الصفحة 223
الأشياء، فإنّه كان أهمّها وأحقّ ما بُدئ منها، وكان هذا يا أخا اليهود أفدح(1) ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلاّ الله عزوجل، فصبرت عليها إذ أتت بعد اختها على تقاربها وسرعة اتّصالها، ثمّ التفت إلى أصحابه وقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

أمّا الثالثة يا أخا اليهود، فإنّ القائم بعد النبي صلى الله عليه وآله كان يلقاني معتذراً في كلّ أيّامه ويلزم غيره ما ارتكبه من أخذ حقّي ونقض بيعتي، ويسألني

____________

1- في "ج": أقرح.


الصفحة 224
تحليله، فكنت أقول: تنقضي أيّامه ثمّ أرجع إلى(1) حقّي الذي جعله الله عزوجل لي عفواً هنيئاً من غير أن أحدث في الإسلام مع حدوثه وقرب عهده بالجاهلية حدثاً في طلب حقّي بمنازعة، لعلّ فلاناً يقول فيها: نعم، وفلاناً يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل.

وجماعة من خواص أصحاب محمد صلى الله عليه وآله [ممّن](2) أعرفهم بالنصح لله ولرسوله ولكتابه ولدينه والإسلام يأتوني عوداً وبدواً(3) وعلانية وسرّاً فيدعوني إلى أخذ حقّي، ويبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدّوا(4) إليّ بذلك بيعتي في أعناقهم، وأقول: رويداً وصبراً قليلا لعلّ الله أن يأتيني بذلك عفواً بلا منازعة ولا إراقة الدماء، فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وطمع في الأمر بعده من ليس له بأهل، فقال كلّ قوم: منّا أمير [ومنكم أمير](5)، وما طمع القائلون في ذلك إلاّ لتناول الأمر غيري.

فلمّا قربت وفاة القائم وانقضت أيّامه صيّر الأمر من بعده لصاحبه، فكانت هذه اُخت اُختها، ومحلّها منّي مثل محلّها، وأخذا منّي ما جعله الله عزوجل لي، فاجتمع إليّ نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ممّن مضى رحمه الله ومن بقى ممّن أخّره الله من اجتمع، فقالوا لي فيها مثل الذي قالوا لي في اُختها.

فلم يعد قولي الثاني قولي الأوّل صبراً واحتساباً ويقيناً، اشفاقاً من أن تفنى عصبة تألّفهم رسول الله صلى الله عليه وآله باللين مرّة وبالشدة اُخرى، وبالبذل مرّة وبالسيف اُخرى، حتّى لقد كان من تألّفه لهم أن كان الناس في الكن والقرار

____________

1- في "ج": يرجع إليّ.

2- أثبتناه من "ج".

3- في "ب": غدوّاً وجدّاً.

4- في "الف": ليروا.

5- أثبتناه من "ب" و "ج".


الصفحة 225
والشبع والري واللباس والوطأة والدثار، ونحن أهل بيت محمد لا سقوف لبيوتنا ولا أبواب ولا ستور إلاّ الجرائد وما أشبهها، ولا وطاء لنا، ولا دثار علينا، يتناول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، ونطوي الأيّام والليالي جوعاً مشاعاً(1)، وربّما أتانا الشيء ممّا أفاء الله علينا وصيّره لنا خاصة دون غيرنا، ونحن على ما وصفت من حالنا، فيؤثر به رسول الله صلى الله عليه وآله أصحاب(2) النعم والأموال تألّفاً لهم.

فكنت أحق من لم يفرق هذه العصبة التي ألّفها رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يحملها على الخطيئة التي لا خلاص لها منها دون بلوغها أو فناء آجالها، لأنّي لو نصبت نفسي بدعوتي(3) إلى نصرتي كانوا في أمري على أحد منزلتين، امّا متّبع مقاتل وامّا مقتول إن لم يتبع الجميع، وامّا خاذل يكفر بخذلانه إن قصّر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، وقد علم انّي منه بمنزلة هارون من موسى، يحلّ بهم في مخالفتي والامساك عن نصرتي ما أحلّ قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته.

ورأيت تجرّع الغصص، وردّ أنفاس الصعداء، ولزوم الصبر حتّى يفتح الله عزوجل أو يقضي بما أحبّ أن يُدان في حقّي، وأرفق بالعصابة التي وصفت(4)أمرهم، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، ولو لم اتق هذه الحال يا أخا اليهود ثم طلبت حقّي لكنت أولى ممّن طلبه، لعلم من مضى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بحضرتك منهم، فإنّي كنت أكثر عدداً، وأعزّ عشيرة، وأمنع رجالا، وأطوع أمراً، وأوضح حجّة، وأكثر في هذا الدين مناقباً وآثاراً لسوابقي وقرابتي

____________

1- في "ج": جوعاً عامتنا.

2- في "ج": أرباب.

3- في "ب" و "ج": فدعوتهم.

4- في "الف": وضعت.


الصفحة 226
ووراثتي، فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها، والبيعة المقدمة في أعناقهم ممّن تناولها.

ولقد قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله وانّ ولاية الامامة في يده وفي بيته لا في يد الذي تناولوها ولا في بيوتهم، وانّ أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس أهل البيت وطهّرهم تطهيراً أولى بالأمر بعده من غيرهم في جميع الخصال، ثمّ التفت إلى أصحابه وقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

وأمّا الرابعة يا أخا اليهود، فإنّ القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الاُمور فيصدرها عن أمري، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي لا اُعلم أحداً ولا يعلمه أصحابي، ولا يناظره في ذلك غيري، ولا يطمع في الأمر بعده سواي، فلمّا أتته منيّته على فجأة بلا مرض كان قبله، ولا أمر كان أمضاه في صحّة من بدنه، لم أشك أن قد استرجعت حقّي في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها، والعافية(1) التي كنت ألتمسها، وانّ الله عزوجل يأتي بذلك على أحسن ما رجوت، وأفضل ما أمّلت.

فكان من فعله أن أختم أمره بأن سمّى قوماً أنا سادسهم، ولم يساوني بواحد منهم، ولا ذكر لي حالا(2) في وراثة الرسول، ولا قرابة ولا صهراً ولا نسباً، ولا كان لواحد منهم سابقة من سوابقي، ولا أثر من آثاري، فصيّرها شورى بيننا وصيّر ابنه حاكماً علينا، وأمره أن يضرب أعناق الستة الذين صيّر الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره، وكفى بالصبر على هذا يا أخا اليهود صبراً.

فمكث القوم أيّامهم كلّ يخطبها لنفسه وأنا ممسك، قد سألوني عن أمري فناظرتهم في أيّامي وأيّامهم وآثاري وآثارهم، وأوضحت لهم ما لم يجهلوه من

____________

1- في "ب" و "ج": العاقبة.

2- في "ج": حقاً.


الصفحة 227
وجوه استحقاقي لها دونهم، وذكّرتهم عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم وتأكيد ما أكّده لي من البيعة في أعناقهم، دعاهم حبّ الامارة، وبسط الأيدي والألسن في الأمر والنهي، والركون إلى الدنيا، والاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل الله عزوجل لهم، فإذا خلوت بالواحد منهم ذكّرته أيّام الله، وحذّرته ما هو قادم عليه وصائر إليه، التمس منّي شرطاً أن اُصيّرها له بعدي.

فلما لم يجدوا عنّي إلاّ المحجّة البيضاء، والحمل على كتاب الله عزوجل، ووصيّة الرسول صلى الله عليه وآله من إعطاء كلّ امرئ منهم ما جعله الله له، ومَنْعِهِ ما لم يجعل الله له أزواها(1) عنّي إلى ابن عفان طمعاً في التبحبح معه فيها، وابن عفان رجل لم يستويه بواحد ممّن حضره حال قط فضلا عمّن دونهم، لا ببدر التي هي سنام فخرهم، ولا غيرها من المآثر التي أكرم الله عزوجل بها رسوله ومن اختصّه معه من أهل بيته.

ثمّ لم أعلم القوم أمسوا من يومهم حتّى ظهرت ندامتهم، ونكصوا على أعقابهم، وأحال بعضهم على بعض، كلّ يلوم نفسه ويلوم صاحبه، ثمّ لم تطل الأيام بالمستبد بالأمر ابن عفان حتّى كفروه وتبرّؤوا منه، ومشى إلى أصحابه خاصة وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يستقيلهم من بيعته، ويتوب إلى الله عزوجل من فلتته، فكانت هذه يا أخا اليهود أكبر من اُختها وأقطع(2) وأحرى أن لا يُصبر عليها، فنالني منها الذي وصفه ما لم يجد فيه، ولم يكن عندي إلاّ الصبر على ما أمض وأبلغ منها.

ولقد أتاني الباقون من الستة من يومهم كلّ راجع عمّا كان ركب منّي يسألني خلع ابن عفان والوثوب عليه وأخذ حقّي، ويعطيني صفقته وبيعته على الموت تحت

____________

1- في "ج": زووها.

2- في "ب": أعظم، وفي "ج": أفظع.


الصفحة 228
رايتي أو يردّ الله عزوجل عليّ حقّي، فوالله يا أخا اليهود ما منعني منها إلاّ الذي منعني من اُختيها قبلها، ورأيت الابقاء على من بقى من الطائفة أبهج لي وآنس لقلبي من فنائها، وعلمت انّي إن حملتها على دعوة الموت ركبته، فامّا نفسي فقد علم من حضر ممّن ترى ومن غاب من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله انّ الموت عندي بمنزلة شربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدي.

ولقد كنت عاهدت الله عزوجل ورسوله أنا، وعمّي حمزة، وأخي جعفر، وابن عمّي عبيدة على أمر وفينا به لله عزوجل ولرسوله، فتقدّمني أصحابي وخلفت بعدهم لما أراد الله عزوجل، فأنزل عزوجل فينا: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا}(1) حمزة وعبيدة وجعفر [قضوا نحبهم](2)، وأنا والله المنتظر يا أخا اليهود وما بدّلت تبديلا.

وما سكتني عن ابن عفان وحثّني على الامساك إلاّ انّي عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه ما لن يدعه حتّى يستدعي الأباعد إلى قتله وخلعه فضلا عن الأقارب وأنا في عزلة، فتصبّرت حتّى كان ذلك لم أنطق فيه بحرف من لا ولا نعم، ثمّ أتاني القوم وأنا يعلم الله كاره لمعرفتي بما تطامعوا به من اعتقال الأموال، والمرح في الأرض، وعلمهم بأنّ تلك ليست لهم عندي، وشديد عادة منتزعة، فلما لم يجدوها عندي تعلّلوا الأعاليل، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

وأمّا الخامسة يا أخا اليهود، فإنّ المبايعين لي لمّا لم يطمعوا في ذلك منّي وثبوا بالمرأة عليّ ـ وأنا وليّ أمرها والوصيّ عليها ـ فحملوها على الجمل، وشدّوها على

____________

1- الأحزاب: 23.

2- أثبتناه من "ج".


الصفحة 229
الرحال، وأقبلوا بها تخبط الفيافي(1)، وتقطع البراري، وتنبح عليها كلاب الحوأب، وتظهر لهم علامات الندم في كلّ ساعة وعلى كلّ حال، في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الاُولى في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله حتّى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم، طويلة لحاهم، قليلة عقولهم، عارية آراؤهم، وهم جيران بدو ووراء بحر.

فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم بغير علم، ويرمون بسهامهم بغير فهم، فوقفت من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محلّة المكروه ممّن إن كففت لم يرجعوا ولم يقلعوا، وإن أقدمت(2) كنت قد صرت إلى الذي كرهت، فقدّمت الحجّة بالأعذار والانذار ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، والقوم الذين حملوها إلى الوفاء ببيعتهم لي، والترك لنقضهم عهد الله عزوجل فيّ، وأعطيتهم من نفسي كلّ الذي قدرت عليه، وناظرت بعضهم [فرجع](3) وذكرته فذكر، ثمّ أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلاّ جهلا وتمادياً وغيّاً.

فلمّا أبوا إلاّ هي ركبتها منهم، وكانت عليهم الدائرة، وبهم الهزيمة، ولهم الحسرة، وفيهم الفناء والقتل، وحملت نفسي على التي لم أجد منها بدّاً، ولم يسعني إذ فعلت ذلك وأظهرته آخراً مثل الذي وسعني منه أوّلا من الاغضاء والامساك، ورأيت انّي إن أمسكت كنت معيناً لهم عليّ بامساكي فيما صاروا إليه وطمعوا فيه من تناول الأطراف، وسفك الدماء، وقتل الرعية، وتحكيم النساء النواقص العقول والحظوظ على كلّ حال، كعادة بني الأصفر ومن مضى من ملوك سبأ والاُمم الخالية، فأصير إلى ما كرهت أوّلا وآخراً.

وقد أهملت المرأة وجندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس ولم

____________

1- الفيف والفيفاة: المفازة التي لا ماء فيها، وجمعها الفيافي. (لسان العرب)

2- في "ج": أقمت.

3- أثبتناه من "ج".


الصفحة 230
أهجم على الأمر إلاّ بعدما قدّمت وأخّرت وتأنّيت وراجعت وراسلت(1) وشافهت وأعذرت وأنذرت وأعطيت القوم كلّ شيء التمسوه، بعد أن عرضت عليهم كلّ شيء لم يلتمسوه، فلمّا أبوا إلاّ تلك أقدمت عليها، فبلغ الله عزوجل بي وبهم منهم ما أراد(2)، وكان منّي عليهم بما كان منّي إليهم شهيداً، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

وأمّا السادسة يا أخا اليهود، فتحكيمهم الحكمين ومحاربة ابن آكلة الأكباد وهو طليق ابن طليق، معاند لله عزوجل ولرسوله صلى الله عليه وآله وللمؤمنين منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله إلى أن فتح الله عزوجل عليه مكة عنوة، فاُخذت بيعته وبيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم وفي ثلاثة مواطن بعده، وأبوه بالأمس أوّل من سلّم عليّ بإمرة المؤمنين، وجعل يحضّني على النهوض بأخذ حقّي من الماضين قبلي، يجدّد لي بيعته كلّما أتاني.

وأعجب العجب انّه لما رأى ربّي تبارك وتعالى قد ردّ لي حقّي وأقرّه في معدنه، وانقطع طمعه في دين الله(3) وفي أمانة حمّلناها حاكماً، كرّ على العاصي ابن العاص فاستماله فمال إليه، ثمّ أقبل به بعد أن أطمعه مصر ـ وحرام عليه أن يأخذ من الفيء فوق قسمته درهماً، وحرام على الراعي ايصال درهم إليه فوق حقّه ـ فأقبل يخبط البلاد بالظلم ويطأهم بالغشم، فمن تابعه أرضاه ومن خالفه ناواه، ثمّ توجّه إليّ ناكثاً علينا، مغيراً في البلاد شرقاً وغرباً ويميناً وشمالا، والأنباء تأتيني والأخبار ترد عليّ بذلك.

فأتاني أعور ثقيف فأشار أن اُولّيه البلاد الذي هو بها لأداريه(4) بما اُولّيه

____________

1- في "ب": أرسلت.

2- في "ب": على ما أرادوا.

3- في "ج": انقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعاً.

4- في "ب": لأدرأه.


الصفحة 231
منها، وفي الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا، ولو وجدت عند الله في توليته لي مخرجاً، وأصبت لنفسي في ذلك عذراً فأعملت الرأي في ذلك، وشاورت من أثق بنصيحته لله عزوجل ولرسوله صلى الله عليه وآله ولي وللمؤمنين، فكان رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي، ينهاني عن توليته ويحذّرني أن أدخل في المسلمين يده، ولم يكن الله يراني أن أتّخذ المضلّين عضداً.

فوجّهت إليه أخا بجيلة مرّة وأخا الأشعر اُخرى وكلاهما ركن إلى الدنيا وتابع(1) هواه فيما أرضاه، فلمّا لم أره يزداد فيما انتهك في محارم الله إلاّ تمادياً شاورت من معي من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله البدريين، والذين ارتضى الله عزوجل أمرهم ورضى عنهم بيعتهم، وغيرهم من صلحاء المسلمين والتابعين، فكلّ يوافق رأيه رأيي في غزوه ومحاربته ومنعه ممّا نالت يده.

وانّي أنهضت إليه أصحابي، أنفذ إليه من كلّ موضع كتبي، واُوجّه إليه رسلي أدعوه إلى الرجوع عمّا هو فيه والدخول فيما فيه الناس معي، فكتب يتحكّم عليّ ويتمنّى عليّ الأماني، ويشترط عليّ شروطاً لا يرضاها الله عزوجل ولا رسوله ولا المسلمون ولا المؤمنون، ويشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواماً(2) من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أبراراً فيهم عمّار بن ياسر ـ وأين مثل عمّار، والله لقد رأيتنا مع النبي صلى الله عليه وآله وما يعد(3) منّا خمسة إلاّ كان سادسهم، ولا أربعة إلاّ كان خامسهم ـ اشترط دفعهم إليه ليقتلهم ويصلبهم.

وانتحل دم عثمان، ولعمر الله ما ألّب على عثمان ولا جمع الناس على قتله إلاّ هو وأشباهه من أهل بيته، أغصان الشجرة الملعونة في القرآن، فلمّا لم أجب إلى ما

____________

1- في "ج": اتّبع.

2- في "ج": أدفع إليه أصحابي وهم أقواماً....

3- في "ج": وما تقدم.


الصفحة 232
اشترط كرّ مستعلياً في نفسه بطغيانه وبغيه بحمير لا عقول لهم ولا بصائر(1)، فموّه لهم أمراً فاتّبعوه وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم(2) به إليه، فناجزناهم وحاكمناهم إلى الله عزوجل بعد الاعذار والانذار.

فلمّا لم يزده ذلك إلاّ تمادياً وبغياً لقيناه بعادة الله التي عوّدنا من النصر على أعدائه وعدوّنا، وراية رسول الله صلى الله عليه وآله بأيدينا لم يزل الله تعالى يقتل حزب الشيطان بها حتّى يقضي الموت عليه، وهو معلم راية أبيه التي لم أزل اُقاتلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك المواطن، فلم يجد من الموت منجا إلاّ الهرب. فركب فرسه وقلب رايته لا يدري كيف يحتال، فاستعان برأي ابن العاص فأشار عليه باظهار المصاحف ورفعها على الأعلام والدعاء إلى ما فيها، فقال له: انّ ابن أبي طالب وحزبه أهل بصائر ورحمة وفقهاً(3)، وقد دعوك إلى كتاب الله أوّلا وهم مجيبوك إليه آخراً، فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أن لا منجا له من القتل أو الهرب غيره.

فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه، فمالت إلى المصاحف قلوب من بقى من أصحابي بعد فناء خيارهم، وجهدهم في جهاد أعداء الله وأعدائهم على بصائرهم، وظنّوا انّ ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه، فأصغوا إلى دعوتهم، وأقبلوا بأجمعهم في اجابته، فأعلمتهم انّ ذلك منه مكر ومن ابن العاص معه، وانّهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء، فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمري، وأبوا إلاّ اجابته كرهت أم هويت، شئت أم أبيت، حتّى بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان أو ادفعوه إلى ابن هند يرميه(4).

____________

1- في "ب": بصيرة.

2- في "ب": أمالوا.

3- في "ب" و "ج": فقهاء.

4- في "ب" و "ج": برمته.


الصفحة 233
فجهدت علم الله جهدي، ولم أدع علّة في نفسي إلاّ بلّغتها في أن يخلّوني ورأيي فلم يفعلوا، وراودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس، فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ ـ وأومأ بيده إلى الأشتر ـ وعصبة من أهل بيتي، فوالله ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلاّ مخافة أن يقتل هذان ـ وأومأ بيده(1) إلى الحسن والحسين عليهما السلام ـ فيقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وذرّيته من اُمّته، ومخافة أن يقتل هذا وهذا ـ وأومأ بيده إلى عبد الله بن جعفر، ومحمد بن الحنفية ـ فإنّي أعلم لولا مكاني لم يقفا ذلك الموقف، فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم الله عزوجل.

فلمّا رفعنا عن القوم سيوفنا تحكّموا في الاُمور وتخيّروا الاحكام، وما كنت بالذي احكم في دين الله أحداً إذ كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شك فيه ولا امتراء، فلمّا أبوا إلاّ ذلك أردت اُحكّم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممّن أرضى رأيه وعقله، وأثق بنصيحته ومودّته ودينه، وأقبلت لا اُسمّي أحداً إلاّ امتنع منه ابن هند، ولا أدعوه إلى شيء من الحقّ إلاّ أدبر عنه، وأقبل ابن هند يسومنا عسفاً، وما ذلك إلاّ باتّباع أصحابي له على ذلك.

فلمّا أبوا إلاّ غلبتي على التحكيم برئت إلى الله عزوجل منهم وفوّضت ذلك إليهم، فقلّده(2) أمراً فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض وغربها وأظهر المخدوع عليه ندماً، ثمّ أقبل عليه السلام على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

أمّا السابعة يا أخا اليهود فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان عهد إليّ أن اُقاتل في آخر الزمان من أيّامي قوماً من أصحابي، يصومون النهار ويقومون

____________

1- في "ج": وأشار إلى.

2- في "ج": فقلّدوه.


الصفحة 234
الليل، ويتلون الكتاب، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فمنهم ذو الثدية، يُختم لي بقتلهم بالسعادة، فلمّا انصرفت إلى موضعي هذا ـ يعني بعد الحكمين ـ أقبل بعض القوم على بعض باللاّئمة فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين، فلم يجدوا لأنفسهم مخرجاً إلاّ أن قالوا: كان ينبغي لأمير المؤمنين انّه لا يتابع من أخطأ، وأن يقضي بحقيقة رأيه على قتل نفسه وقتل من خالفه منّا، فقد كفر بمتابعته إيّانا وطاعته لنا في الخطأ، واُحلّ لنا بذلك قتله وسفك دمه.

فجمعوا على ذلك وخرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى أصواتهم: لا حكم إلاّ لله، ثمّ تفرّقوا فرقة بالنخيلة والاُخرى(1) بحروراء، [واُخرى](2) راكبة رأسها تخبط(3) الأرض شرقاً حتّى عبرت دجلة، فلم تمرّ بمسلم إلاّ امتحنته، فمن تابعها استحثّته(4) ومن خالفها قتلته، فخرجتُ إلى الاولتين واحدة بعد اُخرى أدعوهم إلى طاعة الله عزوجل والرجوع إليه، فأبيا إلاّ السيف لا يقنعها غير ذلك.

فلمّا أعييتُ الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عزوجل، فقتل الله(5) هذه وهذه، وكانوا يا أخا اليهود لولا ما فعلوا لكانوا ركناً قويّاً وسدّاً منيعاً، فأبى الله إلاّ ما صاروا إليه، ثمّ كتبت إلى الفرقة الثالثة ووجّهت رسلي تترى، وكانوا من جملة أصحابي وأهل التعبّد والزهد في الدنيا، فأبت إلاّ اتّباع اُختيها والاحتذاء على مثالهما، وأسْرَعَتْ في قتل من خالفها من المسلمين.

وتتابعت إليّ الأخبار بفعلهم، فخرجت حتّى قطعت إليهم دجلة واُوجّه إليهم السفراء والنصحاء، وأطلب العتبى بجهدي بهذا مرّة وبهذا مرّة وبهذا مرّة ـ وأومأ

____________

1- في "ج": وفرقة.

2- أثبتناه من "ج".

3- في "ب": تخط.

4- في "ج": تركته.

5- في "ج": فقتلت.


الصفحة 235
بيده إلى الأشتر، والأحنف بن قيس، وسعيد بن قيس الأرحبي، والأشعث بن قيس الكندي ـ فلمّا أبوا إلاّ تلك ركبتها منهم فقتلهم الله يا أخا اليهود عن آخرهم ـ وهم أربعة آلاف أو يزيدون ـ حتّى لم يفلت منهم مخبر، فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترى، له ثدي كثدي المرأة، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: قد وفيت سبعاً وسبعاً يا أخا اليهود، وبقيت اُخرى واُوشك بها فكأنّ قد قربتْ، فبكى أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وبكى رأس اليهود وقال: أخبرنا الاُخرى، فقال: الاُخرى أن تخضب هذه من هذه ـ وأومأ بيده إلى لحيته وأومأ بيده إلى هامته ـ.

قال: فارتفعت أصوات القوم في المسجد الجامع بالضجة والبكاء حتّى لم يبق بالكوفة دار إلاّ خرج أهلها فزعاً(1)، وأسلم رأس اليهود على يد عليّ عليه السلام من ساعته، ولم يزل مقيماً حتّى قُتل أمير المؤمنين عليه السلام واُخذ ابن ملجم لعنة الله عليه، فأقبل رأس اليهود حتّى وقف على الحسن عليه السلام والناس حوله وابن ملجم لعنه الله بين يديه، فقال له: يا أبا محمد اقتله قتله الله، فإنّي رأيت في الكتب التي اُنزلت على موسى بن عمران عليه السلام انّ هذا أعظم جرماً عند الله من ابن آدم قاتل أخيه، ومن القدار عاقر ناقة ثمود(2).

تمّ الحديث والحمد لله وحده وصلّى الله على سيّدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً(3).

____________

1- في "ب": جزعاً.

2- في "ج": صالح.

3- الخصال: 364 ح58 باب السبعة; عنه البحار 38: 167 ح1; وفي الاختصاص: 163.


الصفحة 236

[جوابه عليه السلام عن مسائل أحبار اليهود، وفيه خبر أصحاب الكهف]

بحذف الاسناد مرفوعاً إلى ابن عباس قال: لمّا ولى عمر بن الخطاب الخلافة أتاه أقوام من أحبار اليهود فقالوا: يا عمر أنت وليّ الأمر بعد محمد؟ قال: نعم، قالوا: نريد أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها دخلنا في الإسلام، وعلمنا انّ دين الإسلام حق، وانّ محمداً كان نبيّاً، وإن لم تخبرنا بها علمنا انّ دين الإسلام باطل، وانّ محمداً لم يكن نبيّاً، قال عمر: سلوا عمّا بدا لكم ولا قوّة إلاّ بالله.

قالوا: أخبرنا عن أقفال السماوات ما هي، وأخبرنا عن مفاتيح هذه الأقفال ما هي، و[أخبرنا عن قبر سار بصاحبه ما هو](1)، وأخبرنا عمّن أنذر قومه لا من الجنّ ولا من الانس، وأخبرنا عن خمسة أشياء مشت على الأرض لم تخلق في الأرحام، وأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه، وما يقول الديك في صدحه، وما يقول الفرس في صهيله، وما يقول الحمار في نهيقه، وما يقول الضفدع في نقيقه، وما يقول القبّر(2) في أنيقه.

قال: فنكس عمر رأسه في الأرض، ثمّ رفع رأسه إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أبا الحسن ما أرى جوابهم إلاّ عندك، فإن كان لها جواب فأجب، فقال لهم عليّ عليه السلام: سلوا عمّا بدا لكم ولي عليكم شريطة، قالوا: فما شريطتك؟ قال عليه السلام: إذا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا، قالوا: نعم، قال عليه السلام: سلوني عن خصلة خصلة.

فقالوا: أخبرنا عن أقفال السماوات ما هي؟ قال عليه السلام: أمّا أقفال السماوات فهو(3) الشرك بالله، فإنّ العبد والأمة إذا كانا مشركين لم يرتفع لهما إلى الله

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- في "ج": القنبرة.

3- في "ب": فهي.


الصفحة 237
عزوجل عمل، فهذه أقفال السماوات، قالوا: أخبرنا عن مفاتيح هذه الأقفال، قال عليه السلام: مفاتيحها شهادة(1) أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله.

قالوا: أخبرنا عن قبر سار بصاحبه، قال: ذلك الحوت حين ابتلع يونس بن متّى فدار به في البحار السبعة، قالوا: فأخبرنا عمّن أنذر قومه لا من الجن ولا من الانس، قال: تلك نملة سليمان إذ قالت: يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده، قالوا: أخبرنا عن خمسة أشياء مشوا على الأرض لم يُخلقوا في الأرحام، قال عليه السلام: ذاك آدم، وحوّاء، وناقة صالح، وكبش ابراهيم، وعصى موسى عليه السلام.

قالوا: أخبرنا ما يقول الدرّاج في صياحه، قال: يقول: الرحمن على العرش استوى، قالوا: أخبرنا ما يقول الديك في صدحه، قال: فإنّه يقول: اذكروا الله يا غافلين، قالوا: أخبرنا ما يقول الفرس في صهيله، قال: يقول: اللّهمّ انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين، قالوا: أخبرنا ما يقول الحمار في نهيقه، قال: الحمار يلعن العشار(2) وينهق في أعين الشياطين.

قالوا: أخبرنا ما يقول الضفدع في نقيقه، قال: الضفدع يقول: سبحان ربّي المعبود المسبَّح في لجج البحار، قالوا: فأخبرنا ما يقول القبّر(3) في أنيقه، قال: يقول: اللّهمّ العن مبغض محمد ومبغض آل محمد ومبغض أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.

قال: وكانت الأحبار ثلاثة فوثب اثنان وقالا: نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، قال: فوقف الحبر الآخر(4) فقال: يا عليّ لقد وقع في قلبي ما

____________

1- في "ج": أشهد.

2- في "ج": العشارين.

3- في "ج": القنبرة.

4- في "ب": الثالث.


الصفحة 238
وقع في قلوب أصحابي ولكن بقيت خصلة، أخبرني عن قوم كانوا في أوّل الزمان، فماتوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين ثمّ أحياهم الله، ما كانت قصّتهم؟

فابتدأ عليه السلام فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، أراد أن يقرأ سورة الكهف فقال اليهودي: ما أكثر ما سمعنا قراءتكم(1)، فإن كنت فاعلا(2) فأخبرنا بقصّة هؤلاء وبأسمائهم وعددهم، واسم كلبهم، واسم كهفهم، واسم ملكهم، واسم مدينتهم.

فقال عليّ عليه السلام: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، يا أخا اليهود حدّثني حبيبي محمد صلى الله عليه وآله انّه كان بأرض الروم مدينة يقال لها: "اقسوس"، وكان لها ملك صالح، فمات ملكهم وتشتّت أمرهم(3) واختلفت كلمتهم، فسمع بهم ملك من ملوك الفارس يقال له: "دقيانوس" فأقبل في مائة ألف حتّى دخل مدينة "اقسوس" فاتّخذها دار مملكته، واتّخذ فيها قصراً طوله فرسخ في عرض فرسخ، واتّخذ في ذلك القصر مجلساً طوله ألف ذراع في عرض ذلك من الزجاج الممرّد.

واتّخذ في المجلس أربعة آلاف اُسطوانة من ذهب، واتّخذ ألف قنديل من ذهب لها سلاسل من اللجين تسرج بأطيب الأدهان، واتّخذ في شرقي المجلس ثمانين كوّة وفي غربيّه ثمانين كوّة، وكانت الشمس إذا طلعت تدور في المجلس كيف ما دارت، واتّخذ سريراً من ذهب [طوله ثمانون ذراعاً في أربعين ذراعاً](4) له قوائم من فضة مرصّعة بالجواهر وعلاه بالنمارق، واتّخذ عن يمين السرير ثمانين كرسياً من الذهب مرصعة بالزبرجد الأخضر فأجلس عليها بطارقته، واتّخذ عن يسار السرير ثمانين كرسياً من الفضة مرصّعة بالياقوت الأحمر فأجلس عليها هراقلته،

____________

1- في "ج": من قرآنكم.

2- في "ج": عالماً.

3- في "ج": تشتّتت اُمورهم.

4- أثبتناه من "ج".


الصفحة 239
ثمّ جلس على السرير فوضع التاج على رأسه.

قال: فوثب اليهودي فقال: يا أمير المؤمنين ممّ كان تاجه؟ فقال عليه السلام: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، كان تاجه من الذهب المشبّك له شبه سبعة أركان، على كلّ ركن لؤلؤة بيضاء [تضيء](1) كضوء المصباح في الليلة الظلماء، واتّخذ خمسين غلاماً من أولاد الهراقلة فقرطقهم بقراطق(2) الديباج الأحمر، وسرولهم سراويلات من الفرند الأخضر، وتوّجهم ودملجهم وخلخلهم وأعطاهم أعمدة من الذهب وأوقفهم على رأسه، واتّخذ ستّة أغلمة(3) من أولاد العلماء واتّخذهم وزراءه، فأقام ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره.

قال اليهودي: ما كان أسماء الثلاثة الذين عن يمينه والثلاثة الذين عن يساره؟ فقال عليه السلام: أمّا الثلاثة الذين كانوا عن يمينه فكان أسماؤهم: تمليخا ومكسلمينا ومحسمينا(4)، وأمّا الثلاثة الذين كانوا عن يساره فكانت أسماؤهم: مرطوس وكينطوس وسارينوس(5)، وكان يستشيرهم في جميع اُموره.

قال: وكان يجلس كلّ يوم في صحن داره والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره، قال: ويدخل ثلاثة أغلمة في يد أحدهم جام من ذهب مملوء من المسك المشرق(6)، وفي يد الآخر جام من فضّة مملوء من ماء الورد، وفي يد الآخر طائر أبيض له منقار أحمر.

قال: فإذا نظر إلى ذلك الطائر صفر به، فيطير الطير(7) حتّى يقع في جام ماء

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- في "ج": فقرطهم بقراط.

3- في "ج": غلمان.

4- في "ج": مجسلينا.

5- في "ب": مرطوس وكسطوس وسارسوس. وفي "ج": مرنوس وديرنوس وشاذرنوس.

6- في "ج": المسحوق.

7- في "ج": الطائر.