الصفحة 351
والمشاقة(1) التي أغضى عنها عليه السلام في حال حياته فكيف لا يرضى بترك ما فيه مادة النزاع بعد وفاته، ولمّا عرف أهل بيته عليهم السلام انّهم متى أظهروه لم يتوجّه له إلاّ التعظيم والتبجيل، لا جرم انّهم دلّوا عليه وأظهروه.

الثاني: فضل مشهده الشريف الغروي على مشرفه أفضل الصلاة والسلام وما لتربته والدفن فيها من المنزلة والشرف.

روي عن أبي عبد الله(2) عليه السلام انّه قال: الغريّ قطعة من الجبل الذي كلّم الله عليه موسى تكليماً، وقدّس عليه تقدسياً، واتّخذ عليه ابراهيم خليلا، ومحمداً صلى الله عليه وآله حبيباً، وجعله للنبيّين مسكناً(3).

وروي انّ أمير المؤمنين عليه السلام نظر إلى الكوفة فقال: ما أحسن منظرك، وأطيب قعرك، اللّهمّ اجعل قبري بها(4).

ومن خواص تربته اسقاط عذاب القبر، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك، كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيت عليهم السلام.

وروي عن القاضي ابن بدر الهمداني الكوفي ـ وكان رجلا صالحاً متعبّداً ـ قال: كنت في جامع الكوفة ذات ليلة وكانت ليلة مطيرة، فدقّ باب مسلم جماعة ففتح لهم، وذكر بعضهم انّ معهم جنازة، فأدخلوها وجعلوها على الصفة التي تجاه باب مسلم بن عقيل رضي الله عنه.

ثمّ انّ أحدهم نعس فنام، فرأى في منامه قائلا يقول لآخر: ما نبصره(5) حتّى نبصر هل لنا معه حساب أم لا؟ فكشف عن وجه الميّت وقال لصاحبه: بل لنا معه

____________

1- في "ج": المناقشة.

2- في "ج": ابن عباس، والظاهر انّه خطأ.

3 و4) عنه البحار 100: 232.

5- في البحار: ما تبصره.


الصفحة 352
حساب وينبغي أن نأخذه منه معجلا قبل أن يتعدّى الرصافة، فما يبقى لنا معه طريق، فانتبه وحكى لهم المنام وقال: خذوه عجلا، فأخذوه ومضوا به في الحال إلى المشهد الشريف صلوات الله وسلامه على مشرفه(1).


إذا متّ فادفنّي إلى جنب حيدرأبي شبر أكرم به وشبير
فلست أخاف النار عند جوارهولا أتّقي من منكر ونكير
فعار على حامي الحمى وهو في الحمىإذا ضلّ(2) في المرعى عقال بعير

وروى جماعة من صلحاء المشهد الشريف الغروي صلّى الله على مشرفه، انّه رأى أنّ كلّ واحد من القبور التي في المشهد الشريف وظاهره، قد خرج منه حبل ممتد متصل بالقبة الشريفة صلوات الله على مشرفها(3).

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف وإذا رجل قد أقبل من البرية راكباً على ناقة وقدّامه جنازة، فحين رأى علياً عليه السلام قصده حتّى وصل إليه وسلّم عليه، فردّ عليه السلام وقال له: من أين؟ قال: من اليمن.

قال: وما هذه الجنازة التي معك؟ قال: جنازة أبي أتيت لأدفنه في هذه الأرض، فقال له عليه السلام: لِمَ لا دفنته في أرضكم؟ قال: أوصى إليّ بذلك وقال: انّه يُدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فقال له عليه السلام: أتعرف ذلك الرجل؟ قال: لا، فقال عليه السلام: أنا والله ذلك الرجل، أنا والله ذلك الرجل، أنا والله ذلك الرجل، قم فادفن أباك، فقام فدفنه(4).

ومن خواص ذلك الحرم الشريف انّ جميع المؤمنين يحشرون فيه، روي عن

____________

1- عنه البحار 100: 232.

2- في "ج": ضاع.

3- عنه البحار 100: 233.

4- عنه البحار 100: 233; ومستدرك الوسائل 2: 310 ح2056.


الصفحة 353
أبي عبد الله عليه السلام انّه قال: ما من مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها إلاّ حشر الله روحه إلى وادي السلام.

قال: ما جاء في ذلك من الأخبار والآثار انّه(1) بين وادي النجف والكوفة، كأنّي بهم حلق قعود يتحدّثون على منابر من نور(2). والأخبار في هذا المعنى كثيرة.

الثالث: في فضل زيارته عليه السلام وما جاء في ذلك من الأخبار والآثار.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انّه قال للحسين عليه السلام: تزوركم طائفة من اُمّتي تريد برّي وصلتي، إذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف، وأخذت بأعضادها فأنجيتها من أهواله وشدائده(3).

وعنه صلى الله عليه وآله انّه قال لعليّ عليه السلام: والله لتقتلنّ بأرض العراق فتدفن بها، قلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن انّ الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة، وعرصة من عرصاتها، وانّ الله تعالى جعل قلوباً من خلقه وصفوة من عباده تحنّ اليكم، وتحمل الأذى فيكم، فيعمرون قبوركم تقرّباً منهم إلى الله ومودّة لرسوله، اُولئك يا عليّ المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، وهم زوّاري غداً في الجنّة.

يا عليّ من زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حين يخرج(4) من زيارتكم كيوم ولدته اُمّه، فأبشر وبشّر أولياءك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين بما لا عين رأت، ولا اُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تعيّر

____________

1- هكذا في "الف" و "ب" والبحار، وفي "ج": قيل: وأين وادي السلام؟ قال: بين وادي النجف....

2- عنه البحار 100: 233; ونحوه في الكافي 3: 243 ح2; عنه البحار 6: 268 ح118.

3- البحار 10: 441; ومستدرك الوسائل 10: 228 ح11910 عن الفصول للسيد المرتضى.

4- في "ج": حين يرجع.


الصفحة 354
الزانية بزناها، اُولئك شرار اُمّتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي(1).

وروي عن صفوان الجمال قال: لما وافيت مع مولاي جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الغريّ(2) يريد أبا جعفر المنصور، قال لي: يا صفوان أنخ الناقة فإنّ هذا حرم جدّي أمير المؤمنين عليه السلام، فأنختها فنزل واغتسل وغيّر ثوبه وتحفّى وقال لي: افعل مثل ما أفعل.

ففعلت ثمّ قال: خُذ نحو الذكوات، وقال لي: قصّر خطاك، وألق ذقنك(3)الأرض، فإنّ لك بكلّ خطوة مائة ألف حسنة، ويمحى عنك [مائة](4) ألف سيّئة، ويرفع لك مائة ألف درجة، ويقضى لك مائة ألف حاجة، ويكتب لك ثواب كلّ صدّيق وشهيد مات أو قتل.

ثمّ مشى ومشيت معه [حافياً](5) وعلينا السكينة والوقار، نسبّح الله ونقدّس ونهلل إلى أن بلغنا الذكوات، فوقف عليه ونظر يمنة ويسرة وخط بعكازه وقال لي: اطلب، فطلبت فإذا أثر القبر في الخط، ثمّ أرسل دمعه وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ثمّ قال:

"السلام عليك أيّها الوصي البرّ التقي، السلام عليك أيّها النبأ العظيم، السلام عليك أيّها الصديق الشهيد، السلام عليك أيّها الوصي(6) الزكي، السلام عليك يا وصيّ [رسول](7) ربّ العالمين، السلام عليك يا خيرة الله من الخلائق أجمعين، أشهد أنّك حبيب الله وخاصته وخالصته، السلام عليك يا وليّ الله وموضع سرّه،

____________

1- فرحة الغري: 77; عنه البحار 100: 120 ح22.

2- في "ب": الكوفة.

3- في "ج": عينيك.

4- أثبتناه من "ج".

5- أثبتناه من "ج".

6- في "ج": الرضي.

7- أثبتناه من "ج".


الصفحة 355
وعيبة علمه، وخازن وحيه".

ثمّ انكبّ على القبر وقال:

"بأبي أنت واُمّي يا أمير المؤمنين، بأبي أنت واُمّي يا حجّة الخصام، بأبي أنت واُمّي يا باب المقام، بأبي أنت واُمّي يا نور الله التام، أشهد أنّك قد بلغت عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وآله ما حمّلت، ورعيت ما استحفظت، وحفظت ما استودعت، وحلّلت حلال الله، وحرّمت حرام الله، وأقمت أحكام الله، ولم تتعدّ حدود الله، وعبدت الله مخلصاً حتّى أتاك اليقين، صلّى الله عليك وعلى الأئمة من بعدك".

ثمّ قام فصلّى ركعتين عند الرأس الكريم، ثمّ قال: يا صفوان! من زار أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الزيارة، وصلّى هذه الصلاة، رجع إلى أهله مغفوراً ذنبه، مشكوراً سعيه، ويكتب له ثواب كلّ من زاره من الملائكة، وانّه ليزوره في كلّ ليلة سبعون قبيلة، قلت: وكم القبيلة؟ قال: مائة ألف.

ثمّ خرج القهقرى وهو يقول: "يا جدّاه يا سيّداه يا طيّباه يا طاهر، لا جعله الله آخر العهد منك(1) ورزقني العود إليك، والمقام في حرمك، والكون معك ومع الأبرار من ولدك، صلّى الله عليك وعلى الملائكة المحدقين بك"، قلت: يا سيّدي أتأذن لي أن اُخبر أصحابنا(2) من أهل الكوفة؟ فقال: نعم، وأعطاني درهم فأصلحت القبر(3).

وقال الصادق عليه السلام: من ترك زيارة أمير المؤمنين عليه السلام لم ينظر الله إليه، ألا تزوروا من تزوره الملائكة والنبيّون عليهم السلام، وانّ أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام أفضل من كلّ الأئمة، وله مثل ثواب أعمالهم وعلى قدر

____________

1- في "ج": من زيارتك.

2- في "ج": أصحابك.

3- فرحة الغري: 94; عنه البحار 100: 279 ح15.


الصفحة 356
أعمالهم فضّلوا(1).

وقال عليه السلام: انّ أبواب السماء لتفتح عند دخول الزائر لأمير المؤمنين عليه السلام(2).

وقال عليه السلام: انّ بظاهر الكوفة قبر ما زاره مهموم إلاّ فرّج الله همّه.

وحكى بعضهم قال: كنت عند الصادق عليه السلام فذكر أمير المؤمنينعليه السلام فقال:(3) يا ابن مارد من زار جدّي عارفاً بحقّه كتب الله له بكلّ خطوة حجة مقبولة، وعمرة مبرورة، والله يا ابن مارد ما يطعم الله النار قدماً تغبّرت في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ماشياً كان أو راكباً، يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب(4). والأخبار في هذا المعنى كثيرة.

الرابع: إيتاء ذي القربى.

وهو صلة الذرية العلوية، فإنّ الله تعالى أكّد الوصية فيهم، وجعل مودّتهم أجر الرسالة بقوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى}(5).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الأرض، رجل نصر ذريتي(6)، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق، ورجل سعى في قضاء حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا، ورجل أحبّ

____________

1- الخصائص للرضي: 40; عنه مستدرك الوسائل 10: 212 ح11883.

2- عنه البحار 100: 262 ح16.

3- زاد في "ج": فقال ابن مارد لأبي عبد الله عليه السلام: ما لمن زار جدّك أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال:....

4- فرحة الغري: 75; عنه البحار 100: 260 ح10.

5- الشورى: 23.

6- في "ب": ديني.


الصفحة 357
ذريتي باللسان والقلب(1).

وقال الصادق عليه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيّها الخلائقانصتوا فإنّ محمّداً يكلّمكم، فتنصت الخلائق فيقوم النبي صلى الله عليه وآله ويقول: يا معاشر الخلائق من كان له عندي يداً أو منّة أو معروفاً فليقم حتّى اُكافيه، فيقولون: وأيّ يد، وأيّ منّة، وأيّ معروف لنا؟! بل اليد والمنّة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق.

فيقول صلى الله عليه وآله: من آوى أحداً من أهل بيتي، أو برّهم، أو كساهم من عرى، أو أشبع جائعهم فليقم حتّى اُكافيه، فيقوم اُناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند الله: يا محمّد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك، فأسكنهم حيث شئت من الجنّة، فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد وأهل بيته صلوات الله عليهم(2).

وذكر ابن الجوزي ـ وكان حنبلي المذهب ـ في كتاب تذكرة الخواص انّ عبد الله بن المبارك كان يحجّ سنة ويغزو سنة وداوم على ذلك خمسين سنة، فخرج في بعض سنيّ الحج وأخذ معه خمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة ليشتري جمالا للحج، فرأى امرأة علويّة على بعض المزابل تنتف ريش بطة ميتة.

قال: فتقدّمت إليها فقلت: لِمَ تفعلين [هذا](3)؟ فقالت: يا عبد الله لا تسأل عمّا لا يعنيك(4)، قال: فوقع من كلامها في خاطري شيء فألححت عليها، فقالت: يا عبد الله قد ألجأتني أن أكشف سرّي إليك، أنا امرأة علوية ولي أربع بنات يتامى مات أبوهنّ من قريب، وهذا اليوم الرابع ما أكلنا شيئاً وقد حلّت لنا الميتة،

____________

1- الكافي 4: 60 ح9; من لا يحضره الفقيه 2: 65 ح1726.

2- من لا يحضره الفقيه 2: 65 ح1727; والوسائل 11: 556 ح3.

3- أثبتناه من "ج".

4- زاد في "ب": تقع في ما لا يرضيك.


الصفحة 358
فأخذت هذه البطة أصلحها وأحملها إلى بناتي ليأكلنها.

قال: فقلت في نفسي: ويحك يا ابن المبارك أين أنت من هذه الفرصة، [قلت:](1) افتحي ازارك، فصببت الدنانير في طرف ازارها وهي مطرقة لا تلتفت، قال: ومضيت إلى المنزل ونزع الله من قلبي شهوة الحج في ذلك العام، ثمّ تجهّزت إلى بلادي وأقمت حتّى حجّ الناس وعادوا، فخرجت أتلقّى جيراني وأصحابي، فجعلت كلّ من أقول له: قبل الله حجّك وسعيك، يقول: وأنت قبل الله حجّك وشكر سعيك، إنّنا قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثر عليّ الناس في هذا القول.

فبتّ متفكّراً فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وهو يقول: يا عبد الله أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله عزوجل أن يخلق على صورتك ملكاً يحجّ عنك كلّ عام إلى يوم القيامة، فإن شئت أن تحجّ وإن شئت أن لا تحج(2).

وذكر ابن الجوزي أيضاً قال: كان ببلخ رجل من العلويين نازلا بها وله زوجة وبنات فتوفى، قالت المرأة: فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفاً من شماتة الأعداء، واتّفق وصولي في شدّة البرد، فأدخلت البنات مسجداً ومضيت لأحتال في القوت.

فرأيت الناس مجتمعين على شيخ فسألت عنه فقيل: هذا شيخ البلد، فشرحت له الحال فقال: أقيمي البيّنة انّك علوية ولم يلتفت إليّ، فيئست منه وعُدت إلى المسجد فرأيت في طريقي شيخاً جالساً على دكّة وحوله جماعة، فقلت: من هذا؟ فقيل: ضامن البلد وهو مجوسي، فقلت: [أمضي إليه](3) عسى أن يكون لنا عنده فرج.

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- تذكرة الخواص: 381; عنه كشف اليقين: 485; والبحار 42: 11 ح12; وينابيع المودّة: 467.

3- أثبتناه من "ج".


الصفحة 359
[فجئت إليه](1) فحدّثته حديثي وما جرى لي مع شيخ البلد، فصاح بخادم له فخرج فقال: قل لسيّدتك تلبس ثيابها، فدخل وخرجت امرأته ومعها جوارها، فقال لها: اذهبي مع المرأة إلى المسجد الفلاني واحملي بناتها إلى الدار، فجاءت معي وحملت البنات، فجئنا وقد أفرد لنا مقاماً في داره وأدخلنا الحمّام وكسانا ثياباً فاخرة، وجاءنا بألوان الطعام، وبتنا بأطيب ليلة.

فلمّا كان نصف الليل رأى شيخ البلد المسلم في منامه كأنّ يوم القيامة قد قامت واللواء على رأس محمّد صلى الله عليه وآله، وإذا بقصر من الزمرد الأخضر، فقال: لمن هذا القصر؟ فقيل: لرجل مسلم موحّد، فتقدّم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فأعرض عنه فقال: يا رسول الله تعرض عنّي وأنا رجل مسلم؟! فقال صلى الله عليه وآله: أقم البيّنة عندي انّك مسلم، فتحيّر الشيخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: نسيت قولك للعلوية، وهذا القصر للشيخ الذي هي في داره.

فانتبه الشيخ وهو يلطم ويبكي، وبعث غلمانه إلى البلد وخرج بنفسه يدور على العلوية، فاُخبر انّها في دار المجوسي فجاء إليه وقال له: أين العلوية(2)؟ قال: عندي، قال: اُريدها، فقال: ما إلى هذا من سبيل، قال: هذه ألف دينار وسلمهنّ(3)إليّ، فقال: لا والله ولا مائة ألف دينار.

فلمّا ألحّ عليه قال: المنام الذي رأيته أنت رأيته أنا أيضاً، والقصر الذي رأيته لي اُعدّ وأنت تدلّ عليّ باسلامك، والله ما نمت أنا ولا أحد في داري حتّى أسلمنا على يد العلوية، وعادت بركتها علينا، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول لي: القصر لك ولأهلك بما فعلت مع العلوية، وأنت من أهل الجنّة، خلقكم الله عزوجل مؤمنين في القدم(4).

والأخبار في هذا المعنى كثيرة لا نطوّل بذكرها الكتاب.

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- في "ج": ألك علم بالعلوية.

3- في "ج": خذها وسلّمها إليّ.

4- تذكرة الخواص: 383; عنه كشف اليقين: 486; والبحار 42: 12 ح12; وينابيع المودّة: 468.


الصفحة 360

[ باب ]
[ في صفات أعدائه ](1)


وأمّا صفات أعدائه وما نُسب إليهم من المثالب وكثرة الخطايا والمعايب فكثيرة جداً، مرّ بعضها في الكتاب ونذكر أيضاً منها جملة يسيرة نختم بها الكتاب.

فمنها ما تضمّنه خبر وفاة الزهراء عليها السلام، قرّة عين الرسول، وأحبّ الناس إليه، مريم الكبرى، والحوراء التي أفرغت من ماء الجنّة من تفاحة من صلب رسول الله صلى الله عليه وآله(2) التي قال في حقّها رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ

____________

1- انّ هذا الباب حُذف من النسخة المطبوعة الموجودة في الأسواق، وجاءت في جميع النسخ الخطية، وكذلك أورده العلاّمة المجلسي في البحار 30: 347 ح164 فلاحظ، وقال في ذيل الحديث: إنّما أوردت هذا الكلام لاشتماله على بعض الأخبار الغريبة، وإن كان في بعض ما احتجّ به وهن أو مخالفة للمشهور، فسيتّضح لك حقيقة الأمر في الأبواب الآتية، والله الموفّق.

2- ورد هذا الخبر بطرق مختلفة في عدّة مصادر، منها: ميزان الاعتدال 2: 518; نظم درر السمطين: 177; ذخائر العقبى: 36; فرائد السمطين 1: 50 تحت رقم 381; الدر المنثور 4: 153 في سورة الاسراء; المستدرك على الصحيحين 3: 169.


الصفحة 361
الله يرضى لرضاك يا فاطمة ويغضب لغضبك(1)، وقال عليه وآله السلام: فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني(2).

وروي أنّه لمّا حضرتها الوفاة قالت لأسماء بنت عميس: إذا أنا متّ فانظري إلى الدار فإذا رأيت سجفاً(3) من سندس من الجنّة قد ضرب فسطاطاً في جانب الدار، فاحمليني وزينب واُمّ كلثوم فاجعلوني من وراء السجف وخلّوني وبين نفسي(4).

فلمّا توفّيت عليها السلام وظهر السجف حملتها وجعلتها وراءه، فغسلت وكفنت وحنطت بالحنوط، وكان كافوراً أنزله جبرئيل عليه السلام من الجنّة في ثلاث صرر، فقال: يا رسول الله ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: هذا حنوطك وحنوط ابنتك وحنوط أخيك عليّ مقسوم أثلاثاً، وانّ أكفانها وماءها وأوانيها من الجنّة، وانّها أكرم على الله تعالى أن يتولّى ذلك منها أحد غيرها.

وروي انّها توفّيت عليها السلام بعد غسلها وتكفينها وحنوطها لأنّها طاهرة لا دنس فيها، وانّه لم يحضرها إلاّ أمير المؤمنين عليه السلام، والحسن، والحسين، وزينب، واُمّ كلثوم، وفضّة جاريتها، وأسماء بنت عميس، وانّ أمير المؤمنين عليه السلام أخرجها ومعه الحسن والحسين في الليل وصلّوا عليها، ولم

____________

1- قد ورد هذا الحديث بطرق مختلفة في مصادر الشيعة والسنة، منها: مستدرك الحاكم 3: 167 ح4730; مناقب الإمام عليّ عليه السلام للمغازلي: 351 ح401; ذخائر العقبى للمحبّ الطبري: 39; المعجم الكبير للطبراني 22: 401 ح1001; وغيرها.

2- صحيح البخاري 4: 210 باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله; الجامع الصحيح للترمذي 5: 359 ح3959; المسند لأحمد بن حنبل 4: 326; المعجم الكبير للطبراني 22: 405 ح1014; مستدرك الحاكم 3: 195 ح1013.

3- السجف: الستر.

4- في البحار: خلّوا بيني وبين نفسي.


الصفحة 362
يعلم بها أحد ولا حضروا وفاتها، ولا صلّى عليها أحد من سائر الناس غيرهم، لأنّها عليها السلام أوصت بذلك وقالت: لا تصلّي عليّ اُمّة نقضت عهد الله وعهد أبي رسول الله صلى الله عليه وآله في أمير المؤمنين عليّ، وظلموني حقّي، وأخذوا ارثي، وحرقوا صحيفتي التي كتبها إليّ أبي بملك فدك، وكذبوا شهودي، وهم ـ والله ـ جبرئيل وميكائيل وأمير المؤمنين واُمّ أيمن.

وطِفْتُ عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين يحملني ومعي الحسن والحسين ليلا ونهاراً، آتي منازلهم اُذكّرهم الله بالله وبرسوله ألاّ تظلمونا ولا تغصبونا حقّنا الذي جعله الله لنا، فيجيبونا ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهاراً. ثمّ ينفذون إلى دارنا قنفذاً ومعه عمر وخالد بن الوليد ليخرجوا ابن عمّي علياً إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة، فلا يخرج إليهم متشاغلا بوصاة(1) رسول الله صلى الله عليه وآله وبأزواجه وبتأليف القرآن، وقضى ثمانين ألف درهم وصّاه بقضائها عنه عداتاً وديناً، فجعلوا الحطب الجزل على بابنا وأتوا بالنار ليحرقونا(2).

فأخذت(3) بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي عليه السلام أن يكفّوا عنّا وينصرفوا(4)، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي، فالتوى السوط على عضدي حتّى صار كالدملج، وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل، فسقطت لوجهي والنار تستعر، وسفع(5) وجهي بيده حتّى انتثر قرطي من اُذني، فجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلا بغير جرم(6)، فهذه اُمّة تصلّي عليّ

____________

1- في البحار: بما أوصاه به.

2- في البحار: ليحرقوه ويحرقونا.

3- في البحار: فوقفت.

4- في البحار: وينصرونا.

5- سَفَعَ فلانٌ فلاناً: لطمه وضربه. (القاموس)

6- وفي ذلك كلّه يقول العلاّمة محمد حسين الاصفهاني:


لكن كسر الضلع ليس ينجبرالاّ بصمصام عزيز مقتدر
إذ رضّ تلك الأضلع الزكيّةرزيّة لا مثلها رزيّة
ومن نبوع الدم من ثدييهايعرب عظم ما جرى عليها
وجاوزوا الحدّ بلطم الخدّشلّت يد الطغيان والتعدي
فاحمرّت العين وعين المعرفةتذرف بالدمع على تلك الصفة
ولا تزيل حمرة العين سوىبيض السيوف يوم ينشر اللوى
وللسياط رنّة صداهافي مسمع الدهر فما أشجاها
والأثر الباقي كمثل الدملجفي عضد الزهراء أقوى الحجج
ولست أدري خبر المسمارسل صدرها خزانة الأسرار
والباب والجدار والدماءشهود صدق ما به خفاء


الصفحة 363
وقد تبرّأ الله ورسوله منهم وتبرّأت منهم(1).

فعمل أمير المؤمنين عليه السلام بوصيّتها ولم يعلم أحداً بها، فأصبح في البقيع ليلة دفنت فاطمة عليها السلام أربعون قبراً جدداً.

ثمّ انّ المسلمين لمّا علموا بوفاة فاطمة عليها السلام ودفنها جاؤوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام يعزّونه لها وقالوا: يا أخا رسول الله أمرت(2) بتجهيزها وحفر تربتها؟ فقال عليه السلام: قد ورّيت ولحقت بأبيها صلوات الله عليه وآله، فقالوا: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، تموت ابنة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله ولم يخلّف فينا ولداً غيرها ولا يصلّى عليها، إنّ هذا لشيء عظيم.

فقال عليه السلام: حسبكم ما جنيتم على الله وعلى رسوله في أهل بيته، ولم أكن والله لأعصيها في وصيّتها التي أوصت بها في أن لا يصلّي عليها أحد منكم، وما بعد العهد فأغدر، فنفض القوم أثوابهم وقالوا: لابدّ لنا من الصلاة على ابنة رسول

____________

1- انّ حديث الدار والباب والضرب واسقاط محسن وكسر الضلع ورد في كثير من مصادر الخاصة والعامة، منها: دلائل الإمامة للطبري: 45; وأمالي الصدوق: 116 ح2 مجلس 28; أمالي الطوسي 1: 191; كامل الزيارات لابن قولويه: 332-333; تفسير العيّاشي 2: 307-308; اقبال الأعمال لابن طاووس: 625; اثبات الوصية: 23-24; المناقب لابن شهر آشوب 3: 358 على ما نقله عن كتاب المعارف لابن قتيبة; الملل والنحل للشهرستانى 1: 57; الفرق بين الفرق للاسفرائيني: 107; الوافي بالوفيات 5: 347 على ما نقله المحدّث القمي في سفينة البحار; وغيرها من المصادر الكثيرة.

2- في البحار: لو أمرت.