قال: ابنيَّ الحسن والحسين، ثمّ ابني هذا ـ وأخذ بيد عليّ بن الحسين وهو رضيع ـ ثمّ ثمانية من ولده واحد بعد واحد، وهم الذين أقسم الله بهم فقال: {ووالد وما ولد}(1) [فالوالد رسول الله صلى الله عليه وآله وما ولد](2) يعني هؤلاء الأحد عشر وصيّاً صلوات الله عليهم، قلت: يا أمير المؤمنين يجتمع إمامان؟ قال: لا إلاّ أحدهما صامت لا ينطق حتّى يهلك الأوّل.
تمّ حديث موتهم، والحمد لله وحده وصلّى الله على خير خلقه محمد وآله وسلّم(3).
[بيانه عليه السلام في سبب قعوده عن القتال]
[في الفتن عن كتاب سليم بن قيس بعد خطبة لعليّ عليه السلام استنفر بها القوم ووبّخهم على تقاعدهم عن الجهاد، قال الأشعث بن قيس: فهلاّ فعلت كما فعل عثمان بن عفّان، فأجابه وكان ممّا أجابه أن قال: إنّ هذه الاُمّة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار، وشرّها وأبعدها وأبغضها السامرة الذين يقولون لا قتال وكذبوا، قد أمر الله بقتال الباغين في كتابه وسنّة نبيّه، وكذلك المارقة.
فقال ابن قيس وقد غضب من قوله عليه السلام: فما منعك يا ابن أبي طالب حين بويع فلان وفلان أن تضرب بسيفك؟ فأجابه بما يشبه هذا الكلام أو هو،
____________
1- البلد: 3.
2- أثبتناه من "ج" والبحار.
3- عنه البحار 30: 127; ومعالم الزلفى: 329 و439; ومدينة المعاجز 2: 89 ح419; وروي نحوه في كتاب سليم: 182.
قال الأشعث بن قيس: يا أمير المؤمنين لم لا ضربت بسيفك وأخذت حقّك، وأنت لم تخطب خطبة إلاّ قلت فيها: انّي لأولى الناس بالناس، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟
قال عليّ عليه السلام: قد قلت يا ابن قيس فاسمع، لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهية الباري، وأن لا أكون أعلم(2) انّ ما عند الله خير من الدنيا والبقاء فيها، بل منعني من ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ونهيه إيّاي وعهده إليّ، وأخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله ما الاُمّة صانعة بعده.
ولم أكن حين عاينته أعلم به ولا أشدّ استيقاناً منّي به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله أشدّ يقيناً منّي بما عاينته وشهدته، فقلت: يا رسول الله فما تعهد إليّ إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت أعواناً فانتدب إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكفّ يدك واحقن دمك حتّى تجد على اقامة كتاب الله وسنّتي أعواناً.
وأخبرني انّه ستخذلني الناس وتبايع(3) غيري، وأخبرني انّي منه بمنزلة هارون من موسى، وانّ الاُمّة من بعدي سيصيرون بمنزلة هارون ومن تبعه والعجل ومن تبعه، إذ قال له موسى: {يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا * ألاّ تتَّبعنِ أفعصيت أمري * قال يَبْنَؤُم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي انّي خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي}(4).
يعني انّ موسى أمره حين استخلفه عليهم إن ضلّوا فوجدت أعواناً عليهم
____________
1- أثبتنا ما بين المعقوفتين من "ج" ولم ترد في "الف" و "ب"، وفي كتاب سليم بعد قول الأشعث "فما منعك..." هكذا: فما يمنعك يا ابن أبي طالب حين بويع أبو بكر أخو بني تيم، وأخو بني عدي بن كعب، وأخو بني اُميّة بعدهم أن تقاتل....
2- في "ج": وانّي لأعلم انّ ما عند الله....
3- في "ج": يبايعون.
4- طه: 92-94.
فلمّا قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مال الناس إلى أبي بكر فبايعوه، واستنصرت الناس فلم ينصروني غير أربعة: سلمان والمقداد وأبو ذر والزبير بن العوام، ولم يكن أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به، أما حمزة فقتل يوم اُحد، وأمّا جعفر فقتل يوم موتة، وبقيت في خليفتين(1) خائفين ذليلين حقيرين قريبي عهد بالاسلام: عباس وعقيل، فأكرهوني وقهروني، فقلت كما قال هارون لأخيه: يا ابن اُمّ انّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، ولي في هارون اُسوة حسنة، ولي بقول رسول الله صلى الله عليه وآله حجّة قويّة.
قال الأشعث: كذلك فعل عثمان لما استغاث ودعا الناس إلى نصرته، فلمّا لم يجد أعواناً كفّ يده حتّى قتل، قال: ويلك يا ابن قيس، انّ القوم حين قهروني واستضعفوني وكادوا يقتلونني لو قالوا: نقتلك البتة لامتنعت من قتلهم إيّاي ولو لم أجد أحداً غير نفسي، ولكنّهم قالوا: إن بايعت كففنا عنك وأكرمناك وفضّلناك وقدّمناك، وإن لم تفعل قتلناك، فلمّا لم أجد أعواناً بايعتهم، وبيعتي لهم لما لاحق لهم فيه لا توجب لهم حقّاً ولا يلزمني لهم رضى.
ولو أنّ عثمان لما قالوا اخلعها وإلاّ نحن قاتلوك فكفّ يده حتّى قتلوه، ولعمري خلعه إيّاها كان خيراً له لأنّه أخذها بغير حق، فلم يكن له فيها نصيب، لأنّه ادّعى ما ليس له وتناول حقّ غيره.
____________
1- في "ج": رجلين.
وامّا أن يكون قد بلغ من حدّته وسوء سيرته ما لم يروه أهلا لنصرته، وحكم بخلاف الكتاب والسنّة، وكان وراءه من أهل بيته ومواليه وأصحابه أكثر من أربعة آلاف فارس ليمتنع بهم، ولم ينه أصحابه عن نصرته، ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم(3) أربعين رجلا يطيعون لجاهدتهم(4) فأمّا يوم بويع عمر وعثمان فلا، لأنّي كنت بايعت ومثلي لا ينكث بيعته.
ويلك يا ابن قيس كيف رأيتني صنعت يوم قتل عثمان، لو وجدت أعواناً هل رأيت منّي فشلا أو جبناً أو تقصيراً، وانّك لتعرفني يوم البصرة وهم في جملهم الملعون [من معه](5)، والملعون من قتل حوله، والملعون من ينصره، والملعون من ركبه، والملعون من بقي بعده غير راجع ولا تائب ولا مستغفر، قتلوا أنصاري، ونكثوا بيعتي، ومثّلوا بعاملي، وبغوا عليّ، فسعيت إليهم باثني عشر ألفاً وهم نيف وعشرون ومائة ألف، فنصرنا الله عليهم بأيدينا وشفى صدور قوم مؤمنين.
وكيف رأيت يا ابن قيس وقعتنا بصفين، إنّ الله قتل بأيدينا في صعيد واحد خمسين ألفاً إلى النار، وكيف رأيتنا يوم النهروان، لقينا المارقين وهم مستبصرون بين يدي الذين(6) ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً،
____________
1- في "ج": لابد.
2- في "ج": دعوه أن ينصروه.
3- في "ج": بويع أبو بكر بالخلافة.
4- في "ج": لما قعدت عن القتال.
5- أثبتناه من "ج".
6- في "ج": متديّنون قد ضلّ.
يا ابن قيس أرأيت لي لواء ردّ أو راية رُدّت بجبن، يا ابن قيس وأنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع مواطنه ومشاهده المتقدّمة، في الشدائد بين يديه لا أفرّ ولا ألوي ولا أتنحّى ولا أمنح العدوّ دبري، انّه لا ينبغي لنبي ولا لوصي نبي إذا لبس لامة أو برز لعدو أن يرجع، ولا ينثني حتّى يقتل أو يقتل بين يديه(1).
ويلك يا ابن قيس هل سمعت لي بفرار أو نبوة، يا ابن قيس اما أنا ـ والذي فلق الحبّة وبرئ النسمة ـ لو وجدت أعواناً(2) ما كففت يدي ولناهضت القوم، ولكن لم أجد خامساً، [قال الأشعث: من كان هؤلاء](3) الأربعة؟ قال: سلمان والمقداد وأبو ذر وابن صفية، ثمّ رجع ابن صفية بعد بيعته إيّاي بعد قتل عثمان.
أمّا بيعته التي أتاني فيها مخلوفاً فقد وفى بها، وهي البيعة الاُولى التي بويع فيها عتيق، وذلك انّه أتاني أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار فبايعوني فيهم الزبير، أمرتهم أن يصبحون عند بابي محلقين [رؤوسهم](4) عليهم السلاح، فما وفوا ولا صحبني منهم إلاّ أربعة، وأمّا بيعته الاُخرى فإنّه أتاني هو وصاحبه طلحة بعد قتل عثمان بن عفّان طائعين غير مكرهين، ثم رجعا عن دينهما مرتدّين ناكثين باغين معاندين خاسرين، فقتلهما الله إلى النار. وأمّا الثلاثة ـ أبو ذر والمقداد وسلمان ـ فثبتوا على دين محمد وملّته وملّة ابراهيم حتّى لقوا الله ـ يرحمهم الله ـ فقال الأشعث: إن كان الأمر كما تقول لقد هلكت الاُمّة غيرك وغير شيعتك.
قال: فإنّ الحقّ والله كما أقول(5)، وما هلك من الاُمّة إلاّ الماضين(6) المكابرين
____________
1- في "ج": أو يفتح الله له.
2- وزاد في "ج": على مثل بصيرة الأربعة الذين وجدت.
3- أثبتناه من "ج".
4- أثبتناه من "ج".
5- في "ب": كما تقول.
6- في "ج": الناصبون.
قال: فلم يبق يومئذ من شيعته أحد إلاّ تهلهل(2) وفرح بمقالته إذ شرح أمير المؤمنين عليه السلام الأمر وباح به وكشف الغطاء وترك التقية، ولم يبق أحد من العرب كان شاكّاً أو يكفّ ويدع البراءة منهم إلاّ استيقن واستبصر وترك الشك والوقوف، ولم يبق أحد ممّن كان حوله ممّن بايعه على وجه ما بويع عثمان إلاّ عرف ذلك في وجهه وترك مقالته ثمّ استبصروا وذهب شكّهم.
قال أبو عبد الله(3) سليم بن قيس: فما شهد الناس يوماً قط على [رؤوس](4)العامة كان أقر للأعين من ذلك اليوم لما كشف للناس من الغطاء، وأجهر فيه من الحق، وشرح فيه من الأمر، وألقى فيه من التقيّة والكتمان، وكثرت الشيعة من ذلك اليوم وتكلّموا، وقد كانوا أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه من الله ومن رسوله، وصارت الشيعة بعد ذلك اليوم وذلك المجلس أجلّ الناس وعظماؤهم، وذلك بعد وقعة النهروان وهو يأمرهم بالتهيّؤ والمسير معه إلى معاوية، قال قيس: ثمّ لم يلبث أن قتله ابن ملجم عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
قال: وأقبل عليّ عليه السلام على الناس ممّن كان حوله فقال: أوليس قد ظهر لكم رأيي، وحملهم علينا أهل البيت من كلّ جانب ووجه، لا يألون به ابعاداً
____________
1- في "ب": ولا يتخوّف.
2- في "ج": تهلل وجهه.
3- في "ج": قال أبان عن سليم بن قيس.
4- أثبتناه من "ج".
ثمّ العجب لهدمه منزل أخي جعفر وادخاله في المسجد، ولم يعطني منه قليلا ولا كثيراً، ولم تعب عليه الناس كأنّه يأخذ منزل رجل من الديلم، والعجب من جهله وجهل الاُمناء(2) إذ كتب إلى عمّاله انّ الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يتيمّم بالصعيد حتّى يجد الماء وإن لم يجده حتّى يلقى الله، ثمّ قبل ذلك منه الناس ورضوا به، وقد علم الناس انّ رسول الله صلى الله عليه وآله أمر عماراً وأبا ذر أن يتيمّما من الجنابة، وقد شهدا به عنده وغيرهما، فما قبل ولا رفع به رأس.
والعجب لما قد خلط أنصاباً مختلفة في الجَدّ بغير علم تعسّفاً وجهلا، وادّعى ما لم يعلم خبره على الله قلّة ورع، [وادّعى](3) أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقض للجد شيئاً، ولم يدع أحداً يعطي للجد من الميراث، ثمّ تابعوه على ذلك وصدّقوه، وعتق اُمّهات الأولاد وأخذ الناس بقوله وتركوا أمر الله تبارك وتعالى وأمر رسوله.
والعجب لما صنع بنصر بن الحجاج وبجعدة بن سليمان وبابن زيد، وأعجب من ذلك انّه لمّا أتاه العبدي فقال له: إنّي طلّقت امرأتي وأنا غائب، فوصل إليها الطلاق ثمّ راجعتها وهي في عدّتها فكتبت إليها فلم يصل إليها كتابي حتّى تزوّجت.
فكتب له: إن كان هذا الذي تزوّج بها قد دخل بها فهي امرأته، وإن كان لم
____________
1- الأنفال: 41.
2- في "ج": الاُمّة.
3- أثبتناه من "ج".
وقضيّة المفقود زوجها أجّلها أربع سنين ثمّ تتزوّج، فإذا جاء زوجها خيّر بين امرأته وبين الصداق، ثمّ استحسنه الناس واتّخذوه سنّة، وقبلوا منه جهالته بكتاب الله وقلّة بصيرة لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله، واخراجه كلّ أعجمي من المدينة وارساله إلى عمّاله بحبل خمسة أشبار، وأمرهم في من بلغ من الأعاجم وكان في طول مثله يضرب عنقه، وردّه سبايا المشركين حبالى وقبله الناس.
وأعجب منه انّ كذّاباً رجم بكذبه ما قبله هو وقبله كلّ جاهل، وزعموا انّ الملك ينطق على لسانه ويلقّنه، واعتاقه سبايا أهل اليمن، وتخلّفه وصاحبه عن جيش اُسامة، وتسليمه عليه بالامرة.
ثمّ أعجب من ذلك انّه قد علم وعلم الذين معه وحوله انّه الذي صدق رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، قال: وانّه الذي قال مثل محمد في قومه كنخلة نبتت في كناسة، ثمّ قال كما قال صاحبه: الحمد لله الذي كفانا عن قتل الرجل، حين أمرهما رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله فلم يقتلاه وتركا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله من ردّهما أمره وأمرني بعدما رجعا أن أقتله، فقال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ما قال، وأمر رسول الله صاحبه أن ينادي في الناس: انّه من مات دخل الجنّة من موحّد لايشرك بالله شيئاً.
وردّ طاعته وطاعة رسوله ولم ينفذ أمره حتّى قال رسول الله صلى الله عليه
____________
1- في "ج": لعيب عليه.
[سؤال الخضر عليه السلام عن ثلاث مسائل]
قيل: أقبل ذات يوم رجل حسن الهيئة فسلّم على أمير المؤمنين عليه السلام، فجلس وقال: يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أجبتني علمت انّ القوم ركبوا(3) من أمرك ما أقضي عليهم انّهم ليس بمأمومين(4) في دنياهم ولا في آخرتهم، وإن كانت الاُخرى علمت انّك وهم شرع سواء، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: سلني عمّا بدا لك.
قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه، وعن الرجل كيف يذكر وينسى، وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال.
فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى ولده أبي محمد الحسن فقال: يا أبا محمد أجبه، فقال عليه السلام: أمّا ما ذكرت من أمر الرجل ينام أين تذهب روحه، فإنّ روحه متعلّقة بالروح، والروح(5) متعلّق بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة، فإن أذن الله تعالى بردّ الروح جذبت تلك الروح الروح، وجذب الروح الهواء فرجعت الروح فاُسكنت في بدن صاحبها، وإن لم يأذن الله تعالى بردّ الروح
____________
1- في "ج": لم ينقصهما.
2- راجع كتاب سليم: 90 وفيه اختلاف كثير.
3- في "ج": تركوا.
4- في "ب": بمؤمنين.
5- في "ج": متعلّقة بالريح والريح....
وأمّا ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان، فإنّ قلب الرجل في حق وعلى الحق طبق، فإن صلّى عند ذلك على محمد وآل محمد صلاة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق، فأضاء القلب وذكر الرجل ما كان نسي، وإن هو لم يصلّ وأنقص(1) من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق، فاُظلم القلب ونسى الرجل ما كان ذكره.
وأمّا ما ذكرته من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله، فإنّ الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن، وعروق هادئة، وبدن غير مضطرب اُسكنت تلك النطفة في جوف الرحم فخرج الرجل يشبه أباه، وإن أتاها بقلب غير ساكن اضطربت النطفة فوقعت على بعض العروق، فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه أخواله.
فقال الرجل عند ذلك: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثمّ قام فمضى، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لولده: أتبعه فانظر أين يقصد فخرج في أثره، قال: فما كان إلاّ أن وضع رجله خارج المسجد فما علمت أين أخذ من أرض الله، فأعلمت أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أبا محمد أتعرفه؟ فقلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم، فقال: هو الخضر عليه السلام(2).
____________
1- في "ج": أو نقص.
2- راجع كمال الدين: 313 ح1 باب 19; عنه البحار 36: 414 ح1; وفي علل الشرائع: 96 ح6; والاحتجاج 2: 9 ح148.
[ باب ]
[ فيه بعض قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ]
في أخذ الحد. روي انّ رجلا وافى(1) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين خذ حدّ الله في جنبي، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ماذا صنعت؟ قال: لطت بغلام، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لم توقب، قال: بل أوقبت يا أمير المؤمنين، فقال له: اختر من احدى ثلاث(2)، ضرباً بالسيف أخذ السيف منك ما أخذ، أم هدم جدار عليك، أو حرقاً بالنار.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وأيّها أشدّ تمحيصاً لذنوبي؟ فقال عليّ عليه السلام: الحرق بالنار، فقال: إنّي قد اخترته، [فنادى أمير المؤمنين بقنبر و](3) قال: يا قنبر اضرم له ناراً، فأضرم له النار فقال: يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن اُصلّي ركعتين وأحسن؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: صلّ.
____________
1- في "ب": أتى.
2- في "ج": واحداً من ثلاث.
3- أثبتناه من "ج".
قال: فبكى أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثمّ التفت إلى أصحابه وقال: من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا، ثمّ قال له: قم يا هذا الرجل فقد غفر الله لك ذنبك، ودرأ عنك الحد، فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين فحدّ الله في جنبه لا تقيمه؟ فقال: الحدّ الذي عليه لله هو للإمام، فإن شاء أقامه وإن شاء وهبه(1).
مرفوعاً إلى سلمان الفارسى رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وآله في المسجد إذ دخل العباس بن عبد المطلب، فسلّم فردّ النبي صلى الله عليه وآله ورحّب به، فقال: يا رسول الله بما فضل علينا عليّ بن أبي طالب أهل البيت والمعادن واحدة؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله: اذن اُخبرك يا عم، انّ الله خلقني وخلق علياً ولا سماء ولا أرض ولا جنّة ولا نار ولا لوح ولا قلم، فلمّا أراد الله عزوجل بدؤ خلقنا تكلّم بكلمة فكانت نوراً، ثمّ تكلّم بكلمة ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما واعتدلا فخلقني وعلياً منهما، ثمّ فتق من نوري نور العرش فأنا أجلّ من العرش، ثمّ فتق من نور عليّ نور السماوات فعليّ أجلّ من السماوات، ثمّ فتق من نور الحسن
____________
1- عنه البحار 79: 73 ح29.
وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه وتقول في تسبيحها: سبّوح قدّوس من أنوار ما أكرمها على الله، فلمّا أراد الله عزوجل أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها ولا آخرها من أوّلها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحقّ هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا.
فقال الله: وعزّتي وجلالي لأفعلنّ، فخلق الله نور فاطمة عليها السلام يومئذ كالقنديل وعلّقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، ومن أجل ذلك سمّيت فاطمة الزهراء، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه فقال الله عزوجل: وعزّتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها.
قال سلمان: فخرج العباس فلقيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه وقال: بأبي عترة المصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على الله(1).
يرفعه إلى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: افتخر اسرافيل على جبرئيل فقال: أنا خير منك، قال: ولم أنت خير منّي؟ قال: لأنّي صاحب الثمانية حملة العرش، وأنا صاحب النفخة في الصور، وأنا أقرب الملائكة إلى الله عزوجل.
قال جبرئيل: أنا خير منك، فقال: بما أنت خير منّي؟ قال: لأنّي أمين الله على وحيه، وأنا رسوله إلى الأنبياء والمرسلين، وأنا صاحب الخسوف والقذوف(2)، وما
____________
1- عنه البحار 43: 17 ح16.
2- في "ج": الكسوف والخسوف.
قال الله تعالى: نعم، وأوحى(1) إلى القدرة أن انكشفي فانكشفت، فإذا على ساق العرش الأيمن مكتوب: لا إله إلاّ الله، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين [عليهم السلام أحبّاء الله](2)، فقال جبرئيل: يا ربّ فإنّي أسألك بحقّهم عليك إلاّ جعلتني خادمهم، قال الله تعالى: قد فعلت، فجبرئيل عليه السلام من أهل البيت وانّه لخادمنا(3).
يرفعه إلى محمد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام: أنا رسول الله والمبلغ عنه، وأنت وجه الله والمؤتمّ به، فلا نظير لي إلاّ أنت ولا مثلك إلاّ أنا.
وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام: يا عليّ انّ الله تبارك وتعالى خلقني وإيّاك من نوره الأعظم، ثمّ رشّ من نورنا على جميع الأنوار من بعد خلقه لها، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلينا، ومن أخطأه ذلك النور ضلّ عنّا، ثمّ قرأ: {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}(4) يهتدي إلى نورنا(5).
وروي مسنداً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله انّه قال: نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد، من عادانا عادى الله، ومن والانا وائتمّ بنا وقبل منّا ما أوحى الله
____________
1- في "ج": أومأ.
2- أثبتناه من "ج".
3- عنه البحار 16: 364 ح68.
4- النور: 40.
5- عنه البحار 68: 44 ح90.
يرفعه إلى محمد بن زياد قال: سأل ابن مهران عبد الله بن العباس في تفسير قول الله: {وإنّا لنحن الصافون * وإنّا لنحن المسبّحون}(3).
قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلمّا رآه النبي صلى الله عليه وآله تبسّم في وجهه وقال: مرحباً بمن خلقه الله تعالى قبل أبيه آدم(4) بأربعين ألف عام، فقلت: يا رسول الله أكان الابن قبل الأب؟ فقال: نعم، انّ الله تعالى خلقني وخلق علياً قبل أن يخلق آدم بهذه المدّة، خلق نوراً فقسّمه نصفين، فخلقني من نصفه وخلق علياً من النصف الآخر قبل الأشياء، فنورها من نوري ونور عليّ ثمّ جعلنا عن يمين العرش، ثمّ خلق الملائكة فسبّحنا فسبّحت الملائكة، وهلّلنا فهلّلت الملائكة، وكبّرنا فكبّرت الملائكة، وكان ذلك من تعليمي وتعليم عليّ، وكان ذلك في علم الله السابق انّ الملائكة تتعلّم منّا التسبيح والتهليل والتكبير، وكلّ شيء سبّح الله وكبّره وهلّله بتعليمي وتعليم عليّ.
وكان في علم الله السابق أن لا يدخل النار محبّ لي ولعليّ، وكذا كان في علمه أن لا يدخل الجنّة مبغض لي ولعليّ، ألا وإنّ الله عزوجل خلق ملائكة بأيديهم أباريق اللجين مملوّة من ماء الجنّة من الفردوس، فما أحد من شيعة عليّ إلاّ وهو طاهر الوالدين تقي نقي مؤمن بالله، فإذا أراد أبو أحدهم أن يواقع أهله جاء ملك من الملائكة الذين بأيديهم أباريق الجنّة، فطرح من ذلك الماء في إنائه الذي يشرب
____________
1- أثبتناه من "ج".
2- عنه البحار 68: 45 ح90.
3- الصافات: 165-166.
4- في "ج": خلقه الله تبارك وتعالى قبل كلّ شيء، خلقني الله وعلياً قبل أن يخلق آدم....
قلت: يا رسول الله ومن هم(1)؟ قال: أحد عشر منّي أبوهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ قال النبي صلى الله عليه وآله: الحمد لله الذي جعل محبّة عليّ والايمان سببين(2).
مرفوعاً إلى مسعدة قال: كنت عند الصادق عليه السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى ظهره متّكئاً على عصاه، فسلّم عليه فردّ عليه السلام، ثمّ قال الشيخ: يا ابن رسول الله ناولني يدك لاُقبّلها، فأعطاه يده فقبّلها ثمّ بكى، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما يبكيك يا شيخ؟
فقال: جعلت فداك أقمت [أنتظر](3) على قائمكم منذ مائة سنة، أقول هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبر سنّي، ودقّ عظمي، واقترب أجلي، ولا أرى فيكم ما أحبّ، أراكم مقتولين مشرّدين، وأرى أعداؤكم يطيرون بالأجنحة، وكيف لا أبكي.
فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام ثمّ قال: يا شيخ إن أبقاك الله حتّى ترى قائمنا كنت في السنام الأعلى، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلى الله عليه وآله، ونحن ثقله فقد قال النبي صلى الله عليه وآله: أنا مخلف فيكم الثقلين فتمسّكوا بهما فلن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
فقال الشيخ: لا اُبالي بعدما سمعت هذا الخبر، ثمّ قال الشيخ: يا سيّدي
____________
1- في "ج": كم هم.
2- عنه البحار 26: 345 ح18.
3- أثبتناه من "ج".
مرفوعاً إلى محمد بن يعقوب النهشلي قال: حدّثني الإمام عليّ بن موسى الرضا، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن اسرافيل، عن الله تعالى، قال الله: أنا الله الذي لا إله إلاّ أنا، خالق الخلق بقدرتي، واخترت منهم من شئت نبيّاً، واخترت من جملتهم(2) محمداً حبيباً وخليلا وصفيّاً، وبعثته رسولا إلى سائر خلقي، وجعلته سيّدهم وخيرهم وأحبّهم إليّ.
واصطفيت عليّاً فجعلته أخاً له ووزيراً ووصيّاً ومؤدّياً عنه بعده إلى خلقي، وخليفته على عبادي يبيّن لهم كتابي، ويسير فيهم بحجّتي، وجعلته العلم الهادي من الضلالة، وبابي الذي اُوتي منه، وبيتي الذي من دخله كان آمناً من ناري، وحصني الذي من لجأ إليه حصنته من مكروه الدنيا والآخرة، ووجهي الذي من توجّه به لم أصرف وجهي عنه، وحجّتي في أهل السماوات والأرض على جميع من فيهنّ من خلقي.
لا أقبل عمل عامل منهم إلاّ بالاقرار بولايته مع نبوّة أحمد، فهو يدي المبسوطة على عبادي، وعيني الناظرة إلى خلقي بالرحمة، وهو النعمة التي أنعمت بها على من أحببت من عبادي، فمن أحبّه وتولاّه أنعمت عليه بولايته ومعرفته، فبعزّتي حلفت وبجلالي أقسمت انّه لا يتولاّه أحد من عبادي إلاّ حرّمت عليه النار وأدخلته الجنّة، ولا أبغضه أحد من عبادي أو عدل عن ولايته إلاّ أبغضته وأدخلته النار(3).
____________
1- راجع البحار 36: 408 ح17 عن كفاية الأثر.
2- في "ج": جميعهم.
3- أمالي الصدوق: 184 ح10 مجلس 39; عنه البحار 38: 98 ح17.