الفصل الثاني في انه أقضى الأصحاب :
روى الخوارزمي بسنده عن أبي سعيد الخدري وسلمان الفارسي، قالا قال رسول الله (ص): ان أقضى امتي علي بن أبي طالب. وأيضا بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام. قال بعثني رسول الله (ص) الى اليمن قلت تبعثني وأنا شاب اقضي بينهم ولا أدري ما القضاء قال فضرب في صدري وقال اللهم اهد قلبه وثبت لسانه فو الذي فلق الحبة ما شككت بعد ذلك في قضاء بين اثنين. وفي مسند أحمد بن حنبل بسنده عن حميد بن عبد الله قال انه ذكر عند النبي (ص) قضاء علي فأعجب وقال: الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت. وفيه بسنده عن الامام جعفر بن محمد الصادق " ع " قال قضى علي في ثلاث رجال وقعوا على امرأة في طهر واحد وذلك في الجاهلية فأقرع علي (ع) بينهم الولد لمن وقعت القرعة واقسم دية المولود على ثلاث لأنهم اشبهوا
[ 92 ]
نسب المولود فكأنهم قتلوه فجعل ثلث الدية على من وقعت له القرعة وثلثي الدية على الآخرين وقضى الدية على أم المولود فضحك النبي (ص) حتى بدت نواجده قال وما اعلم فيها شيئا إلا ما قضى علي. وفيه بسنده عن مسمع بن عبد الملك عن الصادق (ع) ان قوما احتفروا زبينة الأسد فوقع فيها فأزدحم الناس عليها ينظرون الى الأسد فوقع فيها رجل فتعلق بالآخر وتعلق الآخر بالآخر والآخر بالآخر فماتوا جميعا من جراحة الأسد فتشاجروا في ذلك فقضى علي (ع) للأول ربع الدية لانه أهلك من فوقه وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية الكاملة وجعل الدية على القبائل الذين ازدحموا فرضى بعض وسخط بعض فرفع الى النبي (ص) فأجاز قضاء علي وفي المناقب بسنده عن مصعب بن سلام التميمي عن الصادق (ع) قال ان ثورا قتل حمارا على عهد النبي (ص) ورفع إليه وهو في نفر من أصحابه وقال لهم أقضوا بينهما فقالوا يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليها شئ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي اقض بينهما فقال نعم يا رسول الله إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن صاحب الثور وان كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليه، قال فرفع رسول الله يده الى السماء وقال الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بالقضاء البينة. أقول: قال ابن حجر في الصواعق وكانت هذه القضية سبب قوله (ص): أقضاكم علي، ورواها عن أبي هريرة، ونقل في الصواعق أيضا: ان غلاما أتى عليا عليه السلام برجل فقال: ان هذا زعم انه احتلم بامي فقال أذهب فأقمه في الشمس فأضرب ظله. وفيه دخل غلام على عمر وطلب منه مال أبيه وذكر ان والده توفي بالكوفة وكان الغلام بالمدينة وهو طفل فصاح عليه عمر وطرده فخرج يتظلم منه فلقيه علي (ع) فسأله عن حاله فأخبروه بخبره فقال علي: آتوني به الى الجامع حتى اكشف أمره فجئ به فسأله عن حاله فأخبره بما جرى عليه فقال أمير المؤمنين (ع): لاحكمن فيه بحكومة حكم الله بها في عرشه من فوق سبع سماوات وانه لا يحكم بها إلا من ارتضاه لعلمه ثم استدعى بعض أصحابه وقال سيروا بنا الى قبر والد الصبي فساروا فقال علي (ع): احفروا هذا القبر وانبشوه واستخرجوا لي ضلعا من أضلاعه
[ 93 ]
فاستخرجوه فدفعه الى الغلام فقال له شمه فلما شمه انبعث الدم من منخريه فقال (ع): انه ولده، فقال عمر بانبعاث الدم نسلم إليه المال فقال (ع): انه أحق بالمال منك ومن سائر الخلق اجمعين ثم أمر الحاضرين بشم الضلع فشموه فلم ينبعث الدم من واحد منهم فأمر أن يعاد إليه ثانية وقال شمه فلما شمه انبعث الدم انبعاثا كثيرا فقال (ع): انه أبوه فسلم إليه المال. وفي مسند أحمد بن حنبل، عن محمد بن جعفر، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن البصري: ان عمر بن الخطاب أراد أن يرجم امرأة مجنونة فقال له أمير المؤمنين ما لك أما سمعت: رسول الله يقول رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يبرأ ويعقل، وعن الطفل حتى يحتلم، قال فخلا سبيلها وقال لولا علي لهلك عمر. خبر إلحاقه الابن بالام من بعد إنكارها له، حدث الواقدي عن جابر، عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) انه جاء الى عمر بن الخطاب غلام يافع فقال له ان أمي جحدت حقي من ميراث أبي وأنكرتني وقالت لست بولدي، فأحضرها وقال لها لم جحدت ولدك هذا الغلام وأنكرتيه ؟ قالت انه كاذب في زعمه ولي شهود بأني بكر ما عرفت بعلا، وكانت قد رشت سبع نفر كل واحدة بعشرة دنانير أن يشهدوا انها بكر فطلب عمر الشهود فأحضرتهن بين يديه فقال تشهدن فقلن نشهد انها بكر لم يمسها ذكر فقال الغلام بيني وبينها علامة اذكرها لها عسى تعرف ذلك فقالت له قل ما بدا لك فقال الغلام كان والدي شيخا وهو سعد بن مالك وقال الحارث المزني أني رزقت في عام شديد المحل وبقيت عامين كاملين ارضع شاة ثم انني كبرت وسافر والدي مع جماعة فعادوا ولم يعد والدي معهم فسألتهم عنه فقالوا انه درج فلما عرفت والدتي الخبر انكرتني وقد اضرتني الحاجة فقال عمر هذا مشكلا لا يحله إلا نبي أو وصي نبي فقوموا بنا الى أبي الحسن علي (ع) فمضى الغلام وهو يقول أين منزل كاشف الكروب، أين خليفة هذه الامة حقا، فجاؤا به الى منزل علي بن أبي طالب فوقف هناك يقول يا كاشف الكروب فقال الامام (ع) مالك يا غلام فقال يا مولاي امي
[ 94 ]
جحدتني حقي وأنكرتني اني لم أكن ولدها فقال الامام (ع): أين قنبر فأجابه لبيك يا مولاي فقال امض واحضر الامرأة الى مسجد رسول الله (ص) فمضى قنبر وأحضرها بين يدي الامام فقال لها: ويلك لم جحدت ولدك فقالت له يا أمير المؤمنين أنا بكر ليس لي ولد ولم يمسني بشر وأنت يا مولاي احضر لي قابلة تنظرني فأحضر قابلة فلما خلت بها أعطتها سوارا كان في عضدها وقالت لها: اشهدي بأني بكر فلما خرجت من عندها قالت يا مولاي انها بكر فقال " ع " كذبت العجوز يا قنبر إعزرها وخذ منها السوار قال قنبر فأخرجته من كتفها فعند ذلك ضج الخلايق فقال الامام: اسكتوا فأنا عيبة النبوة ثم قال للجارية أنا زين الدين أنا قاضي الدين أنا أبو الحسن والحسين أريد أن أزوجك من هذا الغلام المدعي عليك فتقبلينه مني زوج فقالت لا يا مولاي أتبطل شرع محمد فقال لها بماذا ؟ قالت تزوجني بولدي كيف يكون ذلك فقال عليه السلام: الله أكبر جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا وما منعك قبل هذه الفضيحة فقالت يا مولاي خشيت على الميراث فقال " ع ": استغفري الله ثم أصلح بينهما فألحق الولد بوالدته وبأرث أبيه وصلى الله على محمد وآله وسلم. خبر آخر، عن موفق بن أحمد الخوارزمي بسنده: أن رجلين أودعا عند امرأة من قريش مائة دينار وأمراها ان لا تدفع الى واحد منهما دون صاحبه فأتاها أحدهما فقال ان صاحبي قد هلك فأدفعي الي المال فأبت فاستشفع إليها ومكث يختلف إليها ثلاث سنين قال فدفعت إليه المال ثم جاء إليها صاحبه فقال اعطني مالي فقالت له: قد أخذه صاحبك، فارتفعوا الى عمر فقال له عمر ألك بينة فقال هي بينتي فقال للمرأة: ما أراك إلا ضامنة فقالت: أنشدك الله إلا ما رفعتنا الى علي بن أبي طالب (ع)، قال فرفعهما إليه فأتوه في حائط وهو يسبل الماء وهو مؤتزر بكساه فقصوا عليه القصة فقال للرجل ايتني بصاحبك وعلى متاعك فانصرفوا وأيضا بسنده قال شرب قوم الخمر بالشام فبعثوا بهم الى عمر فلما أتوه سألهم عن ذلك فقالوا نعم شربناها وهي لنا حلال فقال أو ليس يقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فأجتنبوه لعلكم تفلحون) فقالوا ويقول الله عز
[ 95 ]
وجل (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا) الى قوله (والله يحب المحسنين) فنحن من الذين آمنوا وأحسنوا، فاستشار عمر اصحاب النبي فردوا المشورة إليه، قال وكان أمير المؤمنين حاضرا في القوم ساكتا فقال ما تقول يا أبا الحسن فقال (ع): انهم قوم افتروا على الله وأحلوا ما حرم الله فأرى أن تستتيبهم فان ثبتوا وزعموا ان الخمر حلال ضربت أعناقهم وإن رجعوا ضربتهم ثمانين جلدة فدعاهم فاستمعهم مقالة علي ثم قال ما تقولون فقالوا نستغفر الله ونتوب إليه ونشهد ان الخمر حرام وانما شربناها ونحن نعلم بحرمتها فضربهم ثمانين جلدة وأطلقهم. وأيضا بسنده قال اني عمر بامرأة قد نكحت في عدتها ففرق بينهما وجعل صداقها من بيت المال وقال لا اجيز مهرا ارد نكاحه وقال لا يجتمعان أبدا، فبلغ عليا (ع) ذلك فقال يا عمر وان كانوا جهلوا السنة فلها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب فخطب عمر الناس وقال: لولا علي لهلك عمر وردوا الجهالات الى السنة وردوا قول عمر الى علي. وأيضا بسنده قال: لما كان في زمن عمر أني بامرأة حامل سألها عمر فاعترفت بالفجور فأمر بها عمر أن ترجم فلقيها علي بن أبي طالب (ع) فقال ما بال هذه الامرأة فقالوا أمر بها عمر أن ترجم فردها (ع) فاتى عمر وقال له أنت أمرت بها أن ترجم قال نعم اعترفت عندي بالفجور فقال (ع) هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها فخلى سبيلها وقال لولا علي لهلك عمر. وأيضا بسنده قال اوتي عند عمر بن الخطاب امرأة وضعت ولدا لستة اشهر فهم يرجمها فقال علي (ع) ليس عليها رجم لقوله تعالى: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة) وقال تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) فحولين تمام الرضاعة وهي اربعة وعشرون شهرا وبقيت ستة أشهر وهي مدة الحمل فخلى سبيلها وقال اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها علي حيا، عقمت النساء ان يلدن عليا لولا علي لهلك عمر، قال سعيد بن المسيب قالها سبعين مرة وفي سبعين وقعة. خبر الخنثي، روى ان رجلا تزوج بخنثى لها فرج كفرج الرجال وفرج كفرج
[ 96 ]
النساء وأصدقها جارية كانت له ودخل بها وأصابها فحملت منه الخنثي، ثم ان الخنثى وطأت الجارية التي اصدقها زوجها فحملت منها وجاءت بولد فاشتهرت قصتها ورفع أمرها الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فسأل عن احوال الخنثى انها تحيض وتطأ وتوطأ من الجانبين وقد حبلت وأحبلت فصار الناس متحيرين الافهام في جوابها، فاستدعى أمير المؤمنين (ع) زوجها فأقر بذلك فقال له علي: انك لأجسر من خاصي الاسد ثم أمر (ع) قنبرا وامرأتين أن يأخذوا الخنثى ويعدوا أضلاعها من الجانبين ففعلوا ذلك ثم خرجوا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين عدد أضلاع الجانب الأيمن ثمانية عشر ضلعا وعدد أضلاع الجانب الايسر سبعة عشر ضلعا، فحكم عليه السلام أنها رجل وأمر بحلق رأسها واعطاها رداء والحقها بالرجال فقال زوجها امرأتي وابنة عمي الحقتها بالرجال ممن اخذت هذه القضية فقال من آدم لأن امنا حواء خلقت من ضلع من اضلاع آدم فاضلاع الرجل اقل من اضلاع المرأة. خبر الشاب، روى المشايخ الثلاثة: (1) رحمهم الله ان أمير المؤمنين عليه السلام رأى شابا يبكي فسأل عنه فقال ان أبي سافر مع هؤلاء فلم يرجع حين رجعوا وكان ذا مال عظيم فرفعتهم الى شريح وحكم علي بحكم لا ادري ما هو فقال عليه الصلاة والسلام متمثلا:
اوردها سعد وسعد مشتمل * * ما هكذا يا سعد تورد الابل
فقال (ع): ارجعوهم فردوهم جميعا والفتى معهم الى شريح فقال (ع) لشريح كيف قضيت بين هؤلاء ؟ قال يا أمير المؤمنين ادعى هذا الغلام على هؤلاء النفر انهم خرجوا في سفر وابوه معهم فرجعوا ولم يرجع ابوه فسألتهم عنه فقالوا مات، فسألتهم عن ماله فقالوا ما خلف شيئا، فقلت للفتى هل لك بينة على ما تدعي ؟ قال لا، فاستحلفتهم * هامش (1) المشايخ الثلاثة والمحمدون الثلاثة: مصنفوا الكتب الاربعة: (الكافي والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه) وهم ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني، وشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، ورئيس المحدثين محمد بن بابويه القمي قدس الله أرواحهم وعلى كتبهم مدار الشيعة.
[ 97 ]
فقال علي (ع): يا شريح هيهات هكذا تحكم في مثل هذا، فقال كيف يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام: يا شريح لأحكمن فيه بحكم ما حكم فيه خلق قبلي إلا داود النبي، ثم قال يا قنبر ادع لي شرطة الخميس فدعاهم فوكل (ع) بكل واحد منهم رجلا من الشرطة ثم نظر الى وجوههم فقال ماذا تقولون ؟ أتقولون اني ما أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى اني إذا لجاهل ثم قال (ع) فرقوهم وغطوا رؤسهم ففرق بينهم واقيم كل واحد الى اسطوانة من اسطوانات المسجد ورؤسهم مغطاة بثيابهم ثم دعا بعبد الله بن أبي رافع كاتبه فقال (ع): هات صحيفة ودوات وجلس (ع) في مجلس القضاء واجتمع إليه الناس فقال إذا انا كبرت فكبروا ثم قال للناس افرجوا ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه فكشف عن وجهه ثم قال لعبد الله اكتب اقراره وما يقول، ثم أقبل بالسؤال ثم قال (ع) له في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم فقال الرجل في يوم كذا وكذا، فقال (ع): وفي أي شهر قال كذا وكذا، فقال والى أين بلغتم من سفركم حين مات أبو هذا الفتى قال الى موضع كذا وكذا، قال وفي أي منزل قال في منزل فلان وفلان، قال وما كان من مرضه قال كذا وكذا، قال (ع): كم يوم مرض قال كذا وكذا يوما، قال فمن كان يمرضه وفي أي يوم مات ومن غسله وأين غسل ومن كفنه وبما كفن ومن صلى عليه ومن نزل قبره، فلما سأله عن جميع ما يريد كبر عليه السلام وكبر معه الناس فارتاب اولئك الباقون ولم يشكوا ان صاحبهم قد أقر عليهم وعلى نفسه فأمر أن يغطي رأسه وأن ينطلقوا به الى الحبس ثم دعى بآخر واجلسه بين يديه وكشف عن وجهه ثم قال (ع): كلا زعمت اني لا أعلم ما صنعتم فقال يا أمير المؤمنين ما أنا إلا واحد من القوم ولقد كنت كارها لقتله فأقر، ثم دعى واحدا بعد واحد فكلهم يقر بالقتل وأخذ المال ثم رد من كان أمر به الى السجن فأقر أيضا، فألزمهم المال والدم، فقال شريح يا أمير المؤمنين وكيف كان حكم داود النبي فقال (ع) من سماك بهذا الاسم قال امي فانطلق الى امه فقال يا امرأة ما اسم ابنك هذا ؟ قالت: مات الدين، فقال لها ومن سماه بهذا الاسم ؟ قالت أبوه،
[ 98 ]
قال وكيف كان ذلك قالت ان أباه خرج في سفر له ومعه قوم وهذا الصبي حمل في بطني فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي فسألتهم عنه فقالوا مات، قلت اين ما ترك قالوا لم يخلف مالا، فقلت أوصاكم بوصية قالوا نعم زعم انك حبلى فما ولدت من ذكر أو انثى فسميه مات الدين فقال داود تعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك قالت نعم، فقال احياء هم أم موتى قالت بل احياء قال فانطلقي إليهم ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم فحكم عليهم بهذا الحكم فثبت عليهم المال والدم ثم قال للامرأة سمي ابنك عاش الدين، ثم ان أم الفتى والقوم اختلفوا في مال أب الفتى كم كان، فأخذ علي عليه السلام خاتمه وجميع خواتيم عدة ثم قال أجيلوا هذه السهام فأيكم اخرج خاتمي فهو الصادق في دعواه لأنه سهم الله عز وجل وهو سهم لا يخيب. (خبر آخر) في كتاب درر المطالب: ان امرأة ولدت على فراش زوجها ولدا له يدان ورجلان ورأسان على حقو واحد فالتبس الأمر على اهله انه واحد أم اثنان فصاروا الى أمير المؤمنين عليه السلام يسألونه ليعرفوا الحكم فيه، فقال لهم اعتبروه إذا نام ثم نبهو احدى اليدين والرجلين والرأسين فان انتبها جميعا معا في حالة واحدة فهو انسان واحد وان استيقظ احدهما دون الآخر فهما اثنان. وفيه ان امرأتين جاءتا الى أمير المؤمنين عليه السلام ومعهما طفل ادعته كل منهما فوعظهما فلم يرجعا فقال (ع) يا قنبر إتني بالسيف فقالتا ما تصنع به فقال اشقه نصفين واعطي كل واحدة منكما نصفا فرضت احديهما وصاحت الاخرى وقالت يا أمير المؤمنين ان كنت لا بد فاعلا فاعطها إياه، فعرف انه ولدها ولا شئ لتلك فاعطاه إياها وطرد الأخرى. (وفي الناقب) عن عمر بن حماد، باسناده عن عبادة بن الصامت، قال قدم قوم من الشام حجاجا فأصابوا دحى نعامة فيه خمس بيضات وهم محرمون فشووهن واكلوهن، ثم قالوا ما ارانا إلا وقد اخطأنا وأصبنا الصيد ونحن محرمون فأتوا المدينة فقصوا على عمر القصة فقال انظروا الى قوم من اصحاب رسول الله (ص) فاسألوهم عن ذلك فيحكموا فيه، فسألوا جماعة من الصحابة فأختلفوا في الحكم في ذلك فقال عمر إذا اختلفتم فها هنا رجل كنا إذا اختلفنا في شئ يحكم فيه. فأرسل الى امرأة
[ 99 ]
يقال لها عطية فاستعار منها اتانا فركبها وانطلق بالقوم معه حتى اتى عليا، فقال علي عليه السلام: مرهم فليمدوا الى خمس قلايص من الابل فليطرقوها للفحل فإذا انجبت أهدوا ما نتج منها جزاء عما اصابوا، فقال عمر يا أبا الحسن ان الناقة قد تجهض فقال علي وكذلك البيضة قد تمرق، فقال عمر فلهذا أمرنا ان نسألك. (خبر آخر): بالاسناد يرفعه الى كعب الاحبار، قال قضى علي (ع) قضية في زمن عمر بن الخطاب قالوا: اجتاز عبد مقيد على جماعة فقال أحدهم ان لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا، فقال الآخر إن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثا، قال فقاما فذهبا مع العبد الى مولاه فقالا له انا حلفنا بالطلاق ثلاثا على قيد هذا العبد فحله نزنه فقال سيده امرأته طالق ثلاثا إن حل قيده، فطلق الثلاثة نساءهم قال فخرجوا وقد وقعوا في حيرة فقال بعضهم لبعض اذهبوا الى أبي الحسن علي (ع) لعله ان يكون عنده شئ من هذا، فأتوه فقصوا عليه القصة فقال لهم ما اهون هذا، ثم انه اخرج جفنة وامر ان يحط العبد رجله فيها وان يصب الماء عليها، ثم قال (ع) ارفعوا قيده من الماء فرفع قيده وهبط الماء فأرسل عوضه زبرا من الحديد الى ان صعد الماء الى موضع كان فيه القيد، ثم قال اخرحوا هذا الحديد وزنوه فانه وزن العبد قال فلما فعلوا ذلك وانفصلوا دخلت نساؤهم عليهم وخرحوا وهم يقولون نشهد انك عيبة علم النبوة وباب مدينة علمه فعلى من جحد حقك لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. وقضى بالبصرة لقوم حدادين ابتاعوا باب حديد من قوم فقال أصحاب الحديد كذا وكذا منا فصدقوهم وابتاعوه، فلما حملوا الباب على اعناقهم قالوا للمشترين بخلاف ما ذكروه اولا فسألوهم الحطيطة فأبوا وانكروا فرجعوا عليهم فصاروا الى أمير المؤمنين عليه السلام فقال ادلكم احملوه الى الماء فحمل وطرح في زورق صغير وعلم على الموضع الذي بلغه الماء ثم قال ارجعوا مكانه تمرا موزونا فما زالوا يطرحون شيئا بعد شئ وورنا حتى بلغ الغاية قال كم طرحتم قال كذا وكذا منا ورطلا فقال (ع) وزنه هذا
[ 100 ]
وروى النضر بن سويد: رفعه، ان رجلا حلف أن يزن فيلا فقال النبي (ص) يدخل الفيل السفينة ثم ينظر الى موضع مبلغ المال من السفينة فيعلم عليه ثم يخرج الفيل ويلقى في السفينة حديدا أو صفرا وما شاء فإذا بلغ الموضع الذي علم عليه اخرجه وأوزنه. وفي الكافي والتهذيب باسنادهما عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (ع) قال اتى عمر بامرأة وزوجها شيخ فلما ان واقعها مات على بطنها، فجاءت بولد فادعى بنوه انها فجرت وتشاهدوا عليها فأمر بها عمر ان ترجم فمر بها علي (ع) فقالت يابن عم رسول الله ان لي حجة فقال: هاتي حجتك فدفعت إليه كتابا فقرأه فقال (ع) هذه المرأة تعلمكم بيوم زواجها وبيوم واقعها كيف كان وجماعة لها فردوا المرأة، فلما كان من الغد دعى (ع) بصبيان اتراب ودعى بالصبي معهم فقال: العبوا حتى الهاهم باللعب، فقال لهم اجلسوا حتى تمكنوا، ثم صاح بهم: بأن قوموا فقام الصبيان وقام الغلام فاتكى على راحتيه فدعى به أمير المؤمنين (ع) فورثه من ابيه وجلد أخوته حدا، فقال له عمر كيف صنعت ؟ قال عرفت ضعف الشيخ في اتكاء الغلام على راحتيه. وفيهما عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن عبد الله بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام ان رجلا اقبل على عهد علي (ع) من الجبل حاجا ومعه غلام فاذنب فضربه مولاه فقال ما أنت بمولاي بل انا مولاك قال فما زال ذا يتواعد ذا وذا يتواعد ذا ويقول كما انت حتى تأتي الكوفة يا عدو الله فأذهب بك الى أمير المؤمنين فلما اتيا الكوفة اتيا أمير المؤمنين فقال الذي ضرب الغلام اصلحك الله ان هذا غلام لي وانه وثب علي يدعيني ليذهب بمالي قال فأخذ هذا يحلف وهذا يحلف وذا يكذب هذا وذا يكذب هذا قال فقال (ع) فانطلقا وتصادقا في ليلتكم هذه ولا تجيئاني إلا بحق، فلما اصبح أمير المؤمنين عليه السلام قال لقنبر اثقب في الحائط ثقبين ثم امر كل واحد منهما ان يدخل رأسه في ثقب ففعلا ثم قال يا قنبر جرد السيف واسر إليه لا تفعل ما آمرك به قال (ع) اضرب عنقه فنحى العبد رأسه فأخذه أمير المؤمنين واصلح بينهما. (خبر جميلة بنت عامر الأنصاري) عن كتاب درر المطالب عن ابن عباس رضي
[ 101 ]
الله عنه قال وفي أيام عمر بن الخطاب في ليلة من الليالي دخل عمر المسجد فلما طلع الصبح رأى عمر شخصا قائما في وسط المحراب فقال عمر لمولاه نبه هذا يصلى فذهب إليه وحركه فلم يتحرك فرأى عليه ازازا فظنه امرأة فنادى امرأة من الانصار فلما تفقدته وجدته رجلا في زي النساء محلوق اللحية مقطوع الرأس فأخبرت عمر بذلك فقال عمر لمولاه اوفى ارفعه من المحراب واطرحه في بعض زوايا المسجد حتى نصلي، فلما فرغ من الصلاة قال لعلي (ع): ما ترى في هذا الرجل قال جهزه وادفنه سيعلم امره بطفل تجدونه بالمحراب، قال عمر: من اين تقول ذلك ؟ قال أخي وحبيبي رسول الله اخبرني بذلك، فلما مضى من القصة تسعة اشهر اني عمر يوما الى المسجد لصلاة الصبح سمع بكاء الطفل في المحراب فقال صدق الله ورسوله وابن عم رسوله علي بن أبي طالب، ثم قال لغلامه اوفى ارفعه عن المحراب فلما فرغ من الصلاة وضع الطفل بين يديه ودعى بعلي، فقال أمير المؤمنين (ع) لأوفى: اطلب راضعه، فذهب يدور في المدينة إذ اقبلت امرأة من الانصار وقالت: ان ولدي مات ومعي در كثير، فاتى الى أمير المؤمنين فأعطاها الطفل وقال لها احفظيه وعين لها من بيت المال مبلغا وكانت ولادة الطفل في شهر محرم الحرام فلما كان العيد استكمل للطفل تسعة أشهر قال أمير المؤمنين لأوفى اذهب الى المرضعة فأتني بها فلما حضرت قال لها أمير المؤمنين عليه السلام: آتيني بالطفل ودفع إليها ثوبا وقال لها اذهبي به الى المصلى وانظري ايما امرأة تأتيك وتأخذه وتقول يا مظلوم يابن المظلومة يابن الظالم آتيني بها فلما اصبحت فعلت ما امرها به (ع) فإذا امرأة تناديها يا حرة قفي بحق محمد بن عبد الله فلما دنت منها رفعت الخمار عن وجهها وكانت جميلة لا نظير لها في الحسن فأخذت الطفل وقبلته وقالت: يا مظلوم يابن المظلومة يابن الظالم ما اشبهك بولدي الذي مات وهي تبكي ثم ردته الى المرضعة وارادت ان تنصرف فتشبثت المرضعة بها فضجت المرأة واضطربت اضطرابا شديدا وقالت اتق الله وارفعي يدك وقالت اتق الله وأرفعي يدك عني فأنك إن اتيت بأمير المؤمنين (ع) فضحني بين الملأ وانا اكون خصمك يوم القيامة قالت المرضعة ما يمكنني ان اقاربك حتى اتي بك أمير المؤمنين قالت إذا اتيتي بي أمير المؤمنين لا يعطيك عطاءا بل اذهبي
[ 102 ]
معي حتى اعطيك هدية تفرحين بها وهي بردتان يمانيتان وحلة صنعائية وثلاث مائة هجرية وكوني كأنك ما رأيتني واكتمي امري وإذا أقبل عيد الأضحى يشهد الله على ان اعطيك مثلها إذا رأيت الطفل سالما، فمضت المرأة معها واخذت جميع ما ذكرت لها ومضت فلما رجع الناس من المصلى احضرها أمير المؤمنين (ع) وقال لها: يا عدوة الله ما صنعت بوصيتي ؟ قالت يابن عم رسول الله طفت بالطفل جميع المصلى فما وجدت احدا اخذه مني فقال لها أمير المؤمنين: كذبت وحق صاحب هذا القبر اتتك امرأة واخذت منك الطفل وقبلته وبكت ثم ردته اليك وانت تشبثت بها فاعطتك رشوة ثم وعدتك بمثلها فارتعدت فرائض المرضعة، فقالت في نفسها إن لم اخبره اهلكني، ثم تعجبت وقالت: يابن عم رسول الله أتعلم الغيب ؟ قال معاذ الله لا يعلم الغيب إلا الله هذا علم علمنيه رسول الله، فقالت يا أمير المؤمنين الصدق احسن الكلام كذلك كان واني بين يديك مرني مهما تأمرني وان اردت مضيت الى منزل المرأة واتيتك بها فقال عليه السلام: هي لما اعطتك المال والتحف انتقلت من ذلك المنزل الى غيره الآن عفى الله عنك ما صنعت فاحفظي الطفل وإذا رأيتيها في عيد الاضحى فأتيني بها، قالت سمعا وطاعة يابن عم رسول الله، فلما اقبل عيد الأضحى صنعت صنعت مثل صنيعها الاولى فأتتها تلك المرأة وقالت تعالي معي حتى اوفيك ما وعدتك به فقالت المرضعة لا حاجة لي بعطاياك ولا يمكنني ان افارقك حتى احضرك بين يدي ابن عم رسول الله ثم لزمت بطرف ازارها فلما رأت المرأة ذلك منها حولت وجهها نحو السماء وقالت: يا غياث المستغيثين ويا جار المستجيرين، ومشت مع المرضعة الى مسجد النبي (ص) فلما رآها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال يا أمة الله ايما تحبين ؟ تحدثيني ام احدثك بالقصة ؟ قد اخبرني بها حبيبي رسول الله من أولها الى آخرها، فقالت: أنا اخبرك بقصتي ولكن تعطيني الامان منك وتومنني من عقوبة الله، قال أمير المؤمنين كذلك أفعل، قالت الامرأة: اعلم يا أمير المؤمنين انني ابنة من بنات الأنصار قتل أبي بين يدي رسول الله واسمه عامر بن سعيد الخزرجي وماتت امي في خلافة أبي بكر وبقيت وحيدة فريدة ليس أحد يتعاهدني وكن في جواري نساء اقعد معهن
[ 103 ]
واغزل بالمغزل وكانت معهن لي مؤانسة فبينا أنا ذات يوم جالسة مع نساء المهاجرين والانصار إذ اقبلت علينا عجوز وفي يدها سبحتها وهي تتوكأ على عصاة فسلمت فرددنا عليها السلام ثم سألت اسم كل واحدة منا ثم اتت الي وقالت يا صبية ما اسمك قلت جميلة، قالت بنت من ؟ قلت بنت عامر الانصاري، قالت ألك أب أو بعل ؟ قلت لا قالت فكيف تكونين على هذه الحالة وأنت صبية جميلة واظهرت التحنن علي، ثم بكت وقالت هل تريدين امرأة تكون معك تؤنسك وتكون قائمة بما تحتاجيه فقلت لها واين تلك المرأة قالت أنا اكون بمنزلة الوالدة الشفيقة، فقلت لها من رغبتي البيت بيتك وكان لي بذلك فرح عظيم ثم دخلت معي الحجرة فطلبت ماء وتوضأت فلما فرغت قلت لها: الحمد لله الذي يسر لي ورحم ضعفي فقدمت إليها خبزا ولبنا وتمرا فنظرت إليه وبكت فقلت مم بكاؤك قالت يا بنية ليس هذا طعامي، فقلت واي طعام معهودك ؟ فقالت قرص من الشعير معه قليل من الملح، فأحضرت ذلك فبكت وقالت: يا بنية ما هذا وقت أكلي ولكن إذا فرغت من صلاة العشاء احضري لي ذلك حتى افطر لأني صائمة، ثم قامت الى الصلاة فلما فرغت من صلاة العشاء قدمت إليها قرصين من الشعير وملحا، فقالت احضري لي قليلا من الرماد فأحضرته لها فمزجت الملح بالرماد وتناولت قرصا من الشعير فمزجت الملح بالرماد وتناولت قرص الشعير فأكلت منه ثلاث لقمات مع الملح والرماد ثم قامت وشرعت في الصلاة فما زالت تصلى حتى ان طلع الفجر فدعت بدعاء لم اسمع احسن منه، ثم اني قمت وقبلت ما بين عينيها وقلت بخ بخ لمن تكوني عندها دائمة فأسألك بحق محمد نبي الله (ص) ان تدعي لي بالمغفرة فلا شك ان دعاءك لا يرد، ثم انت صبية جميلة وانا اخاف عليك من الوحدة ولا بد لي من الخروج الى الحاجة فلا بد ان تكون لك انيسة تؤنسك فقلت لها اني يكون لي ما تقولين قالت ان لي ابنة هي اصغر سنا منك عاقلة موقرة متعبدة آتيك بها كي تؤنسك، فقلت افعلي، وخرجت ومضت زمانا ثم رجعت وحدها فقلت لها أين اختي التي وعدتني بها ؟ فقالت ان ابنتي وحشية من الناس انسها مع ربها وانت صبية مزوحية ضحوكة ونساء المهاجرين والأنصار يترددن اليك وانا اخاف إذا جاءت
[ 104 ]
اليك يخطرن ويكثرن الحديث وتشتغل عن العبادة فتفارقك وتروح عنك فحلفت لها يمينا بأمير المؤمنين (ع) ما دامت ابنتك عندي لم ادخلهن علي، قالت العجوز الشرط يكون كذلك، ثم خرجت وعادت بعد ساعة ومعها امرأة تامة متغطية بالأزار لا بيان منها غير عينيها فلما وصلت العجوز الى باب الحجرة وقفت فقلت لها ما بالك لا تدخلين قالت من شدة الفرح حيث بلغت مرادك واني تركت باب حجرتي مفتوحة واخاف ان يدخلها أحد وانت أغلقي باب حجرتك ولا تفتحيها لأحد حتى ارجع اليك فغلقت الباب ثم توجهت الى تلك المرأة وكلمتها فلم تجبني فلححت عليها لترفع أزارها فلم تفعل حتى أخذت الازار عن رأسها فوجدتها رجلا محلوق اللحية مخضب اليدين والرجلين لابسا ملابس النساء متشبها بهن فلما رأيت ذلك بهت وغشى علي فلما افقت قلت له ما حملك على هذا فضحتني وفضحت نفسك قم فأخرج من حيث اتيت بسترك ولو علم بك الخليفة لعذبك، فلزمني وانا خفت إن صحت فضحت وعلم بذلك جيراني ثم عانقني وصرعني وما كنت تحته إلا كالفرخ بين يدي النسر وفضني وهتك ستري فلما أراد أن يتباعد عني لم يقدر من شدة السكر فخر على وجهه مغشيا عليه فلم أر فيه حركة فنظرت في وسطه سكينا فجذبتها وقطعت رأسه ثم رفعت طرفي الى السماء وقلت إلهي وسيدي تعلم انه ظلمني وفضحني وهتك ستري وانا توكلت عليك يامن إذا توكل عليه العبد كفاه يا جميل الستر فلما دخل الليل حملته على ظهري واتيت به الى مسجد النبي (ص) فلما حان وقت الحيض ما رأيت شيئا مما ترى النساء فاغتممت لذلك واردت كي لا افتضح ثم قلت في نفسي اتركه فإذا خرج قتلته واخفيت أمري حتى ولد هذا الطفل وما اطلع عليه أحد فقلت في نفسي هذا طفل وأي ذنب له حتى اقتله فلففته ووضعته في المحراب، وهذا حالي يابن عم رسول الله، قال عمر اشهد اني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أنا مدينة العلم وعلي بابها، وسمعته يقول (ص): اخي علي ينطق بلسان الحق الآن احكم انت يا أمير المؤمنين هذا الحكم فأنه لا يحكم فيه سواك قال أمير المؤمنين (ع): دية ذلك المقتول ليست على أحد لأنه ارتكب الحرام وهتك الحرمة وباشر بجهله أمرا عظيما ولا على هذه المرأة شئ من الحد لأن الرجل دخل
[ 105 ]
عليها من غير علمها وغلبها على نفسها من غير شهوة منها وحيث استمكنت منه استوفت حقها ثم قال أمير المؤمنين (ع): أنت على كل حال ينبغي أن تحضري العجوز حتى آخذ حق الله منها واقيم عليها حده فلا تقصري كي يظهر صدق كلامك، قالت المرأة أنا ما اقصر في طلبها لكن امهلني ثلاثة أيام، قال (ع): أمهلتك وأمر المرضعة أن ترد الولد إليها وقالت لها سميه مظلوما ويل لأبيه من الله تعالى (يوم تجزى كل نفس بما عملت) ثم انصرفت الى بيتها ودعت ربها بأن يظفرها بالعجوز ثم انها خرجت من بيتها وهي متوكلة على الله وإذا بالعجوز في طريقها فأخذتها وأتت بها الى مسجد النبي (ص) فلما رآها أمير المؤمنين (ع) قال لها يا عدوة الله أما علمت أنا علي بن أبي طالب وعلمي من علم رسول الله (ص) اصدقيني عن قصة هذا الرجل الذي اتيتي به الى بيت هذه المرأة فقالت العجوز: يا أمير المؤمنين لا أعرف هذه المرأة ولا رأيتها قط ولا اعرف الرجل ولا استحل هذه الامور، فقال (ع): تحلفين على ما قلت قالت: نعم، فقال (ع) اذهبي وضعي يدك على قبر رسول الله واحلفي انك لا تعرفين هذه المرأة ولا رأيتيها قط فقامت العجوز ووضعت يدها على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحلفت فاسود وجهها وهي لا تشعر فأمر أمير المؤمنين أن يأتوا بمرآت وناولها إياها ثم قال انظري فيها وإذا وجهها كالفحم الاسود فأرتفعت الاصوات بالتكبير والصلاة على محمد والعجوز تنظر وتبكي وتقول يا بن عم رسول الله تبت ورجعت الى الله فقال (ع): اللهم أنت العالم بما في الضمائر إن كانت صادقة في كلامها انها تابت ارجعها الى حالها فلم يرتفع عنها السواد فعلم أمير المؤمنين (ع) انها لم تتب، فقال يا ملعونة كيف كانت توبتك لا غفر الله لك ثم قال لعمر مر أصحابك ان يخرجوها الى خارج المدينة ويرجموها لأنها كانت سبب قتل النفس المحترمة وهتك حرمة المرأة واستقرار النطفة من الحرام، فأمر عمر بذلك، فلما كانت الخلافة الى أمير المؤمنين عليه السلام كان ذلك الغلام قد كمل في العمر ثم قتل في صفين بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام. وعنه: روى عن أبي عبد الله عليه السلام، قال حدثني أبي عن جدي عليهم السلام: أنه قعد في زمن عمر رجلان يتغديان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر
[ 106 ]
ثلاثة أرغفة فمر بهما رجل فدعوه الى طعامهما فأكل معهما فلما قام ناولهما ثمانية دراهم وقال هذا لكما بدل ما أكلت من طعامكما، فقال صاحب الخمسة أرغفة لصاحب الثلاثة لي خمسة ولك ثلاثة فقال لا آخذ إلا أربعة لي وأربعة لك فأفضى بهما الحال إلى أن اختصما إلى عمر فقال عمر لصاحب الخمسة: لك خمسة ولصاحب الثلاثة ثلاثة، فقالا قد حلف كل واحد منا أن لا يأخذ إلا حقه فأمسكوا عنهما، فبعث عمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فلما حضر قال له يا أبا الحسن: اقضي بين هذين الرجلين فقصا عليه القصة فقال " ع " لهما اصطلحا فأبيا، فقال: يعطى لصاحب الثلاثة درهم ولصاحب الخمسة سبعة دراهم، فقالوا كيف يكون ذلك يا أبا الحسن ؟ فقال " ع ": إنه لقضاء تعرفه الصبيان الكتاب إذا تعلموا الفرائض، فقالوا: بين لنا ذلك فقال أليس كانوا هم ثلاثة بينهم ثمانية أرغفة ؟ فقالوا نعم، فقال " ع ": ضربنا ثمانية أجزاء في ثلاثة أجزاء ثم ضربنا الثلاثة في ثلاثة فصارت تسعة أجزاء فوجدنا صاحب الثلاثة قد أكل من خبزه ثمانية أجزاء والضيف جزء واحد ثم ضربنا الخمسة في ثلاثة فصارت خمسة عشر جزءا فوجدنا صاحب الخمسة قد أكل من خبزه ثمانية أجزاء وأكل الضيف سبعة أجزاء فقضى الأمر كذلك، فأقبل عمر على علي أمير المؤمنين عليه السلام وقال: أشهد أنك رباني هذه الأمة. وروي: أن امرأة ركبت على أخرى فجاءت ثالثة فنخستها فوقعت الراكبة فماتت، فقضى أمير المؤمنين بثلثي الدية على الناخسة والمركوبة لأن التلف وقع بينهما وأسقط الثلث لركوبها عبثا فصوبه النبي صلى الله عليه واله. وفي الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام: قال كان لرجل على عهد علي عليه السلام جاريتان فولدتا جميعا في ليلة واحدة أحداهما إبنا والأخرى بنتا فمضت صاحبة الإبنة فوضعت الإبنة في المهد الذي فيه الإبن وأخذت الإبن فضمته إليها فلما جاءت أم الإبن رأت في مكانه الإبنة وقد أخذت أم الإبنة ابنها فأتتها فقالت: الإبن إبني وقالت الأخرى: إبني فتحاكما إلى أمير المؤمنين فأمر عليه السلام أن يوزن لبها وقال أيتهما كانت أثقل لبنا فالابن لها.
[ 107 ]
وفي كتاب مطالب السؤل: ان عليا (ع) لما قدم الكوفة وقدم عليه طوائف الناس كان فيهم فتى فصار من شيعته يقاتل بين يديه في مواقفه (ع) فخطب إمرأة من قوم استوطنوا الكوفة فأجابوه فتزوجها فلما صلى (ع) يوما صلاة الصبح قال لبعض من عنده اذهب الى محلة بني فلان تجد فيها مسجدا الى جانبه بيت تسمع فيه صوت رجل وامرأة يتشاجران فاحضرهما الساعة وقل لهما أمير المؤمنين يطلبكما، فمضى ذلك الانسان فما كان إلا هنيئة حتى عاد ومعه الفتى والامرأة فقال (ع) لهما: فيم تشاجركما طول الليلة ؟ فقال الفتى يا أمير المؤمنين ان هذه المرأة خطبتها وتزوجتها فلما خلوت بها وجدت في نفسي منها نفرة منعتني أن الم بها ولو استطعت اخراجها ليلا لأخرجتها عني قبل طلوع الفجر ونحن في التشاجر الى ان جاء أمرك فحضرنا اليك، فقال (ع) لمن حضره: رب حديث لا يؤثر من يخاطب به أن يسمعه غيره فقام من كان حاضرا ولم يبق عنده غير الفتى والمرأة فقال عليه السلام: أتعرفين هذا الفتى فقالت لا ؟ فقال لها: إذا انا اخبرتك بحالة تعلمينها فلا تنكريها قالت لا يا أمير المؤمنين، قال ألست فلانة بنت فلان ؟ قالت بلى، قال (ع): أليس لك ابن عم وكل واحد منكما راغب في صاحبه ؟ قالت بلى، فقال أليس أباك منعك عنه ومنعه عنك ؟ قالت بلى، قال (ع) ألست خرجت ليلة لقضاء الحاجة فاغتالك واكرهك ووطأك فحملت وكتمت أمرك عن أبيك واعلمت أمك فلما آن الوضع اخرجتك ليلا فوضعت ولدا فلففته في خرقة والقيتيه الى خارج الطريق وجاء كلب فشمه فخشيت ان يأكله فرمته بحجر فوقعت في رأسه فشجته فعدت إليه انت وامك فشدت املك رأسه بخرقة من جانب مرطها ثم تركتماه ومضيتما ولم تعلما حاله، فسكتت فقال لها: تكلمي بحقي فقالت بلى والله يا أمير المؤمنين ان هذا الامر ما علمه غير امي، فقال قد اطلعني الله تعالى عليه فأصبح واخذه بنو فلان فربى فيهم الى ان كبر وقدم معهم الكوفة وخطبك وهو ابنك، ثم قال للفتى اكشف عن رأسك فكشف عنه فوجد أثر الشجة فيه فقال (ع): ابنك قد عصمه الله مما حرمه عليه فخذي ولدك وانصرفي فلا نكاح بينكما. وروي: ان ثلاثة رجال تشاجروا على سبعة عشر جملا بينهم وتخاصموا وألد
[ 108 ]
بينهم الخصام الطويل وكثر القال والقيل فمر عليهم علي (ع) فقال لهم: ما بالكم يشاجر بعضكم بعضا فقالوا يا أبا الحسن هذه سبعة عشر جملا وقد تشاجرنا على قسمتها ويريد كل منا ما يريده الآخر بحيث لا ينقص وقد اختار كل منا فيها، فقال لأحدهم كم لك ؟ قال النصف، ثم قال للثاني كم لك ؟ قال الثلث ثم قال للثالث كم لك فيها ؟ قال التسع فقال (ع): أترضون أن أقسمها لكم واضيف جملي هذا الى جمالكم هذه قالوا: رضينا قال (ع) للأول: أليس لك النصف وهو ثمانية جمال ونصف جمل قال بلى فقال إذا دفعت اليك ما يزيد على سهمك من غير كدر أفترضي قال نعم، فدفع إليه تسعة ثم قال للثاني: أليس لك الثلث وهو ستة جمال إلا ثلث جمل قال بلى فقال (ع): إذا دفعت اليك ما يزيد على سهمك أفترضي قال نعم، ثم قال للثالث: أليس لك التسع وهو جملان إلا تسع جمل قال بلى فقال إذا دفعت اليك ما يزيد على سهمك من غير كسر أفترضي قال نعم فدفع إليه جملين وانصرف فركب عليه السلام جمله ومضى. (خبر اليتيمة): في تهذيب الحديث في عهد عمر كانت يتيمة عند رجل وكان للرجل امرأة وكان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله فشبت اليتيمة وكانت جميلة فتخوفت المرأة أن يتزوجها زوجها إذا رجع الى منزله فدعت بنسوة من جيرانها فأمسكتها ثم افتضتها باصبعها فلما قدم زوجها سأل المرأة عن اليتيمة فرمتها بالفاحشة وأقامت البينة من جيرانها على ذلك فأتوا عليا عليه أفضل الصلاة والسلام وقصوا عليه القصة فقال (ع) لأمرأة الرجل ألك بينة ؟ قالت نعم هؤلاء جيراني يشهدون عليها بما أقول فأخرج على السيف من غمده وطرحه بين يديه ثم أمر بكل واحدة من الشهود فدخلت بيتا ثم عاد بامرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها فأدخلت بيتا ثم دعى باحدى الشهود وجثى على ركبتيه وقال لها أتعرفيني أنا علي بن أبي طالب وهذا سيفي وقالت امرأة الرجل ما قالت ورجعت الى الحق واعطيتها الأمان فاصدقيني وإلا ملأت سيفي منك فالتفتت المرأة الى علي (ع) فقالت يا أمير المؤمنين الأمان على الصدق فقال لها علي فأصدقيني فقالت: لا والله ما زنت اليتيمة ولكن امرأة الرجل لما رأت حسنها وجمالها وهيأتها خافت فساد زوجها فسقتها المسكر فأمسكناها فأفتضتها باصبعها. فقال
[ 109 ]
عليه السلام: الله أكبر الله أكبر انا أول من فرق بين الشهود إلا دانيال ثم حد المرأة حد القاذف وألزمها وألزم من ساعدها على اليتيمة المهر اربعمائة درهم وفرق بين المرأة وزوجها وزوجه اليتيمة وساق عنه المهر إليها من ماله، فقال عمر يا أبا الحسن حدثنا بحديث دانيال فقال (ع): ان دانيال كان غلاما يتيما لا أب له ولا أم وان امرأة من بني اسرائيل عجوزا ضمته إليها وربته وان ملكا من ملوك بني اسرائيل كان له قاضيان وكان له صديق وكان رجلا صالحا وكان له امرأة جميلة وكان يأتي الملك ويحدثه فأحتاج الملك الى رجل يبعثه في بعض أموره فقال للقاضيين اختارا لي رجلا ابعثه في بعض أموري فقالا فلان فوجهه الملك فقال الرجل للقاضيين اوصيكما بامرأتي خيرا فخرج الرجل وكان القاضيان يأتيان باب الصديق فعشقا امرأته فراوداها عن نفسها فأبت عليهما فقالا لها إن لم تفعلي شهدنا عليك عند الملك بالزنا ليرجمك فقالت افعلا ما شئتما فأتيا الملك فشهدا عليها أنها بغت وكان لها ذكر حسن جميل فدخل الملك من ذلك امر عظيم واشتد غمه وكان بها معجبا فقال لهما: ان قولكما مقبول فاجلدوها بعد ثلاثة أيام ثم ارجموها ونادى في المدينة احضروا قتل فلانة العابدة فأنها قد بغت وقد شهد عليها القاضيان بذلك، فأكثر الناس القول في ذلك فقال الملك لوزيره ما عندك في هذا حيلة فقال لا والله ما عندي في هذا شئ، فلما كان اليوم الثالث ركب الوزير وهو آخر أيامها فرأى غلمانا عراة يلعبون وفيهم دانيال فقال دانيال يا معشر الصبيان تعالوا اكون أنا الملك وتكون انت يا فلان العابدة ويكون فلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها ثم جمع ترابا وجعل سيفا من قصب ثم قال للغلمان خذوا بيد هذا فنحوه الى موضع كذا والوزير واقف، وخذوا هذا فنحوه الى موضع كذا، ثم دعى بأحدهما فقال قل حقا بأنك إن لم تقل حقا قتلتك قال نعم والوزير يسمع، فقال بم تشهد في حق هذه المرأة ؟ فقال اشهد بأنها زنت قال في أي يوم ؟ قال في يوم كذا، قال في أي وقت ؟ قال في وقت كذا وكذا، قال في أي موضع ؟ قال في موضع كذا وكذا قال مع من ؟ قال مع فلان فقال دانيال ردوا هذا الى مكانه وهاتوا الآخر فردوه وجاؤا بالآخر فسأله عن ذلك فخالف صاحبه بالقول فقال دانيال (ع): الله
[ 110 ]
اكبر الله أكبر شهدا عليها بالزور، ثم نادى الغلمان بأن القاضيين شهدا على فلانة بزور فاحضروا قتلهما، فذهب الوزير الى الملك مبادرا فأخبره بالخبر، فبعث الملك الى القاضيين فأحضرهما ثم فرق بينهما وفعل بهما كما فعل دانيال بالغلامين فأختلفا كما اختلف الغلامان، فنادى في الناس وأمر بقتل القاضيين. (قصة بيت الطشت) في البحار عن كتاب الروضة وفضائل ابن شاذان يرفعه الى عمار بن ياسر وزيد بن أرقم، قالا: كنا بين يدي أمير المؤمنين (ع) وكان يوم الاثنين اربع عشر خلت من صفر وإذا بزعقة عظيمة أصمت المسامع وكان علي على دكة القضاء فقال يا عمار: ايتني بذي الفقار وكان وزنه سبعه أمنان وثلثي من مكي فجئت به فانتضاه من غمده وتركه على فخذه وقال يا عمار: هذا يوم اكشف فيه لأهل الكوفة الغمة يا عمار ايتني بمن على الباب قال عمار: فخرجت وإذا على الباب امرأة في قبة على جمل وهي تشتكي وتصيح يا غياث المستغيثين ويا بغية الطالبين ويا كنز الراغبين وياذا القوة المتين ويا مطعم اليتيم ويارازق العديم ويا محيى كل عظم رميم ويا قديما سبق قدمه كل قديم يا عون من ليس له عون ولا معين يا طود من لا طود له يا كنز من لا كنز له اليك توجهت وبوليك توسلت وخليفة رسولك قصدت فبيض وجهي وفرج عني كربتي، قال عمار وكان حولها الف فارس بسيوف مسلولة قوم لها وقوم عليها فقلت: أجيبوا أمير المؤمنين اجيبوا عيبة علم النبوة قال فنزلت المرأة من القبة ونزل القوم ودخلوا المسجد فوقفت المرأة بين يدي أمير المؤمنين (ع) وقالت يا مولاي يا إمام المتقين اليك اتيت وإياك قصدت فاكشف كربتي وما بي من غمة فانك قادر على ذلك وعالم بما كان وما يكون الى يوم القيامة، فعند ذلك قال (ع): يا عمار نادي في الكوفة من أراد ينظر الى ما اعطاه الله أخا رسوله فليأت المسجد، قال فأجتمع الناس حتى أمتلأ المسجد بالناس فقام أمير المؤمنين عليه السلام وقال: سلوني ما بدا لكم يا أهل الشام فنهض شيخ من بينهم قد شاب وعليه بردة يمانية فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين هذه الجارية ابنتي وقد
[ 111 ]
خطبها ملوك العرب والآن قد فضحتني لأنها قد حملت بحمل لا أدري من أين هو فقال أمير المؤمنين (ع). ما تقولين يا جارية ؟ فقالت يا مولاي وحقك ما علمت من نفسي خيانة قط واني اعلم انك بنفسي أعلم بي مني، قال عمار: فأخذ الامام (ع) ذا الفقار وصعد المنبر وقال: الله اكبر الله اكبر جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا، ثم قال: علي بداية الكوفة فجاؤا بها، فقال لها أمير المؤمنين: اضربي فيما بينك وبين الناس حجابا وانظري هذه الجارية عاتق أم لا، حامل أم لا، ففعلت ما أمر به (ع) ثم قالت نعم يا سيدي هي عاتق حامل، فألتفت الى أبي الجارية وقال: يا أبا الغضب ألست من قرية كذا وكذا من أعمال دمشق ؟ قال وما هذه القرية ؟ قال هي قرية تسمى اسعار قال بلى يا مولاي، فقال (ع): من منكم يقدر على قطعة ثلج في هذه الساعة ؟ قال يا مولاي الثلج في بلادنا كثير ولكن ما نقدر عليه هيهنا، فقال " ع ": بيننا وبينكم مائتان وخمسون فرسخا قال نعم يا مولاي، قال عليه السلام: أيها الناس انظروا إلى ما أعطاه الله عليا من العلم النبوي الذي أودعه الله ورسوله من العلم الرباني قال عمار: فمد يده من أعلى منبر الكوفة ورماها وإذا فيها قطعة ثلج يقطر الماء منها فعند ذلك ضج الناس وماج الجامع بأهله، فقال " ع ": اسكتوا فلو شئت أتيت بجبالها، ثم قال لها يا دابة خذي هذه القطعة من الثلج واخرجي الجارية من المسجد واتركي تحتها طشتا وضعي هذه القطعة ما يلي الفرج فسترين علقة وزنها سبعمائة وخمسون درهما ودانقان، فقالت سمعا وطاعة لله ولك يا مولاي، ثم أخذتها وخرجت بها من الجامع وجاءت بطشت ووضعت الثلج كما أمرها الإمام فرأت علقة وزنتها الدابة فوجدتها كما قال " ع " فأقبلت ووضعتها بين يديه، فقال " ع ": يا أبا الغضب خذ ابنتك فوالله ما زنت وإنما دخلت الموضع الذي فيه الماء فدخلت هذه العلقة في جوفها وهي بنت عشرة سنين وكبرت إلى الآن في بطنها، فنهض أبوها وهو يقول: أشهد أنك تعلم ما في الأرحام وما في الضمائر وأنت باب الدين وعموده قال فضج الناس عند ذلك وقالوا: يا أمير المؤمنين لنا اليوم خمس سنين لم تمطر السماء علينا وقد مسنا وأهلنا الضر فاستسقي لنا يا وارث علم محمد فقام (ع) وأشار بيده إلى السماء فسال الغيث حتى بقت
[ 112 ]
الكوفة غدرانا فقالوا: يا أمير المؤمنين كفانا وروينا فتكلم بكلام فمضى الغيث فانقطع المطر وطلعت الشمس. (خبر آخر) وفيه عن عمار أيضا قال كنت عند أمير المؤمنين عليه السلام وإذا بصوت عظيم فقال يا عمار اخرج وايتني بذي الفقار، فأتيته به، فقال اخرج وامنع الرجل من ظلامة الامرأة وإن أبى فاقسمه بذي الفقار، قال يا عمار: فخرجت فإذا بإمرأة ورجل قد تعلق بزمام جملها وهي تقول: إن الجمل جملي، والرجل يقول: إنه جملي، فقلت له: إن أمير المؤمنين ينهاك عن ظلامة المرأة، فقال يشتغل علي بشغله ويغسل يده من دماء المسلمين الذين قتلهم في البصرة والآن يريد أن يأخذ جملي ويدفعه إلى هذه المرأة الكاذبة، قال فرجعت لأخبره عليه السلام وإذا به قد خرج والغضب في وجهه وقال له: ويلك خل عن جمل المرأة فقال هو لي فقال (ع): كذبت يا لعين فقال من يشهد لها ؟ فقال من لا يكذبه أحد، ثم قال (ع): تكلم أيها الجمل لمن أنت فقال بلسان فصيح: أنا لهذه المرأة منذ تسعة عشر سنة. فقال عليه السلام: للمرأة خذيه وضرب الرجل وقسمه نصفين.
الباب الثاني
(في زهده وعبادته وتقواه وحلمه وشفقته)
وفيه فصلان:
الفصل الأول (في زهده وعبادته وتقواه) :
عن الأصبغ بن نباتة، وروي عن الباقر عليه السلام: أن عليا (ع) أتى البزازين فقال لرجل بعني ثوبين فقال الرجل يا أمير المؤمنين عندي حاجتك فلما عرفه مضى عنه فوقف على غلام وأخذ ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين فقال
[ 113 ]
عليه السلام: يا قنبر خذ الذي بثلاثة دراهم، فقال قنبر: يا أمير المؤمنين أنت أولى به تصعد المنبر وتخطب الناس، فقال " ع ": أنت شاب ولك شره الشباب وأنا أستحي من ربي أن أتفضل عليك سمعت رسول الله (ص) يقول: ألبسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تأكلون فلما لبس القميص مد كم ذلك القميص وأمر بقطعه واتخاذه قلانس للفقراء فقال الغلام: هلم أكفه فقال دعه كما هو فإن الأمر أسرع من ذلك فجاء أبو الغلام فقال إن ابني لم يعرفك وهذان الدرهمان ربحهما فقال " ع ": ما كنت لأفعل قد ماكسته وما كسني واتفقنا على الرضى. وعن سويد بن غفلة ! قال رأيت أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل رغيفا يكسره برجله ويلقيه في اللبن يجد ريحه من حموضته فناديت فضة جارية: ويحك أما تتقون الله في هذا الشيخ فتنخلون له طعاما لما أرى فيه من النخال فقال " ع ": بأبي وأمي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البر حتى قبضه الله إليه. وقال عليه السلام لعقبة بن علقمة يا أبا الحتوف أدركت رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا فإن أنا لم آخذ به خفت أن لا ألحق به. وعن أئمة الهدى - أن أمير المؤمنين " ع " مر ببعض حيطان فدك وفي يده مسحاة فهجمت عليه إمرأة من أجمل النساء فقالت يا ابن أبي طالب إن تتزوجني أعنك عن هذه المسحاة فقال لها من أنت حتى أخطبك من أهلك ؟ فقالت أنا الدنيا، فقال ارجعي فاطلبي زوجا غيري فلست من شأني وأقبل على مسحاته. وقد جاء في الأحاديث من الطرفين إنه كان يصلي في كل ليلة ألف ركعة مع اشتغاله بحوائجه الأخر. وجاء أنه لم يقدر أحد أن يحكي صلاة رسول الله إلا علي، ولا صلاة علي إلا علي بن الحسين. ويروى أنه عليه السلام كان كثيرا ما تصيبه الجراحات في الحروب وكانوا إذا أرادوا إخراج النشاب والحديد من جسده الشريف تركوه حتى يصلي فإذا اشتغل بالصلاة وأقبل على الله أخرجوا الحديد من جسده ولم يحس بالألم من شدة توجهه إلى الله، فإذا فرغ من صلاته يرى ذلك فيقول لولده الحسن (ع) إن هي إلا فعلتك يا حسن. وفي الروايات أنه لم يترك صلاة الليل والتهجد فيه حتى ليلة الهرير وكان
[ 114 ]
عليه السلام أكثر ايامه صائما يفطر على الماء. وفي كتاب ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي عن بريدة الأسلمي قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لي جبرئيل يا محمد ان حفظة علي بن أبي طالب لتفخر على الملائكة انها لم تكتب على علي خطيئة منذ صحبته. وفيه سئل علي (ع) عن قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاتة) قال والله ما عمل بهذا غير أهل بيت رسول الله نحن ذكرنا الله فلا ننساه، ونحن شكرنا الله فلا نكفره، ونحن اطعناه فلا نعصيه. قال جابر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين مؤمن آل يس وعلي ابن أبي طالب وآسية إمرأة فرعون. وفي روضة الواعظين قال أبو جعفر (ع) والله ان كان علي ليأكل أكل العبد ويجلس جلسة العبد، وان كان ليشتري القيمصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر هو فإذا جاز اصابعه قطعه وإذا جاز كعبه حذفه ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجره على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا اقطع قطيعة ولا اورث بيضاء ولا حمراء وان كان ليطعم الناس خبز البر واللحم وينصرف الى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضا إلا اخذ بأشدهما على بدنة ولقد اعتق الف مملوك من كد يده تربت فيه يداه وعرق فيه وجهه وما اطلق عمله من الناس احد وإن كان ليصلي في اليوم والليلة الف ركعة وان كان اقرب شبها به علي بن الحسين زين العابدين وما اطاق عمله بعده أحد من الناس. وفيه سمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب (ع) - (أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه) قال الرجل أتيت عليا لأنظر إلى عبادته فأشهد بالله لقد أتيته وقت المغرب فوجدته (ع) يصلي بأصحابه المغرب فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى عشائه الآخرة ثم دخل منزله فدخلت معه فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر ثم جدد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر ثم جلس في التعقيب إلى أن طلع الشمس ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه الرجلان وإذا فرغا
[ 115 ]
قاما، وجاء آخران إلى أن قام إلى صلاة الظهر وجدد وضوءه ثم صلى بأصحابه الظهر ثم قعد في التعقيب إلى أن صلى بهم العصر ثم أتاه الناس فجعل يقوم رجلان ويقعد آخران يقضي بينهم ويفتيهم إلى أن غابت الشمس فخرجت وأنا أقول أشهد بالله إن هذه الآية نزلت فيه. وعن عروة بن الزبير: قال كنا نتذاكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعمال أهل بدر وبيعة أهل الرضوان، فقال أبو الدرداء: ألا أخبركم بأقل القوم مالا وأكثرهم ورعا وأشدهم اجتهادا في العبادة قالوا من ؟ قال علي بن أبي طالب وقال رأيته في حائط بني النجار يدعو بدعوات وذكر الدعوات إلى أن قال ثم انغمر في الدعاء فلم أسمع له حسا ولا حركة فقلت غلب عليه النوم لطول السهر أوقظه لصلاة الفجر فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون مات والله علي بن أبي طالب فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليه فقالت فاطمة (ع): يا أبا الدرداء ما كان من شأنه وقصته فأخبرتها الخبر فقالت هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله، ثم أتوه بماء فنضحوا على وجهه فأفاق ونظر إلي وأنا أبكي فقال ما بكاؤك يا أبا الدرداء ؟ فقلت بما أراه تنزله بنفسك فقال " ع " كيف بك إذا رأيتني أدعى إلى الحساب وأيقن أهل الجرائم بالعذاب واحتوشتني ملائكة غلاظ شداد وزبانية فظاظ فوقفت بين يدي الملك الجبار وأسلمتني الأحباء ورفضتني أهل الدنيا لكنت أشد رحمة بين يدي من لا تخفى عليه خافية، فقال أبو الدرداء ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله. وعن سويد بن غفلة، دخلت على مولاي أمير المؤمنين عليه السلام بعد ما بويع بالخلافة وهو جالس على حصير صغير ليس في البيت غيره فقلت يا مولاي يا أمير المؤمنين بيدك بيت المال ولا أرى في بيتك شيئا مما يحتاج إليه البيت فقال يابن غفلة إن البيت لا يتأثث في دار النقلة ولنا دار قد نقلنا خير متاعنا إليها وإنا عن قليل إليها صائرون. ومن كلامه عليه السلام والله ما دنياكم عندي إلا كسفر على منهل حلوا وصاح بهم سائقهم فارتحلوا، ولا لذاتها في عيني إلا كحميم أشربه غساقا
[ 116 ]
وعلقم اتجرعه زعاقا وسم اسقاه دهاقا وقلادة من نار ارهقها خناقا.
الفصل الثاني (في حلمه وشفقته) :
أما حلمه وشفقته فأنه عليه السلام لم يقابل مسيئا باساءته ولقد عفى عن أهل البصرة بعد ان ضربوا وجهه بالسيف وقتلوا اصحابه ولما ظفر بهم قالت عائشة ملكت فاسجح فجهزها أحسن الجهاز وبعث معها بتسعين امرأة أو سبعين واستأمنت لعبد الله بن الزبير على لسان محمد بن أبي بكر فأمنه وآمن معه سائر الناس وجئ بموسى بن طلحة بن عبيد الله فقال له قل استغفر الله واتوب إليه ثلاث مرات وخلي سبيله وقال اذهب حيث شئت وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه واتق الله فيما تستقبله من أمرك واجلس في بيتك. وجاء في الخبر انه (ع) كان إذا اخذ اسيرا في حروب أهل البصرة والشام اخذ سلاحه ودابته واستحلفه ان لا يعين عليه. ومن حلمه انه لما ادرك عمرو بن عبد ود لم يضربه فوقعوا فيه فرد عنه حذيفة فقال النبي (ص) مه يا حذيفة فان عليا سيذكر سبب وقفته، ثم انه ضرب عمرا فلما جاء سأله النبي (ص) عن ذلك فقال انه شتم امي وتفل في وجهي فخشيت ان اضربه لحظ نفسي فتركته حتى سكن ما بي ثم قتلته في الله. وعفى يوم الجمل عن مروان بن الحكم ومن شفقته انه لم يسلب قتيلا قط. ولم يجهز على جريح، ولم يتبع شاردا. ومن حلمه عفوه يوم صفين عن جماعة منهم عمرو بن العاص وبسر بن ارطاة حين ابدوا عوراتهم، وسيأتي في غزواته. في المناقب عن أبي مطرف البصري ان أمير المؤمنين (ع) مر بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي فقال يا جارية ما يبكيك ؟ فقالت بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمرا فأتيتهم به فلم يرضوه فلما اتيته به ابى ان يقبله فقال (ع) للرجل يا عبد الله
[ 117 ]
انها خادمة وليس أمر فاردد إليها درهمها وخذ التمر فقام إليه الرجل فلكزه، فقال له الناس هذا أمير المؤمنين، فربا الرجل واصفر واخذ التمر من الجارية ورد إليها درهمها ثم قال يا أمير المؤمنين ارض عني فقال ما ارضاني عنك ان اصلحت أمرك، وفي فضائل أحمد بن حنبل: إذا وفيت الناس حقوقهم. وفيه انه " ع " دعا غلاما له مرارا فلم يجبه فخرج فوجده على باب البيت فقال " ع ": ما حملك على ترك إجابتي ؟ قال كسلت عن إجابتك وأمنت عقوبتك، فقال الحمد لله الذي جعلني ممن تأمنه خلقه امض فأنت حر لوجه الله. وفيه: كان عليه السلام في صلاة الصبح فقال ابن الكوي من خلفه: (ولقد اوحي اليك والى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فأنصت علي (ع) تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية، ثم عاد في قرائته، ثم أعاد ابن الكوي الآية فأنصت علي أيضا، ثم عاد في قراءته، فاعاد ابن الكوي فأنصت علي عليه السلام ثم قال: (فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يؤمنون). وفيه: مرت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال أمير المؤمنين (ع) ان أبصار هذه الفحول طوامح وان ذلك سبب هبابها فأذا نظر أحدكم الى امرأة تعجبه فليلمس أهله فانما هي امرأة كامرأته، فقال رجل من الخوارج قاتله الله كافرا ما أفقهه فوثب القوم ليقتلوه فقال (ع): رويدا انما هو سب بسب أو عفو عن ذنب ومن شفقته - انه نظر الى امرأة على كتفها قربة ماء فأخذ منها القربة فحملها الى موضعها وسألها عن حالها فقالت بعث علي بن أبي طالب صاحبي الى بعض الثغور فقتل وترك علي صبيانا يتامى وليس عندي شئ وقد الجأتني الضرورة الى خدمة الناس فانصرف عليه السلام وبات ليلته قلقا فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام فقال بعضهم اعطني احمله عنك فقال (ع) من يحمل عني وزري يوم القيامة، فأبى وقرع باب المرأة، فقالت المرأة من هذا ؟ قال انا ذلك العبد الذي حمل معك القربة فافتحي الباب فأن معي شيئا للصبيان فقالت رضي الله عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب فدخل وقال اني احببت اكتساب الثواب فأختاري بين ان تعجني وتخبزي وبين أن
[ 118 ]
تعللي الأطفال لأخبز انا فقالت انا بالخبز أبصر وعليه أقدر ولكن شأنك والأطفال فعللهم حتى افرغ من الخبز فعمدت المرأة الى الدقيق فعجنته وعمد علي (ع) الى اللحم فطبخه وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره وكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حل مما مر في أمرك فلما اختمر العجين قالت يا عبد الله أسجر التنور فبادر لسجره فلما اشعله لفح في وجهه فجعل يقول ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الأرامل واليتامى، فرأته امرأة تعرفه فقالت ويحك من هذا الذي يسجر لك التنور ؟ فقالت لا اعرفه انه رجل اصابته الشفقة علينا، فقالت هو أمير المؤمنين، قال فبادرت المرأة وهي تقول واحيائي منك يا أمير المؤمنين قال فقال عليه السلام بل واحيائي منك يا امة الله فيما قصرت في أمرك، فخرج (ع) وجعل يجري عليهم احسن النفقة. ومن شفقته: دخلت سودة بنت عمارة الهمدانية على معاوية بعد شهادة علي عليه السلام فجعل يؤنبها على تحريضها عليه ايام صفين وآن امره الى ان قال لها ما حاجتك ؟ قالت ان الله مسائلك عن امرنا وما افترض عليك من حقنا وما زال يقدم علينا من قبلك من يسمو بمكانك ويبطش بقوة سلطانك فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس الحرمل يسومنا الخسف ويذيقنا الحتف هذا بسر بن ارطأة قدم علينا فقتل رجالنا ونهب اموالنا ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة فان عزلته عنا شكرناك وإلا كفرناك فقال معاوية إياي تهددين يا سودة بقومك لقد همت ان احملك على قتب اشوس فارسلك إليه فينفد فيك حكمه، فأطرقت سودة ساعة ثم انشدت تقول:
صلى الاله على جسم تضمنه * * قبر فأصبح فيه الحق مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا * * فصار الحق والايمان مقرونا
فقال معاوية من هذا يا سودة ؟ قالت هو والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والله يا معاوية لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا فصادفته قائما يصلى فلما رآني انفتل من صلاته ثم اقبل علي برحمة ورفق ورأفة وتعطف وقال لي ألك حاجة قلت نعم واخبرته الخبر فبكى ثم قال: اللهم انت الشاهد علي وعليهم واني لم آمرهم بظلم خلقك
[ 119 ]
ثم اخرج قطعة جلد فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم " قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين " فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام، ثم دفع الرقعة الي فجئت بها الى صاحبها فانصرف عنا معزولا. فقال معاوية اكتبوا لها كما تريد فكتبوا لها فمضت وهي تقول: وهذه من علي عليه السلام.
الباب الثالث
(في كرمه واستجابة دعوته وفيه فصلان):
الفصل الاول في كرمه عليه السلام أجمع المفسرون:
على ان قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) الآية نزلت في علي " ع " قالوا كان عند علي بن أبي طالب اربعة دراهم من الفضة فتصدق بواحد ليلا وبواحد نهارا وبواحد سرا وبواحد علانية، فنزل. (الذين ينفقون أموالهم) - الى آخر الأية، فسمى كل درهم مالا وبشره بالقبول، وعن الكلبي فقال له النبي (ص) ما حملك على هذا قال حملني ان استوجب على الله ما وعدني به فقال له رسول الله (ص): ألا ان لك فأنزل الله هذه الآية. وعن تاريخ البلاذري وفضائل أحمد: انه كانت غلة علي " ع " اربعين الف دينار فجعلها صدقة، وانه باع سيفه وقال لو كان عندي عشاء ما بعته. وعن ابن عباس في قوله تعالى: (رجال لا تليهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) الى قوله - بغير حساب. قال هو والله أمير المؤمنين، وذلك ان النبي (ص) اعطى عليا " ع " يوما ثلاثمائة دينار اهديت
[ 120 ]
إليه قال علي " ع ": فأخذتها وقلت لأتصدقن الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها الله مني فلما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير فأصبح الناس يقولون تصدق علي الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة فاغتممت غما شديدا فلما صليت الليلة القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد وقلت والله لأتصدقن الليلة بصدقة يتقبلها ربي مني فلقيت رجلا فتصدقت عليه بالدنانير، فأصبح الناس يقولون: تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل سارق، فاغتممت غما شديدا وقلت والله لأتصدقن الليلة صدقة يتقبلها الله مني فصليت العشاء الآخرة مع النبي (ص) ثم خرجت من المسجد ومعي مائة دينار فلقيت رجلا فأعطيته اياها فلما اصبحت قال أهل المدينة تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل غني فاغتممت غما شديدا فأتيت رسول الله (ص) فخبرته فقال لي يا علي هذا جبرئيل يقول لك ان الله عز وجل قد قبل صدقاتك وزكى عملك ان المائة دينار التي تصدقت بها أول ليلة وقعت في يد امرأة فاسدة فرجعت الى منزلها وتابت الى الله عز وجل من الفساد وجعلت تلك الدنانير رأس مالها وهي في طلب بعل تتزوج به، وان الصدقة الثانية وقعت في يد رجل سارق فرجع الى منزله وتاب الى الله من سرقته وجعل الدنانير رأس ماله يتجر بها، وان الصدقة الثالثة وقعت في يد رجل غني لم يزكي ماله منذ سنين فرجع الى منزله ووبخ نفسه وقال شحا عليك يانفس هذا علي بن أبي طالب " ع " تصدق علي بمائة دينار ولا مال له وانا قد أوجب الله على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم ازكه فحسب ماله وزكاه واخرج زكاة ماله كذا وكذا دينارا، وانزل الله: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله). (خبر الناقة): روي أمير المؤمنين " ع " سمع أعرابيا يقول في الكعبة وهو آخذ بحلقة الباب: البيت بيتك والضيف ضيفك ولكل ضيف قرى فاجعل قراي منك في هذه الليلة المغفرة، فقال " ع " يا اعرابي هو والله أكرم من أن يرد ضيفه بلا قرى، وسمعه الليلة الثانية يقول يا عزيزا في عزك يعز من عز عزك انت انت لا يعلم أحد كيف أنت إلا أنت اتوجه اليك بك واتوسل بك اليك واسألك بحقك عليك
[ 121 ]
وبحقك على محمد وعلى آل محمد صلى الله عليه وآله اعطني ما لا يملكه غيرك واصرف عني ما لا يصرفه سواك يا أرحم الراحمين، فقال: هذا اسم الله الأعظم بالسريانية وسمعه الليلة الثالثة يقول: يا زين السماوات والأرض ارزقني اربعة آلاف درهم فضرب يده " ع " على كتف الاعرابي ثم قال قد سمعت ما طلبت وما سألت ربك فما الذي تصنع بأربعة آلاف درهم قال الف صداق امرأتي، والف أبني به دارا، والف اقضي به ديني، والف التمس به معاشي، قال انصفت يا أعرابي إذا قدمت المدينة فسل عن علي بن أبي طالب قال فلما أتى الاعرابي المدينة جعل يطلب دار أمير المؤمنين " ع " ونادى: من يدلني على دار علي بن أبي طالب ؟ فلقيه الحسين " ع " فقال انا ادلك فقال له الاعرابي من أبوك ؟ فقال له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال من امك ؟ قال فاطمة الزهراء سلام الله عليها، قال من جدك ؟ قال هو رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال من جدتك ؟ قال خديجة بنت خويلد، قال من أخوك ؟ قال الحسن بن علي بن أبي طالب، فقال الاعرابي لقد أخذت الدنيا بطرفيها امش الى أمير المؤمنين وقل له أن الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب، فدخل الحسين " ع " وقال يا أبه اعرابي بالباب يزعم انه صاحب الضمان بمكة، قال فخرج " ع " إليه وطلب سلمان الفارسي وقال يا سلمان اعرض الحديقة التي غرسها رسول الله (ص) على التجار فدخل سلمان الى السوق وعرض الحديقة فباعها باثني عشر الف درهم واحضر المال واحضر الأعرابي فأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعين درهما لنفقته، فرفع الخبر الى فقراء المدينة فأجتمعوا إليه والدراهم مصبوبة بين يديه فجعل " ع " يقبض قبضة قبضة ويعطي رجلا رجلا حتى لم يبق له درهم واحد منها ودخل منزله فقالت فاطمة الزهراء سلام الله عليها: يابن العم بعت الحديقة التي غرسها لك رسول الله ؟ فقال: نعم منها عاجلا وآجلا، قالت جزاك الله خيرا في ممشاك فأين الثمن ؟ قال " ع ": دفعته الى أعين استحييت أن أذلها بذل المسألة قبل أن تسألني، فقالت: أنا جايعة وابناي جايعان ولا شك انك مثلنا في الجوع ألم يكن لنا منه درهم وأخذت بطرف ثوبه، فقال (ع): يا فاطمة خليني فقالت: لا والله أو يحكم بيني وبينك أبي، فهبط الامين جبرئيل على رسول الله
[ 122 ]
فقال يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول: اقرأ عليا مني السلام وقل لفاطمة ليس لك أن تضربي على يديه، فلما دخل رسول الله (ص) منزل علي وجد فاطمة ملازمة له فقال لها: يا بنية مالك ملازمة لعلي ؟ قالت: يا أبة باع الحديقة التي غرستها له ولم يحتبس لنا من ثمنها درهما نشتري به طعاما فقال يا بنية جبرئيل يقرؤني من ربي السلام ويقول اقرأ عليا من ربه السلام وأمرني أن أقول ليس لك أن تضربي على يديه، فقالت فاطمة " ع " اني استغفر الله ولا أعود أبدا، قالت فاطمة: فخرج أبي (ص) في ناحية وعلي في ناحية فما لبث أن اتى أبي ومعه سبعة دراهم سود هجرية فقال: يا فاطمة أين علي ؟ فقلت له: خرج، فقال (ص): هاك هذه الدراهم فإذا جاء ابن عمي فقولي له يبتاع لكم بها طعاما فما لبث يسيرا ان جاء علي فقال رجع ابن عمي فاني اجد رائحته الطيبة قلت نعم ودفع الي شيئا تبتاع لنا به طعاما فقال هاتيه فدفعته إليه فقال بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا وهذا من رزق الله عز وجل ثم قال يا حسن قم معي، فأتيا السوق فإذا هما برجل واقف وهو يقول: من يقرض الملى الوفي ؟ قال يا بني تعطيه ؟ قال أي والله يا ابة فأعطاه الدراهم فقال له الحسن " ع ": يا أبتاه أعطيته الدراهم كلها قال: نعم يا بني ان الذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير، قال فمضى علي " ع " بباب رجل يستقرض منه شيئا فلقيه اعرابي ومعه ناقة فقال يا علي اشتري مني هذه الناقة قال " ع " ليس معي ثمنها فقال انتظرك به الى القبض قال بكم يا اعرابي ؟ قال بمائة درهم قال " ع " خذها يا حسن فأخذها. فمضى فلقيه اعرابي آخر وقال: يا علي أتبيع هذه الناقة ؟ فقال علي " ع ": وما تصنع بها ؟ قال اغزوا عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك، قال إن قبلتها فهي لك بلا ثمن فقال الاعرابي: معي ثمنها وبالثمن اشتريها فبكم اشتريتها ؟ قال عليه السلام. بمائة درهم، قال فلك مائة وسبعون درهما، فقال يا حسن خذ السبعين والمائة وسلم المائة للأعرابي الذي باعنا الناقة والسبعين تبتاع بها شيئا فأخذ الحسن الدراهم وسلم الناقة، قال علي " ع ": فمضيت اطلب الاعرابي الذي باعني الناقة لأعطيه ثمنها فرأيت رسول الله (ص) جالسا في مكان لم أره فيه قبل ذلك ولا بعده على قارعة الطريق فلما نظر الي تبسم ضاحكا حتى بدت نواجده فقال علي " ع ": أضحك الله
[ 123 ]
سنك يارسول الله ويسرك بيومك فقال رسول الله (ص) يا علي أتطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن فقال اي والله فداك أبي وامي فقال (ص): يا أبا الحسن باعك الناقة جبرئيل، والذي اشتراها ميكائيل والناقة من فوق الجنة والدراهم من رب العالمين عز وجل فانفقها في خير ولا تخف اقتارا. سبب نزول سورة " هل أتى " عن تفسير الثعلبي وغيره من المفسرين: ان الحسن والحسين عليهما السلام مرضا فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعادهما عامة العرب فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت لولديك نذرا فقال " ع ": إن برئ ولداي صمت ثلاثة أيام شكرا لله تعالى، فألبسا العافية وليس عند آل محمد لا قليل ولا كثير فأجر علي نفسه ليلة الى الصبح يستقي نخلا بشئ من شعير وأتى به الى المنزل فقامت فاطمة الزهراء " ع " الى ثلثه واختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرصا وصلى أمير المؤمنين صلاة المغرب مع رسول الله (ص) ثم اتى الى منزله فوضع الطعام بين يديه فجاء مسكين فوقف بالباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي " ع " فقال اطعموه حصتي فقالت فاطمة: كذلك، والباقون كذلك فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلأ الماء القراح، فلما كان اليوم الثاني طحنت فاطمة ثلثا آخر واختبزته وأتى أمير المؤمنين " ع " من صلاة المغرب مع رسول الله فوضع الطعام بين يديه فأتى يتيم من ايتام المهاجرين وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا يتيم من ايتام المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة اطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي وفاطمة فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح، فلما كان اليوم الثالث قامت فاطمة سلام الله عليها الى الثلث الباقي وطحنته واختبزته وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فجاء أسير فوقف بالباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد تأسروننا ولا تطعمونا اطعمونا أطعمكم الله من موائد الجنة فاني أسير محمد فسمعه علي " ع " فآثره وآثروه معه ومكثوا ثلاثة أيام بلياليها لم يذوقوا سوى الماء القراح فلما كان اليوم الرابع وقد وفوا بنذرهم أخذ
[ 124 ]
علي الحسن بيده اليمنى والحسين بيده اليسرى وأقبل " ع " نحو رسول الله (ص) وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما أبصرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أبا الحسن ما أشد ما يسوئني ما أرى بكم انطلقا بنا الى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي وقد انطبق بطنها على ظهرها من شدة الجوع فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال واغوثاه بالله أهل بيت محمد يموتون جوعا فهبط جبرئيل وقال: خذ يا محمد هناك الله تعالى في أهل بيتك قال وما اخذ يا جبرئيل وقال: (هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) - الى آخر السورة، أقول ولله در عبد الباقي افندي العمري حيث يقول:
وقائل هل أتى نص بحق على * * أجبته هل أتى نص بحق علي
وقلت أنا من قصيدة:
هل أتى هل أتى لغير علي * * من جميع الرجال في كل قاع
هل يكن نص أحمد بغدير * * لسواه حاشا من الابتداع
(خبر اعطائه السائل الخاتم):
عن تفسير الثعلبي أيضا، عن عبد الله بن عباس كان على شفير زمزم وهو يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول وهو يكرر الأحاديث إذ أقبل رجل معتم بعمامة وقد غطى بها أكثر وجهه فكان ابن عباس لا يقول قال رسول الله إلا وقال ذلك الرجل: قال رسول الله فقال له ابن عباس: بالله عليك من أنت فكشف العمامة عن وجهه وقال: ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا اعرفه بنفسي أنا جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله (ص) يقول باذني هاتين وإلا فصمتا ورأيته بعيني هاتين وإلا فعميتا يقول: علي قائد البررة علي قاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ملعون من جحد ولايته أما اني صليت مع رسول الله صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السائل يده الى السماء وقال اللهم اشهد اني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا وكان أمير المؤمنين " ع " راكعا فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره والنبي (ص) شاهده فلما فرغ من صلاته
[ 125 ]
رفع النبي رأسه الى السماء وقال إلهي: موسى سألك فقال (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به ازري واشركه في أمري) اللهم فأنزلت عليه قرآنا ناطقا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون اليكما بآياتنا اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فأشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ازري قال أبو ذر رحمه الله: فما استتم كلامه حتى نزل جبرئيل من عند الله فقال يا محمد: اقرأ قال وما اقرأ ؟ قال اقرأ (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). وعن أئمة الهدى (ع): ان تصدقه بالخاتم كان في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة، وروى شيخنا البهائي طاب ثراه ان ذلك الخاتم كان فصه خمسة مثاقيل وهي ياقوتة حمراء قيمتها ستة حمول فضة وأربع حمول ذهب وهو خراج الشام وفي بعض الروايات انه كان خاتم النبي سليمان وكان النبي (ص) أعطاه لعلي " ع " وكان ذلك السائل جبرئيل ورجع الخاتم الى أمير المؤمنين ثانيا وهو اليوم عند الحجة المنتظر سلام الله عليه. (خبر آخر): دخل أعرابي على أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين لي اليك حاجة والحياء يمنعني أن أذكرها فقال " ع ": خطها في الأرض، فكتب انه فقير، فقال يا قنبر اكسه حلتي فقال الاعرابي:
كسوتني حلة تبلى محاسنها * * فسوف اكسوك من حسن الثنا حللا
إن نلت حسن الثنا قد نلت مكرمة * * وليس تبغي بما قدمته بدلا
ان الثنا ليحي ذكر صاحبه * * كالغيث يحيي نداء السهل والجبلا
لا تزهد في عرف بدأت به * * كل إمرئ سوف يجزي بالذي بذلا
فقال (ع): زده يا قنبر مائة دينار فقال يا أمير المؤمنين لو فرقتها في المسلمين لأصلحت به من شأنهم فقال صه يا قنبر اني سمعت رسول الله (ص) يقول: اشكروا لمن اثنى عليكم وإذا أتاكم كريم قوم اكرموه. وفي شرح النهج: دخل محفن بن أبي محفن على معاوية بن أبي سفيان فقال:
[ 126 ]
جئتك من أبخل الناس يعني عليا فقال له معاوية: ويحك كيف تقول انه من أبخل الناس ولو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفذ تبره قبل تبنه، ومن قوله في الجود:
سأمنح مالي كل من جاء طالبا * * واجعله وقفا على القرض والفرض
فأما كريم صفت بالمال عرضه * * وأما لئيم صفت عن لومه عرضي
الفصل الثاني (في إستجابة دعوته وإحيائه الموتى واشفائه المرضى):
في تفسير العسكري (ع): قوله عز وجل: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون). قال الامام (ع): قال موسى بن جعفر ان رسول الله لما اعتذر هؤلاء المنافقون إليه بما اعتذروا تكرم عليهم بأن قبل ظواهرهم ووكل بواطنهم الى ربهم لكن أتاه جبرئيل فقال يا محمد ان العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول: اخرج هؤلاء المردة الذين اتصل بك عنهم في علي على نكثهم لبيعته وتوطينهم نفوسهم على مخالفتهم عليا ليظهر من عجائب ما اكرمه الله به من طاعة الأرض والجبال والسماء له وساير ما خلق الله لما اوقفه موقفك ليعلموا ان ولي الله عليا غني عنهم وانه لا يكف عنهم انتقامه منهم إلا بأمر الله الذي له فيه وفيهم التدبير الذي هو بالغه والحكمة الذي هو عامل بها وممض لما يوجبها، فأمر رسول الله (ص) الجماعة من الذين اتصل به عنهم في أمر علي والمواطاة على مخالفته بالخروج عليه فقال لعلي (ع) لما استقر عند سفح جبال المدينة: يا علي ان الله عز وجل أمر هؤلاء بنصرتك ومساعدتك والمواظبة على خدمتك والجد في طاعتك فأن أطاعوك فهو خير لهم يصيرون في جنان الله ملوكا خالدين ناعمين وان خالفوك فهو شر لهم يصيرون في جهنم معذبين ثم قال رسول الله (ص) لتلك الجماعة: اعلموا انكم إن أطعتم عليا سعدتم وشفيتم وان خالفتموه شقيتم واغناه الله عنكم بمن سيريكموه ويما سيريكموه ثم قال يا علي
[ 127 ]
سل ربك بجاه محمد وآله الطاهرين الذين أنت بعد محمد سيدهم ان يقلب لك هذه الجبال ما شئت، فسأل (ع) ربه ذلك فأنقلبت فضة ثم نادته الجبال يا علي يا وصي رسول رب العالمين ان الله قد أعدنا لك فمتى دعوتنا أجبناك ليمضي فينا حكمك ثم انقلب ذهبا أحمرا كلها بدعائه وما آت مقالة الفضة ثم انقلبت مسكا وعنبرا وجواهرا ويواقيتا وكل شئ منها ينقلب يناديه يا أبا الحسن يا أخا رسول الله نحن المسخرات لك ادعنا متى شئت لتنفقنا فيما تحب وما شئت بحبك ونتحول لك الى ما تريد، ثم قال رسول الله أرأيتم قد أغنى الله عز وجل عليا بما ترون عن أموالكم، ثم قال رسول الله (ص) سل الله عز وجل بمحمد وآله الطيبين الطاهرين الذين أنت سيدهم بعد محمد رسول الله أن يقلب لك أشجارها رجالا شاكين السلاح وصخورها اسودا ونمورا وأفاع فدعى الله بذلك فامتلأت تلك الجبال والهضاب وقرار الأرض من الرجال الشاكي السلاح الذين لا يفنى منهم عشرة آلاف من الناس المعهودين ومن الاسود والنمور والافاعي وكل ينادي يا علي يا وصي رسول رب العالمين ان لك عند الله من الشأن العظيم ما لو سألت الله أن يصير لك اطراف الارض وجوانبها هيأة واحدة كصرة كيس لفعل فمرنا بأمرك، أو سألته أن يحط لك السماء الى الأرض لفعل، أو يرفع لك الأرض الى السماء لفعل، أو يقلب لك ما في بحارها لفعل، أو شئت أن يجمد البحار لفعل فلا يحزنك تمرد هؤلاء المتمردين وخلاف هؤلاء المخالفين فكأنهم بالدنيا وقد انقضت عنهم وكأن لم يكونوا فيها وكأنهم بالآخرة إذا وردوا عليها لم يزالوا فيها يا علي ان الذي امهلهم مع كفرهم وفسقهم في تمردهم عن طاعتك هو الذي أمهل فرعون ذو الاوتاد ونمرود بن كنعان ومن ادعى الالهية من ذوي الطغيان وأطغى الطغاة ابليس رأس الضلالات وما خلقت انت ولاهم لدار الفناء بل لدار البقاء ولكنكم تنتظرون وتنقلون من دار الى دار ولا حاجة لربك الى من يسومهم ويرعاهم ولكنه أراد تشريفك عليهم وإبانتك بالفضل منهم ولو شاء لهداهم، قال فمرضت قلوب القوم لما شاهدوه من ذلك مضافا الى ما كان من مرض حسدهم لعلي بن أبي طالب (ع) فقال الله عند ذلك: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا
[ 128 ]
يكذبون) اي في قلوب هؤلاء المتمردين الشاكين الناكثين لما أخذت عليهم من عليهم البيعة لعلي بن أبي طالب فزادهم الله مرضا بحيث تاهت له قلوبهم جزءا بما أريتهم من هذه الآيات المعجزات ولهم عذاب أليم ؟ بما كانوا يكذبون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم في قولهم إنا على العهد والبيعة مقيمون. عن كتاب بشارة المصطفى: بسنده عن عبد الواحد بن زيد، قال خرجت الى مكة فبينما انا اطوف فإذا بجارية خماسية وهي متعلقة بستارة الكعبة وهي تخاطب جارية مثلها وهي تقول: لا وحق المنتخب بالوصية والحاكم بالسوية والعادل في القضية زوج فاطمة المرضية ما كان كذا وكذا، فقلت لها يا جارية من صاحب هذه الصفة ؟ قالت: ذلك والله علم الأعلام وباب الأحكام وعمود الدين وقسيم الجنة والنار ورباني هذه الأمة ورأس الأئمة أخو النبي ووصيه وخليفته في امته مولاي علي بن أبي طالب فقلت لها يا جارية بما يستحق علي منك هذه الصفة ؟ قالت: كان أبي والله مولاه فقتل بين يديه يوم صفين ولقد دخل يوما على امي وهي في خبائها وقد ارتكبني وأخا لي من الجدري ما ذهب به أبصارنا فلما رآنا تأوه وأنشأ يقول:
ما إن تأوهت من أمر رزيت به * * كما تأوهت للأطفال في الصغر
قد مات والدهم من كان يكفلهم * * في النائبات وفي الأسفار والحضر
ثم ادناها إليه " ع " ثم أمر يده المباركة على عيني وعيني أخي ثم دعى بدعوات ثم شال يده، فها انا انظر الى الجمل على فرسخ كل ذلك ببركته " ع " فحللت خريطتي فدفعت إليها دينارين بقية كانت معي فتبسمت في وجهي فقالت: خلفنا اكرم سلف على خير خلف فنحن اليوم في كفالة أبي محمد الحسن بن علي " ع " ثم قالت: أتحب عليا ؟ قلت: أجل، قالت: ابشر فقد استمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ثم ولت وهي تقول هذه الابيات:
ما بث حب علي في ضمير فتى * * إلا له شهدت من ربه النعم
ولا له قدم زل الزمان بها * * إلا له ثبتت من بعدها قدم
ما سرني أنني من غير شيعته * * وان لي ما حواه العرب والعجم
[ 129 ]
(وفي المناقب) عن عمار الساباطي: قال قدم أمير المؤمنين عليه السلام المدائن فنزل بايوان كسرى وكان معه دلف بن بحير فلما صلى وقام قال لدلف قم معي وكان معه جماعة من أهل ساباط فما زالوا يطوفون منازل كسرى ويقول لدلف: كان لكسرى في هذا المكان كذا وكذا، ويقول دلف هو والله كذلك، فما زال كذلك حتى طاف المواضع بجميع من كان عنده ودلف يقول يا سيدي ومولاي كأنك وضعت هذه الأشياء في هذه المساكين، ثم نظر علي " ع " الى جمجمة نخرة فقال لبعض أصحابه خذ هذه الجمجمة ثم جاء الى الايوان وجلس فيه ودعا " ع " بطشت فيه ماء فقال للرجل دع هذه الجمجمة في الطشت ثم قال اقسمت عليك يا جمجمة اخبريني من انا ومن أنت ؟ فقالت الجمجمة بلسان فصيح: اما انت فأمير المؤمنين وإمام المتقين وسيد الوصيين واما انا فعبد الله وابن أمته كسرى انوشيروان فقال له أمير المؤمنين " ع " كيف حالك ؟ فقال يا أمير المؤمنين كنت ملكا عادلا شفيقا على الرعايا لا أرضى بظلم أحد ولكن كنت على دين المجوس وقد ولد محمد في زمان ملكي فسقطت من شرفات قصري ثلاثة وعشرون شرفة ليلة ولد فيها فهممت أن آمن من كثرة ما سمعت من أنواع شرفه وفضله ومرتبته وعزه في السماوات والأرض ومن شرف أهل بيته ولكني تغافلت عنه وتشاغلت منه في الملك فيالها من نعمة ومنزلة ذهبت مني حيث لم اؤمن فأنا محروم من الجنة لعدم ايماني ولكني مع هذا الكفر خلصني الله تعالى من النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية وانا في النار والنار محرمة علي فواحسرتا لو آمنت لكنت معك يا سيد أهل البيت ويا أمير امة محمد، قال فبكى الناس وانصرف القوم الذين كانوا من أهل ساباط الى أهليهم وأخبروهم بما كان وما جرى فأضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين " ع " فقال المخلصون منهم ان أمير المؤمنين عبد الله وابن عبده ووليه ووصي رسول الله، وقال بعضهم بل هو النبي، وقال بعضهم بل هو الرب وقالوا لولا انه الرب كيف يحيي الموتى، قال فسمع أمير المؤمنين " ع " بذلك فضاق صدره فأحضرهم وقال يا قوم غلب عليكم الشيطان إن انا إلا عبد الله أنعم علي بامامته وولايته، وولايته ووصية رسوله فأرجعوا من الكفر فأنا عبد الله وابن عبده ومحمد خير مني وهو
[ 130 ]
أيضا عبد الله وابن عبده وإن نحن إلا بشر مثلكم فخرج بعضهم من الكفر وبقي قوم على الكفر وما رجعوا فألح أمير المؤمنين (ع) عليهم بالرجوع فما رجعوا فأحرقهم بالنار وتفرق قوم منهم في البلاد وقالوا لولا ان فيه الربوبية ما كان أحرقنا بالنار فنعوذ بالله من الخذلان. وفي خرايج الراوندي. انه اختصم رجل وامرأة الى أمير المؤمنين عليه السلام فعلى صوت الرجل على المرأة فقال له علي (ع) إخسأ يا كلب وكان ذلك الرجل خارجيا فإذا رأسه رأس كلب فقال رجل يا أمير المؤمنين صحت بهذا الرجل الخارجي فصار رأسه رأس كلب فما يمنعك عن معاوية ؟ فقال (ع): ويحك لو أشاء أن آتي بمعاوية الى هيهنا على سريره لدعوت الله حتى فعل ولكن لله خزائنا لا ذهب ولا فضة ولا انكار على اسرار تدبيره أما تقرأ: (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) وفي رواية قال أنما ادعوكم لثبوت الحجة وكمال المحنة ولو اذن في الدعاء بهلاك معاوية لما تأخر. وفيه عن ابن عمر: قال اتهم علي عليه السلام رجلا يقال له الغيراء برفع اخباره الى معاوية فأنكر ذلك وجحده فقال أتحلف بالله انك ما فعلت ذلك قال نعم وبدر فحلف، فقال له أمير المؤمنين إن كنت كاذبا أعمى الله بصرك فما دارت الجمعة حتى اخرج اعمى يقاد وقد أذهب الله عينيه. (خبر احيائه پرويز بن هرمز) في البحار عن المغربي، قال كنت مع أمير المؤمنين وقد أراد حرب معاوية فنظر الى جمجمة في جانب الفرات وقد اتيت عليها الأزمنة فمر عليها فدعاها فأجابته بالتلبية وتدحرجت بين يديه وتكلمت بكلام فصيح فأمرها بالرجوع فرجعت الى مكانها فلما فرغ من حرب النهروان أبصرنا جمجمة نخرة بالية فقال هاتوها فحركها بسوطه فقال اخبرني من أنت فقير أم غني، شقي أم سعيد، ملك أم رعية ؟ فقالت بلسان فصيح السلام عليك يا أمير المؤمنين أنا كنت ملكا ظالما وانا پرويز بن هرمز ملك الملوك ملكت مشارقها ومغاربها سهلها وجبلها برها وبحرها انا الذي بنيت خمسين مدينة وافتضضت خمسمائة جارية بكرا واشتريت
[ 131 ]
الف عبد تركي والف فارسي والف رومي والف زنجي وتزوجت بسبعين من بنات الملوك وما ملك في الأرض إلا غلبت وظلمت أهله فلما جاءني ملك الموت قال لي يا ظالم يا طاغي خالفت الحق فتزلزلت اعضائي وارتعدت فرائضي وعرض علي أهل حبسي فإذا هم سبعين الف من أولاد الملوك وقد شقوا من حبسي فلما رفع ملك الموت روحي سكن أهل الأرض من ظلمي فأنا معذب في النار أبد الآبدين فوكل الله بي سبعين الفا من الزبانية في يد كل واحد منهم مرزبة من النار فلو ضربت بها جبال الأرض لأحترقت الجبال فتدكدكت وكلما ضربني الملك بواحدة من تلك المرازب اشتعل بي النار واحترقت فيحييني الله ويعذبني بظلمي على عباده وكذلك وكل الله بعدد كل شعرة في بدني حية تلسعني وعقربا تلدغني فتقول لي الحيات والعقارب هذا جزاء ظلمك على عباد الله، فسكتت الجمجمة وبكى جميع عسكر أمير المؤمنين عليه السلام وضربوا على رؤسهم وقالوا يا أمير المؤمنين جهلنا حقك بعدما أعلمنا رسول الله (ص) وانما خسرنا حظنا ونصيبنا فيك وإلا انت انت فلا ينقص منك شئ فاجعلنا في حل مما فرطنا فيك ورضينا بغيرك على مقامك فانا نادمون، فأمر (ع) بتغطية الجمجمة فعند ذلك وقف ماء النهروان من الجري وصعد على الماء كل سمك وحيوان كان في النهر فتكلم كل واحد منهم أمير المؤمنين عليه السلام ودعى له وشهد بامامته عليه الف الصلاة والتحية والسلام. (خبر احيائه سام بن نوح): في البحار عن المناقب، عن كتاب العلوي البصري، ان جماعة من اليمن أتوا النبي (ص) فقالوا نحن من بقايا الملل المتقدمة من آل نوح (ع) وكان لنبينا وصي اسمه سام واخبر في كتابه أن لكل نبي معجزا وله وصي يقوم مقامه فمن وصيك ؟ فأشار بيده نحو علي (ع) فقالوا يا محمد إن سألناه أن يرينا سام بن نوح يفعل ؟ فقال (ص) نعم باذن الله، وقال يا علي قم معهم الى داخل المسجد واضرب برجلك عند المحراب، فذهب علي وبأيديهم صحف الى ان دخل محراب رسول الله داخل المسجد فصلى ركعتين ثم قام وضرب برجله الأرض فانشقت الأرض وظهر لحد وتابوت فقام من التابوت شيخ يتلألأ وجهه مثل القمر ليلة البدر وينفض
[ 132 ]
التراب من رأسه وله لحية الى سرته وسلم على أمير المؤمنين " ع " ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله سيد المرسلين وأنك علي وصي محمد سيد الوصيين وأنا سام بن نوح فنشروا أولئك صحفهم فوجدوه كما وصفوه في الصحف ثم قالوا نريد أن يقرأ من صحفه سورة، فأخذ في قراءته حتى أتم السورة، ثم سلم على علي ونام كما كان فأنضمت الأرض، فقالوا بأسرهم: يا أبا الحسن ان الدين عند الله الاسلام وآمنوا، فأنزل الله: (أم اتخذوا من دونه اولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى) - الآية وفي الخرائج: روى ان خارجيا اختصم مع آخر إليه " ع " فحكم بينهما فقال الخارجي ما عدلت في القضية، فقال " ع ": اخسأ يا عدو الله فاستحال كلبا وطار ثيابه في الهواء فجعل يبصبص بعينيه وقد دمعت عيناه فرق له علي ودعى فأعاده الله الى حال الانسانية وتراجعت ثيابه من الهواء إليه فقال عليه السلام: ان آصف وصي سليمان قص الله عنه بقوله: (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك) أيهما اكرم أنبيكم صلى الله عليه وآله وسلم أم سليمان على الله عز وجل ؟ فقيل فما حاجتك في قتال معاوية الى الأنصار ؟ فقال " ع " انما ادعو الناس الى هؤلاء لثبوت الحجة وكمال المحنة ولو اذن لي في الدعاء بهلاكهم لما تأخرت.