الباب الخامس: التبرى عن اعداء على عليه السلام و لعنهم

.قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:من تأثم أن يلعن من لعنه الله فعليه لعنة الله (1) .

2.عن ابن عباس،قال:إن لعلي بن أبي طالب في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس،قوله/فأذن مؤذن بينهم/ (2) فهو المؤذن بينهم،يقول:ألا لعنه الله على الذين كذبوا بولايتى و استخفوا بحقي (3) .

3.عن علي بن عاصم الكوفي الأعمى قالـبعد كلام طويلـقلت له(لأبي محمد العسكري عليه السلام) :إني عاجز عن نصرتكم بيدي،و ليس أملك غير موالاتكم،و البرائة من أعدائكم،و اللعن لهم في خلواتي،فكيف حالي،يا سيدي؟فقال عليه السلام:حدثني أبي،عن جدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،قال:من ضعف على(عنـظ)نصرتنا أهل البيت،و لعن في خلواته أعدائنا بلغ الله صوته إلى جميع الملائكة،فكلما لعن أحدكم أعدائنا صاعدته الملائكة و لعنوا من لا يلعنهم،فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له و أثنوا عليه،و قالوا:اللهم صل على روح‏عبدك هو الذي بذل في نصرة أوليائه جهده،و لو قدر على أكثر من ذلك لفعل،فاذا النداء من قبل الله تعالى يقول:يا ملائكتي!إني قد أجبت دعائكم في عبدي هذا،و سمعت ندائكم،و صليت على روحه مع أرواح الأبرار،و جعلته من المصطفين الأخيار (4) .

4.قال العالم العامل العابد الزاهد سيد العارفين رضى الدين،سيد بن طاوس رحمه الله:عن محمد بن اسماعيل بن بزيع،عن الرضا عليه السلام،و بكير بن صالح،عن سليمان بن جعفر،عن الرضا عليه السلام،قالا:دخلنا عليه و هو ساجد في سجدة الشكر،فأطال في سجوده،ثم رفع رأسه فقلنا له:أطلت السجود،فقال:من دعا في سجدة الشكر بهذا الدعاء كان كالرامي مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم بدر (5) قالا:قلنا فنكتبه؟قال:اكتبا:إذا أنتما سجدتما سجدة الشكر فتقولا:

اللهم العن اللذين بدلا دينك،و غيرا نعمتك،و اتهما رسولك صلى الله عليه و آله و سلم،و خالفا ملتك،و صدا عن سبيلك،و كفرا آلائك،و ردا عليك كلامك،و استهزءا برسولك،و قتلا ابن نبيك،و حرفا كتابك،و جحدا آياتك،و سخرا باياتك،و استكبرا عن عبادتك،و قتلا أوليائك،و جلسا في مجلس لم يكن لهما بحق،و حملا الناس على أكتاف آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم.اللهم العنهما يتلو بعضهم بعضا،و احشرهما و أتباعهما إلى جهنم زرقا.اللهم انا نتقرب اليك باللعنة لهما،و البرائة منهما في الدنيا و الآخرة.اللهم العن قتلة أمير المؤمنين،و قتلة الحسين بن علي،و ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.اللهم زدهما عذابا فوق عذاب،و هوانا فوق هوان،و ذلا فوق ذل،و خزيا فوق خزي.اللهم دعهما في النار دعا،و اركسهمافي اليم عقابك ركسا.اللهم احشرهما و اتباعهما إلى جهنم زمرا.اللهم فرق جمعهم،و شتت امرهم،و خالف بين كلمتهم،و بدد جماعتهم،و العن ائمتهم،و اقتل قادتهم و سادتهم و كبرائهم،و العن رؤسائهم،و اكسر رايتهم،و الق البأس بينهم،و لا تبق منهم ديارا،اللهم العن ابا جهل و الوليد لعنا يتلو بعضه بعضا و يتبع بعضه بعضا.اللهم العنهما لعنا يلعنهما به كل ملك مقرب و كل نبى مرسل و كل مؤمن امتحنت قلبه للايمان.اللهم العنهما لعنا يتعوذ منه اهل النار.اللهم العنهما لعنا لم يخطر لاحد ببال.اللهم العنهما في مستسر سرك،و ظاهر علانيتك،و عذبهما عذابا في التقدير،و شارك معهما ابنتيهما و اشياعهما و محبيهما و من شايعهما،إنك سميع الدعاء (6) .

5ـعن أبي حمزة الثمالي:عن على بن الحسين عليه السلام،قال:من لعن الجبت و الطاغوت لعنة واحدة كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة،و محى عنه سبعين ألف ألف سيئة،و رفع له سبعين ألف ألف درجة.و من أمسى يلعنهما لعنة واحدة كتب له مثل ذلك.فمضى مولانا علي بن الحسين عليه السلام،فدخلت على مولانا أبي جعفر الباقر فقلت:يا مولاي!حديث سمعته من أبيك،فقال :هات يا ثمالي...! (7) .

6ـعن الحسين بن ثوير،و ابن سلمة السراج قالا:سمعنا أبا عبد الله و هو يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال،و أربعا من النساء:فلانا و فلانا و فلانا و يسميهم،و معاوية و فلانة و فلانة و هندا و ام الحكم أخت معاوية (8) .

7ـعن جابر،عن أبي جعفر عليه السلام:إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة فلا تنحرف إلابانصراف لعن بني أمية (9) .

8ـعن أبي عبد الله عليه السلام،في حديث:أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قد قنت و دعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم و عشائرهم،و فعله علي عليه السلام بعده (10) .

9ـعن علي عليه السلام:أنه قنت في الصبح فلعن معاوية و عمرو بن العاص و أبا موسى و أبا الأعور و أصحابهم (11) .

10ـو في حديث آخر أنه عليه السلام صلى بالناس المغرب فقنت في الركعة الثانية،و لعن معاوية و عمرو العاص و أبا موسى الأشعري و أبا الأعور السلمي.

11ـوـايضاـ:كان علي عليه السلام بعد الحكومة إذا صلى الغداة و المغرب و فرغ من الصلاة و سلم قال:اللهم العن معاوية و عمرا و أبا موسى و حبيب بن سلمة و عبد الرحمن بن خالد و الضحاك بن قيس و الوليد بن عقبة (12) .

12ـعلي بن ابراهيم،عن أبيه،عن ابن أبى عمير،عن محمد بن حكيم،قال:قلت لأبى الحسن موسى عليه السلام:جعلت فداك،فقهنا في الدين،و أغنانا الله بكم عن الناس حتى إن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة و يحضره جوابها فيما من الله علينا بكم،فربما ورد علينا الشي‏ء لم يأتنا فيه عنك و لا عن آبائك شي‏ء فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا،و أوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به،فقال:هيهات هيهات،في ذلك و الله هلك من هلك يابن حكيم!قال:ثم قال:لعن الله أبا حنيفة،كان يقول:قال علي،و قلت (13) .

13ـعن إسحاق بن عمار الصيرفي،عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال:قلت:جعلت فداك حدثني فيهما بحديث،فقد سمعت عن أبيك فيهما أحاديث عدة،قال:فقال لي:يا إسحاق الأول بمنزلة العجل،و الثاني بمنزلة السامري،قال:قلت:جعلت فداك زدني فيهما،قال:هما و الله نصرا و هودا و مجسا،فلا غفر الله ذلك لهما.قال:قلت:جعلت فداك زدنى فيهما،قال:ثلاثة لا ينظر الله إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم.قال:قلت:جعلت فداك فمن هم؟قال:رجل ادعى إماما من غير الله،و آخر طعن فى إمام من الله،و آخر زعم أن لهما في الإسلام نصيبا.قال:قلت:جعلت فداك زدنى فيهما،قال:ما أبالى يا إسحاق،محوت المحكم من كتاب الله أو جحدت محمدا صلى الله عليه و آله و سلم النبوة أو زعمت أن ليس في السماء إله،أو تقدمت على علي بن أبي طالب عليه السلام.

قال:قلت:جعلت فداك زدني،قال:فقال لي:يا إسحاق إن في النار لواديا يقال له:سقر،لم يتنفس منذ خلقه الله،لو أذن الله له في التنفس بقدر مخيط (14) لأحرق من على وجه الأرض،و إن أهل النار يتعوذون من حر ذلك الوادي و نتنه و قذره و ما أعد الله فيه لأهله،و إن في ذلك الوادي لجبلا يتعوذ جميع أهل ذلك الوادي من حر ذلك الجبل و نتنه و قذره و ما أعد الله فيه لأهله،و إن في ذلك الجبل لشعبا يتعوذ جميع أهل ذلك الجبل من حر ذلك الشعب و نتنه و قذره و ما أعد الله فيه لأهله،و إن فى ذلك الشعب لقليبا يتعوذ أهل ذلك الشعب من حر ذلك القليب و نتنه و قذره و ما أعد الله فيه لأهله،و إن في ذلك القليب لحية يتعوذ جميع أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية و نتنها و قذرها و ما أعد الله عز و جل في أنيابها من السم لأهلها،و إن في جوف تلك الحية لسبع صناديق فيها خمسة من الامم السالفة و اثنان من هذه الامة،قال:قلت،جعلت فداك و من الخمسة؟و من الاثنان؟قال :أما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل،و نمرود الذي حاج إبراهيم فى‏ربه،قال:/أنا أحيى و أميت/ (15) ،و فرعون الذي قال:/أنا ربكم الأعلى/ (16) ،و يهودا الذى هود اليهود،و بولس الذي نصر النصارى،و من هذه الامة أعرابيان (17) .

14ـأقول:يعجبني في هذا الموقف نقل ما ذكره ابن أبي الحديد (18) ،فمن قرأه و تدبر فيه يكفيه.قال:

و حضرت عند النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري في سنة إحدى عشرة و ستمائة ببغداد،و عنده جماعة،و أحدهم يقرأ في«الأغاني»لأبي الفرج،فمر ذكر المغيرة بن شعبة و خاض القوم،فذمه بعضهم،و أثنى عليه بعضهم،و أمسك عنه آخرون،فقال بعض فقهاء الشيعة ممن كان يشتغل بطرف من علم الكلام على رأى الأشعري:الواجب الكف و الإمساك عن الصحابة و عما شجر بينهم،فقد قال أبو المعالي الجويني:إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن ذلك،و قال:«إياكم و ما شجر بين صحابتي»،و قال:«دعوا لي أصحابي،فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا لما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه»،و قال:«أصحابي كالنجوم،بأيهم اقتديتم اهتديتم»،و قال:«خيركم القرن الذي أنا فيه،ثم الذي يليه،ثم الذي يليه،ثم الذي يليه»،و قد ورد في القرآن الثناء على الصحابة و على التابعين،و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«و ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر،فقال:اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»،و قد روي عن الحسن البصري أنه ذكر عنده الجمل و صفين،فقال:تلك دماء طهر الله منها أسيافنا،فلا نلطخ بها ألسنتنا .

ثم إن تلك الأحوال قد غابت عنا و بعدت أخبارها على حقائقها،فلا يليق بنا أن نخوض فيها،و لو كان واحد من هؤلاء قد أخطأ لوجب‏[أن يحفظرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فيه،و من المرؤة]أن يحفظ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في عائشة زوجته،و في الزبير ابن عمته،و في طلحة الذي وقاه بيده.ثم ما الذي ألزمنا و أوجب علينا أن نلعن أحدا من المسلمين أو نبرأ منه!و أي ثواب في اللعنة و البراءة!إن الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف:لم لم تلعن؟بل قد يقول له:لم لعنت؟و لو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصيا و لا آثما،و إذا جعل الإنسان عوض اللعنة«أستغفر الله»كان خيرا له.ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور الخاصة،و اولئك قوم كانوا أمراء هذه الامة و قادتها،و نحن اليوم في طبقة سافلة جدا عنهم،فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم!أليس يقبح من الرعية أن تخوض في دقائق امور الملك و أحواله و شؤونه التي تجري بينه و بين أهله و بنى عمه و نسائه و سراريه!و قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم صهرا لمعاوية،و اخته أم حبيبة تحته،فالأدب أن تحفظ أم حبيبة و هي ام المؤمنين في أخيها.

و كيف يجوز أن يلعن من جعل الله تعالى بينه و بين رسوله مودة!أليس المفسرون كلهم قالوا :هذه الآية أنزلت في أبي سفيان و آله،و هي قوله تعالى:/عسى الله أن يجعل بينكم و بين الذين عاديتم منهم مودة/ (19) !فكان ذلك مصاهرة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أبا سفيان و تزويجه ابنته.على أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم و المشاجرة لم يثبت،و ما كان القوم إلا كبني أم واحدة،و لم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط،و لا وقع بينهم اختلاف و لا نزاع.

فقال أبو جعفر رحمه الله:قد كنت منذ أيام علقت بخطي كلاما وجدته لبعض الزيدية في هذا المعنى نقضا و ردا على أبي المعالى الجويني فيما اختاره لنفسه من هذا الرأي،و أنا أخرجه إليكم لأستغني بتأمله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه،فإني أجد ألما يمنعنى من الإطالة في الحديث،لا سيما إذا خرج مخرج الجدل ومقاومة الخصوم.ثم أخرج من بين كتبه كراسا قرأناه في ذلك المجلس و استحسنه الحاضرون،و أنا أذكر هاهنا خلاصته.

قال:لو لا أن الله تعالى أوجب معاداة أعدائه،كما أوجب موالاة أوليائه،و ضيق على المسلمين تركها إذا دل العقل عليها،أو صح الخبر عنها بقوله سبحانه:/لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الأخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم/ (20) ،و بقوله تعالى:/و لو كانوا يؤمنون بالله و النبي و ما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء/ (21) ،و بقوله سبحانه:/لا تتولوا قوما غضب الله عليهم/ (22) ،و لإجماع المسلمين على أن الله تعالى فرض عداوة أعدائه،و ولاية أوليائه،و على أن:البغض في الله واجب،و الحب في الله واجبـلما تعرضنا لمعاداة أحد من الناس في الدين،و لا البرائة منه،و لكانت عداوتنا للقوم تكلفا.و لو ظننا أن الله عز و جل يعذرنا إذ قلنا:يا رب!غاب أمرهم عنا،فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى،لاعتمدنا على هذا العذر،و واليناهم،و لكنا نخاف أن يقول سبحانه لنا:إن كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم،فلم يغب عن قلوبكم و أسماعكم،قد أتتكم به الأخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الإقرار بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم و موالاة من صدقه،و معاداة من عصاه و جحده،و أمرتم بتدبر القرآن و ما جاء به الرسول،فهلا حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غدا:/ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا فأضلونا السبيلا/ (23) !

فأما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها،و أوجبها،ألا ترى إلى قوله:/أولئك//يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون/ (24) ،فهو إخبار معناه الأمر،كقوله:/و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء/ (25) ،و قد لعن الله تعالى العاصين بقوله:/لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود/ (26) ،و قوله:/إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذابا مهينا/ (27) ،و قوله:/ملعونين أينما ثقفوا أخذوا و قتلوا تقتيلا/ (28) ،و قال الله تعالى لإبليس:/و إن عليك لعنتي إلى يوم الدين/ (29) ،و قال:/إن الله لعن الكافرين و أعد لهم سعيرا/ (30) .

فأما قول من يقول:«أي ثواب في اللعن!و إن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن؟بل قد يقول له:لم لعنت؟و أنه لو جعل مكان لعن الله فلانا،اللهم اغفرلي لكان خيرا له،و لو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يؤاخذ بذلك»،فكلام جاهل لا يدري ما يقول،اللعن طاعة،و يستحق عليها الثواب إذا فعلت على وجهها،و هو أن يلعن مستحق اللعن لله و في الله،لا في العصبية و الهوى،ألا ترى أن الشرع قد ورد بها في نفى الولد،و نطق بها القرآن،و هو أن يقول الزوج في الخامسة:/أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين/ (31) فلو لم يكن الله تعالى يريد أن يتلفظ عباده بهذه اللفظة،و أنه قد تعبدهم بها،لما جعلها من معالم الشرع،و لما كررها في كثير من كتابه العزيز،و لما قال في حق القاتل:/و غضب الله عليه و//لعنه/ (32) ،و ليس المراد من قوله:«و لعنه»إلا الأمر لنا بأن نلعنه،و لو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه،لأن الله تعالى قد لعنه،أفيلعن الله تعالى إنسانا و لا يكون لنا أن نلعنه !هذا ما لا يسوغ في العقل،كما لا يجوز أن يمدح الله إنسانا إلا و لنا أن نمدحه،و لا يذمه إلا و لنا أن نذمه،و قال تعالى:/هل انبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله/ (33) ،و قال:/ربنا آتهم ضعفين من العذاب و العنهم لعنا كبيرا/ (34) ،و قال عز و جل:/و قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا/ (35) .و كيف يقول القائل:إن الله تعالى لا يقول للمكلف:لم لم تلعن؟ألا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه،و أمر بعداوة أعدائه،فكما يسأل عن التولي يسأل عن التبري !ألا ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بأن يقال له:تلفظ بكلمة الشهادتين،ثم قل:برئت من كل دين يخالف دين الإسلام،فلا بد من البرائة،لأن بها يتم العمل!ألم يسمع هذا القائل قول الشاعر:

تود عدوي ثم تزعم أننى‏ 
صديقك،إن الرأى عنك لعازب

فمودة العدو خروج عن ولاية الولي،و إذا بطلت المودة لم يبق إلا البرائة،لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى و عصاته بألا يودهم و لا يبرأ منهم بإجماع المسلمين على نفي هذه الواسطة.

و أما قوله:«لو جعل عوض اللعنة أستغفر الله لكان خيرا له»،فإنه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره و لا قبل منه،لأنه يكون عاصيا لله تعالى،مخالفا أمره في أمساكه عمن أوجب الله تعالى عليه البرائة منه،وإظهار البرائة،و المصر على بعض المعاصى لا تقبل توبته و استغفاره عن البعض الآخر،و أما من يعيش عمره و لا يلعن إبليس،فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر،و إن كان يعتقد وجوب لعنه و لا يلعنه فهو مخطى‏ء،على أن الفرق بينه و بين ترك لعنه رؤوس الضلال في هذه الأمة كمعاوية و المغيرة و أمثالهما،أن أحدا من المسلمين لا يورث عنده الإمساك عن لعن إبليس شبهة في أمر إبليس،و الإمساك عن لعن هؤلاء و أضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم،و تجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب،فلهذا لم يكن الإمساك عن لعن إبليس نظير الإمساك عن أمر هؤلاء.

قال:ثم يقال للمخالفين:أرأيتم لو قال قائل:قد غاب عنا أمر يزيد بن معاوية و الحجاج بن يوسف،فليس ينبغي أن نخوض في قصتهما،و لا أن نلعنهما و نعاديهما و نبرأ منهما،هل كان هذا إلا كقولكم:قد غاب عنا أمر معاوية و المغيرة بن شعبة و أضرابهما،فليس لخوضنا في قصتهم معنى!

و بعد،فكيف أدخلتم أيها العامة و الحشوية و أهل الحديث أنفسكم في أمر عثمان و خضتم فيه،و قد غاب عنكم!و برئتم من قتلته،و لعنتموهم!و كيف لم تحفظوا أبابكر الصديق في محمد ابنه فأنكم لعنتموه و فسقتموه،و لا حفظتم عائشة أم المؤمنين في أخيها محمد المذكور،و منعتمونا أن نخوض و ندخل أنفسنا في أمر علي و الحسن و الحسين و معاوية الظالم له و لهما،المتغلب على حقه و حقوقهما!و كيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم،و لعن ظالم علي و الحسن و الحسين تكلفا!و كيف أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة و برئت ممن نظر إليها،و من القائل لها:يا حميراء!أو إنما هي حميراء،و لعنته بكشفه سترها،و منعتنا نحن عن الحديث في أمر فاطمة و ما جرى لها بعد وفاة أبيها!فإن قلتم:إن بيت فاطمة إنما دخل،و سترها إنما كشف،حفظا لنظام الإسلام،و كيلا ينتشر الأمر و يخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة (36) الطاعة و لزوم الجماعة.

قيل لكم:و كذلك ستر عائشة إنما كشف،و هودجها إنما هتك،لأنها نشرت حبل الطاعة (37) ،و شقت عصا المسلمين،و أراقت دماء المسلمين من قبل وصول علي بن أبي طالب عليه السلام إلى البصرة،و جرى لها مع عثمان بن حنيف و حكيم بن جبلة و من كان معهما من المسلمين الصالحين من القتل و سفك الدماء ما تنطق به كتب التواريخ و السير،فإذا جاز دخول بيت فاطمة لأمر لم يقع بعد جاز كشف ستر عائشة على ما قد وقع و تحقق،فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب معها التخليد فى النار،و البرائة من فاعله،و من أوكد عرى الإيمان،و صار كشف بيت فاطمة و الدخول عليها منزلها و جمع حطب ببابها،و تهددها بالتحريق من أوكد عرى الدين،و أثبت دعائم الإسلام،و مما أعز الله به المسلمين و أطفأ به نار الفتنة،و الحرمتان واحدة،و الستران واحد!و ما نحب أن نقول لكم:إن حرمة فاطمة أعظم،و مكانها أرفع،و صيانتها لأجل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أولى،فإنها بضعة منه،و جزء من لحمه و دمه،و ليست كالزوجة الأجنبية التي لا نسب بينها و بين الزوج،و إنما هي وصلة مستعارة،و عقد يجري مجرى إجارة المنفعة،و كما يملك رق الأمة بالبيع و الشراء،و لهذا قال الفرضيون:أسباب التوارث ثلاثة:سبب،و نسب،و ولاء،فالنسب القرابة،و السبب النكاح،و الولاء:ولاء العتق،فجعلوا النكاح خارجا عن النسب،و لو كانت الزوجة ذات نسب لجعلوا الأقسام الثلاثة قسمين.و كيف تكون عائشة أو غيرها في منزلة فاطمة،و قد أجمع المسلمون كلهم من يحبها و من لا يحبها منهم أنها سيدة نساء العالمين!

قال:و كيف يلزمنا اليوم حفظ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في زوجته،و حفظ أم حبيبة في أخيها،و لم تلزم الصحابة أنفسها حفظ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فى أهل بيته،و لا ألزمت الصحابة أنفسها حفظ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في صهره و ابن عمه عثمان بن عفان،و قد قتلوهم و لعنوهم،و لقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان و هو خليفة،منهم عائشة كانت تقول:اقتلوا نعثلا،لعن الله نعثلا،و منهم عبد الله بن مسعود،و قد لعن معاوية على بن أبي طالب و ابنيه حسنا و حسينا و هم أحياء يرزقون بالعراق،و هو يلعنهم بالشام على المنابر،و يقنت عليهم في الصلوات،و قد لعن أبوبكر و عمر سعد بن عبادة و هو حي،و برئا منه،و أخرجاه من المدينة إلى الشام،و لعن عمر خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة،و ما زال اللعن فاشيا في المسلمين إذا عرفوا من الإنسان معصية تقتضي اللعن و البرائة.

قال:و لو كان هذا أمرا معتبرا و هو أن يحفظ زيد لأجل عمرو فلا يلعن،لوجب أن تحفظ الصحابة في أولادهم،فلا يلعنوا لأجل آبائهم،فكان يجب أن يحفظ سعد بن أبي وقاص فلا يلعن ابنه عمر بن سعد قاتل الحسين،و أن يحفظ معاوية فلا يلعن يزيد صاحب وقعة الحرة و قاتل الحسين،و مخيف المسجد الحرام بمكة،و أن يحفظ عمر بن الخطاب في عبيد الله ابنه قاتل الهرمزان،و المحارب عليا عليه السلام في صفين.

قال:على أنه لو كان الإمساك عن عداوة من عادى الله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من حفظ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في أصحابه و رعاية عهده و عقده لم نعادهم و لو ضربت رقابنا بالسيوف،و لكن محبة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لأصحابه ليست كمحبةالجهال الذين يضع أحدهم محبته لصاحبه موضع العصبية،و إنما أوجب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم محبة أصحابه لطاعتهم لله،فإذا عصوا الله و تركوا ما أوجب محبتهم فليس عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم محاباة في ترك لزوم ما كان عليه من محبتهم،و لا تغطرس في العدول عن التمسك بموالاتهم،فلقد كان صلى الله عليه و آله و سلم يحب أن يعادى أعداء الله و لو كانوا عترته،كما يحب أن يوالي أولياء الله و لو كانوا أبعد الخلق نسبا منه،و الشاهد على ذلك إجماع الأمة على أن الله تعالى قد أوجب عداوة من ارتد بعد الإسلام،و عداوة من نافق و إن كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،و أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هو الذي أمر بذلك و دعا إليه و ذلك أنه صلى الله عليه و آله و سلم قد أوجب قطع السارق و ضرب القاذف،و جلد البكر إذا زنى،و إن كان من المهاجرين أو الأنصار،ألا ترى أنه قال:لو سرقت فاطمة لقطعتها،فهذه ابنته الجارية مجرى نفسه،لم يحابها في دين الله،و لا راقبها في حدود الله،و قد جلد أصحاب الإفك،و منهم مسطح بن أثاثة،و كان من أهل بدر.

قال:و بعد،فلو كان محل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم محل من لا يعادى إذا عصى الله سبحانه و لا يذكر بالقبيح،بل يجب أى يراقب لأجل اسم الصحبة،و يغضى عن عيوبه و ذنوبه،لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثناؤه في القرآن لما اتبع هواه،فانسلخ مما أوتي من الآيات و غوى،قال سبحانه:/و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين/ (38) ،و لكان ينبغي أن يكون محل عبدة العجل من أصحاب موسى هذا المحل،لأن هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولا جليلا من رسل الله سبحانه.

قال:و لو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة،لعلمت ذلك من حال أنفسها،لأنهم أعرف بمحلهم من عوام أهل دهرنا،و إذا قدرت أفعال بعضهم‏ببعض دلتك على أن القصة كانت على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم،هذا علي و عمار،و أبو الهيثم بن التيهان،و خزيمة بن ثابت،و جميع من كان مع علي عليه السلام من المهاجرين و الأنصار،لم يروا أن يتغافلوا عن طلحة و الزبير حتى فعلوا بهما و بمن معهما ما يفعل بالشراة في عصرنا.و هذا طلحة و الزبير و عائشة و من كان معهم و في جانبهم لم يروا أن يمسكوا عن علي،حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا،و هذا معاوية و عمرو لم يريا عليا بالعين التي يرى بها العامي صديقه أو جاره،و لم يقصرا دون ضرب وجهه بالسيف و لعنه و لعن أولاده و كل من كان حيا من أهله،و قتل أصحابه،و قد لعنهما هوـأيضاـفي الصلوات المفروضات،و لعن معهما أبا الأعور السلمي،و أبا موسى الأشعري،و كلاهما من الصحابة و هذا سعد بن أبي وقاص،و محمد بن مسلمة،و اسامة بن زيد،و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل،و عبد الله بن عمر،و حسان بن ثابت،و أنس بن مالك،لم يروا أن يقلدوا عليا في حرب طلحة،و لا طلحة في حرب علي،و طلحة و الزبير بإجماع المسلمين أفضل من هؤلاء المعدودين،لأنهم زعموا أنهم قد خافوا أن يكون علي قد غلط و زل في حربهما،و خافوا أن يكونا قد غلطا و زلا في حرب علي.و هذا عثمان قد نفى أباذر إلى الربذة كما يفعل بأهل الخنا و الريب.و هذا عمار و ابن مسعود تلقيا عثمان بما تلقياه به لما ظهر لهماـبزعمهماـمنه ما وعظاه لأجله،ثم فعل بهما عثمان ما تناهى إليكم،ثم فعل القوم بعثمان ما قد علمتم و علم الناس كلهم.و هذا عمر يقول في قصة الزبير بن العوام لما استأذنه فى الغزو:ها إني ممسك بباب هذا الشعب أن يتفرق أصحاب محمد في الناس فيضلوهم،و زعم أنه و أبوبكر كانا يقولان:إن عليا و العباس في قصة الميراث زعماهما كاذبين ظالمين فاجرين،و ما رأينا عليا و العباس اعتذرا و لا تنصلا،و لا نقل أحد من أصحاب الحديث ذلك،و لا رأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:أنكروا عليهما ما حكاه عمر عنهما،و نسبه إليهما،و لا أنكروا أيضا على عمر قوله في‏أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:إنهم يريدون إضلال الناس و يهمون به،و لا أنكروا على عثمان دوس بطن عمار،و لا كسر ضلع ابن مسعود،و لا على عمار و ابن مسعود ما تلقيا به عثمان،كإنكار العامة اليوم الخوض في حديث الصحابة،و لا اعتقدت الصحابة في أنفسها ما يعتقده العامة فيها،اللهم إلا أن يزعموا أنهم أعرف بحق القوم منهم.و هذا علي و فاطمة و العباس ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية:«نحن معاشر الأنبياء لا نورث»،و يقولون إنها مختلقة.

قالوا:و كيف كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يعرف هذا الحكم غيرنا و يكتمه عنا و نحن الورثة،و نحن أولى الناس بأن يؤدي هذا الحكم إليه!و هذا عمر بن الخطاب يشهد لأهل الشورى أنهم النفر الذين توفى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو عنهم راض،ثم يأمر بضرب أعناقهم إن أخروا فصل حال الإمامة،هذا بعد أن ثلبهم،و قال في حقهم ما لو سمعته العامة اليوم من قائل لوضعت ثوبه فى عنقه سحبا إلى السلطان،ثم شهدت عليه بالرفض و استحلت دمه،فإن كان الطعن على بعض الصحابة رفضا فعمر بن الخطاب أرفض الناس و إمام الروافض كلهم .ثم ما شاع و اشتهر من قول عمر:«كانت بيعة أبى بكر فلتة،وقى الله شرها،فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه»،و هذا طعن فى العقد،و قدح في البيعة الأصلية.

ثم ما نقل عنه من ذكر أبي بكر في صلاته،و قوله عن عبد الرحمن ابنه:«دويبة سوء و لهو خير من أبيه».ثم عمر القائل في سعد بن عبادةـو هو رئيس الأنصار و سيدهاـ:«اقتلوا سعدا،قتل الله سعدا،اقتلوه فإنه منافق».و قد شتم أبا هريرة و طعن فى روايته،و شتم خالد بن الوليد و طعن فى دينه،و حكم بفسقه و بوجوب قتله،و خون عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان و نسبهما إلى سرقة مال الفى‏ء و اقتطاعه،و كان سريعا إلى المساءة،كثير الجبه و الشتم و السب لكل أحد،و قل أن يكون في الصحابة من سلم من معرة لسانه أو يده،و لذلك أبغضوه و ملوا أيامه مع كثيرة الفتوح فيها،فهلا احترم عمر الصحابة كما تحترمهم العامة!إما أن يكون عمرمخطئا،و إما أن تكون العامة على الخطأ!

فإن قالوا:عمر ما شتم و لا ضرب،و لا أساء إلا إلى عاص مستحق لذلك،قيل لهم:فكأنا نحن نقول:إنا نريد أن نبرأ و نعادي من لا يستحق البرائة و المعاداة؟!كلا،ما قلنا هذا و لا يقول هذا مسلم و لا عاقل.

و إنما غرضنا الذي نجري بكلامنا هذا أن نوضح أن الصحابة قوم من الناس لهم ما للناس،و عليهم ما عليهم،من أساء منهم ذممناه،و من أحسن منهم حمدناه،و ليس لهم على غيرهم من المسلمين كبير فضل إلا بمشاهدة الرسول و معاصرته لا غير،بل ربما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم،لأنهم شاهدوا الأعلام و المعجزات،فقربت اعتقاداتهم من الضرورة،و نحن لم نشاهد ذلك،فكانت عقائدنا محض النظر و الفكر،و بعرضية الشبه و الشكوك،فمعاصينا أخف لأنا أعذر.

المستدرك لصفحة 42

حديث الغدير

قال ابن كثير في«البداية و النهاية»ج 1،ص 208:و قد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري،صاحب التفسير و التاريخ فجمع فيه مجلدين و أورد فيهما طرقه و ألفاظه (39) .

قال العلامة المقبلي المترجم ص 142(في الغدير ج 1)بعد سرده لبعض طرق هذا الحديث:فإن لم يكن هذا معلوما فما في الدين معلوم.

و قال السيد الأمير محمد الصنعاني،المذكور في«الروضة الندية شرح تحفة العلوية»:و حديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة الحديث.قال الحافظ الذهبي في«تذكرة الحفاظ»،في ترجمة الطبري :ألف محمد بن جرير فيه كتابا.و قال الذهبي وفقت عليه فاندهشت لكثرة طرقه (40) .

قال العلامة الشيخ سليمان الحنفي:حكي عن أبي المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين استاذ أبي حامد الغزاليـرحمهما اللهـيتعجب و يقول:رأيت مجلدا في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم مكتوبا عليه المجلدة الثامنة و العشرون من طرق قوله صلى الله عليه و آله و سلم:«من كنت مولاه فعلي مولاه»و يتلوه المجلدة التاسعة و العشرون (41) .

قال العلامة ابن المغازلي الشافعي(المتوفى سنة 483).عن شهر بن حوشب،عن أبي هريرة،قال :من صام يوم ثمانية عشرة خلت من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا،و هو يوم غدير خم،لما أخذ النبي صلى الله عليه و آله و سلم بيد علي بن أبي طالب فقال:ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟قالوا:بلى،يا رسول الله!قال:من كنت مولاه،فعلي مولاه.فقال عمر بن الخطاب:بخ بخ لك يا علي بن أبي طالب!أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن،فأنزل الله تعالى:/اليوم اكملت لكم دينكم/ (42) .

و عن زيد بن أرقم،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:من كنت وليه فعلي وليه،أو مولاه.و عن أبي سعيد الخدري،قال:رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:من كنت مولاه فعلي مولاه.اللهم وال من والاه،و عاد من عاداه (43) .

و قال أبو القاسم الفضل بن محمد:هذا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،و قد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نحو من مائة نفر منهم العشرة،و هوحديث ثابت لا أعرف له علة،تفرد علي عليه السلام بهذه الفضيلة ليس يشركه فيها أحد (44) .

المستدرك لصفحة 183

عن عبد الواحد بن زيد أنه قال:كنت حاجا إلى بيت الله الحرام،فبينا أنا في الطواف إذ رأيت جاريتين واقفتين عند الركن اليماني،إحداهما تقول لاختها:لا و حق المنتجب بالوصية،و الحاكم بالسوية،العادل في القضية،العالي البنية،الصحيح النية،بعل فاطمة المرضية،ما كان كذا و كذا.

قال عبد الواحد:و كنت أسمع،فقلت:يا جارية،من المنعوت بهذه الصفة؟فقالت:ذاك و الله علم الأعلام،و باب الأحكام،و قسيم الجنة و النار،و قاتل الكفار و الفجار،و رباني الامة،و رئيس الأئمة،ذاك أمير المؤمنين و إمام المسلمين،الهزبر الغالب،أبو الحسن علي بن أبى طالب.

قلتا:من أين تعرفين عليا؟قالت:و كيف لا أعرف من قتل أبي بين يديه في يوم صفين،و لقد دخل على أمي ذات يوم،فقال لها:كيف أصبحت يا ام الأيتام؟فقالت له‏[أمي‏]:بخير يا أمير المؤمنين،ثم أخرجتني و أختي هذه إليه،و كان قد أصابني من الجدري ما ذهب‏[به‏]ـو اللهـبصري،فلما نظر إلي تأوه،ثم طفق يقول:

ما إن تأوهت من شي‏ء رزيت به‏ 
كما تأوهت للأطفال في الصغر

قد مات و الدهم من كان يكفلهم‏ 
في النائبات و في الأسفار و الحضر

ثم أمر بيده المباركة على وجهي،فانفتحت عيناي لوقتي و ساعتي،فو الله يا ابن أخي،إني لأنظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء،كل ذلك ببركةأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام،ثم أعطاها شيئا من بيت المال،و طيب قلبنا،و رجع.

قال عبد الواحد:فلما سمعت هذا القول قمت إلى دينار من نفقتي فأعطيتها و قلت:خذي يا جارية هذا و استعيني به على وقتك.قالت:إليك عني يا رجل،فقد خلفنا خير سلف على خير خلف،نحن و الله اليوم في عيال أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام.[فولت‏]و طفقت تقول:

ما ينط حب علي في خناق فتى‏ 
إلا له شهدت بالنعمة النعم

و لا له قدم زل الزمان به‏ 
إلا له أثبتت من بعدها قدم

ما سرني أن أكن من غير شيعتة 
لو أن لي ما حوته العرب و العجم (45)

و في الختام لاننسى جميل مساعى الفاضل الألمعي«الحسين الاستاد ولي»وراء ترصيف الكتاب فلله دره و علينا شكره.

تعليقات:

1ـالحر العاملي:الاثنا عشرية/الفصل التاسع،ص .195

2ـالأعراف،7: .44

3ـالحسكاني:شواهد التنزيل،ج 1:ص 202،ط بيروت.

4ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 50:ص .316

5ـو في«مصباح»الكفعمي(ص 553)في بدر و احد و حنين بألف ألف سهم.

6ـسيد بن طاووس:مهج الدعوات/باب أدعية مولانا علي بن موسى الرضا عليه السلام.

7ـالطهراني:شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور،ص .371

8ـالحر العاملي:وسائل الشيعة،ج 6:ص 462/باب 19،ط آل البيت.

9ـالحر العاملي:وسائل الشيعة،ج 6:ص 462/باب 19،ط آل البيت.

10ـالحر العاملي:وسائل الشيعة،ج 6:ص 284/باب .13

11المجلسي:بحار الانوار،ط كمپانى،ج 8:ص .566

12ـالمجلسي:بحار الانوار،ط كمپانى،ج 8:ص .591

13ـالكليني:الاصول من الكافي،ج 1:ص 56/ح .9

14ـفي بعض النسخ:«لو طلع منه شرارة».

15ـالبقرة/ .258

16ـالنازعات/ .24

17ـثواب الاعمال،ص 255 و .256

18ـابن أبي الحديد:شرح النهج،ج 20:ص .10

19ـالممتحنة،60: .7

20ـالمجادلة،58: .22

21ـالمائدة،5: .81

22ـالممتحنة،60: .13

23ـالأحزاب،33: .67

24ـالبقرة،2: .159

25ـالبقرة،2: .228

26ـالمائدة،5: .78

27ـالاحزاب،33: .57

28ـالاحزاب،33: .61

29ـص،38: .78

30ـالاحزاب،33: .64

31ـالنور،24: .7

32ـالنساء،4: .93

33ـالمائدة،5: .60

34ـالاحزاب،33: .68

35ـالمائدة،5: .64

36ـربقة الطاعة:عرقها.

37ـنشرت حبل الطاعة:أي قطعته.

38ـالاعراف،7: .175

39ـالأميني:الغدير،ج 1:ص 157ـ .158

40ـالقندوزي:ينابيع المودة،ص 34،ط استانبول.

41ـالمصدر،ص .307

42ـابن المغازلي:مناقب علي بن أبي طالب،ص 19،ط طهران.

43ـالمصدر،ص .20

44ـالمصدر،ص .27

45ـالشيخ منتخب الدين:الاربعون حديثا،ص 75ـ76،الحكاية الاولى.