تفاوت مابين وجهات أنظارهم حول مايحيط بهم من شؤون ! ، أو حول أصوب السبل لبلوغ النتائج المناسبة في التعامل مع كل منها أو حول طرائق هذا التعامل وما أكثر دعاوى الحق في النظريات والاعمال التي يقوم بها الناس في كل صعيد وهكذا بل وحتى لدى الشخص الواحد ، فما اكثر مايقتنع المرء بفكرة خاصة حول أمر من الامور ويجري معه على اساس من قناعته هذه لفترة من الزمن ثم يبرز له من نقاط الضعف فيها مايجعله يرجح فكرة أخرى قد تكون على النقيض تماماً من فكرته السابقة ، وهو في كلتا الحالتين يرى أنه على حق ، وأنه يتطابق فيما يراه مع واقع الأمر ، وانه يتخذ السبل الصائبة في تعامله معه ، بل وهو في أحيان كثيرة قد ينتهي ــ بعدئذ ــ الى حالة ثالثة يستبين له معها أنه كان على خطأ في الحالتين السابقتين معاً !! هكذا ..
وهذا بالنسبة الى المواقف الجزئية للفرد ، اما الاصول العامة للموقف .. اما المذاهب والاديان منها بالخصوص ، فان التفاوت فيها اجلى ، واثاره اعمق ، كما يبدو مع قليل من التامل .
من أسباب القصور الانساني
اما اسباب هذا الفارق في وضوح الحق بين المفهوم والتطبيق ، فيمكن تلخيصها في نقطتين جامعتين نشير اليها بشكل سريع ..
أولاهما: ان الانسان انما يتعامل مع الامور من خلال فكرته الخاصة حولها، وعلى اساس مما يملكه من القابليات واصول الاختيار، ومما بلغه من خبرة فيها ، ومما تهيأ له من الوسائل التي يستعين بها لتحقيق اغراضه معها.
وجمع هذه الامور هي اقصر من ان ترقى بالانسان الى درجة الاحاطة الكاملة بواقع تلك الامور ، ولا تستطيع ان تسمو به الى استيعاب اطرافه كافة ليتطابق الانسان في تعامله معه.
فحدود هذه الاسس لا تعدو الظواهر البارزة من الاشياء ، وهي – في الوقت نفسه – محكومة لما تمليه عليها زاوية الملاحظة التي ينطلق منها الانسان في ادراكه للموضوع وفهمه لحالاته، وهي – كما نعلم – نقطة ضعف لا يستطيع الانسان تجاوزها الا حيث يستطيع الانطلاق من حدوده الانسانية القاصرة ، وهذا محال .
هذا في حين ان مفهوم الحق يستوجب الاحاطة الكاملة بواقع الامور كما هو وبما له من جذور وعلاقات يعتمدها في وجوده، فبمثل هذا الاستيعاب وحده يمكن تحقيق الموافقة المطلوبة والتطابق الذي يعنيه هذا المفهوم.
الثاني : التداخل الكبير بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية في تكوين فكرة الانسان حول شيء من الاشياء ، او امر من الامور ، وكذلك في تعامله معه.
فكما ان لواقع الشيء دوره في تلك الفكرة ، كذلك للعواطف والامال والرغبات ، وسائر الموجهات النفسية ادوارها التي لايمكن تجاهلها حتى في اوضح القضايا ذات الصبغة العلمية واكثرها موضوعية سواء في تحديد مدى الرؤيه وعمق الادراك ، اما في توجيه طريقة التعامل ، ام غيرها ..
لان هذه الموجهات انما هي من مكونات الشخصية الانسانية ذاتها ، ويستحيل عليها ان تتجرد عنها بحال من الاحوال..
نعم ، ان بامكان الانسان ان يتلافى النتائج السلبية لهذا القصور حين يعي دور كل من هذه الموجهات ومدى آثارها في افكاره، وفي توسعه او تضييق نظرته حول الموضوع ، ومن ثم في بلورة فكرته التي ينتهي اليها معه ، ليضعه – من ثم – في ظلال الموضوع ، يستقيم مع مقتضياته، ضمن حدوده وقابلياته الخاصة . وهذا هو المفترض في الحكيم من الناس ، ذي البصيرة الواعية والتفكير الحر .
الا ان هذا التدخل بين العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية ليس هو من الوضوح - دائما – بدرجة تسعف الانسان في تحديد كل عامل ، او في تعيين دوره او اثاره ليتسنى له – من ثم – اتخاذ اصوب السبل للاستقامة مع الموضوع ، والارتفاع بنفسه الى مستوى الواقع ومقتضياته في بناء الفكر او السلوك .
بل، وكثيرا ما يتخذ هذا التدخل سبلاً هي اخفى من ان يشعر بها المرء فهو لا يعي حدود بعض العوامل ولا آثارها في ملاحظته ولو بنحو الاجمال ، بينما هي تمضي في حكمها ، وفي تاثيرها على الفكر والسلوك معا ، وما اكثر ما يؤمن الانسان بانه يتخذ الموضوعية منهجا له في دراسته لامر من الامور او في فكرته حوله ، ثم يستبين له بعدئذ انه على خطأ في ذلك الايمان ـ وانه يستكين لعوامل هي للذاتية اقرب منها للموضوعية . وهكذا .
وفي هذه الحالة يستحيل على المرء من الناس ان يتلافى نقصه او يوجه موقفه في الاتجاه السليم ، وان امتلك من الحكمة وحيوية التفكير ما ارتفع به الى ضرورة اتباع الحق وتحقيق متطلباته في فكره او سلوكه ، لانه – مع هذا الخفاء في مسارب القصور في وعيه – يعجز عن الارتفاع ، او تجنب سلبيات هذا التدخل واثارها . فهي تفرض احكامها عليه من حيث لا يشعر ومن حيث لا يستطيع تقديرها وتقدير اثارها تقديراً صائبا. فتظل طليقة في ذاته، من حيث يعتقد انه يستطيع الهيمنة عليها ، واخضاعها للواقع ومتطلباته كما يريد.
اذن ، فهاتان النقطتان ( اللتان يستحيل تجرد الانسان عنهما والارتفاع بوعيه عليهما لانهما بعض مكوناته الذاتية ) هما السبب في عجز الانسان عن استيعاب مقتضيات الحق في ادراكه للامور ، وهما كذلك منشأ اختلاف الناس في تصوراتهم ومعتقداتهم وطرق تعاملهم مع الاشياء والاحداث ..
وكذلك فان لهاتين النقطتين اثرهما في تفاوت القيم واختلاف الموازين التي يُقوّم الناس بها مواقفهم في الحياة .. البسيط منها او المعقّد .. قريب المنال منها او بعيده .
فهذا الاختلاف والتفاوت لم ينشأ من جهة غموض في مفهوم الحق لدى العقل . ولابسبب واقع الموضوع الذي يتعامل معه الانسان ، او خفاء مايعنيه التطابق بين الفكرة والموضوع، وانما حصلا بسبب قصور الانسان عن استيعاب شؤون الواقع الملاحظ ، والاحاطة بمستلزماته، او بسبب عدم تمحض الانسان للحق فيه والركون اليه في حكمه عليه ، وعدم بلوغ بذاته الى درجة الارتفاع الى مستوى الاستقامة مع مقتضياته الفكرية او السلوكية.
في عالم المذاهب الاجتماعية العامة
وفي عالم القوانين والانظمة والاديان ..في عالم المذاهب الاجتماعية العامة .. في هذا العالم ، حيث يتطلب قيام المذهب افقاً واسعاً في نظرته للانسان ووجدوده وحياته، وفي علاقاته العامة والخاصة.
وحيث يستوجب كمال المذهب شمولية في التصور، ووحدة متكاملة بين اجزائه، واتساق مبادئه وغاياته في مناهج نحدودة، ودقة في الملاحظة تغور الى اوليات الوجود الانساني ونهاياته..
اقول : في هذا العالم بالذات، تبرز ضرورة التطابق المطلق مع الواقع بشكل اوضح من غيره، كما يبرز قصور الانسان عن استيعاب لمتطلبات هذا التطابق اكثر من غيره ايضا. وفيه تتراءى حتمية الموافقة التامة مع الغايات الاولى للوجود – حيث يعتيه مفهوم الحق في هذا المجال – تتراى في كل بعد من ابعاد المذهب ، وفي كل مورد من موارده ، بادق ما للتطابق والموافقة من معنى ، لان أي انحراف عن ذلك الواقع – وفي أي موقع يتصور – سينعكس – ولا ريب – نتائج سلبية لا محيص عنها ، لا على المذهب وحده، وانما على حياة الانسان حين يلتزمه رصيداً لسلوكه ويمضي وفق تعاليمه، وسيكون ذلك الانحراف نقطة ضعف لافي خصوص الموقع الذي تحقق فيه من المذهب فحسب، وانما في الكيان العام لذلك المذهب كله، ومافيه من حقائق وقضايا يطرحها على الساحة الفكرية او التشريعية .
لان للمذهب – كما قلت – نوعا من الوحدة المتكاملة في الاجزاء والخطوط ، فالسلبيات التي تحصل في بعض المواقع لا تقتصر في اثارها على ذلك الموقع وحده وانما هي تمتد الى الموقع والشؤون الاخرى للمذهب ايضا ، وان كانت تلك السلبيات صغيرة ، ومحدودة التاثير.
ومن ملاحظة هذه الضرورة في عالم المذاهب من خلال النقطتين السابقتين بالخصوص تظهر حاجة المذهب في كل مورد من الموارد التي يطمح فيها الى نيل سمة الحق – بأكمل مالهذه السمة من معنى – الى مصدر سام ، وهو وراء الحدود المعروفة للانسان، بعيد عن التأثير – في علمه وحكمته وارادته بما يتأثر به الانسان من حدود وموجهات تقصر به عن نيل تلك السمة الرفيعة الى مصدر ذي علم مطلق ، وحكمة مطلقة ، وقدرة مطلقة لاتحده الظروف، ولاتحكمها الملابسات، ولا تعجزها تداخلات الوجود والموجودات.
.. الى الله الذي خلق الانسان ، فقدر بحكمته وجوده، وهيأ له من القابليات والطاقات والخصائص ما يمكّنه من القيام بمهمته التي اعده لها في هذه الحياة، لتؤخذ هذه المهمة بعيدا في الواقع الذي يجب ان يتطابق معه المذهب أيضاً لانها بعض من اتجاهات الانسان وتجليات الحكمة الربانية فيه..
فمثل هذا المصدر – وحده – هو القادر على تحقيق ذلك التطابق المطلوب ، والتصادق مع الواقع، كما يقتضيه مفهوم الحق، حيث يقتصر الانسان – كما قلنا – في حدوده المعروفة عن هذا المدى.
ولاتقف حاجة مذهب الحق الى هذا المصدر في حدود الانشاء او التشريع فقط، وانما هي تبقى طبيعية ثابتة فيه، ويجب ان تمضي معه حتى اخر مرحلة من مراحل وجوده ، وفي كل حقيقة من حقائقه وفي كل دور من ادواره في حياة الانسان ، لانها مراحل وحقائق وادوار ذات صبغة حيوية دائمة التطور والتفاعل ، يستحيل فيها بقاء ذلك التطابق دون مدد الهي مستمر ، يكفل استقامته ويمده بالروح والحيوية في كل مرحلة من مراحله.
وهذا يعني ضرورة ان يكون الله سبحانه وهو الضامن لقيام ذلك المذهب مع وجود الانسان في هذه الارض، وهو الراعي لاحكامه، والقيّم على امره مع استمرار الحياة الانسانية فيها ، ويستحيل ان يوكل حجته الى الانسان وحده، دون رعاية خاصة منه فالانسان – كما علمنا – محدود القابليات، عاجز عن الاستقلال بنفسه في الاستقامة المطلقة مع الواقع ، بعيدا عن التأثير بمختلف العوامل الذاتية القاصرة، مما يعني ان قصوره هذا سينعكس على أي شيء يتدخل فيه ، دون ذلك الضمان الالهي ، ودون رعايته الدائمة، وان لم يكن هذا التدخل ضمن مرحلة انشاء المذهب وصياغته الاولى.
اذن فالمصدر الالهي وحده هو الذي يستطيع ان يستكمل جميع الشرائط التي يستلزمها عنصر الحق فيه .. هذه الشرائط التي يقتضيها تحقق مفهوم الحق ذاته، وبني عليها كيانه في الواقع الفعلي للوجود ..
وهكذا يمكننا ان نستلخص مجمل هذا الشرائط في المذهب الحق بما يلي:
1- ان يكون هناك تطابق تام بين المذهب وواقع الوجود الانساني، بما له من علاقات مبدئية مع مختلف ظواهر الوجود ، كما شاءته حكمة الخلق فيه وانشأته عليه يد التدبر الالهي.
2- ان تكون الاستقامة العامة مع مقتضيات ذلك الواقع هي السمة البارزة في كل حقائق المذهب وجزئياته، لتصبح هذه الاستقامة – وبما لها من بعدٍ حدّي دقيق – مقياسا ثابتا له في تمييز الحوادث والمواقف التي يمضي على اساسها في حياة الانسان.
3- ان يكون الوضوح الشامل في الدلائل والبينات هو المنهج البارز له في كل اصل يلتزمه، وفي كل حقيقة يطرحها ، وكل حكم يشرّعه، وكل غاية يسعى بالانسان اليها.
وهي شرائط واضحة ، بملاحظة ما يعنيه المذهب في الحياة، وماله من دور اساس في قيادتها من جهة ، وبملاحظة ما يعنيه مفهوم الحق من مطابقة مع الواقع ومع مقتضات حكمة الله في الخلق من جهة اخرى.
شرائط الحق في الاسلام
وهكذا فحين تعهدت حكمة الله ان توفيّ للانسان حاجته الى مذهب الحق بالاسلام، وان تجعل هذا الدين القويم هو السبيل الذي يفتقر اليه الانسان في استقامته مع مقتضياتها العامة في حياته، فمن الطبيعي حينئذ ان تستوعب في هذا الدين جميع شرائط الحق تلك ، دون ادنى خلل او تفاوت، والا لم ينل تلك الصبغة، وهذا محال.
والايات الكريمة التي سبق ان قرأناها في بداية الفصل ، لتشير بوضوح الى اكتمال هذه الشرائط في دين الله ، وان حكمة الله تعالى قد تعهدت تحققها فيه، كما رسمتها – في الوقت نفسه – حدودا للانسان في كيفية تعامله معه ، ومقاييس لمحاسبة موافقة تجاه كل حكم من احكامه.
فآية ( الجاثية ) – مثلا – قد اشارت الى تلك المطابقة بين الاسلام وواقع التكوين، ومقتضيات حكمة الله فيه اذ قالت (( ثم جعلناك على شريعة من الامر ، فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون)). وفي هذا المضمون ورد العديد من آي القران الكريم وسياقاته منها قوله تعالى :
] ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم، وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد [ ([30] )
] ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى . ان هو إلا وحي يوحى [ ([31] )
اما شرط الاستقامة فقد ذكرته اية ( المؤمنون ) بلفظه الصريح اذ قالت :
] وانك لتدعوهم الى صراط مستقيم
كما نصت عليه آيات كريمة اخرى، اذ قال تعالى:
] فاستمسك بالذي اوحى اليك انك على صراط مستقيم [ ([32] )
] وادع الى ربك انك لعلى هدى مستقيم [ ([33] )
وكذلك الوضوح حيث اشارت اليه آية ( النساء ) ، اذ قال تعالى : [ يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نوراً مبيناً [
وفيه ورد كذلك العديد من الايات المباركة كقوله تعالى :
] قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني .. [ ([34] )
] قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم [ ([35] )
اذن، فكما تعهدت حكمة الله ان يكون الحق هو الاساس في بناء الاسلام وقيام كيانه ككل التزمت كذلك للانسان ان تجعل هذه الشرائط ضمن هذا التعهد استكمالاً لتحقيق ذلك المفهوم فيه، فما لم يتوفر أي من هذه الشرائط في دين الله – كأسمى ما يكون التوفر – لايمكن ان يوجد هذا المفهوم نفسه ، وهذا محال – كما هو معلوم – اذ لا عجز في قدرة الله سبحانه، ولا عبث في حكمته ، ولا قصور في علمه.
شرائط الحق والمنتجبين
وكما يجب ان تكون هذه الشرائط ركائز اساسية في الاسلام ككل، يجب ان تكون كذلك اصولا عامة في كل عقيدة يعتمدها ، وفي كل عقيدة يعتمدها، وفي كل فكرة تصورية يطرحها، وكل منهج سلوكي يشرعه الانسان، وكل حكم يقضي به، وكل منصب يجعله، وكل اصطفاء منه لشخص من الناس يرتضيه وكل غاية يمضي بالانسان اليها.
فبدون ان نستوعب تلك الشرائط او هذه الفروع كافة لا يمكن للاسلام ان يستوفيها في كيانه العام كله، فمعروف انه كيان حيوي السمات، متكامل الابعاد متشابك الروابط والجذور، يستحيل فيه اقتطاع جزء من اجزائه، او انحرافه عن خطه العام ، دون ان تتأثر باقي الاجزاء او الهيكل الكلي العام له.
فمع هذه الحيوية لايمكن تحقيق تطابق الكل مع الواقع لو انحرفت بعض اجزائه عنه . ولاتمضي تلك الاستقامة في خط تلتوي بعض المواقع فيه عن الغاية.
ولا يتجلى الوضوح الشامل في امر لاتستبين بعض الموارد منه امام الوعي. وعلينا ان نتذكر ان خصائص الحق هذه حدّية شاملة لامجال فيها للتنازل ولا للمساومة ليستطيع الغض فيها عن بعض النقائص.
والمنتجبون الذين يصطفيهم رب الاسلام للقيام بمسؤوليات تلك المناصب العليا فيه ويختارهم امثلة شاخصة لحقائقه واحكامه، يجب ان لا يعدوا – بدورهم – هذه الشرائط ، وبادق مالها من معنى، وفي كل افاق شخصياتهم وفي كل عمق من اعماقها وجذورها العقلية والوجدانية والنفسية، - وباختصار – في كل ما يستوجبه هذا الاصطفاء الالهي وما تتطلبه شمولية الحق فيه، واستقامته المطلقة معه ، ووضوح دلائل الهدى منه، اذ يستحيل الاستثناء او الانحراف عن مقتضيات حكمة الله في موقف، وتجاوز امر الله ونهيه في عمل ، حتى في جزئيات القضايا والحالات التي تصدر عن اولئك الصفوة ، بل وحتى في الاصول الاختيارية لتلك القضايا والموافق ، فهي جميعها – بعد تحقق الاصطفاء الالهي – تصبح بعض حقائق الاسلام ، ومظهرا فعليا من مظاهره ، والاختلاف او التفاوت ينعكس – ولاريب – في سلبياته على ذات الاصطفاء ، وان كان ضمن تلك الجزئيات البسيطة ، وهذا محال كما هو واضح.
وهذه ضرورة اخرى في ان يناط اجتباء احد من الناس للقيام بتلك المهمات الكبرى في الاسلام بالله وحده ، فهو العليم بخلجات النفوس ، وخواطر الاوهام ووساوس الصدور.
وهي نتيجة واضحة كل الوضوح ولاسيما بعد الحديث السابق.
فكما علمنا ان الاسلام لا يلزم بغير من يلتزمه هو نفسه من الناس ، لانه شأنه الخاص فكذلك الامر هنا ، فان شرائط الحق تلك لا يمكن ان تتوفر في شخص من الناس ، دون تعهد ربّاني خاص ايضاً.
اذ الاعماق التي اخذت في تلك الشرائط من جهة ، وسعة اطراف الوجود الانساني والتكويني من جهة ثانية ، وقصور الانسان عن ادراك متطلبات الحق من جهة ثالثة، وهوة تاثير الاهواء والمصالح والانحرافات النفسية والاجتماعية على الفرد من جهة رابعة .. كل هذه الامور مما يحيل على الانسان ان يستقيل باستيعاب تلك الشرائط في نفسه هو ، او العلم بمواقعها في اعماق ذاته، وفيما يصدر عنه من سلوك ضمن مسؤليته الشخصية الخاصة ، فيكف يتسنى له أن يستوعبها ضمن مسؤوليات اجتماعية عامة بل ومسؤوليات تكوينية اوسع من حدود الانسان العادي، حيث يعنيه دور الاسلام في هذا الوجود، ليصبح – من ثم – ذلك المثل الشاخص له في عالم الانسان، ويستوفي مهماته المطلوبة منه في الحياة..
وكيف يتسنى له ان يلمس هذا الشرائط في غيره من الناس ليختاره صفوة اسلامية تتجسد بها حقائق الاسلام وشرائطه كافة ، دون تعيين الهي خاص ؟ هذا في حين ان المرء يعلم من نفسه ما لا يعلمه عن غيره، وان كان من اقرب الناس اليه ، كما يملك من زمام نفسه ما لا يملكه من ازمة الاخرين..
اذن فلابد ان يكون ارتضاء وانتجاب مثل هؤلاء الاصفياء صادرا من الله تعالى وحده ، وان يكون هو المتعهد لتحقيق تلك الخصائص فيهم ، وفي كل ما يصدر عنهم ، ما دام أي سلوك منهم ، واي قول هو من متطلبات ذلك الاصطفاء ايضا.
ولابد من ان يستمر ذلك التعهد معهم مادامت مسؤولياتهم هي تجسيد حقائق الاسلام في البشرية ، وقيام حجته الكبرى بين الناس، ليمدهم بمنابع النور ووسائل الهدى بما يكفل تحقيق مهماتهم تلك ، دون قصور او وهن .
وشرائط الحق هذه هي المائز بين صادق الدعاوي بالانتساب الى دين الله عز وجل وكاذبها. فمع ان هذا الانساب مطمح سام تشرئب اليه الاعناق كافة ، وتتطلب اليه النفوس، الا ان هذه الشرائط مما يستحيل تجسيدها – بتلك الصورة الحدّية والشاملة التي ذكرناها – في شخص لم ترد في اصطفائه حجة الهية قاطعة، ولم تتعهده رعاية ربانية مباشرة، تضمن بنفسها تحقيق تلك الدلائل في ذاته، فلا يتخلف عنها في تصور، ولا يتفاوت مع متطلباتها في سلوك، ولا يقتصر عن الوفاء بمهماتها في موقف.
ولاية علي وشرائط الحق
وولاية علي ( عليه السلام ) يجب ان ترد ضمن هذا المسلك الاسلامي العام ايضاً:
فهي بعد ان يتضح التزام الاسلام لها ولوليها العظيم ( عليه السلام ) يجب ان تصبح واحدة من تجليات الحق في دين الله ايضا ، وان تستقيم فيها مستلزماته كافة دون أي تفاوت ..
وكما تضطرد هذه الضرورة في ذات الولاية – كمنصب اسلامي خاص – يجب ان تضطرد ايضا في علي ( عليه السلام) كمصطفى رباني لهذا المنصب ، ومنتجب من الله سبحانه لاشغاله. اذ لابد ان يكون خلوصه لذات الله ، وتجرده للحق منذ اعمق اعماق وجوده الاولى ، واوليات تكوينه الذاتي ، وحتى اخر مظهر لسلوكه واقواله ، ليثبت ان اختياره لهذا المنصب العظيم انما كان من عند الله تعالى وحده ، وانه سبحانه بحكمته وقدرته هو الضامن لاستقامة الحق فيه. اذ يستحيل – حتى على علي ( عليه السلام) نفسه – ان يستقل بهذه الاستقامة دون رعاية ربانيه خاصة.
وليس من الغريب ان نتصور استكمال تلك الشرائط كافة في الولاية الاسلامية ، ولا في شخص علي ( عليه السلام) بعد ان ندرك ثبوت الحجة الالهية القاطعة فيها ، كما لم يكن من الغريب تصورها في أي حقيقة اسلامية اخرى .
فهناك التزام الهي ، وهناك ضمان رباني خاص ، وهناك تعهد حكيم باستقامة الحق في دينه القويم، وهو ضمان وتعهد لابد ان يتحققا، بادق واوفى مالهما من معنى، اذ ليس في قدرة الله تعالى عجز، ولا في حكمته عبث، ولا في علمه قصور ، وتعالى الله عن أي نقص.
وهكذا كان لابد من دراسة هذه الخصائص في ولاية علي ( عليه السلام ) ، بعد ان نقف على بعض ملامحها وحدودها العامة ، على ان نستتبعها – ان شاء الله – بدراسة هذه الخصائص كذلك في شخصية علي ( عليه السلام ) نفسه ، لنستكمل التعرف على هذه الناحية في دين الله من خلالهما، ومورد رعايته له ، وعنايته به مع التزامه اياهما حقائق جلية من حقائق. هذا كله قبل الاشارة الى ما تعنيه هذه الشرائط في مسؤولية المسلم تجاه دين الله تعالى وتجاه ولايته الكبرى وأوليائه ( عليهم السلام ) عامة وتجاه علي ( عليه السلام) وولايته خاصة .
والله تعالى هو الموفق ومنه العون.
( 3)
مشهد الغدير في السنة
تمهيد
لا ستخلاص صورة واضحة المعالم عن مشهد الغدير، وعن الولاية التي اعلنت فيه، لابد من الالتفات اولا الى بعض القضايا المهمة التي يجب ان تؤخذ بالحسبان، لما لها من تاثير فعال في تكامل هذه الصورة واتضاح ملامحها وخطوطها في الفكر .
واهم القضايا:
اولا: مرور هذه الحقب التأريخية المتمادية بين يوم الغدير وهذه العصور الراهنة التي نعيش فيها ، وهي حقب يستوجب مرورها – ولاريب – خفاء الكثير مما سجله التأريخ عنه ، وافتقاد الكثير من الجزيئات المهمة التي جرت فيه ، وطبيعي ان للكثير من تلك الجزئيات اثره في بلورة الملامح المطلوبة منه ، ووضوح أبعاد الصورة الحقيقية له في بصيرة الانسان المتتبع.
ثانيا : افتقاد ذلك العصر الذي وقع فيه مشهد الغدير لما يعرف اليوم بالوثائق التسجيلية التي يمكنها ان تخلّد الوقائع والاحداث والكلمات التي يراد تخليدها كما هي وكما يراد لها ان تخلده ولهذا فقد اسند نقل المشهد وتخليده الى ذاكرة الامة المسلمة ورواة احاديث السنة فيها ، اذ لايمكن تحصيل ماهو اكثر دقة ، واتم كفاءة من هذه الطريقة ، لعامل الزمن ، والمستوى الحضاري المعروف.
ثالثاً: مجانية معظم تلك الحقب التأريخية لموقف الغدير ، وللولاية التي اعلنت فيه ، وتنكبها عن طريقها ، بل واتخاذها لعامل الصراع والسلبية سمة اساسية في علقتها معهما، ومع كل ما يمت اليهما بصلة ، ولم تخف محاولاتها المستميتة لطمس معالم الحجة الالهية فيهما، ونقض دورهما في دين الله ، واستئصال اثارهما في حياة الامة المسلمة.
وهي امور معلومة الوقائع ، يراها كل احد من المسلمين في حياته الجارية على امتداد التأريخ وسيأتي – ان شاء الله – بعض شواهدها التي ذَكَرتها مصادر التأريخ، في عصور كان لها دورها المؤثر في بناء الاتجاهات الفكرية والعقائدية للأمة المسلمة.
رابعاً: اننا في محاولتنا لاستشفاف الصور التي نريدها حول الغدير ، انما نتعمد على ذكره شهداء الغدير من الرواة، وحكايتهم لما رأوه فيه، وحينئذ.. فيجدر بنا ان لا نغفل ما هو المعروف في مثل هذه الحالات من المشهد، دون العادة – انما يركز انتباهه على نقاط معينة تستلفت نظره مما يراه من المشهد، دون استيعاب لما يراه فيه من القضايا، بل ولما يراه من الحوادث والمجريات التي لا تثير اهتمامه.
وواضح ان هذه الحوادث قد تكون ذات اهمية كبرى في ذلك المشهد، وفي الغايات الاساسية للقائمين به ..
كما ان الراوي نفسه – وهو يتحدث عنه – انما يذكر في حديثه خصوص ما يتطلبه الموقف الذي دعاه للحديث دون غيره من النواحي ، وان كان قد استوعب في ذاكرته ما هو اوسع من موضوع الحديث.
ولهذا فان استخلاص صورة واضحة عن هذا المشهد او ذلك ، تستدعي استعراض العديد من الروايات الحاكية عنه، حيث يمكن ان تتكامل ملامح هذه الصورة من الجميع لامن بعضها خاصة.
اذن فلابد لنا هنا من تقديم العديد من الروايات التي وردت في استعراض مشهد الغدير ، والاحداث التي واكبته ، ومن مختلف المصادر ومختلف الرواة لا ستلهام ملامح الصورة التي نطمح اليها فيه ، قبل ان نستطيع دراسة ما يعنيه التزام الالهي له ، ولما يرتبط به من امور.
من احاديث الغدير
ونحن نذكر هنا عشرة من الاحاديث التي عرضت لموقف الغدير نقدمها – اولا - دون تعليق، ونكتفي بقراءة متانية متأملة لها . ثم نستذكر فيما بعد – ان شاء الله – بعض ما يمكن استلهامه منها، حول هذا الموقف الخالد ، وما يبرز له من ملامح وابعاد ونتائج.
1- ما رواه ابو الطفيل عن حذيفة بن أسيد قال:
لما قفل رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلّم ) من حجة الوداع ، نهى عن شجرات بالبطحاء متقاربات ان ينزلوا حولهن ، ثم بعث اليهن فصلى تحتهن، ثم قام فقال :
ايها الناس ، قد نبأني اللطيف الخبير : انه لم يعمر نبي الا مثل نصف عمر الذي قبله، واني لاظن ان يوشك ان ادعى فأجيب. واني مسؤول، وانتم مسؤولون فماذا انتم قائلون ؟..
قالوا: نشهد انك قد بلّغت ونصحت وجهدت ،فجزاك الله خيرا.
قال: ألستم تشهدون ان لا اله الا الله ، وان محمد عبده ورسوله، وان جنته حق ، وان ناره حق، وان الموت حق ، وان الساعة اتية لا ريب فيها ، وان الله يبعث من في القبور ؟..
قالوا: بلى ، نشهد بذلك.
قال: اللهم اشهد ، ثم قال: يا ايها الناس، ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين، وانا اولى بهم من انفسهم، من كنت مولاه فهذا – يعني علياً – مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
ثم قال: ايها الناس اني فرطكم ، وانكم واردون علي الحوض، حوض اعرض مما بين بصري وصنعاء فيه آنية عدد النجوم ، قدحان من فضة، وأني سائلكم – حين تردون علي – عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيها : الثقل الاكبر: كتاب الله ، سبب طرفه بيد الله وطرف بايديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا .. عترتي اهل بيتي فانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.([36] )
2 – ما رواه زيد بن ارقم قال:
اقبل النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) في حجة الوداع ، حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة ، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهن من شوك ، ثم نادى الصلاة جامعة، فخرجنا الى رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) في يوم شديد الحر ، وان منا من يضع رداءه على راسه وبعضه على قدميه من شدة الرمضاء ، حتى اتينا الى رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) فصلى بنا الظهر ، ثم انصرف الينا فقال :
الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونؤمن به، ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا ، الذي لاهادي لمن ضل ( كذا في النسخ والصحيح اضل ) ، ولا مضل لمن هدى ، واشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله.
اما بعد ، ايها الناس، فانه لم يكن لنبي من العمر الا النصف من عمر الذي قبله، وان عيسى بن مريم لبث في قومه اربعين سنة واني شرعت في العشرين ، الا واني يوشك ان افارقكم ، الا واني مسؤول وانتم مسؤولون، فهل بلغتكم ؟ فماذا انتم قائلون ؟
فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقول : نشهد انك عبد الله ورسوله ، قد بلّغت رسالته ،وجاهدت في سبيله، وصدعت بأمره ، وعبدته حتى اتاك اليقين ، جزاك الله خير ما جزى نبياً عن امته.
فقال : الستم تشهدون ان لا اله الا الله ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان الجنة حق ، وان النار حق ، وتؤمنون بالكتاب كله ؟ قالوا : بلى
قال: فاني اشهد ان قد صدقتم وصدقتموني . الا واني فرطكم ، وانتم تبعي توشكون ان تردوا علي الحوض، فأسالكم حين تلقوني عن الثقلين، كيف خلفتموني فيهما.
قال: فاعتل علينا ما ندري ما الثقلان ، حتى قام رجل من المهاجرين ، فقال بابي انت وامي يا رسول الله ، متا الثقلان ؟.
قال : الاكبر منهما : كتاب الله ، سبب طرف بيد الله وطرف بايديكم ، تمسّكوا به ولا تولوا ولا تضلوا والاصغر منهما عترتي ، من استقبل قبلتي واجاب دعوتي ، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم، ولا تقصّروا عنهم ، فاني قد سألت لهم اللطيف الخبير فاعطاني ، وناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، وولّيهما لي ولي ، وعدوهما لي عدو. الا فانهما لم تهلك امة قبلكم حتى تدين باهوائها وتظاهر على نبوتها وتقتل من قام بالقسط .. ثم اخذ ( صلى الله عليه واله وسلم ) بيد علي بن ابي طالب ورفعها فقال:
من كنت وليه فهذا وليه . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .. قالها ثلاثا ً.([37] )
3- ما رواه ابن عباس قال :
لما امر النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) ان يقوم بعلي بن ابي طالب المقام الذي قام به ، فانطلق النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) الى مكة فقال :
رأيت الناس حديثي عهد بكفر الجاهلية، ومتى افعل هذا، يقولون صنع هذا بان عمه:
ثم مضى حتى قضى حجة الوداع ثم رجع حتى اذا كان بغدير خم انزل الله ( عز وجل ) :
] يا ايها الرسول بلّغ ما انزل اليك من ربك .. [ ([38] ) ، فقام مناد فنادى الصلاة جامعة ، ثم قال واخذ بيد علي فقال:
(( من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ))([39] ).
4-ما رواه ابن عباس ايضا ، قال :
لما خرج النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) الى حجة الوداع نزل بالجحفة ، فاتاه جبرائيل ( عليه السلام ) فامره ان يقوم بعلي فقال ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ايها الناس ، الستم تزعمون اني اولى بالمؤمنين من انفسهم ؟.
قالوا : بلى يا رسول الله.
قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، واحب من احبه ، وابغض من ابغضه، وانصر من نصره واعز من اعزه ، واعن من اعانه .
قال ابن عباس : وجبت – والله – في اعناق القوم ([40] ).
5- ما رواه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قال:
نصب رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) علياً علماً فقال :
من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره اللهم انت شهيد عليم .
قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح قال لي : يا عمر لقد عقد رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) عقدا لا يحله الا منافق.
فاخذ رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) بيدي فقال : يا عمر ، انه ليس من ولد ادم لكنه جبرئيل اراد ان يؤكد عليكم ما قلته في علي ([41] ).
6-ما رواه زيد بن ارقم قال :
لما نزل النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع، وكان في وقت الضحى وحر شديد ، امر بالدوحات فقمّت ، ونادى الصلاة جامعة ، فاجتمعنا ، فخطب خطبة بالغة ثم قال:
ان الله تعالى انزل الي:(( ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)) وقد امرني جبرئيل عن ربي ان اقوم في هذا المشهد ، واعلم كل اسود وابيض ان علي بن ابي طالب اخي ووصيي وخليفتي والامام بعدي ، فسألت جبرئيل ان يستعفي لي ربي ، لعلي بقلة المتقين، وكثرة المؤذين لي ، واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي ، وشدة اقبالي عليه حتى سموني اذنا فقال تعالى: ] ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن . قل اذن خير لكم .. [([42] ) لو شئت ان اسميهم وادل عليهم لفعلت ، ولكني بسترهم تكرّمت ، فلم يرض الله الا بتبليغي فيه.
فاعلموا – معاشر الناس – ذلك ، فان الله قد نصبه لكم وليا واماما ، وفرض طاعته على كل احد ، ماضٍ حكمه ، جائز قوله ، ملعُون من خالفه مرحوم من صدّقه ، اسمعوا واطيعوا ، فان الله مولاكم وعلي إمامكم ، ثم الامامة في ولدي من صلبه الى القيامة ، لا حلال الا ما احله الله ورسوله ، ولا حرام الا ما حرّمه الله ورسوله وهم . فما من علم الا وقد احصاه الله فيّ ونقلته اليه ، فلا تضلوا عنه ، ولا تستنكفوا منه ، فهو الذي يهدي الى الحق ويعمل به ، لن يتوب الله على احد نكره ولن يغفر له، حتما على الله ان يفعل ذلك ، وان يعذّّبه عذابا نكرا ابد الابدين .
فهو افضل الناس بعدي ما نزل الرزق ،وبقي الخلق ، ملعون من خالفه، قولي عن جبرئيل عن الله ] ولتنظر نفس ما قدمت لغد [ ([43] ).
افهموا محكم القرآن ولا تتبعوا متشابهه، ولن يفسّر ذلك لكم الا من انا آخذ بيده ، وشائل بعضده ، ومعلمكم : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، وموالاته من الله عز وجل انزلها عليّ ، الا وقد اديت الا وقد بلّقت ، الا وقد اسمعت ، الا وقد اوضحت، لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لاحد غيره.
ثم رفعه الى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) وقال :
معاشر الناس ، هذا اخي ، ووصيي وواعي علمي وخليفتي على من سسآمن بي وعلى تفسير كتاب ربّي . ( وفي رواية ) اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من انكره ، واغضب على من جحد حقه. اللهم انك انزلت عنه تبيين ذلك في علي : ] اليوم اكملت لكم دينكم[ ([44] ) بامامته . فمن لم يأتم به ، وبمن كان من ولدي في صلبه الى القيامة فـ ]اولئك حبطت اعمالهم وفي النار هم خالدون[ ([45] ) ..
ان ابليس اخرج ادم ( عليه السلام ) من الجنة مع كونه صفوة الله بالحسد ، فلا تحسدوا فتحبط اعمالكم ، وتزل اقدامكم في علي نزلت سورة ( والعصر ان الانسان لفي خسر )
معاشر الناس ] فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا [ ([46] ) ] من قبل ان نطمس وجوها فنردها على ادبارها او نلعنهم كما لعنّا اصحاب السبت [ ([47] ) النور من الله في ّ ، ثم في علي ، ثم في النسل منه الى القائم المهدي .
معاشر الناس : سيكون من بعدي ] أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون [ ([48] ) . وان الله وانا بريئان منهم ، انهم وانصارهم في الدرك الاسفل من النار ، وسيجعلونها ملكا اغتصابا فعندها يفرغ لكم ايها الثقلان ويرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران .. الحديث ( ضياء العالمين ) ([49] ).
7- ما رواه زيد بن ارقم كذلك في تتمة الحديث السابق اذ قال:
قال الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ): معاشر الناس : قولوا : اعطيناك على ذلك عهدا عن انفسنا وميثاقا بالسنتنا ، وصفقه بايدينا نؤديه الى اولادنا واهلينا ، لا نبغي بذلك بدلاً ، وانت شهيد علينا، وكفى بالله شهيدا .
قولوا، ما قلت لكم ، وسلموا على علي بإمرة المؤمنين ، وقولوا ] الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله[ ([50] ) فان الله يعلم كل صوت وخائنة كل نفس ، { فمن نكث فانما ينكث فانما على نفسه، ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسؤتيه اجرا عظيما..}([51] ) قولو ما يرضي الله ] ان تكفروا فان الله غني عنكم [ ([52] ).
قال زيد بن ارقم : فعند ذلك بادر الناس بقولهم : نعم سمعنا واطعنا على امر الله ورسوله بقلوبنا ، وكان اول من صافق النبي ( صلى الله عليه واله وسلم )وعليا ابو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ، وباقي المهاجرين والانصار ، وباقي الناس الى ان صلى الظهرين في وقت واحد ، وامتد ذلك الى ان صلى العشاءين في وقت واحد.وواصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا.([53] )
8- ما رواه ابو سعيد الخدري قال :
ان رسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) دعا الناس الى علي في غدير خم ، وامر بما تحت الشجرة من الشوك نقمّ ، وذلك يوم الخميس ، فدعا عليا ، فاخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الى بياض ابطي رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ). ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الاية : (( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ... الاية )) .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ): الله اكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضا الرب برسالتي ، وبالولاية لعلي من بعدي ، ثم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.
فقال حسان : ائذن لي يا رسول الله ان اقول في علي ابياتا تسمعهن :
فقال ( صلى الله عليه واله وسلم ) : قل ( على بركة الله ).
فقام حسان فقال : يا معشر مشيخة قريش، اتبعها قولي بشهادة من رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) في الولاية ماضية ، ثم قال :
بخم واسمع بالنبي مناديا
فقالوا ولم هناك التعاميا
ولم تر منا في الولاية عاصيا
رضيتك من بعدي اماما وهاديا
فكونوا له انصار صدق مواليا
وكن للذي عادى عليا معاديا(1)
يناديهم يوم الغدير نبيهم
يقول : فمن مولاكم ووليكم
الهك مولانا وانت ولينا
فقال له: قم يا علي فانني
فمن كنت مولاه فهذا وليه
هناك دعا اللهم وال وليه
9- ما اخرجه الحافظ أبو عبيد الهراتي :
لما بلّغ رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم )بغدير خم ما بلّغ وشاع ذلك في البلاد أتى جابر بن النضر بن كلدة العبدري فقال :
يا محمد، أمرتنا من الله ان نشهد أن لا اله الا الله وانك رسول الله ، وبالصلاة والصوم والحج والزكاة ، فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضع ابن عمك ففضلته علينا ، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك ام من الله ؟.
فقال رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ): والذي لا اله الا هو ان هذا من الله.
فولى جابر يريد راحلته وهو يقول : الهم ان كان ما يقول محمد حقاً فامطر علينا حجاره من السماء او ائتنا بعذاب اليم.
فما وصل اليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره، وانزل الله تعالى: ] سأل سائل بعذاب واقع [ الايات
10- ما رواه التابعي الجليل سُلَيْم بن قيس الهلالي
في كتاب المعروف باسمه ، في احتجاج عبد الله بن جعفر على معاوية بعد شهادة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) حيث قال عبد الله – ضمن حديث طويل .
يا معاوية اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) يقول على المنبر وأنا بين يديه وعمر بن ابي سلمة، واسامة بن زيد وسعد بن ابي وقاص وسلمان الفارسي وابو ذر والمقداد والزبير بن العوام وهو يقول : الست اولى بالمؤمنين من انفسهم ؟، فقلنا: بلى يا رسول الله ، فقال : اليس أزواجي امهاتكم ؟ ، فقلنا : بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه .. اولى به من نفسه – وضرب بيده – على منكب علي ( عليه السلام ) – اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .. ايها الناس انا اولى بالمؤمنين من انفسهم ، ليس لهم معي امر ، وعلي من بعدي اولى بالمؤمنين من انفسهم ليس لهم معه امر ، ثم إبني الحسن اولى بالمؤمنين على انفسهم ليس لهم معه امر .
ثم عاد فقال : ايها الناس ، اذا أنا استشهدت فعلي اولى بكم من انفسكم ، فإذا استشهد علي فابني الحسن اولى بالمؤمنين منهم بانفسهم ، واذا استشهد الحسن فابني الحسين اولى بالمؤمنين منهم بانفسهم..
الى ان قال: فقال معاوية: يا ابن جعفر لقد تكلمت بعظيم ، ولئن كان ما تقول حقا لقد هلكت امة محمد من المهاجرين والانصار غيركم – اهل البيت – واولياءكم وانصاركم.
فقال : والله ان الذي قلت حق ، سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ).
فقال معاوية : ياحسن ويا حسين ويا ابن عباس ما يقول ابن جعفر ؟
فقال ابن عباس : ان كنت لا تؤمن بالذي قال ، فارسل الى الذين سماّهم فاسألهم عن ذلك.
فارسل معاوية الى عمر بن ابي سلمة والى اسامة بن زيد فسالهما ، فشهدا ان الذي قال ابن جعفر حق ، قد سمعناه من رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) كما سمعه ([54] ).
الولاية محور الغدير
هذه عشرة من الاحاديث التي وردت في الغدير ، وحكت عما جرى فيه من مشاهد، و – كما قلت- فاننا نلاحظ ان كلا منها قد ركز على بعض جوانب الموقف وما أكتنفه من ملابسات ، أو ما أستتبعه من حوادث ارتبطت به .
ونحن الآن – وبعد قراءتنا لهذه الأحاديث – أكثر قدرة على تمييز الحدود التفصيلية التي تعنينا من هذا المشهد ، وأوضح رؤية لخطوط الصورة التي نطمح إلى أستكمال ملامحها ، تمهيدا للدخول في موضوع البحث .
والذي بلغت النظر في مشهد الغدير : أن محور الأحداث التي جرت فيه والقضايا التي واكبته إنما هو إعلان الولاية الإلهية لعلي ابن أبي طالب ( عليه السلام) بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأخذ البيعة بها له من المسلمين كافة ... بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والذي أجمعت عليه الأحاديث الواردة في هذا المشهد ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) فهذه الولاية الكبرى هي غاية الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من هذا المشهد ، وبها ورد الأمر الرباني ..أما الأمور الأخرى التي جرت فيه ، فهي أقرب لأن تكون إطارا تتحفظ به الحجة الإلهية المقامة في هذه الولاية على حدودها ، وقرائن لازمة في تعيين مدلولها الاسلامي المطلوب ، وتحديد موقعها الخاص في كيان الاسلام ، ودورها الكبير في وجوده وبقائه ، وامتداد رسالته العظمى في البشرية .
وهذه النقطة بدورها تتطلب – بالمقابل – أن يكون أي جهد يبذله أحد من الناس – في فهم موقف الغدير ككل أو فهم بعض شؤونه وحقائقه – قائما على هذا الاساس نفسه أيضا وجاريا ضمن مصبه الخاص ، حين يريد المرء لجهد هذا أن يستقيم مع دين الله ، وأن يركن إلى حجته البالغة ، ليكسب الثمار الطيبة التي تغنيه في وفائه بمسؤليته تجاه نفسه وتجاه بارئه العظيم (تعالى شأنه ).
فمن الواضح أن هذا المعنى الأسلامي للولايه إنما تستلهم حدوده من تلك القرائن والمعطيات التي تحفظت عليها الحجة الإلهية في موقف الغدير وفيما أكتنفه من شؤون واستبعاد الذاتيات التي تبعد البصيرة عن مستلزمات الحق ، ونبذ الافتراضات التي أملتها الإحن والأهواء في بيان معاني هذه الكلمة، والاخلاص لله وحده ولدينه القويم في كل خطوة يمضي بها الانسان في هذا السبيل ، مما يعني ضرورة الوقوف على خصوص دلالته مشهد الغدير ذاته ، وما احتواه من قرائن استوعبها في مقدماته ومجرياته وخلفياته، دون ادنى تكلف او تمحّل ، فتل القرائن – والحق يقال – كافية في تعيين ما اراده الله تعالى والرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) بهذه الولاية ، دون ريب وايضاح حجة الله فيها دون غموض، رغم كل ما سجله التأرخ من صوارف وعقبات حاولت حرف تلك الكلمات عن مواضعها، وإبعاد البصائر عن معناها الرباني المطلوب..
والله تعالى – قبل هذا وبعده – هو الكفيل بتسديد الخطى نحو الصواب والمتعهد ببلوغ الغاية في سبيله.
] والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم [([55])
] ويثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة [([56] )
(4)
ملامح عامة لمشهد الغدير
] يأيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس[[57] هذه هي بداية المشاهد في موقف الغدير، فمن هذه الاية المباركة تنطلق جميع مشاهد الاخرى ومنها تنبثق مجرياته وخلفياته كافة.
وهي بداية لا يرتاب فيها منصف ، فهذا هو ما تضافرت عليه النصوص الواردة في مختلف مصادر السنة النبوية الشريفة.
فبالاضافة الى الحديث السادس – مما سبق من الاحاديث – الوارد عن زيد بن ارقم ، هناك عدد اخر من الروايات يؤكد نزول هذه الاية في الغدير ، وفي الأمر باعلان الولاية الكبرى لعلي ( عليه السلام) فيه .
وحتى مع استبعاد ما تواتر في مصادر مذهب اهل البيت ( عليهم السلام ) من هذه الروايات فان ما نقله ثقاة المذاهب الاخرى كافٍ في اثبات التواتر لهذا النزول في هذه المناسبة ايضا.
وقد احصى الشيخ غبد الحسين الاميني في كتابه القيم المعروف ( الغدير في الكتاب والسنة والادب ) ثلاثين مصدرا منها مما هو معتمد لدى تلك المذاهب في نقل نصوص السنة النبوية الشريفة[58].
كما ان سياق الاية الكريمة ذاته يعين هذه البداية ايضا من بين الاحتمالات الاخرى ، التي يذكرها البعض لنزولها ، لما في صيغتها البيانية الخاصة من اهتمام في صراحة إصدار الأمر الالهي إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهذا الأمر ، ومثل هذا الاهتمام لا يتناسب إلا مع أهمية الغدير وولاية علي ( عليه السلام ) وموقعها في كيان الاسلام ، وقيام صرحه ، بينما أي من الاحتمالاتالأخرى – التي ذكرت في سبب نزول هذه الاية – لا ترقى ولو الى بعض هذه الاهمية التي توليها الاية الكريمة.
(( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا))
وهذه هي النهاية التي يختتم بها الغدير مشاهده في يومه الخالد.
وهي نهاية لا يرتاب فيها منصف ايضا، ومن اقرب شواهدها : مضمون الاية نفسه ، وبيانه لاهمية ما يعرضه من حقائق كبرى، وما لهذه الحقائق من نتائج في صرح الاسلام ، ودورٍ في الوجود الانساني كله .. فهي لاتستقيم – بحال من الاحوال – مع غير الغدير ، وغير ولايته العظمى ، مما احتمله البعض مورداً لنزول الاية الشريفة ايضاً.
هذا في حين ان الروايات التي اوردها ائمة الحديث في نزول الاية في هذا المشهد كذلك ،- ومن غير رجال الشيعة ايضا – اكثر من ان تدع مجالا لريب مرتاب ، وقد أحصى صاحب كتاب ( الغدير ) منها اكثر من خمسة عشر مصدرا اضافة الى الرواية السابقة عن زيد بن ارقم ([59]).
ولصاحبي كتاب ( الميزان في تفسير القران ) وكتاب ( الغدير في القران والسنة والادب ) بحوث جيدة مفيدة في هذا الموضوع ، ينبغي الاطلاع عليها لن يرغب الوقوف على بعض التفاصيل ([60])
] يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك [([61])
انه الامر الصريح والمباشر يصدر من الله القوي العزيز الى رسوله الكريم الذي لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى.
الامر الصريح من الله تعالى يصدر الى رسوله ( صلى الله عليه واله وسلم) في قرانه العظيم ، المعجزة الابدية الخالدة للرسالة الابدية الخالدة..
وما كان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم) – وهو الذي وهب ذاته وحياته وكل ما آتاه الله تعالى من نعم ، لله وحده ولتبليغ رسالته ، والوفاء بمسؤوليتها الكبرى في البشرية – ليحتاج الى مثل هذه الصراحة في الامر ، لو لم يكن الشان بتلك العظمة التي تستدعي لفتة خاصة ، تثبت للبصائر موقعه المهم في دين الله ، ودوره الاساس في قيام صرحه، كما تثبت لها الرعاية الربانية المباشرة له ، والتعهد الالهي في استكمال امره ولتزيل – في الوقت نفسه – أي احتمال قد تمليه الاحن وامراض القلوب بأن الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم) كان له نوع من التفرد في ابلاغه دون امر من الله تعالى او حتى احتمال انه ( صلى الله عليه واله وسلم) قد سبق هذا الامر في اعلانه ، او في اخذ العهدية على الناس ، او في درجه ضمن حقائق الاسلام ، او في بيان اهميته الكبرى بين تلك الحقائق.
ومع ان من المعروف بان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) لم يكن ليتوانى عن تبيلغ امر الله لحظة ، ولم يكن ليزيغ عما اوحاه اليه بكلمة ، ولم يكن لينفرد باعلان شيء عنه دون امره ، او يستقل عن ارادته بعمل ، لان الايمان بكل هذا هو من اصول الاسلام الاولى التي يجب ان يعتقد بها كل مسلم، ولكن يجب ان يكون لكلمة الله علوها ، لحجته بلوغها مع أي حال تكون عليه البشرية وفي أي عصر من عصورها ، وعلى أي مستوى تصبح عليه، ورعاية الله سبحانه هي الضمان لذلك العلو والبلوغ .
وورود الامر في هذه الاية المباركة بهذا الاهتمام ، وهذه الصراحة ، وجمعها لتلك الحقائق المذكورة فيها ، انما يرد ضمن هذه الضرورات ، وتجسيدها لذلك الضمان المطلوب.
فبهذه الاية الكريمة تتجلى اول مظاهر الرعاية الربانية لولاية علي ( عليه السلام ) لتجعلها ضمن افاق القران العليا ، وخصائصه الثابتة ، وتحدياته الاعجازية الخالدة، ولتضفي على الولاية مميزات وخصائصه كافة ، ولتستجمع فيها كل السمات التي تمتاز بها شؤونه التي اشارت اليها نصوص الاسلام ، وبحثها باحثوه.
... تتجلى بها رعاية الله لهذه الولاية ، سواء في ادلة ثبوتها ، لتزيل عنها كل شبهه ام في وضوح مفهومها، لتجرده من كل ريبة، ام في موقعها من صرح الاسلام لتجعلها حيث ارادها الله فيه ركناً اساساً من اركانه ام في دورها في حياة الانسان محورا لهداه، ام في نتائجها وانعكاساتها على مسؤولية الانسان تجاه ذاته وهو يريد الخير لها، ويهدف الى الاستقامة في حياته مع مقتضيات حكمة الله في وجوده..
كما تتجسد بهذه الأيه الكريمة رعايه الله للولايه في جعلها فيضا من الربوبية العامة لهذا الملكوت ، (( من ربك )) لتكون – بدورها – مجلى لهذه الربوبية في عالم الانسان، بما يعنيه مفهوم الربوبية له من لطف عام ورحمة وتدبير لامره ، ولم يمنع سياق الاية المباركة الجازم ، ولا صراحة الامر فيها ، وما استتبعه من تحذير من ان تلمح الى هذا الربط ، لتستكمل فيه دلالاتها المعجزة تلك.
] وان لم تفعل فما بلغت رسالته [([62])
وهذه هي اولى ثمرات الخطوة القرآنية السابقة.
فبعد ان جعلت الاية الكريمة – في امرها الصريح المتقدم – الولاية ضمن الحقائق القرانية ، واعتبرتها واحدة من فيوض الربوبية العامة ، ولطفها الشامل بالانسان، امكنها حينئذ ان تعلن موقع هذه الولاية في صريح الاسلام ذاته ، وقيام كيانه في الحياة، وان تشير الى ما للولاية من موقع خاص بين اسس ذلك الصرح ودعائم وجوده.
] وان لم تفعل فما بلغت رسالته [([63])
انه بيان لنتيجة فعلية ، لشرط واقعي من شرائط الرسالة ووجودها ، جاء بلسان التحذير للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من التلكؤ في اعلان ما أمره الله به ، أو التواني بتبليغه إلى الناس .
ومحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )– سيد انبياء الله ورسله – اعظم من ان يتلكأ في امر الله تعالى لحظة ، واسمى من ان يتوانى في تبليغ رسالته طرفة عين، وما كان هذا ليتصور في حقه أبداً، وهو الذي بلغ الغاية في الاستجابة لربه حتى انزل عليه قوله ( تعالى ): ] طه. ما انزلنا عليك القرآن لتشقى [([64]) ..
الا ان عظمة الامر المنزل ، وما سيترتب عليه من مسؤولية كبرى في اعناق البشرية ، والامة المسلمة منها بالخصوص – تستدعي مثل هذا التحذير ، ولا للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نفسه ، وانما للامة من خلاله ليكون ابلغ في الوصول الى الغاية ، ولكي تدرك العقول شيئا من تلك العظمة ، ولتشعر بما تستوجبه عليها من مسؤولية.
والمعنى القريب لهذا التحذير هو : ان قيام رسالة الله تعالى نفسها ، وتحقق وجدودها في هذه الارض – وكما شاءته حكمة التشريع لها – ما كان ليتم بدون هذا الامر المنزل من الله سبحانه ، ولولاه لم تكن لتلك الجهود المضنية التي قام، بها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مراحل حياته كافة ، ولم يكن للتضحيات التي قدمها في تبليغ الرسالة ، ولا للعناء الذي بذله في سبيلها أي معنى .. بل ، ولم يكن هناك داع لتلك الرعايات الالهية التي واكبت كلاً من الرسالة والرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منذ ان القيت اليه مهمتها ، ومضت معها خطوة خطوة ، حتى ذلك اليوم الخالد الذي نزلت فيه هذه الاية الكريمة..
( فالكلام موضوع في صورة التهديد، وحقيقه بيان اهمية الحكم ، وانه بحيث لو لم يصل الى الناس كان كأن لم يراع حق شيء من اجزاء الدين فقوله : (( وان لم تفعل فما بلغت )) جملة شرطية سبقت لبيان اهمية الشرط وجوداً وعدماً ) ([65]).
اما لو لاحظنا المسألة من زاوية اخرى ..
اما لو لاحظناها من خلال ما سبقت الاشارة اليه ، من ان للاسلام كيانه الحيوي المتكامل ، الذي يستحيل فيه تحقق الغاية الربانية من الهدى ، وقيام الحجة الكبرى على الانسان دون ان تتكامل جميع مظاهره وحقائقه، فان اهمية الامر المنزل تتسع حينئذ لتشمل جميع رسالات الله تعالى في هذه الارض ، منذ الرسول الاول ( عليه السلام ) ، وحتى الرسول الخاتم ( صلى الله عليه وآله وسلم )، وما كانت لتتم هذه السلسلة المباركة باجمعها بدونه، وما كان لرعايات الله سبحانه والطافه بجميع الرسل والانبياء معنى لولاه، وما كانت لتضحيات هؤلاء المصطفين واتباعهم أي ثمرة بغير تبليغه واقامة الحجة به على الناس.
فكما ان الحيوية والتكامل من سمات رسالة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في نفسها، هما كذلك سمة في كل رسالة اخرى سبقتها في النزول، وهما كذلك سمة لسلسلة الرسالات الالهية في حلقاتها المتواترة مع حاجة البشرية في نمو وعيها المتصاعد، فهي جميعها تشكل وحدة متكاملة، ذات طبيعة حيوية بمجموعها.
فلكل رسالة من تلك الرسالات دورها المعين وموقعها الخاص في تلك السلسلة حيث تفي بحاجة الناس من الهدى والنور الرباني في مرحلتهم الحضارية التي يعيشون فيها .
بمعنى ان لكل رسالة انما هي استكمال لدور الرسالة السابقة في حين انها تمهيد للرسالة اللاحقة ، حيث تتطور المعرفة وتتقدم الخبرة والنضج الفكري بالانسان.
ومن هنا امكن اعتبار جميع الرسالات السابقة ممهدات لرسالة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) خاتم الانبياء ، وهذه الرسالة هي القمة لها جميعا ، واكمالا لدورها في البشرية، اذن فاي شرط لتبليغ هذه الرسالة ، وكمالها ، وتمام امرها ، انما هو شرط لتحقق الغاية من تلك السلسلة باجمعها ، دون استثناء كما ان أي خلل يرد على هذه الرسالة يرد على هذه السلسلة كلها كذلك ..
] والله يعصمك من الناس [ ([66])
وهذا هو الضمان الالهي الصريح للرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) في قيامه بهذه المهمة الكبرى.
ولم يكن ( صلى اله عليه واله وسلم ) ليحتاج الى التصريح بهذا الضمان ، كما لم يكن محتاجا الى تلك الصراحة في الامر بالتبليغ او التحذير اللذين سبقا هذا الضمان في هذه الاية المباركة ، لولا عظمة هذا الامر المنزل.
فهو نفسه الذي يلمس من مظاهر رعاية الله له، وعنايته به مالم يلمسه احد من الناس، وهو الذي يعلم من الدلائل الالهية لتصديقه، ومن شواهد الاثبات لكل كلمة يقولها، وكل بادرة تصدر منه مالم يعلمه الاخرون عنه.
وهو الذي يرى من صور الامداد الالهية التي تعهدت بتاييده منذ ان صدر اليه أول أمر إلهي بحمل اعباء الرسالة ومسؤولية الصدع بها في البشرية ، وما قبل هذا الامر ايضا، فمحمد (صلى الله عليه واله وسلم ) كان نبيا منذ أن كان نوراً بين يدي الله قبل خلق ادم ( عليه السلام) باربعة عشر الف عام ، كما في الرواية عنه ( صلى اله عليه واله وسلم ) وها هو قرانه تعالى يخاطبه بقوله ] واصبر لحكم ربك انك باعيننا [([67])
كما يقول له : ] فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين . انا كفيناك المستهزئين . الذين يجعلون مع الله الها اخر فسوف يعلمون [([68])، الى غير هاتين من أي الكتاب العزيز التي ضمنت للرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) عصمته وعصمة رسالته من الناس ، وهي جميعها ايات نزلت قبل الغدير ، كما هو معلوم .
تعم ، ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) لا يحتاج الى التصريح بمثل هذا الضمان الالهي له ولرسالته ، وما كان هذا التصريح ليزيده علما به ، الا ان عظمة الموقف مرة اخرى ، وجلالة الامر المنزل فيه ، مما يستوجب مثل هذا التصريح، لا للرسول نفسه ايضا وانما للبشرية كافة من خلال شخصه الكريم ، ليكون ابلغ في التاكيد، واجدى ، في وضع النقاط على الحروف امام بصائر الناس على مر العصور ، حيث يحسن طرح هذا التعهد الالهي ، كعنصر خاص وفريد من عناصر القوة الربانية، التي تحتاجها رسالة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) في قيامها في البشرية ، وقيام حجة الله بها على العباد ، ولتثبيت من يحتاج الى التثبيت من الامة المسلمة ، وقطع السبيل امام طمع الطامعين في نيل من قدس الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، ومن عظمة رسالته الخالدة.
عظمة الرسالة ككل مجموع ، وعظمتها في كل حقيقة من حقائقها . بل وعظمتها في نفس الولاية التي اعلنها الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في يوم الغدير ، فلاشك انها كانت – وبدلالة هذا الاعلان نفسه – احدى الحقائق الكبرى لتلك الرسالة وبعض ابعادها المهمة.
ولهذا فما كانت لتتم العصمة الالهية لهذه الرسالة ولا للرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) – معاً- لو أمكن لأحد من مرضى النفوس أن يبلغ مطمعا في هذه الولاية ، أو في الشخص الذي انتجبه الله تعالى لها بحكمته .
الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والولاية
من ذلك الأمر الرباني الصريح للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتبليغ ما أنزل إليه من ربه ، ومن هذا التهديد المشعر بعطم شأن الولاية في دين الله ، ومن هذا التعهد الصريح أيضا بعصمة الله العزيز الحكيم للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الناس ، ينبثق موقف الغدير .
ومن علم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعظم المسؤولية التي ألقيت على كاهله ، ومعرفته بالنتائج . والآثار التي ستترتب على إعلان الولاية ، وأخذ البيعة بها من العالمين .. يمضي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالوفاء بالأمر .
" فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربي لعلمي بقلة المتقين وكثرة المؤذين لي واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي ، وشدة إقبالي عليه حتى سموني اذناً.." . كما في الرواية السادسة السابقة عن زيد بن أرقم .
وفي رواية أخرى : ( ان الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري ، وظننت أن الناس مكذبي..)([69]).
وفي رواية ثالثة : ( رأيت الناس حديثي عهد بالجاهلية ، ومتى أفعل هذا يقولوا :صنع هذا بابن عمه ) ([70])
وواضح أن حذر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتخوفه هذا ، إنما يردان في سياق تحذير الآية المتقدمة ، وتصريحها بالضمان الإلهي لعصمته من الناس .
فكما كان المقصود هناك بيان عظمة الأمر المنزل من خلال ذكر عظمة نتائجه في دين الله ، فكذلك مقصود الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في إبراز هذا الحذر والتخوف في إعلان ذلك الأمر ، وتبليغه إلى الناس . فهو إشعار للأمة بجلالة هذه الولاية ، وبضرورة أن تلقي فيها كلمة الله تعالى على البصائر ، وأن تقام بها حجته على العقول ، مع غض النظر عما يتخذه الناس من مواقف ازاء تلك الكلمة وهذه الحجة . بل وإن كانت السلبية والعناد هما المؤملين في تلك المواقف.
فالرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) – وكما هو معلوم عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) – لم يفاجأ بهذه الولاية في يوم الغدير خاصة ، ولم يكن علمه بحقيقتها ، وموقعها في دين الله تعالى ، ودورها في وجوده وقيام حجته ، وليد تلك الساعات أو الأيام التي سبقت موقف الغدير فحسب .
كما لم يكن ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غافلا عما يحمله مرضى النفوس من الناس عامة ومن أصاحبه خاصة من انحراف عن نهج الحق . ولا غافلا عن مطامع قسم منهم في تسلم مراكز عليا في المجتمع المسلم ، والتسلط على مقدرات الأمة ، أو جاهلا بتلك الرغبات السوداء الموجودة لدى البعض في النيل من قدسه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقدس رسالته .. كما لم يكن بعيدا عما يحمله الحاقدون على علي ( عليه السلام ) خاصة من إحن وضغائن كان من أسبابها مواقفه الحاسمة المعروفة في الصراع بين الحق والباطل ، ودوره المتميز في إرساء دعائم الإسلام ، وكسر شوكة الكفر والظلم التي جوبه بها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإظهار أمر الله بين العباد وإعلاء كلمته ولو كره المبطلون .
أفهل كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يعلم عن ولاية علي ( عليه السلام ) هذه وهو الذي رأى ليلة أسري به إلى السماء ما كان مكتوبا على أبواب الجنة الثمانية : (( لا إله إلا الله . محمد رسول الله . علي ولي الله )) ([71]) ؟
كما انه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قرأ هذه الكلمات على أوراق أشجار الجنة أيضا[72] ؟
وهل كان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجهل هذه الولاية وهو الذي يقول بأنه وعلياً كانا (نوراً بين يدي الله سبحانه قبل أن يخلق آدم ( عليه السلام ) بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزأين ) . فكان هو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جزءا وعلي ( عليه السلام ) جزءاً ([73]) ؟
وهل انه ( صلى الله عليه واله وسلم ) كان يجهل هذه الولاية وهو الذي كان يصرح بان عليا منه ، وانه من علي ، وان عليا من طينته كما خلق هو ( صلى الله عليه واله وسلم ) من طينة ابراهيم ( عليه السلام ) وهو افضل من ابراهيم ([74])؟
وهل ...؟ وهل ..؟
كلا . ابدا ، ما كان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) قد فوجيء بهذه الولاية في يوم خم كما لم يفاجأ بها في يوم من الايام، لانه ( صلى الله عليه واله وسلم ) لم يكن يجهلها في يوم من الايام ولم تغب عن ذاكرته يوما من الايام ..
وما اكثر ما كان ( صلى الله عليه واله وسلم ) يملي هذه الولاية الكبرى على الامة ، ويبين فضل صاحبها على الاشهاد!!
وما اكثر المناسبات التي كان ( صلى الله عليه واله وسلم ) يبين فيها المعاني المطلوب له في هذا المنصب العظيم ، دلالاته في مسؤولية المسلم تجاه دينه!!.
فمنذ الايام الاولى التي حمله الله فيها مسؤولية الصدع بهذه الرسالة كان ( صلى الله عليه واله وسلم ) يستغل كل مناسبة وكل فرصة سانحة منبرا لهذه الغاية ..
.. فمنذ ان نزل عليه قوله تعالى : ] وانذر عشيرتك الاقربين [([75]) - بدء دعوته ينهض ليعلن – مع هذا الانذار – ولاية علي ( عليه السلام ) رديفة ملازمة لرسالته ، وكمالاً لها ، واصلاً من اصولها ، ويبين عمق الرابطة الوثيقة بين مهمته هو ( صلى الله عليه واله وسلم ) كصادع اول بهذه الرسالة العظمى ، ومهمة علي ( عليه السلام ) من بعده كوصي امين عليها: ( يابني عبد المطلب ؟ اني قد جئتكم بما لم يجيء به احد قط .. الى ان يقول ( صلى الله عليه واله وسلم ) – وقد مد يده – من يبايعني على ذلك ان يكون اخي وصاحبي ووليكم من بعدي ؟
فقال علي ( عليه السلام ) : فمددت يدي ، وقلت : انا ابايعك . فما يعني على ذلك ) ([76]) .
وبقي رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) يؤكد هذه الولاية والحقائق التي تكتنفها طول ايام رسالته ( صلى الله عليه واله وسلم )، وقد حفظت لنا كتب السيرة ومصادر الحديث الكثير من تلك التاكيدات في العديد من المواقف والمناسبات الخاصة والعامة :
( انت ولي كل مؤمن بعدي ) ...
( واعطاني انك ولي المؤمنين من بعدي )..
( ان عليا مني وانا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي ) ..
( وانه وليكم بعدي ) ([77]) ... وهكذا اذ ما اكثر الروايات التي وردت بهذا اللفظ فضلا عما ورد في معناها وسيأتي – ان شاء الله تعالى – مزيد من هذه الروايات في مباحث لاحقة.
نعم لم يكن الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) ليفاجأ بولاية علي ( عليه السلام ) ولم يكن جديد عهد بموقعها الخاص من دين الله ، وقيادة ركب الامة المسلمة من بعده ، الا ان الرهبة في الامر المنزل في موقف الغدير ، وتهيب الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) من اعلانه ، انما كان بسبب اعتباره دخولا في مرحلة جديدة من مراحل الرسالة ذاتها .. فالموقف كان تمهيدا فعليا لبروز هذه الولاية وصاحبها في موقع الصدارة من قيادة الامة، والمباشرة في حمل اعبائها، والتصدي لرعاية شؤونها .. وهي نقطة انعطاف مهمة يجب ان يؤخذ كل شيء فيها بالحسبان، لتقام بها الحجة كما اقيمت بالرسالة ذاتها ، لا في ذلك العصر فحسب وانما في كل العصور وحتى يوم القيامة اذ هو الزمان الذي اعدت له رسالة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) .. انه عقد بيعة واخذ عهد.
وهكذا – فبينما – كانت هذه الولاية تتحمل مسؤولياتها في كنف الرسالة وتحت ظلالها .. وبينما كان علي ( عليه السلام ) يمضي في مهماته تحت رعاية الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) واشرافه ، الا ان يوم الغدير هو اليوم الذي يهيء له البدء بالاستقلال بحمل اعباء القيادة ، والمواجهة في التصدي للمهمات ، ومقابلة الاحداث. وهي مرحلة لها دورها في ديمومة وجود الرسالة المحمدية وخلود حجتها ، كما كان الشأن في بعثته هو ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، في انشاء كيانها في واقع الانسان ، وقيام صرحها في هذه الحياة ، فطبيعي حينئذ ان تنال الولاية من الاهواء والمطامع ما نالته نفس الرسالة في مرحلتها الاولى من مضايقات ، وان تقف أمامها مرضى النفوس نفس مواقفهم المكابرة والمعاندة للرسالة.
فتخوف الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) وحذره لم يكونا – كما قلت – لسبب يعود الى ذاته ، ولم يكونا لسبب يعود الى ذات الرسالة ، فهي في نفسها هدى الله وبصائره التي يستحيل ان يتطاول عليها المتطاولون ، او ينال من اشعاعها النائلون ، وانما كانا منه ( صلى الله عليه واله وسلم ) لعلمه بنكث من سينكث من امته او يزيغ من يزيغ من ابنائها بعد ان الجأتهم الايام الى اعلان الطاعة ، واظهار الاسلام دون رصيد ثابت من الايمان الصحيح والاعتقاد العميق بدلائل الله وكلماته.
ولكن – كما اشرت – فان كلمة الحق يجب ان تقال ، وحجة الله يجب ان تبلغ ، فما كان رب الارباب ليمنع لطفه ورحمته لارضاء فئة ضالة من الناس، وما كان ليقطع رحمته عن البشرية من اجل اهواء جماعة كفرت بانعم الله .. ( فلم يرض الا بتبليغي فيه ) . كما في رواية زيد بن ارقم .
( يا ايها الناس ان الله ارسلني اليكم برسالة ، واني ضقت بها ذرعاً مخافة أن تتهموني وتكذبوني حتى عاتبني ربي فيها بوعيد انزله علي بعد وعيد ..) ([78]).
قرائن وممهدات
ومن الطبيعي ان يتمثل الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم) وامر الله سبحانه له ، فيعلن هذه الولاية على الأشهاد ، ويصدع بها بعد ان استجمع لها كل ما كان من شأنه ان يقيم حجة الله تعلى فيها على العباد، وبعد ان مهد لها بكل ما يوجب الخلود الأبدي لهذه الحجة مع بقاء دين الله وخلوده.
نعم ، فما كان ذلك الامر الرباني الصريح ، وما كان هذا الاهتمام الكبير من القران ومنزله العظيم تعالى شأنه وهذا الاعداد الدقيق من الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم )، وضمان الله له بعصمته من الناس .. ما كان كل هذا من اجل حالة آنية مؤقتة ستنتهي في فترة قصيرة من الزمن . وستتلاشى دون أبدية الرسالة المحمدية ذاتها ، وقيام حجة الله بها على العباد.
فالقران نفسه يصرح بان هذه الرسالة لم يتم تبليغها الا بتبليغ الولاية ، وان كمال الدين وتمام النعمة به لم يحققا الا بعد الصدع بها ، وهي – كما نراها – قضية مطلقة لا تحددها الا حدود الرسالة المحمدية ذاتها ، في الزمان او المكان او المراحل الحضارية المتعاقبة .
ولهذا فحين نقرأ مثل قوله تعالى : ] انّا ارسلناك كافة للناس بشيراً ونذيراً [ .
وقوله تعالى : ] انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون [([79])
فاننا نعلم حينئذ – و دون ريب – ان حدود الرسالة والولاية معاً انما هي حدود الوجود البشري على سطح هذه الارض.
ولهذا – ومن اجل هذا التخليد للولاية واعلانها – اختار الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) لتبليغ الامر بها اجتماع الحاج معه من مختلف بقاع الوطن الاسلامي في ذلك العهد.
.. فكما يقول ابن الجوزي : كان مع الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) من الصحابة ومن الاعراب ، وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون الفا ، وهم الذين شهدوا معه حجة الوداع وسمعوا منه هذا المقالة ([80]).
فهذا الجمع الكبير الوارد من اطراف البلاد الاسلامية في ذلك الحين كان اجدى السبل الممكنة – وقتها – في نشر هذا الاعلان بين الامة ، بل وضمان تواتره الخالد في التأريخ ، دون ان يضعف قيمته العامية تسلسل وسائط النقل في أي عصر من العصور ، بمعنى ان يصبح هذا الاعلان ، وموقف الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) به من البدائة الاسلامية المتواترة مع الاجيال حتى الابد.
ولهذا السبب ايضا ، فقد اختار الزمان وقتا يفترق فيه هذا الجمع الكبير ، بعد ان لبى كل فرد منه نداء ربه بالحج الاكبر ، وبعد ان استغفر الله تعالى ، منهم من استغفر من ذنوبه ، فنقت الذمم اوضار الاثام ، وتزلفت النفوس من ادناس الخطايا ، وكفرت عن سيئاتها ، فكانت اقرب الى استماع كلمة الله تعالى ، وادنى لفهم حجته ومعرفة بصائر هداه..
كما اختار ( صلى الله عليه واله وسلم ) من المكان غدير خم قرب الجحفة – حيث مفترق السبل بذلك الجمع ، او من ذلك المكان يتجه كل فريق الى اهله – ليكون هذا الموقف الفريد وما جرى فيه من المشاهد هو الحدث الاخير الذي ينهي اجتماع ذلك الجمع الغفير ، قبل ان تستطيع الاهواء ودسائس النفاق صنع شيء يمكّنها من التدخل في نصوع الهدى بهذه الامانة الكبرى التي سيحملها كل حاج الى ذويه ، والتي سيؤديها – من ثم – كل جيل الى من بعده من اجيال الاسلام الى يوم القيامة .
وهو اختيار دقيق ولا ريب ، وفيه تبدو دلائل الرعاية الالهية الخاصة بوضوح ، حين قرنت بين هذا الاجتماع الحاشد والزمان والمكان ، وما اكتنف الموقف كله من ظروف مناسبة لتحقيق تلك الغاية .
ولم يكتف الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) بالاعتماد على ٍالقرائن التي تعبر بها هيئة الموقف هذه ، وهي قرائن كافية – ولا ريب – حين تصفو النفوس من الاردان ، وحين يكون التطلع الى الحق هو هدف العقول .
الا ان الاحقاد كانت اشد من ان يكتفى معها بمثل هذه القرائن وحدها ، وان الضغائن كانت اعمق من ان تسمح للنفوس باتباع دلائل الهدى فيها .
والرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) كان يعلم كل هذا من الكثيرين من اتباعه والمحيطين به ، ويعلم ان للباطل صراعه الدائم والمتجدد مع الحق وان له نزواته التي تترصد المنافذ والثغرات في كل كلمة ، وكل اشارة ، للنيل من قدسه والانحراف بالبصائر عن هداه .. وحينئذ كان لابد له ( صلى الله عليه واله وسلم ) – وهو الحكيم العارف – من ان يجعل في كل ما يصدر عنه في اعلان الولاية من عمل ، وما يقوم له من كلمة دليلا واضحا على ما يقصده فيه ، وان يضع في كل منها بيّنة تقطع الطريق امام تطاول المتطاولين وتشدق المتشدقين ، ومنعهم من ان يؤثروا في جلاء مراده فيما يقول وما يفصل ، ووضوح حجة الله فيه. ولو في مستقبل الزمان مادام للغدير دوره في دين الله وما دام لولايته موقعها الخاص بين حقائقه.
وهكذا نرى ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) يبدا في اعلان ولاية علي ( عليه السلام) من خلال استثارته لاعماق النفوس .. نعم اعماق النفوس، ليضع الولاية في هذه الاعماق ذاتها ايضا.
ولهذا فهو ( صلى الله عليه واله وسلم ) – وقبل صدعه بالأمر _ يستعلم الجميع الذي يقف امامه – بل ويستعلم جميع حاملي كلمته على مر – الزمان من خلال ذلك الجمع – عن موقفهم من ذاته المقدسة ، ليشهد الله ، ويشهد انفسهم على انفسهم ، ويشهد العالمين باجمعهم عليهم – بانهم قد علموا انه قد ادى اليهم امانة الله كما هي ، وانهم يعلمون – حق العلم – بانه قد بلغ رسالته اليهم دون تهاون ، وانه وضع مسؤولياتهم في اعناقهم ، وان هلاك من يهلك منهم كان عن بينة ، وان حياة من يحيى منهم كانت عن بينة ايضا.
(( ايها الناس ، قد نبأني اللطيف الخبير انه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله . واني لاظن ان يوشك ان ادعى فأجيب . واني مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ))
(( فانه لم يكن لنبي من العمر الا النصف من العمر الذي قبله ، وان عيسى بن مريم لبث في قومه اربعين سنة واني شرعت في العشرين ، الا واني يوشك ان افارقكم . الا واني مسؤول وانتم مسؤولون فهل بلّغتكم ، فماذا انتم قائلون ؟ ))
من الطبيعي ان يجيبوا بالايجاب ، وهم يعلمون من جهد الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) معهم ، وعنائه في سبيل ابلاغهم هدى الله ما يعلمون ..
(( نشهد انك عبد الله ورسوله ، قد بلّغت رسالته ، وجاهدت في سبيله ، وصدعت بأمره وعبدته حتى اتاك اليقين ، جزاك الله خير ما جزى نبيا عن امته ))
انها مقدمة جيدة وكافية لتهيئة هذه النفوس واعدادها لاستماع كلمة الرسول ، وحمل امانة الله الكبرى فيها ولكن هاهنا ملاحظة مهمّة حريّ بالرسالة ان تأخذها بالاعتبار في التهيئة والاعداد..
.. ملاحظة منشؤها الموقع الخاص لولاية علي ( عليه السلام ) في كيان الاسلام ، ودورها الاساس في قيام صرحه .. اذ لابد ان يبلغ التهيؤ والاستعداد في النفوس الى الدرجة التي تمكّنها من حمل مسؤولية الولاية من خلال هذا الموقع والدور بالذات ، وليس من درجات ادنى .. لتكون هذه الدرجة العليا هي المنطق كذلك في فهم هذه الولاية والاعتقاد بها ، وحمل ما تستوجبه من مسؤوليات كبرى في حياة الانسان..
(( الستم تشهدون ان لا اله الا الله ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان جنتة حق ، وان ناره حق ، وأن المت حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ؟))
(( ألستم تشهدون أن لا إله الا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وتؤمنون بالكتاب كله ؟ ))
وطبيعي ان يجيبوا بالايجاب ، فهي الاصول الاسلامية الاولى التي بني عليها كيان الاسلام ذاته ((بلى نشهد بذلك )).
انها الاصول الاسلامية يشهدهم بها الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، ليوحّد بين اجوائها ، وأجواء الموقف الذي يقفه بينهم ، وليشعرهم بأن ما يريد قوله امامهم انما هو ضمن هذه الافاق ايضاً، وليس هو في درجة ادنى من هذه الاصول في بنية الاسلام وكيانه ، وان ولاية علي ( عليه السلام ) هي الامتداد الطبيعي لعقائده الاولى هذه وانها احد اركانه الثابتة التي يعتمدها في قيام صرحه كما يعتمد ايا منها ..
فكما لا اسلام بدون عقيدة التوحيد او النبوة او الميعاد فكذلك لا اسلام بدون هذه الولاية : (( وان لم تفعل فما بلغت رسالته )).
وما كانت شهادتهم تلك الا تأكيد منهم بأنهم سسسسقد علموا هذا القصد منه ( صلى الله عليه واله وسلم ) وفهموا مراده .
وملاحظة اخرى جدير بالرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) ان يلفت اليها الانظار في هذه التهيئة كذلك .
وهذه الملاحظة هي ما تعنيه هذه الولاية في طبيعة التزام المؤمن بدينه ، ومدى اذعانه لحجته ، وحدود تسليمه لقيادته الالهية المصطفاة..
وهي كما نعلم حدود مطلقة لا تحدها ذاتيات ، ولا تضيقها اعتبارات او مصالح ..
] النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم ... [([81])
] فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [([82])
اذن فتهيئة الرسول ( صلى اله عليه واله وسلم ) للنفوس الى ما يريد اعلانه ، يجب ان تستوعب هذه الناحية ايضا، لتدرك البصائر ان الامر المعلن يستوجب منها هذا المدى من المسؤولية والتسليم ايضا.
(( ألستم تزعمون إني أولى بالمؤمنين من انفسهم ..؟))
(( ايها الناس ، انا اولى بالمؤمنين من انفسهم ليس لهم معي امر ))
(( ايها الناس ، ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين وانا اولى بهم من انفسهم )).
ومن الطبيعي ان يجيب الجميع بالايجاب ، فهو صريح القرآن كما علمنا.
ولا ريب انهم قد قرأوا الاية الكريمة السابقة مرات ومرات ، فهموا معناها دون التباس، ولو خلال بيان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) له.
وواضح ما تعنيه هذه الملاحظة في غلق أي منافذ للريب في النفوس – حين تخلص بنيّاتها الى الحق – فمن غير الممكن ان يشك معها ذو بصيرة في مدلول كلمة الولاية ومشتقاتها الواردة في اعلان الغدير ، فهي تحتم ان يختلف عن تلك الولاية التي جعلها الله سبحانه للرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) واولويته ( صلى الله عليه واله وسلم ) بالمؤمنين من انفسهم ، وان ذكر اللغويون ما ذكروه لهذه الكلمة من معاني شرقوا بها او غربوا ، اذ للسياق حكمه الجازم في تعيين المراد منها .
ومن هنا كانت هذه الملاحظة وهي تروي ضمن حادثه الغدير احدى القرائن الابدية الخالدة في تعيين ما اراده الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) من هذه الولاية دون سواء ..
لباب الموقف..
ثم .. ثم يصدع الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) بما أمر به ، ويعلن هذه الولاية الكبرى ويعين وليها العظيم .. ويقرر موقعهما الخاص في دين الله وما يستوجبانه من مسؤليات في اعناق البشرية.
(( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار )) . يقول ذلك ثلاث مرات – كما في الرواية السابقة عن يزيد بن ارقم ، وفي لفظ احمد أربع مرات ([83]).
اذن فالولاية هي لباب الموقف كله – كما علمنا – واعلانها هو الهدف الذي تتمحور عليه جميع تلك المقدمات والممهدات والاستعدادات التي اشرنا الى بعضها.
ان لعلي ( عليه السلام) ولاية كولاية الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) في دين الله ، والقيام على امره ، وفي قيادة الامة .. كما ان له ولاية كولايته ( صلى الله عليه واله وسلم ) في اعتقاد الناس ، ومسؤولياتهم وانقيادهم المطلق لله تعالى ..
ولنقف مع اعلان الرسول صلى الله عليه واله وسلم ) عند هذه الحدود ، فهي النقطة الجامعة التي اتفقت عليها روايات مشهد الغدير ، ولا نتصدى في هذا البحث الى دلالة هذه الولاية على منصب الامامة او الخلافة بعد الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، او غيرها مما يمكن ان يقال بهذا الصدد، امور لاتدخل ضمن منهجنا هنا ..
نعم من الواضح ان الولاية هي الطابع الذي يسم تلك المناصب ومفاهيمها وحدودها كافة ، بالطابع الاسلامي الخاص ، اذ لا يمكن ان تصبح الخلافة او الامامة ذات معنى اسلامي صحيح مالم تكن الولاية التي اعلنها الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) ركنا فيها ، ومالم يكن لولي الامر فيها مثل هذا الدور الخاص في دين الله وفي البشر معا ..
على ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) لم يغفل تلك المناصب ايضا في اعلان الغدير .. فكما قرأناه في رواية زيد بن أرقم السادسة ، انه ( صلى الله عليه واله وسلم ) قال :
(( معاشر الناس، هذا اخي ، ووصيي ، وواعي علمي ، وخليفتي على من امن بي وعلى تفسير كتاب ربي .. اللهم انك انزلت عند تبيين ذلك في علي ( اليوم اكملت لكم دينكم ) بامامته ، فمن لم يأتم به ، وبمن كان من ولدي من صلبه الى القيامة ( فأولئك الذين حبطت اعمالهم وفي النار هم خالدون ).))
وعلى أي حال، فمن الطبيعي حينئذ ان يستتبع اعلان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) هذا دعاؤه بموالاة الله لمن والى علياً، ومعاداته لمن عاداه ، ونصرته لمن نصره ، وخذلانه لمن خذله، وادارة الحق معه حيث دار ، فعلي ( عليه السلام ) هو امتداد لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم )، وولايته امتداد لرسالته ، فجدير ان ينالا من رعاية الله تعالى وفضله ما ناله محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ورسالته من قبل ، ومن تعهده ما تعهده لمحمد ورسالته ، والا لم تتحقق الغاية الربانية بهذه الولاية، ولم تستكمل الحكمة الالهية اهدافها فيها ، وهذا محال .. كما هو واضح .
لواحق
ويتم الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) هذا الاعلان بتعميمه عليا بعمامته ( السحاب ) ، لان ( العمائم تيجان العرب ) ([84]) كما قال ( صلى الله عليه واله وسلم ) . او هي ( الحاجز بين الكفر والايمان ) ([85]) كما في حديث آخر.
( ان رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) دعا عليا يوم غدير خم ، فعممه وارخى عَذبة العمامة من خلفه ) ([86]) .
وعن علي ( عليه السلام ) قال : ( عممني رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) يوم غدير خم بعمامة ، فسدل نمرقها على منكبي، وقال : ان الله ايدني يوم بدر وحنين بملائكة متعمين بهذه العمامة ) ([87])
ويختتم الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) هذا المشهد العظيم بأمره للمسلمين ان يهنئوا عليا بمنصبه الالهي الجديد ، ويقيم ( صلى الله عليه واله وسلم ) في ذلك المنزل ثلاثة ايام حتى تمت التهنئة والمصافقة والبيعة من كل الذين حضروا ذلك الجمع الحاشد...
(( وسلموا على علي بامرة الؤمنين ، وقولوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله )).
ويضيف المؤرخ ابن خاوند شاه عند روايته لهذه التهنئة :
( ثم جلس رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) في خيمة تخص به ، وامر امير المؤمنين عليا ان يجلس في خيمة اخرى وامر اطباق الناس ان يهنئوا عليا في خيمته .
ولما فرغ عن التهنئة له امر رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) امهات المؤمنين بان يسرن اليه ويهنئنه ففعلن ، وممن هنأه من الصحابة أبو بكر وعمر بن الخطاب حيث قال كلمته المشهورة : ( هنيئاً لك يا ابن ابي طالب ، اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ).
(( ( وبادر الناس بقولهم : نعم ، سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا )، وكان اول من صافق النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) وعليا ( عليه السلام ) ابو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والانصار الى ان صلى الظهرين في وقت واحد ، وامتد ذلك الى ان صلى العشاءين في وقت واحد وواصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ))
ويتم القرآن العظيم دوره في رعاية هذه الحقيقة الاسلامية ، فيختم هذا المشهد العظيم بنفسه في آية الاكمال كما بدأه بنفسه في آية التبليغ:
( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً ).
وهكذا تصبح الولاية بتلك البداية وهذه النهاية بعض حقائق القرآن ذاته ، بل ، وطابعاً عاماً بجميع حقائقه الاخرى ، وركنا تعتمدها حجته في كل أفق من آسسفاق الحياة .
(5)
معنى الولاية في الغدير
هذه هي الملامح البارزة لموقف الغدير ، وهذه بعض مشاهده المهمة التي لم يستطيع التأريخ تجاهلها ، بالرغم مما عرف عنه من مجانبة وتنكر للغدير والولاية وعلي ( عليه السلام ). فأورد جزءاً منها هنا ، وجزءاً هناك، ومشهداً في هذا الحديث، ومشهداً اخر في حديث ثان وهكذا.
وقد لاحظنا ان اعلان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) لولاية علي ( عليه السلام ) والتزام القرآن لها مبدأ ومنتهى ، وضمان الله لها بعصمتها وعصمة الرسالة بها من الناس هي المحور الاساس الذي استقطب جميع تلك المشاهد والاهتمامات .
اذن فهل هناك – بعد كل هذا – مجال لتشكيك مشكك أو ريب مرتاب في معنى هذه الولاية ، وكلمة الولي وردت في كلمات الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) كمايحلو للبعض ان يقول...
امر من الله تعالى بتبليغ شيء انزله على رسوله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وربط صريح بين هذا الامر والرسالة ذاتها. وتحذير للرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) بان وجود الرسالة لا يتحقق بدون هذا التبليغ .. ثم تعهّد رباني خاص بعصمة الرسول من الناس في قيامه بهذه المهمة العظمى ..
ثم اهتمام بالغ من الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) نفسه ، ورعاية حكيمة منه تستجمع كل تلك القرائن الابدية المخلدة لذلك التبليغ وحدوده ، وقيام حجة الله فيه. وتمهيد منه ( صلى الله عليه واله وسلم ) في جعل هذه الولايه مع اصول الاسلام الكبرى ومع ولايته هو بالذات، حيث جعله الله اولى بالمؤمنين من انفسهم .
ثم تتويجه بعد التبليغ بعمامته التي كان الملائكة الذين ايدوه يوم بدر وحنين يعتمرون بها ، وأمره ( صلى الله عليه واله وسلم ) لعامة المسلمين ان يهنئوا عليا على ما اعلنه له من منصب خاص في كيان الاسلام وقيادة الامة ثم يبايعوه بأمرة المؤمنين ليأتي التصريح القرآني بعد هذا بان الله قد اكمل بهذه الولاية، واتم بها النعمة على العباد ، ورضي الاسلام بها دينا للناس.
ومع هذا كله تبقى كلمة الولاية مجملة غامضة المعنى لأن كلمة المولى موضوعة لعدة معاني هي الناصر والمحب وابن العم والمعتق والمعتق – بالكسر والفتح - ... الخ ؟ ..
أفيمكن تصور هذا من ذي مسكة أخلص لله دينه ، وانقاد إلى الحق في دلائله وحجته ؟...
إذا فما معنى كل هذه القرائن ؟ .. وأين هي حكمة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بل وحكمة الله تعالى التي واكبت هذا المشهد كله بالتسدسد والرعاية الخاصة في كل خطوة ..
نعم ، لتذكر كتب اللغة لكلمة المولى والولاية ماشاءت أن تذكر من معاني، إلا أن لأجواء الغدير ومجرياته الخاصة وقرائنه حكمها الصريح في تحديد معنى أوحد لهما ، لا يدانيه أي ريب .. أنه ولاية الأمر ، والأولوية بالتصرف ، وحكمة الله تعالى أمر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتبليغ هذه الولاية ، وحكمة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي اتخذ كل تلك القرائن في تنفيذ هذا الأمر هما : المستند الأول في هذا التحديد .
فما معنى أن يرد الأمر الإلهي بتبليغ ما تعتمد عليه نفس الرسالة في وجودها ، ويحذر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأن لاوجود لهذه الرسالة بدون هذا التبليغ ويعده بعصمته من الناس ؟.
وما معنى أن يوقف الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لإنفاذ أمر الله كل تلك الجموع في هذا الوقت الحرج والمكان الشديد ، حيث شدة القيظ ، وحر الرمضاء ، ويشهدهم تلك الشهادات العظام بالله تعالى وبرسالته وبالبعث والنشور والجنة والنار ، ويشهدهم على علمهم بمعنى ولايته هو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليهم ، وأولويته بهم من أنفسهم .. ثم ، وبعد أن يجيبوه بالإيجاب ، ويعترفون أمامه بكل ذلك يخبرهم قائلاً : بأن من كنت ناصره فعلي ناصره ، أو من كنت محبه فعلي محبه أو من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه ..أو غير هذا من معاني ذكرت بكلمة المولى ؟ ثم هو لأجل هذا المعنى يعممه بعمامته ، ويأمر المسلمين بالبيعة له والمصافحة والتهنئة وغيرها مما جرى في ذلك المشهد الخالد ...؟..
فهل أن واحدا من هذه المعاني يتناسب وتلك الإهتمامات ؟..
وأي منها يعني كمال الدين ، وتمام النعمة ، ورضا الرب بالإسلام ديناُ للناس ؟
وأي من هذه المعاني يستحق المصافحة والبيعة والتهنئة والتتويج ؟.
بل وأي من هذه النعاني هو المناسب لمهمة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودوره الخاص في تبليغ كلمة الله وإقامة حجته في هذه الأرض ؟..
وبالمناسبة فإني اتذكر الآن حديثاً لأحد أعلام الأمة – دام ظله – ألقاه في أحد منتديات الغدير، قال فيه :
( يذكر المسلمون جميعهم حديث الغدير على السواء ، ويتفقون على لفظه في الأكثر ، ثم تذكر له تأويلات متنافرة ترتسم عليها الأغراض ، وتبين فيها الغايات يقولون : إن المولى في هذا الحديث بمعنى الناصر أو بمعنى المعتق .. أسمعت أعجب من هذا ؟
(يجمع محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سبعين ألفا[88] من المسلمين في حر الهجير ، وفي رمضاء الغدير .. يجمع هذا الحشد العظيم في هذا الزمان ، وفي هذا المكان ، يستوقف الاول من الركب ، ويستلحق الاخر ، يجمعهم في هذا الصعيد الواحد ، ثم يرتقي المنبر التأريخي ويصعد علياً معه ، ويرفعه بيمينه حتى يبين للناس بياض ابطيهما .. يصنع محمد كل هذا ليقول: من كنت ناصره فعلي ناصره او من كنت معتقه فعلي معتقه..
انها مهزلة من المهازل، او منقصة من النقائص، يريدون ان ينحّوا عليا عن امامته فيطعنون محمد في حكمته).
نعم ، ان الغدير كله وما نزل فيه من آي الكتاب العزيز .. وما جرى فيه من مواقف ، وما اعتمده الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) من قرائن ، وما قاله في بيان هذه الولاية ... كلها تحتم ان تكون ولاية علي ( عليه السلام ) هي نفس ولاية رسول الله التي جعلها الله امتدادا لولايته التكوينية على الخلق ، وتحتم ان يكون مشهد الغدير هو اعلان الإسلام ( لالتزامه ) بهذا المنصب لعلي ( عليه السلام ) ، كقيّم على امره بعد الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) وقائد لامته ومثل شاخص لهداه في الوجود تماما ، كالتزامه للرسول محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) من قبل، حين جعله شاهداً وشهيداً على البشرية ، وسراجاً منيراً في الانسانية..
وتحتم ان يكون موقف الغدير اعلانا لتعهد الله عز وجل لعلي ( عليه السلام ) وولايته ورعايته لهما ، كما تعهد – سبحانه – محمدا ورسالته في كل اولئك.
وتحتم ان يكون موقف الغدير القاء لمسؤولية إلهية كبرى وجبت في اعناق البشرية ، واقامة لحجة الله عليها ، حين جعل من علي ( عليه السلام ) امتداداً لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ومن ولايته امتداداً للرسالة العظمى.
فكان لابد للمؤمن ان يتعامل مع علي وولايته من نفس المنطق الذي يتعامل به مع محمد ورسالته وان يضعها جميعاً حيث وضع هذين في ايمانه بالله واسلامه له ، وان يستجيب لهما نفس استجابته لهذين المفهومين في خضوعه لله وانقياده لامره.
(( انا اولى بالمؤمنين من انفسهم ليس لهم معي امر ، وعلي من بعدي اولى بالمؤمنين من انفسهم ليس لهم معه امر ..)
وصدق جبرئيل حينما قال لعمر بن الخطاب – كما في روايته السابقة : (( يا عمر لقد عقد رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) عقدا لا يحله الا منافق )) .
كما صدق ابن عباس حينما قال – بعد نقله لكلمة الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) في الولاية – (( فقد وجبت – والله – في رقاب القوم )).
والواقع ان الولاية – بهذا المعنى وحده – هي التي كان من شأن الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) اعلانها وتبليغها الى الامة كرسول عن الله عز وجل ، وقيّم على رسالته الكبرى ، فغيره من المفاهيم لا يعني منصب الرسالة من قريب او بعيد .
ولهذا فان هذا المعنى من معاني الولاية هو الذي فهمه اولئك المسلمون الذين حواهم ذلك الجمع الموجود في مشهد الغدير ، وعلى اساسه بايعوا وصافقوا الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) وعلياً ( عليه السلام) وهم يقولون:
((( نعم ، سمعنا واطعنا على امر الله ورسوله بقلوبنا )) ولم يذكر التاريخ أن أحدا قد راجع الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) في معنى هذه الكلمة ليستوضح عن مدلولها ، أو اعترض عليها بأن المعنى المقصود لا يستحق هذا الاهتمام منه ( صلى الله عليه واله وسلم ).
وهذا المعنى من الولاية هو الذي فهمه حتى اولئك الذين اتخذوا موقفاً سلبياً منها ومن موقف الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) فيها ، ومن وليها جميعاً ، كجابر ابن النضر بن كلدة حينما قال للرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) (( .. ثم لم ترض حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا )).
واخيرا فالولاية – بهذا المعنى وحده – هي التي كانت – وستبقى ابد الدهر – النقطة البارزة في هذا المشهد الخالد ، والمحركة لتأريخ الاسلام والأمة الإسلامية ، مهما شرّقت الاهواء وغرّبت ، ومهما حاولت الالسن التشدق والنيل منها ، فحجة الله قد اقيمت بها ، وكلمته قد ثبتت .
ومن الولاية – بهذا المعنى وحده – تنطلق مناصب علي ( عليه السلام) في دين الله تعالى ، وفي قيادة البشرية ، كالامة والخلافة وامارة المؤمنين ، وغيرها :
ومنها كذلك تنطلق مسؤولية الأمة المسلمة في التولي والخضوع له والتبعية لأمره ، وعليها يعتمد حساب الله للناس يوم الجزاء – كما ستعرف ان شاء الله - .
وهكذا فستكون الولاية – بهذا المعنى ايضاً – هي منطلقنا في حديثنا هذا ومحاولتنا لفهم دلائل الالتزام الالهي لها ولشخص علي ( عليه السلام ) ثم رؤية ما ترتب على الامة من مسؤولية في حياتها واستمساكها بدين الله العظيم .
إذ انَّ التزام الاسلام للولاية ووليها العظيم يعني ضرورة استيفائها معاً لجميع الضرورات والخصائص الإسلامية العامة دون أدنى تفاوت ، فهي – وكما قلت في مباحث سابقة – قد اصبحت – بهذا الالتزام – حقيقة اسلامية يجب ان تستوعب جميع خصائص الاسلام الداخلية في كل حقيقة من حقائقه ، لتتراءى فيها وحدة الاسلام ووحدة الحق الذي يمثله وغايات حكمة الله فيه ، اذ لا تفاوت في هذه الحكمة ولا عجز في قدرتها .
وكما اشرت في المقدمة فان ملاحظة الولاية ووليها من هذا المنطلق هي التي تمكن الانسان من الاستقامة معهما ومع مقتضياتهما في تصوره والتزامه وسلوكه، واي ملاحظة لاترد ضمن هذا الخط هي اقصر من أن توفي متطلبات تلك الاستقامة .
ونحن حين تطلعنا الى دراسة الولاية وشخصية علي ( عليه السلام) من هذا المنطلق فانما نهدف الى ادراك هذه الاستقامة.
كما اننا – وبعد ان استعرضنا ثلاثة من شرائط الحق في الاسلام هي مطابقته للواقع التكويني والاستقامة المطلقة معه ، ووضوح دلائله فيه – يمكننا ان نعتمد هذه الشرائط في دراستنا هذه ، لنفهم مدى اشتمال الولاية وصاحبها ( عليه السلام ) على هذه الشرائط ، واستقامة الخصائص الاسلامية كافة فيهما كأتم ما تكون الاستقامة .
نعم ان منهجة البحث هنا تستدعي تقديم الحديث في عنصر الوضوح من هذه الولاية قبل الشرطين الاخرين لاعتماد الحديث فيهما عليه ، وعلى ما فيه من دلائل دخيلة في مفهوميهما.[1] - الأحزاب: 45.
[2] - الأحزاب: 33.
[3] - آل عمران: 33 – 34.
[4] - البقرة : 143.
[5] - الأحزاب: 6.
[6] - الأحزاب : 21.
[7] - آل عمران : 31- 32.
[8] - النساء: 65.
[9] - الحجرات : 15.
[10] - الحجرات : 1- 2.
[11] - النور : 62 – 63.
[12] - إبراهيم :1.
[13] - الصف: 9.
[14] - الجمعة: 2 .
[15] - محمد : 1 – 3 .
[16] - الأنبياء : 107.
[17] - النجم 2- 4.
[18] - آل عمران : 179.
[19] - الأنبياء : 73.
[20] - البقرة: 124
[21] - المائدة 55
[22] - الحج : 75
[23] - البقرة : 119
[24] - يونس : 108
[25] الإسراء : 105
[26] - النساء: 174
[27] - المؤمنون 73
[28] - الجاثية : 18
[29] - تاج العروس : مادة ( حقق )
[30] - فصلت : 41 – 42 .
[31] - النجم : 2 – 4 .
[32] - الزخرف: 43.
[33] - الحج : 67
[34] - يوسف: 108
[35] - المائدة: 16
[36] - مجمع الزوائد للهيثمي ، ج 9 ص 165 ن مكتبة القدسي القاهرة. والبداية والنهاية للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ج 5 ص 109 ، وج 7 ص 349 ن مطبعة السعادة بمصر ، ويراجع كتاب الغدير للشيخ عبد الحسين الاميني ج 1 ص 26 – مطبعة الغري في النجف سنة 1364 لمعرفة المصادر الأخرى للحديث.
[37] - الغدير ج 1 ص 35 عن الروضة النديه شرح التحفة العلوية ج 2 ص 236.
[38] - المائدة :67.
[39] - الغدير ج 1 ص 50 عن كنز العمال ج 6 ص 153 ومصادر اخرى ..
[40] - الغدير ج 1 ص 50 عن كتاب الولاية للسجستاني.
[41] - ينابيع المودة للقندوزي ج 2 ص 74 ن مكتبة العرفان – بيروت.
[42] - التوبة : 61.
[43] - الحشر 18.
[44] - المائده : 3.
[45] - التوبة 17.
[46] - التغابن 8 .
[47] - النساء : 47.
[48] - القصص : 41.
[49] - الغدير ج 1 ص 196 – 198 عن كتاب الولاية لمحمد بن جرير الطبري.
[50] - الاعراف : 43.
[51] - الفتح : 10.
[52] - الزمر: 7.
[53] - الغدير ج 1 ص 246 عن كتاب الولاية لمحمد بن جرير الطبري.
[54] - كتاب سليم بن قيس ص 185 – 186 ط المطبعة الحيدرية – النجف .
[55] - محمد:17.
[56] - ابراهيم :27.
[57] - المائدة: 67.
[58] - يراجع كتاب الغدير : ج 1 ص 196- 204.
[59] - يراجع كتاب الغدير : ج 1 ص 211 – 215.
[60] - يراجع كتاب تفسير الميزان ج5 ص 177-194 وج 6 ص 46- 64. دار الكتاب الاسلامية طهران .سنة 1377. وكتاب الغدير ج1 ص205- 209 وص 216- 217.
[61] - المائدة : 67.
[62] - المائدة: 67.
[63] - المائدة :67.
[64] - طه : 1- 2
[65] - الميزان في تفسير القران : ج 6 ص 5.
[66] - المائدة : 67.
[67] - الطور :48.
[68] - الحجر : 94 – 96.
[69] - الغدير ج1 ص 151 عن الحموي في فرائد السمطين . السمط الاول – الباب الثامن والخمسون.
[70] - المصدر السابق ج 1 ص 50 عن العديد من مصادره.
[71] - احقاق الحق وازهاق الباطل ، تحقيق السيد شهاب الدين المرعشي ج 5 ص 128 عن ( دار بحر مناقب ) ص 121 – مخطوط ) . ن المكتبة الاسلامية – طهران.
[72] - المصدر السابق : ج 5 ص 281 عن ( در بحر مناقب ) ص 31 وغيره.
[73] - فضائل الخمسة من الصحاح الستة وغيرها من ج 1 ص 168 عن العديد من مصادره .
[74] - مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 128.
[75] - الشعراء : 214.
[76] - كنز العمال ج 6 ص 401 عن ابن مردويه.
[77] - يراجع كتاب ( فضائل الخمسة من الصحاح الستة ) من مصادر هذه الاحاديث.
[78] - شواهد التنزيل لقواعد التاويل للحاكم الحسكاني الحذاء الحنفي النيسابوري تحقيق محمد باقر المحمودي ص 193.
[79] - الحجر : 9 .
[80] - الغدير ج 1 ص 12 عن الخوارزمي في المناقب ص 94.
[81] - الاحزاب :6.
[82] - النساء : 65.
[83] - الغدير : ج 1 ص 11 عما يذكر من مصادر .
[84] - ابن الاثير في كتاب ( النهاية ) ، والزبيدي في كتاب ( تاج العروس ) مادة ( توج )
[85] - كنز العمال ج 2 ص 60 .
[86] - الغدير ج 1 ص 264 عن الطبري في الرياض النضرة ج 2 ص 217.
[87] - ن . م عن فرائد السمطين ب 12 وابن الصباغ في الفصول المهمة ص 27.
[88] - سبق ان نقلنا عن ابن الجوزي روايته في ان عدد الجمع يومئذ كان مائة وعشرين الفا.