بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره،و وسيلة إلى قربه،و الصلاة و السلام على نبيه نور الأنوار،و محرم الأسرار،سيدنا الأمجد،أبي القاسم محمد،صلى الله عليه و على آله الشموس الطالعة،و البدور المنيرة،الذين اشتق أنوارهم من نور الله عز و جل،و الذين جعل الله علم الأنبياء في علمهم،و عز الأولياء في عزهم،و سر الأصفياء في سرهم كالقطرة في البحر .و الذين هم أساس الدين،و عماد اليقين،إليهم يفي‏ء الغالي،و بهم يلحق التالي،و فيهم كرائم القرآن،و هم ألسنة الصدق،و أزمة الحق.

و لا سيما على وصيه المؤتمن الذي جعل الله محبته و ولايته عنوان صحيفة كل مؤمن،مؤيد الأنبياء و الوصيين،و معلم الملائكة و الروحانيين،اصل شجرة طوبى،و حقيقة سدرة المنتهى،المتحد نوره مع المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم،أبي الحسن المجتبى،ابي الحسن قتيل العبرى،زوج فاطمة الزهراءـصلوات الله عليهم أجمعين.و اللعن على أعدائهم من أول الدهر إلى المنتهى .

اللهم لك الحمد على ما ألهمتني من شكرك،و جعلتني من محبي ولاة أمرك.اللهم إنا آمنا بك و بأنبيائك،و بمحمد صلى الله عليه و آله و سلم و بما دعانا إليه،و اتبعنا النور الذي انزل معه.يا رب إني أعتقد أن وعدك حق،و قولك صدق،و أن الساعة آتية لا ريب فيها.

إلهي و مولاي و سيدي!وصل إلينا من ولاة أمرك،و حماة دينك،و حججك على خلقك:أن من وجد برد حبنا أهل البيت في قلبه فليكثر الدعاء لامه،يا ربي و مولاي‏بأسمائك الحسنى وجدت برد حبهم في قلبي،اللهم بجودك و منك و رحمتك اغفر لوالدي و ارحمهما كما ربياني صغيرا .

مولاي،لك الحمد على ما أعطيتني اما شربت حب الوصي،و غذتني من لبنها،و والدا هو محب و موال للائمة الطاهرينـصلوات الله عليهم أجمعين.

لا عذب الله امي إنها شربت*حب الوصي و غذتنيه باللبن

و كان لي والد يهوى أبا حسن*و صرت من ذي و ذا أهوى أبا حسن

اللهم و مولاي و سيدي!اغفر لاستاذي الكبير العارف الخبير علامة دهره،و قطب رحى التدريس و الولاية لأهل البيت،آية الله المولى علي الهمداني المعصومي،آمين يا رب العالمين.

اللهم اجعل هذه الوجيزة خالصا لوجهك،و ذخيرة ليوم التناد،يا رب العباد،أنت الكريم الجواد،و خير من سئل و جاد،يا أرحم الراحمين.

فبعد يقول العبد العاصي أحمد الرحماني الهمداني تراب أقدام المتمسكين بولاية أمير المؤمنين و الأئمة الطاهرين من ولدهـصلوات الله عليهم أجمعين:إن الله تبارك و تعالى فرض الفرائض لا لحاجة منه إليها،لأنهـعز شأنه و جل جلاله لا تنفعه طاعة من أطاعه،و لا تضره معصية من عصاه،بل بمنه و لطفه و رحمته فرض علينا الصلاة و الحج و الزكاة و الصوم و الجهاد و الولاية،و جعل لكل واحد منها شأنا و موضعا.

فانه عز شأنه فرض الصلاة و جعلها من دعائم الاسلام،و عمود إيمانه،و وجه شريعته.فعن النبي صلى الله عليه و آله و سلم«إن عمود الدين الصلاة،و هى أول ما ينظر فيه،فإن صحت ينظر في عمله،و إن لم تصح لم ينظر في بقية عمله (1) ».

و قال الصادق عليه السلام:«أول ما يحاسب به العبد الصلاة،فإن قبلت قبل سائر عمله،و إن ردت رد عليه سائر عمله (2) ».و عن يونس بن يعقوب قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:«حجة أفضل من الدنيا،صلاة فريضة أفضل من ألف حجة (3) ».و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لكل شي‏ء وجه،و وجه دينكم الصلاة (4) ».

و فرض الزكاة تزكية للنفس،و نماء للرزق،و اختبارا للاغنياء،و معونة للفقراء.فعن أبي عبد الله عليه السلام:«لو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا،و لاستغنى بما فرض الله له،و إن الناس ما افتقروا و ما احتاجوا و لا عروا إلا بذنوب الاغنياء (5) ».

و فرض الحج تشييدا للدين،و وفادة إلى الله،و جهادا للضعفاء،و قياما للناس،و تعارفا بينهم،فعن هشام بن الحكم،قال«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن علة الحجـإلى أن قال عليه السلام إن الله خلق الخلق و أمرهم بما يكون من أمر الطاعة و الدين و مصلحتهم من أمر دنياهم،فجعل فيه الاجتماع من الشرق و الغرب ليتعارفوا (6) ».

و فرض الصوم زكاة للجسم،و مسا للعطش و الجوع،و وقاية من الشهوات،و تمرينا للارادة،فقال على بن موسى الرضا عليهما السلام:«فإنما امروا بالصوم لكي يعرفوا ألم الجوع و العطش فيستدلوا على فقر الآخرة (7) ».

و عن أبي عبد الله عليه السلام:«لكل شي‏ء زكاة،و زكاة الأجسام الصيام (8) ».

و فرض الجهاد سياحة للامة،و بابا للجنة،و عزا للآباء،و مجدا للأبناء،فعن عثمان بن مظعون :«قلت لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:إن نفسي تحدثني بالسياحة و أن ألحق بالجبال،فقال :يا عثمان،لا تفعل،فإن سياحة امتي الغزو و الجهاد (9) ».و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم:«اغزوا تورثوا أبناءكم المجد (10) ».

و عن النبي عليه السلام:«الخير كله في السيف و تحت السيف (11) ».

و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم:«خيول الغزاة خيولهم في الجنة (12) ».

و عن علي عليه السلام:«إن الجهاد باب من أبواب الجنة،فتحه الله لخاصة أوليائه (13) ».

و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم:«من مات و لم يغز و لم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق (14) ».

و فرض الولاية و جعلها مفتاحا إلى سبيله،و هاديا إلى جميع الأحكام و الفرائض.

يا اخواني و أصدقائي و أعزائي،إني اشهد الله و أنبيائه و ملائكته و أوليائه أنى أعتقد أم ان كل من اعترف بولاية على بن أبي طالب عليه السلام و أولاده المعصومينـصلوات الله عليهم اجمعين اعترف بولاية الله عز و جل و توحيده،و ولاية محمد صلى الله عليه و آله و سلم و رسالته،و من خلع ثوب الولاية لعلي و اولاده الكرام خلع ثوب ولاية الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم،لأن الله عز و جل جعل ولاية علي عليه السلام بحيث إن لم تبلغ ما بلغ رسوله صلى الله عليه و آله و سلم رسالته،و إذا ما بلغت الرسالة فما بلغ الإسلام أصلا.

أيها القارى‏ء العزيز،انظر بعين الانصاف هذه الآية و أقوال المفسرين من العامة في شأنها قال الله عز و جل:/يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين/ (15) .

قال شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي(المتوفى سنة 1270)في تفسيره روح المعاني (ج 6:ص 189،ط بيروت):قيل:إن المراد(من الآية)إن تركت تبليغ ما انزل‏إليك حكم عليك لم تبلغ أصلا.

و قال أيضا في ص 193:عن ابن عباسـرضى الله عنهـ:نزلت هذه الآية في عليـكرم الله وجههـحيث أمر سبحانه أن يخبر الناس بولاية علي عليه السلام(يوم غدير خم)،فتخوف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن يقولوا:حابى (16) ابن عمه و أن يطعنوا في ذلك عليه،فأوحى الله إليه هذه الاية.فقام بولايته يوم غدير خم و أخذ بيده فقالـعليه الصلاة و السلام:«من كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم و ال من والاه،و عاد من عاداه».

و قال الشيخ محمد عبده في تفسيره المنار(ج 6:ص 463):روى ابن أبي حاتم،و ابن مردويه،و ابن عساكر،عن أبي سعيد الخدري:أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب عليه السلام .

و قال جلال الدين السيوطي في تفسير الدر المنثور(ج 2:ص 298،ط بيروت):عن ابن مردويه،عن ابن مسعود،قال:كنا نقرأ في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك(أن عليا مولى المؤمنين)و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس».

و أيضا عن ابن أبي حاتم،و ابن مردويه،و ابن عساكر،عن أبي سعيد الخدري،قال:نزلت هذه الاية (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك)على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم غدير خم (17) .

و قال فخر الدين الرازي الشافعي(المتوفى سنة 606)في تفسيره(ج 12:ص 49،ط مصر):ذكر المفسرون في سبب نزول الاية وجوهاـو ساق الكلام إلى أن قال العاشر:نزلت الاية في فضل علي بن أبى طالب عليه السلام.و لما نزلت هذه الاية أخذ بيده و قال:«من كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم و ال من والاه،و عاد من عاداه».فلقيه عمر فقال:هنيئا لك يا ابن أبى طالب،أصحبت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة.و هو قول ابن عباس،و البراء بن عازب،و محمد بن علي عليه السلام .

و قال الحافظ أبو القاسم الحسكاني الحنفي من أعلام القرن الخامس الهجري في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل(ج 1:ص 188،ط بيروت):عن أبي إسحاق الحميدي قال:نزلت هذه الاية في علي بن أبى طالب عليه السلام/يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك/.

و قال أيضا في ص 192:عن إبن عباس،و جابر بن عبد الله،قالا:أمر الله محمدا صلى الله عليه و آله و سلم أن ينصب عليا للناس ليخبرهم بولايته فتخوط رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن يقولوا:حابى ابن عمه،و أن يطعنوا في ذلك عليه.فأوحى الله إليه:«يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك الاية».فقام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بولايته يوم غدير.

أخي العزيز!إذا لاحظت الأقوال المذكورة من تفاسير العامة فلاحظ نظر العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان.قالـرحمه اللهـ(ج 6:ص 47):فليس إستلزام عدم تبليغ هذا الحكم(أي ما انزل من ربك)لعدم تبليغ غيره من الأحكام،إلا لمكان أهميته،و وقوعه من الأحكام،في موقع لو أهمل أمره كان ذلك في الحقيقة إهمالا لأمر سائر الأحكام،و صيرورتها كالجسد العادم للروح التي بها الحياة الباقية،و الحس و الحركة،و تكون الاية حينئذ كاشفة عن أن الله سبحانه كان قد أمر رسوله صلى الله عليه و آله و سلم بحكم يتم به أمر الدين،و يستوي به على عريشة القرار.و كان من المترقب أن يخالفه الناس،و يقلبوا الأمر على النبي صلى الله عليه و آله و سلم بحيث تنهدم أركان ما بناه من بنيان الدين،و تتلاشى أجزاؤه.و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يتفرس ذلك و يخافهم على دعوته،فيوخر تبليغه إلى حين بعد حين ليجد له ظرفا صالحا و جوا آمنا عسى أن تنجح فيه دعوته و لا يخيب مسعاه.فآمره بتبليغ عاجل،و بين له أهمية الحكم،و وعده أن يعصمه من الناس(أي عصمه الله من أن يعرض موضع التهمة و أن يقولوا:إنه سلطان لا نبي،و إلا لا يخاف النبي لنفسه،قال الله عز و جل:/الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون احدا الا الله و كفى بالله حسيبا/ (18) ،ـو ساق الكلام إلى أن قالـو هذا يؤيد ما وردت به النصوص من طرق الفريقين أن الاية نزلت في أمر ولاية علي،و أن الله أمر بتبليغها،و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يخاف أن يتهموه في ابن عمه...

تعليقات:

1ـالوسائل،ج 3:ص .23

2ـالمصدر،ج 3:ص .22

3ـالوسائل،ج 3:ص .22

4ـالوسائل،ج 3:ص .16

5ـالمصدر،ج 6:ص .4

6ـالوسائل،ج 8:ص .9

7ـالمصدر،ج 7:ص .4

8ـالمصدر،ج 7:ص .3

9ـالمصدر،ج 11،ص .10

10ـالوسائل،ج 11:ص .9

11ـالمصدر السابق.

12ـالمصدر،ج 11:ص .11

13ـنهج البلاغة،ج .27

14ـالمنتهى للعلامة الحلي،كتاب الجهاد.

15ـالمائدة: .67

16ـحاباة:نصره،اختصه دون سواه،مال اليه.

17ـالدر المنثور،ج 2:ص .298

18ـالاحزاب: .39