القسم الثالث من غزواته المتفرقة :

(فمنها غزوة تبوك) وهي بلاد البلقا وكان من خبر هذه الغزوة: ان النبي لما اراد الوصول إليها، بعث من أسلم من جهينة وخزاعة وخزيمة وباقي القبائل يحرضهم على الجهاد وامر بعسكره فضرب في ثنية الوداع وأمر أهل الجدة ان يعينوا من لاقوه ثم قام خطيبا


[ 260 ]

في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أيها الناس أن أصدق الحديث كتاب الله وأولي القوة كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم عليه السلام وخير السنن سنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وخير الامور عزائمها وحسن الهدى هدى الأنبياء وشرف القتل قتل الشهداء، وأعمى العمى عمى الضلالة بعد الهدى وخير الاعمال ما نفع، وشر العمى عمى القلب واليد العليا خير من اليد السفلى وما قل وكفى خير مما كثر ولم يكفى وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة يوم القيامة ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزرا ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا، ومن أعظم الخطايا لسان الكذب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله، وشر المكاسب كسب الربا وشر المأكل مال اليتيم وأريى الربا الكذب وقتال المؤمن كفر وأكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن توكل على الله كفاه ومن صبر ظفر ومن يغض يغض الله عنه ومن كظم الغيظ أجره الله ومن يصبر على الرزية يعوضه الله. ثم قال صلى الله عليه وآله: اللهم إغفر لي ولامتي واستغفر لي ولامتي. قال فرغب الناس للجهاد، ثم رحل (ص) من ثنية الوداع، وخلف أمير المؤمنين عليه السلام على المدينة، فقال المنافقون ما خلف رسول الله (ص) عليا إلا إستثقالا منه. فبلغ الخبر أمير المؤمنين (ع) فاشتمل بلامة حربه وأتى إلى رسول الله (ص) وكان نازلا بالجرف، فلما رآه النبي (ص) قال: يا علي ما الذي جاء بك ؟ قال يارسول الله صلى الله عليك يزعم المنافقون انك ما خلفتني إلا إستثقالا مني، فقال النبي (ص) كذبوا ورب الكعبة، ما خلفتك إلا لتكون منزلتك مني منزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي، حياتك يا علي معي وموتك معي، ارجع يا علي الى أهلك واخلفني فيهم، فرجع أمير المؤمنين (ع) ومضى رسول الله (ص). وكان من أمره صلى الله عليه وآله انه لما تقابل الفريقان واشتبك الضرب والطعان تعاهد الكافرون على الموت وهجموا على أصحاب النبي (ص) فانكسر جيش


[ 261 ]

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهبط جبرئيل الأمين على رسول الله (ص) وقال: يا محمد العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول لك: إختر احدى الحالتين، أما الملائكة تهبط عليك وتقاتل بين يديك، وأما ابن عمك علي بن أبي طالب (ع)، فقال جبرئيل يارسول الله قم وحول وجهك نحو المدينة ونادي يا أبا الغيث أغثني يا علي أدركني، فقام رسول الله (ص) وحول وجهه نحو المدينة ونادى يا أبا الغيث أغثني يا علي أدركني ؟ قال سلمان الفارسي رضوان الله عليه، كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام في حديقة له وقد صعد النخلة يقلع منها الحطب والكرب اليابس وأنا أجمعه من تحتها فسمعته يقول: لبيك لبيك يارسول الله، فانحدر وهو يبكي، فسألته عن ذلك ؟ فقال (ع): يا سلمان قد انكسر جيش رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعته يستغيث بي، قال سلمان: فأتى عليه السلام الى دار فاطمة وأخبرها بالخبر. ثم قال عليه السلام بلامة حربه. ثم قال عليه السلام: يا سلمان أتحب ان تمضي معي ؟ قلت نعم يا سيدي، فقال عليه السلام: إجعل قدمك موضع قدمي حذو النعل بالنعل ولا تخرم منه شيئا. قال سلمان: فجعلت قدمي خلف قدمه فو الله ما أعددت إلا سبعة عشر خطوة وإذا نحن بين الصفين، فحمل أبو الحسن على القوم حملة الغضب المعروفة بين قبائل العرب فاندهش القوم وغدى يضرب بسيفه وانهزم القوم وولوا الدبر " وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب عليه السلام ". ثم إلتقى عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله فاخذه النبي (ص) وضمه الى صدره وأقاموا يومهم، ثم ارتحلوا قاصدين المدينة، وجعل رسول الله (ص) طريقه على بني زيد. وخرج إليهم عمرو بن معديكرب الزبيدي فوعظه النبي صلى الله عليه وآله فأسلم ولما قدم المدينة نظر الى غثغث الخثعمي فأخذ برقبته وجاء به الى النبي (ص) فقال يارسول الله ان هذا قتل والدي ؟ فقال له النبي: أهدر الاسلام ما كان في الجاهلية


[ 262 ]

فارتد عمرو وخرج الى قومه يحضهم على قتال رسول الله صلى الله وعليه وكان عمرو مغرورا بنفسه ولا يرى ان في الدنيا شجاعا غيره ! لغارات اغارها في الجاهلية ووقائع عملها. فقال المسلمون: يارسول الله إنا لم نؤمن شر عمرو بن معديكرب، فأنفذ (ص) أمير المؤمنين (ع) الى بني زبيد، فلما وصل إليهم قالوا لعمرو كيف أنت يا أبا ثور إذا لقيك هذا الغلام القرشي - يعني علي بن أبي طالب (ع) - وأبو ثور - كنية عمرو - فقال عمرو سيعلم ان لقيني ! وخرج عمرو حين رأى جيش النبي صلى الله عليه وآله وقال من يبارزني ؟ فخرج إليه أمير المؤمنين عليه السلام وصاح به صيحة ارتجت به الارض: ويحك أترتد عن الاسلام فانهزم عمرو. وقيل: اخذه الرعب فوقع من فوق سرجه على الأرض واخذ يعض الارض باسنانه ! فأسره أمير المؤمنين عليه السلام. وفي رواية: فمضى بوجهه وقتل عليه السلام بعدها اخا عمرو وابن اخيه وأخذ امرأته وسبي منهم نساء كثيرة وانصرف، وخلف على بني زبيد خالد بن سعد ليقبض صدقاتهم ويؤمن من يعود إليه مسلما، فرجع عمرو بن معديكرب وأسلم، وكلمه في امرأته واولاده فوهبهم له. ومنها - ما في (أمالي الصدوق) محمد بن بابويه طاب ثراه عن محمد بن معقل القرميسي قال حدثنا جعفر الوراق عن محمد بن الحسن الاشج عن يحيى بن زيد ابن علي عن أبيه علي بن الحسين عليهما السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وصلى الفجر، ثم قال: معاشر الناس أيكم ينهض الى ثلاثة نفر قد آلوا وحلفوا باللات والعزى ليقتلوني وقد كذبوا ورب الكعبة. قال: فأحجم الناس ولم يتكلم احد ! فقال (ص): ما أحسب علي بن أبي طالب (ع) فيكم ؟ فقام إليه عامر بن قتادة وقال انه وعك في هذه الليلة ولم يخرج يصلي معك، أفتأذن لي أن أخبره ؟ فقال النبي (ص) شأنك فمضى إليه فأخبره، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام كأنه نشط من عقال وعليه أزار قد عقد طرفيه على رقبته فقال يارسول الله


[ 263 ]

ما هذا الخبر ؟ فقال هذا رسول ربي يخبرني عن ثلاثة نفر قد نهضوا لقتلي وقد كذبوا ورب الكعبة، فقال علي (ع) لرسول الله (ص) أنا لهم سرية وحدي هو ذا ألبس ثيابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بل هذه ثيابي وهذا درعي وهذا سيفي، فدرعه بدرعه وعممه بعمامته وقلده بسيفه وأركبه فرسه وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وشيعه، ثم سار أمير المؤمنين (ع) ومكث ثلاثة إيام لا يأتيه جبرئيل بخبره ولا خبر من الارض وأقبلت فاطمة والحسن والحسين وهي تقول: أوشك ان يؤتم هذان الغلامان ؟ فأسبل النبي (ص) عينيه يبكي، ثم قال: معاشر الناس من يأتيني بخبر علي " ع " أبشره، فافترق الناس في الطلب لعظيم ما رأوا بالنبي (ص) وخرج العواتق وأقبل عامر بن قتادة يبشر بعلي (ع) وهبط جبرئيل " ع " على النبي فأخبره بما كان فيه، وأقبل علي " ع " ومعه اسيران ورأس وثلاثة أبعرة وثلاثة أفراس. فقال النبي (ص) أتحب ان اخبرك بما كنت فيه يا أبا الحسن ؟. فقال المنافقون هو منذ ساعة قد أخذه المخاض ! وهو الآن يريد ان يحدثه، فقال النبي صلى الله عليه وآله بل تحدث أنت يا أبا الحسن لتكون شهيدا على القوم، فقال نعم، يارسول الله لما صرت في الوادي رأيت هؤلاء ركبانا على الابل فنادوني من أنت ؟ فقلت أنا علي بن أبي طالب إبن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالوا لا نعرف لله من رسول ! سواء علينا وقعنا عليك أم على محمد ! وشد على هذا المقتول ودار بيني وبينه ضربات وهبت ريح حمراء سمعت فيها صوتك يارسول الله وأنت تقول قد قطعت لك جريان درعه فاضرب حبل عاتقه، فضربته فلم أفخه، ثم هبت ريح صفراء سمعت صوتك بها يارسول الله وأنت قد قلبت الدرع عن فخذه، فاضرب فخذه فضربته ووكزته وقطعت رأسه ورميت به، فقال لي هذان الرجلان بلغنا ان محمدا رفيق شفيق رحيم فاحملنا إليه ولا تعجل علينا وصاحبنا كان يعد بألف فارس. فقال النبي (ص) يا علي اما الصوت الاول الذي صك مسامعك فصوت جبرئيل


[ 264 ]

وأما الصوت الآخر، فصوت ميكائيل. قدم إلي احد الرجلين ؟ فقدمه، فقال قل أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد اني رسول الله ؟ فقال لنقل جبل أبي قبيس احب الي من ان قول هذه الكلمة ! فقال يا علي أخره واضرب عنقه. ثم قال قدم الآخر ؟ فقدمه فقال قل لا إله إلا الله وأشهد اني رسول الله ؟ فقال الحقني بصاحبي، فقال يا علي أخره واضرب عنقه ؟ فأخره. وقام أمير المؤمنين ليضرب عنقه، فهبط جبرئيل " ع " على النبي (ص) وقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول لك لا تقتله فانه حسن الخلق سخي في قومه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي امسك من هذا فان هذا رسول ربي يخبرني انه حسن الخلق في قومه. فقال المشرك هذا رسول ربك يخبرك ؟ قال نعم ؟ قال والله ما ملكت درهما مع أخ لي قط ولا قطبت وجهي في الحرب، وأنا أشهد ان لا إله إلا الله وانك رسول الله فقال (ص) هذا ممن جره حسن خلقه وسخاءه الى جنات النعيم.

ومنها غزوة بئر ذات العلم : روى العالم الفاضل العامل الكامل السيد محمد تقي القزويني عن بعض الكتب الغزوية والعلامة الأجل ملا محمد صالح البرغاني في كتابه (كنز الواعظين) عن بعض كتب أصحابنا أنه روى أبو الحسن العسكري عن أبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان قال لما رجع النبي (ص) من غزاة السكاسك والسكون مؤيدا منصورا متوجا محبورا قد فتح الله على يديه وأقر بالنصر عينيه إذ دخل أرضا مقفرة وبراري مغبرة ذات طرق دارسة وأشجار يابسة وأنهار طامسة ليس فيها حسيس ولا أنيس إلا زعيق الجان وعوي الغيلان ولا يوجد فيها راهب ولا يهدي فيها ذاهب، فاشتد على المسلمين الحر وعظم عليهم الأمر وقل منهم الصبر.


[ 265 ]

فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وآله: معاشر الناس من منكم يعرف هذه الأرض ؟ فقام إليه عمرو بن أمية الضيمري وقال: أنا أعرف هذه الأرض تسمى وادي الكثيب الأزرق يضل فيها الدليل ولا يوجد فيها ظل ولا ظليل لا يدخلها ركب إلا برك ولا جيش إلا هلك لا يدري أين طريقها خلية من الانس عامرة بالجن يقوى فيها الغيلان ويتحير الانسان.

قال: فلما سمع النبي (ص) ذلك وسمع المسلمون أيقنوا بالهلاك، ثم لاذوا برسول الله صلى الله عليه وآله مستجيرين به وقد حمى الهجير واسود البر من عظم وهج الحر، فقال (ص) من يعرف فيها بئر أيها المسلمون وأضمن له على الله الجنة فعندها قال عمر بن أمية الضيمري: ها هنا يارسول الله بئر يقال لها بئر ذات العلم وفيه ماء أبرد من الثلج، إلا أنه لا يقدر عليه أحد، لأنه بئر معمور من الجن والعفاريت المتمردين على سليمان بن داود " ع " يمنعون الماء على الناس بلهيب النيران وعواصف الدخان ما نزل به ركب إلا أهلكوه ولا جيش إلا أحرقوه، وقد نزل به التبع اليماني فأحرقوا من عسكره عشرة ألاف فارس، ونزل به برهام بن فارس فهلك من عسكره خلق كثير، ونزل به سعد بن برزق فاهلك من عسكره بقدر عشرين ألف فارس، وأن جماجم القتلى حوله يا رسول الله كبيض النعام، فقال رسول الله (ص) لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم انه نزل وأمر المسلمون فنزلوا وضربوا خيامهم والأرض ما تزداد إلا حرا وهم مع ذلك عطاش. فعند ذلك نادي رسول الله (ص) وقال: معاشر الناس والمسلمين من يمضي إلى هذا البئر ويكشف لنا خبره وأضمن له على الله الجنة ؟ فقامم أبو العاص بن الربيع فقال: يا رسول الله صلى الله عليك إني به عارف وقد نزلت عليه ونحن في خلق كثير فلم نقدر عليه وخرجت علينا عفاريته، فما سلم منا إلا من سبق به جواده، ولكنا ذلك اليوم كنا نعبد الأصنام، واليوم قد هدانا الله بك يا خير الأنام، فقال له النبي (ص): أنت لها يا أبا العاص شكر الله لك مقالتك وقوى لك عزيمتك، ثم أمر له بالمسير وضم إليه عشرة من أصحابه، منهم أبو دجانة الأنصاري وقيس بن سعد بن


[ 266 ]

عبادة وسعد بن معاذ وعبادة بن بشير وثابت بن نحيس وعمرو بن أمية الضيمري وغيرهم ثم ساروا وأخذوا معهم عشرين من المطايا عليها القرب والروايا ودنوا من البئر وهم يكبرون الله ويهللونه ويصلون على النبي (ص). فلما قربوا من البئر وإذا بعفريت قد خرج إليهم كأنه النخلة السحوق وعيناه يتقدان كأنهما جمرتان والنيران تخرج منها، ثم انه تطاول حتى بلغ السحاب وصاح صيحة أعظم من الرعد فتزلزلت لها الأرض. قال: فعرضنا على أن نهرب لما دخلنا من الرعب فقال لنا أبو العباس: يا إخواني من الموت تفرون وأنتم إلى الله صائرون، ارجعوا إلى رحالكم ودعوني وهذا العفريت فإن ظفرت به فهو المراد وإن ظفر بي فأنجوا لانفسكم سالمين وأبلغوا سلامي على رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أن إبا العاص جرد سيفه ودنى من العفريت وأنشأ يقول:

نحن سلالات المعالي والكرم * * واوليا الرحمن سكان الحرم

أرسلنا محمد تاج الأمم * * المصطفى المختار مصباح الظلم

لنستقي من بئركم ذات العلم * * ونقتل الجان وعباد الصنم

فعند ذلك نادى العفريت أما علمت أن في هذا البئر الملوك العاتية والعفاريت المقردة، أما علمت أن سليمان بن داود تمردنا عليه ! وقتلنا قوم عاد وغيرهم من الأمم السالفة ! وما مر علينا أحد إلا أهلكنا ! فقال له أبو العاص: يا ويلك ليس نحن كمن لاقيت، نحن أنصار الله وأحزاب محمد رسول الله صلى الله عليه وآله فارجع يا ويلك خائبا مدحورا، فلا بد من ورود هذا البئر وشرب مائه، فإن أجبتم طائعين وإلا أجبتم كارهين، وأنشأ أبياته، فما استتم أبو العاص من كلامه، حتى صرخ به العفريت صرخة عظيمة رجفت منها القلوب وارتعدت منها الفرائص، ثم انه أرخى عليه كلكه، فكان أبو العاص كالعصفور في مخلاب الباز فأحرقه. قال: قيس بن سعد: فسمعنا أبا العاص يقول: بلغوا سلامي رسول الله (ص) فولينا هاربين، فلما سمعنا العفريت عاد إلى البئر، دنونا من أبي العاص وإذا هو فحمة


[ 267 ]

سوداء فوقفنا نبكي عليه، وإذا نحن بأصوات هائلة وإذا بدخان قد غشاها من البئر ! وأحاطت بنا شهب النيران وخرج إلينا أصناف السنور. قال عمرو: فولينا هاربين ونقرأ القرآن حين بعدنا من البئر، ثم سرنا حتى أشرفنا على المسلمين، فأتينا إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو يبكي على أبي العاص، وكان قد نزل عليه جبرئيل وأخبره بهلاكه وأمر أن يبعث إليه علي بن أبي طالب (ع) قال عمرو: فناديت: عظم الله أجركم في أبي العاص، فقال النبي (ص) والذي روحي بيده ان روح أبي العاص في حوصلة طير أخضر يرتع بها في رياض الجنة. قال: فتمنينا أن نكون مكانه، وكان الامام عليه السلام قد تأخر عن العسكر في حاجة عرضت لرسول الله (ص) فلما أقبل استقبله عمرو بن أمية الضيمري وقال له: عظم الله لك الأجر في أبي العاص قد حرقه عفريت من عفاريت بئر ذات العلم. قال عمرو: فهملت عينا أمير المؤمنين عليه السلام بالدموع حتى نزل عن جواده وأقبل حتى نزل بجانب النبي صلى الله عليه وآله، فقال له النبي (ص): هذا سلفك أبو العاص إسفي عليه التراب فقال له الامام عليه السلام: قد عطشت أكباد المسلمين، مرني بالمسير إليه ؟ فقال النبي يا أبا الحسن سر إليه، فإن الله حافظك وناصرك، ولكن خذ معك القوم الذين كانوا مع أبي العاص ؟ ثم دفع إليه الراية وقام إليه مشيعا، ثم رفع يديه إلى السماء وأقبل يدعو الله، ثم رجع النبي (ص) وسار الامام معه فلما بان عن المسلمين أخذ الراية ونشرها على رأسه ورؤوسنا ثم أن الامام على بن أبي طالب أنشأ يقول:

حباني رسول الله منه براية * * وأمرني أسعى إلى كل ذي كفر

أقاتلهم حتى يقروا بربهم * * إليهم المعبود في السر والجهر

وإني علي وابن عم محمد * * نبي أتى بالدين لله بالنصر

قال عمرو: ثم أن الإمام عليه السلام سار وسرنا حتى أشرفنا على البئر ونزلنا حوله ونحن نقرأ القرآن، فعند ذلك كبر الإمام عليه السلام بأعلى صوته وقال: " قد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ".


[ 268 ]

قال عمرو: فماجت الجن في البئر وإذا نحن بالعفريت الذي قتل أبا العاص قد طلع علينا في صورة ثم تقدم نحو الإمام عليه السلام وناداه من أنت أيها النازل علينا القادم إلينا ولم تستأذن أحد أما علمت انه لا يطمع فينا طامع ولا يرتع حولنا راتع ! ثم أنشأ يقول:

نحن جنود الجن والسعالي * * من جند إبليس لنا المعالي

قال: فعند ذلك نادى الامام عليه السلام: أيها الشيطان المتعمد والجني المتمرد اقصر عن هذا الكلام فلست أنا كمن لا قيت من قبل، أنا النور الذي لا يطفى، أنا صاحب الأهوال، ومبيد الأبطال يوم النزال، أنا هازم الكتائب، أنا فاجع الجنائب، أنا مظهر العجائب، أنا علي بن أبي طالب، ثم أن الإمام عليه السلام أنشأ يقول:

يا أيها الكاذب في المقال * * ارجع خزاك الله عن قتال

أنا علي كاشف الأهوال * * أنا ابن عم المصطفى المفضال

فلما سمع العفريت ذلك حمل على الامام عليه السلام وأراد يفعل به مثل ما فعل ! بابن العاص ! قال: فالتفت به الامام " ع " وزعق به الزعقة الهاشمية المعروفة عند الغضب، فقلنا انه صاعقة نزلت من السماء حتى جاوبته الأصوات من كل جانب فأذهله، ثم بادره بذي الفقار وضربه ضربة وجعله شطرين وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار، ثم أن الامام " ع " نادى: هلموا إلي بالقرب والروايا. قال قيس بن سعد: فنادانا الامام " ع " وقد قام العرق الهاشمي بين عينيه وقد ملأ غيظا وحنقا وإذا نحن هايل ودخان قد علا من البئر والنيران تطير علينا منه ! والامام يقول " كوني بردا وسلاما - كما كنت - على إبراهيم بردا وسلاما ". قال عمرو: فخرج جميع الاصناف بصور مختلفة وهي عدة كثيرة، فنظر الينا الامام عليه السلام ونحن نرتعد من الخوف وخرج من باب البئر شهاب عظيم عال بالجو الى عنان السماء وعلا الصراخ واشتد الصياح، حتى لم يسمع احد منا صاحبه وغشانا الدخان ولا ندري من اين تلتقي النار


[ 269 ]

فينا فعزمنا على الفرار من شدة ما لحقنا، فلم يدعنا الامام عليه السلام. فعند ذلك ناداهم أمير المؤمنين عليه السلام: (يا معشر الجن والشياطين أتطاولون علي باختلاف صوركم، الله أمركم بهذا أم على الله تفترون) عزمت عليكم " بالصافات صفا * والزاجرات زجرا * والتاليات ذكرا * إن آلهكم لواحد * رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق والمغارب * إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب * يا معشر الجن والانس إن استطعتم ان تنفذوا من أقطار السماوات والارض فانفذوا ولا تنفذون إلا بسلطان * يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران * وبالطور وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور * والسقف المرفوع * والبحر المسجور * ان عذاب ربك لواقع * ما له من دافع " عزمت عليكم يا معشر الجن والشياطين بأسماء الله العظام وبقل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا أحد " ويقل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد، وبقل أعوذ برب الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي في صدور الناس * من الجنة والناس ". قال قيس بن سعد وعمرو بن امية الضيمري: فما إستتم كلامه عليه السلام حتى خمدت النيران وغاب الدخان، فعندها تقدم الامام عليه السلام ونحن خائفون ومعنا القرب، حتى وصلنا ووقفنا قرب البئر، ثم إستدعى بالدلو فأخذه وأدلاه، فلما صار في قرار البئر وإذا بالدلو قد انقطع وارمي خارج البئر ! فغضب الامام (ع) ونادى: من منكم رمى بالدلو فليبرز إلي ؟. قال: فخرج إليه العفريت الذي قطع الدلو وهو يقول :

جاء الهمام الممنع * * لعمركم مقطع !

معود خوض اللقا * * عظنفر سميدع !

قال: فلم يدعه الامام (ع) يتم شعره دون ان هجم عليه وبادره بضربة فوقع


[ 270 ]

مجدلا وعجل الله بروحه الى النار وبئس القرار، ثم ان الامام (ع) أخذ الدلو وأدلاه ثانية وهو ينشد ويقول مصليا على طه الرسول:

أنا علي أنزع البطين * * اضرب هامات العدا بالسيف

ان تقطعوا الدلو لنا ثانيا * * أضربكم ضربا بغير حيف

فأجابه عفريت من عفاريت البئر وهو يقول:

يا صاحب القول الكذوب الأقطع * * ما لك في مشربنا من مطمع

امض عن البئر ولا تصدع * * وخل عن هذا المكان الأقطع

تأكلك الطير ووحش البلقع ! * * من قبل ان تكفى صريع مصرع

فلما سمع الامام عليه السلام كلام العفريت رد عليه مقاله وأنشأ يقول:

يا صاحب الشعر اللعين الكاذب * * سوف ترى من العذاب الواصب

ان كنت لا تعرفني عند اللقا * * أنا علي هازم الكتائب

ان رجع الدلو إلي خاليا * * أنزل في البئر بسيف واصب

ثم ان الامام عليه السلام أرسل الدلو في البئر، فلما ان وصل الى الماء انقطع الدلو ورمي ! فقال (ع): يا معشر الجن والشياطين أيكم قطع الدلو في البئر فليبرز إلي فلم يبرز إليه احد ! فأخذ الامام الدلو وألقاه ثالثة وإذا بعفريت من البئر يقول:

يا صاحب الدلو العلى الشأن * * والرجل المذكور من عدنان

ان أنت قد أدليت دلوا ثانيا * * رميت في البئر بلا تواني

فلما سمع الامام كلامه قام عرق الغضب بين عينيه ونادى: يا معشر الجن والشياطين تخوفوني بالنزول اليكم فاشتدوا لقالي واعتدوا لبرازي، ثم ربط الرشا في وسطه وقال لأصحابه أدلوني إليهم ؟ ؟ قال عمرو: فأقبلنا إليه وقلنا له ان هذا البئر بعيد المدى واسع الفضاء قد ترى ما حل بنا من النيران منهم وعواصف الدخان ونحن خارج البئر، فكيف يا أبا الحسن إذا صرت في قعره واحاطت بك العفاريت يرمونك بشهب النيران. قال: فعند ذلك قال لهم: بحق ابن عمي رسول الله إلا ما أنزلتموني إليهم ؟


[ 271 ]

قال عمرو: فلما أقسم علينا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علمنا ان نحن منعناه رمى بنفسه الى قرار البئر. قال قيس بن سعد: فدننينا الى ان صار في وسط البئر، فإذا بالرشا قد قطع، فرمى الامام عليه السلام بنفسه الى قعر البئر وذو الفقار بيده مسلول وبيده درقة عمه حمزة. قال عمرو: فلما انقطع الحبل ضججنا بالبكاء والنحيب وأيقنا بالهلاك وقلنا اللهم لا تفجع به قلوبنا ولا قلب نبيك. قال: فبينما نحن كذلك وإذا بضجة عظيمة وكثر الصياح وعلا الصراخ، نظرنا في البئر وإذا شهب النيران كأنها الكواكب إذا رجمت بها الشياطين وهي تختلف في قعر البئر من كل جانب ومكان، فنادينا، يا أبا الحسن ؟ فلم يجبنا احد، فاشتد علينا ذلك، فأخذنا بالبكاء والعويل وأيسنا من الامام (ع) وبقينا زمانا طويلا وعزمنا على الانصراف. قال: فبينما نحن كذلك وإذا بزعقات الامام كصواعق من السماء، فطابت انفسنا وفرحنا، وإذا بقائل يقول: يابن أبي طالب اعطنا الأمان والذمام، فقال والله ما لكم امان ولا ذمام حتى تقولوا قولا مخلصا لا إله إلا الله محمد رسول الله وتعطوني العهود والمواثيق ان لا تمنعوا واردا ورد هذا البئر ؟ قال عمرو: فبقى الامام عليه السلام في البئر وانقطع عنا خبره وكنا نركن الى صوت، فبقينا متحرين ما ندري ما نصنع، فأصغينا ولم نسمع صوته، فبينما نحن كذلك وإذا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في نفر قليل وهو يبكي وينادي: يابن عماه، فلم يزل كذلك حتى وقف على البئر، فظننا انه قد نزل عليه الوحي من الله تعالى بهلاك علي (ع) فجعلنا نقبل يديه ورجليه ونبكي لبكائه، إذ هبط عليه جبرئيل من قبل الجبار وقال: يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول لك: ما هذا الجزع والفزع الذي أراه فيك من قبل ابن عمك، ناده فهو يجيبك، وقد أيده الله تعالى بالنصر وأحاطت به ملائكتي فهم بين يديه وعن يمينه وعن شماله ولو أن ملكا من الملائكة الذين معه أراد هلاك الجن قبض


[ 272 ]

أرواحهم في ساعة واحدة لأمكنهم ذلك، ولكن أحببت أن يكون لابن عمك الذكر إلى يوم القيامة. فنادى النبي (ص): يا أبا الحسن ؟ فأجابه لبيك لبيك يا رسول الله صلى الله عليك أبشر بالنصر، ثم قلنا ندلي عليك بعض الأرشية حتى تصعد، فلم نشعر إلا وهو معنا قال فعانقه النبي (ص) وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه، ثم قال: أتحدثني أم أحدثك بما جرى عليك ؟ فقال له علي (عليه السلام) من فمك أحلى بأبي أنت وأمي ؟. قال قيس بن سعد: سمعت بعض النفر الذين كانوا معه يقول: الساعة تبكي وتصيح والآن تضحك ! وتريد أن تحدثه بما جرى عليه !. قال عمرو: وأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحدثنا بما جرى على الإمام وما لاقاه من أعداء الله في البئر، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) صدقت يا رسول الله، قد كان ذلك قال: ومن جملة ما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وآله: أن الامام قتل منهم في البئر زهاء عشرين ألف عفريت وأسلمت على يديه أربعة وعشرون قبيلة من طوايفهم، الذين بقوا إلى الآن ومن أطراف العجائب الذين يحدثون بها إلى آخر الزمان.

قال عمرو: وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وأمر بالنزول قريب البئر فسقوا مطاياهم، وأقام النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه واستراحوا حتى باتوا ليلتهم، ثم ارتحل النبي (ص) من الغد ورحل المسلمون إلى المدينة الطيبة وقد فتح الله بالنصر والظفر.

ومنها غزوة قصر الذهب رواها السيد المتقدم (رحمه الله) عن كتب أصحابنا المعتبرة من الكتب الغزوية عن هشام بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما رجع الإمام من غزاة النخلة وقد نصره الله


[ 273 ]

على أعدائه، فقعد في بعض الطريق فوفد إليه جماعة من العرب فشكوا إليه حالهم وما نالهم وأن على تخوم أرضهم قصر يقال له قصر الذهب وفيه ثعبان عظيم وقد منع الناس من الدخول والخروج والسكون فيه وقد منع الطريق فلما سمع الامام (ع) قال علي للمقداد وخالد وقتادة ؟ قالوا لبيك يا أمير المؤمنين (ع) قال أريد منكم الساعة أن تأتوني بخبر القصر ؟ قالوا سمعا وطاعة لله ولك يا أمير المؤمنين (ع) ثم أنهم انتصبوا على ظهور خيولهم يقدمهم خالد بن الوليد، وكان مسيرهم وقت صلاة الظهر وساروا حتى أدركهم الليل: فنزل خالد ونزل أصحابه وصلوا صلاة العشاء الآخرة وقدموا الطعام وأكلوا ودارت المشورة بينهم ؟ فاستوى رأي القوم أنهم يصبحون القصر ثم نام القوم يحرسهم عمرو بن أمية الضيمري. إلى أن طلع الفجر واستيقظوا وأسبغوا الوضوء وصلى بهم خالد بن الوليد وجلس حتى علت الشمس، فوثب القوم إلى خيولهم فركبوها وجعلوا يسيرون. فما كان إلا ساعة حتى صار بينهم مسيرة فرسخ، فنظروا إلى تراب الأرض وقد صار دخانا وكلما قربوا نظروا إلى الدخان قد علا ! فلما عاينوا ذلك وقفوا متحيرين قال عمرو: فبينما نحن شاخصون إذ رأينا جبلا كالليل الدمس وهو تارة يقعد على ذنبه وتارة يقعد على رأسه وتارة على بطنه، فتأملناه وإذا هو ثعبان عظيم وله رأس لا نطيق وصفه وهو قاصد إلينا، فلما نظر إليه خالد وأصحابه هالهم أمره، وشمت الخيل رائحة الدخان فتأخرن ونحن لا نطيق لها ردا، فعاد بيننا وبين القصر مسيرة فرسخين ولحقنا وهج عظيم من النار وقتام الدخان ولم يبق من المسلمين أحد إلا وغشي عليه. فلما أفاقوا طلبوا الرحيل وإذا خيولهم قد هزلت ولم يبق فيها روح من الفزع ثم أنهم ركبوا وجعلوا يسيرون على آثارهم حتى أشرفوا على عسكر الامام عليه السلام فلما رآهم وثب على قدميه واستقبلهم وقال: ما ورائكم ؟ فإني أرى وجوهكم متغيرة فقال خالد يا أمير المؤمنين ما أستطيع أخبرك بما قد رأينا ولا أشرح لك ما شاهدنا، فقال الامام (عليه السلام): أخبرني بما رأيت، فإني مشاهده إن شاء الله تعالى، فقص عليه


[ 274 ]

القصة، قال أمير المؤمنين (ع) اعلم انه قد اجفل حول القصر وليس يحير من كان احد من أن يقربه وحوله مياه عزيرة ورياض ومراعي غضيضة، فقال الامام (عليه السلام) ان رسول الله عهد إلي أن لا أجذب سيفا إلا بعلمه ورأيه، فهل أحد يمشي إليه بكتابي هذا حتى أستأذنه في المسير إليه ؟ قال عمر بن أمية الضيمري أنا يا أمير المؤمنين ولكن إريد أن تدعو لي بقرب الطريق ؟ قال (ع): ولك ذلك. قال فمضى إلى خيمته وأخذ صدرة من الديباج وتعمم بعمامة حمراء وتقلد خنجرا وأخذ قضيبا من الخيزران ووقف بين يدي الامام (ع) فدعا الامام (ع) بدوات وبياض ؟ فأحضر له ذلك فكتب كتابا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه علي بن أبي طالب إلى خير خلق الله وأمينه على وحيه، النور الساطع والضياء اللامع. أما بعد: فإني أشرفت على قبيلة عامر بن الحجاج ودعوته إلى طاعة الله وطاعة رسوله فأبى عن ذلك ! فأحذت منه ومن الذين جحدوا من أصحابه حق الله وحق رسوله وشتت شملهم وخربت ديارهم، وقد أمرتني أن لا أتبع منهزما ولم يبق منهم إلا شيخا كبيرا أو طفل صغير، وقد خبرت أن على تخوم أرضهم قصر يقال له قصر الذهب وفيه ثعبان عظيم لم يسمع السامعون بأعظم منه، ولا رأى الرائون بأهول منه، وهو ملآن من الجن ومردتها، وقد منع الطريق، وقد قتل من الناس كثير وقد أنفذت إليه خالد بن الوليد والمقداد وجماعة من المسلمين، وقد عاينوه فلم يطيقوا أن يقربوا منه ورجفت الخيل من رائحة الدخان وغشي على المسلمين، وقد عاينه عمرو وشاهده، وإذا قرأت كتابي هذا فأمرني بأمرك تجدني سامعا مطيعا. ثم طوى الكتاب وسلمه بيد عمرو بن أمية الضيمري فأخذه من يده وقبله وسار من وقته إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعا له الامام (عليه السلام) بقرب الطريق، فكان مسيره وقت صلاة الظهر. فلما بعد عن عسكر الامام (عليه السلام) هبط الأمين جبرئيل (ع) على النبي (ص)


[ 275 ]

وقال: السلام عليك يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام أودعتني ابن عمك فهو معي في دعة محفوظة، وقد أرسل إليك عمرو بن أمية الضيمري يستأذنك في أمر شخص من الجن في صورة ثعبان وهو ساكن في قصر الذهب، وقد شرد القبائل من حوله وليس يقدر أحد يقرب منه، وقد ملك ذلك الموضع ومعه خمسون ألف جني، وقد كانت خلقتهم على صور الدواب والوحوش، وأمر ابن عمك أن يسير إليهم ويهجم عليهم بسيفه وهو يتلو عليهم آياتي المحروسة وأنا مطلع على سرائره، عالم بعلانيته، ثم عرج جبرئيل (ع) إلى السماء. وخرج النبي (ص) من مسجده وقد اشتغل قلبه، فدخل على زوجته أم سلمة فلم يكلمها دون أن وقع في محرابه ساجدا يبتهل إلى الله تعالى، فبينما هو كذلك وإذا بطارق يطرق الباب، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) افتحوا الباب لعمرو بن أمية الضيمري، ففتح ودخل عمرو ودفع الكتاب إلى النبي (ص) ثم استدعى بدواة وبياض واستدعى بولده الحسن (ع) فأجلسه بين يديه وقبل ما بين عينيه وأمره أن يكتب إلى أبيه كتابا ؟ وقال له: فداك جدك اكتب ما أمليه عليك، فشمر الحسن (ع) كمه عن ساعده وكتب كتابا يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فقد وصل كتابك وفهمت خطابك، وقد أمرني الله تعالى، وهو لا تخفى عليه خافية بما صنعت اعداء الله، وقد أثنى عليك، وهو يأمرك ان تسير الى القصر بنفسك وتهجم عليهم، وقد أخبرني الله عز وجل انهم مردة الشياطين وكفرة الجن، وهم خمسون الف جني في صور مختلفة الالوان، وبالله عليك إذا رأيتهم نفرتهم بقوارع القرآن وأزجرتهم بالآيات المحكمات وبالسور المختلفات وبالآيات المحرقات. ويكون معك من أصحابك من تنشق عليه من الشدة، فان ربي قد وكل بك الملائكة المقربين يكونون معك من حولك، والله مطلع عليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وأعطى الكتاب عمروا فأخذه وقبله، ودعا النبي (ص) له بقرب المسافة، فشد عمرو وسطه بمنطقته وجعل يجد في المسير، الى ان وصل الى الامام " ع " فوجد بين


[ 276 ]

يديه عمار بن ياسر وجماعة من المسلمين وهم قعود على بساط من الشعر وأمير المؤمنين (عليه السلام) تعرض عليه الخيل من الخيول التي غنموها والأسلحة، وإذا قد نظر الامام (ع) الى عمرو، فقال لأصحابه ! هذا عمرو قد جاء فاستقبلوا صاحبكم يرحمكم الله ؟. فقام المسلمون واستقبلوا عمروا وقد جهده السير، فلما وصل الى الامام (ع) أكب على رأسه فقبله وسلم الكتاب إليه، فأخذه ووضعه على عينيه وفضه وقرأه وإذا هو خط ولده الحسن فبكى (ع) شوقا الى ولده الحسن (ع) وأخيه الحسين " ع " قال سمعا وطاعة لله ولرسوله. ثم أمر (ع) ان ينادي بعبيد الله فناداهم واجتمعوا حوله، فأخبرهم بما أخبره النبي (ص) فقالوا ما تريد ان نصنع ؟ فقال (ع): إلزموا مساكنكم واثبتوا في مواضعكم، حتى أتخير منكم نفرا فأقصده قصر الذهب، ثم أواقع هؤلاء القوم المتمردين وسيكون مني ومنهم ما تشيب منه ألوان وتتحدث به الناس الى يوم القيامة. ثم قدموا له فرسا أشقرا كان لرسول الله (ص) وتدرع بدرعه الفاضل وتقلد بسيفه ذو الفقار، ثم نادى يا عمار بن ياسر وزبير بن العوام وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وسعيد بن زياد وخالد بن الوليد اركبوا خيولكم وتقلدوا سيوفكم ؟ ففعلوا ذلك وجعلوا يسيرون وقد نشر على رأسه راية حمراء مكتوب عليها: (نصر من الله وفتح قريب) وساروا حتى صار بينهم اقل من ميل، فأمرهم بالنزول ؟ فنزلوا وبسطوا بساطا من الشعر وجلس الامام (ع). قال عمار: فبينما نحن كذلك إذ نظرنا الى اتساق نار قد خرج من باب القصر وهي ترتفع وترمي بشرر كالنيران فتحرق ما حولها وجعل البئر يتوجر علينا جمرة واحدة ولحقنا وجهه حتى صار العرق كأفواه القرب واشتد بنا الكرب والعطش وشردت الخيل عن الميل والميلين ولم يبق إلا فرس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فلما رأى الامام ذلك صاح بالخيل: أيتها الخيل إرجعي باذن الله وأطيعي ابن عم رسول الله (ص) ؟. فعند ذلك تراجعت الخيل نادبة بالصيهل حتى وقفت بين يديه تتمسح به فقال (ع)


[ 277 ]

اركبوا خيولكم، فركبوها. قال عمار بن ياسر: لقد أذهلنا ما رأينا وراعنا ما شاهدنا، فقال لنا الامام (عليه السلام) لا يهولنكم ما ترون من هؤلاء الجن، فوالله ما ترون منهم ومني هذا اليوم إلا ما تشيب منه الولدان وتتعجب ملائكة السماوات وتذهل الجن من فعالي. فبينما الامام " ع " بخاطبنا ونخاطبه إذ خرج من الباب دخان مظلم فاسود منه الافق وضاقت منه الأفواه بالأنفاس، فلم ينظر الرجل منا صاحبه واخذنا الصياح من كل جانب، وما كان إلا ساعة ثم انكشف وقد غشى على الصغير والكبير منا. قال عمار: فلما أفقت نظرت الى الامام (عليه السلام) أتأمله فلم يتخوف من شئ ولا إضطرب له جارحة بل ازداد غيظا، وكان ذلك القصر له اثني عشر بابا، قلت: يا سيدي ما انتظارك فقد أظلم الافق علينا فاصنع ما أنت صانع ؟ فعندها غضب الامام " ع " غضبا شديدا، وأقبل على الزبير بن العوام فقال " ع ": يا أبا عبد الله ما هذا وقت ركوب، انزل عن الحصان ؟ فنزل عن جواده وأمره ان يأخذ سلاحه ويتقلد بسيفه وأخذ جحفة من خيزران وتعمم بعمامة صفراء، ثم قال: يا قيس كن على شمالي وأقبل المقداد وعمار بن ياسر وقال: تهيأوا للقاء الموت يرحمكم الله، وأقبل الامام (ع) على من بقى من أصحابه وقال: احفروا في الأرض حفرة واقعدوا فيها واغمضوا أعينكم واكثروا من القرآن ولا يهولنكم ما ترون، ثم انه جمعهم في موضع واحد وقرأ سورة طه، وقال للزبير وعمار وقيس والمقداد إتبعوني، والامام " ع " على رأسه عمامة النبي (ص) وذو الفقار في يمينه ودرقته في شماله وفي وسطه منطقة اخيه جعفر الطيار وهو كأنه الأسد، ثم صاح صيحة فإذا البر يرج. قال عمار: فخرج من باب القصر عفريت يرمي بشرر النيران وصاح بنا صيحة واحدة فأجابه أصناف اللغات من كل جانب، فتقدم " ع " وقال: " بسم الله الرحمن الرحيم بطه ويس وبالاسم المكتوب على ذرر السور وزجرتكم بالصافات صفا وتبارك والأعراف وبالله الذي لا إله إلا هو، خالق الليل والنهار والظلم والأنهار ". قال عمار: والأحجار تتساقط علينا من كل جانب، والامام يوقي عن نفسه وعنا


[ 278 ]

بترسه، ولم يستطع ان يتقدم الى النار من شدة اللهب والدخان، ثم كثرت الاعناق والاصناف وظهرت الاشخاص !. فلما نظر الامام (ع) ما نحن فيه أقبل علينا وقال بحقي عليكم إثبتوا في موضعكم فوالذي بعث محمدا (ص) بالحق لا يلقيهم غيري، فان سلمت فذلك من عند الله ورسوله وان دنت الوفاة فاقرؤا محمدا صلى الله عليه وآله والحسن والحسين وامهما عليهم السلام عني السلام، قالوا يا أمير المؤمنين بأنفسنا نفديك وآبائنا نقيك، بأي عذر لنا نلقي الله ورسوله وأنت لست معنا، إلا ان قضى الأمر وجرى القلم، قال (ع): فاثبتوا في مواضعكم يرحمكم الله كما امرتكم، ثم تقدم (عليه السلام) الى باب القصر وقال: إلهي وسيدي ومولاي أنت تعلم ان جهادي في رضاك وطاعتك فانصرني. فلما سمع بذلك المسلمون ضجوا بالبكاء وابتهلوا الى الله تعالى بالدعاء، فقال عمار يا سيدي انت تعلم ان محبتك في قلوب المؤمنين وفي قلبي ولا أحب الحياة بعدك احب ان اكون معك، قال: يا عمار على شرط، قلت يا سيدي وما هو ؟ قال: لا تجذب سيفك والا توتر قوسك، فإذا رأيت العجب فأكثر الصلاة على محمد وآله. قال عمار: فلما أنعم علي، انكببت على قدميه أقبلهما وقلت يا سيدي لا حاجة لي بعدك في الحياة وخطوت معه وهو يقول: يا عمار كن عن يميني وشمالي حتى لا ينالك منهم سوء، فاني أوقيك وأفدي أصحاب رسول الله بروحي، فلما قربنا من القصر والمسلمون يتبعونا بقوارع القرآن ويبتهلون الى الله تعالى فحسبت ان الارض اضطربت من تحتنا، فخرج الينا لسان من نار، فلما نظره الامام عليه السلام قد قرب مد جحتفه وهو يقول: " يا معشر الجن إن استطعتم ان تنفذوا فأنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ولا تنفذوا إلا بسلطان * فبأي آلاء ربكما تكذبان " وأرى لسان النار لحقتني فاحترق ثوبي فأطفأها عني الامام عليه السلام وقال: يا عمار لقد أشغلت قلبي، فبحقي عليك إلا ما رجعت الى أصحابي ؟ فقلت يا سيدي من يرجعني ؟ فقال: أنا واقف أصد عنك النار ومواضع الأحجار، حتى تلحق بأصحابك قال عمار: فجعلت أسعى وقد طار عقلي حتى لحقت بأصحاب رسول الله (ص)


[ 279 ]

وسقطت على وجهي مغشيا علي وجعلوا يرشون الماء على وجهي، فلما أفقت قلت لهم: ما فعل الامام (ع) بعدي ؟ قال المقداد: نظرنا إليه تحت جحفته كأنه الأسد، فمر ينظر وهو يتقرب من النار والاحجار تسقط عليه، ثم زعق زعقة فظننت أن السماء قد وقعت على الارض، فأجابته الاصوات من كل جانب، فسمعته يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكان قد قال لنا: ان رجعت اليكم صلاة العصر وإلا فارجعوا الى المدينة واقرؤا رسول الله (ص) مني السلام واخبروه بما شاهدتم. قال قيس: فو الله لقد سمعنا ذو الفقار في كف الامام وصوته كالرعد العاصف وهو يتبع الضربة بالصيحة تتلف منها النفوس، ونحن نقول: وعدك وعدك يامن لا يخلف الميعاد، اللهم لا تفجع به قلب نبيك، اللهم لا تفجع به قلب الزهراء، اللهم لا تفجع به قلب الحسن والحسين. قال عمار: ثم انقطع عنا صوته، وكنا نركن الى صوته، ثم عظم الدخان وانتشر على وجه الارض حتى لا يرى الرجل صاحبه، فأصغينا الى القصر سمعنا الزبير وقام بالأبصار وإذا بنا لا نرى له أثرا ولم نسمع له صوتا. فقال الزبير يا قوم ان الرأي ان نقوم ونفتح الباب وننظر ما يكون من الامام (ع) قال المسلمون: إنا لك تبع، فأنا لم نصبر على ابن عم رسول الله، فقام الزبير وقام المسلمون وركبوا خيولهم وجعلوا يسيرون حتى قربوا من باب القصر. قال عمار: فبينما نحن كذلك إذ خرج علينا من باب القصر ثعبان عظيم الخلقة له دوي كالرعد الزاحف، فلما رآنا قصد الينا فهزمنا من بين يديه وهو يطردنا حتى إذا قرب منا عارض خيولنا فاحرقها ولم يبق إلا فرس رسول الله صلى الله عليه وآله وصارت رمادا ! ثم عاد ودخل القصر على أمير المؤمنين (ع). قال الزبير فلما رأينا ذلك فزعنا فزعا سديدا وآيسنا ان لا نرى الامام عليه السلام ثم رجعنا الى قول الله عز وجل لنبيه ان يرده إليه سالما، فبينما نحن كذلك إذ طلع رجل من الجبل وهو يقول ادركوا صاحبكم فخذوا بثاره ! فصاح به المسلمون: انت ابليس اللعين، فغاب من بين أيدينا.


[ 280 ]

قال أنس بن مالك ان فاطمة الزهراء (ع) كانت نائمة في حجر أم سلمة إذ كشف الله تعالى عن بصرها، فنظرت الى القصر وعجائبه واهواله، ونظرت الى أمير المؤمنين (ع) وقد دارت به الجن من كل مكان، فانتبهت مرعوبة، فقالت لها ام سلمة ما شاهدت وما شأنك ؟ ثم وثبت على قدميها وهي تقول: روحي لروحك الفداء، ثم قالت: يا فضة امضي الى محمد " ص " وقولي له: ادرك إبنتك فاطمة الزهراء فوثب النبي " ص " فأخذ نعله في يده وهو يجر ردائه من العجلة وهو يقول: ما شأنها، هل أتاها أحد بخبر فأفزعها ؟ وكيف يكون ذلك ؟ وما هبط علي جبرئيل بخبر ثم انه " ص " دخل دار ام سلمة، فنظر الى فاطمة وهي نائمة فانتبهت ودموعها قد بلت ثيابها وهي تقول: يا سيدي كن لعلي ناصرا، فلما سمع النبي " ص " كلامها قال: يا حبيبتي ما الذي أبكاك ؟ قالت: يا أبة اني كنت نائمة في هذه الساعة إذ كشف الله عن بصري فرأيت عليا وقد دارت به مردة الشياطين وهو متمنطق بمنطقة أخيه جعفر وبيده سيفه ذو الفقار ودرقة عمه حمزة وهو في جهد جهيد وكرب شديد وأصحابه متباعدون وهو يجاهد وحده ويلقي بنفسه وهو يقول: يا فاطمة اسألي أباك ان يلحقني فبالله عليك يا أبة ادرك عليا وارحم ولدي الحسن والحسين وابنتك فاطمة، فقال النبي " ص ": يا فاطمة اني ما أفعل شيئا الا باذن الله تعالى وها أنا واقف انتظر الوحي من السماء. فبكى الحسن والحسين وقالا: لا بالله عليك يا جداه الا ما أمرتنا ان نسير الى أبينا، ننظر ما هو فيه ونفديه بأنفسنا نفسه وبأرواحنا نفديه فما استتم كلامهما إذ هبط جبرئيل " ع " وهو يقول: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول: لك اؤمن فاطمة وقل لها إنا رادوه اليك سالما غانما، واني مؤيده بملائكتي المقربين، ولو ان ملكا من ملائكتي أمرته ان يقلع الارض وما عليها من شجر ومدر وبر وبحر وسهل وجبل، لقلعها وهان عليه ذلك، ولكن أحببت لابن عمك الذكر الى يوم القيامة. قال النبي " ص ": اللهم بحق إبراهيم وولده إسماعيل وذريته اكشف لي عن بصري حتى أراه وأسمع كلامه وكذلك لابنتي فاطمة وولديها، فأوحى الله تعالى ليست


[ 281 ]

الأنبياء فيهم من له منزلة كمنزلتك وقد أمرت الارض ان تطيعك، فأمرها بأمرك. فأخذ النبي (ص) بيد فاطمة وولديها عليهم السلام وصعد بهم على دار سعد بن عبادة وصاح بأعلى صوته: يا ارض إنقشعي، فانقشعت بقدرة الله تعالى، فمد النبي (ص) عينيه وكذلك فاطمة وولديها عليهم السلام وصار بين النبي (ص) وبين علي " ع " قدر رمية سهم، فنظر النبي (ص) الى الامام عليه السلام وقد دارت به الجن والشياطين وهو يضرب فيهم ويثب عليهم كأنه الأسد. قال عمار: فسمعت النبي (ص) وقد كبر وقال: يا علي الثعبان الكبير عن يمينك، وكان علي بمينه، فكشف الله عن أبصار المسلمين حتى تبين لهم ما سمعوا فنظروا إليه وقد هم به الثعبان ان يبتلعه ! فصاح به الامام عليه السلام صيحة عظيمة أذهلته، فالتقاه بذي الفقار وضربه ضربة على وسطه فقده نصفين، فكبر الامام عليه السلام ثلاث تكبيرات وكبر المسلمون. فعند ذلك خمدت النيران وانكشف الدخان وظهر اشخاص بصنوف مختلفة الصور واللغات وعلي " ع " يضرب فيهم يمينا وشمالا وينادي: يا جمع الشياطين ان معي ربي ينصرني ويخذلكم فلما عاينوا ذلك منه نادوا: يا أمير المؤمنين الامان الامان ارفع سيفك عنا، إبعد عنا بأسك، فقال لهم أمير المؤمنين " ع ": وعيش عاش فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا كان ذلك ابدا، حتى تقولوا قولا مخلصا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فقالوا بأجمعهم يا أمير المؤمنين ارفع سيفك عنا فنحن نقول: أشهد أن لا أله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. فعند ذلك رفع السيف عنهم وسر بإسلامهم سرورا كثيرا، وسر النبي (ص) بسلامة ابن عمه وكذلك فاطمة وولداها عليهم السلام، ونزلوا من على الدار فرحين لما عاينوا من نصر الامام (ع). ثم طلع الامام (ع) الى أصحابه وهو مسرور ووجهه يشرق كالبدر عند تمامه وكماله، فلما عاينوه جعلوا يقبلون يديه ويهنونه بالسلامة، وفرح القوم الذين حول القصر بقتل الثعبان.


[ 282 ]

وأقام الامام (ع) فيه ثلاثة ايام حتى اتصل القوم بعضهم ببعض الى القصر وأسلموا على يد أمير المؤمنين " ع " وعلمهم فرائض الصلاة والصوم وآمنهم من عدوهم وسار الى المدينة والراية منشورة على رأسه. فهبط جبرئيل " ع " على النبي " ص " يهنئه بقدوم أمير المؤمنين " ع " فخرج النبي " ص " ودخلوا المدينة جميعا. وهذا ما انتهى الينا من الحديث الشريف. ومنها غزوة مدينة عمان ما في (المناقب) عن عمار: لما ارسل النبي (ص) عليا عليه السلام الى مدينة عمان في قتال الجلندي بن كركر وجرى بينهما حرب عظيم وضرب وجيع، دعا الجلندي بغلام يقال له الكندي، فقال له ان انت خرجت الى صاحب العمامة السوداء والبغلة الشهباء فتأخذه اسير أو تطرحه مجدلا عفيرا ! ازوجك ابنتي التي لم تنعم اولاد الملوك بزواجها ! فركب الكندي الفيل الابيض، وكان مع الجلندي ثلاثون فيلا ! وحمل بالأفيلة والعسكر على أمير المؤمنين (ع) !. فلما نظر الامام (ع) إليه نزل عن بغلته وكشف عن رأسه، فأشرقت الفلاة طولا وعرضا، ثم ركب ودنا من الأفيلة وجعل يكلمها بكلام لا يفهمه الآدميون، وإذا بتسعة وعشرين فيلا قد دارت رؤوسها وحملت على المشركين وجعلت تضرب فيهم: يمينا وشمالا حتى أوصلتهم الى باب عمان، وسمعت يتكلم بكلام يفهمه الناس: يا علي كما نعرف محمدا ونؤمن به وبربه، إلا هذا الفيل الابيض فانه لا يعرف محمدا ولا آل محمد ! فزعق الامام زعقته المعروفة عند الغضب، المشهورة بين قبائل العرب، فارتعد الفيل ووقف ! فضربه الامام (ع) ضربة طار بها رأسه عن بدنه ووقع الفيل على الارض كالجبل العظيم واخذ الكندي من ظهره فأخذ جبرئيل النبي (ص) فارتقى على السور فنادى:


[ 283 ]

يا أبا الحسن هبه لي فهو أسيرك فاطلق سبيله ؟ فقال: أبا الحسن ما حملك على اطلاقي ؟ فقال (ع): ويلك مد نظرك ؟ فمد نظره وكشف الله عن بصره، فنظر الى النبي (ص) واقفا، فقال كم بيننا وبينه ؟ قال: مسيرة أربعين يوما، فقال أن ربكم رب عظيم ونبيكم نبي كريم، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله. وقتل علي (ع) الجلندي وسلم الحصن الى الكندي وزوجه ابنة الجلندي، انتهى

المجلس السادس

فيما جرى عليه بعد رسول الله (ص) من المصائب

وما رأى في ايام الثلاثة من النوائب واحتجاجاته عليه السلام وذكر بعض ما أسر له اعدائه من الغدر وقصائد في مدحه وفيه بابان.

الأول - فيما جرى عليه بعد رسول الله (ص) من المصائب وما رأى في ايام الثلاثة وبعض ما أسر له اعدائه واحتجاجاته،

ولم ترتب هذا الباب على شئ من الفصول وغيره، لارتباط بعض المصائب في بعض حديث غصب القوم الخلافة واجبارهم له على البيعة ! عن كتاب سليم بن قيس الهلالي قال سلمان الفارسي: لما قبض رسول الله (ص) وصنع الناس ما صنعوا ! جاءهم أبو بكر وعمرو وابو عبيدة بن الجراح، فخاصموا الانصار بحجة علي (ع) فقالوا يا معشر الانصار، قريش احق بهذا الأمر منكم ! لان رسول الله (ص) من قريش والمهاجرون خير منكم ! لان الله أيدهم في كتابه وفضلهم ! وقد قال رسول الله (ص) الأئمة من قريش، فقالت الأنصار لا نبايع إلا عليا، فقال أبو عبيدة يا معشر الانصار انكم اول من نصر فلا تكونوا اول من بدل، فقال أبو بكر هذا عمر وابو عبيدة: فان شئتم فبايعوا احدهما ! فقالا لا والله لا نتوالى هذا


[ 284 ]

الامر عليك وانت افضل المهاجرين ! ابسط يدك نبايعك ! فوالله ما نجد احدا احق بها سواك ! فبايعه عمر ثم أبو عبيدة ثم ازدحم الناس عليه للبيعة، فقاموا ودخلوا المسجد ورقى أبو بكر على منبر رسول الله (ص) ! فاول من بايعه شيخ بين عينيه سجادة وقال مقالة كأنه شامت برسول الله ! قال: فلما رأى سعد بن عبادة ذلك وكان أتى يشغلهم عن البيعة حتى يأتيهم علي عليه السلام تحول الى داره، فبقى اياما، وارسل إليه أبو بكر ليبايع، فان الناس قد بايعوا ! فقالا: لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي وأخضب سنان رمحي وأضرب بسيفي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني، ولو اجتمع معكم الجن والانس، ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وهو يحكم بيننا وبينكم بالحق وهو خير الحاكمين. فقال عمر لأبي بكر لا تدعه حتى يبايع ! فقال بشير بن سعد الانصاري: قد لج وأبى ولا يبايعكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه أهله وطائفة من عترته ولا يضركم تركه، وانما هو رجل واحد، فتركوه. وبعد ايام خرج سعد بن عبادة من المدينة، ولم يدخل المدينة بعد ذلك، وبعثوا له باناس فقتلوه. أقول: وفي كتب القوم ان سعد بن عبادة قتلته الجن رمى بسهم معهم وسمع قائلا يقول :

نحن قتلنا سيد الخزر سعد بن عبادة * * رميناه بسهم فلم نخط فؤاده !

قال سلمان: فأتيت عليا (ع) وهو يغسل رسول الله (ص) فأخبرته بما صنع القوم فقلت: ان ابا بكر الساعة قد رقا منبر رسول الله (ص) ولم يرضوا ان يبايعوه بيد واحدة، وانهم ليبايعونه بيديه جميعا يمينه وشماله، فقال علي (ع): يا سلمان فهل تدري من بايعه على منبر رسول الله ؟ قال سلمان: انه كان شيخا بين عينيه سجادة وقال مقالة كأنه شامت بموت رسول الله (ص) فقال (ع): ان ذلك ابليس لعنه الله وانه لما نصبني رسول الله (ص) ايس ابليس لعنه الله، فأخبرني رسول الله (ص) بعد ذلك فقال يبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة، حتى ما يخاصموهم بحقنا ومحبتنا ثم يأتون المسجد فيكون اول من يبايعه ابليس في صورة شيخ كبير،


[ 285 ]

قال سلمان: فلما كان الليل حمل علي (ع) فاطمة على حمار وأخذ بيده الحسن والحسين فلم يدع احدا من أهل بدر من المهاجرين والانصار إلا اتاه في منزله وذكر حقه ودعاه الى نصرته ؟ فما إستجاب له الا اربعة واربعين رجلا، فأمرهم ان يصبحوا محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم على ان يبايعوه على الموت، فاصبحوا لم يوافقه منهم إلا أربعة !. قال سليم بن قيس: قلت لسلمان: من الأربعة: قال أنا وأبو ذر والمقداد والزبير ابن العوام، ثم عادهم ليلا يناشدهم ؟ فقالوا نصبحك بكرة، فما أتاه غيرنا ! ثم أتاهم الليلة الثالثة ؟ فما أتاه غيرنا ! فلما رأى علي غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه، وكان المصحف في الفسطاط والاسيار والرقاع، فلما جمعه كله كتبه على تنزيله الناسخ والمنسوخ، وبعث إليه أبو بكر ان اخرج فبايع !: فبعث إليه علي (ع): اني مشغول، وقد آليت على نفسي يمينا ان لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى اؤلف القرآن فأجمعه، فجمعه في ثوب واحد، ثم خرج الى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (ص) فنادى بأعلى صوته: أيها الناس: اني لم أزل منذ قبض رسول الله (ص) مشغولا بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله تعالى على رسوله آية منه إلا وقد جمعتها، وليست منه آية وقد أقرأنيها رسول الله (ص) وعلمني تأويلها. ثم قال لهم علي: لئلا تقولوا يوم القيامة اني لم أدعكم الى نصرتي، ولم أذكركم حتى أدعوكم إلى كتاب الله من فاتحته الى خاتمته. فقال له عمر ما اغنانا بما معنا من القرآن ! عما تدعونا إليه، ثم دخل علي (ع) بيته، فقال عمر الله الله لأبي بكر ارسل الى علي " ع " فليبايع ! فلسنا في شئ حتى يبايع ! ولو قد بايع آمناه ! فأرسل أبو بكر إلى علي (ع) اجب خليفة رسول الله ! فأتاه، فقال له ذلك ؟ فقال علي (عليه السلام): ما أسرع ما كذبتم على رسول الله (ص) انه ليعلم والذين حوله ان الله ورسوله لم يستخلفا غيري فأخبره ما قال له، فقال اذهب


[ 286 ]

فقل له اجب أمير المؤمنين ابا بكر ! فاتاه فاخبره بذلك، فقال له علي " ع " سبحان الله، والله ما طال العهد فنسى، فوالله انه ليعلم ان هذا الاسم لا يصلح إلا بي وقد أمر رسول الله (ص) وهو سابع سبعة، فسلموا علي بإمرة المؤمنين فاستفهمه هو من بين السبعة، فقال أحق من الله ورسوله، قال رسول الله: حقا حقا من الله ومن رسوله انه أمير المؤمنين " ع " وسيد المسلمين وصاحب لوى الغر المحجلين يقعداه الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فيدخل أوليائه الجنة واعدائه النار، فانطلق الرسول فأخبره بما قال، فسكتوا عنه يومهم ذلك. قال: فلما رأى علي (ع) خذلان الناس له وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم له ! لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر ما يمنعك ان تبعث إليه فيبايع ! فانه لم يبق احد إلا وقد بايع، غيره وغير هؤلاء الأربعة، وكان أبو بكر ارق الرجلين وارفقهما وادهاهما وابعدهما غورا، والآخر افضهما واجفاهما، فقال أبو بكر من ترسل إليه قال قنفذ ! فأرسل قنفذا وهو رجل فض غليظ جاف من الطغاة احد بني عدي بن كعب وأرسل معه اعوانا. فانطلق فاستاذن على علي (ع) فأبى ان يأذن لهم فرجع اصحاب قنفذ الى ابي بكر وعمر وهما في المسجد والناس حولهما، فقالوا لم يأذن لنا، فقال عمر اذهبوا فان أذن لكم والا فادخلوا عليه بغير اذن. فانطلقوا فاستاذنوا ؟ فقالت فاطمة (ع): احرج عليكم ان تدخلوا على بيتي فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا ان فاطمة قالت كذا وكذا، فتحرجنا ان ندخل عليها بيتها بغير اذن، فغضب عمر فقال ما لنا وللنساء، ثم امر اناسا ان يحملوا حطبا فحملوا الحطب وحمل عمر معهم، فجعلوه حول بيت علي (عليه السلام) وفيه علي وفاطمة وأبناهما، ثم نادى عمر حتى اسمع عليا وفاطمة والله ليخرجن وليبايعن خليفة رسول الله وإلا اضرمت عليه بيته نارا، ثم رجع قنفذ الى أبي بكر وهو متخوف ان يخرج علي (ع) بسيفه لما يعرف من بأسه وشدته، فقال أبو بكر لقنفذ ارجع، فان خرج والا فاهجم عليه بيته، فان امتنع فاضرم عليهم بيتهم نارا.


[ 287 ]

قال فانطلق قنفذ الملعون وعاد عمر بالنار فاضرمها في الباب ثم دفع الباب فاستقبلته فاطمة وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله، فرفع السيف وهو في غمده فوجى به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه، فوثب علي (ع) فأخذ بتلابيب عمر، ثم هزه وصرعه ووجاء أنفه ورقبته وهم بقتله فذكر قول رسول الله (ص) وما أوصاه به من الصبر فقال والذي أكرم محمدا بالنبوة يابن صهاك لو لا كتاب من الله سبق، لعلمتك انك لا تدخل بيتي، فارسل عمر يستغيث. فأقبل الناس ودخلوا الدار ورفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به عليا، فحمل عليه بسيفه فاقسم على علي فكف، وأقبل المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وبريدة الأسلمي أعوانا لعلي " ع " فقال دعوهم واياه، فان الله أمرني ان لا أجادلهم في هذا الوقت فلما سمع عدو الله هذا المقال اقتم هو واصحابه عليه وثار علي (ع) بسيفه وسبقوه إليه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم وكاثروه والقوا في عنقه حبلا وحالت بينه وبينهم فاطمة (ع) عند باب البيت فضربها قنفذ لعنه الله بسوط كان معه، فرجعت (ع) وان في عضدها كالدملج من ضربته لعنه الله، ثم انطلق به يعتل عتلا حتى انتهى الى أبي بكر وعمر قائم على رأسه بالسيف وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وبشير بن سعد وساير الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح. قال سليم بن قيس: قلت لسلمان أدخلوا على فاطمة (ع) بغير إذنها ؟ قال أي والله وما عليها خمارا، فنادت: يا أبتاه لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر، وعيناك لم تفقيا في قبرك، تنادي بأعلى صوتها: لقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون وينتحبون وما منهم إلا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول لسنا من النساء وأيهن في شئ، فانتهوا بعلي الى أبي بكر وهو يقول اما والله لو وقع سيفي في يدي، لعلمتم انكم لم تصلوا الى هذه ابدا، والله ما ألوم نفسي في جهادكم لو كنت استمكنت من الاربعين لفرقت جماعتكم، ولكن لعن الله اقواما بايعوني ثم خذلوني. وقد كان قنفذ لعنه الله حين ضرب فاطمة بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها ارسل عمر ان حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها، فألجأها قنفذ لعنه الله الى عضادة باب بيتها


[ 288 ]

ودفعها فكسر ضلعها من جنبها وألقت جنينها من بطنها ! فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة. فلما انتهى بعلي الى أبي بكر انتهره عمر وقال له بايع، فقال له علي (ع): ان لم أبايع فما انتم صانعون ؟ قالوا نقتلك ذلا وصغارا، فقال عليه السلام إذن تقتلون عبد الله وأخا رسول الله ؟ فقال أبو بكر اما عبد الله فنعم، واما أخا رسول الله فلا نعرفك بهذا فقال: أتجحدان رسول الله آخا بيني وبينه، فأعاد عليه ثلاث مرات، ثم أقبل علي عليه السلام فقال: يا معاشر المسلمين والمهاجرين والانصار أسمعتم رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم كذا وكذا ؟ وفي غزاة تبوك كذا وكذا، فلم يدع شيئا قال له رسول الله (ص) علانية للعامة إلا ذكرهم إياها ؟ قالوا اللهم نعم. فلما ان تخوف أبو بكر ان ينصره الناس وان يمنعوه منه، بادرهم فقال له كلما قلت حق قد سمعناه باذاننا ووعته قلوبنا، ولكن سمعت رسول الله (ص) يقول بعد هذا: إنا أهل بيت أصطفانا الله واختار لنا الآخرة على الدنيا، فان الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة، فقال علي عليه السلام هل أحد من اصحاب رسول الله شهد هذا معك ؟ فقال عمر صدق خليفة رسول الله (ص) قد سمعته منه كما قال، وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل قد سمعنا ذلك من رسول الله، فقال لهم علي (ع): لقد وفيتم بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها في الكعبة ان قتل محمدا أو مات لتردن هذا الأمر عنا أهل البيت، فقال أبو بكر فما علمك بذلك اطلعناك عليها ؟ فقال علي عليه السلام: أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد أسألكم بالله وبالاسلام أسمعتم رسول الله (ص) يقول ذلك ؟ وأنتم تسمعون ان فلانا وفلانا عد هؤلاء الأربعة قد كتبوا بينهم كتابا ان قتلت أو مت ان يتظاهروا عليك ويزولوا عنك هذا الأمر يا علي قلت بأبي أنت وامي فماذا تأمرني إذا كان ذلك فقال ان وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم وان لم تجد أعوانا فبايع وإحقن دمك، فقال: أما والله لو ان اولئك الأربعين الرجل الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، فقال له عمر


[ 289 ]

اما والله لن ينالها احد من أعقابكم الى يوم القيامة. ثم نادى علي عليه السلام قبل ان يبايع والحبل في عنقه: يابن ام ان القوم إستضعفوني وكادوا يقتلونني، ثم تناول عليه السلام يد أبي بكر فبايعه. قال سليم: في رواية ابن عباس: ثم قام أبو ذر والمقداد وعمار فقالوا لعلي (ع) ما تأمر ؟ والله إن أمرتنا لنضربن بالسيف حتى نقتل ؟ فقال علي (ع): كفوا رحمكم الله واذكروا عهد رسول الله (ص) وما أوصاكم به فكفوا، فقال عمر لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر وهذا جالس مقارب لا يقوم فيبايعك أو تأمرنا فنضرب عنقه والحسن والحسين قائمان على رأس علي، فلما سمعا مقالة عمر بكيا ورفعا أصواتهما بالبكاء وناديا: يا جداه يا رسول الله، فضمهما علي (ع) الى صدره وقال لا تبكيا فو الله لا يقدران على قتل أبيكما، انهما اذل واقل وادحر من ذلك. وأقبلت ام أيمن النوبية حاضنة رسول الله (ص) وأم سلمة فقالتا: يا عتيق ما اسرع ما ابديتم حسدكم لآل محمد (ص) ؟ فأمر بهما عمر ان تخرجا من المسجد وقال ما لنا وللنساء، ثم قال يا علي قم وبايع ؟ فقال علي ان لم أفعل ؟ قال اذن والله ليضربن عنقك، قال: كذبت والله يابن صهاك لا تقدر على ذلك وانت ألئم وأضعف من ذلك، فوثب خالد بن الوليد واخترط سيفه فقال والله لئن لم تفعل لا قتلنك ! فقام إليه علي (ع) وأخذ بمجامع ثوبه ثم دفعه حتى ألقاه ووقع السيف من يده، فقال الرجل قم يا علي فبايع ؟ قال: فان لم أفعل ؟ قال اذن والله نقتلك ! واحتج ثلاث مرات عليهم ثم مد يده من غير ان يفتح كفه فضربه عليها أبو بكر ورضى بذلك. ثم قيل للزبير قم فبايع ؟ فأبى، فوثب إليه الرجل وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة واناس معهم فانتزعوا سيفه فضربوا به الارض، فقال الزبير يابن صهاك اما والله لو ان سيفي في يدي لحدث عني فوجوا في عنقه، ثم اخذوا يده فبايع مكرها، ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين. قال سليم: وغضب الرجل من ذكر صهاك فقال للزبير وما يمنعني من ذكرها وقد كانت زانية أو تنكر ذلك، أو ليس كانت أمة لجدي عبد المطلب فزنا بها جدك نفيل،


[ 290 ]

فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب لجدك بعد ما ولدته وانه لعبد جدي وولد زنا فاصلح بينهما أبو بكر وكف كل واحد منهما عن صاحبه. قال سليم: قال سلمان: قلت لحبتر اني سمعت رسول الله (ص) يقول إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب جميع أمة محمد إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعا فقال قل ما شئت أليس قد بايعت وليم يقر الله عينيك بأن يليها صاحبك، فقال: أشهد أني قرأت في بعض كتب الله أن باسمك ووصفك باب من أبواب جهنم. فقال قل ما شئت أليس قد عدلها الله عن أهل هذا البيت الذين اتخذتموهم أربابا، فقلت أشهد أني سمعت رسول الله (ص) يقول وقد سألته عن هذه الآية: " فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد " ؟ فأخبرني أنك أنت هو، فقال لي حبتر اسكت اسكت الله نامتك أيها العبد يابن اللخناء ! فقال لي علي: اسكت. قال: فقال أبو ذر: لعن الله من أبغض آل محمد (ص) وافترى عليهم فظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد هذه الأمة القهقري على أدبارها، فقال عمر آمين لعن الله من ظلمهم، لا والله مالهم فيها من حق وما هم فيها وعرض الناس إلا سواء، قال أبو ذر: ولم خاصمت الأنصار بحقها ؟ فقال علي لحبتر يابن صهاك فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة الذبان ؟ فقال حبتر كف يا أبا الحسن إذ قد بايعت، فإن العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك فما ذنبي ؟ فقال علي (ع) لكن الله ورسوله لم يرضيا إلا بي فأبشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما ووازركما بسخط الله وعذابه وخزيه، ويلك يابن الخطاب لو ترى ماذا جنيت على نفسك لو تدري ما منه خرجت وفيم دخلت وما جنيت على نفسك وعلى صاحبك، فقال أبو بكر يا عمر اما إذ بايع وآمنا شره وقتله وغايلته فدعه يقول ما شاء، فقال علي (ع) لست قائلا شيئا غير شئ واحد أذكركم بالله أيها الأربعة، لسلمان وأبي ذر والزبير والمقداد: أسمعتم رسول الله (ص) يقول إن تابوتا من نار فيه إثني عشر، ستة من الأولين وستة من الآخرين في قعر جهنم في جب في تابوت مقفل، على ذلك الجب صخرة، فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فأسعر جهنم من وهج ذلك الجب ومن حره.


[ 291 ]

قال علي (ع) فسألت رسول الله (ص) وأنتم شهود ؟ فقال رسول الله (ص) أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه وفرعون ذو الفراعنة والذي حاج إبراهيم في ربه ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم، أما أحدهم فهود اليهود والآخر فنصر النصارى وعاقر الناقة وقاتل يحيى بن زكريا والدجال في الآخرين وهؤلاء الأربعة أصحاب الكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذين تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك يا أخي ويتظاهرون عليك هذا وهذا حتى عدهم وسماهم. قال: فقلنا: صدقت نشهد إنا سمعنا ذلك من رسول الله (ص) فقال عثمان يا أبا الحسن اما عندك وعند أصحابك في حديث، فقال علي (ع): بلى، سمعت رسول الله (ص) يلعنك ثم لم يستغفر لك بعد ما لعنك، فغضب عثمان، ثم قال ما لي ولك لا تدعني على حال كنت على عهد رسول الله ولا بعده، فقال له الزبير فأرغم الله أنفك، ثم قال له عثمان والله لقد سمعت رسول الله (ص) يقول أن الزبير يقتل مرتدا عن الاسلام. قال سلمان: فقال علي (ع): فيما بيني وبينه صدق عثمان وذلك أنه يبايعني بعد قتل عثمان فينكث بيعتي ويقتل مرتدا. قال سلمان: فقال علي (ع) إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله (ص) غير أربعة، ان الناس بمنزلة هارون ومن تبعه وبمنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في شبه هارون وعتيق في شبه العجل والثاني في شبه السامري. أقول: وروى أحمد بن علي الطبرسي في (الاحتجاج) عن الصادق (ع) انه قال: لما إستخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة " ع " فما بقيت إمرأة هاشمية إلا وخرجت معها، حتى انتهت قريبا من القبر فقالت: خلو عن ابن عمي، فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله (ص) على رأسي ولأصرخن إلى الله. فما ناقة صالح بأكرم على الله من أبي ولا الناقة أكرم على الله مني ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي. قال سلمان كنت قريبا منها فرأيت والله أساس حيطان المسجد، تعلقت من أسفلها حتى لو أراد الرجل أن ينفذ من تحتها لقدر، فدنوت منها فقلت: يا بنت رسول الله


[ 292 ]

يا سيدتي ومولاتي الله عز وجل بعث أباك رحمة للعالمين فلا تكوني نقمة فرجعت، ورجعت الحيطان. وفي رواية الكليني في " الروضة ": بالاسناد إلى أبي هاشم: خرجت فاطمة " ع " واضعة قميص رسول الله (ص) على رأسها أخذة بيد إبنيها، فقالت ما لي ولك يا أبا بكر ؟ أتريد أن تيتم إبني وترملني من زوجي، والله لو لا تكون سيئة لنشرت شعري وصرخت إلى ربي " فقال رجل من القوم ما نريد إلى هذا، ثم أحذت بيده وانطلقت به. قال أبو جعفر " ع " والله لو نشرت شعرها لماتوا طرا. خبر غصبهم فدكا من فاطمة عليها السلام في " الاحتجاج " عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله " ع " قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الامر على المهاجرين والانصار بعث الى فدك من اخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله " ص " فجاءت فاطمة " ع " الى أبي بكر فقالت له: يا أبا بكر لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله " ص " وأخرجت وكيلي من فدك، وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال آتي على ذلك بشهود ؟ فجائت ام أيمن فقالت لا أشهد يا أبا بكر حتى احتج عليك بما قال رسول الله " ص " أنشدك بالله ألست تشهد ان رسول الله " ص " قال: ام أيمن إمرأة من أهل الجنة ؟ فقال بلى، فقالت فأشهد بالله ان الله عز وجل أوحى لرسول الله (ص): " فأت ذي القربى حقه " فجعل فدكا لفاطمة بأمر الله فجاء علي وشهد مثل ذلك، فكتب لها كتابا ودفعه إليها. فدخل عمر فقال ما هذا الكتاب ؟ فقال ان فاطمة إدعت في فدك وشهدت لها ام أيمن وعلي، فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من يد فاطمة فمزقه ! فخرجت فاطمة تبكي.


[ 293 ]

وفي رواية: ان أبا بكر كتب لها كتابا، فرآها عمر في الطريق وبصق في كتابها ومزقه، فقالت عليها السلام بقر الله بطنك كما بقرت كتابي. قال: فلما كان بعد ذلك جاء علي (ع) الى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرين والانصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة من ميراثها من رسول الله (ص) وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ فقال أبو بكر ان هذا فئ للمسلمين فان أقامت شهودا ان رسول الله (ص) جعله لها وإلا فلا حق لها فيه فقال أمير المؤمنين (ع) يا أبا بكر أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين ؟ قال لا، فقال (ع) فان كان في يد المسلمين شئ يملكونه وإدعيت أنا فيه من تسأل البينة ؟ قال إياك كنت اسأل البينة، فقال (ع) فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يدها وقد ملكته في حياة رسول الله (ص) وبعده ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوه شهودا كما تسألني على ما إدعيت عليهم ؟ فسكت أبو بكر، فقال عمر يا علي دعنا من كلامك، فإنا لا نقوى على حجتك، فان أتيت بشهود عدول وإلا فهو فئ للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه ! فقال (ع) يا ابا بكر أتقرأ كتاب الله تعالى ؟ قال نعم قال: إخبرني عن قول الله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطيهرا " فيمن نزلت فينا أم في غيرنا ؟ قال فيكم قال: فلو ان شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله (ص) بفاحشة، ما كنت صانعا بها ؟ قال كنت اقيم عليها الحد كما اقيم الحد على نساء العالمين ! قال علي " ع ": كنت إذن عند الله من الكافرين، قال ولم ؟ قال: لانك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة اعرابي بائل على عقبيه عليها واخذت منها فدكا وزعمت انه فئ للمسلمين، وقد قال رسول الله (ص) البينة على المدعي واليمين على المنكر، فرددت قول رسول الله (ص) قال: فدمدم الناس وانكر بعضهم بعضا وقالوا: صدق والله علي، ورجع علي (ع) الى منزله. وفيه روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه " ع ": لما اجمع أبو بكر على منع فاطمة فدكا وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (ص) حتى دخلت


[ 294 ]

على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم إفتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على محمد رسوله أبيها (ص) فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا أعادت كلامها: الحمد لله لما أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم إبتداها، وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن والاها جم عن الاحصاء عددها ونأى عن الجزاء أمدها وتفاقد عن الادراك أبدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لافضالها واستحمد الى الخلائق باجزالها وثنى بالندب الى أمثالها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما جعل الاخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأنار في التفكر معقولها الممتنع عن الأبصار رؤيته وعن الألسن صفته وعن الاوهام كيفيته، إبتدع الاشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها بلا إحتذاء أمثلة امتثلها، وكونها بقدرته، وذرأها بمشيته من غير حاجة منه الى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتا لحكمته وتنبيها على طاعته، واظهارا لقدرته، وتعبدا لبريته، واعزاز لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده عن نقمته، وحياشة لهم الى جنته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله وسماه قبل ان إجتباه، واصطفاه قبل أن إبتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبسر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله تعالى بمسائل الامور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور، إبتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الامم فرقا في اديانها، وعكفا على نيرانها، عابدة لاوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله تعالى بأبي محمد (ص) ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار عماها، وأقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغوابة، وبصرهم من العماية، وهداهم الى الدين القويم، ودعاهم الى الصراط المستقيم، ثم قبضه إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمد صلى الله عليه وآله عن تعب هذه الدار في راحة، قد حف به الملائك الأبرار، ورضوان الرب الغفار،


[ 295 ]

ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه وأمينه على وحيه وصفيه وخيرته من الخلق ورضيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. ثم إلتفتت الى أهل المجلس وقالت: انتم يا عباد الله نصب امره ونهيه وحملة دينه وكتبه ووحيه، وأمناء الله على انفسكم وبلغاءه الى الامم، وزعيم حق له فيكم وعهد قدمه اليكم وبقية استخلفها عليكم كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبط به أشياعه، قائد الى الرضوان أتباعه، مؤد الى النجاة إستماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحاربه المخدرة، وبيناته الجلية، وبراهينه الكافية، وفضائله، المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، فجعل الله الايمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها عن الكبر والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للاخلاص، والحج تشييدا للدين والعدل تنظيفا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وامامتنا أمانا من الفرقة، والجهاد عزا للاسلام، وذلا لأهل الكفر، والصبر معونة على استيجاب الاجر، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسا في العمر، والقصاص حقنا للدماء والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة، وترك السرقة ايجابا للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا بالربوبية، فاتقوا حق تقاته، ولا تموتن وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به، ونهاكم عنه فانما يخشى الله من عباده العلماء. ثم قالت: ايها الناس اعلموا اني فاطمة وأبي محمد (ص) أقول عودا وبدءا ولا أقول غلطا ولا أفعل شططا (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم * فان تعزوه وتعرفوه وجدتموهم أبي دون نسائكم وأخا إبن عمي دون رجالكم، والعم المعزى إليه (ع) فبلغ الرسالة صادعا بالتذكرة، مائلا عن درجة المشركين، ضاربا ثبجهم، آخذا بكظمهم، داعيا الى سبيل الله بالحكمة


[ 296 ]

والموعظة الحسنة، يكسر الاصنام، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى يبزغ الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيط النفاق، وانحلت عقدة الكفر والشقاق، وأعلن بكلمة الاخلاص في نفر من البيض الخماص، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها الله تبارك وتعالى بأبي محمد، بعد اللتيا والتي، وبعد ان منى بهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) أو نجم قرن الشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها منها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مقدور الى ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا، وانتم في رفاهية في العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الاخبار، وتنكصون عند النزال وتفرون عند القتال، فلما اختار الله لنبيه (ص) دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهرت فيكم حيكة النفاق، واشمل جلباب الرين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الافلين وهدر رفيق المبطلين، فحضر في عرصاتكم، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه، هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مجيبين، وللعترة فيكم ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا وأحمشكم فألفاكم عصابا، فو سمتم غير ابلكم، ووردتم عبر شربكم، هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، إبتدأتم وزعمتم خوف الفتنة، إلا في الفتنة سقطوا، وان جهنم لمحيطة بالكافرين، وانتم الاخسرون، فهيهات منكم، وكيف بكم ؟ وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، اموره ظاهره، وأحكامه زاهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تدبرون ؟ أم بغيره تحكمون ؟ بئس للظالمين بدلا (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ثم لم تلبثوا إلا ريث ان تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، ثم اخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الحق الجلي، وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في إرتغاء، وتمشون لأهله وولده في الحمراء والصفراء، ونصبر منكم على مثل حز


[ 297 ]

المدى، ووخز السنان في الحشاء، وأنتم الآن تزعمون ان لا أرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون أفلا تعلمون، بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية اني إبنته. ءأغلب على إرثي ؟ يابن ابي قحافة أفي كتاب الله ان ترث اباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا، على الله ورسوله، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه ؟ إذ يقول: (وورث سليمان داود) وقال فيما إقتص من خبر يحيى بن زكريا عليه السلام إذ يقول: " رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب... " وقال أيضا: " واولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " وقال تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين " وقال سبحانه: ان ترك الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين " وزعمتم ان لا حظ لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج أبي محمد (ص) منها ؟ أم هل تقولون ان اهل الملتين لا يتوارثان ؟ أو لست أنا وأبي من ملة واحدة ؟ أم انتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وإبن عمي ؟ فدونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد صلى الله عليه وآله، والموعد القيامة، وعند القيامة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم الندم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر، فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم. ثم رمت بطرفها نحو الانصار فقالت: يا معشر النقيبة، وأعضاد الملة، وحضنة الاسلام، ما هذه الغميزة عن حقي، والسنة عن ظلامتي ؟ أما رسول الله (ص) أبي يقول، المرء يحفظ في ولده، سرعان ما احدثتم، وعجلان ذا إهالة ولكم طاقة بما أحال وقوة على ما أطلب، أتقولون مات محمد " ص " ؟ فخطب جليل، إستوسع وهنه، واستهز فتقه، وانفتق رتقه، واظلمت الارض لغيبته، وكسف النجوم بمصيبته، وأكدت الآمال، وخشعت الجبال، واضيع الحريم، وازيلت الحرمة عند مماته.


[ 298 ]

فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا باقية عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثنائه في أفنيتكم وممساكم ومصبحكم، يهتف في افنيتكم هتافا وصراخا وتلاوة وإلحانا ولقبله مما حل بأنبياء الله ورسله حكم فصل، وقضاء عدل، " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، إفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الشاكرين " ابها بني قيلة ءأهظم تراث أبي وانتم بمرء مني وبمسمع، ومنتدى ومجمع، تلبسكم الدعوة وتشملكم الجرة، وانتم ذووا العدد والعدة والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وانتم موصوفون بالكفاح، ومعرفون بالخير والصلاح، والنجبة التي انتجبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت، قاتلتم العرب وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الامم، وكافحتم البهم، فلا تبرح أو تبرحون، فآمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الاسلام ودر حلب الايام وضضعت ثغرة الشرك وسكنت فورة الافك وخمدت نيران الكفر وهدمت دعوة الهرج والمرج واستوثق نظام الدين، فأنى حزتم بعد البيان ؟ وأسررتم بعد الاعلان، ونكصتم بعد الإقدام وأشركتم بعد الايمان (بؤسا لقوم نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤكم اول مرة أتخسوهم ؟ والله أحق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين) ألا ارى بان أخلدتم الى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض وخلوتم بالدعة، ونخوتم بالضيق من السعة فمحجتم ما وعيتم ودسعتم الذي تسوغتم، فان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا فان الله غني حميد، ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالخدلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، وبثتها غيضة النفس ونفثة الغيض وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر نقية الخف باقية العار، موسوعة بغضب من الله، وشنار الابد وموصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة فبعين الله ما تمنعون (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) وأنا إبنة نذير لكم بين عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون. فأجابها أبو بكر وعبد الله بن عثمان وقال يا إبنة رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين


[ 299 ]

عطوفا كريما ورؤوفا رحيما وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا فان عزوناه وجدناه أباك دون آباء نسائنا وأخا إلفك دون الاخلاء آثره على كل حميم وساعده في كل أمر جسيم لا يحبكم إلا كل سعيد ولا يبغضكم الا كل شقي فأنتم عترة رسول الله الأطيبون والخيرة المنتجبون على الخير أدلتنا على الجنة مسالكنا وأنت ياخيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك غير مردودة عن حقك ولا مصدودة عن صدقات الله ما عدوت رأي رسول الله ولا عملت الا باذنه وان الرايد لا يكذب أهله اني أشهد الله وكفى به شهيدا اني سمعت رسول الله يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا ! وانما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا ان يحكم فيه بحكمه ! وقد جعلت ما حاولتنيه في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار ويجالدون المردد والفجار وذلك بإجماع من المسلمين لم اتفرد به وحدي ولم استبد بما كان الرأي فيه عندي وهذه حالي ومالي لك وبين يديك ولا تزوى عنك ولا تدخر دونك وأنت سيدة امة محمد (ص) أبيك والشجرة الطيبة لبنيك لا ندفع ما لك من فضلك ولا وضع من فرعك وأصلك وحكمك نافذ فيما ملكت يداي فهر ترين اني اخالف في ذلك أباك ؟ فقالت: سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله عن كتاب الله صادقا ولا لأحكامه مخالفا بل كان يتبع أثره ويقتفي سورة أفتجمعون الى الغدر انحلالا عليه بالزور والبهتان وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته هذا كتاب الله حكما وعدلا وناطقا فصلا يقول: (يرثني ويرث من آل يعقوب) ويقول: (وورث سليمان داود) فبين عز وجل فيما وضع من الأقساط وشرع من الفرائض والميراث وأباح من حظ الذكران والاناث ما أزاح به علة المبطلين وأزال الشبهات في الغابرين كلا بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. فقال لها أبو بكر صدق الله ورسوله وصدقت إبنته، أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة وركن الدين وعين الحجة لا أبعد صوابك ولا انكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني وبينك ما تقلدت باتفاق منهم اخذت غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر


[ 300 ]

وهم بذلك شهود ! فالتفتت فاطمة الى الناس وقالت: معاشر الناس المسرعة الى قيل الباطل المفضية على الفعل القبيح الخاسر أفلا يتدبرون القرآن ؟ أم قلوب اقفالها ؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم به من اعمالكم فأخذ بسمعكم وابصاركم لبئس ما تأولتم وساء ما به أشرتم وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلا وغيه كفيلا إذا كشف لكم الغطاء وبان ما ورائه الضراء وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون وخسر هنالك المبطلون. ثم عطفت على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت:

قد كان بعدك أنباء وهنيثة * * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الارض وابلها * * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

وكل أهل لهم قربى ومنزلة * * عند الإله على الادنين مقترب

أبدى رجال لنا نجوى صدورهم * * لما مضيت وحالت دونك الترب

تجهمتنا رجال واستخف بنا * * لما فقدت وكل الإرث مغتصب

وكنت نورا وبدرا يستضاء به * * عليك تنزل من ذي العزة الكتب

وكان جبريل بالآيات يونسنا * * فقد فقدت وكل الخير محتجب

فليت قبلك كان الموت صادفنا * * لما مضيت وحالت دونك الكتب

إنا رزينا بما لم يرز ذو شجن * * من البرية لا عجم ولا عرب

ثم إنكفأت وأمير المؤمنين (ع) يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين عليه السلام: يابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين ؟ وقعدت حجرة الضنين، نقضت قائمة الأجدل فخانك ريش الإعزل هذا ابن ابي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة إبني لقد اجهد في خصامي وألفيته ألد في كلامي حتى حبستني قيلة نصرها والانصار وضرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها ! فلا دافع ولا مانع خرجت كاظمة وعدت راغمة أضرعت خدك يوم أضعت جدك افترست الذئاب وافترشت التراب ما كففت قائلا ولا أغنيت طائلا ولا خيار لي ليتني


[ 301 ]

مت قبل هينتي ودون ذلتي عذيري الله منك عاديا ومنك حاميا، ويلاي في كل شارق، ويلاي من كل غارب، مات العمد ووهنت العضد، شكواي الى أبي وعدواي الى ربي، اللهم انك أنت أشد قوة وحولا وأحد بأسا وتنكيلا.

فقال لها أمير المؤمنين (ع) لا ويل عليك بل الويل لشائنك، نهنهي عن وجدك يابنة الصفوة وبقية النبوة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعدلك أفضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله، فقالت حسبي الله ونعم الوكيل.

وفي رواية سليم بن قيس الهلالي: ان فاطمة عليها السلام بلغها ان ابا بكر قبض فدكا فخرجت في نساء بني هاشم ودخلت على ابي بكر فقالت يا أبا بكر تريد ان تأخذ مني أرضا جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتصدق بها علي من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أما كان قال: المرء يحفظ في ولده ؟ وقد علمت انه لم يترك لولده شيئا غيرها. فلما سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها دعى بدواة ليكتب به لها صكا، فدخل عمر فقال يا خليفة رسول الله لا تكتب لها حتى تقيم البينة مما تدعي !. فقالت فاطمة (ع): نعم أقيم البينة، قال من ؟ قالت: علي وام أيمن، فقال عمر لا تقبل شهادة امرأة عجمية لا تفصح وأما علي فيجر النار الى فرسه ! فرجعت فاطمة وقد دخلها من الغيظ ما لا يوصف فمرضت. وكان علي (عليه السلام) يصلي في المسجد الصلوات الخمس، فلما صلى قال له أبو بكر وعمر كيف بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى ان ثقلت، فسألا عنها وقالا قد كان بيننا وبينها ما قد علمت فان رأيت ان تأذن لنا لنعتذر إليها من ذنبنا ؟ قال: ذلك اليكما، فقاما فجلسا في الباب ودخل علي (ع) على فاطمة (ع) فقال لها: أيتها الحرة فلان وفلان بالباب يريدان ان يسلما عليك فما ترين ؟ قالت: البيت بيتك والحرة زوجتك، وافعل ما تشاء، فقال: سدي قناعك ؟ فسدت قناعها وحولت وجهها الى الحائط، فدخلا وسلما عليها وقالا إرضي عنا رضى الله عنك ؟ ! فقالت: ما دعاكما الى هذا ؟


[ 302 ]

فقالا اعترفتنا بالاسائة ورجونا ان تعفي ؟ فقالت: فان كنتما صادقين فاخبراني عما أسألكما عنه فاني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بانكما تعلمانه، فان صدقتما علمت انكما صادقان في مجيئكما ؟ قالا سلي عما بدا لك، قالت نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: فاطمة بضعة مني فمن آذها فقد آذاني ؟ قالا نعم فرفعت يدها الى السماء فقالت: اللهم اعلم انهما قد أذياني فأنا أشكوهما اليك والى رسولك، لا والله لا أرضى عنكم ابدا حتى ألقى أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما. قال: فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعا شديدا، فقال عمر تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة !. قال: فبقيت فاطمة بعد وفاة أبيها أربعين ليلة. خبر وفاة فاطمة سلام الله عليها في كتاب (روضة الواعظين) روى: ان فاطمة " ع " لا زالت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت رسول الله " ص " وهي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة حين تذكره وتذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليها فيعظم حزنها، وتنظر مرة الى الحسن ومرة الى الحسين وهما بين يديها (ع) فتقول: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة ؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما ؟ فلا يدعكما تمشيان على الارض، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فقد والله جدكما وحبيب قلبي ؟ ولا أراه يفتح هذا الباب ابدا ولا يحملكما على عاتقه، كما لم يزل يفعل بكما، ثم مرضت مرضا شديدا، ومكثت أربعين ليلة في مرضها الى ان توفيت عليها السلام. فلما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي (عليه السلام)


[ 303 ]

وأحضرته فقالت: يابن عم انه قد نعيت إلي نفسي وانني لأرى ما بي لا أشك إلا انني لاحقة بأبي وأنا أوصيك بأشياء في قلبي، قال لها علي (ع): أوصي بما أحببت يا بنت رسول الله، فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت. ثم قالت: يابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتك ؟ فقال (ع) معاذ الله أنت اعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله من أوبخك غدا بمخالفتي عز علي بمفارقتك وبفقدك، إلا انه أمر لا بد منه والله جدد علي مصيبة رسول الله (ص) وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها، ثم بكيا جميعا ساعة واحدة، وأخذ عليه السلام رأسها وضمها الى صدره، ثم قال: اوصني بما شئت فانك تجديني وفيا كلما أمرتني به واختار امرك الى امري. ثم قالت: جزاك الله عني خير الجزاء، يابن عم اوصيك أولا ان تتزوج بإبنة اختي أمامة، فانها تكون لولدي مثلي، فان الرجال لا بد لهم من النساء، وان تتخذ لي نعشا، فقد رأيت الملائكة تصوروا صورته ؟ فقال: صفيه لي ؟ فوصفته فأتخذه لها ثم قالت: واوصيك ان لا يشهد احد من هؤلاء الذين ظلموني واخذوا حقي فانهم اعدائي واعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا تترك ان يصلي علي احد منهم ولا من اتباعهم، وادفني في الليل إذا هدئت العيون ونامت الابصار، ثم توفيت عليها السلام فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء المهاجرين والانصار ونساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع من صراخهن وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول الله. واقبل الناس مثل عرف الفرس الى علي " ع " وهو جالس والحسن والحسين (ع) بين يديه يبكيان، فبكا الناس لبكائهما، وخرجت ام كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها، متجللة برداء عليها تسحبها وهي تقول: يا ابتاه يارسول الله الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده ابدا، واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون وينتظرون ان تخرج الجنازة فيصلون عليها.


[ 304 ]

وخرج أبو ذر فقال: انصرفوا فان بنت رسول الله قد أخر اخراجها في هذه العشية، فقام الناس وانصرفوا. فلما ان هدأت العيون ومضى ثلث من الليل اخرجها علي والحسن والحسين (ع) وعمار والمقداد وعقيل والزبير وابو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم وخواصه، صلوا عليها ودفنوها في جوف الليل وسوى علي حواليها قبورا مزورة مقدار سبعة، حتى لا يعرف قبرها. وقال بعضهم من الخواص: قبرها سوي مع الارض مستويا، فمسحها مسحا سواء مع الارض حتى لا يعرف احد موضعه. وقالوا: ليس قبرها بالبقيع، انما قبرها بين رسول الله " ص " ومنبره، لا بالبقيع، وتصحيح ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة انما اراد به قبر فاطمة " ع ". وروي: ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قال عند دفن فاطمة " ع ": السلام عليك يارسول الله عني وعن إبنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك، قل يارسول الله عن صفيتك صبري ورق عن سيدة النساء تجلدي إلا ان لي في التأسي بعظم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعز فلقد وسدتك في ملحود قبرك بعد ما فاضت بين نحري وصدري نفسك إنا لله وإنا إليه راجعون فلقد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة، أما حزني فسرمد واما ليلي فمسهد الى ان يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم وستنبئك ابنتك فأحفها السؤال واستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها. هذا ولم يطل العهد ولم يخل الذكر والسلام عليكما سلام مودع. لا قال ولا سئم فان انصرف فلا عن ملالة وان أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله به الصابرين. قال عبد الرحمن الهمداني: لما دفن علي " ع " فاطمة قام على شفير القبر وذلك في جوف الليل وأنشأ يقول:

لكل إجتماع من خليلين فرقة * * وكل الذي دون الفراق قليل

وان إفتقادي فاطم بعد احمد * * دليل على ان لا يدوم خليل


[ 305 ]

سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي * * ويحدث بعدي للخليل خليل

أقول: في خبر عن أمير المؤمنين عليه السلام: لما أخذت في أمر فاطمة (ع) وغسلتها في قميصها ولم اكشفه عنها فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة ثم حنطتها من فضل حنوط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكفنتها وأدرجتها في اكفانها، فلما ان هممت ان أعقد الرداء عليها ناديت: يا أم كلثوم ويا زينب ويا رقية ويا فضة ويا حسن ويا حسين هلموا وتزودوا من امكم فاطمة، فهذا الفراق والملتقى في الجنة، فأقبل الحسن والحسين عليهما السلام وهما يناديان: واحسرة لا تنطفي ابدا من فقد جدنا محمد المصطفى وامنا فاطمة الزهراء، يا ام الحسن والحسين إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فاقرئيه منا السلام، وقولي له إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اني أشهد انها حنت وأنت ومدت يديها وضمتهما الى صدرها مليا، وإذا بهاتف يهتف من السماء ينادي: يا علي ارفعهما عنها فلقد أبكيا والله ملائكة السماء واشتاق الحبيب الى حبيبه. قال علي (ع): فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء عليها وأنا أنشد بهذه الأبيات:

فراقك أعظم الأشياء عندي * * وفقدك فاطم أدهى الثكول

سأبكي حسرة وأنوح شجوا * * على خل مضى أسنى سبيل

ألا يا عين جودي واسعديني * * فحزني دائم ابكي خليل

قال محمد بن همام: ان المسلمين لما علموا بوفاة فاطمة (ع) جاؤا الى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبرا، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور فضج الناس ولام بعضهم بعضا، فقالوا لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها ولا تعرفوا قبرها ! ثم قال ولاة الامر منهم هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها !. فبلغ ذلك أمير المؤمنين (ع) فخرج مغضبا قد إحمرت عيناه ودرت أوداجه، وعليه قبائه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة وهو متكئ على سيفه ذو الفقار، حتى


[ 306 ]

ورد البقيع، فسار الى الناس النذر وقالوا هذا علي بن أبي طالب أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآخر، فتلقاه عمر ومن معه من اصحابه، وقالوا له ما لك يا أبا الحسن والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها: فضرب علي " ع " يده الى جوامع ثوبه وهزه ثم ضرب به الارض وقال: يابن السوداء اما حقي فقد تركته مخافة ان يرتد الناس عن دينهم، واما قبر فاطمة: فو الذي نفس علي بيده لئن رمت واصحابك شيئا من ذلك لأسقين الارض من دمائكم، فان شئت فاعرض يا عمر، فتلقاه أبو بكر فقال يا أبا الحسن بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلا خليت عنه، فانا غير فاعلين شيئا تكرهه. قال: فخلا عنه وتفرق الناس ولم يعودوا الى ذلك. ويروى: انه لما ماتت فاطمة " ع " احتجب أمير المؤمنين (ع) في منزله عن الناس وصار لا يخرج إلا للصلاة ولزيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاغتمت الشيعة لذلك غما شديدا وقالوا: كيف الرأي ؟ وهذا أمير المؤمنين (ع) قد احتجب عنا، وكنا نستفيد من علمه وأخباره وأحاديثه وقد انقطع عنا، فعزم رأيهم على ان يرسلوا إليه عمار بن ياسر، فدعوه وقالوا: إمض الى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (ع) وعرفه في حقنا، فلعلك تأتينا به. قال عمار: فمضيت الى دار سيدي ومولاي أمير المؤمنين (ع) فاستأذنت الدخول عليه ؟ فأذن لي فدخلت عليه فوجدته جالسا جلسة الحزين الكئيب والحسن عن يمينه والحسين عن شماله وهو يلتفت الى الحسين ويبكي، فلما نظرت الى حاله وحال ولده، لم أملك على نفسي دون ان اخذتني العبرة وبكيت بكاء شديدا، فلما سكن نشيجي قلت سيدي تأذن لي بالكلام ؟ قال: تكلم يا أبا اليقظان، قلت: سيدي انكم تأمرون بالصبر على المصيبة، فما هذا الحزن الطويل ؟ وان شيعتك لا يقر لهم قرار باحتجابك عنهم. وقد شق ذلك عليهم. قال: فالتفت إلي وقال: يا عمار ان العزاء عن مثل من فقدته لعزيز، اني فقدت رسول الله بفقد فاطمة، انها كانت لي عزاء وسلوة، وكانت إذا نطقت ملأت سمعي


[ 307 ]

بصوت رسول الله، وإذا مشت لم تخرم مشيته، واني ما حسسته تألم الفراق إلا بفراقها وان أعظم ما لقيت من مصيبتها، واني لما وضعتها على المغتسل وجدت ضلعا من أضلاعها مكسورا وجنبها قد إسود من ضرب السياط وكانت تخفي ذلك علي، مخافة ان يشتد حزني، وما نظرت عيناي الى الحسن والحسين الا وخنقتني العبرة وما نظرت الى زينب باكية الا وأخذتني الرقة عليها. ثم خرج (ع) مع عمار فاستبشر الشيعة بذلك. ارائة أبا بكر رسول الله بعد وفاته روي عن الصادق (عليه السلام): ان أبا بكر لقى أمير المؤمنين (ع) في سكة من سكك بني النجار فسلم عليه وصافحه ! وقال له يا أبا الحسن أفي نفسك شئ من استخلاف الناس اياي وما كان من يوم السقيفة وكراهيتك للبيعة ؟ ! والله ما كان ذلك من ارادتي إلا ان المسلمين قد اجمعوا على امر لم يكن لي ان اخالفهم فيه ! لان النبي (ص) قال: لا تجتمع امتي على الضلال. فقال له أمير المؤمنين (ع): امته الذين اطاعوه من بعده وفي عهده واخذوا بهداه وأوفوا بما عاهدوا الله عليه ولم يغيروا ولم يبدلوا. فقال له أبو بكر والله يا علي لو شهد عندي الساعة من اثق به انك أحق بهذا الأمر سلمته اليك، رضى من رضى وسخط من سخط !. فقال له أمير المؤمنين (ع): يا أبا بكر هل تعلم احد أوثق من رسول الله (ص) واخذ بيعتي عليك في اربعة مواطن وعلى جماعة منكم، فيهم عمر وعثمان في يوم الدار وبيعة الرضوان تحت الشجرة ويوم جلوسه في بيت ام سلمد، ويوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع، فقلتم باجمعكم سمعنا واطعنا لله ولرسوله، فقال لكم: الله ورسوله عليكم من الشاهدين ؟ فقلتم باجمعكم الله ورسوله علينا من الشاهدين، فقال لكم: فليشهد


[ 308 ]

بعضكم على بعض وليبلغ شاهدكم غائبكم ومن سمع منكم فليسمع من لم يسمع، فقلتم نعم يارسول الله وقمتم باجمعكم تهنئون رسول الله بكرامة الله لنا، فدنى عمر وضرب على كنفي وقال بحضرتكم بخ بخ يا بن أبي طالب اصبحت مولاي ومولى المؤمنين. فقال أبو بكر ذكرتني امرا يا أبا الحسن كنت نسيته ! فلو يكون رسول الله (ص) شاهدا فاسمعه منه !. فقال له أمير المؤمنين " ع ": الله ورسوله عليك من الشاهدين يا ابا بكر ان رأيت رسول الله (ص) حيا يقول لك: انك ظالم لي في اخذ حقي الذي جعله الله ورسوله لي دونك ودون المسلمين، أتسلم هذا الأمر لي وتخلع نفسك منه. فقال أبو بكر يا أبا الحسن وهذا يكون اني ارى رسول الله (ص) حيا بعد موته فيقول لي ذلك ؟ !. فقال له أمير المؤمنين " ع ": نعم يا أبا بكر، فقال ارني ذلك ان كان حقا، فقال له أمير المؤمنين " ع ": والله ورسوله عليك من الشاهدين انك تفي بما قلت ؟ قال أبو بكر نعم. فضرب أمير المؤمنين " ع " على يده وقال: تسعي معي نحو مسجد قبا، فلما ورداه تقدم أمير المؤمنين " ع " فدخل المسجد وابو بكر من ورائه، فإذا هما برسول الله (ص) جالس في قبلة المسجد، فلما رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشي عليه، فناداه رسول الله (ص) ارفع رأسك ايها الضليل المفتون ؟ فرفع أبو بكر رأسه وقال لبيك يا رسول الله أحياة بعد الموت يا رسول الله ! ؟ فقال: يا أبا بكر ان الذي احياها لمحيي الموتى انه على كل شئ قدير، فسكت أبو بكر وشخصت عيناه نحو النبي (ص) !. فقال (ص): ويلك يا ابا بكر انسيت ما عاهدت الله ورسوله عليكم في المواطن الأربعة لعلي " ع " ؟ فقال ما نسيتها يا رسول الله، فقال: ما بالك اليوم تناشد عليا فيها ويذكرك ! فتقول نسيت ؟ وقص رسول الله (ص) ما جرى بينه وبين علي " ع " من اوله الى آخره وما نقص منه كلمة ولا زاد فيه، فقال أبو بكر يا رسول الله فهل من توبة ؟ وهل يعفو الله عني إذا سلمت الى أمير المؤمنين ؟ فقال نعم يا أبا بكر، وأنا


[ 309 ]

الضامن لك على الله ذلك ان وفيت. قال: وغاب رسول الله (ص) عنهما. قال: فتشبث أبو بكر بعلي (ع) وقال الله الله يا علي سر معي الى منبر رسول الله صلى الله عيله وآله حتى اعلوا المنبر واقص على الناس ما شاهدت ورأيت من أمر رسول الله (ص) وما قال لي وما قلت له وما امرني به واخلع نفسي من هذا الأمر وأسلمه اليك. فقال له أمير المؤمنين (ع) أنا معك ان تركك شيطانك فقال أبو بكر ان لم يتركني تركته وعصيته !. فقال أمير المؤمنين (ع): إذن تطيعه ولا تعصيه وانما رأيت ما رأيت لتأكيد الحجة عليك، وأخذ بيده وخرجا من مسجد قبا يريدان مسجد رسول الله (ص) وابا بكر يخفق بعضه بعضا ويتلون ألوانا والناس ينظرون إليه ولا يدرون ما الذي كان، حتى لقيه عمر بن الخطاب فقال له يا خليفة رسول الله ما شأنك وما الذي دهاك ؟ فقال أبو بكر خل عني يا عمر، فو الله لا سمعت لك قولا، فقال عمر اين تريد يا خليفة رسول الله ؟ فقال أبو بكر اريد المسجد والمنبر، فقال ليس هذا وقت صلاة ومنبر ! ! فقال خل عني فلا حاجة لي في كلامك، فقال عمر يا خليفة رسول الله افلا تدخل قبل المسجد منزلك فتسبغ الوضوء ! فقال بلى ! ثم التفت أبو بكر الى علي (عليه السلام) وقال له يا أبا الحسن تجلس الى جانب المنبر حتى اخرج اليك ! فتبسم علي (ع) ثم قال: يا أبا بكر قد قلت لك ان شيطانك لا يدعك أو يرديك ومضى أمير المؤمنين (ع) وجلس بجانب المنبر. ودخل أبو بكر منزله وعمر معه ! فقال يا خليفة رسول الله الا تنبئني امرك وتحدثني بما دهاك به علي بن أبي طالب ؟ ! فقال أبو بكر ويحك يا عمر يرجع رسول الله حيا بعد موته فيخاطبني في ظلمي لعلي وبرد حقه عليه وخلع نفسي من هذا الأمر، فقال له عمر قص علي قصتك من اولها الى آخرها ؟ ! فقال له أبو بكر والله يا عمر ويحك


[ 310 ]

لقد قال لي على انك لا تدعني اخرج من هذه المظلمة وانك شيطاني فدعني عنك. فلم يزل يرقبه الى ان حدثه بحديثه كله، فقال له بالله عليك يا أبا بكر انسيت شعرك في اول شهر رمضان فرض الله علينا صيامه، حيث جائك حذيفة بن اليمان وسهل بن حنيف ونعمان الازدي وخزيمة بن ثابت في يوم جمعة دارك ليقضنك دينا، عليك، فلما انتهوا الى باب الدار سمعوا لك صلصلة في الدار ! فوقفوا بالباب ولم يستأذنوا عليك، فسمعوا ام بكر زوجتك تناشدك وتقول قد عمل حر الشمس بين كتفيك قم الى داخل البيت وابعد عن الباب لئلا يسمعك أصحاب محمد فيهدروا دمك خلافا على الله ورسوله محمد (ص) فقلت لها هات لا ام لك فضل طعامي من الليل، واترعي الكاس من الخمر ! وحذيفة ومن معه بالباب يسمعون محاورتكما الى ان انتهيت في شعرك، فجائت بصفحة فيها طعام من الليل وقعب مملوء خمرا، فأكلت من الصفحة وكرعت من الخمرة في اضحى النهار ! وقلت لزوجتك هذا الشعر :

ذريني اصطبح يا ام بكر * * فان الموت نقب عن هشام

ونقب عن ابيك وكان قرما * * رحيب الباع شريب المدام

يقول لنا ابن كبشة ان يحيى * * وكيف حياة عظام رمام

ولكن باطل ما قال هذا * * وانك من زخاريف الكلام

ايعجز ان يرد الموت عني * * ويحيني إذا بليت عظامي

ألا من مبلغ الرحمن عني * * باني تارك شهر الصيام !

وتارك كلما يوحى الينا ! * * محمد من اساطير الكلام

فقل لله يمنعني شرابي * * وقل لله يمنعي طعامي

ولكن الحكيم رأى حميرا * * فألجمها فتاهت باللجام !

فلما سمعك حذيفة ومن معه تهجوا محمدا أقحموا عليك في دارك فوجدوك وقعب الخمر وانت تكرعها ! فقالوا لك: يا عدو الله خالفت الله ورسوله وحملوك بهيئتك الى مجمع الناس بباب رسول الله وقصوا عليه قصتك وعادوا شعرك، فدنوت منك


[ 311 ]

وغاورتك وقلت لك في ضجيج الناس قل اني شربت الخمر ليلا فثملت فزال عقلي ! فاتيت ما اتيته نهارا ولا علم لي بذلك، فعسى يدرؤا عنك الحد، وخرج محمد (ص) فنظر اليك فقال استيقظوه ؟ فقلت رأيناه وهو ثمل يارسول الله لا يعقل، فقال: ويحك الخمر تزيل العقل تعملون هذا من انفسكم فانتم تشربونها، فقلنا نعم يارسول الله وقد قال فيها امرء القيس:

شربت الخمر حتى زال عقلي * * كذاك الخمر تفعل بالعقول

ثم قال محمد انظروا الى فاقته من سكرته فامهلوك حتى آرينهم انك قد صحوت فسألك محمد فأخبرته بما اوعزته اليك من شربك لها ليلا بالك اليوم تؤمن بمحمد وما جاء به وهو عندنا ساحر كذاب. فقال ويلك يا ابا حفص لا شك عندي فيما قصصته فاخرج الى إبن طالب فاصرفه عن المنبر !. قال: فخرج عمر وأمير المؤمنين (عليه السلام) جالس بجنب المنبر، فقال له ما بالك يا علي قد تصديت لها هيهات هيهات دون والله ما تريد من علو هذا المنبر خرط القتاد، فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى بدت نواجذه. ثم قال: ويلك منها يا عمر إذا افضت اليك، والويلك لامة محمد صلى الله عليه وآله من بلائك، فقال عمر هذه بشرى يابن أبي طالب، صدقت ظنونك وحق قولك، وانصرف " ع " الى منزله. وكان هذا من دلائله (عليه السلام). امرهم خالد بن الوليد ان يقتل عليا عليه السلام رأيت هذا الخبر في كتب عديدة وهو: ان عمر قال لابي بكر والله ليست خلافتك في شئ ما دام علي حيا على وجه الارض يفسد علينا امورنا ! فقال له أبو بكر فما الرأي فيه ؟ قال الرأي ان تأمر بقتله، قال فمن الذي يجسر عليه والقلوب منه مملؤة من رعبه


[ 312 ]

وهو الهزبر الذي تعرفه، قال ابعث الى خالد بن الوليد فهو الذي يتولى قتله !. فلما كان الليل بعثوا الى خالد بن الوليد فأتاهم، فقالوا له نريد ان نحملك امر عظيم فقال احملوني على ما شئتم ولو على قتل علي بن أبي طالب، قيل فهو ذلك، قال خالد متى اقتله ؟ قال أبو بكر احضر المسجد وقم بجنبه في الصلاة فإذا سلمت فقم إليه واضرب عنقه، قال نعم. فسمعت اسماء بنت عميس وكانت تحت ابي بكر فقالت لجاريتها إذهبي الى منزل علي (ع) واقرأيه السلام وقولي: " ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين " فجائت فقال لها أمير المؤمنين (ع): قولي لها: (ان الله يحول بينهم وبين ما يشتهون). ثم قام (ع) وتهيأ للصلاة وحضر المسجد، فأتى خالد بن الوليد وقام يصلي بجنبه ومعه السيف، فلما جلس أبو بكر للتشهد ندم على ما قال وتذكر شدة علي وبأسه وخاف الفتنة وخطر بباله ان بني هاشم يقتلونه ان قتل عليا (ع). فلم يزل متفكرا لا يجسر ان يسلم حتى ظن الناس انه سهى وما ملك نفسه دون ان التفت الى ورائه وقال يا خالد لا تفعل ما امرتك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال أمير المؤمنين (ع): يا خالد ما الذي كان امرك به صاحبك ؟ فقال امرني ان اضرب عنقك، قال: أو كنت فاعلا ؟ قال إي والله انه قال لي لا تفعل قبل التسليم لقتلتك. قال: فأخذه علي (ع) فجلد به الارض، فاجتمع الناس عليه، فقال عمر يقتله ورب الكعبة، فقال الناس الله الله يا أبا الحسن بحق صاحب هذا القبر خل عنه ؟ فخلى عنه، ففر خالد من بين يديه وهو يقول اقتلك ان شاء الله. ثم إلتفت الى عمر فأخذ بتلابيبه وهزه هزة وقال: يابن صهاك والله لو لا عهد رسول الله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا، فدخل منزله وفي رواية اخرى: انه (ع) مد يده لعنقه وخنقه باصبعه، فكادت عيناه


[ 313 ]

يسقطان وعصره عصرا فصاح خالد صيحة منكرة ففزع الناس فهمهم انفسهم فأحدث خالد في ثيابه وجعل يضرب برجليه الارض ولا يتكلم، فقال أبو بكر لعمر هذه مشورتك المنكوسة كأني كنت انظر الى هذه واحمد الله على سلامتنا، وكلما دنى احد ليخلصه من يده لحظه لحظة تنحى عنه، فسار عمر الى العباس بن عبد المطلب فجاء واقسم عليه. قال: ثم كان يرصد الفرصة والفجأة لعله يقتل عليا غيلة، فبعث بعد ذلك أبو بكر مع خالد عسكرا الى موضع، فلما خرجوا من المدينة وكان خالد مدججا بالسلاح وحوله اناس كانوا امروا ان يعملوا بما يريد خالد، فنظروا الى علي (ع) يجيئ من ضيعة منفردا بلا سلاح، فحسبها خالد فرصة وركض الى علي (ع) فلما دنى منه رفع عمودا من حديد كان معه ليضرب به على رأس علي (ع)، فبارزه أمير المؤمنين (ع) وانتزع العمود من يده وجعله في عنقه وفتله كالقلادة. فخرج خالد الى أبي بكر، واحتال القوم في كسره، فلم يتهيأ لهم فاحضروا جماعة من الحدادين فقالوا لا يمكن إنتزاعه إلا ان يدخل في النار وفيه هلاكه، فقال عمر علي هو الذي يخلصه، وشفعوا الى علي (ع) فأخذ العمود وفك بعضه من بعض بأصبعه، وأراهم معجزة داود عليه السلام. أقول: وقد مر حديث جعله القطب طوقا في جيد خالد بن الوليد من كتاب " إرشاد الديلمي " رحمه الله. ومن مصائبه (ع) خبر الاشجع بن مزاحم في " إرشاد الديلمي " بحذف الاسناد مرفوعا الى جابر الجعفي قال قلد أبو بكر الصدقات بقرى المدينة وضياع فدك رجلا من ثقيف يقال له الاشجع بن مزاحم الثقفي وكان شجاعا وكان له اخ قتله علي بن أبي طالب " ع " في وقعة هوازن وثقيف، فلما خرج الرجل من المدينة جعل اول قصده ضيعة من ضياع أهل البيت " ع " فجاء بغتة


[ 314 ]

واحتوى عليها وعلى صدقات كن لعلي (ع) فوكل بها وتغطرس على اهلها وكان رجلا زنديقا منافقا، فابتدر أهل القرية الى أمير المؤمنين (ع) برسول يعلمونه بما فرط من الرجل. فدعى علي " ع " بدابة له تسمى السابح وكان أهداه إليه ابن عم لسيف بن ذي يزن، وتعمم بعمامة سوداء وتقلد بسيفين وأصحب معه الحسين " ع " وعمار بن ياسر والفضل بن العباس وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن العباس، فأنزله عظم القرية في مسجد القضاء. ثم وجه أمير المؤمنين " ع " بالحسين " ع " يسأله المسير إليه، فصار إليه وقال: أجب أمير المؤمنين ؟ فقال ومن أمير المؤمنين ؟ قال: علي بن أبي طالب " ع " فقال أمير المؤمنين أبو بكر خلفته بالمدينة، قال: فأجب علي بن أبي طالب " ع " قال انا سلطان وهو من العوام فليصر هو الي ! فقال له الحسين " ع " ويلك أيكون مثل والدي من العوام ؟ ويكون مثلك سلطانا ؟ فقال أجل، لان والدك لم يدخل في بيعة أبي بكر إلا كرها وبايعناه طائعين وكنا له غير كارهين، فشتان بيننا وبينه، فصار الحسين " ع " الى أمير المؤمنين " ع " فأعلمه بذلك. فالتفت " ع " الى عمار وقال: يا أبا اليقظان سر إليه وإلطف له في القول واسأله ان يصير إلي، فانه من أهل الضلال ونحن مثل بيت الله يؤتى ولا يأتي، فصار إليه عمار وقال: مرحبا يا اخا ثقيف ما الذي أقدمك على مثل أمير المؤمنين " ع " في حيازته ؟ وحملك على الدخول في مسائته ؟ فسر إليه وافصح عن حجتك، فانتهر عمار وأفحش له في الكلام ! وكان عمار شديد الغضب فوضع حمايل سيفه في عنقه ومد يده الى السيف فقيل لأمير المؤمنين " ع " إلحق عمارا فالساعة يقطعونه، فوجه أمير المؤمنين (ع) بالجمع وقال: لا تهابوه وصيروا به إلي ؟. وكان مع الرجل ثلاثون رجلا مع جياد قومه فقالوا له ويلك هذا علي بن أبي طالب قتلك والله وقتل اصحابك عنده دون النطفة، فسكت القوم خوفا من أمير المؤمنين (ع) وسحب الاشجع على وجهه سحبا الى أمير المؤمنين (ع) فقال له علي (ع) دعوه ولا


[ 315 ]

تعجلوه، فان العجلة والطيش لا يقوم بها حجج الله تعالى وبراهينه. ثم قال له: ويلك بما إستحللت اخذ أموال أهل البيت ؟ وما حجتك في ذلك ؟ فقال يا علي وأنت فيم استحللت قتل هذا الخلق في كل حق وباطل ؟ وان مرضات صاحبي لهي احب الي من ان اتابع موافقتك، فقال: إيها عليك لا أعرف لنفسي عليك ذنبا إلا قتل اخيك يوم هوازن، وليس بمثل هذا الفعل تطلب الثارات، فقبحك الله وترحك فقال له الاشجع بل قبحك الله وبتر عمرك - أو قال وترحك - فان حسدك الخليفة لا زال بك يوردك موارد الهلكة والمعاطب وبغيك يقصر عن مرادك. فغضب الفضل بن العباس من قوله ثم تمطى عليه بسيفه ورمى عنقه عن جسده، فاجتمع اصحابه على الفضل، فسل أمير المؤمنين (ع) سيفه ذو الفقار، فلما نظروا الى بريق عيني أمير المؤمنين (ع) ولسان ذو الفقار في كفه رموا سلاحهم وقالوا الطاعة يا أمير المؤمنين ؟ فقال (ع): إف لكم انصرفوا برأس صاحبكم هذا الاصغر الى صاحبكم الاكبر فما يمثل قتلكم يطلب الثار ولا تنقضي الاوتار. فانصرفوا ومعهم رأس صاحبهم حتى القوة بين يدي ابي بكر، فجمع المهاجرين والانصار وقال: معاشر الناس ان اخاكم الثقفي اطاع الله ورسوله واولي الامر منكم فقلدته صدقات المدينة وما يليها، فناقضه إبن أبي طالب وقتله اشر قتلة ومثل به اعظم مثلة، وقد خرج في نفر من اصحابه الى قرى الحجاز، فليخرج إليه من شجعانكم وليردوه عن سننه، واستعدوا له من رباط الخيل والسلاح وما تهيأ لكم وهو من تعرفونه، انه الداء الذي لا دواء له، والفارس الذي لا نظير له. قال: فسكت القوم مليا، كأن على رؤوسهم الطير، فقال أخرس انتم ؟ ام ذوا لسن ؟ فالتفت إليه رجل من الاعراب يقال له الحجاج بن الصخر فقال له ان سرت انت سرنا معك، واما ان سار إليه جيشك هذا لينحرنهم عن آخره كنحر البدن. ثم قام إليه آخر فقال أتدري الى من توجهنا ؟ الى الجزار الأعظم الذي يختطف


[ 316 ]

الارواح بسيفه خطفا، والله ان لقاء ملك الموت اسهل وأهون علينا من لقائه. فقال أبو بكر لا جزيتم من قوم عن امامهم خيرا، إذا ذكر لكم علي بن أبي طالب دارت اعينكم في وجوهكم فأخذتكم سكرة الموت اهكذا يقال لمثلي ؟ فالتفت عمر بن الخطاب فقال ليس له الا خالد بن الوليد، فالتفت أبو بكر الى خالد وقال يا ابا سليمان انت اليوم سيف من سيوف الله وركن من اركانه وحتف الله على اعدائه، وقد شق علي بن أبي طالب عصا المسلمين وخرج في نفر من أصحابه على ضياع الحجاز وقد قتل من شيعتنا ليثا صؤلا وكهفا عنيعا، فصر إليه في كثيف من قومك واسأله ان يدخل الحضر فقد عفونا عنه، وان نابذك الحرب فجئنا به اسيرا فخرج خالد ومعه خمسمائة فارس من ابطال قومه وقد شحنوا بالسلاح حتى قدموا الى أمير المؤمنين (ع). قال: فنظر الفضل بن عباس الى غيره الخيل من البعد، فقال يا أمير المؤمنين (ع) قد وجه اليك ابن قحافة بجحفل يدقون الارض بحوافر الخيل دقا، فقال (ع): يابن عباس هون عليك ولو كانوا من صناديد قريش وقبائل حنين وفرسان هوازن لما استوحشت إلا من ضلالتهم. ثم قام أمير المؤمنين (ع) وشد على دابته، ثم استلقى تهاونا حتى وافوه، فانتبه بصهيل الخيل، فقال: يا أبا سليمان ما الذي عدل بك إلي ؟ قال: عدل بي اليك ما أنت أعلم به مني، فقال فاسمعنا الآن قال يا ابا الحسن أنت فهم غير مفهم وعالم غير معلم، فما هذه اللوثة التي قد بدرت منك والنبوة التي قد ظهرت فيك ان كنت كرهت هذا الرجل فليس يكرهك ئلاتكون ولايته ثقلا على كاهلك ولا شجا في حلقك، فليس بعد الهجرة بين هذا الرجل وبينك خلاف، فدع الناس وما تولوه ضل من ضل وهدى من هدى. ولا تفرق بين كلمة مجتمعة ولا تضرم نارا بعد خمودها فانك ان فعلت ذلك وجدت عنه غير محمود. فقال أمير المؤمنين (ع) تهددني بنفسك يا خالد ويابن ابي قحافة فما بمثلك ومثله تهديد، فدع عنك ترهاتك التي أعرفها منك واقصد نحو ما وجهك له، قال انه


[ 317 ]

قد تقدم إلي ان رجعت الى سننك كنت مخصوصا بالكرامة والحبور، وان اقمت على ما انت فيه من الخلاف حملتك اسيرا !. فقال له علي " ع " يابن اللخناء وانت تعرف الحق من الباطل، ومثلك من يحمل مثلي اسيرا يابن الرادة عن الاسلام ؟ أتحسبني ويلك مالك بن نويرة حيث قتلته ونكحت امرأته ! يا خالد جئتني برقة عقلك واكفهرار وجهك وتشمخ انفك، والله لئن تمطيت بسيفي هذا عليك وعلى أوغادك لأشبعن من لحومكم جوع الضباع وظلس الذئاب ويلك لست ممن تقتلني انت ولا صاحبك، واني لأعرف قاتلي وأطلب منيتي صباحا ومساء، وما يحمل مثلك اسيرا مثلي اسيرا ولو اردت ذلك لتقلن في فناء هذا المسجد، فغضب خالد فقال توعد وعيد الأسد وتروغ روغان الثعلب ! ما أعداك في المقال، وما مثلك إلا من اتبع قوله بفعله، فقال أمير المؤمنين (ع): إذا كان هذا قولك فشأنك، وسل سيفه ذو الفقار وخفق عليه. فلما نظر الى الموت عيانا فاستخفى وقال يا أبا الحسن لم نرد هذا، فضربه أمير المؤمنين بقفاء ذي الفقار على ظهره فنكسه عن دابته. ولم يكن أمير المؤمنين (ع) ليرد يده إذا رفعها، لئلا ينسب الى الجبن، فلحق اصحاب خالد من فعل أمير المؤمنين (ع) هول عجيب وخوف عنيف. ثم قال مالكم لا تكافحون عن سيدكم ؟ والله لو كان امركم إلي لتركت رؤوسكم وهو اخف على يدي من جني الهبيد على ايدي العبيد وعلى هذا السبيل تقتسمون مال الفئ، اف لكم فقام إليه رجل من القوم يقال له المثنى بن الصباح وكل عاقلا فقال والله ما جئناك لعداوة بيننا وبينك، ولا عن غير معرفة بك، وإنا لنعرفك كبيرا وصغيرا وأنت أسد الله في أرضه وسيف نقمته على اعدائه، وما مثلنا من جهل مثلك، ونحن اتباع مأموروين وأطواع غير مخالفين، فتبا لمن وجهنا اليك، أما كان له معرفة بيوم بدر وأحد وحنين ؟


[ 318 ]

فإستحيا أمير المؤمنين (ع) من قول الرجل وترك الجميع، وجعل (ع) يمازح خالدا ويضحك منه. وخالد لما به من ألم الضربة ساكت لا يتكلم، فقال له أمير المؤمنين (ع): ويلك يا خالد ما اطوعك للخائنين الناكثين، أما كان لك يوم الغدير مقنع إذ بدر اليك صاحبك في المسجد، حتى كان منك ما كان ؟ فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة: لو كان مما رمته انت وصاحباك ابن أبي قحافة وابن صهاك شئ لكانا هما اول المقتولين بسيفي هذا وانت معهما ويفعل الله ما يشاء، ولم يزل يحملك على فساد حالتك عندي، فقد تركت الحق على معرفة وجئتني تجوب مفاوز البسابس لتحملني الى ابن أبي قحافة اسيرا بعد معرفتك، اني قاتل عمرو بن ود ومرحب وقالع باب خيبر، وأني أستحي منكم ومن قلة عقولكم، أو تزعم انه قد خفى علي ما تقدم به اليك صاحبك حين استخرجك إلي وانت تذكره ما كان مني الى عمرو بن معدي كرب والى اصيد بن سلمة المخزومي، فقالا لك ابن أبي قحافة لا تزال تذكر له ذلك، انما كان ذلك من دعاء النبي " ص " له، وقد ذهب ذلك كله وهو الآن اقل من ذلك، أليس كذلك يا خالد، فلولا ما تقدم به الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان مني لهما ما هما اعلم به منك يا خالد، اين كان ابن أبي قحافة وانت تخوض معي المنايا في لجج الموت خوضا وقومك بادرون في الانصراف كالنعجة القوراء وكالديك النافش، فاتق الله يا خالد ولا تكن للظالمين خصيما فقال خالد يا أبا الحسن اني اعرف ما تقول وما عدلت العرب والجماهير عنك إلا طلب ذحول آبائهم قديما وتنكل رؤوسهم قريبا، فراغت روغان الثعالب فيما بين الفجاج والدكادك، وصعوبة اخراج ملك من يدك وهربا من سيفك وما دعاهم الى بيعة ابي بكر إلا إستلانة جانبه ولين عربكته، واخذهم الاموال من فوق استحقاقهم، ولقلما اليوم من يميل الى الحق وأنت قد بعت الدنيا بالآخرة، ولو اجتمعت بأخلاقك الى اخلاقهم، لما خالفك خالد. فقال أمير المؤمنين (ع) والله ما اوتي خالد إلا من قبل هذا الخؤن الظلوم المفتن ابن صهاك، فانه لا يزال يؤلب على القبائل ويفزعهم مني ويؤيسهم من عطاياهم ويذكرهم ما انساهم الدهر، وسيعلم غب امره إذا فاضت نفسه.


[ 319 ]

فقال خالد يا أبا الحسن بحق أخيك لما قطعت هذا من نفسك وصرت الى منزلك مكرما إذا كان القوم رضوا بالكفاف منك، فقال أمير المؤمنين (ع): لا جزاهم الله عن انفسهم ولا عن المسلمين خيرا. قال: ثم عاد (ع) بدابته فاتبعه أصحابه وخالد يحدثه ويضاحكه حتى دخل المدينة، فبادر خالد الى أبي بكر فحدثه بما كان منه، فصار أمير المؤمنين (ع) الى قبر النبي (ص) ثم صار الى الروضة وصلى أربع ركعات، وقام يريد الانصراف الى منزله وكان أبو بكر جالسا في المسجد والعباس جالس الى جنبه، فأقبل أبو بكر على العباس فقال يا أبا الفضل ادع لي ابن أخيك عليا لاعاتبه على ما كان منه الى الاشجع فقال أبو الفضل: أو ليس قد تقدم اليك صاحبك خالد بترك معاتبته، واني أخاف عليك منه إذا عاتبته ألا تنتصر منه، فقال له أبو بكر اني اراك يا أبا الفضل تخوفني منه، دعني واياه، فاما ما كلمني به خالد في ترك معاتبته، فقد رأيته يكلمني بكلام خلاف الذي خرج به إليه، ولا اشك انه قد كان إليه منه شئ افزعه، فقال له العباس انت وذاك يابن ابي قحافة فدعاه العباس ؟. فجاء أمير المؤمنين (ع) فجلس الى جنب العباس، فقال له العباس: ان ابا بكر إشتبطاك وهو يريد أن يسألك بما جرى، فقال: يا عم لو دعاني هو لما أتيته، فقال له أبو بكر يا أبا الحسن ما ارضى لمثلك هذه الفعال ! قال: وأي فعل قال قتلك مسلما بغير حق، أفما تمل من القتل ؟ قد جعلته شعارك ودثارك. فالتفت إليه أمير المؤمنين (ع) فقال: اما عتابك علي في قتل مسلم، فمعاذ الله ان أقتل مسلما بغير حق، لان من وجب عليه القتل رفع عنه إسم الاسلام، وأما قتلي الاشجع فان كان اسلامك كاسلامه فقد فزت فوزا عظيما، أقول: ما عذري إلا من الله، وما قتلته إلا عن بينة من ربي، وأما انت اعلم بالحلال والحرام مني، وما كان الرجل إلا زنديقا، وان في منزله صنم من رخام يتمسح به ثم يصير اليك، وما كان من عدل الله تعالى ان يؤاخذني بقتل عبدة الاوثان والزنادقة، فافتتح أمير المؤمنين (ع) بالكلام فحجز بينهما المغيرة بن شعبة والعباس وأقسموا على علي (ع) فسكت،


[ 320 ]

وعلى أبي بكر فسكت. ثم أقبل أبو بكر على الفضل بن العباس وقال لوقدتك بالاشجع لما فعلت مثلها ثم قال كيف اقيدك بمثله وانت إبن عم رسول الله (ص) وغاسله. فالتفت إليه العباس وقال دعونا ونحن حلماء أبلغ من شأنك انك تتعرض لولدي وإبن أخي وانت ابن أبي قحافة بن مرة، ونحن بنو عبد المطلب بن هاشم أهل بيت النبوة واولوا الخلافة، قد تسميتم بأسمائنا ووثبتم علينا في سلطاننا وقطعتم أرحامنا، ومنعتم ميراثنا ثم انتم تزعمون ان الارث لنا وانتم احق واولى بهذا الأمر منا، فبعدا وسحقا لكم أنى تؤفكون، ثم انصرف القوم وأخذ العباس بيد علي (ع). وجعل علي (عليه السلام) يقول: أقسمت عليك ان لا تتكلم وان تكلمت فلا تتكلم إلا بما يسره، وليس لهم عندي إلا الصبر كما أمر به نبي الله، دعهم ما كان لهم يا عم بيوم الغدير مقنع وهم يستضعفونا (ان الله مولانا وهو خير الحاكمين). فقال له العباس: أليس قد كفيتك بابن أخي ؟ وإن شئت حتى أعود فاغرته وانزع " ع " عنه سلطانه، فأقسم عليه علي (ع) فسكت. هذا آخر الخبر. في بعض ما رأى في أيام الثاني وتضجره عليه السلام عن سليم بن قيس الهلالي قال: انتهيت الى حلقة في مسجد رسول الله (ص) ما فيها إلا هاشمي غير سلمان وأبي ذر والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة فقال العباس لعلي (ع): ما نرى منع عمر من ان يغرم قنفذ كما اغرم جميع عماله، فنظر علي (ع) الى من حوله، ثم إغرورقت عيناه بالدموع


[ 321 ]

ثم قال: شكر ضربت فاطمة " ع " بالسوط، فماتت ورأى في عضدها كأنه الدملج !. ثم قال " ع ": العجب من حب هذا الرجل وصاحبه من قبله والتسليم له في شئ احدثه، لئن كان عماله خونة وكانت هذه الاموال في ايديهم خيانة ما حل له تركها وكان يجب ان يأخذها كلها، فانه فئ المسلمين، فما باله يأخذ نصفها ويترك نصفها، ولئن كانوا غير خونة ما حل له ان يأخذ منها قليلا ولا كثيرا، وأعجب من ذلك إعادته اياهم على اعمالهم، لئن كانوا خونة ما حل له ان يأخذ منها قليلا ولا كثيرا ولا ان يستعملهم، وان كانوا غير خونة ان يأخذ منها اموالها. ثم أقبل على القوم فقال: العجب لقوم يرون سنن نبيهم تغير وتبدل شيئا بعد شئ ولا ينكرون ! بل يغضون له ويرضون ويعيبون على ما عاب ذلك وانكر، ثم يجئ قوم بعده فيتبعون بدعته وجوره وحدثه فيتخذون احداثه سنة ودينا يتقربون بها الى الله في تحويل مقام ابراهيم من الموضع الذي وضعه رسول الله (ص) وفي تغيره صاع رسول الله (ص) ومده وفيها فريضة وسنة، وفي قبضه وصاحبه فدكا وهو في يد فاطمة، وفي بعثهم خالدا لقتلي فلا تعجبوا من حبسه وحبس صاحبه عنا سهم ذوي القربى الذي فرضه الله لنا في القرآن، وقد علم الله انهم سيظلمونا وينتزعوه منا فقال: (إن كنتم آمنتم بالله وما نزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم إلتقى الجمعان). والعجب لهدمه دار أخي جعفر وازدياده في المسجد ولم يعط نبيه لا قليلا ولا كثيرا من ثمنها ثم لم يعب الناس عليه ذلك ! ولم يعيروه، لكأنما اخذ دار رجل من ترك أو كابل. والعجب لجهله وجهل الامة ان كتب الى جميع عماله ان الجنب إذا لم يجد ماء فليس له ان يصلي وليس له ان يتيمم بالصعيد حتى يجد الماء وان لم يجده سنة ! وقيل الناس ذلك. رضوا، وقد علم الناس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر عمارا وأمر أبا ذر ان يتيمما من الجنابة ويصليا، فشهدا به عندهما فلم يقبلا ذلك ولم يرفعا به رأسا. والعجب لما خلطا فتيا مختلفة في الجد بغير علم وتعسفا وظلما وجورا وجهلا، وادعى ما لم يعلم خبره على الله، وادعى ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقض للجد شيئا


[ 322 ]

ولم يدع احدا يعطي الجد من الميراث، ثم بايعوه على ذلك وصدقوه وعتقه امهات الاولاد، واخذ الناس بقوله وتركوا أمر الله تعالى وأمر رسوله. والعجب لما صنع بنصر بن الحجاج وبجعدة بن سليم وبابن زيد. وأعجب من ذلك انه لما اتاه العبدي فقال له اني طلقت امرأتي وأنا غائب فوصل إليها الطلاق ثم راجعتها وهي في عدتها، فكتبت إليها فلم يصل إليها كتابي حتى تزوجت فكتب له ان كان الذي تزوج بها قد دخل بها فهي امرأته وان لم يدخل بها فهي امرأتك ! فكتب بذلك وأنا شاهد لم يشاورني ولم يسألني يرى استغنائه بجهله فأردت ان أنهاه، ثم قلت: ما أبالي ان يفضحه الله تعالى، ثم لم يعبه الناس بذلك واستحسنوا قوله واتخذوه سنة ورأوه صوابا فقضى في ذلك قضاء لو قضى به مجنون لعيب عليه، وقضية للمفقود زوجها اربع سنين ثم تتزوج، وان جاء زوجها خير بين امرأته وبين الصداق، ثم استحسنه الناس واتخذوه سنة وقبلوا منه جهالة بكتاب الله تعالى وقلة بصيرة بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم تركه من الأذان حي على خير العمل فاتخذوه سنة وإخراجه كل اعمى من المدينة، وارساله الى عماله بحبل طوله خمسة أشبار من بلغ من الأعاجم وطوله مثله يضرب عنقه، ورده سبايا المشركين حبالى، وقبله الناس وأعجب منه ان كذابا رجم بكذبه ما قبله هو وقبله كل جاهل، وزعموا ان الملك ينطق على لسانه ويلقنه، وإعتاقه أهل اليمن، وتخلفه وصاحبه عن جيش اسامة وتسليمه عليه بالامرة. ثم أعجب من ذلك انه قد علم وعلم الذين حوله انه الذي صده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الكشف الذي دعا به، وانه صاحب صفية حين قال لها ما قال، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قال ما قال، وهو الذي قال ما مثل محمد في أهل بيته إلا كنخلة نبتت في كناسة ! فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج وأتى المنبر وفزعت الأنصار لما رأت غضب رسول الله (ص) فجاءت في السلاح، فذكر ان النبي (ص) أخذ في فضائل أهل البيت عليهم السلام، منها - ما خصهم الله به من ذهاب الرجس وتطهيرهم.


[ 323 ]

ومنها - ان الله جعلني في خير القبائل والبيوت. ومنها - ان الله إختارني وإختار عليا فبعثني رسولا ونبيا وأوحى إلي: ان إتخذ عليا أخا ووليا ووصيا وخليفة في امتي بعدي، ألا وانه ولي كل مؤمن بعدي وان الله نظر نظرة في الخلائق ثانية، فاختار لي إثنى عشر وصيا في (من خ ل) أهل بيتي أولهم علي وآخرهم الحجة، من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض. ثم قال عليه السلام وهو القائل كصاحبه: الحمد لله الذي كفانا قتل الرجل حين أمرهما رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقتلاه وتركا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك فغضب رسول الله (ص) في ردهما أمره وأمرني بعد ما رجعا ان أقتله، فقال في ذلك رسول الله (ص) ما قال، وأمره رسول الله " ص " وصاحبه ان ينادي من دخل الجنة من موحد لا يشرك بالله شيئا، ورد طاعة الله وطاعة رسوله ولم ينفذ أمره حتى قال رسول الله " ص " في ذلك ما قال وهو صاحب يوم غدير خم قال وصاحبه يوم نصبني رسول الله " ص " بولايتي، ما زال يرفع خسيسة إبن عمه، وقال لصاحبه ان هذا لهو الكرامة، فقطب وجهه وقال والله لا أسمع ولا طاعة له ابدا، ثم إتكأ عليه وتمطى وانصرفا، فأنزل الله فيه: " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى * ثم ذهب الى اهله يتمطى * اولى لك فاولى * ثم اولى لك فاولى " وعيدا من الله وإنتهارا ومساوئه ومساوئ صاحبه اكثر من ان تحصى وتعد، ولم ينقصها ذلك عند الجهلة، بل هما أحب الى الناس من انفسهم، وانهم ليغضبون لهما ما لا يغضبون لرسول الله (ص) وانهم ليتورعون عن ذكر الله بسوء ما لا يتورعون عن ذكر رسول الله " ص ". احتجاجاته عليه السلام يوم الشورى روى العامة في كتبهم: انه لما دنت الوفاة من عمر بن الخطاب بطعنة أبي لؤلؤة غلام المغيرة قيل له يا امير المؤمنين لو استخلفت ؟ فقال لو كان أبو عبيدة حيا لا ستخلفته


[ 324 ]

وقلت لربي ان سألني سمعت نبيك يقول انه امين هذه الامة، ولو كان سالم مولى ابي حذيفة حيا استخلفته وقلت لربي ان سألني سمعت نبيك يقول ان سالما شديد الحب لله تعالى. ثم قال فقد استخلفت من هو خير مني وهو أبو بكر وان اترك فقد ترك من هو خير مني وهو رسول الله " ص ". ثم قال عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله (ص) انهم من اهل الجنة وهم علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد والزبير بن العوام وطلحة فليختاروا منهم رجلا فإذا ولوا وليا فاحسنوا موازرته. فقال العباس لعلي " ع ": لا تدخل معهم، قال: إني أكره الخلاف، قال: إذن ترى ما تكره. ثم استدعى عمر بابي طلحة الأنصاري وقال خذ معك خمسين رجلا واستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا منهم رجلا، وقال لصهيب صل بالناس ثلاثة ايام وادخل هؤلاء الرهط بيتا وقم على رؤوسهم، فان اجتمع خمسا وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وان اتفق اربعة وأبى اثنين فاضرب رأسهما، وان رضى اثنان رجلا وثلاثة رجلا فحكموا عبد الله بن عمر، فان لم يرضوا بحكمه فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن ابن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجتمع فيه الناس. فلقى عليا عمه العباس فقال: عدلت عنا، قال: وما علمك ؟ قال: قرن بي عثمان وقال كونوا مع الاكثر، فان رضى رجلان رجلا ورجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه وعبد الرحمن صهر عثمان لا يخالفه. فقال له العباس: قد قلت لك لا تدخل فيهم، فما أخذت بقولي. قال وامرهم عمر ان يدخلوا بيتا ويغلقوا بابه ويتشاورون في امرهم، فلما نظر إليهم اقبلوا قال: قد جاء كل منكم يهز عطفيه، يرجو ان يكون خليفة، اما انت يا طلحة أفلست القائل ان قبض النبي لننكحن أزواجه من بعده، فما جعل الله محمدا أحق ببنات عمنا منا ! فأنزل الله فيك: " وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا تنكحوا أزواجه


[ 325 ]

من بعده أبدا ". واما انت يا زبير فو الله ما لان فلبك يوما ولا زلت جلفا جافيا مؤمن الرضا كافر الغضب يوما شيطان ويوما انسان. واما انت يا عبد الرحمن فانك رجل عاجز تحب قومك جميعا. واما انت يا سعد فصاحب عصبية وتيه ومقت وقتال لا تقوم بفرية لو حملت بامرها وأما انت يا علي فو الله لو وزن إيمانك بايمان اهل الارض لرجحتهم، لو لا فيك دعابة فقام علي (ع) موليا ليخرج فقال عمر والله اني لاعلم مكان رجل لو وليتموه اموركم حملكم على المحجة البيضاء قالوا من هو ؟ قال هذا المولى من بينكم، فالله ان وليها الاجلح سلك بكم الطريق، قالوا وما ينفعك من ذلك ؟ قال ليس الى ذلك سبيل وقال له ولده عبد الله بعد قيام الناس: فما يمنعك من ذلك ؟ قال اكره ان اجمع ببني هاشم بين الخلافة والنبوة. وهذا من طريق المخالفين. وأما من طريق أصحابنا: فقد روي: انه قال له: تمنعني الصحيفة التي كتبناها بيننا في حجة الوداع، قال أبو ذر: فلما تآمر القوم وتوافقوا على رأي واحد قال لهم علي بن أبي طالب (ع): اني أحب ان تسمعوا مني ما أقول لكم، فان يكن حقا فاقبلوه وان يكن باطلا فانكروه، قالوا قل ؟ فقال (ع): أنشدكم بالله - أو قال أسألكم بالله - الذي يعلم سرائركم ويعلم صدقكم ان صدقتم ويعلم كذبكم ان كذبتم: هل فيكم احد آمن قبلي بالله ورسوله وصلى القبلتين قبلي ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد من يقول الله تعالى فيه: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم " سواي ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد نصر أبوه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكفله غير أبي ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد وحد الله قبلي ولم يشرك بالله شيئا ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد عمه حمزة سيد الشهداء غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد زوجته سيدة نساء أهل الجنة غيري ؟ قالوا اللهم لا


[ 326 ]

قال: فهل فيكم احد إبناه سيدا شباب أهل الجنة غيري ؟ قالوا اللهم لا قال: فهل فيكم احد أعلم بناسخ القرآن ومنسوخه والسنة مني ؟ قالوا اللهم لا قال: فهل فيكم احد سماه الله في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيري ؟ قالوا اللهم لا قال: فهل فيكم احد ناجى رسول الله (ص) عشر مرات يقدم بين يدي نجواه صدقة غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد يقول له رسول الله (ص): من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال - من والاه وعاد من عاداه، فليبلغ الشاهد الغائب ذلك، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد قال له رسول الله (ص): لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، كرارا غير فرار، لا يولي الدبر يفتح الله على يديه وذلك حيث رجع أبو بكر وعمر منهزمين ! فدعاني وأنا أرمد فتفل في عيني، فقال: اللهم إذهب عنه الحر والبرد، وما وجدت بعدها حرا ولا بردا يؤذياني، ثم أعطاني الراية فخرجت بها، ففتح الله على يدي خيبر، فقتلت مقاتلهم، وفيهم مرحب وسبيت ذراريهم، فهل كان ذلك غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل يكون فيكم احد قال له رسول الله (ص): اللهم آتني بأحب الخلق اليك وإلي، وأشدهم لي ولك حبا يأكل معي من هذا الطير، فأتيت وأكلت معه، فهل كان ذلك غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد قال فيه رسول الله (ص): لتنتهبن يا بني وليعة أو لأبعثن عليكم رجلا نفسه كنفسي وطاعته كطاعتي ومعصيته كمعصيتي، يعصاكم أو يقطعكم بالسيف غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف من الملائكة وفيهم جبرئيل وميكائيل واسرائيل ليلة القليب لما جئت بالماء الى رسول الله صلى الله عليه واله غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد قال فيه رسول الله (ص) كذب من زعم انه يحبني


[ 327 ]

ويبغض عليا غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد قال له جبرئيل (ع) هذه هي المواسات، وذلك يوم احد فقال رسول الله (ص) وما يمنعه من ذلك، لأنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد نودي به من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد من يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبي (ص) غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد قال له رسول الله (ص): اني قاتلت على تنزيل القرآن، وستقاتل يا علي على تأويله، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد غسل رسول الله (ص) مع الملائكة المقربين بالروح والريحان تقلبه بي الملائكة، وأنا أسمع قولهم وهم يقولون: استروا عورة نبيكم ستركم الله، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد كفن رسول الله (ص) ووضعه في حفرته، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد بعث الله عزو جل إليه بالتعزية حيث قبض رسول الله (ص) وفاطمة تبكي إذ سمعنا حسا على الباب وقائلا يقول نسمع صوته ولا نرى شخصه: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته ربكم عزوجل يقرئكم السلام ويقول ان في الله خلفا من كل مصيبة، وعزاء من كل هالك، ودركا من كل فوت، فتعزوا بعزاء الله واعلموا ان أهل الارض يموتون، وأهل السماء لا يبقون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأنا في البيت وفاطمة والحسن والحسين، أربعة لا خامس لنا سوى رسول الله (ص) مسجى بيننا، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد ردت عليه الشمس بعدما غربت غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد أمره رسول الله (ص) ان يأخذ سورة برائة من ابي


[ 328 ]

بكر بعد ما انطلق أبو بكر بها ! فقبضها منه، فقال أبو بكر بعد ما رجع يارسول الله ءأنزل في شئ ؟ ! فقال: لا، ولكن لا يؤدي عني ألا علي، غيري ؟ قالوا اللهم لا قال: فهل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا انه لا نبي بعدي، ولو كان بعدي نبي لكنت انت هو يا علي غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد قال له رسول الله (ص) انه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد أمر رسول الله (ص) بفتح بابه يوم أمر بسد الأبواب فقلتم في ذلك ؟ ! فقال رسول الله (ص): ما أنا سددت ابوابكم ولا أنا فتحت بابه بل الله سد ابوابكم وفتح بابه، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: أتعلمون ان رسول الله (ص) ناجاني يوم الطائف دون الناس فأطال ذلك فقال بعضكم يا رسول الله إنتجبت عليا دوننا ؟ ! فقال رسول الله (ص): ما أنا انتجبته، بل الله أنتجاه ؟ قالوا نعم. قال: أتعلمون ان رسول الله (ص) قال: الحق بعدي مع علي، وعلي يدور مع الحق، ويدور الحق معه حيث ما دار ؟ قالوا نعم. قال: فهل تعلمون ان رسول الله (ص) قال: اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وانكم لن تضلوا ما اتبعتموهما واستمسكتم بهما ؟ قالوا نعم. قال: فهل فيكم احد وقى رسول الله (ص) بنفسه ؟ ورد مكر المشركين ؟ واضطجع في مضجعه وشرى بذلك من الله نفسه غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد حيث آخا رسول الله (ص) بين الصحابة وكان لم يكن له أخ غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد ذكره الله بما ذكرني إذ قال: " والسابقون السابقون * اولئك المقربون " غيري ؟ قالوا اللهم لا.


[ 329 ]

قال: فهل فيكم احد آتى الزكاة وهو راكع، فأنزل الله فيه: " فانما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد برز لعمرو بن ود حيث عبر خندقكم ودعا جمعكم الى البراز فنكصتم عنه وخرجت إليه فقتلته وفت الله بذلك في اعضاد المشركين غيري ؟ قالو ا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد ترك رسول الله (ص) بابه مفتوحا في المسجد يحل له ما يحل لرسول الله ويحرم عليه ما يحرم على رسول الله فيه غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد أنزل الله فيه آية التطهير حيث قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) غيري وغير زوجتي وإبني ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد قال له رسول الله (ص) أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما سألت الله عز وجل شيئا إلا سألت مثله لك، غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد قضى دين رسول الله (ص) وأنجز عداته غيري ؟ قالوا لا قال: فهل فيكم احد ناول رسول الله (ص) قبضة من تراب فرمى به في وجوه الكفار فانهزموا، غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد إشتاقت الملائكة الى رؤيته، فاستأذنت الله في زيارته، غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد ورث سلاح رسول الله ودابته غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد استخلفه رسول الله (ص) في أهله، فجعل أمر أزواجه إليه من بعده، غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد حمله رسول الله (ص) على كتفه حتى كسر الاصنام التي كانت على الكعبة غيري ؟ قالوا لا.


[ 330 ]

قال: فهل فيكم احد اضطجع هو ورسول الله (ص) في كساء واحد وكفلين غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد كان صاحب رسول الله (ص) في المواطن كلها غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد قال له رسول الله (ص): أنت صاحب رايتي ولوائي في الدنيا والآخرة، غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد نزلت فيه وفي زوجته وولديه: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) الى سائر ما قص الله تعالى من ذكرنا في هذه السورة غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد أنزل الله تعالى فيه: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون عند الله...) الى آخر ما قص الله تعالى من خبر المؤمنين غيري ؟ قالوا لا قال: فهل فيكم احد أنزل الله تعالى فيه وفي زوجته وولديه آية المباهلة وجعل الله عز وجل نفسه من نفس رسول الله (ص) غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد نزلت فيه هذه الآية: (ومن يشري نفسه إبتغاء مرضات الله) لما وقيت رسول الله (ص) ليلة الفراش غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد سقى رسول الله (ص) من المهراس لما اشتد ضمأه، وأحجم عن ذلك أصحابه ! قالوا اللهم لا. قال: فهل فيكم احد قال له رسول الله اللهم اني أقول كما قال عبدك موسى " رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري... " الى آخر دعوة موسى (ع) الى النبوة، غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد أدنى الخلائق برسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة


[ 331 ]

وأقرب إليه مني كما أخبركم بذلك (ص) غيري ؟ قالوا اللهم لا. قال فهل فيكم احد قال له رسول الله (ص) انت وشيعتك الفائزون تردون يوم القيامة رواء مروين، ويرد اعداؤكم ظماء مقمحين غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد قال له رسول الله (ص) من أحب هذه الشعرات فقد أحبني، ومن أحبك فقد أحب الله، ومن ابغضهما وآذاهما فقد ابغضني وآذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى ولعنه الله وأعد له جهنم وساءت مصيرا، فقال له الأصحاب وما شعراتك هذه يارسول الله ؟ قال علي وفاطمة والحسن والحسين غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد قال له رسول الله أنت يعسوب الدين والمال يعسوب الظالمين، وأنت الصديق الأكبر وأنت الفاروق الأعظم الذي يفرق بين الحق والباطل غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد طرح رسول الله (ص) ثوبه وأنا تحت الثوب وفاطمة والحسن والحسين، ثم قال اللهم أنا وأهل بيتي هؤلاء اليك لا الى النار غيري ؟ قالوا لا قال فهل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله بالجحفة بالشجرات من خم: من أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله تعالى، غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد كان رسول الله (ص) بينه وبين زوجته وجلس بين رسول الله وبين زوجته وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله لا ستر دونك، غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم من احتمل باب خيبر يوم فتحت حصنها ومشى به ساعة، ثم ألقاه، فعالجه بعد ذلك أربعون رجلا فلم ينقلوه من الارض غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد قال له رسول الله (ص): إنت معي في قصري ومنزلك منزلي في الجنة غيري ؟ قالوا لا. قال: فهل فيكم احد قال له رسول الله (ص): أنت أولى الناس بامتي من بعدي والى الله من والاك وعادا من عاداك وقاتل من قاتلك بعدي غيري ؟ قالوا لا.


[ 332 ]

قال: فهل فيكم احد صلى مع رسول الله (ص) قبل الناس سبع سنين وأشهرا غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد قال له رسول الله (ص) انك عن يمين العرش يا علي يكسوك الله بردين أحدهما أحمر والآخر أخضر، غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد أطعمه رسول الله " ص " من فاكهة الجنة لما هبط بها جبرئيل " ع " وقال لا ينبغي ان يأكله في الدنيا إلا نبي أو وصي نبي غيري ؟ قالوا لا قال فهل فيكم احد قال له رسول الله " ص " أنت أقومهم بأمر الله وأوفاهم بعهد الله وأعلمهم بالقضية وأقسمهم بالسوية وأرءفهم بالرعية غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد قال له رسول الله " ص " أنت قسيم النار تخرج منها من آمن وأقر، وتدع فيها من كفر، غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد قال للعين إنفجري فانفجرت فشرب منها القوم، وأقبل رسول الله والمسلمون معه فشرب وشربوا وشربت خيولهم وملؤا رواياهم غيري ؟ قالوا لا. قال فهل فيكم احد أعطاه رسول الله " ص " حنوطا من حنوط الجنة، وقال أقسم هذا ثلاثا، ثلثا حنطني به وثلثا لابنتي وثلثا لك غيري ؟ قالوا لا. قال فما زال عليه السلام يناشدهم ويذكر لهم ما أكرمه الله حتى قام قائم الظهر ودنت الصلاة. ثم أقبل عليهم وقال لهم ماذا أقررتم على انفسكم وبان لكم من سبي الذي ذكرت لكم، فعليكم بتقوى الله وحده، وأنهاكم عن سخط الله فلا تتعرضوا له ولا تضيعوا أمرى، وردوا الحق الى اهله، واتبعوا سنة نبيكم وسنتي من بعده، وانكم ان خالفتموني خالفتم نبيكم، فقد سمع ذلك منكم جميعكم وسلموها الى من هو لها أهل وهي له أهل، أما أنا بالراغب في دنياكم، ولا قلت لكم ما قلت لكم إفتخارا ولا تزكية لنفسي، ولكني حدثت بنعمة ربي وأخذت عليكم الحجة، ثم نهض الى الصلاة. قال: فتوامر القوم فيما بينهم وتشاوروا وقالوا ان الله قد فضل علي بن أبي طالب بما ذكر لكم، ولكنه رجل لا يفضل احدا على احد ويجعلكم ومواليكم سواء، وان


[ 333 ]

وليتموه إياها ساوى بين أسودكم وأبيضكم ووضع السيف على عاتقه، ولكن ولوها عثمان ! فهو اقدمكم ميلادا والينكم عريكة واجدر ان يتبع سيرتكم والله رؤوف رحيم ومن طريق العامة اجتمع اهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة. وقيل: في بيت المال وتنافسوا وكثر كلامهم ! فقال أبو طلحة الموكل عليهم من جانت عمر والذي ذهب بنفس عمر لا ازيدكم على الايام الثلاثة ! فقال لهم عبد الرحمن بن عوف ايكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على ان يوليها أفضلكم ! فلم يجبه احد، فقال انا انخلع منها، فقال عثمان انا اول من رضى ! فقال القوم رضينا: وعلي ساكت ! فقال ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال اعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى ولا تخص ذا رحم ولا تألوا الامة نصحا، فقال اعطوني مواثيقكم على ان تكونوا معي على من بدل وغير وان ترضوا على ما اخترت لكم وعلى ميثاق الله ان لا اخص ذا رحم لرحمه ولا الوا المسلمين، فأخذ منهم ميثاقا واعطاهم مثله، فقال لعلي تقول اني احق بهذا الامر لقرابتك وحسن سابقتك، فقال علي " ع " اتقوا الله الذي تسائلون به الارحام، فلما كانت الليلة صبيحتها تستكمل الاجل، اني عبد الرحمن منزل المسور وقال إدع الزبير وسعدا فدعى بهما، فبدأ بالزبير وقال خل بني عبد مناف وهذا الأمر، فقال نصيبي لعلي " ع " وقال عبد الرحمن لسعد خل نصيبك لي، فقال ان اخترت نفسك فنعم فقال خلعت نفسي ان اختار. فلما صار الصبح جمع الناس وقال أشيروا علي ؟ فقال عمار: ان اردت ان لا يختلف المسلمون فبايع عليا، فقال المقداد: صدق عمار، ان بايعت عليا قلنا سمعنا وأطعنا، وقال ابن سرح بايع عثمان ! فقال عمار: متى كنت تنصح، فتكلم بنو هاشم وبنو امية، فقال عمار: ايها الناس ان الله أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه، فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم، فقال رجل عدوت طورك يا عمار ما أنت وتأمير قريش ! فقال سعد افرغ يا عبد الرحمن قبل الفتنة. فدعى عبد الرحمن بعلي (ع) وقال تعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة


[ 334 ]

الشيخين ! فقال ارجو ان اعمل بمبلغ فهمي. ودعى عثمان فقال نعم اعمل فبايعه، فقال علي (ع): ليس هذا اول يوم تظاهرتم فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك، والله كل يوم في شأن. فقال عبد الرحمن لا تجعل على نفسك حجة وسبيلا، فخرج علي (ع) وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله. فقال المقداد: يا عبد الرحمن أما والله لقد تركته وانه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، والله ما رأيت مثل ما أتى على أهل هذا البيت بعد نبيهم، اني لا عجب من قريش حين تركوا رجلا ما فيهم أعدل وأعلم بالله منه، أما والله لو وجد أعوانا لقاتلهم كقتالي إياهم مع رسول الله (ص) يوم بدر. فقال عبد الرحمن يا مقداد إتق الله فاني خائف عليك الفتنة. وقال عمار نزعتم الأمر من أهله ووضعتموه في غير أهله، كل هذا وطلحة غائب فلما قدم ورأى الناس قد بايعوا عثمان قال أكل قريش راضون به، فقال له عبد الرحمن نعم فبايعه ! واجتمع الناس عليه فبايعوه. ذكر بعض البيانات منه عليه السلام أيام عثمان عن سليم بن قيس الهلالي قال: رأيت عليا (عليه السلام) في مسجد رسول الله (ص) في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون، فذكر كل منهم فضائلا، وفي الحلقة اكثر من مأتي رجل فيهم علي بن أبي طالب (ع) وسعد بن أبي وقاص وعلي ساكت لا ينطق هو ولا احد من أهل بيته، فأقبل القوم عليه فقالوا يا أبا الحسن ما يمنعك ان تتكلم ؟ فقال علي (ع) ما ملخصه ان: الله أعطاكم هذه الفضائل بانفسكم وعشايركم أو بغيركم ؟ قالوا أعطانا الله بمحمد وأهل بيته، قال: صدقتم، ألستم تعلمون ان النبي (ص) قال: اني


[ 335 ]

وأهل بيتي كنا نورا نسعى بين يدي الله قبل ان يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه الى الارض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح (ع) وقذف به في النار في صلب ابراهيم لم يزل ينقلنا في الأصلاب الكريمة الى الأرحام الطاهرة، ومن الأرحام الطاهرة الى الأصلاب الكريمة بين الآباء والامهات، لم يتلق واحد منهم على سفاح قط. فقال أهل السابقة نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله (ص)، الى ان ذكر قول النبي (ص): أنا سيد الأنبياء وعلي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء، وقصة الغدير، وانه سأل النبي (ص) ان آية (اولي الأمر) و (إنما وليكم الله) وآية اخرى خاصة في علي ؟ فقال (ص): بل فيه وفي أوصيائي لى يوم القيامة، قالوا بينهم لنا ؟ قال علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في امتي وولي كل امة بعدي ثم إبني الحسن ثم إبني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين (ع) واحدا بعد واحد والقرآن معهم وهم مع القرآن. فقال له طلحة بن عبد الله وكان يقال له داهية قريش يا علي كيف تصنع بما إدعى أبو بكر وعمر واصلحا بهما الذين صدقوهما وشهدوا على مقالتهما يوم اتى بك تعتل في عنقك حبل ! ! فقلت ما احتججت به فصدقوا، ثم ادعيا انهما سمعا نبي الله يقول ان الله ابى ان يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة ! فصدقهما بذلك أبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى ابي حذيفة ومعاذ بن جبل. ثم قال طلحة كل الذي ذكرت وادعيت حق وما احتججت به من السابقة والفضل نحن نقر به ونعرفه، فاما الخلافة فقد شهد اولئك الخمسة بما سمعت !. فقال علي " ع " عند ذلك وغضب من مقالة طلحة فأظهر شيئا كان يكتمه وفسر شيئا قاله يوم مات عمر لم يدروا ما عني به، فأقبل (ع) على طلحة والناس يسمعون فقال: يا طلحة أما والله ما صحيفة ألقى الله يوم القيامة أحب إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاقدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع ان قتل محمد أو مات ان يتظاهروا على ويتوازروا فلا تصل الخلافة إلي !.


[ 336 ]

والدليل يا طلحة على باطل ما شهدوا عليه قول النبي (ص) يوم غدير خم من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه، فكيف أكون أولى بهم من انفسهم، وهم امراء علي ! ؟ وقول النبي (ص) أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلو كان مع النبوة غيرها لاستثناها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقوله اني تركت فيكم أمرين فتمسكوا بهما لا تضلوا كتاب الله وأهل بيتي لا تقدموهم ولا تعلموهم، فانهم أعلم منكم، فينبغي ان يكون الخليفة على الامة أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه، وقد قال الله " أفمن يهدي الى الحق أحق ان يتبع أم من لا يهدي إلا ان يهدى " وقال " وزاده بسطة في العلم والجسم " وقال (اوآثار من علم الله) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما ولت امة امرها رجلا فظا وفيهم أعلم منه الا لم يزل امرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا الى ما تركوا، فما الولاية أهي غير الامارة على الامة. والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم انهم سلموا علي بإمرة المؤمنين بأمر رسول الله (ص) وهي حجة عليهم وعليك خاصة وعلى هذا معك الزبير، وعلى الامة عامة، وعلى سعد وابن عوف وعلى خليفتكم هذا القائم - يعني عثمان -. وإنا معشر الشورى الستة احياء كلنا، فلم جعلني في الشورى ؟ ان كان صدق هو واصحابه على رسول الله (ص) أجعلنا في الشورى في الخلافة أو في غيرها، فان زعمتم انه جعلنا في غير الامارة فليس لعثمان امارة، لانه امرنا ان نتشاور في غيرها وان كان الشورى فيها فلم ادخلني فيها ؟ هلا اخرجني، وقد قال ان رسول الله (ص) اخرج أهل بيته من الخلافة ! وأخبر انه ليس لهم فيها نصيب، ثم قال عمر حين دعانا رجلا رجلا لابنه عبد الله وها هو ذلك، أنشدك بالله يا عبد الله ما قال لك حين خرجنا ؟ قال عبد الله ما إذ ناشدتني فانه قال ان يولوها أصلع بني هاشم حملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم، قال فما قلت انت يابن عمر ؟ قال قلت فما يمنعك ان تستخلفه ؟ قال فما رد عليك ؟ قال رد علي شيئا إستكتمته. قال علي عليه السلام ان رسول الله (ص) قد أخبرني بكل شئ قال لك وقلت له، قال متى أخبرك ؟ قال أخبرني في حياته، ثم ليلة مات ابوك في منامي ومن


[ 337 ]

رأى رسول الله (ص) في منامه فقد رآه، قال فما أخبرك ؟ قال انشدك بالله يابن عمر لئن حدثتك به لتصدقني ؟ قال أو اسكت، قال فانه قال لك ان الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد في الكعبة في حجة الوداع لنمنعني !. قال ابان: قال سليم: فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس خنقته العبرة حتى سالت عيناه. ثم قال علي (ع) يا طلحة والله ان كان اولئك الخمسة كذبوا على رسول الله (ص) ما يحل لكم ولا يتهم، لئن صدقوا ما حل لكم ايها الخمسة ان تدخلوني معكم الشورى لان إدخالكم إياي فيها خلافا على رسول الله ورغبة عنه. ثم أقبل علي (ع) على الناس فقال اخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به، أصدوق أنا أم كذوب ؟ قالوا بلى صدوق وما عرفناك كذوبا في جاهلية ولا إسلام. قال " ع " فو الذي أكرمنا أهل البيت بالنبي (ص) فجعل منا محمدا وأكرمنا من بعده لا يبلغ عنه غيرنا ولا تصلح الخلافة والامامة إلا فينا ولم تجعل لاحد من الناس فيها نصيبا ولا حقا، اما رسول الله (ص) فخاتم النبيين ليس بعده رسول ولا نبي، ختم به الأنبياء الى يوم القيامة، وجعلنا من بعد محمد (ص) خلفاء في ارضه، وشهداء على خلقه، فرض طاعتنا في كتابه، وقربنا بنفسه ونبيه صلى الله عليه وآله في الطاعة في غير آية من القرآن وجعل محمد ا فينا، وجعلنا خلفاء من بعده في كتابه المنزل ثم أمر نبيه ان يبلغ ذلك فبلغهم كما أمر الله، فأيهما أحق بمجلس رسول الله (ص) وبمكانه، وقد سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله حين بعثني ببرائة، قال لا يصلح ان يؤدي عني إلا أنا ورجل من أهل بيتي، فلم يصلح لصاحبكم ان يبلغ عنه صحيفة قدر أربع أصابع، ولم يصلح ان يكون المبلغ لها غيري، فأيهما أحق بمجلسه ومكانه. ثم قال (ع): يا طلحة ان كل آية أنزلها الله على محمد (ص) وكل حلال وحرام أو حد أو حكم أو شئ تحتاج إليه الامة مكتوب عندي الى يوم القيامة بإملاء رسول الله وخطي بيدي وسوى ذلك ان رسول الله (ص) أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب، ولو ان الامة منذ قبض


[ 338 ]

رسول الله (ص) إتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم رغدا ومن تحت ارجلهم الى يوم القيامة، يا طلحة ألست قد شهدت رسول الله (ص) حين دعا بالكتف ليكتب فيه ما لا تضل الامة ولا تختلف ؟ فقال صاحبك ان النبي (ص) يهجر ! ! حتى غضب رسول الله (ص) وتركها، قال بلى قد شهدته، قال: فانكم لما خرجتم أخبرني رسول الله (ص) بالذي أراد ان يكتب فيه ويشهد عليه العامة، وأخبره جبرئيل ان الله تعالى قد علم من الامة الاختلاف والفرقة، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد ان يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأبو ذر والمقداد وسمى من يكون من أئمة الهدى الى يوم القيامة، فسماني أولهم ثم إبني هذا ثم إبني هذا، وأومى بيده الى الحسن والحسين " ع " ثم تسعة من ولد إبني هذا - يعني الحسين (ع) - وكذلك أنت يا أبا ذر وأنت يا سلمان وأنت يا مقداد ؟ فقالوا نشهد بذلك على رسول الله فقال طلحة والله لقد سمعت رسول الله يقول لأبي ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأنا أشهد انهم لم يشهدوا إلا الحق وأنت أصدق وآثر عندي منهم. قال: ثم أقبل (ع) على طلحة فقال إتق الله يا طلحة وانت يا زبير وانت يا سعد وانت يابن عوف اتقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده ولا تأخذكم في الله لومة لائم ؟ فقال طلحة يا أبا الحسن ألا تجيبني عما سألتك عنه من أمر القرآن ألا تظهره للناس، فقال (ع): يا طلحة عمدا كففت عن اخوانك، قال فاخبرني عما كتب عمر وعثمان أقرآن كله ام فيه ما ليس بقرآن ؟ فقال: بل قرآن كله إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة، فان فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا. أقول: وفي بعض النسخ في ذيل هذا الخبر: فقال له الاشعث بن قيس فما منعك حين بويع اخو تيم بن مرة واخو عدي بن كعب واخو امية ان تقاتل وتأخذ بحقك ؟ فأجاب " ع " ما ملخصه: انه لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهية لقاء الباري تعالى بل منعني من ذلك أمر رسول الله (ص) ونهيه إياي، وأخبرني ما الامة صانعة، فقلت يارسول الله فما تعهد إلي إذا كان ذلك ؟ قال إذا لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك


[ 339 ]

ودماء أهل بيتك وشيعتك، فلما قبض (ص) مال الناس الى ابي بكر فبايعوه واستنصرت الناس فلم ينصروني ! غير أربعة سلمان وأبي ذر والمقداد والزبير، ولم يكن أحد من أهل بيتي أصول به، أما حمزة فقد قتل يوم احد، وأما جعفر فقتل يوم موئة، ولو كنت وجدت أربعين رجلا مطيعين لجاهدت بهم يوم بويع اخو بني تيم، واما يوم بويع عمر وعثمان، فلا، لاني كنت بايعت، ومثلي لا ينكث بيعة، قال فما شهد يوم اقر لأعيننا من ذلك اليوم لما كشف للناس من الغطاء وظهر فيه الحق وشرح فيه الامر وكثرت الشيعة من ذلك اليوم.